للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
"دود الخل منه و فيه"
"دود الخل منه وفيه".. الشيخ جمال الباشا على الرغم من أنَّ هذه المقولة "الشعبية" عادةً ما يتناولها العامَّة بأحاديثهم السطحية في مجالسهم المتواضعة، مستشهدين بها على مواقف ووقائع عادية، فهم يعلمون عند ذكرها أنها ليست نصاً قرآنياً كريماً، ولا حديثاً نبوياً شريفاً، ولا قولاً لصحابي جليل، وبالتالي فإنّهم لا يرونها صالحةً للاحتجاج بها في إطار الشرع، وإنما هي قاصرةٌ على مجالس العجائز و"الحكواتيين" ومن لفَّ لفَّهم! وعلى الرغم من شيوع مثل هذه المقولات الشعبية في أوساط الناس؛ فإنّي لم أسمع ولم أقرأ لأحدٍ من السياسيين أو الإعلاميين أو الكتاب والصحفيين من سمح لنفسه أن يستخفَّ بعقول قرّائه ومتابعيه، بجعل مستنده في كلامه ووجهات نظره هذه المقولات! ولأجل ذلك فإنَّ العجب لا ينقضي عندما يكون المحتجّون بهذه المقولة هم من المحسوبين على التيار الإسلامي الذي اشترط على نفسه في أصول المنهج وأدبياته؛ أن لا يتعدّى دائرة الكتاب والسنّة، وبفهم سلف الأمّة، فيكتب المريدون عن "شيخ شيوخهم" ما كان يردِّده في المجالس - العلمية بالطبع - وفي قضية خطيرة وعظيمة متعلِّقة بسنن التغيير في المجتمعات، وذلك عند ردّهم على المطالبين حكّامَهم وأنظمتهم السياسية الفاسدة المترهِّلة بالتنحّي، إن لم تكن قادرةً على الإصلاح!! وأترك لكم نصَّ كلامهم، بتصرف يسير: "كما يقول الإمام..... شيخ شيوخنا: (دود الخلّ منه، وفيه).. فأين مكمن الخلل إذاً؟! فهل أنتم لا ترون أنَّ الشّعوب و(الجماهير) غير مُطالبة بالتّغيير مِنْ حالها، كما طالبت بالتغيير من حولها؟! وهل أنتم راضون عن حال هذه الشّعوب، وما هي عليه من بُعدٍ عن الشرع وتشرذم وتحزُّب واختلاف فيما بينها!؟ أليسَ مستندُ التغيير واحداً - حكاماً ومحكومين -؟! ألا وهو قوله تعالى: }إنّ الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم{، وقوله صلى الله عليه وسلّم: (.. حتى ترجعوا إلى دينكم) جميعاً لا فرق بين حاكمٍ ومحكومٍ!!" اهـ. أما جوابنا عن سؤالهم (فأين مكمن الخلل إذاً؟!) فنقول : في التعصُّب للمشايخ والاستدلال بأقوالهم كأنَّها نصوصٌ منزَّلَةٌ! فـ (دود الخلِّ منه وفيه) في سنن الأطعمة والأشربة، وليس في سنن المجتمعات!! وأنتم تعلمون أنّ رواية (كيفما تكونوا يولَّ عليكم) لا تصحُّ. فليس هناك دليلٌ على أنّ الحاكم دائماً وأبداً هو من جنس المحكوم وأنَّه أمرٌ مطَّرد، إن كانوا صالحين كان صالحاً، وإن كانوا فاسدين كان فاسداً، فكم حصل العكس من ذلك؟! لقد كان المجتمعُ المدنيُّ بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو إمام المصلحين - حافلاً بأئمة المفسدين من المنافقين. وقد رجع رأسُهم بثلث الجيش يومَ أحد. وقد وقعت حروبُ الردّة في زمن خلافة الصدِّيق (رضي الله عنه)! وقد خرج الخوارجُ أهلُ الفساد والإفساد على الخليفة عثمان (رضي الله