![]() |
:: قصيدة في مدح أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها : حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيــبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ عَقِيلَةُ حَيّ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ مُهَذّبَةٌ قَدْ طَيّبَ اللّهُ خِيمَهَا وَطَهّرَهَا مِنْ كُلّ سُوءٍ وَبَاطِلِ فَإِنْ كُنْت قَدْ قُلْت الّذِي قَدْ زَعَمْتُمْ فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي وَكَيْفَ وَوُدّي مَا حَيِيت وَنُصْرَتِي لِآلِ رَسُولِ اللّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النّاسِ كُلّهِمْ تَقَاصَرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ فَإِنّ الّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطِ وَلَكِنّهُ قَوْلُ امْرِئِ بِي مَاحِلِ فكيف وُودِّي ماحييتُ ونُصرتي لآلِ نبيِّ اللهِ زينِ المحامد له ُرتبٌ عالٍ على الناس كلهم تقَاصرُ عنه َسْورةُ المتطاول رأيُتكِ وليغفر لك الله حرةً من المحصنات غيرَ ذاتِ غوائل معاني الأبيات: حصان رزان ما تُزن بريبة ******* وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حصان: المحصنة العفيفة رزان: الرزينة كاملة العقل، كما يقال رجل رزين وامرأة رزان أو رزينة ما تزن: أي لا تتّهم غرثى: جائعة ومعناه أنها لا تغتاب الناس لأنها لو اغتابتهم لشبعت من لحومهم، من قوله تعالى : " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه" الغوافل: جمع غافلة أي الغافلة عن الشر والفواحش حليلة خير الناس دينا ومنصبا******* نبي الهدى والمكرمات الفواضل حليلة خير الناس: أي زوجة خير الناس صلى الله عليه وسلم عقيلة حي من لؤي بن غالب******* كرام المساعي مجدها غير زائل العقيلة: السيدة الكريمة وتطلق على الزوجة من لؤي بن غالب: لؤي بن غالب من أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أجدادها، أي هو جد مشترك لهما وربما لقريش كلها مهذبة قد طيب الله خيمها******* وطهرها من كل شين وباطل الخيم: الأصل ،أي قد طيب الله أصلها شين: القبيح فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم ******* فلا رفعت إلي سوطي أناملي هنا يدعو على نفسه بأن لا ترفع له يده السوط، وقد يكون يقصد به الموت، إن كان قد خاض في الإفك كما يتهمه البعض، فهو ينفي عن نفسه هذه التهمة وإن الذي قد قيل ليس بلائط ******* بها الدهر بل قول امريء بها ماحل "متماحل" لائط: لازق أي أن ما اتهمت به من إفك وكذب ليس بلازق بها ولا دائم الماحل: أو المتماحل أي المتغير والزائل أو لها معنى آخر اي من يسعى بالشر والكيد، اي هو قول شخص قد سعى بالشر والنميمة فكيف وودي ما حييت ونصرتي******* لآل رسول الله زين المحافل أي فكيف أقول مع القائلين بالإفك وأنا وُدي وحبي ونصرتي ما حييت للرسول وآله له رتب عال على الناس كلهم******* تقاصر عنه سورة المتطاول أي له الرتبة والمكانة العالية والدرجة الرفيعة التي لا يصلها أحد من الناس وتقصر عنها حتى َسْورةُ المتطاول أي وثبة المتعالي رأيتك وليغفر لك الله حرة ******* من المحصنات غير ذات غوائل غوائل: جمع غائلة أي الشر والفساد |
قصيدة في مدح أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها نظم خزانة آل باعلوي
جزاه الله ألف خير وبارك الله فيه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمبن والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إخواني وأحبابي أعضاء منتدى نصاب العوالق السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه هذه قصيدة في مدح أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها نظمتها عندما رأيت من لاخلاق لهم يتطاولون عليها بألسنتهم النتنة رضي الله عنها وأرضاها وإليكم القصيدة أرجو أن تحوز إعجابكم الحمـد لـرب السمـاء العاليـة = علـى دوام النعمـة والعافـيـة ثـمّ صـلاة مستمـرة بـا قيـة = على المظلل بالغمامـة الماشيـة وبعـد هـذه فضائـل عائشـة = بذكرها تروى النفوس العاطشـة هـذه أم المؤمنـيـن عائـشـة = حبيبـة حبـيـب لله الغالـيـة أنبـتـهـا الله نباتـا ًحـسـنـا = والدهـا قـد صحـبـا نبيـنـا فضلـت الآخـرة علـى الدنـا = مـاهــذه الدنيـا إلافـانـيـة بنت حكيمٍ خطبـت للمصطفـى = بنت أبي بكرصديق المرتضـى ياسعد عائشـة بحـب المجتبـى = قصتهـا مـدى الزمـان باقيـة الى المدينة هاجرت مـن بيتهـا =مـع أخيهـا وأمهـا وأختـهـا أم رومـان هـيّـأت إبنتـهـا = لمحمدٍ نعـم العـروس الوافيـة لها مناقـب وفضائـل زاخـرة = فهي المبرأة البريئـة الطاهـرة برّأهـا رب السمـاء العامـرة = حاشا وكـلا أن تكـون خاطئـة في سورة النور براءتهـا أتـت = من بعد ماقدحزنـت ومرضـت في حقها قرآن يتلى كـل وقـت = وفي يومنا ومدى الدهور الماضية سألوا النبـي مـن احـب إليـه = فقـال عائشـة التـي ترضيـه قالوا لـه ومـن الرجـال لديـه = قال أبوها ذو الايـادي العاطيـة لم يتزوج قـط بكـراً غيرهـا = والوحي جاءه وهو فـي لحافهـا وقبض فـي سحرهـا ونحرهـا = فضـائـل عالـيـة متوالـيـة يحبـهـا حبيبـنـا كـثـيـرا = كـان يناديهـا بيـا حمـيـراء ليس لها مـن النسـاء نظيـرا = لهـا ثبوتـاً كالجبـال الراسيـة يامن لها في الكرم بـاع طويـل = تنفق ما عندها في صبحٍ وليـل ترعى الارامل واليتيم والعليـل = تبيـت ليـالـي طوالاًطـاويـة في علمها فاقت جميـع العلمـاء = شهد ْبذلـك الصحابـة العظمـاء لها فتـاوى صحيصـة وعندمـا = تصدرها تمسي القلـوب شافيـة يامن لها في العلم بحـرٌ فائـض = لاسيمـا الحديـث والفـرائـض كلامهـا ليـس لـه نقـائـض = جواهرٌمنظومـةٌ مـتـسـاويـة فضـائـل عائـشـة كثـيـرة = فـي أمهـات الكتـب الكبيـرة فهـي ميسـرة وهـي وفـيـرة = يقرأها أهـل العقـول الواعيـة ماينكـر فضلـهـا إلاجـاحـد = مخـالـفٌ للـديـن ومعـانـد ذو حسـدٍ وذو عـقـلٍ فـاسـد = تبـع هـواه ونفسـه الغـاويـه عاشت مع المختار فـي سعـادة = عيشة أهـل الزهـد والزهـادة هـكـذاجـلّ جـلالــه أراده = له شـؤنٌ فـي عبـاده خافيـة أمّـاه أنــي أحــد بنـيـك = ولايطيـب الـمـدح الاّفـيـك مـعـذرةً إن لـــم أكن أُفّـيــك = تعجز عن وصفك ألسن حاكيـة وختمها صلوا على طه الاميـن = محمـد خيـر العبـاد أجمعيـن وآلــه وصحـبـه المتقـيـن = عد الكواكب والنحوم الضاويـة |
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهماومن لا يعرف عائشة ؟؟؟؟!!!وهي أكثر ممن روى الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اعلموا عباد الله أننا لما نتكلم عن عائشــة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها يدفعنا لذلك عظيم حقهـا عليناالذي جعله الله لها وأوجبه على كل مسلم فعائشـة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ليست كغيرهامن النسـاء هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرض علينا حبها واختارها زوجة لنبيهصلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وسماها أم المؤمنين قال تعالى: " وأزواجه أمهاتهم" وبرأها من فوق سبع سماوات مما رماها به المنافقون وورثتهم إلى عصرناالحالي الذين يرمونها بالفاحشة (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) شل الله ألسنتهم وجـازاهم بسـوء صنيعهم وهل يختار الله سبحانه لنبيه إلا طاهرمطهرة نقية ؟ فهل من متفكر؟! وحتى تعلموا شناعة القول: فليتخيل كل واحد منا أنه طعن في شرفه واتهمت زوجته بالفاحشة فعلى أي حـال سيكون ؟ فكيف إذا كان المطعون بها زوجة خير الورى صلى الله عليه وسلم فهل أعراضنا أغلى من عرضه؟ واعلموا أن مما يجب على كل مسلم اعتقاده أن عائشة أم المؤمنين مطهرة ومن قول أهل الكذب والبهتان مبرأة ولانشك بأن الله جل وعلا لا يمكن أن يجعل تحت نبيِّه إلا مطهرة عفيفة مصونة هذا من صميم عقيدتنا نحن أهل السنـة والجماعة .. ومن زعم في عائشة أم المؤمنين غير هذا مما رماها به أهل البهتان كرأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول ووارثيه إلى هـذا الزمـان كرميهم لها بالفاحشة فهذا كــــافـربإجماع المسلمين "وغداً عند ربهم يجتمعون فيقتص المظلوم ممن ظلمه فيـا ويـح مــن كــان خصمـه محمـدا صلى الله عليه وسلم.." فالله الموعد.. فعليك يامسلم أن تعتقد هذه العقيدة الصحيحة في أمك الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات وأن تبرأ من كل قول يقدح بها وبعدالتها وأعلم أن الطعن فيها طعن في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وقدح في حكمة الله سبحانه الذي اختارها زوجة لنبيه كما أنه يجب عليك أن تبغض كل ملة تدين وتعتقد الطعن في عائشة أم المؤمنين واتهامها بالرذيلة وإن تسمى أصحابها باسم الإسلام وتلفظوا بالشهــادتين فإن من اعتقد ذلك كــافـر لا تجوز محبته ولا موالاته ولا أكل ذبيحته ولا الزواج منه ولا تزويجه |
ويكفي أن الله سبحانه وتعالى من عظيم حكمته ابتلى هؤلاء الرافضة باقترافهم لفاحشة الزنا يسمونها بغير اسمها "جزاء وفاقا" لطعنهم بعائشة أم المؤمنين المطهرة العفيفة المبرأة .
فالواجب عليك أيها المسلم محبةعائشةأم المؤمنين وموالاتها ومعرفة تمام قدرها ومنزلتها واعتقاد هذه العقيدة دون النظرلأقاويل المرجفين الدخلاء على ديننا وشرعنا ويكفي أن الله سماها أم المؤمنين هي وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمن لم تكن عائشةأم المؤمنين أمه فليس بمؤمن ومن تبرأمنها فحريُّ به أن يحـال بينه وبين جنــــان الخلـد فإذا اعتقدت موالاتها ومحبتها فعدَّ ذلك أرجأ أعمالك عند الله واعلم أنك عملت عملاً عظيماً تستحق عليه الأجر من الكريم الذي لا يضيع أجر من المحسنين هذا واعلموا أنه لا يحزن على عائشةأم المؤمنين إلا من كانت هي أمـه وأما أولئكالسقط المتهافتون وراء الإفك الصادون عن الحق الطاعنون في خير الخلق فإياك وإياهم واحذر طريقهم فإنهم يقودون إلى الهاوية والتبرؤ من خيرالبشر أصحابالنبي صلى الله عليه وسلم وموالاة كل كافر وفاجر ان دورنا لايتجاوز في هذا العرض.. مجرد النقل لما تيسر عن مكانة.. وعلو.. ام المؤمنينرضي الله عنها وارضاها.. فقد تواضعت اقلامنا.. بل عجــزت.. ان تاتي بجديد عن ام المؤمنين .. خاصة وقد نزل فيها من القرآن ما يتلى الى يوم القيامة.. فهل.. بعد حكم الله.. من اقلام !!وهل بعد كلام الله من كلمات!!. لكنه زمن تمادى البعض فيه.. فاردنا اننذكر ذلك البعض كـ( معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون) الاعراف 164 فهي عائشة.. رضي الله عنها.. ام المؤمنين بنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي بكرعبد الله بن ابي قحافة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأفقه نســاء الامة على الاطلاق.... فلا يوجد في امة محمد عليه الصلاة والسلام بل ولا في النســاء مطلقاً امرأة اعلم منها... فإن الله سبحانه وتعالى امتن على أناس من عباده فاختصهم بالفضل والرفعة وعلو الشأن وأجرى على أيديهم من الفضائل مالايستطيع وصفه واصف ولا حصره متتبع ومن هؤلاء النفر الكرام الذين اصطفاهم الله سبحانه بالتكرمة والتعظيم الطاهرة المطهرة والصديقة بنت الصديق المبرأة منفوق سبع سماوات أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق فراش رسول الله وعفته وريحانته وحبيبته فكم لها من الفضائل..فبأي ها نبدأ..؟! وكم لها من المنازل العظيمة.. فكيف نصفها ؟.. أليست هي التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم :"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" منقول |
كانت أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحين سئل:"من أحب الناس إليك ؟قال: عائشة، قالوا: من الرجال؟ قال: أبوها" وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليحب إلا طيبًا.
وكان خبر حبه صلى الله عليه وسلم لها أمراً مستفيضاً حيث إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم للنبي صلى الله عليه وسلم يوم عائشة أم المؤمنين من بين نسائه تقرباً إلى مرضاته فقد جاء في الحديث الصحيح: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان. فذكرت أم سلمة له ذلك فسكت فلم يردّ عليها فعادت الثانية فلم يرد عليها فلما كانت الثالثة قال: "يا أم سلمة، لاتؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها". لقد تبوأت أمّنا عائشة بنت الصديق رضي الله عنها مكانة عالية في قلب نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم فكانت أحب نسائه إليه..وكان بها لطيفاً رحيماًعلى عادته صلوات ربي وسلامه عليه "استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عائشة ترفع صوتها عليه فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يترضاها ويقول: " ألم تريني حلتُ بين الرجل وبينك ؟". ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى، فسمع تضاحكهما،فقال: أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما". كان صلى الله عليه وسلم يستأنس إليها في الحديث ويسرُّ بقربها ويعرف رضاهـا من سخطها فقد قال صلى الله عليه وسلم لها: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليَّ غضبى قالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: إذا كنت عني راضية قلت: لا ورب محمد وإذا كنت عليَّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم؛ قالت: أجل والله ما أهجر إلا اسمك". وكان يحملها على ظهره لترى لعب أهل الحبشة بالحراب في المسجد ويطيل حملها ويسألها أسئمت..؟فتقول لا وليس بها حـب النظر إلى اللعب ولكن لتعرف مكانتها عنده صلوات ربي وسلامه عليه كانت عائشة رضي الله عنها امرأة مباركة ما وقعت في ضيقة إلا جعل الله تعالى بسبب ذلك فرجاً وتخفيفاً للمسلمين تقول رضي الله عنها: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، انقطع عقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء فأتى الناسُ أبا بكر رضي الله عنه، فقالوا: ما تدري ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء!. قالت: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول،وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير : ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدناالعقد تحته فقال لها أبو بكر حين جاء من الله رخصة للمسلمين: والله الذي علمت يا بنيَّة أنك مباركة ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر" |
أمنا رضي الله عنها من أعلم الصحابة وأفقههم
كانت رضي الله عنها من أعلم الصحابة.. قال أبو موسى رضي الله عنه: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما وكانت مُوقرةً من الصحابة..يعرفون لها قدرها وعلمها ومنـزلتها بين الناس: نال رجل من عائشة عندعمار بن ياسر فقال له عمار: أغرب مقبوحاً أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وقال عمار:" إنها لزوجة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة" نشهد بالله إنها لزوجته. وكان مسروق رحمه الله إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سماوات. وقال معاوية رضي الله عنه: والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت رضي الله عنها وعن أبيها من أحسن الناس رأياً في العامة قال الزهري رحمه الله: لوجمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وقال مصعب بن سعد: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف..عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبةرسول الله صلى الله عليه وسلم. فما بال أقوام عميت أعينهم.. وطمست قلوبهم أن يعرفوا لها قدرها فهل مثلها تخفى شمائله وطيب خصاله؟ وهل من شهد له هؤلاء النفرالأخيار بالعلم والتقى تبقى في قلوبنا ريبة نحوه ولا نستشعر حبه؟! أما إنه لاينكر فضلها وزنة عقلها وطهارة قلبها وأنها حطت في الجنة رحلها لا ينكر ذلك إلامنافق مطموس القلب.. يمشي كالبهيمة العجماء.. " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا" وحين نتكلم عن ورع أم المؤمنبن عائشةرضي الله عنها وزهدها وخوفها من خالقها تتلاشى عند ذلك الكلمات وتهرب حينئذٍ المعاني خجـلاً أن تدرك بلوغ الثناء الذي يليق بها.. لقد كانت رضي الله عنهارمـزاً في الكرم وغايةً في العظمة وسخاء النفس كيف لا وقد تعلمتها ممن كان أصل الكرم والوفاء ومعلم البشرية كلها أخلاق الخير؟ بعث معاوية رضي الله عنه وعن أبيه إليها مرة بمائة ألف درهم فما أمست حتى فرقتها فقالت لها خادمتها: لو اشتريت لنامنها بدرهم لحماً؟ فقالت: ألا قلتِ لي. وقال عطاء: إن معاوية بعث لها بقلادةبمائة ألف ، فقسمتها بين أمهات المؤمنين وقال عروة ابن أختها :إن عائشة تصدقت بسبعين ألفاً،وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها... (شعرت جود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود) "وبعث إليها ابن الزبير رضي الله عنه بمال بلغ مائة ألف، فدعت بطبق فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: هاتي ياجارية فطوري،فقالت: يا أم المؤمنين أَما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لاتعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت" وكانت قمة التواضع فلا ترى نفسها شيئاً وهيَ منهيَ؟ وكانت تخاف ثناء الناس عليها فلا تودّ سماعه مخافة الفتنة.. "جاء ابن عباس رضي الله عنهما يستأذن على عائشة، وهي في المـوت، وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقيل لها: هذا ابن عباس يستأذن،قالت: دعني من ابن عباس لا حاجة لي به ولا بتزكيته،فقال عبد الله: يا أمّه..إن ابن عباس من صالحي بنيك يودِّعك ويسلم عليك. قالت: فأْذن له إن شئت ؛قال: فجاء ابن عباس، فلما قعد قال: أبشري فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب، وتلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبةإلا أنتفارق روحُك جسدك كنت أحـبَّ نســاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب إلا طيباً، سقطت قلادتك ليلة الأبواء ،وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقطها فأصبح الناس ليس معهم ماء ، فأنزل الله :" فتيمموا صعيداً طيباً" فكان ذلك من سببك وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة ثم أنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات، فأصبح ليس مسجدٌ يذكرُ فيه اسم الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار؛قالت: دعني يا ابن عباس فوالله وددت أني كنت نسياً منسياً" وقال ابنأبي مُليكة: إن ابن عباس استأذن على عائشة وهي مغلوبة فقالت: أخشى أن يُثني عليًّ،فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له فقال: كيف تجدينك ؟ فقالت: بخير إن اتَّقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء الله،زوجةُ رسول الله ولم يتزوج بكراً غيرك ونزل عذرك من السماء فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس وأثنى عليًّ وودت أني كنت نسياً منسياً رضي الله عنها قمــة التواضــع ومنتهى الذلة لله وهي تعلم أنها من أهل الجنة المحبوبة لخالقها سبحانه. شعرأمـاه عـذراً إذا ما الشعــر قـام على سـوق الكســاد ينـادي مـني واسيني مـالـي أراه إذا مـا جئـت أكتبـــه نـــاح القصيـدُ ونـوح الشعر يشجيني حــاولـت أكتـب بيتـاً في محبتكـم يا قمـــة الطهـر يا مـن حبكـم ديني فأطـرق الشـعـر نـحوي رأسه خجلاً وأسبـل الـدمـع مـن عينيـه في حينِ وقـال عــذرا فإنّـي مسـني خورٌ شـحّ القصيـدُ وقـام البيـتُ يـرثيـني كانت السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) عالمة مفسرة ومحدثة تعلم نساء المؤمنين، ويسألها كثير من الصحابة في أمورالدين،فقد هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسيروالحديث وإذا تطرقنا إلى دورها العظيم في التفسير فإننا نجد أن كونها ابنة أبو بكرالصديق هو أحد الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدها الصديق كما أن ذكائها وقوة ذاكرتها سبب آخر ونلاحظ ذلك من قولها لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)) ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهد نزول الوحي على رسول الله وكانت (رضي الله عنها) تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات فجمعت بذلك شـرف تلقـي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله وقد جمعت (رضي الله عنها) إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها و علو بيانها. كانت السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) تحرص على تفسيرالقرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) عن قوله تعالى(( حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كُذِبُوا جاء هم نصرنا…)) قلت: أكُذِبُوا أم كُذِّبُوا ؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قد استيقنوا بذلك فقلتلها:وظنَّوا أنهم قد كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن اتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك) وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسرالقرآن بالقرآن وبذلك فإن السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقد احتلت (رضي الله عنها) المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، حيث إنها أتت بعد أبي هريرة ، وابن عمر وأنس بن مالك وابن عباس (رضي الله عنهم) ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي السنة من السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير. كانت (رضي الله عنها) أذاً ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي وقد لاحظنا ذلك ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) وفضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام . السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) الفقيهة : تعد السيدة عائشة(رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدين، وكما ذكرنا سابقاًبأن أصحـاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقد ذكر القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بماعرفت من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها فهاهي (رضي الله عنها) تؤكد على تحريم زواج المتعة مستدلة بقول الله تعالى( والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)) الخلاصة : توفيت السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) وهي في السادسة و الستين من عمرها، بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية والاجتماعية والسياسية للمسلمين وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم لقد عاشت السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية فقد جمعت (رضي الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية ، فهي السيدة المفسرةالعالمة المحدثةالفقيهة وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء كما أن عروة بن الزبير قال فيها(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة) وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر) وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه للسيدة عائشة أم المؤمنين التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهـم والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي فهي بذلك أعتبرت امتدادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ادعو لنا بظهر الغيب ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته منقول |
قال الإمام النووي رحمه الله
فمن أقسم أن عائشة أمه فهو صادق ومن أقسم أنها ليست أمه فهو صادق وذلك لأنها أم المؤمنين وليست أما للمنافقين |
كان الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- كثيراً ما يبكي إذا سمع حادثة الإفك، ويقول: (عائشةبنت الصديق -رضي الله عنها-هي أم للمؤمنين بإجماع المسلمين، ومن زعم أنهازنت أو اتهمها بذلك فقد كفر بإجماع المسلمين).
