للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#21
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
النبي صلى الله عليه وسلم وعتبة بن ربيعة: ما زالت قريش في محاولاتها لمَّا يئست من قضية إعطاء أبي طالب ابن الوليد بن المغيرة يربيه بدل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولما نهوه ، ولما هدّدوه كل ذلك لم ينفع ، فأرسلوا عتبة بن ربيعة ، وكان سيدا ، وقصته مجملها أن عتبة بن ربيعة هذا كان في نادي قريش و رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وحده . فقال عتبة : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأُعرِض عليه أمورا ، لعله يقبل بعضها ،فنعطيه أيَّها شاء ، فيكفَّ عنّا، وذلك بعد إسلام حمزة وعمر ورأت قريش أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزيدون ، فقالوا له : بلى يا أبا الوليد ، قم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة، فجلي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي ، إنّك منّا حيث قد علمت من الثقة في العشيرة( يعني المنزلة والمكانة)، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفّهت به أحلامهم ، وعِبْت به آلهتهم ودينهم ، وكفّرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها . فقال : يا أبا الوليد أسمَع. قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكن أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا، سوّدناك علينا (أي جعلناك سيدا فينا)، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئْيا تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك (أي مرضا) طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل( يعني الجني ، يعني في الصرع وجنون حتى يُداوي منه). فصار يتكلم عتبة بن ربيعة والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت صلوات الله وسلامه عليه ، فلما فرغ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم. قال: فاسمع أنت مني (أنا سمعت منك فاسمع أنت مني). قال: أفعل. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بسم الله الرحمن الرحيم :"حم(1) تنزيل الكتاب من الرحمن الرحيم(2) كتابا فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون(3) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون(4) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه"والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة يسمع ، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع السجدة في سورة فصلت سجد صلوات الله وسلامه عليه ، ثم رفع رأسه وقال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك (هذا جميل هذا ، هذا هو الذي عندي ، ما تكلم صلوات الله وسلامه عليه بشيء من كلام البشر أبدا ، وإنما قرأ عليه كلام رب البشر سبحانه وتعالى). وفي بعض الروايات ، أن النبي صلى اله عليه وسلم لما بلغ قوله :" وإن أعرضوا فقل إنما أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود". فقام عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنشدك والرحم (أي لا تفعل ، لا تدعو الله علينا بأن يأتينا بصاعقة ). المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك. فقام عتبة بن الوليد إلى أصحابه وقال بعضهم لبعض لما رأوه قادما : نحلف بالله قد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد. قال : ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلو بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، والله ليكوننّ لقوله الذي سمعته منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ( أي تقتله العرب ، أنتم ما لكم ذنب كفيتموه بغيركم)، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم . |
#22
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
ردآ لعتبة بن ربيعة -إنما هو قول وحي يوحى أوحاه الله إلى سيدنا ونبينا محمد صلى الله وعليه وسلم \\\ |
#23
|
|||
|
|||
اقتباس:
شكرا لمروركي |
#24
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
المقاطعة التامة: بعد أن خرج عتبة بن ربيعة من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال ما قال ، رأت قريش أنه لا بد من حل لهذه المشكلة التي وقعت لهم ، فرأوا أن تكون المقاطعة التامة لبني هاشم. وذلك أنهم اجتمعوا فتحالفوا على بني هاشم ، وبني المطلب على أن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يجالسوهم ، ولا يخالطوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم حتى يسلِّموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق ألا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقتلوه. وتم هذا الميثاق ، وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة . فانحاز بنو هاشم مؤمنهم وكافرهم ، وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أبا لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعض بني المطلب ، أما باقي أهل مكة فكلهم بقوا على تلك المعاهدة الظالمة ، الجائرة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشِعَب ، يقال له شِعب أبي طالب . فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه ، وجميع بني هاشم عدا أبي لهب، وجميع بني المطلب عدا ثلاثة أو أربعة فقط .واستمرت هذه المقاطعة ثلاثة أعوام ، واشتد الحصار على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى بلغ جهده ، واتجهوا إلى أكل الأوراق والجلود ، والغريب في هذه المقاطعة أن كفار بني هاشم وكفار بني المطلب خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يبين لنا أن الحمية العربية كانت قوية ، وكانت مؤثرة. ولو قال قائل : خرج بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم من أبناء عمومته، فما بال بنو المطلب ولِمَ لَمْ يخرج بنو عبد شمس ، وبنو نوفل؟ لأن عبد شمس ، ونوفل ، وهاشما ، والمطلب ، كل هؤلاء إخوة . فلِمَ خرج بنو هاشم وبنو المطلب ، دون بني نوفل ، وبني عبد شمس؟ إن الأمر الذي يبين هذا هو أن بني المطلب وبني هاشم علاقتهما مع بعضهما أقوى من علاقة بني هاشم مع بني عبد شمس ، أو بني نوفل . وكذلك علاقة من علاقة المطلب مع بني عبد شمس أو نوفل. وهذا من قديم ، ولذلك جاءت الرواية عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، وجبير بن مطعم، يقول الجبير بن مطعم:" لما كان يوم خيبر وضع النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فأتيت أنا وعثمان بن عفان (يقول أتيت أنا لأن جبير بن مطعم من بني نوفل ، وعثمان بن عفان لأن عثمان من بني عبد شمس) . يقول فأتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم من الموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا من بني المطلب ، أعطيتهم وتركتنا ، وقرابتنا واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا (أي بنو هاشم) وبنو المطلب لا نفترق أبدا في جاهلية ولا إسلام (أي كما كنا في الجاهلية مع بعض، فكذلك في الإسلام مع بعض، ولذلك في المقاطعة خرجت بنو المطلب مع النبي صلى الله عليه وسلم)، ثم قال: وإنما نحن وهم شيء واحد ، وشبك بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه". وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه. وإذا كانت العرب الجاهلية قبل الإسلام ، قبل مبعث النبي ، بل قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا يقولون لبني المطلب ، وبني هاشم البدران، ويقولوا عن بني نوفل ، وبني عبد شمس الأبهران ، فعلاقة بني المطلب مع بني هاشم أقوى من علاقة غيرهم بهم. الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه كما قلنا المؤمنون جميعا ، ومعه بنو هاشم _إلا أبو لهب لم يخرج معهم_ ومعه بنو المطلب _إلا القليلون جدا من بني المطلب لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم_. وكان أبو طالب خلال هذه السنوات يخاف على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام تركه أبو طالب فترة ثم أيقظه وغيَّر مكانه لينام غيره مكانه،(يخشى عليه الغيلة ، يخشى عليه أن يقتله أحد صلوات الله وسلامه عليه). |
#25
|
|||
|
|||
آه ثم آه
أين الحمية العربية اللآن وناس تحط يدها بيد الفرس ضد بني عروبتها !!!! |
#26
|
|||
|
|||
الله المستعان أخيتي
|
#27
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
