للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أن يُصارم مسلمًا
لا يحل لمسلمٍ أن يُصارم مسلمًا بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد روى بإسناده الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد اللهِ إخوانا، ولا يَحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوقَ ثلاث ليال) نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وأحاديث أخرى تأتي بعضه عن تعاطي الأسباب التي تؤدِّي المسلمين إلى التباغض والتحاسُد والتدابُر. التباغض والتحاسُد معناه واضح، بالقيد الذي ذكر آنفا وهو أن المقصود من النهي عن التباغض، النهي عن تعاطي أسباب التباغض التي تؤدِّي إلى التباغض. وكذلك قوله: (لا تحاسدوا) أي لا تتعاطوا أسباب التحاسد، (ولا تدابروا) كذلك لا تتعاطوا أسباب التي تؤدي بكم إلى أسباب التدابر والتقاطع. ثم قال عليه السلام: (وكونوا عباد اللهِ إخوانا، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث ليال) كما فى قِصّة السيدة عائشة -رضي الله عنها -مع عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- بسبب تصريحه بأنه سيُحجِّر عليها إن استمرَّت في الصدقة والعطاء، وقد جاء في ذاك الحديث أن الوسطاء قد ذكَّروا السيدة عائشة بمثل هذا الحديث، فهنا يأتي الحديث برواية أنس بن مالك بعد نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن التباغض والتحاسد والتدابر وبعد أمره بقوله: (وكونوا عباد اللهِ إخوانا) قال: (ولا يَحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) فهذا الهجر المنهي عنه إنما هو الهجر انتصارا للنفس أي بدون سبب شرعي أمَّا إذا كان هناك سَببٌ شرعي فتعاطاه بعضُ المُكلَّفين من المسلمين ورأى أن مُقاطعة المُخالف للإسلام في بعض أحكامه يؤدِّي إلى تعزيره وإلى تأديبه فمثل هذه المقاطعة لا يُنهى عنها وليست من هذا النوع الذي جاء في هذا الحديث (ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال). فالهجر فوق ثلاث إنما يجوز لعذر شرعي، كما جاء في قصة (الثلاثة الذين خُلِّفوا) وهي قصَّة معروفة في صحيح البُخاري وغيره، حيث أمر الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بمقاطعة الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك، وكانت المقاطعة خمسين يوما كاملة. فلا تعارض بين مثل هذه المقاطعة التي جاءت في قصّة (الثلاثة الذين خُلِّفوا) من جهة وبين هذا الحديث وما في معناه من النهي عن التهاجر بعد ثلاث من جهة أخرى، أي إن التهاجر المنهي عنه هو غير التهاجر المشروع الذي جاء في قصة (الثلاثة الذين خُلِّفوا) هو الذي جاء في قصِّة عائشة رضي الله عنها مع عبد الله بن الزبير، فالتهاجر المنهي عنه هو الذي يدفع صاحبه إليه إنَّما هو الثأر للنفس والغضب لها دون عذر شرعي، أمَّا التهاجر المشروع فهو الذي يدفع صاحبَه إليه إنَّما هو أمرٌ شرعي، ففي قصِّة تبوك كان أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمهاجرة الثلاثة تأنيبًا وتأديبًا لهم لأنهم تأخَّروا عن مناصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، كما أن السيدة عائشة رضي الله عنها إنَّما هجرت ابن أختها عبد الله بن الزبير لأنه تكلَّم في حقِّها كلامًا لا يليق بأم المؤمنين، فلا تعارُض إذن بين هذا الحديث: (ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) وبين الهجر الذي يدفع إليه أمرٌ أو سببٌ شرعي. لكن الحقيقة أن هذه النُّقطة يجب ألَّا يتورَّط المسلم أن يُبرر لنفسه مقاطعة أخيه المسلم بحُجَّة أن هذه المقاطعة إنَّما يدفع إليها انتصار الشرع، النفس أمَّارة بالسوء فينبغي على المسلم أن ينتبه لما وقع فيه من المقاطعة والمُهاجرة هل هي حقَّا في سبيل الله -عز وجل- فتكون جائزة أم هي انتصار للنفس فتكون محرَّمة إلّا أن هذا التحريم هو بعد الثلاث ليال، وهنا نُكتة ولطيفة من لطائف الشرع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدَّد الهجرة المُحرَّمة بعد الثلاث، ومعنى هذا أن الهجرة قبل الثلاث جائزة ولو كانت انتصارًا للنفس وذلك من لطف الله -عز وجل- لعباده؛ لأن الإنسان لا يملك نفسه فجأة وكأن الشارع الحكيم رخَّص للإنسان فيما إذا غُلِب على أمره، ووصل الأمر به إلى أن يهجر أخاه المسلم فتسامح الشارع معه أن يهجر أخاه المسلم ثلاث ليال فقط، أمَّا بعد الثلاث ليالي فذلك حرام، كأن الشارع يقول سمحنا لك بثلاث ليال فحسبُك هذا فما بعد الثلاث فإذا استمررت على مهاجرة أخيك المسلم فأنت عاصٍ مرتكب لمُحرَّم. حديث عطاء بن المزيد الليثي ثم الجندعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرضُّ هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فهذه الجملة الأخيرة تضمَّنت هذا الخبر الشرعي، إذا تهاجرا اثنان ووصلت بهما المهاجرة أنهما إذا التقيا فهذا يُعرِض عن هذا وهذا يُعرِض عن هذا بُغضا وحِقدا، وهذا مُحرَّم بعد ثلاث ليال، فمن خير هذين المتهاجرين؟؟، قال: من يبدأ بالسلام، هذا هو الأفضل لأنه يُجاهد نفسه ويحملها على مواصلة أخيه من جديد و [يهضم] نفسه ولا يثأر لها بعد الثلاث ليال، فقال عليه السلام في وصف التهاجر: (يلتقيان فيصد ويصدُّ هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). ثم فى حديث آخر عن أبي هريرة بإسناده الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تباغضوا ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانا) هذا الحديث الثالث جاء في الحديث الأول، حيث في الحديث الأول (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) هنا رواه باختصار ولكنه جاء بلفظة جديدة حيث قال: (لا تباغضوا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا)، ما معنى: (ولا تنافسوا)؟، لا تنافسوا على ميزان: لا تباغضوا، وقلنا في تفسير لا تباغضوا أي لا تتعاطوا أسباب التباغض كذلك قوله علي السلام: (لا تنافسوا) أي لا تتعاطوا أسباب التنافس، والتنافس: إنما هو من معنى الرغبة في الشيء والحب له، ومحاولة الانفراد به، هذا الشيء النفيس، فهذا التنافس وهذا يحب محاولة التفرُّد بهذا الشيء النفيس كالمال مثلا أو العطاء أو ما شابه ذلك، وذاك يُحب كذلك، فسيؤدي هذا التنافس إلى التحاسُد، وهذا ما أشار إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث في صحيح مسلم أخبر أن أمته - صلى الله عليه وسلم - في آخر الزمان يقعون في هذا التنافس المنهي عنه فقال - صلى الله عليه وسلم -: (تتنافسون ثم تتحاسدون)، هذا الحديث في صحيح مسلم كالتفسير لقوله في هذا الحديث: (ولا تنافسوا) أي لا يحاول كل منكم أن ينفرد بالشيء النفيس وإن فاز به عن غيره فإنَّ ذلك يؤدِّي بكم إلى أن تتحاسدوا وذلك يؤدي بكم إلى أن تتباغضوا، وذلك كله يؤدي بكم إلى أن تتفرَّقوا والله –عز وجل- أمركم أن تكونوا إخوانا في الله –تبارك وتعالى- كما قال: (وكونوا عباد الله إخوانا). ثم