فالسنة بينت لنا تفاصيل الصلاة، وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم- يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بها، ولما ارتدَّ من العرب من ارتدَّ وقام الصديق - رضي الله عنه وأرضاه ودعا إلى جهادهم توقف عمر في ذلك، وقال: كيف نقاتلهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))<SUP> ([1])</SUP>،
قال الصديق - رضي الله عنه -: (أليست الزكاة من حقها – من حق لا إله إلا الله- والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها)، قال عمر - رضي الله عنه -: (فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق)، ثم وافق المسلمون، ووافق الصحابة واجتمع رأيهم على قتال المرتدين فقاتلوهم بأمر الله ورسوله.<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
ولما جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه – تسأله عن إرثها؟ قال: ما أعلم لك شيئاً في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولكن سوف أسأل الناس، يعني عما جاء في السنة، فسأل الناس فأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قضى لها بالسدس، قضى لها بالسدس - رضي الله عنه وأرضاه.
وهكذا عمر - رضي الله عنه – لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة: وهو خروج الجنين ميتاً بالجناية على أمه ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك.
ولما أشكل على عثمان حكم المعتدة من الوفاة، هل تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ فشهدت عنده فريعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تعتد في بيت زوجها، قضى بذلك عثمان - رضي الله عنه – وأرضاه.
ولما سمع علي - رضي الله عنه – عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج أحرم علي - رضي الله عنه – بالحج والعمرة جميعاً، وقال: (لا أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس).
ولما سمع ابن عباس بعض الناس ينكر عليه الفتوى بالمتعة ويحتج عليه بقول أبي بكر وعمر أنهما يريان إفراد الحج قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر).
ولما ذكر لأحمد - رحمه الله – جماعة يتركون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان الثوري ويسألونه عما لديه وعما يقول: تعجب! وقال: (عجبت لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يعني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}<SUP>([2])</SUP>) .
ولما ذكر عند أيوب السختياني - رحمه الله – رجل يدعو إلى القرآن ويثبط عن السنة قال: (دعوه فإنه ضال).<o:p></o:p>
والمقصود أن السلف الصالح قد عرفوا ها الأمر، ونبغت عندهم نوابغ بسبب الخوارج في هذا الباب، فاشتد نكيرهم عليهم وضللوهم، وحذَّروا منهم، مع أنه إنكار ليس مثل الإنكار الموجود الأخير؛ لأنه إنكار له شُبهة بالنسبة إلى الخوارج وما اعتقدوه في الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم- في بعضهم دون بعض، أما هؤلاء المتأخرون فجاءوا بداهية كبرى ومنكر عظيم وبلاء كبير، ومصيبة عظمى حيث قالوا: إن السنة برمتها لا يحتج بها بالكلية لا من هنا ولا من هنا، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها، وساروا على هذا النهج الوخيم وأعلنه كثيراً أحد زعماء العرب فضلّ وأضلَ، وهكذا جماعة في مصر، وغير مصر فإن من قال بهذه المقالة، واحد أو جماعة، فقد ضلوا وأضلوا وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقد كذبوا وجهلوا ما قام به علماء السنة؛ لأنهم لو علموا بالقرآن لعظَّموا السنة وأخذوا بها، ولكنهم جهلوا ما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- فضلوا وأضلوا.<o:p></o:p>
<HR align=right width="33%" SIZE=1>
[1]- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 32.<o:p></o:p>
[2]- سورة النور الآية 63.<o:p></o:p>