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: (عائشة -رضي الله عنها- بنت الصديق هي أم المؤمنين بإجماع المسلمين، ومن زعم أنها زنت فقد كفر؛ لأنه مكذب لله في قوله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [النور:11]، سماه إفكاً؛ فالمقصود أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- هي أفضل أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عدا خديجة، قد اختلف العلماء في أيهما أفضل، ومن زعم أنها زنت أو اتهمها بذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع المسلمين مكذب لله ولرسوله، وهي براء من ذلك، وهي الصديقة بنت الصديق، وهي أفضل أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- ماعدا خديجة في تفضيلها نزاع بين أهل العلم، وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهن مطهرات مؤمنات تقيات أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن وأرضاهن-، يجب الإيمان بذلك والتصديق بذلك، واعتقاد أنهن من أطهر النساء وخير النساء وأفضل النساء). [من شريط: الأسئلة اليامية عن العقيدة الإسماعيلية]. قال الشيخ محمد الموسى: (وكثيراً ما كان يبكي أثناء الدروس، يتوقف قليلاً حتى يذهب ما بنفسه، إلا أنه أحياناً يُغْلَبُ على أمره، وكثيراً ما كان يبكي إذا سمع حادثة الإفك). [من كتاب: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز]. وقال الشيخ محمد الدحيم: (لما قرأ عليه الشيخ ابن قاسم في زاد المعاد قصة عائشة -رضي الله عنها- في الإفك الذي حصل لها، بكى الشيخ وانقطع الدرس بالبكاء). [من شريط: معالم تربوية من حياة الإمام ابن باز]. وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي: (ومن الشيء الذي عرفته به رقة القلب والخشوع ودمع العين، فهو يبكي أحياناً إذا قرئ مثلاً حديث قصة الإفك -قصة عائشة- يبكي وتدمع عينه، وهذا الموقف لا شك يؤثر على السامعين). [من شريط: هكذا عرفت ابن باز]. |
قضية الإفك المشهورة - لأبن عثيمن رحمه الله :
حادثة الإفك أخرجها لبخاري ، كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ، رقم ( 4141 ) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة التائب ، رقم ( 2770 ) . وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا ؛ أقرع بين نسائه ، وذلك من عدله عليه الصلاة السلام ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها ، فأقرع بين نسائه ذات سفرة ؛ فخرج السهم لعائشة فخرج بها . وفي أثناء رجوعهم عرّسوا في أرض ، يعني ناموا في آخر الليل ، فلما ناموا احتاجت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تبرز لتقضي حاجتها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل في آخر الليل ، فجاء القوم فحملوا هودجها ولم يشعروا أنها ليست فيه ؛ لأنها كانت صغيرة لم يأخذها اللحم ، فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها ست سنين ، ودخل عليها ولها تسع سنين ، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة ، فحملوا الهودج وظنوا أنها فيه ثم ساروا . ولما رجعت ؛ لم تجد القوم في مكانهم ، ولكن من عقلها وذكائها لم تذهب يميناً وشمالاً تطلبهم ؛ بل بقيت في مكانها وقالت : سيفقدونني ويرجعون إلى مكاني . ولما طلعت الشمس إذا برجل يقال له صفوان بن المعطل ، وكان من قوم إذا ناموا لم يستيقظوا ، كما هو حال بعض الناس الذين إذا ناموا لا يستيقظون ، حتى ولو علت الأصوات من حوله . فكان صفوان من جملة هؤلاء القوم ، فكان إذا نام ؛ تعمق في النوم فلا يمكن أن يستيقظ إلا إذا أيقظه الله عز وجل كأنه ميت . فلما استيقظ وجاء وإذا أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ وحدها في مكان في البر ـ وكان يعرفها قبل أن ينزل الحجاب ـ فما كان منه إلا أن أناخ بعيره ولم يكلمها بكلمة ، لم يقل لها : ما الذي أقعدك ؟ أو لماذا ؟ والسبب في أنه لم يتكلم هو احترامه لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يريد أن يتكلم مع أهله بغيبته رضي الله عنه ، فأناخ البعير ووضع يده على ركبة البعير ولم يقل اركبي ولا تكلم بشيء ، فركبت ثم ذهب بالبعير يقودها ، ولم يكن يسوقها حتى لا ينظر إليها ـ رضي الله عنه ـ . ولما أقبل على القوم ضحى وقد ارتفع النهار ؛ فرح المنافقون أعظم فرح أن يجدوا مدخلاً للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتهموا الرجل بالعفاف الرزان الطاهرة النقية فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اتهموه بها وصاروا يشيعون الفاحشة بأن هذا الرجل فعل ما فعل ، وسقط في ذلك أيضا ثلاثة من الصحابة الخلَص وقعوا فيما وقع فيه المنافقون ، وهم : مسطح بن أثاثة بن خالة أبي بكر ، وحسان بن ثابت رضي الله عنهما ، وحمنة بنت جحش . فصارت ضجة ، وصار الناس يتكلمون : ما هذا ؟ وكيف يكون ؟ من مشتبه عليه الأمر ، ومن منكر غاية الإنكار . وقالوا : لا يمكن أن يتدنس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أطهر الفراش على وجه الأرض . وأراد الله بعزته وقدرته وحكمته لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أن تمرض عائشة ـ رضي الله عنهاـ وبقيت حبيسة البيت لا تخرج ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من عادته إذا عادها في مرضها سأل وتكلم وتحفَّى . أما في ذلك الوقت فكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم ، يأتي ويدخل ويقول : (( كيف تيكم ؟ )) أي كيف هذه ، ثم ينصرف ، وقد استنكرت ذلك منه رضي الله عنها ، ولكنها ما كان يخطر ببالها أن أحدا يتكلم في عرضها بما فيه دنس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد أشاع المنافقون هذه الفرية على الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كراهة لذاتها ؛ ولكن كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبغضاً له ، ومحبة في إيذائه وأن يدنس فراشه قاتلهم الله أنى يؤفكون . ولكن الله تعالى أنزل في هذه القصة عشر آيات من القرآن ابتدأها بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النور:11] ، والذي تولى كبره هو رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ المنافق ، فإنه هو الذي كان يشيع الخبر . لكنه خبيث لا يشيعه بلفظ صريح فيقول مثلاً إن فلاناً زنى بفلانة ، لكنه يشيع ذلك بالتعريض والتلميح ؛ كأن يقول : يذكر ، يقال ، يقولون : وما أشبه ذلك لأن المنافقين جبناء يتسترون ولا يصرحون بما في نفوسهم ، فيقول عز وجل : ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 11 ـ12] . وفي هذا توبيخ من الله عز وجل للذين تكلموا في هذا الأمر ، يقول : لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ، وذلك أن أم المؤمنين أمهم فكيف يظنون ما لا يليق بها رضي الله عنها، وكان الواجب عليهم لما سمعوا هذا الخبر ؛ أن ظنوا بأنفسهم خيراً وتبرؤوا منه وممن قاله . ( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) [النور:13] ، يعني هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء يشهدون على هذا الأمر . ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ولو صدقوا ، ولهذا لو أن شخصا شاهد إنسانا يزني ، وجاء إلى القاضي وقال أنا أشهد أن فلانا يزني ، قلنا : هات أربعة شهداء ، فإذا لم يأت بأربعة شهداء ؛ جلدناه ثمانين جلدة ، فإن جاء برجل ثان معه ؛ جلدناهم كل واحد ثمانين جلدة ، وثالث أيضا نجلد كل واحد ثمانين جلدة . فمثلاً لو جاءنا ثلاثة يشهدون بأنهم رأوا فلانا يزني بفلانة ، ولم يثبت ذلك ، فإننا نجلد كل واحد ثمانين جلدة ، ولهذا قال الله تعالى : ( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:13 ـ 14] . لولا الفضل والرحمة من الله ؛ لأصابكم فيما أفضتم فيه العقاب المذكور ، وفي قوله : ( أَفَضْتُمْ فِيهِ) دليل على أن الحديث انتشر وفاض واستفاض واشتهر ؛ لأنه أمر جلل عظيم خطير ، وقد جرت العادة بأن الأمور الكبيرة تنتشر بسرعة وتملأ البيوت ، وتملأ الأفواه والآذان ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:14 ، 15] . ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ )من غير روِيهّ ، ومن غير بينة ، ومن غير يقين، ( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) لأنه قذف لأطهر امرأة على وجه الأرض ، هي وصاحباتها زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالأمر صعب وعظيم . وفي ذلك أيضا تدنيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى يقول :(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) [النور: 26] . فإذا كانت عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل منها هذا الأمر ـ وحاشاها منه ـ فإن ذلك يدل على خبث زوجها والعياذ بالله ؛ لأن الخبيثات للخبيثين ، ولكنها رضي الله عنها طيبة وزوجها طيب ، فزوجها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها . ولهذا يقول تعالى :( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ ) [النور: 15] ، ثم قال تعالى : ( وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) يعني : هلا إذ سمعتموه ( قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور: 16] ، وهذا هو الواجب عليك ؛ أن تنزه الله أن يقع مثل هذا من زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : ( سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) . وتأمل كيف جاءت هذه الكلمة التي تتضمن تنزيه الله عز وجل ، إذ أنه لا يليق بحكمة الله ورحمته وفضله وإحسانه أن يقع مثل هذا من زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال تعالى : ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [النور:17] ، يعني لا تعودا لمثل هذا أبداً إن كنتم مؤمنين . ثم قال تعالى : ( وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[النور:18] . والحمد لله على بيانه ، ولهذا أجمع العلماء على أن من رمى أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بما جاء في حديث الإفك ؛ فإنه كافر مرتد ، كافر كالذي يسجد للصنم ، فإن تاب وأكذب نفسه ؛ وإلا قتل كافراً ؛ لأنه كذب القرآن مع أن الصحيح أن من رمى زوجه من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فإنه كافر ؛ لأنه منتقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كل من رمى زوجة من زوجات الرسول بما برّأ الله منه عائشة ؛ فإنه يكون كافر مرتداً ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل بالسيف ، وألقيت جيفته في حفرة من الأرض ، بدون تغسيل ، ولا تكفين ، ولا صلاة ؛ لأن الأمر خطير . ثم قال عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[النور:19 ، 20] . وسبق أن أشرنا إلى أن ثلاثة من الصحابة الخُلّص تورطوا في هذه القضية ، وهم: حسان بن ثابت رضي الله عنه ، ومسطح بن أثاثة ، وهو ابن خالة أبي بكر ، وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش ، وزينب بنت جحش زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وضرة عائشة ، ومع ذلك حماها الله ، لكن أختها تورطت ، ولما أنزل الله براءتها ؛ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحدّ الثلاثة حد القذف ، فجلد كل واحد ثمانين جلدة . أما المنافقون فلم يقم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الحد ، واختلف العلماء في ذلك : فقيل :لأن المنافق لا يصرحون وإنما يقولون : يُقال ، أو يذكر أو سمعنا ، أو ما أشبه ذلك . وقيل : لأن المنافق ليس أهلاً للتطهير ، فالحد طهرة للمحدود ، وهؤلاء المنافقون ليسوا بأهل للتطهير ، ولهذا لم يجلدهم الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ لأن لو جلدهم ؛ لطهرهم من موبق هذا الشي ، لكنهم ليسوا أهلاً للتطهير، فهم في الدرك الأسفل من النار ، فتركهم وذنوبهم ، فليس فيهم خير ، وقيل غير ذلك . وعلى كل حال فإن هذه القصة قصة عظيمة ، فيها عِبر كثيرة ، والله الموفق . |
حادثة الإفك .. دروس وعبر
حاول المنافقون الطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم بالافتراء على عائشة -رضي الله عنها- بما يُعرف في كتب السيرة بـ"حادثة الإفك"، والذي كان القصد منها النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته الأطهار؛ لإحداث الاضطراب والخلل في المجتمع الإسلامي، بعد أن فشلوا في إثارة النعرة الجاهلية لإيقاع الخلاف والفرقة بين المسلمين. وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الإفك.. وملخص القصة كما وردت في كتب الحديث والسيرة: أن المنافقين استغلوا حادثة وقعت لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في طريق العودة من غزوة بني المصطلق، حين نزلت من هودجها لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقدًا لها، فرجعت تبحث عنه، وحمل الرجال الهودج ووضعوه على البعير وهم يحسبون أنَّها فيه. وحين عادت لم تجد الرَّكْب، فمكثت مكانها تنتظر أن يعودوا إليها بعد أن يكتشفوا غيابها، وصادف أن مرَّ بها أحد أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه، فحملها على بعيره، وأوصلها إلى المدينة.. فاستغل المنافقون هذا الحادث، ونسجوا حوله الإشاعات الباطلة، وتولى ذلك عبد الله بن أبي بن سلول، وأوقع في الكلام معه ثلاثة من المسلمين: هم مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحَمنة بنت جحش.. فاتُّهِمت أم المؤمنين عائشة بالإفك. وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بما كان يقال إيذاء شديدًا، وصرح بذلك للمسلمين في المسجد، حيث أعلن ثقته التامة بزوجته وبالصحابي ابن المعطل السلمي، وحين أبدى سعد بن معاذ استعداده لقتل من تسبب في ذلك إن كان من الأوس، أظهر سعد بن عبادة معارضته؛ بسبب كون عبد الله بن أبي بن سلول من قبيلته، ولولا تدخل النبي صلى الله عليه وسلم وتهدئته للصحابة من الفريقين، لوقعت الفتنة بين الأوس والخزرج. ومرضت عائشة -رضي الله عنها- بتأثير تلك الإشاعة الكاذبة، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الانتقال إلى بيت أبيها، وانقطع الوحي شهرًا، عانى الرسول صلى الله عليه وسلم خلاله كثيرًا، حيث طعنه المنافقون في عِرضه وآذوه في زوجته، ثم نزل الوحي من الله موضحًا ومبرئًا عائشة رضي الله عنها: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [النور: 11-20]. وتوالت الآيات بعد ذلك تكشف مواقف الناس من هذا الافتراء، وتعلن -بجلاء ووضوح- براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي أكرمها الله فمنحها الجائزة والتعويض لصبرها على محنتها، وأنزل في براءتها آيات من القرآن الكريم تُتلى إلى يوم الدين. لقد كادت حادثة الإفك أن تحقق للمنافقين ما كانوا يسعون إليه من هدم وحدة المسلمين، وإشعال نار الفتنة بينهم، ولكن الله سلَّم، وتمكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته -وهو في تلك الظروف الحالكة- أن يجتاز هذا الامتحان الصعب، وأن يصل بالمسلمين إلى شاطئ الأمان. وهذه الحادثة مع ما فيها من آلام شديدة، تركت وراءها العديد من الحِكم الجليلة، والفوائد الكثيرة، التي ينبغي الاستفادة منها في واقعنا كأفراد ومجتمعات، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج بنبوته ورسالته، وفضله وعلو منزلته، عن كونه بشرًا، فلا ينبغي لمن آمن به أن يتصور أن النبوة قد تجاوزت به حدود البشرية، فينسب إليه ما لا يجوز نسبته إلا إلى الله وحده، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. كما أظهرت هذه الحادثة أن الوحي ليس شعورًا نفسيًّا أو إلهامًا، كما أنه ليس شيئًا خاضعًا لإرادته ورغبته صلى الله عليه وسلم؛ مما يدعيه محترفو التشكيك في الإسلام والتلبيس على المسلمين من أعداء الإسلام ومن سار وراءهم؛ إذ لو كان الأمر كذلك، لكان من السهل عليه صلى الله عليه وسلم أن ينهي هذه المحنة التي آذته وآذت زوجته والمسلمين من يوم وقوعها، لكنه لم يفعل؛ لأنه لا يملك ذلك.. فماذا كان يمنعه -لو أن أمر القرآن بيده- أن ينطق بهذه الآيات من بداية هذا الإفك وهذه الإشاعة الكاذبة؛ ليحمي بها عرضه، ويقطع ألسنة الكاذبين؟! ولكنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله، قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44-47].. وهكذا شاء الله أن تكون هذه المحنة دليلاً كبيرًا على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبوته في وقت واحد. ومن الحكم والفوائد المترتبة على هذه الحادثة، تشريع حد القذف وأهميته في المحافظة على أعراض المسلمين، فعندما وقعت حادثة الإفك أراد الله -عز وجل- أن يشرع بعض الأحكام التي تساهم في المحافظة على أعراض المؤمنين. ومن المعلوم أن الإسلام حرم الزنا، وأوجب العقوبة على فاعله، وحرم أيضًا كل الأسباب المؤدية إليه، من تبرج وسفور واختلاط ونظرة.. ومنها إشاعة الفاحشة، ومن ثَمَّ حرَّم الإسلام القذف، وأوجب على من اتهم عفيفًا أو عفيفة بالزنا -وهم منه براء- حَدَّ القذف، وهو الجلد ثمانين جلدة وعدم قبول شهادته إلا بعد توبته توبة صادقة نصوحًا. وفي ذلك صيانة وحفظ للمجتمع من أن تشيع فيه ألفاظ الفاحشة؛ لأن كثرة الحديث عن الفاحشة وتردادها في الألسن يُهوِّن أمرها لدى سامعيها، ويجرِّئ ضعفاء النفوس على ارتكابها، أو رمي الناس بها.. وفي ذلك تربية للمجتمع الإسلامي الأول ليكون نموذجًا للمجتمعات بعد ذلك. ولقد ظهر في هذه الحادثة فضل عائشة رضي الله عنها، فقد برأها الله من الإفك بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة، يتعبد المسلمون بتلاوته, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُم} [النور: 11]. فكم ارتفعت منزلتها -رضي الله عنها- بذلك! وقد كانت تقول كما روى البخاري: "ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يُتلى". ومن ثَمَّ فمَن اتهمها بعد ذلك بما برأها الله به، فهو مكذبٌ لله، ومن كذب الله فقد كفر. كما أكدت هذه المحنة على وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها,؛ حتى لا يقع الإنسان في الكذب والظلم، ويكون سببًا في نشر الإشاعات والفواحش، قال تعالى: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]. ومن الفوائد المهمة من هذه الحادثة، التوقف عند أمر الله عز وجل بالطاعة، وإن كانت مخالفة لرغبة الإنسان وهواه، وعدم ترك النفقة على الأقارب والفقراء وإن أساءوا، والحث على العفو والصفح عمن أساء إليك.. ظهر ذلك في موقف أبي بكر رضي الله عنه، الذي كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره، فلما أنزل الله براءة عائشة -رضي الله عنها- قال أبو بكر: "والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال في عائشة. فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]. فقال أبو بكر: "بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي". فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه. ةلقد كانت حادثة الإفك حلقة من سلسلة حلقات الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضل الله ورحمته أن كشف زيفها وبطلانها، وأبقى دروسها وفوائدها؛ لتكون عبرة وعظة للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وكل ذلك من الخير الذي كشفه الله في ثنايا هذا الحادث، مع ما فيه من ابتلاء وآلام، كما قال الله تعالى: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11]. منقول |
رؤية عصرية لحادثة الإفك