روى حديثا صحيحا فيه معنى جديد وتشريع جديد، روى بإسناده عن أنس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما توادَّا اثنان في الله –جلَّ وعلا - أو في الإسلام فيُفرِّق بينهما أول ذنب يُحدثه أحدهما) هكذا لفظ الحديث وقع في كتاب، الأدب المفرد و والصحيح : (فيُفرِّق بينهما إلَّا بذنبٍ يُحدثه أحدهما) (إلَّا بذنبٍ)، أي يُصبح الفقرة الأخيرة بلفظ (فيُفرِّق بينهما إلَّا بذنب يُحدثه أحدهما) أي بدل كلمة (أول ذنب)، وحينئذٍ يظهر معنى الحديث أي إنَّه إذا عاشا اثنان متحابَّان في سبيل الله -عز وجل- ما شاء الله من زمن طويل مديد فلا يُمكن أن تقع الفرقة بينهما والاختلاف والتدابر إلَّا بذنبٍ يُحدثه أحد هذين المتحابَّين في الله؛ لأنه ما كان لله فهو متَّصل –كما يقولون – فما دام أن اثنين من المسلمين أو المسلمات تحابُّوا في الله –عز وجل – ثم وقعت المقاطعة بينهما فلابد أن تكون هذه المقاطعة التي وقعت بينهما بسبب ذنبٍ ارتكبه أحدهما فعاقبهما الله –عز وجل – بهذا التباغض وهذا التقاطع. وغرض الحديث كما هو ظاهر الحرص من المتحابَّين في الله –عز وجل – على أن يستمرَّا في هذا الحب، ولا يقع من أحدهما ما يحدث وحديث: (لا يحل لمسلمٍ أن يُصارم مسلمًا فوقا ثلاث، فإنَّهما ناكبانِ عن الحق ما داما على صِرامِهما وإنَّ أوَّلَهُمَا فيئًا يكون كفارة عنه سبقُه بالفيء، وإن ماتا على صِرامهما لم يدخلا الجنة جميعًا أبدًا، وإن سلَّم عليه فأبَى أن يقبَل تسليمَهُ وسلامه، ردَّ عليه الملك، وردَّ على الآخر الشيطان) الصِّرام: هو المقاطعة، ولكن هذا الحديث من أشدِّ الأحاديث التي الواردة في هذا الباب تحذيرا وتنفيرا عن هذا الذنب، حيث انَّه تضمَّن إخبارا لم يسبق أن ذكره عليه الصلاة والسلام في الأحاديث السابقة، فهو بالإضافة إلى أنَّه قال: (لا يحلُّ) أي يَحرُم للمسلم (أن يُصارم): أي يُقاطع مسلما (فوق ثلاث): أي ليال فعلَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا النهي بل هذا التحريم للمقاطعة ثلاث أيام بقوله: (فإنهُما ناكبان عنِ الحق) تنكَّب الطريق: بمعنى ابتعد عنه، فهو ناكبٌ عن الحق أي بعيدٌ عنه. علل النهي والتحريم للمصارمة والمقاطعة بقوله: (فَإِنَّهُمَا –يعني المتقاطعان - نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صِرَامِهِمَا): أي على مقاطعتهما. (وإنَّ أوَّلَهُمَا فيئا يكونُ كفارةً عنه سَبقُهُ بالفيء) يعني عليه الصلاة والسلام أن المتهاجرَين المتقاطعين الذي يفيء لنفسه ويرجع عن خطؤه إلى الصَّواب يكون ذلك كفَّارة لمقاطعته السابقة. (وإنَّ أوَّلُهُمَا فيئا يكونُ كفارةً عنه سبقُهُ بالفيء) وما معنى الفيء هنا؟: كانا متقاطِعَين، وكما جاء في حديث سابق (يلتقيان فيَصدُّ هذا عن هذا وهذا عن هذا) فمن يفيء أوَّلا يكون سبقه للفيء يكون كفَّارة له، والفيء: هو أن يُبادر أخاه الذي كان قد قاطعه بالسلام، يعني إذا مضى على المتقاطِعَين ثلاثة أيَّام التي هي رُخصة من الشارع –- ثم دخل اليوم الرابع فقد دخل كلاهما في الإثم، فأسبقهما إلى الفييء أي للرجوع إلى الصواب أو الحق فهو كفَّارةٌ له، وذلك بأن يُبادر أخاه بالسلام، هذا هو الفيء، وهذا هو الرجوع عن الخطأ إلى الصواب، فإذا فعلا ذلك كان كفَّارة لما سبق منه من المقاطعة لأخيه المسلم. وهنا يُتابع الرسول عليه الصلاة والسلام فيُبيِّن نتيجة تقاطعهما إلى آخر حياتهما فيقول: (وإن ماتا على صِرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا) ما معنى هذا الحديث؟ متبادر هنا معنيان: المعنى الأوَّل: أن الله –عز وجل – حرَّم عليهما كليهما معًا دخول الجنَّة، لأنهما يموتان على المصارمة والمقاطعة، إذا مات المتقاطعان لم يدخلا الجنة جميعا أبدا، يعني يا يدخلون الجنَّة أبدا، ماذا يعني هذا؟؟ أقول معنيان: المعنى الأول كأحد تأويل مثلا (لا يدخل الجنَّة قتَّات) أو (لا يدخل الجنَّة ديُّوس) ما معنى هذا؟ هذا له عدِّة معاني من جملتها: (لا يدخل الجنَّة قتَّات) الذي هو نمَّام، أو (ديُّوس) معروف من هو، إذا استحلَّ ذلك استحلالا قلبيا، أمَّا إنسان يرتكب الإثم وهو عالم ومعترف بأنَّه آثم، فهذا لا يكون عقابه في الآخرة أن يُحرَم دخول الجنَّة البتَّة وإنَّما يتأخَّر في دخول الجنَّة، هذا معنى ممكن أن يُقال ها هنا، لن يدخل الجنَّة أبدًا إذا استحلَّ التدابُر والتقاطُع. والمعنى الثاني وهو الصحيح (لم يدخلا الجنة جميعا أبدا) أي مع بعض، يعني الجزاء من جنس العمل، كما أنهما حكما على أنفسهما في الحياة التي ابتعد أحدهما عن الآخر، فعاش كل منهما بعيد عن الآخر هاهنا في الدنيا مع علمهما بتحريم الشارع الحكيم لذلك عليهما، فسيكون عقابهما عند الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة أنَّهما إن دخلا الجنّة عاش كلُّ منهما بعيد عن الآخر ولن يدخلا الجنة جميعا أبدا، إنَّما هذا من هنا وهذا من هنا ولا يلتقيان أبدا، وهذا عقاب من الله –عز وجل – ومجازاة منه من جنس العمل لكل منهما، وهذا المعنى هو المعنى الصحيح؛ لأن في الواقع لفظة (أبدًا) معناها أنهما لا يلتقيان قطعا، و في رواية للإمام أحمد بدل قوله في رواية الكتاب: (لم يدخلا الجنة جميعا أبدا)، قال أحمد في إحدى روايتيه: (لم يجتمعا في الجنَّة أبدا)، فهذه الرواية تُفسِّر رواية الكتاب، فيكون معنى (لم يدخلا الجنة جميعا أبدا) أي إنَّهم حين دخول الجنَّة لا يلتقيان وبالتالي طيلة إقامتهما الأبدية في الجنَّة أيضا لا يلتقيان جزاء تقاطعهما بدون عذرٍ شرعيٍ في حياتهما في الدنيا، وهذا كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة (من شرِب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة)، (ومن لبِس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)، (ومن لبس الذهب في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)، ذلك مع أن الله –عز وجل – قد ذكر في غير ما آية بأن لباس الجنَّة الذهب والحرير، وقال صراحةً (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) مع ذلك يستثني ربنا -عز وجل- فيما أخبر به نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم أن من لبس الحرير في الدنيا حُرِّم أن يلبسه في الآخرة، مع أن من نعيم أهل الجنَّة أن يلبسوا الحرير، كذلك الذي يشرب الخمر في الدنيا أي يتعجَّلُها فيُحرَمها يوم القيامة في الجنَّة، إذن هذا من باب الجزاء من جنس العمل، فالمتقاطعان والمُتهاجران إذا ماتا على ذلك ودخلا الجنَّة لم يلتقيا في الجنَّة أبدا وكفَّارة التقاطع كما أفادنا هذا الحديث هو أن يُبادر الذي يريد أن يرجع إلى الله –عز وجل- ويتوب إليه يُبادر أخاه المقاطَع بالسلام، فقد يُصر أحدهما على المقاطعة ولا يريد أن يتوب إلى الله –عز وجل – ولكن الذي يريد أن يتوب فحسبه أن يُبادر ذلك المُقاطَع بالسلام فيكون سلامه عليه رفعًا للإثم السابق والواقع عليه. والحمد لله رب العالمين |
أدوات الموضوع | |
|
|