ومما جاء في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أطاعاني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني))<SUP> ([1])</SUP>.<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
وفي صحيح البخاري رحمة الله عليه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله: ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))<SUP> ([2])</SUP>،
وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله، وفي المسند وأبي داود وصحيح الحاكم بإسناد جيد عن المقداد بن معدي كرب الكندي - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)) والكتاب هو القرآن، ومثله معه يعني: السنة، وهي الوحي الثاني: ((ألا يوشك رجل شبعان يتكئ على أريكته يُحدَّث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينهم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حللا حلّلناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه))<SUP> ([3])</SUP>
وفي لفظ: ((يوشك رجل شبعان على أريكته يُحدَّث بالأمر من أمري مما أمرت به ونهيت عنه يقول: بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه اتبعناه ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
<o:p></o:p>
فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها، وتسير عليها<o:p></o:p>
فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله - عز وجل -، والدالة على ما قدم يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والمخصصة بما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبرَّ كتاب الله وتدبر السنة فقد عرف ذلك، لأن الله يقول جلَّ وعلا: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}<SUP> </SUP><SUP>([4])</SUP>.<o:p></o:p>
فهو المبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، وقال في آية أخرى في سورة النحل: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}<SUP>([5])</SUP>.<o:p></o:p>
فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبن للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل ها المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه - صلى الله عليه وسلم- الذي يبين للناس ما نُزِّل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فدل لك على أن سنته لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع.
<o:p></o:p>
وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته - رضي الله عنهم-، بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة فهو رسول الله إلى الناس عامَّة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}<SUP>([6])</SUP>،
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}<SUP>([7])</SUP> فهو رسول الله إلى جميع العالم: الجن والإنس، العرب والعجم، الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين، الرجال والنساء إلى يوم القيامة، ليس بعده نبيٌّ ولا رسول الله بل هو خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام فوجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله، وسنته أيضاً جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله - عز وجل – لم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى، من ذلك: تفصيل الصلوات وعدد الركعات، وتفصيل أحكام الزكاة، وتفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع وجاءت السنة ببقية محرمات الرضاع، فقال - صلى الله عليه وسلم-: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))<SUP> ([8])</SUP>، وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة، في الجنايات والديات، والنفقات وأحكام الزكوات، وأحكام الصوم والحج إلى غير ذلك.
<o:p></o:p>
ولما قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين - رضي الله عنهما-: (دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله) غضب عمران - رضي الله عنه وأرضاه-، واشتد إنكاره عليه وقال: (لولا السنة كيف تعرف أن الظهر أربع والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث...) إلى آخره.<o:p></o:p>
<HR align=right width="33%" SIZE=1>
[1]- أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل وراء الإمام ويتقي به، برقم 2737، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية برقم 3417.<o:p></o:p>
[2]- أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 6737.<o:p></o:p>
[3]- أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين برقم 16546، والترمذي في كتاب العلم باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 2588، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 12، وأبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة برقم 3988. <o:p></o:p>
[4]- سورة النحل، الآية 44.<o:p></o:p>
[5]- سورة النحل الآية 64.<o:p></o:p>
[6]- سورة الأنبياء الآية 107.<o:p></o:p>
[7]- سورة سبأ الآية 28.<o:p></o:p>
[8]- أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء، برقم 4838، ومسلم في كتاب الرضاع باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، برقم 2615، والنسائي في كتاب النكاح باب ما يحرم من الرضاع، برقم 3250 واللفظ له.<o:p></o:p>