عزيز محمد أبوخلف باحث إسلامي ما هي حادثة الإفك؟ تتلخص حادثة الإفك في ترويج شائعة من قِبَل المنافقين وبعض المؤمنين تتضمن اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله بالزنا . حدث ذلك عندما تَخلَّفت أُمُّنا عن الجيش في غزوة بني المصطلق ، ثم أحضرها الصحابي صفوان بن المُعطِّل السُّلَمي رضي الله عنه على ظهر جمله . بعدها انطلقت الشائعات انطلاق النار في الهشيم ، ورَوَّجت لها أبواق الدعاية والشر أيَّما ترويج ، فعمَّت المجتمع بأسره ، ولم تقتصر على الأشخاص المعنيين بها أو البيت أو العائلة التي تنتمي إليها ، كما هو حال كثير من المشاكل الاجتماعية . ما هو مفهوم المشكلة؟ وهل تُعد حادثة الإفك مشكلة؟ يمكن تعريف المشكلة بأنها الشعور أو الإحساس بوجود صعوبة لا بد من تخطيها ، أو عقبة لا بد من تجاوزها ، لتحقيق هدف . أو يمكن القول إنها الاصطدام بواقع لا نريده ، فكأننا نريد شيئا ثم نجد خلافه . وحتى نتمكن من مواجهة المشاكل والتغلب عليها لا بد من أن ننهج طريقة معينة نشعر فيها بوجود المشكلة ، ونتعرف عليها ونُحدد طبيعتها ، ثم نفكر في الحلول المتعددة ، ثم نطبق الحل الأمثل ، ونتأكد من ذلك ، ثم نتفكر فيما حصل . وهذا يتطلب بذل الجهد في التفكير في مراحل متعددة وفي مواضيع كثيرة , وقد تحصل أحيانا بسرعة فائقة وقد تستغرق وقتا . لكن لا بد من التدرُّب والتمرُّس على ذلك واكتساب مهارات التفكير اللازمة لهذا الأمر . بناء على هذا التصور للمشكلة فان حادثة الإفك تعد في صميم المشاكل العويصة ، لأنها تعلقت بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشرت في المجتمع ، وكانت أطرافها كثيرة ، وقد ترتب عليها نتائج خطيرة وأحكام هامة ، ونزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة . وبالنسبة لأم المؤمنين عائشة فانه يمكن النظر إليها على أنها مشكلة ذات شقين : الأول عندما وجدت أم المؤمنين نفسها وحيدة وقد تركها الجيش ، والثاني عندما انتشرت الشائعة عنها وهي غافلة حتى عن مجرد التفكير في هذا الأمر . الطريقة التي عالجت بها أم المؤمنين هذه المشكلة يمكن تصور الخطوات التي قامت بها أُم المؤمنين عائشة على النحو التالي: 1. الشعور بوجود المشكلة والوقوع فيها . من المهم معرفة انه لا معنى للمشكلة ما لم يَحُس بها الشخص أو من له علاقة بها . فأُمُّنا عائشة أحسَّت أنها في مشكلة عندما عادت ولم تجد الجيش ، وهذا بالنسبة للشق الأول من المشكلة . أما من حيث الشق الثاني وهو اتهاما بالزنا ، فقد أحست بالمشكلة عندما أخبرتها أم مِسْطح بما يشيع عنها . فلم تكن تحس بها من قبل ، لأنها تعجبت مما قيل ، وقد دافعت أم المؤمنين عن مسطح في بداية الأمر عندما دعت عليه أمه قبل أن تخبرها بالقصة . 2. الحفاظ على التماسك النفسي وعدم التضعضع والخوف . فقد حافظت أُمُّنا على رباطة جأشها وتماسكت ، مع أن الموقف في غاية الشدة لأنها وحيدة وقد تركها الجيش ورحل . وأيضا حافظت على توازنها عندما سمعت بالإشاعة وامتصت الصدمة ، مع أنها تفاجأت وذُهلت لما قيل عنها ، وكانت تتمثل قوله تعالى : "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" . ويتحقق التماسك النفسي بالاستعانة بالله تعالى بالدعاء والصلاة والذكر ، وإحسان الظن بالله وبالمسلمين ممن لهم علاقة بالموضوع ، والتفاؤل بالخير . كما أن للجانب الإيماني العام تأثيره . ولا بد من الحفاظ على ذلك في كل مراحل حل المشكلة . وهذا ما تمسكت به أمنا عائشة على الرغم من انه قد رُوي عنها إنها تأثرت بالأمر وأنها مرضت وكانت تبكي بكاء شديداً ، لكن هذا تصرف طبيعي غريزي ، ولم يصل إلى الحد الذي يفقدها تماسكها . 3. تحديد ماهية المشكلة ومعرفة أبعادها . حددت أُمُّنا المشكلة في أن الجيش قد رحل وتركها فصارت وحيدة . وهذا يترتب عليه أن تخاف على نفسها من الموت أو الأسر أو الاعتداء . كما حدَّدت المشكلة في الشق الثاني وتعرفت عليها عندما علمت بالإشاعة ، وانهم قد رموها بالزنا . وأي تهمة هذه وماذا يمكن أن يترتب عليها ؟ 4. التفكير في حلول ممكنة للمشكلة . ماذا يمكن أن يكون جال بخاطر أمُّنا : • اللحاق بالجيش ، لكنها لم تجد الراحلة ، والظلام قد حل ، ولا يمكنها السير لوحدها . • البقاء في نفس المكان مع الاختباء . • الذهاب إلى مكان آخر . • الانتظار في نفس المكان في حالة عودة الجيش أو نفر منهم ، لأنهم إذا فقدوها فلا بد أن يعودوا أدراجهم إلى المكان ليبحثوا عنها . • البحث عن أحد قد تخلف مثلها من الجيش ، أو أحد يتعقب الجيش . أما من حيث الشق الثاني أي حالة الإشاعة فقد تكون أُمُّنا فكرت فيما يلي : • الدفاع عن نفسها . • ترك الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم مع البقاء في بيتها . لكن ربما لاحظت تأثر الرسول بالموضوع ، وانه قد سرى وانتشر . • اللحاق بأهلها ، والصبر والاحتساب لله تعالى . 5. تطبيق الحل الملائم من بين الحلول والبدائل المتاحة . ارتأت أمنا البقاء في مكان الجيش لعلهم يرجعون أو نفر منهم . وفعلا حضر صفوان ، ويبدو أنها ظنت أنه مُرسَل من قِبَل الجيش فركبت الجمل دون حتى أن تناقشه في الموضوع . ولهذا لم يخطر ببالها أن يقال ما قد قيل عنها ، لان هذا قد أرسله الجيش ليأخذها . أما في موضوع القذف فقد طلبت من الرسول أن يأذن لها باللحاق بأهلها . وحسناً فعلت ، لأن الموضوع كان يحتاج إلى أن يُبَتًّ فيه ، طالما أن الرسول لم ينطق بوحي فيه . كما أن مواضيع مثل هذه تحتاج إلى التراخي فيها حتى تَسْكن وتهدأ ، فكان اختيارها أن تذهب إلى بيت أهلها ينطوي على كثير من الحكمة والحنكة . ومما يؤيد ذلك موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم بسرعة على طلبها . 6. التفكر في المشكلة ونتائجها وأبعادها . حيث تبين لأم المؤمنين أنها كانت على صواب فيما فكرت فيه واتخذته من قرارات . وخرجت من المشكلة أقوى مما كانت ، فقد برَّأها الله من فوق سبع سماوات ، ونزل فيها قرآن يُتلى . وترتب على ذلك الكثير من الأحكام والمعالجات ، فكان في ذلك الخير الكثير . كما أن مثل هذه المشاكل صار لها حل معلوم يمكن اتباعه في حالة وقوعها ، وهذا لم يكن الحال قبل وقوعها . |
قصة الاسلام دكتور / راغب السرجانى
موقعة الجمل قبل الدخول في أحداث معركة الجمل نتناول بعض الشبهات والأسئلة ونرد عليها .. الشبهة1: مبايعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم تكن مبايعة شرعية، ومن ثَم يحق لمعاوية رضي الله عنه ألا يبايع عليًا رضي الله عنه، خاصة أن من بايعه إنما هم أهل الفتنة، ومبايعتهم غير شرعية وغير جائزة. الرد على الشبهة 1: معظم الناس، وخاصة كبار الصحابة، وهم أهل الحل، والعقد، هم الذين بايعوا عليًا رضي الله عنه، ومنهم أيضًا طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله عنه اللذين كانا يطالبان بدم عثمان، أولًا قد بايعا، وبايع أيضًا أهل الفتنة، ومبايعتهم في هذا الإطار لا تقدم، ولا تؤخر بعد مبايعة أهل الحل والعقد من الصحابة، ولكن ما حدث أن الرؤى توافقت في هذا التوقيت، فقد كان أهل الفتنة يريدون تولية علي رضي الله عنه، وكان يريد ذلك أيضًا جميع أهل المدينة، ولم يعترض أحد على تولية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لم يكن يعترض مطلقًا على تولية علي رضي الله عنه، ولكن كان الاختلاف في ترتيب الأولويات؛ فمعاوية رضي الله عنه يريد القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه يريد استقرار الدولة أولًا، ثم يرى رأيه في أهل الفتنة، ويقتل منهم من يستحق القتل، ويعزر من يستحق التعزير بعد أن تقوى شوكة المسلمين، وتزول الفتن القائمة. الكل إذن على اتفاق على تولية علي رضي الله عنه، ونذكر في هذا الإطار أن عليًا رضي الله عنه كان مرشحًا للخلافة مع عثمان رضي الله عنه، ولم يعدل أهل المدينة به، وبعثمان رضي الله عنهما أحدًا، ولكن كان هناك إجماع على تولية عثمان رضي الله عنه في ذلك التوقيت، فمن الطبيعي أن يتولّى علي رضي الله عنه الإمارة بعد عثمان رضي الله عنه، خاصة بعد أن أجمع أهل الحل والعقد على توليته. سؤال: كيف يتم اختيار أهل الحل والعقد؟ الإجابة: أهل الحل والعقد في هذه الفترة كانوا هم كبار الصحابة من المهاجرين، والأنصار، وأهل بدر، وكان هؤلاء هم أهل الحل والعقد منذ عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وحتى هذا الوقت، وقت خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان يتجمع هؤلاء جميعًا رضي الله عنهم، ويأخذون القرارات المهمة التي لا يستطيع الوالي أن يأخذ فيها قرارًا بذاته، وبالأولى إذا لم يكن هناك والٍ، ويراد تولية أحد ليكون واليًا على أمر الأمة. سؤال: لماذا لم يشترك علي ومعاوية رضي الله عنهما في قتل القتلة أولًا، ثم يتم بعد ذلك اختيار الخليفة، ومبايعته؟ الإجابة: اختيار الخليفة ومبايعته أهمّ بكثير من قتل قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك لأن البلاد لا تسير دون خليفة، أو أمير، فكيف يتم قتل هؤلاء القتلة ومن المتوقع حدوث حربٍ ضارية وكبيرة على مستوى الدولة الإسلامية كلها؟ ورأينا كيف قُتل ستمائة من المسلمين في البصرة وحدها، فكيف لو كان الأمر في غيرها من البلاد أيضًا؟ ثم إنه إذا حدثت الحرب، وحدث القتال مع أهل الفتنة، فمن بيده أن يصدر قرارًا باستمرار الحرب أو وقفها، هل هو علي بن أبي طالب أم معاوية أم السيدة عائشة أم طلحة أم الزبير رضي الله عنهم جميعًا؟ ثم إذا حدث أن دولة معادية للدولة الإسلامية استغلت نشوب القتال بين المسلمين وأهل الفتنة في الداخل، وهاجموا الدولة الإسلامية، فمن بيده القرار حينئذٍ؟ وهل يتم وقف الحرب مع أهل الفتنة، وقتال المهاجمين من الخارج، أم يقاتلوا في الجبهتين داخليًا وخارجيًا؟ ومن الذي يستطيع أن يأخذ هذا القرار ولا يوجد خليفة للمسلمين؟ لا شكّ أن الأمر سيكون في منتهى الخطورة، ثم إنه عند تعارض مصلحتين تُقدم الأكثر أهمية فيهما، وتُؤخر الأخرى لوقتها، وإذا تحتّم حدوث أحد الضررين تمّ العمل بأخفهما ضررًا تفاديًا لأعظمهما. وفي تلك الفترة حدث أمرٌ عظيم كان من الممكن أن يودي بالدولة الإسلامية كلها ولكن الله سلّم. رأى قسطنطين ملك الدولة الرومانية ما عليه حال الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجمع السفن وأتى من البحر متوجهًا إلى الشام للهجوم على الدولة الإسلامية، وبينما هو في الطريق إلى المسلمين، وكانت الهلكة محققة للمسلمين إن وصل إليهم نظرًا لما هم عليه من الفتن والحروب بينهم وبين بعضهم، ولكن الله تعالى بفضله ومنّه وكرمه أرسل على تلك السفن قاصفًا من الريح، فغرق أكثر هذه السفن قبل الوصول إلى الشام، وعاد من نجا منهم، ومعهم قسطنطين إلى صقلية، واجتمع عليه الأعوان، والأمراء، والوزراء، وقالوا له: أنت قتلتَ جيوشَنا. فقتلوه. وعلى فرض أن قسطنطين هذا نجح في الوصول إلى الشواطئ الشمالية للشام، فمن يستطيع أن يجمّع الجيوش لمحاربة هؤلاء الرومان، وأي جيوشٍ يجمعها، ففي كل بلد أمير، ولكل بلد جيشها، فمبايعة الخليفة إذن كانت أمرًا من الضرورة بمكان. وإذا نظرنا إلى المدة التي كانت فيها الشورى لاختيار عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن المسلمون في تلك المدّة القصيرة دون أمير، بل كان أميرهم في هذه الثلاثة أيام هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، فلا يصح بحال أن يمر على المسلمين يوم واحد دون أن يكون عليهم أمير، ولما بويع عثمان رضي الله عنه بالخلافة، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قد خلعت ما في رقبتي في رقبة عثمان. بل إن الصحابة رضي الله عنهم قد اختاروا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدفنوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات الصديق رضي الله عنه بين المغرب والعشاء، بايع المسلمون في الفجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فالأمر عظيم، وجلل، ولا يصح تأجيله بحال من الأحوال، وكان من الواجب على الجميع أن يبايعوا الخليفة الذي اختاره أهل الحل والعقد، واختاره أهل المدينة والكثرة الغالبة من أهل الأمصار، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. يتبع |
يتبع
سؤال: من الذي استخلفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المدينة عندما توجه إلى الكوفة؟ الإجابة: استخلف رضي الله عنه قثم بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو ابن أخيه، ولم يستخلف أحدًا من أهل الفتنة، بل أخذهم معه في الجيش، وأَخْذِهِ لهم معه في الجيش ضرورة اضطر إليها، وهو رضي الله عنه أكثر الناس كراهية لهم، ولما سمع رضي الله عنه أن جيش السيدة عائشة يدعون: اللهم العن قتلة عثمان، قال علي رضي الله عنه: اللهم العن قتلة عثمان، ولم يأخذهم معه حبًا فيهم أو مساندة لهم. قصة ماء الحوأب ونباح الكلاب ذكروا أن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ومن معها مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عائشة قالت: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: الحوأب. فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أظنني إلا راجعة. قالوا: ولم؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب. ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب. يقول ابن العربي في العواصم من القواصم أن هذه الرواية لا أصل لها، ولم ترد، وأنها غير صحيحة. لكن البعض صحح هذا الحديث، والشيعة في كتبهم، وكذلك بعض الكتّاب من السنة الذين ينقلون دون تمحيص، أو تدقيق يذكرون هذه القصة في كتبهم ويعلّقون عليها بقولهم: إن السيدة عائشة لما عزمت على العودة لشكها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عناها بأنها هي التي ستنبحها كلاب الحوأب، وأنها بذلك تفرّق كلمة المسلمين يقولون أن طلحة بن عبيد الله، والزبير، وعبد الله بن الزبير اجتمعوا على السيدة عائشة، وأقسموا لها أن هذا المكان ليس ماء الحوأب، وأتوا بخمسين رجل شهدوا على ذلك، فيقول المسعودي وهو من كبار علماء الشيعة في كتابه (مروج الذهب) عن هذه الشهادة: فكانت أول شهادة زور في الإسلام. وهذا الحديث كما ذكرنا ليس له أصل، وإن صح فليست السيدة عائشة رضي الله عنها هي المعنيّة بهذا القول، وإنما قالت ذلك- إن كانت قد قالته- تقوى وخشية أن تكون هي المقصودة بهذا الكلام، وأن عبد الله الزبير بن العوام قد قال لها أنها ما خرجت إلا للصلح بين المسلمين، وأن هذا لا ينطبق عليها مطلقًا، وتُذكر رواية أخرى، وهي مشكوك في صحتها أيضًا تقول: إن إحدى الجاريات كانت موجودة مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم حين وجّه إليهن هذا الكلام، وأن هذه الجارية ارتدت، وقتلت على يد خالد بن الوليد في حروب الردة، وهي المقصودة في الحديث. ولو صحت الرواية الأولى لكان من المستحيل على السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن تكون قد علمت، وتيقنت أنها صاحبة هذا الأمر، واستمرّت فيه، ومن المستحيل على الصحابة الأخيار الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا، من المستحيل أن يكونوا قد شهدوا زورًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد لهم بالجنة. يتبع |
رءوس الفتنة يدبرون ويخططون
بعد أن أوشك الطرفان أن يصلا إلى موقف موحد بعد حديث القعقاع مع السيدة عائشة وطلحة والزبير وبعد أن ذهب علي رضي الله عنه بمن معه من القوم إلى السيدة عائشة، ومن معها، وجاء الليل، وبات الفريقان خير ليلة مرت على المسلمين منذ أمدٍ بعيد، ونام أهل الفتنة في شر ليلة يفكرون كيف سيتخلّصون من هذا الصلح الذي سيكون ثمنه هو رقابهم جميعًا، وخططوا من جديد لإحداث الفتنة. في هذا الوقت أشار بعض الناس على طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام رضي الله عنهما أن الفرصة سانحة لقتل قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك لأن عليًا رضي الله عنه عندما توجه للصلح مع القوم قال: لا يصحبنا أحدًا شارك، أو أعان على قتل عثمان بن عفان. فانسلخ من قتل، ومن شارك، وتقدم بقية الجيش للبصرة، فأصبح أهل الفتنة بعزلة عن جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فرفض طلحة والزبير رضي الله عنهما، وقالا: إن عليًا أمر بالتسكين. فمن الواضح أن لديهم قناعة تامة بالصلح والأخذ برأي علي رضي الله عنه. واجتمع قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتشاوروا في الأمر، فقال بعضهم: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان. فهم يريدون هنا قتل علي رضي الله عنه أيضًا، وهذا مما يدل بشكل قاطع أن عليًا رضي الله عنه لم يكن له أي تعاون مع هؤلاء القتلة، فها هم يريدون قتله، حتى تظل الفتنة دائرة. فقام عبد الله بن سبأ وقال: لو قتلتموه لاجتمعوا عليكم فقتلوكم. وهذه الفئة كما نرى إنما هم أهل فتنة، ويطلبون الحياة الدنيا، أما جنود علي رضي الله عنه، ومن مع السيدة عائشة رضي الله عنه، إنما يريدون الآخرة، وإرضاء الله تعالى، والجنة، ويظنون أنهم على الحق، ويجاهدون في سبيل الله، ويحتسبون أنفسهم شهداء في سبيل الله إن قتلوا في ميدان الحرب. فقال أحد الناس: دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها. أي يرجع كلٌ إلى قبيلته، ويحتمي بها، فرفض عبد الله بن سبأ هذا الرأي أيضًا وقال: لو تمكّن علي بن أبي طالب من الأمور لجمعكم بعد ذلك من كل الأمصار وقتلكم. وكان عبد الله بن سبأ معهم كالشيطان يرتّب لهم الأمور حتى يتم اختيار الرأي الصائب من وجهة نظرهم. فأشار على مَنْ معه مِنْ أهل الفتنة في تلك الليلة التي كان المسلمون سيعقدون الصلح في صبيحتها أن تتوجه فئة منهم إلى جيش الكوفة، وفئة أخرى إلى جيش البصرة، وتبدأ كل فئة منهما في القتل في الناس، وهم نيام، ثم يصيح من ذهبوا إلى جيش الكوفة ويقولون: هجم علينا جيش البصرة. ويصيح من ذهب إلى جيش البصرة ويقولون: هجم علينا جيش الكوفة. وقبيل الفجر انقسم أهل الفتنة بالفعل إلى فريقين، ونفذوا ما تم الاتفاق عليه، وقتلوا مجموعة كبيرة من الفريقين، وصاحوا، وصرخوا أن كل من الفريقين البصرة، والكوفة قد هجم على الآخر، وفزع الناس من نومهم إلى سيوفهم وليس لديهم شك أن الفريق الآخر قد غدر بهم، ونقض ما اتفق عليه من وجوب الصلح، ولم يكن هناك أي فرصة للتثبت من الأمر في ظلام الليل وقد عملت السيوف فيهم، وكثر القتل، والجراح، فكان هَمّ كل فريق هو الدفاع عن نفسه {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:38]. وكان أبو سلام الدالاني قد قام إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تلك الليلة، وقبل أن يحدث القتال، وسأله: هل لهؤلاء القوم- يعني السيدة عائشة، وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعًا- حجة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله في ذلك؟ قال: نعم. قال: فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال: نعم. قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا؟ أي بالقتال بيننا وبينهم. قال: إني لأرجو أن لا يُقتل منا ومنهم أحد نقّي قلبه لله، إلا أدخله الله الجنة. وهذا لأن كل واحد منهما كان متأولًا أنه على الحق، واجتهد في ذلك، فمنهم من أصاب، فله أجران، ومنهم من أخطأ، فله أجر واحد، ولا ينطبق عليهم الحديث: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بَسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. يتبع |
بداية القتال
بدأت الحرب يوم الأربعاء 15 جمادى الثاني سنة 36 هـ، 7 من ديسمبر سنة 656 م، واستيقظ علي بن أبي طالب رضي الله عنه من نومه على صوت السيوف، والصراخ، والصياح، ولا يعلم من أين بدأ القتال، وكيف نشب بين الفريقين، وكذلك الحال في معسكر السيدة عائشة رضي الله عنها ومن معها طلحة، والزبير، وابنه عبد الله، وسائر الجيش، وصرخ علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الناس أن كُفّوا، لكنه لم يستطع لشدة المعركة، فلما نظر رضي الله عنه إلى المسلمين تتطاير رءوسهم بأيدي بعضهم البعض فقال: يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة. ونادى في الناس: كفوا عباد الله، كفوا عباد الله، ثم احتضن ابنه الحسن، وقال: ليت أباك مات منذ عشرين سنة. فقال له: يا أبي قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا. فلم يكن يتوقع أحد أن تتفاقم الأمور إلى هذه الدرجة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون. وظل رضي الله عنه في محاولة كف الناس عن القتال، لكنه لم يستطع، وقد عمّت الفتنة، واشتد القتال. وكان ممن التقى بسيفه مع الآخر في هذه المعركة الزبير بن العوّام، وعمار بن ياسر رضي الله عنهما. كم من المرات قاتلا جنبًا إلى جنب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر، وما بعدها، وكان عُمْر عمار بن ياسر حينها تسعين سنة، وعمر الزبير بن العوام خمسة وسبعين سنة، ومع قدرة الزبير على قتل عمار رضي الله عنهما، إلا أنه لا يستطيع فقد تحملا معًا الكثير في سبيل بناء الدولة الإسلامية التي يُهدم اليوم من دعائمها الكثير، وقد تربيا معًا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعُذّبا كثيرًا في سبيل الله، ولكنها الفتنة، وما كان لهما أن يتقاتلا، وهما في هذا العمر دفاعًا عن باطل، أو رغبةً في الدنيا. فيقول الزبير رضي الله عنه لعمار بن ياسر رضي الله عنه: أتقتلني يا أبا اليقظان؟ ويضربه عمار بن ياسر رضي الله عنه بالرمح دون أن يدخله في صدره ويقول له: لا يا أبا عبد الله. ويخشى الزبير بن العوّام أن يكون ممن وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالفئة الباغية حين قال لعمار بن ياسر رضي الله عنه: "وَيْحَكَ ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". فيخشى الزبير رضي الله عنه أن يكون من هذه الفئة الباغية، ويريد أن يكفّ عنه، وهذا ما حدث، ولم يقتل أحدهما الآخر. ويبحث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه، ويلتقيان، فيقول علي رضي الله عنه للزبير رضي الله عنه: أما تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم، فنظر إليّ وضحك، وضحكتُ إليه، فقلتَ: لا يدع ابن أبي طالب زهوه. فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَرِّدٍ لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟" فقال الزبير: اللهم نعم! ولو ذكرتُ ما سرتُ مسيري هذا، ووالله لا أقاتلك. وبعدها أخذ الزبير بن العوّام رضي الله عنه خيله، وبدأ في الرجوع عن القتال، ولم يأخذه الكبر والعزة، وهو أحد رءوس الجيش الذي يبلغ تعداده ثلاثون ألفًا، وذلك لما ذُكّر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما هو ينسحب من ساحة القتال، ويعود، يقول له ابنه عبد الله بن الزبير: جمعت الجموع، ثم تعود. فيقول الزبير رضي الله عنه: والله لا أقاتل عليًا. ويخرج الزبير رضي الله عنه من ساحة القتال متجهًا إلى مكة، وفي منطقة تًسمّى وادي السباع، وعلى بعد أميال قليلة من البصرة يتبعه عمرو بن جرموز، وهو ممن كان في جيش علي رضي الله عنه، ومع الزبير رضي الله عنه غلامه، فيقول ابن جرموز لهما: إلى أين المسير؟ فيقولان: إلى مكة. فيقول: أصحبكما. وفي رواية أن الزبير رضي الله عنه كان يقول: إني أرى في عين هذا الموت. ويأتي وقت الصلاة، فيؤمّهما الزبير رضي الله عنه، وبعد أن يكبر تكبيرة الإحرام يهجم عليه ابن جرموز، ويقتله، وهو يصلي، ثم يأتي بسيف الزبير رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه فرحًا مسرورًا، ظانًا بذلك أنه يدخل السرور على قلب علي رضي الله عنه، ويصل الخبر إلى علي رضي الله عنه، فيبكي بكاءً شديدًا، ويرتفع نحيبه، ويمسك سيف الزبير رضي الله عنه ويقول: طالما كشف هذا السيف الكُرَب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يدخل عليه عمرو بن جرموز وقال: بَشّر قاتل ابن صفية بالنار، فلما أُخبر بهذا ابنُ جرموز قتل نفسه فباء بالنار، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولا زال القتال مستمرًا بين الفريقين، وكان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يقاتل بيده اليسرى، بينما كانت يده اليمنى شلّاء من يوم أُحد، حين صد بها الرمح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما هو يقاتل، وكان عمره أربعًا وستين سنة، أتاه سهم طائش لا أحد يعرف مصدره، ويقول من يكرهون الدولة الأموية: إن الذي رماه بالسهم هو مروان بن الحكم. ولم تثبت أي رواية هذا الأمر، وقتل هو الآخر رضي الله عنه وأرضاه، وقد كان هو والزبير رضي الله عنهما من أوائل من أسلم من الصحابة، وظلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي حياتهم كلها مجاهدين في سبيل الله، ويتزعم الجيش في هذا الوقت عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وعن أبيه وأرضاهما. ويشتد القتال بين الفريقين وتتطاير الرءوس، والأيدي، والأرجل، ويذكر الرواة أن هذه الموقعة كانت أكثر المواقع قطعًا للأيدي والأرجل. موقف السيدة عائشة رضي الله عنها من موقعة الجمل يتبع |
موقف السيدة عائشة رضي الله عنها من موقعة الجمل