نقض الصحيفة: وبعد ثلاث سنوات نقضت هذه الصفيحة. وجميلة جدا قصة نقض هذه الصحيفة. وذلك الذي قام بنقضها ، أو الذي أشعل فتيل نقضها ، رجل يقال له هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي ، و كان هذا الرجل يصل بني هاشم في الشِعْب (أي يخرج إليهم بالليل فيوصل إليهم بعض الأطعمة أو ما يحتاجون إليه) ، وذلك أن هذا الرجل وهو هاشم بن عمرو ذهب إلى زهير بن أبي أمية ، وزهير بن أبي أمية أمه عاتكة بنت أبي المطلب (يعني أن بني هاشم أخواله ) ، عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له : يا زهير أرأيت تأكل الطعام ، وتشرب الشراب ، وأخوالك بحيث تعلم. فقال : ويحك ، ما أصنع ؟ وأنا رجل واحد. قال: أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها. قال: وقد وجدت لك رجلا آخر. قال: فمن؟ قال: أنا . قال له زهير: أبلغنا رجلا ثالثا(أي حتى يتقويا) . فذهب هشام بن عمرو إلى المطعم بن عدي ، والمطعم بن عدي من بني المطلب ، فجاءه وذكره أرحام بني هاشم ، وبني المطلب ابني عبد مناف ، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم. فقال له المطعم: ويحك ماذا أصنع؟ إنَّما أنا رجل واحد. فقال له : قد وجدت ثانيا. قال: من هو؟ قال: أنا . قال: أبلغنا ثالثا. قال: فعلت. قال: من؟ قال : زهير بن أبي أمية. قال: أبلغنا رابعا. فذهب هشام بن عمرو إلى أبي البختري بن هاشم، فقال له نحوا مما قال للمطعم. وقال : هل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي، وأنا معك. قال: أبلغنا خامسا. (وهذا يبين أن الكثيرين ما كانوا يرضون بهذا ، ولكنها سلطة الكبار، اتخذ القرار أبو جهل ، وأبو سفيان ، وأبو لهب ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وغيرهم اتخذوا هذا القرار وكان على الجميع السمع والطاعة). قال: أبلغنا خامسا. يقول فذهب هشام بن عمرو إلى زمعة بن الأسود بن المطلب ( وهذا زمعة يقال أنه والد سودة لزمعة ، ويقال أنه أخوها . والظاهر أنه أبوها لأنها سودة بنت زمعة بن الأسود) ، فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم . فقال له زمعة: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه أحد ؟ قال: نعم . قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي ، وأبو البختري بن هشام ، وأنا. فقال زمعة بن الأسود : وأنا معكم. فاجتمعوا وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة ، ولكن كيف ؟ كبار قريش هم الذين كتبوها، وهم الذين اتفقوا عليها ، فكيف يستطيع هؤلاء الخمسة أن ينقضوا تلك الصحيفة. قال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم (أي مكان اجتماعاتهم ، وكانت حول الكعبة) ، وغدا زهير فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل على الناس وقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ، ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى ، لا يباعون ولا يبتاع ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل: كذبت والله لا تشق. هنا قام زمعة بن أبي الأسود فقال: أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت. فقام أبو البختري وقال: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقرُّ به. فقام المطعم بن عدي وقال: صدقتما وكذب من قال غير ذلك . نبرأ إلى الله منها ، ومما كتب فيها. فقام هشام بن عمرو وقال: صدقتم وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها. عندما تكلم هؤلاء الخمسة بهذه الصورة أمام الناس جميعا، وكما قلت كثير من الناس لم يرضوا بها ، ولكن الكبار هم الذين قرروا وخطَّرُّوا ، واجتمعوا على تلك الصحيفة . فقام أبو جهل فقال: هذا أمر قضي بليل، تُصُوِرَ به في غير هذا المكان(يعني أن أبا جهل فهم القضية ، وعرف أن هؤلاء الخمسة ما قاموا حمية بمجرد أن قام زهير ، وإنما قضية متفق عليها ، اتفقوا عليها ليتكلموا بهذه الطريقة ) ، فسكت أبو جهل عند ذلك. فلما سكت الجميع ، وكان أبو طالب موجودا في ذلك الوقت ، قام أبو طالب وقال : إن الله قد أخبر رسوله (أي النبي صلى الله عليه وسلم) على أمر الصحيفة ، وقد أخبرني ابن أخي أن الله قد أرسل عليها الأرضة (الأَرَضَة يعني الدود التي تأكل الورق وغيره) ، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم ، إلا ما فيه حق(يعني كل شيء باطل في هذه الصحيفة أكل ، وما بقي في هذه الصحيفة إلا الحق) ، فإن كان ابن أخي صادقا فتُنهوا هذه المقاطعة، وإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه فافعلوا ما شئتم به. قالوا : أنصفت. فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فوجدها قد أكلت ، فما بقي فيها إلا قولهم: باسمك اللهم.(وما كان فيها اسم الله تبارك وتعالى فإنها لم تأكله، وما غير ذلك قد أكِل كله). فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجع معه إلى مكة مرة ثانية. |
#28
|
|||
|
|||
بارك الله فيك أخيتي فالله-
فداك ابي وأمي يارسول الله عليك الصلاة والسلام كم قاسيت وتعذبت لدعوه الناس إلى الله عز وجل فاطر السموات والأرض. |
#29
|
|||
|
|||
وفيكي بارك الرحمن أخيتي
أسعدني مرورك |
#30
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
[align=center] الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش مرة أخرى: [/align]بعد أن رجع إلى مكة صلوات الله وسلامه عليه لم يصبر ، فرجع مرٍِّّّّة ثانية إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى . فقام أهل مكة وذهبوا إلى أبي طالب مرة أخرى وقالوا له: ليكف عنا ابن أخيك لسانه ، الصحيفة نقضناها ورجعتم كما كنتم ، ليترك الدعوة إذا. فجاء أبو طالب وجاء معه بعض نفر من قريش ، فكلموا النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : ماذا تريد منا؟ قال: أريد كلمة تعطونها ، تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم. قالوا : كلمة؟ قال: كلمة. فقام أبو جهل وقال: وأبيك أعطيك مائة كلمة (إذا كانت القضية مجرد كلمة أعطيك مائة كلمة). فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا لا إله إلا الله. فقام أبو جهل وقال: أما هذه فلا، هذه الكلمة لا نعطيكها أبدا (أجعل الآلهة إلها واحدا) ،أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا يا محمد. فأنل الله : بسم الله الرحمن الرحيم :"ص والقرآن ذي الذكر(1) بل الذين كفروا في عزة وشقاق(2) كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص(3) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب(4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب(5)وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيء يراد(6) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق(7)"[سورة ص]. نرى أن كفار مكة إمتنعوا عن قول لا إله إلا الله فلم يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله ثم يبقون على دينهم الذي هم عليه، لأن أبا جهل ،وعتبة ، وعقبة بن أبي معيط ، والوليد بن المغيرة ، وأبا لهب وغيرهم كثير ، كل هؤلاء يعلمون علم اليقين معنى لا إله إلا الله ، ولا إله إلا الله ملايين من المسلمين الآن في زماننا هذا لا يعرفون معنى هذه الكلمة . أبو جهل يعلم أنه إذا قال لا إله إلا الله فإنه يستلزم بهذه الكلمة وأنه سيترك جميع الأصنام وأنه لا يعبد إلا الله ، ولن يذبح إلا الله ، ولن ينذر إلا لله ، ولن يخاف إلا من الله (أي الخوف الشرعي )، ولن يستغيث إلا بالله ، ولن يصلي إلا لله ، ولن يطوف إلا لله، ويطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعلم ما يترتب على هذه الكلمة ، وكن الكثير من المسلمين الآن يقولون لا إله إلا الله ، ولكنهم يذبحون لغير الله ، وينذرون لغير الله ، ويخافون من غير الله، ويستغيثون بغير الله ، ويسألون غير الله تبارك وتعالى ، وهذا كله بسبب الجهل. بعد هذا الكلام سكتت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم فترة من الزمن . وفاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم: جاء عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه ، عن أبيه المسيب رضي الله عنه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية (وعبد الله بن أبي أمية هذا هو أخ أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم). فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبا طالب : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب. فعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهما يعيدان ، والنبي يعيد وهما يعيدان ، بل حتى قال آخر كلمة هو على ملة عبد المطلب. ثم مات بعد ذلك، فخرج النبي وقال لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك. فأنزل الله قوله تبارك وتعالى:" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم"[التوبة 113]. وأنزل كذلك قول الله تبارك وتعالى:" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"[القصص 56]. وفي هذه القصة من الفوائد الشيء الكثير منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إسلام أبي طالب ، والله لو قال أبو طالب تلك الكلمة لأَنْفَعته ، وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره :" أنه دخل على غلام يهودي وهو على فراش الموت . فقال له : قل لا إله إلا الله . فالتفت الغلام إلى أبيه فقال له أبوه : أطع أبا القاسم. فقال الغلام : لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم مات, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي نجاه من النار" . (والله لو قالها أبو طالب لنجاه من النار ، والله لتمنينا جميعا أن يكون أبو طالب قالها ، والله ما حزنا أبدا ولن نحزن أبدا لو آمن أبو طالب ،بل نتمنى ذلك ونتمنى أن يؤمن جميع الناس ولكن مع المؤسف أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم ، ولم يتابع النبي صلوات الله وسلامه عليه). ثم كانت بعد ذلك المسألة المؤلمة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك بفقده أولا لعمه أبو طالب الذي ناصره ودافع عنه وحماه وخرج معه إلى الشعب ، بل ورباه في صغره ومع هذا كله يموت على الشرك. قال المسيب بن حَزَنْ: إن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية (وعبد الله بن أبي أمية هذا هو أخ أم سلمة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم). فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزالا يكلماه ، والنبي يكلمه ،وهما يكلماه، والنبي يكلمه ، يقول المسيب: حتى قال آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب .فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك". فنزلت:" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم"[التوبة 113]. ونزل كذلك قول الله تبارك وتعالى:" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"[القصص 56]. قال ابن كثير –رحمه الله تبارك وتعالى-: كان أبو طالب يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه بكل ما يقََََََََدر عليه بفعال ومقال ونفس ومال، ولكن مع هذا لم يقدر الله تبارك تعالى له الإيمان ، لما له تعالى في ذلك الحكمة العظيمة ، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم بها ، ولولا ما نهانا الله عنه من الإستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه. ولكن هكذا انتهت حياة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقف معه ، وأيده وناصره .من الموت على الشرك والعياذ بالله تبارك وتعالى . والغريب في هذه القضية أن عبد الله بن أبي أمية هذا الذي شارك أبا جهل في منع أبي طالب من الإستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أسلم عام الحج ، وذكروا أنه استشهد رضي الله عنه عام حنين . وقد ثبت أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك(أي أبا طالب)فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. نسأل الله تبارك وتعالى الهداية والعافية. وفاة أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: بعد أن حزن النبي صلى الله عليه وسلم عن موت عمه أبي طالب وعلى تلك الحالة (أي الشرك والعياذ بالله) ، جاءته الصدمة الثانية بخبر موت خديجة أم المؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها ، حيث توفيت بعد عمه أبي طالب بأشهر ، وفد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت ( يعني قبل موتها ) معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. |
#31
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف: بعد وفاة أبي طالب ، وبعد وفاة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف يدعو إلى الله تبارك وتعالى ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلس تلك السنوات العشر في مكة يدعو إلى الله تبارك وتعالى ، ثم رأى صلوات الله وسلامه عليه أن يخرج من مكة ويبدأ في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى خارج نطاق مكة ، فأول ما فكر صلوات الله وسلامه عليه في الطائف ، فخرج مشيا على قدميه إلى الطائف معه زيد بن حارثة بن وزيد هذا هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه في أول الأمر فكان يسمى زيد بن محمد ، حتى نزل قول الله تبارك وتعالى :" أدعوهم لآبائهم " الأحزاب[5] فصار ينادى بعد ذلك بزيد بن حارثة. لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، وهم : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، من رؤوس أهل الطائف ، جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى نصرة دينه . فقال أحد عن نفسه أنه يمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم . وقال آخر لنبي الله صلى الله عليه وسلم: أمَا وجد الله غيرك؟ وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدا. إن كنت رسولا لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، وإن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. هكذا عامل هؤلاء الثلاثة النبي صلى الله عليه وسلم بتلك القسوة، وذلك الإستهزاء ، وهو قد خرج من بلده ودخل إلى بلد هو غريب فيها ، يدعو إلى الله تبارك وتعالى ولكنّه وُوجه بهذه الكلمات التي ملؤها الإستهزاء والسخرية. وليت الأمر بقي أو استمر على ذلك ، ولكن الأمر زاد كما قيل وطفح الكيل ، وذلك أنهم جاءوه فقالوا له أخرج من بلادنا ، ثم أغرُّوا به سفهاؤهم ، فلما أراد الخروج تبعه السفهاء والعبيد والصبيان يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس (أي على النبي صلى الله عليه وسلم ) فوقفوا صفين ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، وبكلمات من السفه ، ورموه حتى أصابوا عراقيبه(أي قدميه) صلوات الله وسلامه عليه، حتى اختضب النعال بالدم ، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه . فصار النبي يمشي وهؤلاء يضربونه صلوات الله وسلامه عليه ، حتى إلتجأ إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وعتبة وشيبة ابني ربيعة لهما حائط في الطائف فالنبي صلى الله عليه وسلم ما زال يهرب من أولئك السفهاء والجهال الذين صاروا يرمونه بالحجارة صلوات الله وسلامه عليه حتى دخل إلى ذلك الحائط وهو يبعد عن الحائط كما يقول أهل العلم بثلاثة أميال . فلما إلتجأ إليه رجعوا عنه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الحائط ، فجاء إلى حبلة من عنب (يعني شجرة صغيرة من العنب) يقول : فجلس تحت ظلها إلى جدار . فلما جلس واطمأنَّ دعا بدعاء ملؤه اللجوء والرغبة لما عند الله تبارك وتعالى ، والذي من خلاله يظهر للمؤمن كيف أن يجب عليه دائما أن يصدق مع الله، وأن يلتجئ إلى الله ، وأن يرجع إليه في كل أمره . فقال صلوات الله وسلامه عليه:" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين ، أنت ربُّ المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهـمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك". فلما رآه ابنا ربيعة : عتبة وشيبة تحركت له الرحم ( وذلك لأنهما من أهل مكة من قريش ، والنبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة ومن قريش صلوات الله وسلامه عليه )، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس، وقالا له: خذ قطفا من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل. فلما جاء عداس وضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فمد بيده صلوات الله وسلامه عليه وقال: باسم الله ثم أكل. بعد رجوعه من الطائف صلوات الله وسلامه عليه أراد الله جل وعلا أن يخفف على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يبين له أنه معه سبحانه وتعالى ، ولكنه يبتليه سبحانه وتعالى ليرفع درجته. روى الإمام البخاري في سنده : عن عروة بن الزبير ،أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد. قال صلوات الله وسلامه عليه:"لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي (أي من الطائف) ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب-الآن يقال له فرن المنازل- فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل فناداني وقال: إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردُّوا عليك . وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. يقول صلوات الله وسلامه عليه : فناداني ملك الجبال ، فسلم عليَّ ، ثم قال : يا محمد ذلك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت (والأخشبان هما جَبَلا مكة ، أبو قبيس وأبو قعيقعان). فقال النبي الكريم الرحيم الحليم المشفق على أمته صلوات الله وسلامه عليه (وهكذا يجب على الداعية إلى الله تبارك وتعالى أن ينظر إلى العصاة وإلى الصَّادِّين النَّادِّين عن أمر الله تبارك وتعالى نظرة المشفق عليهم). ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: " بل أرجو أن يُخرِج الله عزَّ وجلَّ من أصلابهم مَن يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا" . وسلاَّه الله تبارك وتعالى كذلك بأمر آخر وهو أنه خلال إقامته بعث الله نفرا من الجِنِّ ، والجِّنُّ كالإنس مكلفون ، مأمرون بالإيمان ، منهيون عن الكفر . من أطاع مهم دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار . فبعث الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الجن ذَكَرهم الله تبارك وتعالى فقال:" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" سورة الأحقاف [29-31] . هكذا أرسل الله تبارك وتعالى نفرا من الجن كأنه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : إن كان أحزنك كفر أهل مكة ، وكفر أهل الطائف وإيذاؤهم لك ، فقد أرسل الله إليك من آمن بك من الجن ، وهذه لا شك تفرح النبي صلى الله عليه وسلم وتسعده. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة ، مكث بحراء وبعث رجلا من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره ( يعني يريد الآن أن يدخل مكة ولكنه يريد الجوار ، يريد أحدا ليدافع عنه حتى لا يُؤْذى بعد وفاة عمه أبي طالب). فقال الأخنس بن شُرَيْقْ : أنا حليف(أي لست من مكة)، والحليف لا يجير. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو يطلب منه الجوار. فقال سهيل: إن بني عامر لا تجير على بني كعب (يعني ما أستطيع أن أجيرك على أهل مكة). فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المطعم بن عدي . فقال المطعم: نعم(أي قبل أن يجير النبي صلى الله عليه وسلم). قال: نعم. ثم تسلح ودعا بنيه وقومه وقال: البسوا السلاح ، وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا. ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة، حتى انتهى إلى المسجد الحرام . فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى : يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا فلا يهجه منكم أحد. فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه ، وصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته ، والمطعم بن عدي وأولاده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته (أي حول النبي حتى دخل بيته ).وقام أبو جهل إلى المطعم بن عدي فقال: أمجير أم متابع؟ (يعني أمجير أنت لمحمد أم أنك دخلت دينه) . قال : بل مجير. فقال أبو جهل : قد أجرنا من أجرت. هذا التصرف من المطعم بن عدي يظهر لنا أمرا مُهِما يجب علينا أن نقف عنده ولو لدقائق. إن الله تبارك وتعالى لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعثه من العرب ، ولماذا الله تبارك وتعالى اختار العرب؟ ما الحكمة التي من أجلها اختار الله تبارك وتعالى العرب دون غيرهم من سائر البشر ؟ ذكر أهل العلم في ذلك حكما كثيرة ، فمن أعظم تلك الحكم ك أن العرب لهم من الصفات ما ليس في غيرهم ، فنجد أن العربي كريم ، بل ويضرب في كرمهم المثل ، وشجاع لا يهاب شيئا ، ثم كذلك نراه في قضية الجيرة يحافظ على خق الجار . ألم يقل عنترة ذلك الجاهلي : وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري لجارتي مثواها ثم كذلك أهل صدق باللسان ، وسيأتينا في قصة أبي سفيان مع هرقل قول أبي سفيان : والله لولا أن العرب تحقد على الكذب لكذبتُ ، وهو يقول هذا في جاهليتهم . ثم عندهم كذلك الجوار ، هذا الذي قام به المطعم بن عدي ، وعندهم الألفة ، وعندهم الأخوة ، والأمانة ، يموت الرجل في سبيل أن يدافع عن أمانته ، وقصة السموأل مع امرؤ القيس مشهورة جدا ، لمُّا جعل عنده ابنته أمانة مات في سبيل الدفاع عنها . والصفات الأخرى كذلك للعرب ، لأجلها جميعا أو لغير ذلك من الحكم اختار الله تبارك وتعالى العرب دون غيرهم . فهذا المطعم بن عدي على الشرك متابع لقومه ، معاد للنبي صلى الله عليه وسلم ، يبغض دينه، قاطع النبي صلى الله عليه وسلم مع من قاطع ، ثم هو كان ممن ساعد أو ساهم في نقض الصحيفة ، مع هذا كله يأتي إليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له أجرني حتى أدخل إلى بلدي . فيقول : نعم . ثم ماذا يفعل ؟ يأمر أولاده أن يسلحوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أجاره ، فيدخل النبي صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي ، ثم هذا أبو جهل يسأل المطعم بن عدي أمجر أم متابع؟ قال المطعم بل مجير. ماذا قال أبو جهل ؟ قال: قد أجرنا من أجرت. كما قال ابن خلدون –رحمه الله تبارك وتعالى :إن العرب قد اجتمعت فيهم صفات كثيرة من الحسن ، وإنما كانوا يحتاجون إلى دين يربطهم ويقوم سلوكهم، فبعث الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الشريعة السمحة ، وبهذا الدين القيم ، فلما اختارت العرب هذا الدين ، كيف نصر الله بهم الدين ونشره في المعمورة وحق لهم ذلك. الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نسي هذا المطعم ، في غزوة بدر كما سيأتي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الأسرى لما خُيِّر صلوات الله وسلامه عليه بين المنِّ والقتل والفداء قال: لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم سألني أولئك النتنى لأعطيتهم إياه أو لتركتهم له. |
#32
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
[
FONT="Arial Black"] ست نسمات طيبة من أهل يثرب: دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلده مرَّة ثانية ، إلى مكة إلى بكة ، إلى البيت الحرام ، إلى مصدر النور الذي ابتدأه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى حيث قومه ودعوته في ابتدئها ، رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فلما جاء موسم الحج في السنة الحادية عشر من النبوة مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بمنًا فسمع أصوات الرجال يتكلمون(يعني من الحجاج) من خارج مكة ، فجاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ستة نفر من أهل يثرب ، أهل المدينة ، وكلهم من الخزرج وهم : أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث ، ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر ، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله . وكان من سعادتهم أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من اليهود أن نبيا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان ، كانت اليهود تقول دائما للأوس والخزرج في المدينة هذا أوان خروج النبي ، وسنتابعه وسنقتلكم شرَّ قتلة، يهددونهم ويخوفونهم بهذا النبي ، فكان عندهم فكرة أن هناك نبي ، وأنه سيخرج ، لكنهم كانوا يظنون كما كانت تزعم اليهود أن ذلك سيكون من اليهود (أي من بني إسرائيل). فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أنتم؟ قالوا: من الخزرج. قال: من موالي اليهود ؟(يعني أنتم الذين بينكم وبين اليهود حلف).؟ قالوا : نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى. فجلسوا معه ، فذكر لهم دعوته والدين الذي يدعو إليه ، وقرأ عليم بعض آيات من كتاب الله تبارك وتعالى . فقال بعضهم لبعض : والله إنه لنبي ، تعلمون والله ياقوم إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود ، فلا تسبقكم إليه فأسرعو إلى إجابة دعوته وأسلموا. فتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم. زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: وفي هذه السنة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر ، واختلف أهل العلم في سودة ، فقيل تزوجها قبل عائشة وقيل بعد عائشة ، رضي الله عنهما جميعا. [/FONT] |
#33
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
