عرض أهم وأقوى الشبهات حول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والرد عليها
1) شبهة مقتل عثمان رضي الله عنه وأن عائشة رضي الله عنها تقول اقتلوا نعثلا ؟؟؟ فقد كفر:
- أولا: الحق أن عائشة أم المؤمنين كانت تكنّ للخليفة عثمان كل احترام وتقدير، وهي تدرك عظيم منزلته في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وقد روت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فضائل ثابتة عن عثمان – رضي الله عنه – ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " مسلم 2401.
- وأما ما رواه ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي، من أنها كانت تنادي بقتله وتسميه نعثلا، فهذا لا أساس له من الصحة، وهو من فريات السبئية لعنهم الله، ليوغروا عليه صدور المسلمين، وليظفروا بمبتغاهم في الطعن على الصحابة، رضوان الله عليهم.وقد تقدم قريبا أن هذا الكلام المنسوب إلى عائشة، رضوان الله عنها.ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة.()
- كما أن الرواية التي نحن بصددها (( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ))، فقد جاءت من طريق سيف بن عمر ()، قال يحيى بن معين: وابن أبي حاتم: ضعيف الحديث، وقال النسائي: كذاب، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال وقالوا: إنه كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك()، وقال ابن أبي حاتم: مرّة: متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي()، وقال أبوداود: ليس بشيء وقال ابن عدّي: عامّة حديثه منكر ().
* روايات أخرى عن هذه الفتنة:
• اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك
• ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه
هذه الرواية رواها الطبري في تاريخيه 3/476 وهذا إسنادها:
"(كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي) أن الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبدالله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها..الرواية " إسناد ظلمات بعضها فوق بعض:
نصر بن مزاحم العطار: قال الذهبي في ميزان الاعتدال 4/253:
" رافضى جلد تركوه – قال العقيلى: شيعى في حديثه اضطراب وخطأ كثير – قال أبوخيثمة: كان كذابا – قال أبوحاتم: واهى الحديث , متروك – قال الداراقطنى: ضعيف
سيف بن عمر: قال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدى
قال النسائى، و الدارقطنى: ضعيف
و قال الحاكم: اتهم بالزندقة، و هو في الرواية ساقط.
- عائشة رضي الله عنها تقسم أنها ما أمرت بقتل عثمان
في تاريخ خليفة ص 131 بإسناد صحيح إلى عائشة رضي الله عنها:
محمد بن عمرو قال: عن أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال: قالت عائشة: تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش.
قال مسروق: فقلت: هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه فقالت عائشة: والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست مجلسي هذا.
- عائشة رضي الله عنها تقول أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما وتطالب بدمه
روى الطبري 3/469:
خرجت عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت ما وراءك قال: قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء فقالت ما أظن ذلك تاما ردوني فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذا دخلتها أتاها عبدالله بن عامر الحضرمي وكان أمير عثمان عليها فقال ما ردك يا أم المؤمنين قالت ردني أن عثمان قتل مظلوما وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام
- عائشة وعلى رضي الله عنهما يلعنان قتلة عثمان رضي الله عنه
روى عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة 1/555 بإسناد صحيح:
حدثنا عبد الله، نا أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد ابن الحنفية قال: بلغ عليا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل، قال مرتين أو ثلاثا
أبو معاوية: قال النسائى: ثقة – قال العجلى: كوفي ثقة
أبو مالك الأشجعى: قال بن حجر: ثقة
سالم بن أبى الجعد: قال الذهبى ثقة.
2) شبهة قولهم بأن الفتنة من بيت عائشة:
رواية قرن الشيطان
روى البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال (هنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان ).
فقالوا أن مسكن عائشة تخرج منه الفتن !!..
- أولاً: وهذا الحديث لا غبار عليه، وورد في كتاب الوصايا وفرض الخمس من صحيح البخاري، وليس في هذا الحديث ما يدين عائشة رضي الله عنها.
- ثانياً: مقصود الحديث أن منشأ الفتن من جهة المشرق وكذا وقع كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري()( المعتزلة – القدرية – الخوارج – الرفض والتشيع – الجهمية –وغيرهم كثير ).
- والذي يتسنى له زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ أن حجرة عائشة رضي الله عنها، حيث دفن النبي صلى الله عليه وسلم تقع شرقي المنبر، لا تفصله عنها سوى الروضة الشريفة.
