للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حقيقة الدنيا في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( حقيقة الدنيا في الدين الأسلامي )) حقيقة الدنيا الدنيا دار سفر لا دار إقامة ودار ممرّ لا دار مقرّ، و دار عبور لا دار سرور، وأنت في الدنيا عُرْضَةُ الأَسْقَامِ وَرَهِينَةُ الأيامِ وأَسِير الْمَنَايَا وَقَرِينُ الرَّزَايَا وَصَرِيعُ الشَّهَوَاتِ وَنُصُب الآفاتِ وَخَلِيفَةُ الأَمْوَاتِ، لا يحرص على الدنيا لبيب، ولا يُسَرُّ بها أريب، وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، فكيف تنام عينُ من يخشى البيات وكيف تسكن نفس من تَوَقَّعَ في جميع أموره الممات. حقيقة الدنيا اعلم أن الدُّنْيَا خُلِقَت لِتَجُوزَهَا لا لِتَحُوزَهَا، ولِتَعْبُرَها لا لِتَعْمُرها فاقْتُلْ هَوَاكَ الْمَائِلَ إِلَيْهَا ولا تُعَوّلْ عَلَيهَا، واعْلَمْ أَنَّ الدُنْيَا مَزْرعةُ النَّوائِبِ ومَشْرَعَةُ المَصَائِبِ ومُفَرّقَةُ المَجَامِعِ ومُجْرِيَةُ المَدَامِعْ. حقيقة الدنيا لا تَغُرَّنكم الحياة الدنيا فإنها دارٌ بِالبَلاءِ مَحْفُوفَة، وَبِالفَنَاءِ مَعْرُوفَة، وَبِالغَدْرِ مَوْصُوفَة، وَكُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَهِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَسِجَال. لا تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلا تَسْلَمُ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا فِي صَفِاءٍ وَرَخَاءِ إِذَا هُمْ مِنْهَا في كدرٍ و بَلاءٍ، وبينا هم في َسُرُورٍ وَحَبُور إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي نَكَدٍ وَغُرُور، العَيْشُ فِيهَا مَذْمُوم وعِزُها لا يَدُوم وفناؤها محتوم. بَقَاؤُهَا قَلِيلٌ، وَعَزِيزُهَا ذَلِيل وَغَنِّيها فَقِير، َحَيُّهَا يَمُوت وودُّها يفوت، فلا يغرنَّك إِقْبَالُهَا فسريعٌ إِدْبَارِهَا. حقيقة الدنيا الدنيا ظلٍ زائلٍ وخيال حائر إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا وإن سرت يومًا أساءت دهرًا، جمعها على انصداع ووصلها على انقطاع، لا تصفو لشارب ولا تبقي لصاحب. وَمِقْدارُ اللُّبثِ في الدنيا قَلِيل، والحبسُ في القُبور طَوِيل، والعذابُ على مُوافَقَة الهَوى وبيل. فأينَ لَذّةُ أَمْس؟! رَحَلَتْ وأَبْقَتْ نَدَمًا، وأينَ شَهْوةُ النفسِ؟ كم نَكَّسَتْ رَأْسًا، وَزَلَّتْ قَدَمًا، وما سَعِدَ مَن سَعِدَ إلا بِخِلاف هَواهُ، ولا شَقِيَ مَن شَقِيَ إلا بإيثار دُنياه، أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها بَعْضًا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها حقيقة الدنيا عباد الله إن من نظر إلى الدُّنْيَا بعين البصيرة أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشها نكد وصفوها كدر، وأهلها مَنْهَا على وجل إما بنعمة زائلة، أَوْ بلية نازلة أَوْ مَنيَّة قاضية. حقيقة الدنيا مسكين من اطمأن ورضي بدارٍ حلالها حساب، وحرامها عقاب، إن أخذه من حلال حوسب عَلَيْهِ، وإن أخذه من حرام عذب به، من استغنى فِي الدُّنْيَا فتن، ومن افتقر فيها حزن، من أحبها أذلته، ومن التفت إليها ونظرها أعمته. حقيقة الدنيا كَيْفَ يطمعُ عاقِلٌ في الإقامة بدار الرحيل، كيف يَضحَك من هو مَحْفُوفَ بمُوجبات البُكاء والعَويل، أسْمَعَنا النَّاصِحُ فَتَصَامَمْنَا، وَأيْقَظَتْنَا الغيَر فَتَنَاومْنَا، وَرَضِينَا بَالْحَياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخرِة، واشْتَرَيْنَا مَا يَفْنَى بِمَا يَبْقَى فَتِلْكَ إِذًا صفقَةٌ خَاسِرَة. أَيْنَ الآذَانُ الْواعِية، أيْنَ الأعْيُنُ البَاكِية، قَوْلٌ بلا فِعَال وأمْرٌ بلا امتثال، رُسُلُ مَلَكِ الموت في كُل نَفَس تَدْنُوا إلى أنْفُسِنَا وأجْسَادُ أَحِبَّتِنَا تحتَ أطباق الثرى هَامدة. حقيقة الدنيا العيشُ فيها مَذْمُوم، والرخاءُ فيها لا يَدُوم، وإنما أهلهُا فيها أغراضٌ مُسْتَهْدفَة تَرْمِيهم بسهامِها، وتقصِمُهم بِحِمامِها، حتفُه فيها مَقْدُور وحظُّه فيها مَوْفُور. حقيقة الدنيا اعلموا عِبَادَ اللهِ أن ما أنتم فيه مِن زهرةِ الدُنيا على سبيل مَن قد مَضَى مِمَّنْ كان أطولَ منكم أعماراً، وأَشَدَّ مِنكم بَطْشاً، وأَعمَرَ دِياراً، وأبعدَ آثاراً. فأصْبَحَتْ أموالُهم هامِدَةً مِن بعدِ نُقْلَتِهِم، وأَجْسَادُهُم بالِية وَدِيارُهُم خَالِية، وآثارُهُم عافِية، فاستبدلُوا بالقُصور الْمُشَيَّدَةِ والنمارِقِ الْمُمَّهَدَةِ الصُّخُورَ والأحجارَ في القُبور التي قَدْ بُنيَ على الخراب فِناؤُهَا، وشُيِّدَ بالتراب بِنَاؤُهَا. فَمَحَلُّهَا مُقْتَرب، وساكنها مُغْتَرب، بينَ أَهْلَ عِمَارَةٍ مُوْحِشِين، وأَهْلِ مَحَلَّةٍ مُتَشَاغِلِين، لا يَسْتأْنِسُونَ بالعُمْران، ولا يَتَواصَلُون تَواصُلَ الجِيران والإِخوان، على مَا بينهُم مِن قُرْبِ الجِوار، ودُّنُوّ الدار. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها أَيُّهَا النَّاس إِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ التواء لا دَارُ استواء، ومَنزل تَرَح، لا منزل فَرَح، مَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحِ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يحزَن لشقاء أَلا وَإِنَّ الله عَزَّ وجل خلَقَ َالدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، والآخرةَ دَارِ عُقْبَى فجعلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثوابِ الآخرةِ سَبَبًا وَثَوَابَ الآخرة مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضًا، فيأخذ لِيُعْطي، وَيُبْتَلى لِيَجْزي، إِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الانْقِلاب، فاحْذَرُوا حَلاوَةَ رِضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِها لِكَرِيهِ آجِلِهَا وَلا تَسْعَوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَى الله خَرَابَها وَلا تُوَاصِلُوهَا، وَقَدْ أَرَادَ الله مِنْكُمْ اجْتِنَابِهَا، فَتَكُونُوا لِسُخْطِهِ مُتَعَرِّضِينَ، وَلِعُقُوبَتِه مُسْتَحِقِّينَ. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها الدنيا أمير من طلبها، وخادم من تركها، الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلبها رفضته ومن رفضها طلبته، الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور، الدنيا عروس وطالبها ماشطتها، وبالزهد ينتف شعرها ويسود وجهها ويمزق ثيابها. ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته. فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبداً، فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أمور الطاعة لرجل أبداً وفيه للطمع بقية، فإن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من قلبكم هذه الخصلة الواحدة وكونوا رحمكم الله من أبناء الآخرة وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها اعلموا أن ترك الدنيا هو الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه، فإن ذبحتم بتركها نفوسكم أحييتموها، وإن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها، فارفضوها من قلوبكم تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة، وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة، وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها أخوتى عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقي الشهوة منها أجسامكم في دبار عاقبتها، واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ودعاكم إليها فأسرع الناس إليها أتركهم لدنياه، وأوجدهم لذة لطعم تلك الوليمة أشدهم تجويعاً لنفسه ومخالفة لها فإنه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها اعلم أخى أن النفس والهوى لا يقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم، وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد وطلع ثمرات الخير، وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الإطعام، وهو الطريق إلى مرتبة الصديقين، وما دونه فمزرعة الأعمال، فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها، وفقدها في أخذها، وليس معنى الترك الخروج من المال والأهل والولد، ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها مأخوذة ومتروكة، فهذا معنى الترك لا ما تدعيه المتصوفة الجاهلون. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة، وإن صرفت إليك ألزمتها طاعة مولاك، وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ومعصيتك لله في أمرها يفسدها، فدع منك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها، فإن المطيع فيها محمود عند الله إنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا خان الله فيها، لأن الدنيا مال الله والخلق عباد الله. وهم في هذا المال صنفان: خونة وأمناء، فإذا وقع المال في أيدي الخائنين فهو سبب دمارهم ولا عتب على المال إنما العتب على فعلهم بالمال، وإذا وقع في أيدي الأمناء كان سبب شرفهم وخلاصهم، ولا معنى للمال إنما كسب لهم الشرف عند الله فعلهم بالمال أمانة الله في أموالهم فلحق بهم نفع المال. التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها الكيِّس الفطِن هو الذي يجعل نصبَ عينيه أن الدّنيا دارُ اختبارٍ وبلاء، وأنّها مزرَعةٌ للآخرة، وأن الله تعالى استخلفنا فيها فينظر كيف نعمل التحذير من الافتتان بالدنيا والركون إليها أخى ما يزرعه النّاس فيها اليومَ يحصدوه غدًا في الآخرة إن شاء الله تعالى، فمن زرع الطاعة رجا المغفرة، ومن زرع الشوك لا يجني عنباً، قال الله تعالى: الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]، وهي صائرةٌ إلى فناءٍ وزوال، قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ [الرحمن:26، 27]. ذم الدنيا قال تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20] وصف القرآن الكريمُ الدنيا كزهرةٍ تزهِر بنضارَتها، تسحَر الألباب، تستهوي القلوبَ، ثمّ لا تلبث إلا برهةً حتى تذبُل فتتلاشى تلك النضَارة، وتحطّمها الريح، كأنّها لم تكن ذم الدنيا إنما مثل الدّنيا، كزهرةٌ فتّانة غرّارة تغدر وتُغوي، فإذا أقبلت عليها النفوس وتعلّقت بها الألباب ذوَت أيّامها واستحالت نضرتُها إلى هشيم، فغدت نعمتُها غرورًا، وصدق الله: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحياةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحياةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:45، 46]. ذم الدنيا أخى إنّ هذا التصويرَ البليغ يُجلِّي حقيقةَ الدنيا في ميزان الإسلام، كيلا يصبِح الناس عبيدًا لها، تستهويهم خضرتها، ويؤثرونها على نعيمِ الآخرة، وليس مِن سداد الرّأي أن يبيعَ العبدُ دينَه بدنياه، فيتكثّر بالحرامِ وجَمع الحُطام. وتراكض الناس في طلب الدنيا خوفًا من فواتها وطمعًا في المزيد، ويبذلون الأوقات النفيسةَ ويقاسون شدّةَ الطلب، بينما قد يفرّطون في الصّلاة ويقعدون عن الجماعة ويتساهلون في الطّاعة وتلاوة القرآن ويتثاقلون في البذل والإنفاق. ذم الدنيا إنّ الحياةَ الدّنيا مهما بلغ شأوُ نعيمِها لا يزن ذرّةَ رملٍ من معين الدّار الآخرة، وإنّ أعظمَ ما في الدّنيا من مصائبَ وشدائد يهون أمامَ نعيم دار الآخرة ولا يعادِل مقدارَ شرارةٍ صغيرةٍ من عذاب جهنّم. وبيَّن الله تبارك وتعالى في القرآن حقارة الدنيا وسرعة زوالها واستصغار شأنها، وحثهم على عمل ما خلقوا لأجلها وهي العبادة فقال تعالى: (يَأَيَّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورْ) [فاطر:5]. ذم الدنيا أخبرنا الله عن سوء عاقبة المغترين، وحذرنا مثل مصارعهم وذم من رضي بها واطمأن إليها، ولعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً وأجل خطراً، وهي دار البقاء، يضاف إلى ذلك معرفته وإيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها، وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:87] ذم الدنيا إن العاقل هو من تنبه لحقيقة الدنيا وأنزلها منه بمنزلة الدنيا ولم يأخذ منها إلا ما يُقيمه، وما أحسن قول الإمام وكيع ابن الجراح في ذلك فتأمله بعين البصيرة، وتقبله بقبولٍ حسن وأعِرْهُ سمعك وبصرك واجعل له في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً عسى الله أن ينفعك به ويوفقك إلى تطبيقه. ذم الدنيا أخى الناس ثلاثة: فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الصالحين، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين. ولو تفكر الإنسان في عاقبة الدنيا إذا شغلت عن طاعة الله تعالى لزهد فيها. زوال الدنيا وصف القرآن الكريمُ الدنيا كزهرةٍ تزهِر بنضارَتها، تسحَر الألباب، تستهوي القلوبَ، ثمّ لا تلبث إلا برهةً حتى تذبُل فتتلاشى تلك النضَارة، وتحطّمها الريح، كأنّها لم تكن، هكذا مثل الدّنيا، زهرةٌ فتّانة غرّارة تغدر وتُغوي، فإذا أقبلت عليها النفوس وتعلّقت بها الألباب ذوَت أيّامها واستحالت نضرتُها إلى هشيم، فغدت نعمتُها غرورًا، وصدق