وحتى هذه اللحظة لم تدخل السيدة عائشة رضي الله عنها ساحة القتال، فيذهب إليها كعب بن ثور قاضي البصرة ويقول لها: يا أم المؤمنين، أنجدي المسلمين. فتقوم السيدة عائشة رضي الله عنه وأرضاها، وتركب الهودج ويوضع على الجمل، وتدخل إلى ساحة القتال لتنصح المسلمين بالكفّ عن القتال، وعن هذه المجزرة التي لم تحدث من قبل في تاريخ المسلمين. وتسيء كتابات مَن تربَوا على أيدي الغرب إلى السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها في هذا الموقف، فيقول طه حسين في كتابه (علي وبنوه): إن السيدة عائشة خرجت تتحدث إلى مَن على يمينها محرّضة، وإلى مَن على شمالها محمسة، وإلى مَن أمامها مذكرة، وأنها كانت تشجع الناس على القتال. ويقول طه حسين أيضًا: إن عليَا رضي الله عنه عندما سمعهم يلعنون قتلة عثمان، قال: يلعنون قتلة عثمان، والله ما يلعنون إلا أنفسهم فهم قتلوه، اللهم العن فتلة عثمان. ولا يصح من هذا كله إلا الجملة الأخيرة: اللهم العن قتلة عثمان، وقد قالها علي رضي الله عنه عندما سمع دعاء الفريق الآخر على قتلة عثمان، ولا ندري من أين أتى طه حسين بهذه القصة، وبهذا الكلام الذي لم يذكر أي توثيق له. وعلى هذا النسق أيضًا تقول زاهية قدّورة في كتابها (عائشة أم المؤمنين): إن السيدة عائشة بدأت تحركاتها الظاهرة لنشر الدعاية ضد علي بحجة المطالبة بدم عثمان، بل إنها اتهمت عليًا بقتل عثمان، ولهذه الخصوم بين عائشة وعلي أسباب: 1- أن عائشة كانت أول زوجة بنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، وخديجة هي أم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقدت عليها فاطمة لأنها زوجة أبيها، وحزن علي رضي الله عنه لهَمّ زوجته ونشأت بين علي وعائشة الخصومة بسبب هذا الأمر. 2- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب السيدة فاطمة حبًا شديدًا، وقال عنها أنها سيدة نساء العالمين، فتقول الكاتبة إن هذا أيضًا جعل الغيرة تزيد في قلب السيدة عائشة. 3- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن عليًا رضي الله عنه أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بتطليق السيدة عائشة بعد حادث الإفك قبل أن يتحقق الأمر، والنساء سواها كثيرًا، وذلك لكراهته لها، وازداد الأمر تعقيدًا كما تقول الكاتبة. 4- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن السيدة فاطمة وزوجها سيدنا علي قد أظهرا الشماتة سرًا أو جهرًا- على خلاف- عندما اتهمت السيدة عائشة رضي الله عنها في حادث الإفك. 5- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن عليًا كان يحقد على السيدة عائشة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرّب أباها أبا بكر رضي الله عنه أكثر منه، ومن ثَمّ حقد عليها، وحقدت هي عليه أيضًا. 6- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن السيدة عائشة لم تُرزق بأولاد بينما رزق علي وفاطمة بالحسن والحسين اللذين كان يحبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوجد ذلك الغيرة عند السيدة عائشة. 7- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن النبي صلى الله عليه لما مرِض مرَض الموت اختار بيت السيدة عائشة، فغضب علي لهذا الأمر. 8- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن السيدة عائشة سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته يأمر أن يصلى أحد بالناس فقالت لبلال: اجعل أبا بكر يصلي بالناس، فحقد عليها عليّ لهذا الأمر واتهمها به، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الناس: كيف يرضاه الرسول لديننا بأن أمره أن يؤمهم في الصلاة ولا نرضاه لدنيانا. فكان خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فتشير الكاتبة بهذا أن هذه لعبة لعبتها السيدة عائشة ليتسلم والدها الخلافة، ثم تأتي الكاتبة برواية أخرى تقول أن العباس رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه: امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله. فلا يختلف عليك اثنان. فقال له علي: وهل يطمع فيها طامع غيري. 9- تقول الكاتبة كاذبةً أيضًا: إن بعد وفاة السيدة فاطمة ذهب سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وقدمن العزاء لعلي رضي الله عنه، ولم تذهب السيدة عائشة، ونُقل على لسانها لعلي رضي الله عنه ما يدل على السرور. ثم تقول الكاتبة: هذه هي الأسباب التي ظهرت في شكل خصومة انتهت إلى سفك الكثير من الدماء في موقعة الجمل. وهذا الكتاب من المفترض أن يكون كتابًا لأهل السنة، لكن كل مصادر الكتاب عن علم الكاتبة، أو عن جهلها، مصادر شيعية. وما حدث أن السيدة عائشة رضي الله عنها عندما ذهب إليها كعب بن ثور يطلب منها نجدة المسلمين، ودخلت هودجها، ووضع الهودج على الجمل، ودخلت ساحة القتال نادت على المسلمين جميعًا: الله الله يا بَنِي، اذكروا يوم الحساب. وأعطت مصحفها لكعب بن ثور وقالت له: ارفعه بين الناس، لعل الله أن يزيل به ما بين الناس. فلما أخذ المصحف، ورفعه تناوشته السهام، فقُتل لتوّه، ودخلت السيدة عائشة بالجمل في ساحة القتال، ومن ثَم سُمّيت الموقعة بموقعة الجمل، فكان الناس جميعًا يقاتلون حميّة حول الجمل بينما السيدة عائشة رضي الله عنها من داخل الهودج تأمر الناس بالكف عن القتال، إلا أن الناس جميعًا كانوا يتفانون في القتال حول الجمل، وقتل ممن يمسك بخطام الجمل سبعون رجلًا، فكان احتدام القتال، وقوته، ومنبعه من حول جمل السيدة عائشة رضي الله عنها، فأشار القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه بقتل الجمل، أو عقره مع المحافظة والحماية لهودج السيدة عائشة رضي الله عنها، وذلك حتى يهدأ القتال، وتزول الفتنة، واجتمع القوم على الجمل ليقتلوه، أو يعقروه، بينما الفريق الآخر يستميت في الدفاع عن الجمل، وكان آخر المدافعين عن الجمل عبد الله بن الزبير بن العوّام، وهو ابن أخت السيدة عائشة رضي الله عنها، فلما أُخبرت السيدة عائشة بذلك قالت: واثكل أسماء. فقد ظنت رضي الله عنها أنه سيموت في هذا الموقف، وقد جُرح رضي الله عنه سبعة وثلاثين جرحًا، وكان من المقاتلين الأشداء، لكنه لم يقتل رضي الله عنه، بل استمرت حياته، وامتدت بعد ذلك مدة طويلة. بعد قتال مرير أفلح فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عقر الجمل، ولما وقع الجمل انهارت معنويات جيش السيدة عائشة رضي الله عنها وبدأ الناس يفرون، وأصبح النصر في جانب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورُشق هودج السيدة عائشة رضي الله عنها- قبل أن يسقط- بالرماح من كل جانب حتى أصبح مثل القنفذ كما يقول الرواة، ويأمر علي رضي الله عنه الناس بالكف عن ضرب الهودج بالسهام، والسهام لا تفرق بين الجمل، والهودج منها ما يرمي به أهل الفتنة، ومنها ما هو غير مقصود. واجتمع المسلمون على هودج السيدة عائشة، فرفعوه من على الجمل المعقور ووضعوه على الأرض، وأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن تنصب على الهودج قبّة، فنُصبت عليه خيمة حتى يُحفظ سترها رضي الله عنها، وجاءها أخوها محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان مشاركًا في حصار عثمان رضي الله عنه، لكنه تاب، وندم، وبكى، وعاد إلى صف المسلمين وحاول أن يرد القتلة بسيفه عن عثمان رضي الله عنه، لكنه لم يستطع، وبعد ذلك بايع عليًا رضي الله عنه، وها هو الآن يقاتل في صف علي رضي الله عنه، ونحسبه على خير، فقال للسيدة عائشة: هل وصل إليك شيء من الجراح فقالت له: لا، وما أنت بذاك، مما يدل على عدم رضاها عنه لما فعله ابتداءً في حق عثمان رضي الله عنه. ثم جاء عمار بن ياسر رضي الله عنه وكان عمره يومئذٍ تسعين سنة بينما كان عمر السيدة عائشة رضي الله عنها أربعًا وأربعين، أو خمسًا وأربعين سنة، فقال لها رضي الله عنه: كيف أنتِ يا أم؟ فقالت: لست لك بأم. فقال: بلى، أمي وإن كرهتِ. يتبع |
علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهما
وجاء إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسلِّمًا، وسائلًا فقال: كيف أنت يا أم؟ فقالت: بخير. فقال: يغفر الله لكِ. وفي رواية فقالت: ولكَ. وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسلّمون على أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فما زالوا يعظّمون هذه السيدة التي هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها حتى نهاية المعركة كانت على يقين تام- بعد اجتهادها- أنها على الحق، وكانت أعلم الناس، وأكثر الناس رواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي هريرة رضي الله عنه، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: كان إذا أُشكل علينا حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدنا عند عائشة علمًا من كل حديث. وقد كانت رضي الله عنها أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، روى البخاري بسنده عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عَائِشَةُ، فقلت: من الرجال؟ ، فقال: أَبُوهَا. ، قلت: ثم من؟ ، قال: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فعد رجالًا. ولا خلاف بين أهل السنة أن السيدة خديجة، والسيدة عائشة رضي الله عنهما أفضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان الخلاف اليسير، أيتمها أفضل. بعد أن انتهت المعركة أدركت أنها كانت على خطأ، وندمت على قدومها، وكانت بعد ذلك كلما ذُكرت موقعة الجمل، بكت، وتمنّت لو أنها قد ماتت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. ثم أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يوضع هودج السيدة عائشة- وهي فيه- في أفخر بيوت البصرة، وكان بيت رجل يُسمّى عبد الله بن خلف الخزاعي، تحت الحماية والحراسة معززة مكرمة. ويذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليتفقد قتلى الفريقين، وكانت لحظات شديدة، وقاسية عليه رضي الله عنه، وكان يبكي بكاءً مرّا شديدًا، ويمر رضي الله عنه على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وهو مقتول، وشهيد في ساحة المعركة، ويجلس بجواره، ويبكي، ويقول: لهفي عليك يا أبا محمد، ويمرّ على محمد بن طلحة بن عبيد الله، والذي قُتل أيضًا في هذه المعركة، فيبكي عليه، ويقول: هذا الذي كنا نسميه السجّاد. من كثرة سجوده، وقد كان رضي الله عنه تقيًا ورعًا. ويمرّ رضي الله عنه على القتلى من الفريقين يدعو لهم جميعًا بالمغفرة والرحمة ويصلّي على الشهداء من الفريقين، ويأمر بدفنهم، وتُجمع الأسلاب وهو ما تركه جيش البصرة، فيضع علي رضي الله عنه هذه الأشياء في مسجد البصرة ويقول: من كان له شيء يعرفه فليأخذه. ويأمر رضي الله عنه بعدم الإجهاز على الجرحى، بل مداواتهم، وعدم متابعة الفارّين وألا يُقتل أسير، وذلك لأن كلا الفريقين كان يظن أنه على الحق وكلاهما من المسلمين. ويريد أهل الفتنة أن توُزع عليهم الغنائم، ومن فقه علي رضي الله عنه أن قال بعدم وجود الغنائم بين المسلمين، وإنما تكون الغنائم من الأعداء، ومع إصرار أهل الفتنة على رأيهم، قال لهم علي رضي الله عنه: فلنقسّم الغنائم، ففي سهم مَن تكون السيدة عائشة؟! فبهتهم بهذا القول، فتركوه، وانصرفوا. ويذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السيدة عائشة رضي الله عنها في بيت عبد الله بن خلف الخزاعي، ويجهزها للذهاب إلى مكة بأفضل ما يكون التجهيز، ويختار لها أربعين امرأة هنّ أشرف نساء البصرة ليرافقنها إلى مكة، ومعها محمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعًا. وعلى باب بيت عبد الله بن خلف الخزاعي ذُكر لعلي رضي الله عنه أن اثنين من الناس يذكران السيدة عائشة بسوء، فأمر بجلد كل واحد منهما مائة جلدة تعزيرًا له على سبّه أم المؤمنين، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأمر كما نرى لم يكن فيه منتصر، ومهزوم بالمعنى الحربي؛ لأن الجميع من المسلمين، ومع كون الغلبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلا أنه كان أشد الناس حزنًا، وأسفًا، وألمًا، وكان هذا أيضًا شعور مَنْ غُلِبَ ومَن غَلَبَ على السواء. وقد استشهد في هذه المعركة العظيمة من كلا الفريقين عشرة آلاف؛ خمسة آلاف من جيش علي رضي الله عنه، وخمسة آلاف من جيش السيدة عائشة، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم جميعًا، وكلٌّ من المسلمين، وقُتُل على أيدي المسلمين، وهذا العدد الضخم في يوم واحد، بينما قُتل في معركة القادسية ثمانية آلاف ونصف، وشهداء اليرموك كانوا ثلاثة آلاف، وشهداء معركة الجسر التي كانت من أشد الكوارث على المسلمين كانوا أربعة آلاف، بينما شهداء موقعة الجمل عشرة آلاف بأيدي المسلمين، فكانت من أشد البلاء على المسلمين {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُوراً} [الأحزاب:38]. ويجزي الله تعالى من اجتهد منهم فأصاب أجران، ومن اجتهد فأخطأ أجرًا واحدًا، وكل من الأخيار. تم بعون الله . منقول |
40 فكرة في الدفاع عن أمي عائشة
عبدالرحمن المقيبلي بسم الله الرحمن الرحيم أولا : في المساجد 1- إقامة محاضرات عن أمنا عائشة رضي الله عنها 2- تخصيص خطب الجمعة للحديث عن فضلها وسيرتها 3- إلقاء كلمات عنها رضي الله عنها 4- إقامة مسابقة على شريط أو كتيب عن عائشة رضي الله عنها ثانيا: في الانترنت 1- إنشاء مواقع ومنتديات متخصصة في الدفاع عن عائشة رضي الله عنها 2- افتتاح أقسام في المواقع والمنتديات مخصص لأمنا عائشة رضي الله عنها 3- فتح مجموعات في الفيس بوك 4- فتح حسابات في اليوتيوب وغيرها ونشر المقاطع التي تتحدث عن عائشة رضي الله عنها ودحض الشبهات 5- إنشاء مجموعات بريدية 6- وضع الوصلات للمواقع والمجموعات الخاصة بأمنا عائشة في تواقيع الأعضاء 7- المشاركة الفعالة في المنتديات من الجميع 8- التعاون بين المواقع الأخرى والمواقع المتخصصة في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 9- فتح غرف في البالتوك لهذا الأمر ثالثا: في الفضائيات 1- برامج عن سيرة عائشة رضي الله عنها 2- برامج حوارية مع علماء ودعاة ومحامين ومسؤلين كل في تخصصه 3- برامج مفتوحة لكافة شرائح المجتمع للتعبير عن مشاعرهم وإيصال رسالتهم 4- أناشيد لكبار المنشدين وكذلك أناشيد للأطفال في أمنا عائشة 5- برامج باللغة الفارسية وغيرها للحديث عن فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رابعا: في الصحف والمجلات 1- كتابة مقالات في الذب عن أمنا عائشة رضي الله عنها 2- نشر إعلانات بعبارات مختصرة عن فضل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 3- نشر سيرة عائشة رضي الله عنها 4- إعطاء مساحة كبيرة للمسلمين للتعبير عن مشاعرهم 5- وضع مسابقات عن فضل أمنا عائشة رضي الله عنها خامسا : الكتب 1- طباعة الكتب عن أمنا عائشة رضي الله عنها 2- طباعة مطويات وكتيبات صغيرة عن سيرتها 3- شرح واختصار وحواشي للكتب السابقة التي تطرقت لحياة عائشة رضي الله عنها 4- الترجمة والطباعة بشتى اللغات سادسا : المدارس 1- الإذاعة المدرسية 2- مسابقات عن فضل عائشة رضي الله عنها 3- محاضرات وكلمات عن أمنا عائشة رضي الله عنها 4- توزيع مطويات وأشرطة عنها رضي الله عنها 5- تخصيص وقت لزيارة المكتبة المدرسية لقراءة فضل وسيرة عائشة رضي الله عنها 6- وضع لوحات وملصقات تحوي أحاديث عن عائشة رضي الله عنها سابعا : أفكار منوعة 1- استغلال رسائل الجوال في نشر فضائل عائشة رضي الله عنها 2- توزيع الأشرطة التي تتحدث عن أمنا عائشة رضي الله عنها 3- التواصل مع التجار والأغنياء لدعم هذه المشاريع 4- نشر فضائل وسيرة عائشة رضي الله عنها في الأسرة والعمل 5- تسمية المواليد الجدد باسم عائشة رضي الله عنها 6- كتابة قصائد في الذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم 7- الملاحقة القانونية لكل من يتعرض لأمنا عائشة رضي الله عنها |
بسم الله الرحمن الرحيم
8⃣يامن تتكلم في عائشة زوجة الرسول…!؟ هي أمك،هل تسب أمك إن كنت مؤمنا…!؟ قال الله:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} فتفكروتأمل [line]-[/line %%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%% هل تقرؤون القرآن يا مدعي حب الحسين…!؟ قال الله تعالى:{فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} فلم يقبل الله إلا إيماناكإيمان الصحابة فتأمل مدعي حب الحسين…!؟ قال الله تعالى:{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه وأعد لهم جنات…} هل تقرؤون القرآن يا مدعي حب الحسين…!؟ قال الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة…} 4⃣هل تقرؤون القرآن يا مدعي حب الحسين…!؟ قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا…} 5⃣تقرؤون القرآن يا مدعي حب الحسين…!؟ قال الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذيبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم…} 6⃣يا مدعي حب الحسين…!؟ قال الله: {لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةمن الذين أنفقوامن بعدوقاتلوا وكُلاوعدالله الحسنى} 7⃣يامن تسب أبا بكر…!؟ قال الله: {إلاتنصروه فقدنصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذهمافي الغار إذيقول لصاحبه…} وأنت تقول ليس صاحبه…!؟ 8⃣يامن تتكلم في عائشة زوجة الرسول…!؟ هي أمك،هل تسب أمك إن كنت مؤمنا…!؟ قال الله:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} فتفكروتأمل 9⃣وحتى لا يظنن ظان أن الزوجية انقطعت بالموت قال الله مبينا استدامة عقد زوجات النبي: {ولاتنكحوا أزواجه من بعده أبداإن ذلكم كان عندالله عظيما} 🔟 لكم التعليق فقط تأمل قول الله: {ولاتنكحوا أزواجه من بعده أبداإن ذلكم كان عندالله عظيما} الزواج منهن عظيم عنده؛ فكيف بسبهن واعتقاد كفرهن…!؟ منقول/من تويتر بوصلاح حفظه الله |
عائشة أم المؤمنين زوجة سيد آل البيت الصديقة الطيبة حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وعلى آله وسلمأم المؤمنين عائشة: زوجة سيد آل البيت - صلَّى الله عليه وسلَّم -:أكثَرَ المُرْجِفون والمبْطِلون في كلِّ زمن- وفي زمننا خاصَّة- على أمِّ المؤمنين عائشةَ بنتِ أبي بكر- رضي الله عنهما- الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، الطَّاهرة الطَّيِّبة، حبيبة رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إمَّا لحِقْدٍ في أنفسهم على النبيِّ وعلى آل البيت- صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم- وإمَّا طمَعًا في صرف الناس عن الحقِّ المبين. وما ضرَّ عائشةَ- رضي الله عنها- افتراءاتهُم، وقد قدمَتْ على فَرطِ صِدْق
[1]، زوجِها خاتم الأنبياء والمرسلين، وسَيِّد ولد آدم- صلَّى الله عليه وسلَّم- وأبيها إمام الهُدى أبي بكر الصدِّيق، الخليفة الرَّاشد- رضي الله تعالى عنه. فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على محمد النبيِّ، وأزواجِه أُمَّهات المؤمنين، وذُرِّيته وآل بيته أجمعين، ومن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، آمين. وبعد: فعن ابن عباس في تفسير قوله- تعالى-: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26]. قال: الخبيثات من القول للخبيثين من الرِّجال، والخبيثون من الرِّجال للخبيثات من القول، والطيِّبات من القول للطيِّبين من الرِّجال، والطيِّبون من الرجال للطيِّبات من القول. قال: ونَزلت في عائشة وأهل الإفْك. وهكذا رُوي عن مُجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير، والشَّعبي، والحسَن بنِ أبي الحَسَن البصري، وحبيب بن أبي ثابت، والضَّحَّاك، واختاره ابنُ جرير، ووجَّهَهُ بأنَّ الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس، والكلام الطيِّب أَولى بالطيِّبين من الناس، فما نسَبَه أهل النِّفاق إلى عائشة هم أَولى به، وهي أَولى بالبراءة والنَّزاهة منهم؛ ولهذا قال: ﴿ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ [النور: 26]. وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرِّجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النِّساء، والطيِّبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. وهذا- أيضًا- يَرْجع إلى ما قاله أولئك باللاَّزم؛ أيْ: ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إلاَّ وهي طيبة؛ لأنَّه أَطْيب من كلِّ طيِّب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صَلحت له، لا شرعًا ولا قدَرًا؛ ولهذا قال: ﴿ أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ [النور: 26]؛ أيْ: هم بُعَداء عمَّا يقوله أهل الإفك والعدوان، ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾؛ أيْ: بسبب ما قيل فيهم من الكَذِب، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾؛ أيْ: عند الله في جنَّات النعيم، وفيه وعْدٌ بأن تكون زوجةَ النبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- في الجنة. • بل ولقد قال النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- لأُمِّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: ((أُريتُكِ قبل أن أتزوَّجك مرَّتين؛ رأيتُ الملَكَ يَحمِلُك في سَرَقة من حرير، فقلتُ له: اكْشِف، فكَشَف فإذا هي أنتِ، فقلتُ: إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه، ثم أُرِيتُك يحملك في سَرَقة من حرير، فقلتُ: اكشف، فكشَف، فإذا هي أنت، فقلت: إن يَكُ هذا من عند الله يُمْضِه))؛ "صحيح البخاري". • ولم يَكُن شرَفُ الزَّواج برسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- بالأمر الذي تناله أيُّ امرأة، وإنما كان مما لا تَطْمح إليه ذواتُ الدِّين والنَّسب والجمال والمال، إلاَّ أن يَمُنَّ الله- تعالى- عليهنَّ بمحض فضْلِه وكرمه سبحانه، ويَظهر ذلك واضحًا من خلال روايات حديث زواج أمَّهات المؤمنين:فعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر قالت: "لمَّا تُوفِّيت خديجة . قالت خَوْلةُ بنتُ حكيمِ بنِ الأوقص امرأةُ عثمانَ بنِ مظعون، وذلك بمكَّة: يا رسول الله، ألاَ تزَوَّجُ؟ قال: ((مَن؟)) قالت: إنْ شِئتَ بِكرًا، وإن شِئتَ ثَيِّبًا . قال: ((فمَن البِكْر؟)) قالت: ابنةُ أحَبِّ خلق الله إليك، عائشة بنت أبي بكر . قال: ((فمَن الثَّيِّب؟)) . قالت: سَوْدة بنت زَمْعة، آمنَت بك، واتَّبَعتْك على ما أنت علي. قال: ((فاذهبي، فاذْكُريها علَيَّ))، فجاءَتْ، فدخلَتْ بيت أبي بكر، فوجَدَت أُمَّ رومان أُمَّ عائشة . فقالت: يا أمَّ رومان، ماذا أَدخَل اللهُ عليكم من الخير والبرَكة؟! أرسَلَني رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم – أَخْطُب عليه عائشة . قالَتْ: وَدِدتُ، انتَظِري أبا بكر؛ فإنَّه آتٍ، فجاء أبو بكر . فقالت: يا أبا بكر، ماذا أَدخل الله عليكم من الخير والبركة؟! أرسلني رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- أَخْطب عليه عائشة . يتبع خطبة سَوْدة بنت زمعة رضي الله عنه |
"[2]. ثم خرَجَت، فدخَلَتْ على سَوْدة بنت زمعة .