- ثالثاً: ويبدو واضحاً من خلال أطراف الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أهل المشرق، ولم يقصد عائشة رضي الله عنها بسوء ومن جمع طرق الحديث تبين له ذلك جيدا.والحديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأطرافه في فرض الخمس رقمه في فتح الباري (2873) والجمعة (979) والمناقب (3249) والطلاق (4885) والفتن (6563) و (6564) و (6565 ).()
- رابعاً: أما قولهم أشار إلى بيت عائشة فهذا كذب وزور وبهتان، فلم يرد في طرق الحديث أشار إلى بيت عائشة وإنما نحو بيت عائشة، وجاء في رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشـير إلى المشرق فقال: (( إن الفتنـة هاهنـا، إن الفتنـة هاهنـا، من حيث يطلع قرن الشيطان )) أو قال (( قرن الشمس )).()
- وفي رواية أخرى قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (( اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، قال: (( اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: (( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان )).
- قال الخطابي: " نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية الفرق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة ".()
- وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال: " يا أهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: " سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا للشيطان " البخاري 7094.
- خامساً: هذا طعن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فبيت عائشة هو بيت النبي – صلى الله عليه وسلم - وبه دفن.
- اختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يمرض في بيتها، وكانت وفاته بين سحرها ونحرها، وفي يومها وفي بيتها، واجتمع ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بريقها في آخر أنفاسه:
- قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله: " انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفي عن البهيم فضلا عن الناطق " استدراكات عائشة على الصحابة ص 30.
- مسلم (418) من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: " أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، وكان يقول: أين أنا غداً؟ فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذنّ له، فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي يدور عليّ فيه "
- البخاري: عن عائشة قالت: " إن من نعم الله عليّ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن جمع بين ريقي وريقه عند الموت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي- صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي ".
3) شبهة قولهم أن عائشة رضي الله عنها قاتلت عليا رضي الله عنه والله يقول {وقرن في بيوتكن}:
ونرد على هذه الشبهة بما يلي:
قال تعالى "{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}" الأحزاب: 33
قالوا: تبرجت عائشة وخرجت تقاتل عليا..!!
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى.والأمر بالاستقراء في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد سافر بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم.وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم يحججن كما كن يحججن معه في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكّل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزاً فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك.
ثم نكمل بعد قول شيخ الإسلام:
- أولاً: إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة، وهذا من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: " وإذا أصحابي فأمسكوا ".
- ثانيا: إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم، فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة، قال عز وجل: { يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.وهذه الآية تأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق، لكيلا يحكموا بموجبها على الناس فيندموا.
- فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن الصحابة، وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى، خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف، أما من جهة أصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم واللعن.
- وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب، مثل ابي مخنف لوط بن يحيى، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأمثالهما.( منهاج السنة 5 / 72، وانظر دراسة نقدية " مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري / عصر الراشدين، ليحيى اليحيى).
- ثالثاً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " أما أهل السنة فإنهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم عدل لا يتناقض، وأما الرافضة وغيرهم من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما ننبه إن شاء الله تعالى على بعضه، وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء ".
- رابعاً: أهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطه سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يُذهب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه،وهذا متفق عليه بين المسلمين، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تُمحى بالحسنات التي أعظم منها وبالمصائب المكفرة.
- فأهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بسابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور.
- ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نادر، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح.
- يقول الذهبي رحمه الله: " فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم، وجهاد محّاءٌ، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة ".( سير أعلام النبلاء 10 / 93، في ترجمة الشافعي).
- خامساً: من أجل ذلك لا يجوز أن يدفع النقل المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف، وبعضها يقدح فيما علم، فإن اليقين لا يزول بالشك، ونحن تيقنا ما ثبت في فضائلهم، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها، فكيف إذا علم بطلانها.( منهاج السنة 6 / 305).
- قال ابن دقيق العيد: " وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه، فمنه ما هو باطل وكذب، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا، لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل، والمشكوك والموهوم لا يبطل الملحق المعلوم ".
- سادساً: فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي، ولا قال ذلك طلحة والزبير، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه، وهو من باب قتال أهل البغي والعدل، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام، لا على قاعدة دينية، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين.