الله: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحياةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحياةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:45، 46]. زوال الدنيا قال العلماء: لا يصح أن يقال: دفن في مثواه الأخير؛ لأن القبر ليس مثوى أخيرا، وإنما المثوى الأخير الجنة أو النار، كما قال الله -تعالى عن النار: (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [النحل: 29] فالمثوى الحقيقي هو ما يُرَدُّ إليه العبد في الآخرة إما إلى الجنة وإما إلى النار، وأما القبور والوضع فيها والدفن فيها، فإنما هو زيارة فقط، بعدها يرجع العبد إما إلى الجنة وإما إلى النار. زوال الدنيا أخى الدنيا لا تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلا تَسْلَمُ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا فِي صَفِاءٍ وَرَخَاءِ إِذَا هُمْ مِنْهَا في كدرٍ و بَلاءٍ، وبينا هم في َسُرُورٍ وَحَبُور إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي نَكَدٍ وَغُرُور، العَيْشُ فِيهَا مَذْمُوم وعِزُها لا يَدُوم وفناؤها محتوم. زوال الدنيا الدنيا بَقَاؤُهَا قَلِيلٌ، وَعَزِيزُهَا ذَلِيل، وَغَنِّيها فَقِير، شَابُّهَا، وَحَيُّهَا يَمُوت، وودُّها يفوت، فلا يغرنَّك إِقْبَالُهَا فسريعٌ إِدْبَارِهَا. زوال الدنيا أَيُّهَا الْمُهْمِلُون الغافلون تيقظوا فإليكم يوجه الخطاب، ويا أيها النائمون انتبهوا قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب، ومشتِّت الأحباب، فيا له من زائر لا يعوقه عائق، ولا يضرب دونه حجاب، ويا لَهُ من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلج من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا، ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب، ألا وإن بعده ما هُوَ أعظم منه من السؤال والجواب، وراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام فِي الأجسام والميزان والصراط والحساب والْجَنَّة أَوْ النار. زوال الدنيا عباد الله: ما هذا التكاسل عن الطاعات وزرع الأعمار قد دنا للحصاد وما هذا التباعد ومدد الأيام قد قاربت للنفاد، وما هذا التغافل والتكاسل عن إعداد الزاد ليوم الميعاد. زوال الدنيا عباد الله: مَنْ كَانَ الْمَوْتُ يَطْلُبُهُ كَيْفَ يَقِرُّ لَهُ قَرَار وَمَنْ كَانَ الدَّهْرُ يُجَارِيهِ فَكَيْفَ يُطِيقُ الانْتِصَار، وَمَنْ كَانَ رَاحِلاً عَنِ الدُّنْيَا إلى الآخِرَةِ كَيْفَ يَلَذُّ لَهُ قَرَارُ، عَجَبًا لِمَنْ يَمْلأ عَيْنهُ بِالنَّوْمِ وَهُوَ لا يَدْرِي أَيُسَاقُ إلى الْجَنَّةِ أَوْ إلى النَّارِ زوال الدنيا عباد الله: أين الحسرات على فوت أمس أين العبرات على مقاسات الرمس أين الاستعداد ليوم تدنو فيه منكم الشمس {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] زوال الدنيا اعلم أخى أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها، وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلولة. زوال الدنيا أخى احذر الدنيا كل الحذر فإنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عانيت من فجائعها وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها لرخاء ما يصيبك وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور له أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلاً عليه انقلبت به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا ضار، وصل الرخاء فيها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها الضعف والوهن، فانظر إليها نظر الزاهد المفارق، ولا تنظر نظر العاشق الوامق، واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المغرور الآمن، لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدري ما هو آت فيها فينتظر. اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. **************** |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | الأقسام الرئيسية | مشاركات | المشاركة الاخيرة |
إلى شاتمي (صلاح الدين الأيوبي) / د. علي بن محمد عودة الغامدي | Nabil | قسم السيرة النبوية | 1 | 2022-11-05 08:14 PM |
حقيقة هل للرسول ظل لـ ابن باز | معاوية فهمي إبراهيم مصطفى | قسم السنة والحديث النبوي | 0 | 2019-10-31 04:13 PM |