فقالت: ماذا أدخل الله عليكِ من الخير والبركة؟! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسَلَني رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- أخطبك عليه . قالت: وَدِدتُ، ادخلي إلى أبي، فاذكُرِي ذلك له، وكان شيخًا كبيرًا، قد أدرَكَه السِّنُّ، قد تخَلَّف عن الحج، فدخَلَتْ عليه، فحيَّتْه بتحيَّة الجاهلية . فقال: مَن هذه؟ قالت: خَوْلة بنت حكيم . قال: فما شأنُك؟ قالت: أرسَلَني محمَّد بن عبدالله؛ أخطب عليه سودة . فقال: كفءٌ كريم". وعن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: "أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: لقد سَمِعتُ من رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- قولاً سُرِرتُ به، قال: ((لا يُصيب أحدًا من المُسْلِمين مصيبةٌ فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللَّهم أْجُرْنِي في مصيبتي، واخلُفْ لي خيرًا منها، إلاَّ فُعِل ذلك به)). قالت أمُّ سلمة: فحفظتُ ذلك منه، فلما تُوفِّي أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أْجُرْني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منه، ثم رجَعْتُ إلى نفسي، فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟ فقالت أمُّ سلمة بعدُ: أبدَلَني الله بأبي سلمة خيرًا منه، رسولَ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ صحيح. وعن أُمِّ حبيبة بنت أبي سفيان سيِّد قريش، قالت: "ما شَعرت وأنا بأرض الحبَشة إلاَّ برسول النَّجاشي، جارية يقال لها: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهْنِه، فاستأذنَتْ علَيَّ، فأذِنتُ لها . فقالَتْ: إنَّ المَلِك يقول لك: إنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- كتب إلَيَّ أنْ أُزَوِّجَكِه . فقلتُ: بشَّرَك الله بالخير، وأعطيتُ أبرهة سوارين من فضة، وخدمتين من فضة كانتا علَيَّ، وخواتيمَ مِن فِضَّة كانت في كلِّ أصابع رجلي؛ سُرورًا بما بشَّرَتني به". فلَمَّا علم أبو سفيان قال: "هو الفَحْل لا يُجْدَع أنفه". وعن زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنها- أنها: "كانت تَفْخَر على أزواج النبي تقول: زَوَّجَكن أهاليكن، وزَوَّجني الله من فوق سبع سموات . وفي لفْظٍ: كانت تقول: إن الله أنكَحَني في السَّماء"؛ صحيح. وعن ميمونة بنت الحارث- رضي الله تعالى عنها-: "أنه لما انتَهَت إليها خِطْبة رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لها وهي راكبة بعيرًا . قالت: الجملُ وما عليه لرسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم". • وبعد نُزول آية التَّخْيير لم تَبْق مع النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- من نِسائه إلاَّ مَن اختارت الله ورسوله والدَّار الآخِرةَ، وما رَضِيَتْ إحداهنَّ بالله ورسوله- صلَّى الله عليه وسلَّم- والدار الآخرة بدلاً. فجاء في "تفسير ابن كثير" لقول الله- تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28- 29]. قال: "هذا أمْرٌ من الله لرسوله- صلوات الله وسلامه عليه- بأن يُخَيِّر نساءه بين أن يفارقهن، فيَذْهَبن إلى غيره ممن يَحصُل لهنَّ عنده الحياةُ الدُّنيا وزينتها، وبَيْن الصَّبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهنَّ عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاختَرْنَ- رضي الله عنهنَّ وأرضاهن- الله ورسولَه والدَّار الآخرة، فجَمَع الله لهنَّ بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخِرة". ثم كان من فضائل عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن أقرَأَها جبريلُ السَّلامَ؛ فعَن أمِّ المؤمنين عائشة: "أنَّ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال لها: ((يا عائِشُ، هذا جبريل يُقرئك السَّلام)). فقلتُ: وعليه السَّلام ورحمة الله وبركاته، تَرى ما لا أرى؛ تريد رسولَ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ "صحيح البخاري". وإن كان النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ليتعذَّر في مرضه: ((أين أنا اليوم؟ أين أنا غدًا؟))؛ استبطاءً ليومها- رضي الله تعالى عنها- حتىَّ كان يوم رحيله عن الدُّنيا- صلَّى الله عليه وسلَّم- فتقول أُمُّ المؤمنين عائشة: "إنَّ مِن نِعَم الله عليَّ: أنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- تُوفِّي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونَحْري، وأنَّ الله جمَع بين رِيقِي ورِيقِه عند موته؛ دَخل عليَّ عبدالرحمن، وبيده السِّواك، وأنا مُسْنِدة رسولَ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فرأيْتُه يَنظر إليه، وعرفتُ أنه يحبُّ السِّواك . فقلتُ: آخُذُه لك؟ فأشار برأسه أنْ نعَم، فتناولتُه، فاشتدَّ عليه، وقلتُ: أُليِّنُه لك؟ فأشار برأسه أنْ نَعم، فلَيَّنتُه، فأَمَرَّه، وبين يديه ركْوة أو علبة- يَشكُّ عُمر- فيها ماء، فجَعل يُدخِل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه، يقول: ((لا إله إلاَّ الله، إنَّ للموت سَكَرات))، ثم نصب يده . فجعل يقول: ((اللَّهم في الرَّفيق الأعلى))، حتى قُبِض ومالَتْ يدُه"؛ "صحيح البخاري". وإنِّي إذْ أَضْرِب عمَّا يقوله المُرْجِفون والمبطلون صفْحًا، أسأل كلَّ مَن كان له ذَرَّة من إنصاف وعقل وضمير: هل يُمكن لمِثْل أمِّ المؤمنين أن يَغزو الحسَدُ قلبَها على آل بيت رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وزوجها سيِّدهم، وهي أحبُّ الناس إليه، ولم يُدانِها في الفضل واحدةٌ من النساء، فضْلاً عن مكانة أبيها من النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم؟! وهل يُمكن لمِثْل أُمِّ المؤمنين أن يَغزو الحسدُ قلْبَها على آل البيت، وحالُها معهم كحَال أبيها الصِّدِّيق وهي البَضْعَة منه، فيما رواه عنه شُعبة قال: "لَمَّا مَرِضَت فاطمةُ أتاها أبو بكر الصدِّيق، فاستأذن عليها، فقال عليٌّ: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحبُّ أن آذن له؟ قال: نعَم، فأَذِنَت له، فدَخَل عليها يترَضَّاها، فقال: والله، ما ترَكْتُ الدَّار والمال، والأهلَ والعشيرة، إلاَّ ابتغاءَ مرضاة الله ومرضاة رسولِه، ومرضاتِكم أهْلَ البيت، ثم ترَضَّاها حتىَّ رَضِيَت |
"[3]. وهل ما زال هُناك مجال للخوض في عَلاقة المسلمين الأُوَل بآل البيت- رضوان الله عليهم جميعًا- وهم الذين نزَل القرآنُ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بينهم فصدَّقُوه ونَصَروه، وحمَلوا الدِّين بعده إلى الدُّنيا على أرواحهم ومهجات قلوبهم؟!
وهل مِثْلُ أُمِّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- بالتي تُرمَى بالافتراءات دون دليل مِن نَقْل، أو حُجَّة من عقل، بعد أن بَرَّأها الله من فوق سبع سموات؟! أم أنَّه الحِقْد على الإسلام ورسوله، وكُلِّ مَن أحبَّه- صلَّى الله عليه وسلَّم- بدءًا من زَوْجِه وأحَبِّ الناس إليه، ثم أحبِّ الناس إليه من الرِّجال؛ صاحِبَيْه أبي بكر وعُمر، مرورًا بأبي هريرة الذي لازم النَّبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ونقل سُنَّته ووَهَب لها حياته، بل وحتى آل النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- وذريته لم يَسْلَموا من الافتراءات- رضوان الله عليهم أجمعين- فضْلاً عمَّا في ذلك من قَدْح في النبيِّ ذاتِه- صلَّى الله عليه وسلَّم. • حبيبةُ حبيبِ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-:ولم تكن أُمُّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- زوجةَ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- وحَسْب، وإنما كانت حبيبتَه الطَّاهرة التي افتَرى عليها الأفَّاكون- بلا ذَنْب جنَتْه- لِعِلْمهم بِمَكانها من رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فأرادوا أن يَطْعنوا النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ودعوتَه في مَقْتَل، ويُشعلوا نار الفتنة في قَلْب المجتمع المسلم النَّقيِّ، فَبرَّأها الله- تعالى- من فوق سبع سموات. وكانت تلميذتَه النَّجيبة التي شَهِد الله- تعالى- لها، كما شهد لسائر نساء النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بالعدالة؛ إذْ أمَرَهن بذِكْر ما يُتلى عليهن في بيوتهن من آيات الله والحكمة، فوَفَّتْ وكَفَت، وما عرَفَتْ طعم الرَّاحة في نَقْل سُنَّته، والبلاغ عنه- صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى لَقِيت رَبَّها- عزَّ وجلَّ. • فلو كان لِذي قَلْب يعقل أن يَصِف أُمَّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- لَوَصَفها بالوَرَع والتَّواضع، مع ما منحها الله- عزَّ وجلَّ- من نِعَم، لو قُدِّر أن أُعطِيَت إحدى النساء بَعضَها، لكان لها أن تتباهى وتفخر ما شاءت أن تتَباهى وتفخر على النساء. ولِمَ لا؟ وآلُ البيت زوجُها- صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم- سيِّدُهم، ومكانها عنده أنها أحَبُّ الناس إليه. وأبوها أنسَبُ قريش لقريش، الَّذي عُرِف بمروءته في الجاهلية، فلمَّا أسلم كان ثانِيَ اثنين في الغار، وأحَبَّ الرِّجال إلى رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم. ولِمَ لا؟ والنبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- يُعلِن مكانهَا في قلبه على المَلأ، وهو القائد الأعلى لجيوش المسلمين وقْتَ أنْ دانَتْ له العرب، حين يَسأله عمرو بن العاص أحدُ قادة جيشه، عن أحبِّ الناس إليه، فيقول: ((عائشة))، فيقول له: ((مِن الرِّجال؟)) فيقول: ((أبوها))؛ "صحيح البخاري". فلم يُنَحِّها- صلَّى الله عليه وسلَّم- عن حديث الحبِّ في جوابه الثاني، فيَذكُرَ اسمَ أبي بكر مجرَّدًا؛ وإنما ذكَرَه بِنَسبه إليها- رضي الله عنهما. ولِمَ لا، وهي الكُفْءُ للثَّناء بِذاتها، مع شُيوع تفَرُّدها بمكانها في قَلْب رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- بين الناس، وإقرار النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك، حتى رُوي عن عمر- رضي الله عنه- في حديث اعتزال النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- لنسائه شهرًا: أنه دخَل على حفصة، فقال: "يا بُنيَّة، لا يَغرَّنك هذه التي أعجَبَها حُسنُها، وحُبُّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إيَّاها"؛ يريد عائشة، قال: "فقصَصْتُ على رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فتبَسَّم"؛ "صحيح البخاري". "... فلمَّا مضَتْ تسعٌ وعشرون، دخَل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشةُ: إنَّك أقسَمتَ ألاَّ تدخل علينا شهرًا، وإنا أَصبَحنا لِتِسع وعشرين ليلة، أَعُدُّها عدًّا، فقال النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((الشهر تسع وعشرون))، وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين، قالت عائشة: فأُنزِلَت آية التَّخيير، فبدأ بي أوَّلَ امرأة، فقال: ((إنِّي ذاكِرٌ لكِ أمْرًا، ولا عليك ألاَّ تَعْجلي حتى تستأمري أبوَيْكِ)) قالت: قد أعلم أن أبوَيَّ لم يكونا يأمراني بِفِراقك . ثم قال: ((إن الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ [الأحزاب: 28]، إلى قوله: ﴿ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 29]))، قلتُ: أَفِي هذا أستأمر أبويَّ؟! فإنِّي أُريد الله ورسولَه والدَّار الآخِرَة، ثم خَيَّر نساءه، فقُلْن مِثل ما قالت عائشة"؛ "صحيح البخاري". ولِمَ لا؟ وقد "كان الناس يتَحرَّوْن بهداياهم يومَ عائشة، قالت عائشة: فاجتَمَع صواحِبي إلى أمِّ سلمة، فقُلْن: يا أمَّ سلمة، والله إنَّ الناس يتحَرَّون بهداياهم يومَ عائشة، وإنَّا نُريد الخير كما تريده عائشة، فمُرِي رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يأمر الناس: أنْ يُهْدُوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار . قالت: فذكَرَت ذلك أمُّ سلمة للنبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قالت: فأعْرَضَ عنِّي، فلمَّا عاد إلَيَّ ذكَرْتُ له ذلك، فأعرض عني، فلمَّا كان في الثالثة، ذكرتُ له، فقال: ((يا أمَّ سلمة، لا تُؤذيني في عائشة؛ فإنَّه واللهِ ما نَزَل علَيَّ الوحْيُ وأنا في لِحاف امرأة منكنَّ غيرَها))؛ "صحيح البخاري" بل وقد رَوَت- رضي الله عنها- تقول: "أرسَلَ أزواج النبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- فاطمةَ بنتَ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فاستأذَنَت عليه وهو مضْطَجِع معي في مِرْطي، فأَذِن لها . فقالت: يا رسول الله، إنَّ أزواجك أرسَلْنَني إليك يَسْألنك العدل في ابنة أبي قُحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((أيْ بُنيَّة، ألسْتِ تُحبِّين ما أحب؟))، فقالت: بلَى، قال: ((فأَحبِّي هذه))، قالت: فقامت فاطمة حين سمِعَت ذلك من رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فرجعَتْ إلى أزواج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- فأخبرَتْهنَّ بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فقُلْن لها: ما نراك أغنيتِ عنَّا من شيء، فارجعي إلى رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فقولي له: إنَّ أزواجك يَنْشُدنك العدل في ابنة أبي قحافة . فقالت فاطمة: والله، لا أكلِّمه فيها أبدًا"؛ "صحيح مسلم". ولِمَ لا؟ وهي التي روَتْ لنا تقول: "كان رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا أراد سفَرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتهن خرج سهمُها خرج بها معه، وكان يَقْسم لكلِّ امرأة منهنَّ يومَها وليلتها، غير أنَّ سودة بنت زَمْعة وهَبَت يومها وليلتها لعائشة زوجِ النَّبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- تَبْتغي بذلك رِضا رسولِ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم –"؛ "صحيح البخاري". فلم تكن أمُّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- تجْهَل مكانتها عند حبيب الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- بل وهي التي قالت: "تزوَّجَني رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- في شوَّال، وبَنى بي في شوَّال، فأَيُّ نساء رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- كان أحْظَى عندَه منِّي؟"؛ رواه مُسلم والتِّرمذي. ولِمَ لا؟ يتبع |
وقد أبَى الله- عزَّ وجلَّ- في زمن حادثة الإفك أن تكون براءتها كبَراءة أيِّ امرأة يكثر عليها الحاقدون، وإنما أُنزِلَت براءتها بكلام تَكلَّمَه ربُّ العِزَّة، وقرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ حتى تكون براءتها دِينًا يُدان به لله.
إذْ يقول الله- تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]. فإنْ كانت الحبيبةُ لا بُدَّ وأن تَغار، فلم تكن غَيْرة أُمِّ المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- كغَيْرة النِّساء من النِّساء، وإنَّما كانت غَيرتها لِعِظَم قَدْر النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- عندها، ومكانته في قَلْبها، مع تواضُعِها- رضي الله تعالى عنها. فعَن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق: "أنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- خرَج من عندها ليلاً، قالت: فغِرُت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ((ما لَكِ يا عائشة؟! أَغِرْتِ؟)) فقلت: وما لي لا يَغار مِثْلي على مثلك؟"؛ "صحيح مسلم". وعنها- رضي الله تعالى عنها- تقول: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا خرج، أَقرع بين نسائه، فطارَتِ القرعة على عائشة وحفصة، فخرَجَتا معه جميعًا، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان بالليل، سار مع عائشة، يتحدَّث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألاَ تَرْكبين اللَّيلة بعيري، وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى، فرَكِبَت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسَلَّم ثم سار معها، حتى نزلوا، فافتَقَدتْه عائشة، فغارت، فلمَّا نزَلُوا جعلت تجعل رِجْلها بينَ الإِذْخِرِ، وتقول: يا ربِّ، سَلِّط عليَّ عقربًا أو حيَّة تلدغني، رسولُك، ولا أستطيع أن أقول له شيئًا!"؛ "صحيح مسلم". فوالله إنَّ مَن يكره عائشة لَهُو المُكْثِر الحَسُود الحقود، الذي طالما أوذِيَت أمُّ المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- مِنْه ومن أمثاله في حياة النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- وبعد مماته، وقد روَتْ لنا عائشة أمُّ المؤمنين في زمن حادثة الإفك تقول: "فقلتُ لأمي: يا أُمَّتاه، ماذا يتحَدَّث الناس؟ قالت: يا بُنيَّة، هَوِّني عليك، فوالله لقَلَّما كانت امرأة قطُّ وضيئة عند رجل يحبُّها، لها ضرائر، إلاَّ أكْثَرْن عليها. قالت: فقلتُ: سبحان الله! أو لَقَد تحَدَّث الناسُ بهذا؟ قالت: فبكَيْتُ تلك الليلةَ حتىَّ أصبَحْتُ، لا يَرْقَأ لي دمع، ولا أكتحل بِنَوم، ثم أصبحتُ أبكي"؛ "صحيح البخاري". فلا بكَتْ عيْنٌ أحبَّتْكِ يا أُمَّاه إلاَّ من خشية الله، ولا رقأ الله لِمُبغضك دمعًا حتى تجف عيناه! • • • • فضل عائشة على النساء:لقد جمَعَت السيِّدة عائشة- رضي الله تعالى عنها- من محاسن الهيئة والسِّمات والصِّفات الظاهرة والباطنة، ما قلَّ أن يَجتمع في امرأة واحدة، فكانت جديرة- ولا شكَّ- بثناء الصَّادق الذي لا ينطق عن الهوى؛ إذْ يقول: ((فضْلُ عائشة على النِّساء، كفَضْل الثَّريد على سائر الطعام))؛ "صحيح البخاري". وهذا واضح في مختَلِف مواقف حياتِها، التي تُخبرنا بعُلوِّ خلُقِها، وطيبِ نَفْسها، وحُسْن حديثها- رضي الله تعالى عنها- حتى تكون أوَّل مَن تُفرَّج عندها الهموم، وترْضَى بها القلوب. فعن أنَسِ بن مالك- رضي الله عنه- قال: "بُنِي على النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بزينب بنت جحش بِخُبز ولَحْم، فأرسلت على الطَّعام داعيًا، فيَجِيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوتُ حتى ما أجد أحدًا أَدْعوه . |
فقلتُ: يا نبي الله، ما أجد أحدًا أدعوه، قال: ((ارفعوا طعامكم))، وبقي ثلاثةُ رَهْط يتحدَّثون في البيت، فخرج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- فانطلق إلى حُجرة عائشة، فقال: ((السلام عليكم- أهلَ البيت- ورحمة الله))، فقالت: وعليكَ السَّلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك، بارك الله لك، فتقرَّى حُجَر نسائه كلهنَّ، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلْنَ له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدَّثون، وكان النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- شديد الحياء، فخرج منطلِقًا نحو حُجْرة عائشة، فما أدري؛ أخبرتُه أو أُخبر أنَّ القوم خرجوا، فرجع، حتى إذا وَضع رجله في أُسْكُفَّة الباب داخلة وأخرى خارجة، أرخى السِّتر بيني وبينه، وأُنزِلَت آية الحجاب"؛ "صحيح البخاري".
وعن عائشة، قالت: "دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صفيةَ في بيتي، فقالت لي: ترضي رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- عني، وأجعل يومي لك؟ فعمدتْ إلى خمارها مصبوغةً بالزعفران، فرشَّتْه بالماء ليفوح ريحها، ثم لبسته وقعدت إلى جنب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إليك يا عائشة، يا عائشة عني، فإنه ليس بيومك . فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته الخبر فرضي عنها"[4]. وبعد:فإنَّ أعظم ما يدهش المتأمِّل لما حبَاه الله لأُمِّ المؤمنين عائشة من نِعَم، هو شدَّة إنصافها، وزُهْدُها في الاستئثار بالثَّناء والتكريم وحْدَها، فكانت لا تألو سائر أُمَّهات المؤمنين- رضي الله تعالى عنهن- ثناءً وذِكْرًا لفضائلهن وفضلهن. حتى إنَّها هي نَفْسها التي رَوَتْ لنا غَيْرتهَا من زوجة رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وحبِّه الأول السيِّدة خديجة- رضي الله تعالى عنها- كما ذكرَتْ فضائلها ومكانتها عند رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وأنَّه كان له منها ما لم يَكُن له مِن غيرها، بل وتَذْكر وفاءه لِعَهدها، وتعهُّدَه بالخير صديقاتِها، ورفيع مَنْزلتها عند الله- تعالى. فعن السيدة عائشة- رضي الله تعالى عنها وأرضاها- قالت: "ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ما غرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- يُكثِر ذِكْرَها، وربَّما ذبح الشَّاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربَّما قُلتُ له: كأنَّه لم يكن في الدُّنيا امرأة إلاَّ خديجة، فيقول: ((إنَّها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد))؛ "صحيح البخاري" وفي رواية: "... وأمره ربُّه- عزَّ وجلَّ- أو جبريلُ- عليه السَّلام- أن يُبشِّرها ببيت في الجنة من قصَب"؛ "صحيح البخاري". فأي قوة نفْسيَّة وإيمانية كانت لَدى أُمِّنا الطاهرة الطيِّبة، حتى تثني كلَّ هذا الثناء على ضرَّتها في مَعْرِض حديثها عن غيرتها منها، وما الذي يجعلها تُحدِّث بما يدور بينها وبين زوجها- صلَّى الله عليه وسلَّم- مما يرفع قَدْر ضرَّتها، ويُصبِح ترجمة خالدة لها يتَناقَلُها المسلمون في كلِّ زمن وجيل؟ إنه- ولا شكَّ- الامتثال لأمر الله- عزَّ وجلَّ- لها ولنساء النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- من أمهات المؤمنين؛ إذْ يَقول- تعالى-: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34]. ولا يَخفى أنه في أمر الله- تعالى- لهنَّ بالرِّواية عن رسوله- صلَّى الله عليه وسلَّم- شهادةٌ مَن الله- عزَّ وجلَّ- بعدالتهنَّ وجَدارتهِنَّ بذلك، وأي شهادة كتلك الشهادة؟ وأي تشريف وأي تكريم يَحُوزه المرء بعد ذلك؟وأمر آخَر أستطيع أن أستنبطه من خلال القراءة في شرائع دين الإسلام الحنيف، ومِن خلال القراءة في تاريخ أُمِّ المؤمنين الطيِّبة المتواضعة لله- عزَّ وجلَّ- عائشة- رضي الله تعالى عنها- ألاَ وهو حُبُّها للسيِّدة خديجة حُبَّ المؤمنة لأختها في الله، ورغبتها في التعريف بفضلها ومآثرها التي لم يَشْهَدها ولم يعرفها الكثيرُ من المسلمين، وقد ماتت السيِّدة خديجة- رضي الله تعالى عنها- قبل الهجرة. وقبل ذلك كان حب المؤمنة لرسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- أكثرَ من نَفْسِها، فكان حبُّها وإقرارها بالفضل لِمَن أحبَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وصدَّقه وواساه، مُتَعالية بذلك عن مشاعر النِّساء وخلجات نفوس البشر. وقريب من ذلك ما رواه أنس بن مالك في قصة إسلام أبي قحافة، قال: "فلما مَدَّ يده يبايعه، بكى أبو بكْر، فقال النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((ما يُبكيك؟)) قال: لأَنْ تكون يَدُ عمِّك مكان يَدِه ويُسْلِم ويُقِرّ الله عينك، أحبُّ إلَيَّ مِن أن يكون"؛ إسناده صحيح. بل ولم تكن السيِّدة خديجة- رضي الله تعالى عنها- هي وحْدَها التي حَظِيَت بإنصاف السيِّدة عائشة وطِيب نَفْسها. فلقد رُوي عن السيدة عائشة تُخبر عن السيِّدة زينب بنت جحش- رضي الله تعالى عنهما- تقول: "وهي التي كانت تُساميني منهنَّ في المَنْزلة عند رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- ولم أرَ امرأة قَطُّ خيرًا في الدِّين من زينب، وأتقى لله، وأصدَقَ حديثًا، وأوصل للرَّحِم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتِذالاً لِنَفْسها في العمل الذي تصَدَّق به، وتقَرَّبُ به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرةً مِن حَدٍّ كانت فيها، تُسرِع منها الفَيْئة"؛ "صحيح مسلم". فلم تَجِدِ السيِّدة عائشة في نَفْسها الزَّكية ما يمنعها من الإنصاف وذِكْرِ فضائل زوج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- التي عاصرَتْها، وكانت في غاية الشَّباب والجمال والتَّقوى والدِّين، مع صلة نسَبِها برسول الله، ومَنْزلتها منه- عليه الصَّلاة والسَّلام. بل وتُثني على أمٍّ أخرى من أُمَّهات المؤمنين، فتقول: "ما رأيتُ امرأة أَحبَّ إليَّ أنْ أَكُون في مِسْلاخها من سَوْدة بنت زمعة، من امرأة فيها حدَّة"؛ "صحيح مسلم". وعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: "كانت صفيَّة من الصَّفِي" |
[5]؛ صحيح. وتقول- رضي الله تعالى عنها-: "ما رأيتُ صانعةَ طعامٍ مثل صفيَّة، أهدَتْ إلى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- إناءً فيه طعام، فما ملَكْتُ نفسي أن كسرتُهُ .