الإسراء والمعراج: ثم بعد ذلك قيل في السنة الثانية عشر من البعثة ، وقيل غير ذلك ، ولكن هذا هو المشهور أنه قبل هجرته بسنة وشهرين (يعني في السنة الثانية عشر من النبوة ) وقع الإسراء والمعراج . وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول ، قال صلوات الله وسلامه عليه مبينا حادثة الإسراء التي وقعت له : أنه بينما كان نائما في الحطيم ، بين النائم واليقظان عند البيت(والحطيم هو مكان الحجر) ، يقول: إذ أسمع قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين ، وذلك بعدما صلى بأصحابه صلاة العتمة (أي العشاء) بمكة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا جبريل هو أقرب الناس شبها بلحية بن خليفة، يقول : فأخذوني وانطلقوا بي إلى زمزم فلم يكلموني حتى وضعوني عند بئر زمزم ، وأتى جبريل ففرج صدري (أي شقه) ، فشق ما بين هذه إلى هذه( يعني من ثغرة نحره إلى شعرته أي إلى مراق البطن يعني إلى آخر البطن ) حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله بماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أوتيت بطست من ذهب ، فيه نور من ذهب ( يعني إناء من ذهب ) مملوءة حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ، فغسل قلبي ثم حشا به صدري ولغاديدي(أي ما بين الحنك إلى العنق) ، يقول : ثم أطبقه، وقال : قلب وكيع( يعني شديد) فيه أذنان سميعتان ،و عينان بصيرتان، محمد رسول الله المقفي الحاشر، خَلْقُك قيم ولسانك صادق ، ونفسك مطمئنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم أوتيت بالبراق( البراق هي الدابة). يقول صلى الله عليه وسلم: وهي دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركيته حتى أتيت بيت المقدس ، قال : فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم أخذ بيدي (يعني جبريل) فانطلق بي حتى أتى السماء الدنيا . فطرق بابا من أبوابها ، فاستفتح جبريل صلى الله عليه وسلم . قال جبريل لخادم السماء افتح ، قيل : من هذا؟ قال جبريل. قيل: من معك؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل : مرحبا به وأهلا به ، فنعم المجيء جاء (يستبشر به أهل السماء، لا يعلم اهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم)) ، يقول النبي صلى الله : ففتح لنا ، فلما خلصت علونا السماء الدنيا ، فإذا فيها آدم صلى الله عليه وسلم ، رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل يساره بكى . قلت لجبريل : من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأسودة أي جماعات عن يمينه وشماله نسم بنيه(يعني أرواح بنيه) فأهل اليمن منهم أهل الجنة و الأسودة التي عن شماله أهل النار . يقول : فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى . فسلم عليه يقول صلى الله عليه وسلم : فسلمت عليه . فرد السلام وقال: مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح ، نعم الابن أنت ، ودعا لي بخير. يقول ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح . فقال لخادمه : افتح . قالت الملائكة له مثلما قالت له في السماء الأولى (يعني من أنت؟ من معك؟ أوقد أرسل إليه؟ وهكذا). يقول فلما خلصت (يعني إلى السماء الثانية) إذ بيحيى وعيسى وهما إبنا خالة وذلك أن مريم عليها السلام وأم يحيى زوجة زكرياء أختان. فقلت : من هذا؟ قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما. يقول : فسلمت عليهما . فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعوا لي بخير. يقول ثم صعد بي إلى السماء الثالثة : فاستفتح . فقالوا له مثلما قالوا في الأولى والثانية. يقول فلما خلصت فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم وإذا هو قد أعطي شطر الحسن(أي نصف الجمال)، وهذا هو مصداق قوله تبارك وتعالى:" فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم". يقول : فقال لي هذا يوسف، فسلم عليه. يقول: فسلمت عليه . فرد ، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ودعا لي بخير. يقول ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح . فقالوا له مثل ذلك. فلما خلصت فإذا ادريس . قلت : من هذا؟ قال : هذا ادريس فسلم عليه. يقول : فسلمت عليه ، ثم رد علي وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير. قال الله عز وجل :" ورفعناه مكانا عليا". يعني إدريس صلى الله عليه وسلم . يقول ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح . فقال له مثل ذلك . فلما خلصت فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم . قال : هذا هارون فسلم عليه. يقول : فسلمت عليه . فرد وقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير. يقول : ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة ، فاستفتح . فقالوا له مثل ذلك(يعني من أنت؟قال: جبريل. من معك؟ قال: محمد. قال : وقد بعث ؟ قال : نعم ، فرحبوا به صلوات الله وسلامه عليه). يقول فلما خلصت فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم. وذلك بتفضيل كلام له . فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد . قلت : من هذا؟ قال : هذا موسى ، فسلم عليه . فسلمت عليه . فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير . يقول فلما تجاوزت(أي الرسول صلى الله عليه وسلم) ، بكى. قيل : ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل يدخلها من أمتي . (وهذا يبين لنا أن كل نبي حريص على أمته ) يقول : ثم صعد بي حتى اتى السماء السابعة. فاستفتح. فقالوا له مثل ذلك. فلما خلصت ، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور (والبيت المعمور هذا في السماء السابعة) لو سقط سقط على بيت الله الحرام (أي الكعبة). يقول : شيخ (اي عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام) شيخ جليل مهيب. قلت : من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه. يقول: فسلمت عليه ، فردَّ السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . يقول ثم رفع لي البيت المعمور في السماء السابعة والذي يقال له الضُراح ، وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، فقلت يا جبريل : ما هذا؟ قال : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم يصلي فيه سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه أبدا (وهذا يدل على أن عدد الملائكة عظيم جدا وكبير جدا ، سبعون ألف ملك كل يوم يخلقهم الله تبارك وتعالى يطوفون بالبيت المعمور وذلك حتى تقوم الساعة ). يقول: ثم علا بي فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله عز وجل حتى جاء سدرة المنتهى ، قال: ثم رفعت لي سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة ، وإليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، فإذا نبقها مثل قلال هجر(والنبق هو ثمر السدر، والقلال هي القُلة التي يحمل فيها الماء)، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة (الفنن هو الغصن) ، يستظل بالفنن منها مائة راكب. يقول فقال: هذه سدرة المنتهى. وإذا أربعة أنهار تخرج من اصلها، نهران باطنان، ونهران ظاهران. فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة. و أما الظاهران فالنيل والفرات . ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن، وإناء من عسل ،. فأخذت اللبن. فقال: أصبت ، أصاب الله ك بالفطرة التي أنت عليها وأمتك. |
#34
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