عنه)! وقد قال الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) لرعيته من شيعته في الكوفة: "لقد ملأتم قلبي قيحاً".. فهل (دود الخلِّ منه وفيه)؟! ولِمَ لا تكون نظرتُنا لهذه المقولة الشعبية معكوسةً، فيكون صلاح الراعي وتقواه سبباً لصلاح حال رعيته، فشواهد ذلك من التاريخ والواقع أقوى وأظهر؟! أما في الماضي، فقد أوجب الفاروق على العقلاء باستقامته وعدله أن ينقشوا في ضمير البشرية مقولتهم: (لقد عففت فعفّوا، ولو رتعت لرتعوا)! ومن شواهد التاريخ التي لا تنكَر؛ ما أحدثه الإمام العادل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في نفوس رعيته من الديانة والاستقامة، ما تعدّت آثار بركاتها إلى الثمرات والبهائم! وأما الشاهد مما سيكون لاحقاً، من علامات آخر الزمان؛ فظهور "المهديّ" وتحقّق غاية الصلاح والإصلاح في الأمة على يديه، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، فالحاكم هنا هو أداة التغيير الأساسية في الأمَّة. ثمَّ هل هذا مبرِّرٌ للسكوت عن ظلم الظالمين حتى يتمَّ إصلاح (تربية وتصفية) كلِّ الناس عن آخر مكلَّفٍ فيهم؟! إنَّ هذه المنهجيةَ التي يذهبون إليها في مشروعهم "الاستراتيجي"، ونسمعُها منهم دائماً تحت شعار «التصفية والتربية»، إذا كان المقصودُ منها أنّ إصلاح المجتمعات لا يتحقَّق إلا إذا تحقَّقَ الإصلاحُ على كلِّ فردٍ؛ فهذا مشروعٌ خياليٌّ غيرُ واقعيٍّ لأنَّه لم يتحقَّق يوماً من الأيام ولا حتى في زمن النبوَّة، من خلال وجود مئات المنافقين الذين لم يتمَّ إصلاحُهم. ولنا أن نسأل إخواننا هؤلاء - سدّدهم الله -: هل الشعبُ الليبيُّ المسلمُ، شعبُ المليونِ حافظٍ للقرآنِ، وهؤلاءِ يُشكِّلون خُمسَ الشعب، هم من «دود الخلّ»؟! وعلى شاكلةِ رأسِ النّظامِ العَفِنِ، المُحرِّفِ للقرآنِ، الرادِّ للسُنَّةِ، المستهزئ بصاحبها وبأصحاب صاحبها؟! وهل الشعبُ المصريُّ المعروفُ بتديُّنه وغيرتهِ على الدِّين, وصاحب التاريخ المشرف تُجاه قضايا الأمة، على منوال طاغيته المخلوع، صاحب "الجدار الفولاذيّ" على جيرانه أهل غزّة؟! وكذلك الشعب التونسيّ مع فرعونه زعيم اللصوص! وكذا الشعب السوريّ العظيم - ذو الأغلبية السنيّة - مع حكّامه الطغاة الجبّارين من النصيريّين - وهم أقليّة -! فإذا كان هذا فهمُهم من الآية }إنَّ الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ...{؛ إذن فعلى الإصلاحِ السلامُ!! إن مكمَنَ الخَلَلِ في أنَّ هذا الجزءَ من الشعب (النظام) لم يؤدِّ الحدَّ الأدنى من الواجباتِ التي عليه تُجاهَ الجزء الباقي من الشعب (المواطنين) وهم من استرعاه الله أمرهم. ونقول أيضاً: إذا كان الراعي والرعيةُ في منزلةٍ واحدةٍ، وعلى حدٍّ سواء - كما تزعمون - فماذا نفعلُ بعشراتِ الأحاديث التي تخاطِبُ الإمامَ بالعدلِ والرفقِ والقيامِ بواجباته تُجاهَ الأُمَّة، وتحُثُّ الأمّة على الصدع بالحقِّ عنده؟! وهل عدم الرضا عن هذه الشعوب يسوِّغ الرضا عن الأنظمة الظالمة والسكوت عنها؟؟ إنّ شعوب هذه الأمة العظيمة عندما قرّرت أن تخلع عنها رداء الوهن، وتنفض عنها غبار الذلّ والاستكانة للباطل، وقدّمت في سبيل الإصلاح دماءها؛ فإنّها - في نظر العقلاء - قد فعلت بذلك عين المطلوب منها من واجب تغيّر ما في النفس الوارد في الآية الكريمة، ليتحقّق لها ما وعدها ربُّها من إصلاح حالها، ورفع شأنها. إنّ المعنى الذي يشير إليه القوم (في سنن التغير) صحيح، ولكنه ليس تفسيراً للآية, فالآيةُ أعمُّ من ذلك، وهي لا تقتصر على أهل الإسلام فحسب }إنّ الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ{ - أيِّ قومٍ - (المسلمين وغيرِهم), فماذا يكون معناها في حقِّ غير المسلمين؟! إحدى معانيها أن يدخلوا في الإسلام, ويغيِّروا ما بأنفسهم من كفر، ولكن ليس هذا هو كلُّ ما تشمَلُهُ الآيةُ, فهي تتعلَّقُ بالأسباب والمسبِّباتِ والأمورِ القدريَّةِ كالرِّزقِ والهدايةِ والتوفيقِ والنصرِ الذي يتعلَّقُ كذلك بغير المسلمين، إذا حقَّقوا أسبابه تحقَّقت نتائجُه, وهم بالفعل قد أخذوا بأسباب النصر الماديَّة، وأعدّوا العُدَّةَ اللازمة، والآلة العسكريَّةَ المتطورة، وتقدَّموا في ذلك بمراحل كبيرة، فحقَقَّ لهم النصرَ والتقدّمَ على المسلمين الذين حقَّقوا التوحيدَ ولم يأخذوا بأسبابِ النصرِ الماديَّةِ. وهنا نسأل: لو أنَّ الأمَّةَ رجَعَتْ إلى (الهُدى والسُنَّةِ) الغائبِ عنها كما تدَّعون، وأهملت إعدادَ القوةِ الماديَّةِ والحسيَّةِ, هل سيتغيَّرُ الحالُ من الهزيمةِ والذلِّ إلى النصرِ والعزّة المنشودين؟! هذا ما لم يقلهُ أحد من أهل العلم والمعرفة, لا في الماضي ولا في الحاضر، بل اتَّفَقَوا على أنَّ إعدادَ القوة الماديَّةِ فرضُ كفايةٍ، إذا قامَ به البعضُ سقَطَ عن الجميع، وإلا أثمَ الجميعُ. ثُمَّ؛ إنّ القولَ بأنَّ النَّصرَ والتغييرَ يتَحقَّقُ بِمُجَرَّدِ إصلاحِ القُلوبِ والأخلاقِ والتربيةِ؛ أقرب ما يكون من منحى تصوِّف الدراويش، المتواكلين لا المتوكّلين, ولا تخفى تنظيراتُهم الواهيةُ في ذلك. فهذا معنى كلامنا عن ضرورة تغييرِ ما في النفسِ من الذُلِّ والخوفِ والجُبنِ, لأنَّه من أسبابِ التغييرِ القدريَّةِ، وهذا لا يتنافى مع وجوبِ تغييرِ ما في النَّفسِ من ضلالٍ وبدعة ومعصيةٍ وحبِّ الدنيا وحبِّ الصدارة، كلُّ هذا مما ندعو إليه كشروطٍ مهمَّةٍ لإصلاحِ أحوالِ الأمَّةِ وشِفاءِ أمراضِها، فهلْ ترونَ تعارضاً بينَ كلِّ هذهِ المطالب؟! وهل ترونَ الكفايةَ في طلبِ الإصلاحِ والتغييرِ تَتَحقَّقُ بمجرَّد الرجوع إلى التديُّن في العبادات، مع تشرُّب النفوس بالضعفِ والانهزاميَّةِ والجُبنِ والاستكانَةِ؟! أما العُلماءُ حقاً؛ فلا يرونَ ذلك! وأما "المخلّلاتية" فقد يكون لهم رأي آخر! |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
أسرار فصائل الدم | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | العيادة الصحية | 0 | 2020-03-19 08:24 PM |