فقلتُ: يا رسول الله، ما كفَّارته؟ قال: ((إناءٌ كإناء، وطعامٌ كطعام))؛ إسناده حسَن. فسبحان الله، ما أسرع أن تتوب إلى رَبِّها، وتعيد الأمور إلى سابق صفائها ونقائها! ولا تزال أُمُّ المؤمنين عائشة تَذْكر بالفضل نساءَ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- فتقول: "قسَم رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- سبايا بني المُصْطلق، فوقعت جُوَيرية بنت الحارث لثابت بن قَيْس بن شماس، أو لاِبْن عم له، كاتَبَتْه على نفسها، وكانت امرأةً حُلوةً مُلاَحَة، فأتتْ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيِّد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يَخْفَ عليك، وجئتُك أستعينك على كتابتي، فقال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((هل لَكِ في خير من ذلك؟))، قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: ((أقْضِي كتابَتَك وأتزوَّجك))، قالت: نعم يا رسول الله، قال: ((قد فعلت))، قالت: وخرَج الخبر إلى الناس أنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- تزوَّج جُويرية بنت الحارث، فأرْسَلوا ما بأيديهم، قالت: فقد عتقَ بتزوُّجِه إيَّاها مائة أهل بيت من بني المصطلق، وما أعلم امرأةً كانت أعظم بركة على قومها منها". بل وهناك روايتان يتبيَّن لنا منهما، كيف كان عِلْم أُمِّ المؤمنين عائشة وعقلها ودينها وعدلها:أُولاهما: قال القاسم بن سلام في كتاب "الأموال": حدثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة، حدثنا أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد أن عمر أول ما فرض الأعطية فرض لأهل بدر من المهاجرين والأنصار ستة آلاف، ستة آلاف، وفرض لنساء النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ففَضَّل عليهن عائشة، وفرض لها اثني عشر ألفًا، ولسائرهن عشرة آلاف، عشرة آلاف، غير جويرية وصفية، فرض لهما ستَّة آلاف، ستة آلاف، وفرض للمهاجرات الأُوَل: أسماء بنت عميس، وأسماء بنت أبي بكر، وأُمِّ عبدٍ أُمِّ عبدالله بن مسعود ألْفًا، ألفًا. والثانية: عن ناشرة بن سميٍّ اليزَني قال: "سَمِعتُ عمر- رضي الله عنه- يقول يوم الجابية وهو يخطب: إنَّ الله جعلني خازِنَ هذا المال وقاسِمَه، ثم قال: بل الله قَسَمه، وأنا بادِئٌ بأهل النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ثم أشرفهم، فقَسَم لأزواج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- عشرة آلاف، إلا جويرية وصفية وميمونة ومارية . فقالت عائشة: إن رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- كان بيننا، فعَدَل عُمَر بينهنَّ، ثم فرض لأصحاب بدر المهاجرين خمسة آلاف، ولمن شَهِدها من غير المهاجرين أربعة آلاف، ولمن شهد أُحُدًا ثلاثة آلاف، وقال: من أبطأ في الهجرة أبطأ عنه العطاء، فلا يَلُومنَّ رجلٌ إلاَّ مناخ راحلته" |
[6]؛ إسناده جيد. فكان لكلٍّ من أمير المؤمنين- رضي الله تعالى عنه- ولأم المؤمنين- رضي الله تعالى عنها- من الرَّأي وجهًا معتبَرًا. •
أمَّا خلاصة علاقة أُمَّهات المؤمنين ببعضهنَّ- رضوان الله عليهن- فالحُبُّ في الله، والحب لرسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- ومَن يحب، فإذا ما وقع بينهن في بعضِ أحيانٍ قليلة ما يقع بين النساء كثيرًا، فإنَّهن التوَّابات الوَرِعات المتسامحات . وبيان ذلك ما يُروَى عن السيدة عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: "دعَتْني أمُّ حبيبة عند موتها، فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضَّرائر، فقلتُ: يَغفر الله لي ولك ما كان من ذلك كلِّه، وتجاوز وحلَّلك، فقالت: سررْتِني سرَّك الله، وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثل ذلك" [7]. أم المؤمنين الصِّدِّيقة الطيبة:ولم يقتصر فَضْل أمِّ المؤمنين في أيِّ منْحًى من مناحي الحياة على جانب دون آخَر، فإنْ سأَلْتَ عن الزَّوجة الصالحة وجدْتَها، وإن سألت عن التَّقيَّة الوَرِعة ذكرت لك، وإن سألتَ عن جُودها وحنانها حدَّثتك . فعن السيدة عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: "دخلَتِ امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تَمْرة، فأعطيتُها إيَّاها، فقسَمَتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامَتْ فخرَجَت، فدخل النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- علينا فأخبرته، فقال: ((مَن ابتُلِي من هذه البنات بشيء، كُنَّ له سِترًا من النار))؛ "صحيح البخاري". فإنْ نَعْجب من تلك المرأة التي أَعْطت لابنتيها التَّمرة ولم تأكل منها شيئًا، فعَجَبُنا أشدُّ من السيِّدة عائشة التي أعطت المرأة وابنتيها التمرة، ولم تُبْقِ ببيتها شيئًا؟ فلقد كانت السيِّدة عائشة- رضي الله تعالى عنها- خيرَ أمٍّ للمؤمنين وأبنائهم في حياة النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- وبعد وفاته؛ تُطعِم وتحمِل، وتَحْنو، وتعلِّم وتربِّي، وتزوِّج وتوجِّه، وليس بخير إلاَّ وحازَتْه، وكان لها فيه السَّبْق. حتى رُوي عنها أنَّها قسَمَت مائة ألف بين أزواج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بل وقسَمت ما يقارب الثمانين ومائة ألف بين الناس، فأمْسَتْ وما عندها درهمٌ تَشترِي به ما تُفطِر عليه وقد أصبحت صائمة، فقالت لها أمُّ ذرة: أما استطعت مما قسَمْت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت لها: لا تُعنِّفيني، لو كنتِ ذكَّرتِني لفَعَلتُ. وعن عروة قال: لقد رأيتُ عائشة تقسم سبعين ألفًا، وهي تُرقِّع دِرْعها يتبع |
[8]. وهي مع فضائلها وفَضْلها، كانت من أشدِّ الناس خشية لله، حتى رُوي أنها حدثت: "أن عبدالله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطَتْه عائشة: والله لتَنْتهينَّ عائشة، أو لأَحْجرنَّ عليها، فقالت: أهو قال هذا؟
قالوا: نعم، قالت: هو لله علَيَّ نذْر ألاَّ أكلِّم ابن الزُّبير أبدًا، فاستَشفع ابنُ الزُّبير إليها حين طالَت الهجرة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبدًا، ولا أتحنَّث إلى نَذْري، فلمَّا طال ذلك على ابنِ الزُّبير كلَّم المِسْوَر بن مَخْرمة وعبدالرحمن بن الأسود بن عبديغوث- وهما من بني زُهْرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لمَا أَدْخلتُماني على عائشة؛ فإنَّها لا يحل أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبدالرحمن مُشْتَمِلين بأرديتهما حتىَّ استأذَنا على عائشة، فقالا: السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلُّنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلُّكم، ولا تَعلَم أنَّ معهما ابْنَ الزُّبير، فلمَّا دخلوا دخل ابن الزبير الحِجَاب، فاعتنق عائشة وطَفِق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبدالرحمن يُناشدانها إلاَّ ما كلَّمَتْه وقَبِلت منه، ويقولان لها: إنَّ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- نهَى عمَّا قد عَلِمْت من الهجرة؛ فإنه لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، فلما أكثَروا على عائشة من التَّذكِرة والتَّحريج، طَفِقت تذكِّرهما وتَبكي، وتقول: إني نذَرْتُ والنَّذر شديد، فلم يزالا بها حتىَّ كلَّمَت ابن الزبير، وأعتَقَت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تَذْكر نَذْرَها بعد ذلك، فتبكي حتى تبلَّ بدموعها خمارها"؛ أخرجه البخاري. وعن عروة عن أبيه أن عائشة- رضي الله عنها- كانت تَسْرد الصوم. وعن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدَّهر، ولا تفطر، إلاَّ يوم أضحى أو يوم فطر ------------- [9]. وعن القاسم قال: كنتُ إذا غدوت أبْدَأ ببيت عائشة أسلِّم عليها، فغدوت يومًا فإذا هي قائمة تسبِّح، وتقرأ: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27]، وتدعو وتبكي وتردِّدها، فقُمتُ حتىَّ مَللْتُ القيام، فذهبت إلى السُّوق لحاجتي، ثم رجعتُ فإذا هي قائمة كما هي، تصلِّي وتبكي. وعن عامر قال: كتبتْ عائشة إلى معاوية: "أمَّا بعد، فإن العبد إذا عَمِل بمعصيَّة الله- عزَّ وجلَّ- عاد حامِدُه من النَّاس ذامًّا". وعن إبراهيم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "إنَّكم لن تَلْقوا الله بشيء خيرٍ لكم من قَلَّة الذُّنوب، فمَن سرَّه أن يسبق الدَّائب المجتهد، فليكُفَّ نفسه عن كثرة الذنوب". وقال عنها عروة: "ما رأيتُ أحدًا أعلم بفِقْه ولا طبٍّ ولا شِعْر، من عائشة".وقال عطاء بن أبي رباح: "كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامَّة".وقال الزُّهري: لو جُمِع علم عائشة إلى عِلم جميع أزواج النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- وعِلْم جميع النساء لكان عِلْم عائشة أفضل.وعن مسروق يقول: "رأيتُ مشيخة أصحابِ محمَّد الأكابر يَسألونها عن الفرائض".• بل ولم يَكن في النِّساء أعلم من تِلميذاتها؛ عمرة بنت عبدالرحمن، وحفصة بنت سيرين، وعائشة بنت طلحة. وكان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدَّثَتني الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، حبيبةُ حبيبِ الله، المبرَّأةُ من فوق سبع سموات. والحديث لا يَتَّسع لذِكْر جميع مناقب أُمِّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- فلقد ظَلَّت طوال حياتها التي تجاوزت السِّتِّين عامًا، تبلِّغ عن رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وتعلِّم الأُمَّة، وتَنصر الدِّين، ذَخيرتُها في ذلك بِضْع سنوات عاشَتْها مع رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- كانت وَقُود حياتها، ومَصْدَر عِلْمها. وبرغم عِظَم ما مرَّ بها من أحداث ومواقف، وأنَّها كانت كالشَّمس تحيط بها أنظارُ المؤمنين وقلوبهُم، فإنَّها لم تَبْرح تَذْكُر النبيَّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- فتُنشد تقول:ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ لقاء الأحبة:عن ذَكْوان مولى عائشة: "أنَّه جاء عبدالله بن عبَّاس يستأذن على عائشة، فجِئْتُ وعند رأسِها ابنُ أخيها عبدالله بن عبدالرحمن، فقلتُ: هذا ابن عبَّاس يَستأذن، فأكَبَّ عليها ابنُ أخيها عبدالله، فقال: هذا عبدالله بن عبَّاس يَستأذن، وهي تموت، فقالت: دَعْني من ابن عبَّاس، فقال: يا أُمَّتاه، إنَّ ابن عبَّاس من صالحِي بَنِيك، ليسلِّم عليك ويودِّعك، فقالت: ائذن له إن شِئت، قال: فأدخَلتُه، فلمَّا جلس قال: أبْشِري، فقالت: أيضًا، فقال: ما بينك وبين أن تَلْقي محمَّدًا- صلَّى الله عليه وسلَّم- والأحبَّة إلاَّ أن تخرج الرُّوح من الجسد؛ كُنتِ أحَبَّ نساء رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى رسول الله، ولم يكن رسول الله يحبُّ إلاَّ طيِّبًا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- حتى يصبح في المنزل وأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله- عزَّ وجلَّ-: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43]، فكان ذلك في سبَبِك، وما أنزل الله- عزَّ وجلَّ- لِهَذه الأُمَّة من الرُّخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء به الرُّوح الأمين، فأصبح ليس لله مَسْجدٌ من مساجد الله يُذْكَرُ اللهُ فيه، إلاَّ يُتلى فيه آناءَ الليل وآناء النهار، فقالت: دَعْني منك يا ابن عبَّاس، والذي نفسي بيده، لوَدِدتُ أنِّي كنتُ نسْيًا منسيًّا"؛ إسناده صحيح. ويَكفيها- رضي الله تعالى عنها- من الناس، شهادة سَليل آل البيت عبدالله بن عبَّاس، حَبْر الأُمَّة، وترجمان القرآن، الذي دعا له النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يُعلِّمه الله- تعالى- التأويل والفِقْه في الدِّين. وقد أوصَتْ- رضي الله تعالى عنها- عبدالله بن الزُّبير، فقالت له: "ادْفنِّي مع صواحبِي، ولا تدفنِّي مع النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- في البيت؛ فإني أَكره أن أُزكَّى"؛ "صحيح البخاري". وتُوفِّيَت أُمُّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان، سنة ثمانٍ وخمسين، وهي ابنة ستٍّ وستِّين سنة، وصلَّى عليها أبو هريرة، وكان خليفة مروان بالمدينة. وعن هشام بن عروة قال: ماتَتْ عائشة سنَة سبع وخمسين. وبينما ظلَّتْ أُمُّ المؤمنين المبرَّأةُ من السَّماء علَمًا خالِدًا من أعلام الإسلام المَجِيدة، بقي المُرْجِفون في غياهب ظُلمات نفوسهم، مدفونين في أحقادهم، يأكل أجسادَهم دودُ حسَدِهم لآل البيت وزوجةِ سيِّد الآل- صلَّى الله عليه وسلَّم. وظلَّت آياتُ القرآن تَصْدع بالحقِّ قلوبًا قاسية، وعقولاً متحجِّرة، أمَّا المؤمنون الصادقون فيَفْتؤون يقرؤون من كلام ربِّهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]. حتى إذا ما سَمِعوا من يُكذِّب الوحي المعصوم، ويتَطاول على مقام بيت النبوة، هَبُّوا كالجسد الواحد على قلب رجل واحد، يُنافِحون عن أمِّ المؤمنين المبرَّأة من فوق سبع سموات، ويَدْفعون عنها الإفك والبهتان. ولعلَّها أن تكون الصَّحوة التي لا نومة بعدها، والوَحْدة التي لا فُرْقة بعدها، حتى يُعِزَّ الله المؤمنين في كلِّ بقاع الأرض، وينصر بهم الدِّين. وكما قال أُسَيد بن حضير لأمِّ المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- أقول: "جزاكِ الله خيرًا، فوالله ما نزل بكِ أمْرٌ قطُّ، إلاَّ جعل الله لك منه مخَرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة"؛ "صحيح البخاري". • • • • المراجع:• موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف- التفسير.• الدُّرر السَّنية الموسوعة الحديثية وإسلام ويب.• كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى.• مناقب عائشة- رضي الله تعالى عنها- كتاب "صِفَة الصَّفوة" للإمام ابن الجوزي- رحمه الله تعالى.--------------------------------------------------------------------------------[1] عن القاسم بن محمد: "أن عائشة اشتَكَت، فجاء ابن عبَّاس فقال: يا أُمَّ المؤمنين، تَقْدَمِين على فَرطِ صِدْق، على رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى أبي بكر"؛ "صحيح البخاري".[2] عن "الدُّرر السَّنية" (وقد أضفْتُ رابطه إلى النصِّ)، وهذا هو العزو:الراوي: عائشة، المحدِّث: الهيثمي- المصدر: مجمع الزوائد- الصفحة أو الرقم: 9/228.خلاصة حكم المُحدِّث: رجاله رجال الصَّحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسَنُ الحديث.[3] عن "الدرر السَّنية" (وقد أضفت رابطه إلى النصِّ) وهذا هو العزو:الراوي: الشَّعبي، المحدِّث: ابن كثير- المصدر: البداية والنهاية- الصفحة أو الرقم: 5/252خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد قوي، والظاهر أن الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي.[4] الحكم المبدئي: إسناده ضعيف ويحسن إذا توبع، (عن "إسلام ويب"، وقد أضفت رابطه إلى النص).[5] الصَّفِي؛ أيْ: مما اصطفاه رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- واختصَّ به؛ "إسلام ويب".وعن الشعبي: "كان للنبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- سهمٌ يدعى الصَّفي، إن شاء عبدًا، وإن شاء أمَة، وإن شاء فرسًا، يختاره قبل الخمُس".الراوي: الشعبي، المحدِّث: أبو داود- المصدر: سنن أبي داود- الصفحة أو الرقم: 2991خلاصة حكم المحدِّث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة: كلُّ ما سكَتُّ عنه فهو صالح]؛ عن "الدرر السنية".[6] عن "الدرر السنية": (وقد أضفت رابطه إلى النص) وهذا هو العزو:الراوي: ناشرة بن سمي اليزني، المحدث: ابن كثير- المصدر: مسند الفاروق- الصفحة أو الرقم: 2/477خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد.[7] كتاب "البداية والنهاية"، لابن كثير، المجلَّد الرابع، الجزء الثاني، صفحة 16، ابن سعد (8/100) والواقدي: متروك.[8] كتاب "صِفَة الصَّفوة" للإمام ابن الجوزي- رحمه الله تعالى.[9] كتاب "صفة الصفوة" للإمام ابن الجوزي- رحمه الله تعالى.----------------------- |
رسالة الى ام المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها قصيدة عبدالرحمن العشماوي
أمّـــــاه أمّـــــاه دمـــــع الـعــيــن ســيّـــال * وخــاطــري فــــي دروب الــحــزن رحّــــال أمّـــــــاه أمّـــــــاه مـــازالــــت تــؤرقــنـــي * هـمـوم عـصـري فـفـي الأعـمــاق زلـــزال قـصـائــدي لــــم تــــزل تــجـــري عــلـــى * نسـق مـن الـوفـاء لأسـلافـي ومــا نـالـوا وفـــاء مــــن فــــي حـنـايــا قـلـبــه أمــــل * عـــذب ,وفـــي نـفـسـه لـلـحـق إجــــلال بــيــنـــي وبــيــنـــك آكــــــــام وأوديــــــــة * مـــــــن الـــدهــــور وآثــــــــار iiوأطــــــــلال وبـيـنـنـا جــســر إيــمـــان عــبـــرت iiبـــــه * وفـــــي الـطــريــق مـــفـــازات iiوأهــــــوال أتــيــت أقــــرأ أمــجـــادي ,أعــبـــر iiعـــــن * نفـسـي ولــي فــي بـلـوغ القـصـد آمــال أتـيـت أحـمـل مـأسـاتـي عـلــى كـتـفـي * وفــــي يــــدي قــلــم بـالــحــب iiســيّـــال أمّـــــــاه أمّـــــــاه أخـــبــــاري iiمــنـــوّعـــة * وللـحـكـايـات عــنـــد الــنـــاس iiأشــكـــال فـــي عـصـرنـا لـجّــة الأحــــداث iiمـائـجــة * ومـالــنــا زورق فــــــي الــبــحــر جــــــوّال وأمـــة الـحــق فـــي أوطـانـهـا iiاشتـعـلـت * نـــار الـخــلاف وأهـــل الـبـاطـل iiواحـتـالـوا أيـــــا حـلـيـلــة خــيـــر الــنـــاس iiأمـتــنــا * تمشي وفي صدرها المكشوف سلسال تمـشـي وفــي يـدهــا البـيـضـاء أســـوره * تمـشـي وفــي رجلـهـا البيـضـاء iiخلـخـال تــبــرّجــت أمـــتـــي لـلـعـابـثـيـن iiبـــهــــا * وغــرّهـــا مـــــن فـــــم الـتّـنـيــن iiمـــــوّال لـو أنـهـا احتشـمـت مــا ذاب فــي iiفمـهـا * صـــــوت الإبـــــاء ولا أعــداؤهـــا iiطـــالـــوا الـظـالـمــون قــصـــار فـــــي حقـيـقـتـهـم * لـكـنـهــم بـتـغــاضــي أمـــتـــي iiطـــالـــوا إذا تــخــلّــى كـــريـــم عــــــن iiمــبــادئـــه * فـســوف يـرتــع فــــي الأوطــــان iiأنــــذال أمّـــاه أمّـــاه ضـــاع الـعــدل فــــي زمــــن * أدنـــــــى وســائــلـــه قـــيــــد وأغـــــــلال أيــــا حـلـيـلــة خــيـــر الــنـــاس إن بــنـــا * داء السكـوت عـلـى مــا تقتـضـي الـحـال تـشـكـو مـوائـدنـا أصـنــاف مـــا iiحـمـلــت * مـــن الـطـعـام ويـشـكــو لـهـونــا iiالــمــال أمّـــاه أمّـــاه لـــو أبـصــرت مــــن iiنـفـخــوا * أبـواقـهـم فـــي خـــداع الـنــاس iiاحـتـالـوا ومـــــن أراقـــــوا دمـــــاء الأبــريـــاء iiبــــــلا * ذنـــب فــكــم قـتـلــوا بـالـظّــن iiواغـتـالــوا ولــــو رأيــــت طــواويــس الــرجــال iiوقــــد * شــــدّوا مــآزرهــم بـالــوهــم iiواخـتــالــوا ولـــو رأيـــت رجـــال الـعـلـم كـيــف iiغـــدو * لـمّــا سقـتـهـم شـــراب الغـفـلـة الــــدال ولـــو رأيـــت نــســاء المسـلـمـيـن وقــــد * بــــدا لــهــنّ عــلـــى الأوهـــــام iiإقــبـــال إذاً لـعــانــيــت يـــاأمّــــاه مـــــــن iiألـــــــم * وكـــان لـلـدمــع فــــي عـيـنـيـك iiشــــلاّل أمّـــاه قــولــي لــمــن بــاعــت iiكـرامـتـهـا * وصــدّهـــا عـــــن دروب الـخــيــر iiطــبّـــال قـولــي لـمــن جـعـلـت أزيــاءهــا iiهــدفــاً * ومـــن دعــاهــا إلــــى الـتـحـريـر iiدجّــــال أهـــكـــذا تـركـبــيــن الـــمـــوج iiحـــائــــرة * ويـسـتـبــيــحــك بــــالأهـــــواء أنـــــــــذال تـنـسـيــن أنـــــك لـلأجــيــال iiمـــدرســـة * وكــــــــم تــــعــــز بــــعــــز الأم أجــــيــــال أيـــــا حـلـيـلــة خــيـــر الــنـــاس iiأمـتــنــا * لــهــا جـــــواد مـــــن الإعـــــلام iiصــهّـــال لــهــا ســيــوف مــــن الأبــــواق iiقـاطـعــة * لـــــهـــــا دروع وأبــــــــــواب iiوأقـــــفــــــال لــهــا شــعــوب تــســر الـعـيــن iiكـثـرتـهـا * فـــي كـــل قـطــر مـــن الـسـكـان iiأرتـــال لـهـا رجــال لـهــم فـــي الـقــول iiألـسـنـة * مــهــذارة ولــهــم فــــي الـبـنــك iiأمــــوال سلاحـهـم فــي لـقـاء الـخـصـم iiممـتـهـن * لـكــنــه فـــــي لــقـــاء الأهــــــل iiقـــتّـــال بـاعـوا فـمـا ربـحـوا ,قـالــوا فـمــا iiصـدقــوا * وفــــــــوق هــــذيــــن إخــــضـــــاع iiوإذلال أمّـــــاه أمّــــــاه أشــجــانــا ذوو iiنـــســـب * فينـا,ولـكـنـهـم عــــــن ديــنــنــا iiمـــالـــوا قـلـنـا لـهــم خـطــر يـــا قـــوم يـدهـمـكـم * فـالـسـيـف مـنـصـلـت والـسـهــم iiنــبّـــال ولـن تـروا مــن يكـيـل الظـلـم فــي iiزمــن * إلا بـــمــــا كـــالــــه لــلــنـــاس يــكــتـــال قـالــوا رويـــداً فــــإن الــوعــي ينـقـصـكـم * الـقــول مـــا قـــال جـــو زيـــف iiومـيـشـال مـــن أعـلــن الـحــق يــــا أمــــاه مـتّـهــم * فــــي عـصـرنــا ودعــــاة الــزيــف أبــطــال أيــــا حـلـيـلـة خــيــر الــنــاس iiقـافـيـتــي * يـتــيــمــة مــالــهـــا عـــــــمّ ولا iiخــــــــال أرسلـتـهـا وبـنــو قـومــي عـلــى iiجــــرف * مـــــن الـخــلافــات مــازالـــت iiومـــازالـــوا أمّـــاه قـولــي لـنــا مــــاذا نــقــدّم iiفــــي * عــصــر أحـــــاط بـــــه ضــعـــف iiوإخـــــلال تــاهـــت مـراكـبـنــا والــمـــوج iiمـلـتــطــم * وفــــي الـشـواطــئ يــــا أمّــــاه iiأدغــــال هـنــا رأيـــت خــيــوط الــنــور أسـعـدنــي * نـسـيـجـهـا ولــثـــوب الـفــجــر إســـبـــال تـحــدث الـفـجـر ,أنـهــار الـضـيــاء جــــرت * ولــلــشــعـــاع حـــكـــايـــات iiوأمـــــثـــــال يـــا أيـهــا المشـتـكـي عـيـنـاك مـنـطـقـة * لـلــحــزن فـيــهــا مــســافــات وأطــــــوال لا تنـسـى أن خـطـى هــذا الـوجـود iiلـهـا * فــي عـلـم خـالــق هـــذا الـكــون iiآجـــال نــريـــد شـيــئــا ونـنــســى أن iiخـالـقـنــا * لــمـــا يــريـــد بـــهـــذا الـــكـــون iiفـــعّـــال هذه القصيدة للشاعر عبد الرحمن العشماوى |
لا حلت عن مدحتي لها أبدًا
وحق من بعلها النبي ومن *** والدها المرتضى أبو بكر لا حلتُ عن مدحتي لها أبدًا *** حتى أواري في ظلمة القبر وقد تيقنت أن والدهــــا *** يشفع لي في صيحة الحشر طـاهــرة تنتمي الى نسب *** شرفه الله منه بالفخر لمـا رمــوا لادر درهــم *** بالإفك والزور عصبة الشر برأها اللــه من مقالتهــم *** بغير شك في محكم الذكر فحالهـا مشبـه يساجلهــا *** وحق طه وليلة القدر وكم لها من فضيلة نطقــت *** بها وذكر يبقى على الدهر قالت توفى النبـي خالقــه *** مابين سحري وملتقى نحري فلا راعى الله من تنقصهـا *** فماله في المعاد من عذر وأي عـذر لمـبدع رجـس *** مذهبه شتم زوجة الطهر للشاعر : عاصم بن الحسن الأديب |
شكرا لكم على هذا الموضوع الجميل
|
ســلم لنا مرورك الرائع أُختي الغالية
تواجـــدك كرقــة الــورد دائما تعطر سماء متصفحنا باطلالتـــكـ فلا تحرمينا جميل عطاءك وتشريفكم لمتصفحنا دوما دمتم بالصحة والعافية جزاك الله ألف خير وبارك الله فيك |
« مليكة الطهر » للشاعر محمد المقرن