أصاب الله بك الفطرة التي أنت عليها وأمتك. [COLOR="Red"]حديث الإسراء والمعراج ووصف الجنة والنار: يقول : ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنادل من اللؤلؤ (يعني قبب من لؤلؤ)، وإذا ترابها المسك. فسمع من جانبها وجفا(الوجف هو الصوت الخفي)، قال: يا جبريل ما هذا؟ قال : هذا بلال (يعني أنه من أهل الجنة)، قال: فسمعت خشفة( خشفة يعني الحركة الخفيفة )، قال : فسمعت خشفة: فقلت : ما هذه الخشفة . فقيل : هذه الرميساء بنت ملحان امرأة أبي طلحة. يقول وبينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بقصر أبيض . فقلت لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي. فقال: لعمر بن الخطاب . يقول: ثم سرت هنيهة فرأيت قصرا هو أحسن من القصر الأول ، من ذهب مربع يُسمع فيه الضوضاء ، بفنائه جارية تتوضأ إلى جانب القصر . فقلت : لمن هذا يا جبريل ؟ ورجوت أن يكون لي . فقالوا: هو لرجل من أمة محمد. قلت: أنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب. قلت: أنا عربي، لمن؟ قالوا : لشاب من قريش. قال: فظننت أني أنا هو، فقلت: أنا من قريش .فقلت: أنا من قريش. قالوا : لعمر بن الخطاب. وإن فيه من الحور العين ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرته فوليت مدبرا (أي تركته).يقول:وإذا بنهر أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، حافتاه قباب اللؤؤ المجوف ، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك . يقول: فضرب بيده ، فإذا طينه مسك أذفر (يعني طيب الرائحة)، فضربت بيدي إلى تربته في مجرى الماء ، فإذا مسكة منذفرة ، فإذا حصاه اللؤلؤ (أي هذا النهر ) يقول : ومررت براحة طيبة. قال: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال : هذه رائحة ما شطة بنت فرعون وأولادها. قال(أي النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل): وما شأنها . قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقطت المدرى من يدها (المُدرى مثل المشط سقط من يدها) , فقالت : باسم الله . قالت لها بنت فرعون: أبي ؟ ( لأن فرعون كان يدعي أنه هو الله) فقالت لها الماشطة : لا ولكن ربي وربك ورب أبيك . قالت : أو لك رب غير أبي ؟ قالت: نعم, ربي وربك ورب أبيك الله. قالت: أقول له إذا ؟ قالت: قولي له. فدعاها فقال لها: يا فلانة, أو لك رب غيري ؟ قالت: نعم. ربي وربك الله عز وجل الذي في السماء,قال جبريل: فأمر ببقرة من نحاس( أي مصنوعة من نحاس) فأحميت ، ثم أمر بها لتلقى هي وأولادها فيها (هذا المجرم الطاغية)، فقالت له (أي الماشطة): إن لي إليك حاجة, قال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا. قال: ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق. يقول: فأمر بأولادها فألقوا في البقرة بين يديها واحدا واحدا, إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مُرضَع(رضيع) وكأنها تقاعست من أجله(أي خافت عليه), فتكلم الرضيع بإذن الله تبارك وتعالى ، وقال لها: يا أمه , قعي ولا تقاعسي , اصبري فإنك على الحق, اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة, ثم ألقيت مع ولدها .يقول: فكان هذا من الأربعة الذين تكلموا وهم صبيان. (والذين تكلموا وهم صبيان : عيسى عليه الصلاة والسلام ، وابن ماشطة فرعون ، وصاحب جريج الذي تكلم في المهد ، وولد المرأة التي ألقيت في الأخدود ، في قصة أصحاب الأخدود) يقول: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في النار ، فإذا قوم يأكلون الجيف . فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس . يقول: ورأى رجلا أحمر أزرق جعدا شعثا إذ رأيته قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا عاقر الناقة(أي ناقة صالح عليه الصلاة والسلام) . يقول: ولما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة التي أسري به ، مر على قوم تضرب شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار ، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما يفعلون،" الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون". وقال صلى الله عليه وسلم : لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم . فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم . ورأى صلى الله عليه وسلم الجنة والنار و وعد الآخرة أجمع . يقول صلى الله عليه وسلم : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريح الأقلام ، ومررت بالملأ الأعلى "عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى " يقول فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها. يقول: عليها السندس والإستبرق ، وغشيها الملائكة فَراش من ذهب وتحولت ياقوتا أو زمردا أو نحو ذلك ، وألوانا لا أدري ماهي . [/COLOR] |
#35
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
الإسراء والمعراج وفرض الصلاة: يقول صلى الله عليه وسلم : ثم فرضت علي الصلاة ، خمسين صلاة كل يوم ، فأوحى الله إلي ما أوحى ثم رفع جبريل رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه عند سدرة المنتهى في صورته ، له ست مائة جناح في حلة من رفرف قد سدّ الأفق ، ينفض من ريشه من التهاويل والدُّرِّ والياقوت ما الله به عليم،(هذا خلق الله تبارك وتعالى) .يقول: ووجد صلى الله عليه وسلم اسمَه مكتوباً في السماءِ محمدٌ رسولُ الله قال : فنزلت (أي من السماء السابعة بعدما فرضت عليه الصلاة)يقول: فرجعت فمررت على موسى صلى الله عليه وسلم. يقول: فاحتبسَه موسى فقال : يا محمد بما أُمِرْتَ ؟ قلت : أمرتُ بخمسينَ صلاةً في اليوم والليلة . فقال له موسى صلى الله عليه وسلم: إني عالجتُ بني إسرائيلَ قبلَكَ ، وإنَّ أمَّتَكَ لا تَستطيعُ خمسينَ صلاةً في اليوم واللية تؤديها ، وإني والله قد جَرَّبتُ الناسَ قبلَكَ ، وعالجت بني إسرائيلَ أشدَّ المعالجةِ ، فارجِعْ إلى ربك فاسأله التخفيفَ لأمتك . فالتَفَتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى جبريلَ كأنه يستشيرُه في ذلك (يعني أرجع أو لا أرجع). فأشارَ إليه جبريلُ : أن نعم إن شئتَ ، فرجع به جبريل إلى ربه تبارك وتعالى قول:فقلت : يا ربِّ خفِّفْ على أمتي فإن أمتي لا تستطيعُ يقول: فحَطَّ عني خمساً ، فرجعت إلى موسى , فقلت : حطَّ عني خمساً. فقال موسى: إن أمتَكَ لا تستطيع فارجِعْ إلى ربك فاسأله التخفيفَ .و ما زال النبي صلى الله عليه وسلم بين ربه وموسى ، حتى أمره الله تبارك وتعالى بخمس صلوات . قال : فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم . قال: يا محمد ، قال: لبيك وسعديك (أي قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبيك وسعديك ). قال: إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر(أي من الحسنات) فذلك خمسون صلاة هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي( وهنا لا بد أن نقف: لو نظرنا الآن إلى أحوال المسلمين وكيف هم يتثاقلون عن هذه الصلوات الخمس ، كيف لو كان الأمر كما كان في أوله ، كيف لو كانت خمسين صلاة من سيؤديها ؟ من سيحرص عليها ؟ لا شك أن موسى صلوات الله وسلامه عليه كان حكيما عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف، وكان الله تبارك وتعالى يعلم أن موسى سيطلب من محمد صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى ربه ، ولذلك الله جل وعلا برحمته جل وعلا جعلها خمسا في العمل ولكنه أبقى الأجر على خمسين ، فلله الحمد والمنة). وقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا. ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: بما أُمِرت. قلت: خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشرة أمثالها ، أمرت بخمس صلوات كل يوم وليلة. فقال صلوات الله وسلامه عليه(أي موسى) : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك (أي أطلب أقل من خمس يقول موسى للنبي صلى الله عليهما وسلم)، يقول : فقلت: سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم، يقول : فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وجعلت الحسنة بعشر أمثالها. |
#36
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
الإسراء والمعراج (الإسراء إلى بيت المقدس): ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم من السماء إلى الأرض بعد ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه سلم : ثم أوتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار (الذي هو البراق كما قلنا في أول الحديث). يقول : مسرجا ملجما لأركبه ، وكان البراق يسخر للأنبياء قبلي . يقول : فاستصعب (أي استصعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يركبه). فقال له جبريل(للبراق):ما حملك على هذا؟ بمحمد تفعل هذا ؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله عز وجل منه . فارفض عرقا(أي تصبب عرقا البراق) . قال صلى الله عليه وسلم : فحملت عليه حتى أتينا أرضا ذات نخل ، فأنزلني فقال صلى الله عليه وسلم : فصليت ثم ركبنا. فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم. قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة وإليها مهاجر. يقول فانطلقت تهوي بنا(أي البراق) يقع حافرها حين أدرك طرفها (أي أين تقع عينها أي مسافة النظر يقع الحافر أي خطوتها بامتداد نظرها) ، يقول حتى بلغنا أرضا فقال :انزل ، فنزلت ، ثم قال: صل. يقول:فصليت ، ثم ركبنا ، فقال : اتدري أين صليت؟ فقلت : الله أعلم. قال: صليت عند شجرة موسى عليه السلام حيث كلم الله موسى. قال: ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم قال: انزل. فنزلت . ثم قال: ثل. يقول : فصليت ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. فقال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام. يقول: فركبته فسار حتى أتيت بيت المقدس فقام جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر فشد به البراق . يقول: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد ووضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس فرأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا بموسى بن عمران عليه السلام قائم يصلي ، فإذا رجل آدم طوال(آدم يعني أسمر)، أفحم(أي أسمر كذلك) ، كثير الشعر ، شديد الخلق ، كأنه من رجال شنوءة (قبيلة من العرب) . يقول : وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي فإذا ربعة أحمر (ربعة يعني أنه لا طويل ولا قصير) ، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سِبْط الرأس (أي ناعم) ، كأنه خرج من دَيْماس (أي مكان الإستحمام)، أقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي. يقول: فإذا بإبراهيم عليه السلام قائم يصلي ، أشبه الناس به صاحبكم ( يعني نفسه صلوات الله وسلامه عليه) . يقول صلوات الله وسلامه عليه أن إبراهيم قال له: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، أرضها واسعة، وأنها قَيْعان ، غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله، واله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (واجتماع الأنبياء مع النبي صلى الله عليه وسلم هنا الله أعلم كيف كان ، ولكننا نؤمن به" وليس ذلك على الله بعزيز")." قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحانت الصلاة ، فأذن مؤذن فأممتهم ، فتقدمت إلى القبلة فصليت فيه ركعتين (أي في المسجد) فالتفت فإذا النبيون أجمعون يصلون . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : فلما فرغت من الصلاة رأيت من حائط بيت المقدس الشرقي جهنم في الوادي الذي في المدينة ، ورأيت ملكا يقلب جمرا كالقدر ، وإذا جهنم تنكشف مثل الزرابي فقال جبريل عليه السلام : يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه. فالتفت إليه فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه . يقول: فبدأني بالسلام ، فسلمت عليه . وأُرِي مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه . ورأى الدجال في صورته ليس رؤيا منام ولكنها رؤيا عين . يقول النبي صلى الله عليه وسلم :فيلمانيا (فيلماني أي عظيم الجثة يعني ضخم) ، أقمر هجان (يعني أبيض ) ، إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري ، كأن شعر رأسه أغصان شجرة . وقال صلى الله عليه وسلم : رأيت عمودا كأنه لؤلؤ تحمله الملائمة . قلت : ما تحملون؟ قالوا : هذا عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام . قال : ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، وإناء من عسل . فشربت اللبن . فقال لي جبريل: اخترت الفطرة التي هداك الله تبارك وتعالى إليها ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك. يقول: ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا ، فنفرت (أي بعض عيرهم). فقالوا : يا هؤلاء ما هذا؟(أي مرّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسرعة لأن هذه البراق خطوة بمد النظر فقالوا ما هذا؟). قالوا : ما نرى شيئا إلا الريح . يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان. هذه قصة إسراء النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه صلوات الله وسلامه عليه . أما الإسراء فهو من مكة إلى بيت المقدس ، وأما المعراج فهو من بيت المقدس إلى السماء صلوات الله وسلامه عليه. والمعراج من العروج وهو الصعود . والإسراء من السري وهو المشي ليلا . |
#37
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
تكذيب قريش النبي صلى الله عليه وسلم للإسراء: فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم فُوضِع بأمره(أي اشتد عليه الأمر ، كيف يخبرهم؟ كيف سيصدقونه؟) يقول: فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه بعد أن سمعوا أخبار إسرائه ومعراجه صلوات الله وسلامه عليه ، يقول: وسعى الناس بذلك لأبي بكر ، فقالوا له : هل لك إلى صاحبك ؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس (هو ما ذكر لهم أنه أعرج به إلى السماء ذكر لهم أنه أسري به إلى بيت المقدس صلوات الله وسلامه عليه فاستكبروا هذا واستعظموه) . فقال لهم أبو بكر: أو قال ذلك؟ (يعني أخشى أنكم تكذبون علي) ، قالوا : نعم . قال : لئن كان قد قال ذلك لقد صدق . قالوا : أتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال: نعم ، إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. وقعد النبي صلى الله عليه وسلم معتزلا حزينا ، فمر به أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ : هل كان من شيء؟ فقال له صلوات الله وسلامه عليه: نعم. قال أبو جهل: وما هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنه أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال أبو جهل: ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ فقال: نعم. فقال أبو جهل –وكأنه يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكذبه بعد ذلك وخاف أن يجحده_ فقال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال أبو جهل هيا معشر بني كعب بن لؤي هلم(أي اجتمعوا). فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما (أي إلى أبي جهل وسيده و سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ). فقال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أسري بي الليلة. فقالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. يقول : فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب( زعموا وما والله بكذب ولكنه الصدق والحق).قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد (هنا اختبار أي أراد أهل مكة أن يختبروا النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن بعض أهل مكة وصلوا إلى بيت المقدس ورأوه والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمون أنه ما سافر إلى بيت المقدس أبدا فأرادوا أن يتأكدوا من صدقه صلوات الله وسلامه عليه). فقال صلى الله عليه وسلم: فلما كذبتني قريش ذهبت أنعت لهم ، فما زلت أنعت حتى سألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها (يقول النبي صلى الله عليه وسلم وصفت لهم بيت المقدس ولكنهم صاروا يسألونه عن أشياء دقيقة ما انتبهت إليها خلال مسراي صلوات الله وسلامه عليه). يقول : فكربت كربة ما كربت مثله قط (يعني اشتد الأمر عليه ). يقول : فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس (وهنا المؤمن إذا اشتد به الأمر لا ملجأ إليه إلا إلى الله تبارك وتعالى ، فلما لجأ إلى الله جل وعلا فماذا فعل الله به )يقول : فجل الله لي بيت المقدس فكان الله معه (وهكذا المؤمن إذا التجأ إلى الله تبارك وتعالى بصدق فإن الله لا يضيعه أبدا سبحانه وتعالى) يقول: فجل الله لي بيت المقدس فرفعه إلي أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل ( يعني قريب جدا أراه ) . يقول : ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه. فقال القوم: أما النعت فوالله لقد صدقت ،( وصف دقيق جدا ). فقال النبي صلى اله عليه وسلم لهم : وإن من آيتي(أي علامة صدقي): ما أقول لكم أني مررت بعير لكم (العير هي القافلة)، بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم ، فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا ( هذا ايضا دليل على صدقه صلوات اله وسلامه عليه). قال: يقدمهم جمل آدم ، عليه مسح أسود ، وغرارتان سوداوان . يقول: فلما كان اليوم الذي اشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار ، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل (الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم) . فقال ناس نحن لا نصدق محمدا بما يقول ، فارتدوا كفارا فضرب الله رقابهم مع أبي جهل . وهذا يبين لنا أنهم معاندون للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا بعد هذا الوصف الدقيق من النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد هذا كله يصرون على استكبارهم وعلى ضلالهم والعياذ بالله . وهذا الإسرء الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم له حكم كثيرة. _ فمن حكمه أن الله تبارك وتعالى أتاح لرسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الإطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته سبحانه وتعالى حتى يزداد ثقة بالله تبارك وتعالى . _ وكذلك في قصة الإسراء والمعراج تظهر أواصر قربى بين الأنبياء ، إذ أن الأنبياء جميعا دينهم واحد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا معاشر الأنبياء إخوة في الله أبونا واحد وأمهاتنا شتى"(يعني الدين واحد لكن الشرائع هي التي تختلف ). _وفيها كذلك أن الأنبياء بينهم من المودة الشيء العظيم ، وهذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الأنبياء ، وفي كل سماء يأتيها يرحب به أنبياء السماء فيقولون له : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، أو مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح . وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :" مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولوا هلاَّ وضعت هذه اللبنة (حتى يكتمل البناء). يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين" صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الحديث متفق عليه. _وكذلك في الإسراء تحقق أن هذا الدين هو دين الفطرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" فاخترت اللبن فقيل لي : اخترت الفطرة ". |
#38
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
حادثة انشقاق القمر: بعد حادثة الإسراء والمعراج وقع أمر آخر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي حادثة عجيبة ، ذكرت بالتواتر ألا وهي : انشقاق القمر ، وذلك أن قريشا طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم علامة أو دلالة على صدقه صلوات الله وسلامه عليه ، وكأنه ما آتاهم بشيء من ذلك ، فطلبوا منه صلوات الله وسلامه عليه أن يشق لهم القمر نصفين . فقال: أرأيتم لو شق الله لكم القمر نصفين أتؤمنون؟ قالوا: وما لنا لا نؤمن . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الله تبارك وتعالى ، فشق الله لهم القمر نصفين، فلما نظروا إلى القمر وهو نصفين بينهما (أي بين الشقين) جبل أبي قبيب. قالوا لقد جاء بسحر . فقال قائل منهم : إن كان سحركم فلا يستطيع أن يسحر الناس جميعا، فانتظروا السفار إذا جاءوا . فلما جاء السفار(أي المسافرون) قالوا لهم : ما أعجب ما رأيتم ؟ قالوا لهم : في ليلة كذا رأينا القمر فلقتين. فقالوا : لقد جاء بسحر عظيم ، سحر الناس أجمعين. وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى :"اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2)" القمر (أي سحر قوي). |
#39
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
بيعة العقبة الأولى : بعد هاتين الحادثتين ، حادثة الإسراء والمعراج ، وحادثة انشقاق القمر ، استمر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تبارك وتعالى ، وقد مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بعض أهل المدينة وأنهم آمنوا به وتابعوه صلوات الله وسلامه عليه ، فلما كان من الموسم الثاني وهو موسم الحج ، وذلك من السنة الثانية عشر من بعثة النبي صلوات الله وسلامه عليه ، جاء الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الأولى . والذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم هم: معاذ بن الحارث، وذكوان بن عبد القيس ، وعبادة بن لصامت ، ويزيد بن ثعلبة، والعباس بن عبادة ، وأبو الهثم بن التيهان ، وعويم بن ساعدة. وأبو الهيثم وعويم من الأوس والبقية من الخزرج. وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة النساء، وبيعة النساء هي التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله جل وعلا :"َ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" سورة الممتحنة » الآية12 هكذا كان يبايع الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال .قال عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأمـره إلى الله؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عـنه). قــال:فبيعناه على ذلك. وهذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه. |
#40
|
|||
|
|||
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
مصعب بن عمير والنجاح الباهر الذي حققه: ثم بعد ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير يدعوهم إلى الإسلام ، ونجح مصعب بن عمير نجاحا باهرا في دعوته إلى الله تبارك وتعالى ، وهاتان قصتان لرجلين أسلما على يد مصعب بن عمير ، فكان في إسلامهما خير عظيم لهذا الدين العظيم . وقصتهما كما يلي: أن أسعد بن زرارة خرج يومًا مع مصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل ودار بني ظَفَر، فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر، وجلسا على بئر يقال لها: بئر مَرَق، واجتمع إليهما رجال من المسلمين ـ وسعد بن معاذ وأُسَيْد بن حُضَيْر كانا سيدي قومهما من بني عبد الأشهل وكانا على الشرك ـ فلما سمعا بذلك قال سعد بن معاذ لأسيد بن خضير : اذهب إلى هذين يعني[ سعد بن زرارة ومصعب بن عمير] اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذلك لكفيتك هذا.[ سعد بن معاذ كان سيد الأوس قال لأسيد بن حضير اذهب وانههما أي إنه أسعد بن زرارة ، ومصعب بن عمير أنا لا أستطيع لأن سعد بن زرارة ابن خالتي أخشى أن يقع بيننا قطيعة ، أنت ليس بينك وبينه رحم] . فأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه. يقول:فجاء أسيد فوقف عليهما متشتمًا [أي يسبهما]، وقال: ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره، فقال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب ، وتلا عليه القرآن ، وبين له دين الله تبارك وتعالى ، وكيف أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، من عبادة الأصنام إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى وصار يقرأ القرآن وبين له الإسلام. قال: فو الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم،وذلك في إشراقه وتهلله، ثم قال لهم أسيد : ما أحسن هذا وأجمله؟ كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: اغتسل، وطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ركعتين. فقام واغتسل، وطهر ثوبه وتشهد وصلى ركعتين، ثم قال: إن ورائى رجلًا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه[يعني سعد بن معاذ]، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه، وهم جلوس. فقال سعد: أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف أسيد على قومه قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل إن أحببت. وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه[ بنو حارثة لن يقتلوا أسعد بن زرارة ولكن هكذا تصرف أسيد بن حضير رضي الله عنه ليثير سعد بن معاذ ليقوم ويدافع على ابن خالته أسعد بن زرارة] .يقول: فقام سعد مغضبًا للذى ذكر له، فأخذ حربته، وخرج إليهما، فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدًا إنما أراد منه أن يسمع منهما[ عرف انه لا أحد سيقتل أسعد بن زرارة ولكن علم أن أسيد بن حضير أراد منه أن يسمع كما سمع]،يقول: فوقف عليهما متشتمًا[ كما فعل أسيد بن حضير]، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة، لولا ما بينى وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره؟ وكان قد قال أسعد بن زرارة لمصعب لما رأى سعد بن معاذ من بعيد: جاءك والله سيد من ورائه قومه، إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد، فقال مصعب لسعد بن معاذ لم وصل إليهما: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركز حربته فجلس. فعـرض عليــه الإسلام، وقـرأ علـيه القـرآن، يقول: فعرفنـا والله في وجهـه الإسلام قبـل أن يتكلم ، ثـم قـال: كيـف تصنـعون إذا أسلمتـم؟ فقالا له كما قالا لأسيد: ففعلكما فعل أسيد. فلما رجع إلى قومه قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمرى فيكم؟[ أي ما مكانتي فيك؟] قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.يقول: فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة، إلا رجل واحد يقال له الأُصَيْرِم وهو قد أسلم يوم أحد. وأقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون. |
أدوات الموضوع | |
|
|