- ويقول عمر بن شبه: " إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم ".( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56).
- ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي: " إن أبا مسلم الخولاني وأناسا معه، جاءوا إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع عليا أم أنت مثله؟.فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني، وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمته، والطالب بدمه، فائتوه فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان، وأسلم له.فأتوا عليا، فكلموه، فلم يدفعهم إليه ".( سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 140، بسند رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط).
- وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة.
- قال عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده إلى: " محمد بن سيرين، قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين ".
- قال ابن تيمية: " وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته، ومراسيله من أصح المراسيل ".( منهاج السنة 6 / 236).
- سابعاً: ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة - مع اجتهادهم فيها وتأولهم - حزنهم الشديد وندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، وتأثر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال، وإليك بعض من هذه النصوص:
- وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، يقول عنه الشعبي: " لما قتل طلحة ورآه علي مقتولا، جعل يمسح التراب عن وجهه، ويقول: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء "..ثم قال: " إلى الله أشكو عجزي وبجري.- أي همومي وأحزاني -وبكى عليه هو وأصحابه، وقال: يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ".
- وكان يقول ليالي صفين: " لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك - وهما ممن اعتزل الفتنة - إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير ".( منهاج السنة 6 / 209) فهذا قول أمير المؤمنين، رغم قول أهل السنة أن عليا ومن معه أقرب إلى الحق.
- وهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه - وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - يقول: " إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها، فقال مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟! قال: " ويحك، إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر ".( فتح الباري 12 / 67 ).
- هذه عائشة أم المؤمنين، تقول فيما يروي الزهري عنها: " إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا ".( مغازي الزهري).
- ثامناً: كيف يلام الصحابة بأمور كانت متشابهة عليهم، فاجتهدوا، فأصاب بعضهم وأخطأ الآخرون، وجميعهم بين أجر وأجرين ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى وما حصل بينهم من جنس المصائب التي يكفر الله عز وجل بها ذنوبهم، ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم.
- قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال البلاء بالعبد، حتى يسير في الأرض وليس عليه خطيئة ".
- وعلى أقل الأحوال، لو كان ما حصل من بعضهم في ذلك ذنبا محققا، فإن الله عز وجل يكفره بأسباب كثيرة، من أعظمها الحسنات الماضية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم، والمصائب المكفرة، والاستغفار، والتوبة التي يبدل بها الله عز وجل السيئات حسنات، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.()
- تاسعاً: فالمرء لا يعاب بزلة يسيرة حصلت منه في من فترات حياته وتاب منها، فالعبرة بكمال النهاية، لا ينقص البداية، سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد، فكيف إذا زكاه خالقه العليم بذات الصدور {ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم{.
- عاشراً: علي – رضي الله عنه – لم يكفر الذين قاتلوه، وهذا ثابت في كتب السنة وكتب الرافضة، فأما عند السنة فقد قال شيخ الإسلام إن الصحابة قاتلوا الخوارج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولدفع شرهم عن المسلمين، إلا أنهم لم يكفروهم، بل حرم علي بن أبي طالب أموالهم وسبيهم، وبرهن شيخ الإسلام على أن علي بن أبي طالب لم يكفر الخوارج بالصريح من أقواله، فذكر طارق بن شهاب قال: " كنت مع علي حين فرغ من قتال أهل النهروان، فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا.قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.قيل فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم (رواه ابن أبي شيبة في المصنف 37942).
- وأما في كتب الرافضة فهو ثابت أيضا وهو كما يلي:
- بحار الأنوار المجلسي ج 23 ص 324 عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام: " كان يقول لأهل حربه أنا لم نقاتلهم على التكفير لهم و لم نقاتلهم على التكفير لنا و لكنا رأينا أنا على حق و رأوا أنهم على حق ".
- و سائل الشيعة ج 15 ص 83 عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي عليه السلام انه قال: " القتل قتلان قتل كفارة و قتل درجة و القتال قتالان قتال الفئة الباغية حتى يفيؤا و قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا ".
- وجاء في " جواهر الكلام الشيخ الجواهري " ج12 ص 338 عن جعفر عن أبيه عليه السلام: " أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل البغي إلى الشرك و لا إلى النفاق و لكن كان يقول إخواننا بغوا علينا ".