مليكة الطُّهر ( أمّ المؤمنين عائشة -رضِي اللَّهُ عنها- ) بُشــراكِ يا أُمَّاهُ بُشـراكِ . . . هيهاتَ يخـلُدُ إفكُ أفَّـاكِ بُشــراكِ آياتٌ نرتِّلُها . . . تَجلو هُمـومَ البائسِ الباكـي أَفدي دُموعَكِ رِقَّـةً نَزَفَتْ . . . تُبدي المواجِعَ مِنْ حنايـاكِ في ثوبِ طُهـرِكِ عِشْتِ رافلةً . . . والنُّورُ يقطـرُ من مُحيَّاكِ نبـعُ الحياءِ وعذبُـه اجتمعا . . . تحويهما بالطُّهـرِ عينـاكِ هيهاتَ يمتـدُّ النِّفـاقُ له . . . كالنَّجـمِ عن يدِهم سجاياكِ هيهاتُ يدنسُ ثوبُ طاهرةٍ . . . هيهاتَ يُلْمَسُ غرسُها الزَّاكي يأبَـى العفـافُ بأن تُلامِسَـهُ . . . أطرافُ خوَّانٍ وشكَّـاكِ أمليكـةَ الطُّهرِ التوَى قلمي . . . عن وصـفِ مالكةٍ وأملاكِ أمليكـةَ الطُّهرِ انتشَـى عَبَقًا . . . تاريخُنا بشـذا حكايـاكِ خيرُ الأنـامِ حليلُكم وكفَـى . . . فخرًا بأنَّ يديه ترعـاكِ في حُبِّـه قد حُـزْتِ منـزلةً . . . ما حـازَها -واللهِ- إلاَّّكِ علمٌ وفضـلٌ عفَّةٌ وهـدًى . . . سـبحانه كالبدرِ سـوَّاكِ ما مُتِّ لا .. ما زِلْتِ عائشـةً . . . بالعلمِ كنتِ كما مُسمَّاكِ أُمَّـاه ما زال النِّفـاقُ بنـا . . . لو أبصَرَتْـهُ اليومَ عينـاكِ كم بيـننا من مُرجِـفٍ ولَكَمْ . . . من حـاقدٍ وَغْدٍ وأفَّاكِ وَقَفـوا لنا في دربِ عِفَّتِنا . . . بشِـراكِ عدوانٍ وأشـواكِ لا ليسَ شَـرًّا ما يُحاكُ لنا . . . فاللهُ فوقَ الحـائكِ الحاكي لا ليـس شـرًّا إنَّه لرُؤَى . . . خـيرٍ فبُشـرانا ببُشـراكِ |
أُمّـاهُ صبْراً (قصيدة في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها)
أُمّـاهُ صبْراً فإن الحقَّ مُنتصرُ ... وعـابدُ النارِ في إيـرانَ يُحْتَضَرُ أنتِ اجتَنَيتَ ثِمارَ المَجدِ عاليةً ... من دَوحةٍ لم يُسامِتْ فَرْعَها بَشَرُ حِبُّ الرّسولِ ومَن أهدى لهُ مَلَكاً ... في سَرقةٍ حَسُنَتْ غَرّاءَ تَخْتَمِرُ(1) لَمْ يَنَْزلِ الوحيُ يوماً عندَ واحدةٍ ... من النّساءِ سواها وهي تَنْتَظِرُ لكنّه أنـزلَ الآياتِ تذكـرةً ... تحتَ الغطـاءِ وفي آيـاتِهِ عِبَرُ(2) وأَقْرأَ الروحُ يوماً وهي قائمةٌ ... لها السّلامَ مع المختارِ إذْ حَضَروا(3) وأنزلَ اللّـهُ قرآنـاً يُبَرِّئهـا ... ممـا رمـاها بِهِ الأفّـاكُ والزُمَرُ أَنتِ التي دونَ خَلْقِ اللهِ مَسْكَنُهُ ... أنتِ التي في عَونِهِ للحَقِّ إذ نَفَروا حَتّى قضى في وِسادٍ أنتِ جَوْهَرُهُ .. ومازجَ الريقَ ريقٌ وهو يُحتَضَرُ(4) في بيتِها دونَ أرْضِ اللهِ مَسْكَنُهُ ... وروضةٌ من ريـاضِ اللهِ تَزْدَهِرُ كَمْ قَدْ نَقَلْتِ لنـا من قَولِهِ جُمَلاً ... دُرّاً فيُغْضي حيـاءاً دونَها القَمَرُ بنتَ الكريمِ الذي صاخَتْ مسامعُهُ . للوحي يومَ جميعُ النّاسِ قد كَفَروا وخَصَّهُ اللهُ دونَ الخلقِ منْـزلةً ... حينَ اصطفاهُ رفيقاً عندما هَجروا سائِلْ عفيفاً وبَرّاً عن فضـائِلِها ... يكـادُ يَبْرُقُ عن مكنونِها النَظَرُ ذاعَتْ منـاقِبُها في كُلِّ نـاحيةٍ ... كالشّمسِ بـازغةً بالنّـورِ تَزْدَهِرُ إذْ أعْجَزَ الكُلَّ أدْراكاً لِمَنْزِلِهـا ... كَأَنَّهـا الغيـثُ سَحّاءاً وتَنْهَمِرُ حتّى سَمِعْنـا بِخنزيـرٍ تُعـاوِنُهُ... شَرُّ الخنـازيرِ لادِينٌ ولابَصَرُ إنّ الرّوَيْفِضَ خِنزيـرٌ ستَمْحَقُهُ ... حُمّى الخَنازيرِ يَوماً حينَ تَنْتَشِرُ الآكلـونَ لُحومَ الصَحبِ تَأكُلُهُمْ ... نـارٌ تَلَظّى شُواظاً وهْيَ تَسْتَعِرُ الطاعنـونَ خيارَ النّاسِ وَيْحَهُمُ ... لا باركَ اللهُ فيهم إَيْنَما حَضَروا أشْياخُهُمْ شَرُّ من يَحيى وأَكْفرُه ... والأرضُ تَكرهُ موتاهَم إذا قُبِروا والرافِضِيُّ إذا تَمّـتْ ضَلالَتـُهُ ... بَغْلٌ يُساقُ بِثَوبِ الكُفْرِ مُؤْتَزِرُ جـاءَ النبيُّ بِدِينِ اللهِ فانْكَفَـأوا ... على قُبُورٍ لَهُمْ تُدْعى وتُنْتَظَرُ فَهَلْ تُضيرُ أبا بكرٍ ضَلالَتَهُم ... أمْ هلْ يُساءُ رسولُ اللهِ إن كَفَروا ياعِلْجَ رفضٍ أدامَ اللهُ خِزيَكُمُ ...مـادامَ في قُمِّكُـم كَلْبٌ ومُعْتَجِرُ الشاتميـنَ نَبِيَّ اللهِ في صَلَفٍ ... الهاربينَ إلى الأنفاقِ إن حُصِروا تلقى الرُويفضَ مُعْتَماً فَتَحْسَبُهُ ... شَيـئاً ولكِنّهُ كالرَّوثِ يَنْدَثِــرُ تَهجونَ أُمّاً لنا شاهَتْ وجوهَُكُمُ ... فالبحرُ ما ضرّهُ من قاذفٍ حَجَرُ إِنْ تَرجُموا فارجُموا خابَتْ ظُنونُكُمُ ...إذْ ليسَ يُرجَمُ إلا مَن بِهِ ثَمَرُ مُوتوا مِنَ الغيظِ غماًً لا أباً لَكُمُ ... لَسْتُمْ إليـها ولا أَنتُم لهـا خَطَرُ يا ابنَ الرُّوَيفِضِ قد جاءَتْكَ داهيةٌ ... منِ الدواهي الّتي للآلِ تَنْتَصِرُ هَلاّ سَكَتُّم فَتَخفى بَعضُ سوأتِكِم ... هيهاتَ هيهاتَ إنَّ الغيظَ يَستَعِرُ ياوَيحَهُم طَعَنوا زَوجَ النّبيِّ وَهُم ... بالطّعنِ أولى وما في طَعْنِهِم ضَرَرُ لَو جَهَّزوا في أَذاها كُلَّ بـاغِيَـةٍ ... وكُـلَّ نـاعقةٍ كُفـراً سَتَنْدَحِرُ ياصاحبَ الإفْكِ والبهتـانُ مَشْرَبُهُ ... دَجِّل فعَمّـا قَليـلٍ يُعْلَمُ الخَبَـرُ 1. عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ" رواه البخاري. 2. عن عائشة، رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا أُمَّ سَلَمَةَ لا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا 3. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لا أَرَى تُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، رواه البخاري. 4. عن َعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :ُ فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي" رواه البخاري. أُمّـاهُ صبْراً فإن الحقَّ مُنتصرُ : أبو عبد الله الجبوري |
قصيدة عبدالله غالب الحميري
عذراً أم المؤمنين أمَّاهُ طبتِ شذا الأَنفاسِ والنَّسَمِ ***وطبتِ لحنَ الشَّدا في نبسِ كلِّ فَمِ وطبتِ أنشودةَ التأريخِ خَالدةً ***وقصةَ الطُّهرِ للأَجيالِ والأُممِ وطبتِ أصلاً، وطابَ الفرعُ ''عائشةً'' ***زكيةَ الثوبِ والأَردانِ والشِّيَمِ يا بنتَ أفضل بعدَ المرسلينَ أباً ***وخيرَ زوجٍ لخيرِ الرسْلِ كلِّهمِ ما حامَ حولَ خِباكِ الشكُّ، معذرةً ***أماهُ، كلُّ الخنا والفُحشِ في الزنِمِ اختاركِ اللهُ للمختارِ صاحبةً ***وليسَ بعدَ اصطفاءِ اللهِ من عِظَمِ وأنزلَ الحقَّ فيكِ الوحيُ، فانتحرَتْ ***أمامَ طهركِ جندُ الإفكِ والتُّهمِ فأنت في الذِّكرِ أمُّ المؤمنينَ، ومَن ***يأباكِ فالنارُ أمُّ الكافرِ الخَصِمِ قد طهَّرَ اللهُ للمعصومِ سَاحتَهُ ***فيما تَلا فيكِ مِن طهرٍ ومِن قِيَمِ مَصونةٌ من عثارِ السوءِ، محصنةٌ ***من ريبةِ الهمِّ بالفحشاءِ واللَّمَمِ أمينةُ المصطفَى الهادِي، وحاملةٌ ***نورَ النبوَّةِ من آيٍ ومِن حِكمِ زَفَّت إلى المصطفى البُشرى بمَقدَمها ***من قبلِ أن تستتِمَّ الست في الحُلمِ وما تزوجَ بكراً غيرَ "عائشةٍ" ***وذاك في سابقِ التقديرِ بالقَلمِ وجاءهُ الوحيُ في أَكنافِ معطفِها ***ولم تفارقهُ في حلٍّ ولا حَرمِ سارَت بأخبارِها الرُّكبانُ واشتهرَتْ ***بعِلمها الجمِّ بينَ السهلِ والأَكمِ ما استشكَلتْ بين جمعِ الصَّحبِ مَسألةً ***إلاَّ رأَوا عندَها إرواءَ كلِّ ظَمِي أَحبُّ أزواجِ خيرِ الخَلقِ قاطبةً ***لقلبهِ مِن نساءِ العُربِ والعَجَمِ وكيف لا؟ ورفيقُ الغارِ والدُها ***صِدِّيقُ أحمدَ، رمزُ الصدقِ والشمَمِ فلا أحبَّ من الصدِّيقِ وابنتهِ ***ولا يدانيهِما في القربِ ذو رَحِمِ وماتَ في حِجرها الهادي وحُجرَتِها ***ولم يبِت ليلةً منها على وظمِ وتلكَ واحدةٌ من ألفِ مَنقبةٍ ***مِن دُونها ذِروةُ العلياء والقممِ وكيف يَجحدها القالي مَفاخرَها ***وتلكَ أشهرُ من نارٍ على علمِ؟! وما عسى تُوقظُ الأشعارُ أفئدةً ***أصحابُها عن سماعِ الوَحي في صَممِ لكنَّهُ واجبُ الإدلاءِ سيِّدَتي ***في بحرِ ما خصَّ هذا البيت مِن كرمِ وصيحةٌ من لِواءِ الشعرِ أرفعُها ***في الذَّودِ عَن بيضةِ الإسلامِ والحرمِ تطاولَ الرفضُ حينَ اشتدَّ ساعدُهُ ***وغابَ عن دَحرِ هذا الرجسِ كلُّ كَمِيْ فلا غرابةَ إن عادَتْ أَوافكُهمْ ***وأظهرَ اللهُ منهمْ كلَّ منكتمِ حتى يَفيءَ إلى الإسلام ناصرُهُ ***وللنفاقِ يفيءُ اليومَ كلُّ عَمِي أخزاهمُ اللهُ ماذا يحلمونَ بهِ ***إن صارَ عرضكِ ديناً غير مُحترمِ؟ وأيُّ جرمٍ أتاهُ الصحبُ واجترَحوا؟ ***ما أشبهَ الرفضَ بالخُفَّاشِ والظُّلَمِ أماهُ، دونكِ جندُ اللهِ شاهرةً ***سيوفَها، ألفُ مِليُونٍ كما الرجمِ يَفدونَ عرضكِ، والأعراضُ هينةٌ ***إن نيلَ عِرضُ رسولِ اللهِ بالذَّممِ ودونَ ما يشتهي الأعداءُ ملحَمةٌ ***تشيبُ فيها النَّواصي قبلَ سَفكِ دَمِ عليكِ ما ذُكر المختارُ تَرضيةُ المَولى ***إلى أنْ يقومَ الخَلقِ للحَكَمِ. |
نصرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها / ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها / حادثة الإفك
حديث الإفك الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الأحاديث الطوال (6) حديث الإفك الحمد لله رب العالمين، مالك الملك ومدبر الأمر، لا يقضي قضاءً لمؤمن إلا كان خيرًا له، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، نحمده في السراء والضراء، والعافية والبلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كريم النوال، شديد المحال، سريع العقاب، عزيز ذو انتقام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أخيف في الله تعالى وما يخاف أحد، وأُوذي فيه - سبحانه - وما يُؤذي أحد، ومرت عليه ليالٍ يبيت جائعًا لا يجد طعامًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن عظيم الأجر في شدة البلاء مع الرضا والصبر والاحتساب؛ ولذا كان الأنبياء أشد الناس بلاءً، ثم الأمثل فالأمثل، وقد أوذي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أشد الأذى حتى آذاه المنافقون في عِرضه الشريف، واتَّهموا زوجه الطاهرة العفيفة عائشة - رضي الله عنها - فبرَّأها الله تعالى في قرآن يتلى إلى آخر الزمان، وفضح المنافقين شر فضيحة، وهذا حديثها عما أصابها. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَالله مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدُ الله بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ، وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى... قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ»، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا... قَالَتْ:... فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ»، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَالله لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ الله، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلاَ نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، لَمْ يُضَيِّقِ الله ُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ، فَقَالَ:«أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟». قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ أُبَيٍّ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ:«يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، قَالَتْ: فَثَارَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّضُهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ»، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي فِيمَا قَالَ: فَقَالَ أَبِي: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْتُ -وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا- إِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَالله يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَالله لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18] ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَالله يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الله مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، فَوَالله مَا رَامَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسَهُ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَالله لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11] العَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَالله لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ الله: ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 22] - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 5]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَالله إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ». فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَالله مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ، قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ، فِيمَنْ هَلَكَ...رواه البخاري ومسلم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب:58]. وأقول قولي هذا وأستغفر الله... الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281]. أيها المسلمون، كشَفت حادثة الإفك سوء النفاق، وأظهرت قذارة المنافقين، ودلَّت على أن المنافق لا يتورَّع عن شيء في أذيَّة المؤمنين، فحين عجز المنافقون عن النَّيل من النبي - صلى الله عليه وسلم - رموه في عرضه الشريف، وطعنوا في أحب أزواجه إليه مُبالغة في أذاه. ومنافقو عصرنا لم يتورَّعوا عن فعل ما فعل السابقون منهم، وهم يفترون الأكاذيب، ويختلقون التُّهم في الأبرياء، ويسعون بكل قوة في حرب الإسلام وإسقاط حملته ومبلغيه من العلماء والدعاة، والمصلحين المحتسبين، فالله حسيبهم، ولن ينالوا من دين الله تعالى شيئًا كما لم ينل أسلافهم. وكشفت حادثة الإفك شدة الابتلاء الذي حاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وببيته، وبأحب زوجاته إليه، وبأحب أصحابه إليه، ابتلاء يغور ألَمه في القلوب حتى يصدعها، فذلك عرضه، وتلك زوجه، وذاك صاحبه، فماذا يفعل؟! وماذا يقول؟! وكل ابتلاء يهون عند العرض؟ وكل اتهام أهون من الاتهام فيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الوحي ولا وحي إلا بعد شهر من المحنة والابتلاء. ثلاثون ليلة كيف نام فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ وكيف أكل وشرب؟ وهل هَنِئ بشيء؟ وكيف نام فيها أبو بكر وأهل بيته؟ وهل هَنِئوا فيها بطعام وشراب؟ ثلاثون يومًا بكت فيها عائشة - رضي الله عنها - حتى جفَّ دمعها، وذهب صوتها، واعتل جسدها. ثلاثون يومًا ولا حيلة للنبي ولا لعائشة ولا لأبي بكر وأهل بيته، ولا حيلة للمهاجرين والأنصار وهم يرون الألم في وجه النبي - عليه الصلاة والسلام - وفي وجه أبي بكر وآل بيته. والمنافقون يفيضون في الإفك، ويشيعونه في الناس، ويتلذَّذون بأذية النبي في عرضه، ما أعظمه من ابتلاء! وما أشده من امتحان! وهكذا الأصفياء يبتلون، حتى إذا كُشِف الغطاء، ورُفِع البلاء، وزالت الغمة، وذهبت الكربة، ظهر الحق، وثبت الأجر، وفُضِح النفاق، وما زاد عائشة ما رميت به من الإفك إلا رِفعة عند الله تعالى، ومحبة في قلوب المؤمنين، وما زادت أذية المنافقين للنبي - عليه الصلاة والسلام - في عرضه ولأبي بكر وآل بيته في ابنتهم، إلا أجرًا عند الله تعالى، وعزًّا في الدنيا والآخرة. وحين نقرأ حديث الإفك أو نسمعه، فلا بد أن نستحضر أن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وأن الأجر ينال بالصبر واليقين والثبات، مهما عظُم البلاء، ومهما كثُر المتساقطون، وتخلى المنتكسون عن دين الله تعالى، فإن للدين أعوانًا، وللحق أنصارًا، يبتلون، فيصبرون، فيُنصرون، والعاقبة للمتقين. وصلوا وسلموا على نبيِّكم. |
أُمُّنَا عاَئِشَة رضي الله عنها وأرضاها
للكاتبة الأخت / شيماء بنت علي الله يجزاها ألف خير تضم هذه الرسالة ترجمة ميسرة لأم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها وأرضاها -، حيث تناولت جزءً من سيرة حياتها - رضي الله عنها - وشمائلها وأخلاقها وفضلها في بيان العلم الذي حفظته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد جعلت الكاتبة رسالتها في عدة أبواب مجملة على النحو التالي: • باب: فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. • باب: جوانب يجهلها الكثيرون من حياة أم المؤمنين رضي الله عنها من غير الفضائل. • باب: إيضاح العلاقة الحسنة بين أم المؤمنين عائشة وبين علي وفاطمة وذريتهما وأئمة آل البيت رضي الله عنهم جميعاً على ضوء الأحاديث والأقوال والأفعال من خلال كتب السنة وروايات الشيعة. • باب: عرض افتراءات مختلقة وأباطيل لا وجود لها عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها. • باب: عرض أهم وأقوى الشبهات حول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والرد عليها. • باب: الفوائد والآثار الإيجابية لحادثة الإفك القديمة والمعاصرة. |
أُمُّنَا عاَئِشَة رضي الله عنها وأرضاها
جمع وكتابة وتقديم/ شيماء بنت علي مقدمة: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}آل عمران102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}النساء1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}الأحزاب70-71. باب فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحببت أن أبدأ البحث بكلمات رائعة كتبها الصحابي الجليل حسان بن ثابت في قصيدة للذب عن عرض السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ وكأنها إشارة لأن المُدافعين عن عِرض رسول الله صلي الله عليه وسلم وعِرض أمهات المؤمنين والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين؛ هؤلاء المدافعون لن يتوقفوا أبداً عن الدفاع بأقلامهم وبأرواحهم مادامت الحياة عسي الله أن يجمعنا بالنبي الكريم صلي الله عليه وسلم وأزواجه وذريته وصحابته أجمعين في الفردوس الأعلى.. وأُشهد الله جلّ في علاه أني ما كتبت هذه الكلمات، وأقحمت نفسي الضئيلة وسط كبار العلماء الذين دافعوا عن عِرض رسول الله؛ إلا طمعاً في أن يجمعني الله بهم في دار كرامته ومستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه. وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: أحب الصالحين ولست منهم = لعلي أن أنال بهم شفاعة قصيدة حسان بن ثابت رضي الله عنه: رأيتك وليغفر الله لك حرة من المحصنات غير ذات غوائلِ حصان رزان ما تظن بريبة وتصبح غرثي من لحوم الغوافلِ وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر بل قِيلُ امرئ متماحلِ فإن كنت أهجوكم كما بلغوكمُ فلا رفعتْ سوطي إليّ أناملي وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافلِ وإن لهم عزًّا يرى الناس دونهم قصاراً وطال العز كل التطاولِ عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائلِ مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطلِ رضي الله عن أمنا عائشة أم المؤمنين ورضي الله عن حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ينافح عن النبي صلى الله عليه وسلم. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: إنها الصديقة بنت أبي بكر الصديق، القرشية، التيمية، المكية، رضي الله عنها وعن أبيها، أم المؤمنين، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته، وهي أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبوها: هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من بني تيم بن مرة بن كعب، واسمه عبد الله بن أبي قحافة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وأمها: أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية. كان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها. نزل جبريل عليه السلام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئها منه السلام. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشُ هذا جبريل يقرئك السلام " فقلت وعليه السلامُ ورحمة الله وبركاته.() كانت خير زوجة اهتمت بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغت من العلم والبلاغة ما جعلها تكون معلمة للرجال، ومرجعاً لهم في الحديث والسنة والفقه. إنها أعلم النساء، كان الأكابر من الصحابة يرجعون إليها في الفتوى. قال الإمام الزهري رحمه الله: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. قالت عائشة رضي الله عنها، لقد أُعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: 1ـ لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني. 2ـ ولقد تزوجني بكراُ، وما تزوج بكراً غيري. 3ـ ولقد قُبض ورأسه في حجري. 4ـ ولقد قبرته في بيتي. 5ـ ولقد حفت الملائكة بيتي. 6ـ وإني لابنة خليفته وصديقه. 7ـ ولقد نزل عذري من السماء. 8ـ ولقد خلقت طيبة عند طيب. 9ـ ولقد وُعدت مغفرة ورزقاً كريماً.() أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يبلغ سندها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبيها وعن عمر وفاطمة رضي الله عنها وروى عنها الكثير، كان مسروق وهو من كبار المحدثين التابعين إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات، توفيت في الليلة السابعة عشر من رمضان بعد الوتر، لسنة سبع وخمسين للهجرة صلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وأمرت أن تدفن من ليلتها. حبيبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وفي فضيلة قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم محبته عليه الصلاة والسلام لها، قال إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن إسماعيل بن أبي خالد،عن قيس بن أبي حازم، عن عمرو بن العاص أنه قال: "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قِيلَ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا".() فكانت هي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الذهبي بعد إيراده هذا الحديث تعليقاً عليه قال: وهذا حديث ثابت صحيح رغم أنوف الروافض، وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيباً وقد قال: "لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل ".يقول الذهبي: فأحب عليه الصلاة والسلام أفضل رجل وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله. فضلها للأمة...ومقارنة العلماء لها بالسيدة خديجة أن عائشة قالت (( أن رسول الله قال يا عائشة أو يا عائشُ إن جبريل يقرئكِ السلام قالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى مالا أرى)) تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تحدث العلماء عن هذا الحديث وهم يقارنون بين السيدة خديجة والسيدة عائشة رضي الله عنهما وأن السيدة خديجة كانت أجود لأن في حالة السيدة خديجة رضي الله عنها كان السلام من الله عز وجل وجبريل عليه السلام وهذا يعتبر من فضل السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها. أما بالنسبة للأمة فالسيدة عائشة أفضل للأمة حيث أنها عاشت بعد رسول الله أربعين سنه وقد جزم الحافظ ابن حجر أنها عاشت خمسين سنة. وقد توفت رضي الله عنها سنة 58هـ وقد توفي الرسول عنها وهى ابنة ثمانية عشرة عاما وصلى عليها الإمام أبو هريرة رضي الله عنه. وكانت رضي الله عنها فقيهة الأمة وكان يرجع إليها الصحابة رضوان الله عليهم بدأً بأبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه. زوجته في الدنيا والآخرة قال مُعَلًّى، قال حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا " أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ".() عندما بعث عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها وذلك عند حدوث المحنة وقد كانت رضوان الله عليها تبكى عندما تقرأ قول الله تعالى ((وقرن في بيوتكن)) حتى تبل خمارها. فضل السيدة عائـــشة على نســاء النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال: " إنَ فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام"ِ() وروى البخاري (( أن عائـــشة اشتكت أن ابن عباس قال لها يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبــى بكر.. فــرط: كــل مــن سبقــك. فضلها رضي الله عنها في التيـمم عن عائــشة رضي الله عنها أنها استعارت من أســماء قلادة فأهلكت فأرسل من أصحابه في طلبها فأدركتم الصلاة بغير وضـوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيــمم فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا فو الله ما نزل بكِ أمــر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيــه بركه. وورد هذا الحديث بشــكل آخر في كتــاب التيــمم عن عائشة ((قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا فوتنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي قالت فأقام رسول صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس وليس معهم ماء فأتى الناس أبو بكر الصديق وقالوا ألا ترى ماذا صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليــسوا على ماء وليـــس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخدي قد نام فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ما ماء وليس معهم ماء فقالت: فعاتبني أبى بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصري قالت فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخدي.. وقولها أبو بكر وليس أبى لأنهــا كانت واجسة وهى تتكلم. اهتمامه الرسول صلى الله عليه وسلم بوقت رضاها عليه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعائشة رَضي الله عنها ذات يومٍ: "إنِّي لأعلم إذا كُنتِ عنِّي رَاضيةً، وَإِذا كُنتِ عليَّ غَضبى"، فقالت: وكيف تعرف ذاك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كُنتِ عنِّي راضيةً؛ قلت: لا وَرَبِّ مُحَمِّدٍ، وإذا كنت عليَّ غَضبى؛ قلتِ: لا وَرَبِّ إبراهيم"، فقال: أجل والله، ما أهجر إلِّا اسمك. حرصــه صلى الله عليه وسلم على وجوده في بيتها عند موته وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا أين أنا غدا حرصا على بيت عائشة فلما كان يومها سكن. وسكــــن: أي لم يقل أين أنا غدا وقالت رضي الله عنها مات رسول الله وقد اختلط ريقي بريقه، وكما ورد في الصحيح انه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتها. لا تؤذيني في عائشة؟ "قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قال حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ قَالَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا".() وهذه فضيلة لها عن باقي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. أحبي هذه ثم أنهن رضوان الله عليهن تحدثوا إلى فاطمة رضي الله عنها حيث أنها دخلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان في لحاف عائشة وقالت إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبى قحافة فقال صلى الله عليه وسلم أتحبينني فقالت أجل قال فأحبي هذه.. وأخيرا فنشهد الله عز وجل أنا نحب أمنا عائشة رضي الله عنها كثيراً...وما أوردنا من فضائلها أقل بكثير مما ينبغي علينا قوله، إنما كانت إشارة فقط لبعض فضائلها رضي الله عنها، وسيرد ذكر بعض مما قلنا بشيء من التفصيل في باقي أبواب البحث.. |
جوانب يجهلها الكثيرون من حياة أم المؤمنين رضي الله عنها
من غير الفضائل ألقاب ميّزتها رضي الله عنها: تميّزت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن ظفرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بألقاب أطلقها عليها، لم تطلق على غيرها من أمهات المؤمنين ولا يعلمها الكثير من الناس، فقد ناداها بقوله: (يا عائش) على الترخيم من العيش، وكثيراً ما ناداها (يا بنت الصديق، ويا بنت أبي بكر)، ومن الألقاب التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم عليها: (يا حميراء) تصغير الحمراء، يريد البيضاء، لأن العرب تطلق على الأبيض أحمر لغلبة السمرة على لون العرب.() وكانت تُكنّى رضي الله عنها بأم عبد الله، وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الكنية عليها، فقد روى عروة عنها أنها قالت: (كل صواحبي لهن كنى، قال فاكتنّي بابنك عبدالله() –يعني ابن أختها-قال: فكانت تكنّى بأم عبدالله).() ذكر تسميتها رضي الله عنها ((مُوَفًّقة)): عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كان له فرطان() من أمتي أدخله الله الجنة، قالت عائشة رضي الله عنها: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: ومن كان له فرط من أمتي يا ((مُوَفًّقة))؛ قلت: ممن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: أنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي- خرجه الترمذي في الشمائل.() ومن الجوانب التي خفيت على كثير من الناس أن ينتبهوا إليها في سيرة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ وهو دورها القوي في المجتمع، ومن ذلك ما يلي: عائشة رضي الله عنها وقضية المرأة كانت عائشة رضي الله عنها زعيمة الآخذين بناصر المرأة، والمنافحين عنها بلا منازع.وإليها كانت تتطلع أبصار المستضعفات لما تمّ لها من المكانة الكبيرة في العلم والأدب والدين.وإليها يرجـع الفضـل الأكبر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في إعظام الناس المرأة الإعظام اللائق، حتى ظهر كثير من اللائي طمحن إلى اقتفاء أثرها في الشجاعة الأدبية والجرأة. فإذا أحبت النساء أن يسألن من علم..أو يبحثن عن مسألة..توجهن إلى عائشة..وإذا أحست المرأة بظلم زوجها..جاءت عائشة تستفتيها وتطلب نصرتها.. في الحديث عن عبد الواحد بن أيمن قال: حدثني أبي قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قِطْر ثمنه خمسة دراهم فقالت: (ارفع بصرك إلى جاريتي فإنها تُزهى أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منه درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تُقَيَّنُ بالمدينة إلا أرسلت إليّ تستعيره). عائشة رضي الله عنها والسياسة شاركت السيدة عائشة رضي الله عنها في أحداث عصرها السياسية. كان لها رأيها الواضح المؤيد أو المعارض.ففي عهد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما اقتصر دورها على الناحية العلمية والاجتماعية.. وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، سارت السيدة عائشة في الشطر الأول من خلافته سيرتها على زمن صاحبيه..أما في الشطر الثاني..فقد قرّب عثمان أقاربه فولاّهم الأمصار وفضّلهم على غيرهم من كبار رجال المسلمين..وبسببهم أقصى الكثير من صحابة الرسول..ويقال أنه أساء إلى رجال كانت لهم يد وسابقة..وأغضبت هذه التصرفات الكثير من الناس..وحاولت عائشة كما حاول الآخرون أن يسدوا النصح إلى عثمان، مبينين له فساد ما يتبع من سياسة.فكان يستمع إليهم، ثم لا يلبث أن يغلبه مستشاروه من ذوي رحمه فيعود إلى ما كان ينهج من تصرف. كان من ذلك أن ازداد غضب الكثيرين عليه.في هذه المرحلة مارست السيدة عائشة حقها في النصح والتسديد وأصبحت زعيمة للمعارضة بلا منازع. فعندما غضب الخليفة عثمان على عمّار بن ياسر رضي الله عنهما ويقال بأنه ضربه وشتمه..نددت السيدة عائشة بفعله هذا وقالت على الملأ: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.وحينما عزل عثمان عبد الله بن مسعود عن بيت مال الكوفة..ونال منه وشتمه..غضبت عائشة وقالت: أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله..؟ وولىّ عثمان على الكوفة أخاه من أمه الوليد بن عقبة، فبرم به أهلها وكرهوه، وأتى وفد منهم إلى عثمان يشكونه.. وحدث أمر مشابه مع ولاة عثمان في مصر والبصرة..وفي كل ذلك كانت السيدة عائشة تعلن رأيها صراحة على الملأ..تندد بالخطأ، وتأخذ جانب أصحاب رسول الله، وتطالب عثمان التزام جانب الصواب.. وفي أوج الأزمة حضرت وفود من البصرة والكوفة ومصر، وحاصرت المدينة وهم يطالبون بخلع الخليفة أو قتله. وبعث عثمان بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما يستمع إلى شكايتهم، ويعدهم بإزالة أسبابها.وقام علي بمهمته خير قيام.فانصرف القوم وهم راضون مطمئنون. ولم يمض على هذا الأمر غير أيام قليلة حتى عاد الثائرون، فحاصروا المدينة من جديد، فقد اكتشفوا أن كتابا ممهورًا بخاتم عثمان أرسل إلى والي مصر يطالبه بقتل هؤلاء بمجرد عودتهم..وانفجر الموقف..بين خليفة لا علم له بالكتاب..وبين شكوك حامت حول مروان بن الحكم مستشاره وحامل ختمه..وبين ثوار لم يعودوا يرضون بغير خلع الخليفة أو قتله.. في هذه الظروف تأهبت نساء النبي ومعهن السيدة عائشة لمغادرة المدينة إلى مكة يبغين الحج..ولربما للبعد عن هذه الفتنة التي تعصف بالخلافة والخليفة. وحملت الأخبار إلى مكة نبأ مقتل الخليفة عثمان... تأثر الناس لهذا الحدث الجلل وأنكره جميع الصحابة بلا استثناء ومنهم بالطبع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها..فالمعارضة ونصح الحاكم شيء والاعتداء المسلح على الخليفة شيء آخر..الأسلوب الأول واجب شرعي يقوم به كل مسلم، والأسلوب الثاني خروج على الله ورسوله وخليفته.وكما كانت عائشة تطالب عثمان بالاستقامة على منهج رسول الله في سياسته..فهي اليوم تطالب بالضرب بيد من حديد على أيدي الجناة القتلة..وعندما سئلت في هذا قالت: رأيتهم استتابوه، فلما تاب، قتلوه وهو صائم في الشهر الحرام، والبلد الحرام، وأخذوا المال الحرام..والله لأصبع عثمان خير من طباق الأرض من أمثالهم.. - هذا الموقف، فهمه بعضهم على أن عائشة غيّرت موقفها من عثمان..وهو فهم غريب..فعائشة العالمة الفقيهة تفرق بين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبين قتل رجل صحابي جليل وخليفة عظيم مثل عثمان. - وفهم البعض أيضا أن عائشة هي التي أوقدت نيران الحرب بين المسلمين أنصار علي الذي بويع بالخلافة وأنصار عثمان الذين يطالبون بمحاكمة ومقاضاة القتلة.. أما عائشة فقد أعلنت بأبلغ بيان..بأنها إنما خرجت للإصلاح بين الناس، (وأرجو فيه الأجر إن شاء الله).() إيضاح العلاقة الحسنة بين أم المؤمنين عائشة وبين علي وفاطمة وذريتهما وأئمة آل البيت رضي الله عنهم جميعاً على ضوء الأحاديث والأقوال والأفعال من خلال كتب السنة وروايات الشيعة. أبدأ بكلام منقول نصاً دون تصرف للإمام بن القيم رحمه الله عن فضل عائشة وفضل فاطمة رضي الله عنهما. ( الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل، إذا حرر محل التفضيل صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم. فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل، فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملًا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة. وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم، فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها. وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب، فلا ريب أن فاطمة أفضل، فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخوتها.وإن أريد السيادة، ففاطمة سيدة نساء الأمة. وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل.وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما، فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي. فمنها إنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس.فأجاب بما يشفي الصدور.فقال: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة. ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والشعر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية.وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الأحياء التي كان رسول الله يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر.فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة. ومنها أنه سئل عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي أيهما أفضل، فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا، إنما حصلت فيها لمن أسرى به. ومنها أنه سئل عن يوم الجمعة ويوم النحر فقال: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام.وغير هذا الجواب لا يسلم صاحبه من الاعتراض الذي لا حيلة له في دفعه. ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أم المؤمنين أيهما أفضل.فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها.فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقًا لم تخلص من المعارضة).() في البداية إذا نظرنا إلي التاريخ نظرة عامة دون البدء في الخوض في التفاصيل لوجدنا أدلة واضحة وضوح الشمس على حسن العلاقة بين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبين علي وفاطمة وذريتهما وأئمة آل البيت رضي الله عنهم جميعاً، لذا آثرت أن أبدأ بإلقاء النظرة على أسماءهم وكيف أنهم تسموا بأسماء بعضهم البعض، فمن أين ياتُرى أتى هذا الكره الذي يدّعيه البعض؟؟!! أسماء الأعلام من أهل البيت من العلويين والهاشميين الذين تسمُّوا بأسماء الصحابة رضوان الله عليهم: أبو بكر بن علي بن أبي طالب: قتل مع الحسين في كربلاء، وأمه ليلي بنت مسعود النهشلية، ذكره: الإرشاد للمفيد ص 248 – 186، تاريخ اليعقوبي في أولاد علي، ومنتهى الآمال للشيخ عباس القمي 1/261 وذكر أن اسمه محمداً وكنيته أبو بكر قال: و (( محمد يكنى بأبي بكر...)) 1/544، وبحار الأنوار للمجلسي 42/120. |
أبو بكر بن علي بن أبي طالب:
قتل مع الحسين في كربلاء، وأمه ليلي بنت مسعود النهشلية، ذكره: الإرشاد للمفيد ص 248 – 186، تاريخ اليعقوبي في أولاد علي، ومنتهى الآمال للشيخ عباس القمي 1/261 وذكر أن اسمه محمداً وكنيته أبو بكر قال: و (( محمد يكنى بأبي بكر...)) 1/544، وبحار الأنوار للمجلسي 42/120. أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: قتل مع عمه الحسين في كربلاء، ذكره: الشيخ المفيد في قتلى كربلاء في الإرشاد 248، وتاريخ اليعقوبي في أولاد الحسن، ومنتهى الآمال لعباس القمي 1/544 في استشهاد فتيان بني هاشم في كربلاء. أبو بكر علي زين العابدين: كنية علي زين العابدين بن الحسين هي أبو بكر وذكر ذلك العديد من علماء الشيعة الإمامية، راجع الأنوار النعمانية للجزائري. أبو بكر علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق: كانت كنية علي الرضا أبو بكر ذكر ذلك: النوري الطبرسي في كتابه النجم الثاقب في ألقاب وأسماء الحجة الغائب قال: (( 14- أبو بكر وهي إحدى كُنى الإمام الرضا كما ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين. أبو بكر محمد المهدي المنتظر بن الحسن العسكري: إحدى أسماء المهدي المنتظر الذي يعتقد الشيعة بولادته قبل أكثر من 1100 عام أبو بكر، ذكر ذلك النوري الطبرسي في الكتاب السابق ذكره وراجع اللقب رقم (14 ). قُلتُ تُرى لماذا يُكنى أو ويلقب المهدي المنتظر لدى الشيعة الإمامية بأبي بكر؟!! أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ذكره صاحب أنساب الأشراف ص 68 قال: (( ولد عبد الله بن جعفر...وأبا بكر قُتِلَ مع الحسين وأمهم الخوصاء من ربيعة...))، وذكره خليفة بن خياط في تاريخه ص 240 في تسمية من قُتِلَ يوم الحرة من بني هاشم. وممن اسمه عمر: عمر بن الأطرف بن علي بن أبي طالب: أمه أم حبيب الصهباء التغلبية من سبي الردة، راجع: سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري الشيعي ص 123 في نسب عمر الأطرف، ومنتهى الآمال لعباس القمي 1/261 قال: (( عمر ورقية الكبرى التوأمان )) وبحار الأنوار للمجلسي 42/120. عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: أمة أم ولد استشهد مع عمه الحسين في كربلاء، راجع: عمدة الطالب لابن عنبه هامش ص 116، تاريخ اليعقوبي ص 228 في أولاد الحسن. وقال اليعقوبي في تاريخه (( وكان للحسن ثمانية ذكور وهم...وزيد...وعمر والقاسم وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهاتٍ شتى وطلحة وعبد الله...)). عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين: أمة أم ولد ولقب بـ الأشرف، لأن عمر الملقب بـ الأطرف، وهو عمر بن علي بن أبي طالب، راجع: الإرشاد للمفيد ص 261، عمدة الطالب لابن عنبه ص 223، ولقب بالأشرف لأنه من حسيني وحسنية أما عمر الأطرف أخذ بطرف واحد هو الأب علي بن أبي طالب. عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: ذكر اسمه محمد الأعلمي الحائري في تراجم أعلام النساء تحت ذكر اسم بنت الحسن بن عبيد الله بن جعفر الطيار..ص 359. عمر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق: ذكره ابن الخشاب في أولاد موسى الكاظم. قال ابن الخشاب: (( عشرون ابناً زاد فيهم عمراً وعقيلاً وثماني عشرةَ بنتاً )) راجع: تواريخ النبي والآل لمحمد تقي التستري. |
وممن اسمه عثمان:
عثمان بن علي بن أبي طالب: قُتِلَ مع الحسين في كربلاء وأمة أم البنين بنت حزام الوحيدية ثم الكلابية، راجع الإرشاد للمفيد ص186 – 428، أعيان النساء للشيخ محمد رضا الحكيمي ص 51، تاريخ اليعقوبي في أولاد علي، منتهى الآمال 1/544، التستري في تواريخ النبي والآل ص115 في أولاد أمير المؤمنين. عثمان بن عقيل بن أبي طالب: ذكره البلاذري في أنساب الأشراف ص70 قال: (( ولد عقيل مسلماً...وعثمان )). طلحة رضي الله عنه: وممن تسموا باسم طلحة: طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ذكره اليعقوبي في تاريخه في أولاد الحسن ص 228، والتستري في تواريخ النبي والآل ص 120. معاوية رضي الله عنه: وممن تسموا باسم معاوية: معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: هو أحد أولاد عبد الله سماه باسم معاوية بن أبي سفيان ولمعاوية هذا عقب راجع: أنساب الأشراف ص60 – 68، وعمدة الطالب لابن عنبه ص 56. أما في ذكر من سمّي بناته عائشة وهو ما يهمنا في بحثنا هذا: عائشة رضي الله عنها: عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ والملاحظ أن هناك من أهل البيت ولد له بنين وبنت واحدة فسمى البنت عائشة.تُرى لماذا هذه الرغبة الشديدة في التسمية باسم عائشة رضوان الله عليها !!؟ وممن اسمهن عائشة: عائشة بنت موسى الكاظم بن جعفر الصادق: هي من بنات موسى الكاظم وذكر ذلك الكثير من علماء الشيعة أنفسهم بما فيهم الشيخ المفيد نفسه في الإرشاد ص 303، وعمدة الطالب لابن عنبه هامش ص 266، والأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري 1/380. قُلتُ: ودليل شدة محبة أهل البيت لأم المؤمنين عائشة أن موسى الكاظم له من الولد سبعه وثلاثون ذكراً وأنثى واحدة سماها عائشة. قال في الأنوار النعمانية 1/380 (( وأما عدد أولاده فهم سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى: الإمام علي الرضا و...و...و...وعائشة )). وإن كان هناك خلاف في عدد أولاده لكن الذي لا خلاف فيه أن له ابنة اسمها: عائشة، قال أبو نصر البخاري (( ولد موسى من ثمانية عشر ابناً واثنتين وعشرين بنتاً )) سر السلسلة العلوية ص 53. وأورد التستري في تواريخ النبي والآل سبع عشرة بنتاً هًن (( فاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية ورقية الصغرى وحكيمة وأم أبيها وأم كلثوم وأم سلمة وأم جعفر ولبانة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وزينب وخديجة )) تواريخ النبي والآل 125 – 126. عائشة بنت جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق: قال العمري في المجدي: (( ولد جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق يقال له الخواري، وهو لأم ولد ثماني نسوة وهي: حسنة وعباسة و عائشة وفاطمة الكبرى وفاطمة (أي الصغرى) وأسماء وزينب وأم جعفر...)) سر السلسلة العلوية ص 63 الهامش الذي كتبه المحقق. عائشة بنت علي الرضا بن موسى الكاظم: ذكرها ابن الخشاب في كتابه مواليد أهل البيت قال: ولد الرضا خمسة بنين وابنة واحدة هم محمد القانع والحسن وجعفر وإبراهيم والحسين، والبنت اسمها عائشة.تواريخ النبي والآل ص 128. عائشة بنت علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا: ذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد ص 334 قال: (( وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه هو الإمام من بعده والحسين ومحمد وجعفر وابنته عائشة...)). أحاديث ومواقف تؤيد المحبة بين عائشة رضي الله عنها وعلي وفاطمة وذريتهما رضي الله عنهم أجمعين: - ثم كيف تكره أم المؤمنين عائشة فاطمة رضي الله عنها وهي التي تروي فضائلها !!؟ فقد روت عائشة رضي الله عنها حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين (رواه مسلم). وقد قَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كُنَّ أَزْوَاجُ النبي صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِى». ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ.فَقُلْتُ لَهَا خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ ص مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ ص سَأَلْتُهَا: «مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم»، قَالَتْ: «مَا كُنْتُ أُفْشِى عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ». قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: «عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِى عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِنِى مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم». فَقَالَتْ: «أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أَمَّا حِينَ سَارَّنِى في الْـمَرَّةِ الأُولَى فَأَخْبَرَنِى «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ وَإِنِّى لاَ أُرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ». قَالَتْ: «فَبَكَيْتُ بُكَائِى الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِى سَارَّنِى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرضي أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْـمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ».قَالَتْ فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الَّذِى رَأَيْتِ».(رواه البخاري ومسلم). - أما عن افتراء أنها كانت تكره عليًّا رضي الله عنه وأنها سجدت يوم قُتِل، وأنها رمَتْ سهمًا في جنازة الحسن رضي الله عنه: الجواب: هذا من الكذب الواضح، كيف تكره أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبناءه وهي تروي فضائلهم !!؟ • فقد روت حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم (رواه مسلم). • وأخبرت عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما (رواه مسلم). • وكانت تحيل السائل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليجيبه عندما سُئِلَتْ عن المسح على الخفين.(رواه مسلم). • وطلبت من الناس بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه أن يلزموا عليًا رضي الله عنه بالبيعة فقد أخرج ابن أبي شيبة، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي سأل عائشة من يبايع؟ فقالت له: إلزم عليًّا (). لا يصح ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن عائشة لا تطيب لعلي نفسًا بخير»، فهذه زيادة شاذة لا تصح. وهناك الكثير من الأقاويل المنافية للحقيقة بأن عائشة رضي الله عنها تكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونرد على هذه الافتراءات موضحين العلاقة الطيبة التي كانت بينهما فيما يلي: - وذكروا حديث البخاري – باب مرض النبي ووفاته -: " لما ثقل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واشتد به وجعه خرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض – بين عباس بن عبد المطلب – ورجل آخر – قال الراوي وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود – هل تعرف من الرجل الذي لم تسم عائشة هو علي بن أبي طالب " |
الساعة الآن »08:15 AM. |
Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2025 Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة - فقط - لأهل السنة والجماعة