- الحادي عشر: حديث النبي وقوله لعائشة: " تقاتلين علياً وأنت ظالمة له " قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو بالموضوعات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعاً، فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلَّ خمارها ".
- الثاني عشر: وليس في ذلك مخالفة لقوله تعالى {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى.
- والمراد بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للعمرة أو للحج.
- فخروج المرأة إن كان لمصلحة شرعية فهو جائز، بل حتى يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تخرج أثناء عدتها لمصلحة شرعية راجحة.
-فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث جابر بن عبد الله قال: " طُلّقَتْ خَالَتُهُ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى نَخْلٍ لَهَا فَلَقِيَتْ رَجُلاً فَنَهَاهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اخْرُجِي فَجُدّي نَخْلَكِ لَعَلّكِ أَنْ تَصَدّقِي وَتَفْعَلِي مَعْرُوفا".( النسائي 6/210) وقال الألباني صحيح.
4) شبهة أن عائشة رضي الله عنها أذاعت سرَّ رسول الله:
وقد سبق لي ذكر تفاصيل القصة في الافتراءات الموجهة لعائشة رضي الله عنها، لكني آثرت أن أعيد ذكرها هنا مرة أخري من مراجع مختلفة لمناسبتها لهذا الموضع من البحث..والله تعالى أعلم.
قال شيخ الإسلام " فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يُظن بهما أنهما لم تتوبا، مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا نبيّنا في الجنة، وأن الله خيَّرهُنَّ بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك حرّم الله عليه أن يتبدّل بهن غيرهن، وحرم عليه أن يتزوج عليهن، واختُلف في إباحة ذلك له بعد ذلك، ومات عنهن وهنّ أمهات المؤمنين بنص القرآن.ثم قد تقدّم أن الذنب يُغفر ويُعفي عنه بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة."
وقد سمعت رافضيا يقول في قوله تعالى " عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا" إذا هما ليستا بمؤمنتين ولا قانتتين ولا تائبتين وإلا لما قال الله تعالى أنه سيبدله بخير منهما
قال النسفي في تفسيريه "فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ قلت: إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف خيراً منهن {مسلمات مؤمنات} مقرات مخلصات {قانتات} مطيعات"
وهنا نعجب من إدعاء الرافضة الغيرة على النبي عليه الصلاة والسلام ونسوا من ترك بنت النبي عليه الصلاة والسلام تضرب ويكسر ضلعها – بزعمهم- ونسوا من قال أن النبي عليه الصلاة والسلام خائف من تبليغ الرسالة حتى نزلت آية التبليغ.
- أولاً: قد ثبت في الصحيح أن المقصود في هذه الآية هما عائشة وحفصة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
- ففي صحيح البخاري: " عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على: أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: (لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا)."
- وفي رواية: " (بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له) فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى - إن تتوبا إلى الله} لعائشة وحفصة: إذ أسر النبي ".
- ثانياً: أهل السنة والجماعة لا يحاولون طمس الحقيقة بل هذه الحادثة مدوّن في أصح كتاب بعد كتاب الله في صحيح البخاري، والحديث المُسَر هو تحريم رسول الله لجاريته مارية القبطية على نفسه، أو امتناعه عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها.
- ثالثا: أما قولهم قوله تعالى {فقد صغت قلوبكما} يدل على كفر عائشة وحفصة – رضي الله عنهما -، لأن قراءتهم " فقد زاغت قلوبكما " كما ذكرها النوري الطبرسي في فصل الخطاب ص 313 والبياضي في الصراط المستقيم 3/168، وقالوا الزيغ هو الكفر.
- وهذه الدعوى باطلة أيضاً لأن الزيغ الميل، وهذا الميل متعلق بالغيرة لا غير، والزيغ والميل في هذه المسألة والغيرة بين الضرائر ليست زيغاً عن الإسلام إلى الكفر، فالغيرة من جبلة النساء ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية.
- وعائشة وحفصة رضي الله عنهما قد مال قلبيهما إلى محبة اجتناب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاريته، وتحريمهما على نفسه أو مالت قلوبهما إلى تحريم الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما كان مباحاً له كالعسل مثلاً.
- رابعاً: الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن على هذا، لأن هذا من طبائع النساء،ولم يغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يغضب من غيرتهن، كما في البخاري من حديث عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غارت أمكم) ثم حبس لخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت ".
|