للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود
هذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الثاني من سورة فاطر, وهي سورة مكية استهلت بحمد الله ـ تعالي ـ فاطر السماوات والأرض( أي خالقهما علي غير مثال سابق), وجاعل الملائكة رسلا إلي أنبيائه ورسله خاصة وإلي بقية عباده, بصفة عامة, والملائكة خلق متعددو الأجنحة, واستعرضت السورة عددا من صفات الله وأسمائه ومنها: أنه ـ تعالي ـ الخالق, الرازق, القادر, القدير, العزيز, الحكيم, المنعم, الحليم, العليم, الغفور, البصير, الشكور, الخبير, الواحد, الأحد, الفرد, الصمد, صاحب الرحمات الواسعة, الذي يفتح للناس منها مالا يمكن لأحد أن يغلقه, ويغلق ما لا يمكن لأحد أن يفتحه...!!! وتذكر السورة الكريمة الناس بنعم الله ـ تعالي ـ عليهم, وتستنكر جحودهم لها.., وتثبت رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مواجهة تكذيب الكافرين لنبوته بتقرير أن الرسل من قبل قد كذبوا, علي الرغم من أنهم جاءوا أممهم بالمعجزات الواضحات والوحي المنزل بالهداية الربانية, فأخذهم الله أخذا شديدا عقابا لهم علي كفرهم, وأن الأمور كلها مردها إلي الله ـ تعالي ـ فيجازي كلا بما يستحق. وتؤكد سورة فاطر أن وعد الله حق, وعليه فلا يجوز للخلق أن يغتروا بالدنيا فتلهيهم عن الاخرة, ولا أن ينخدعوا بالشيطان وهو عدو لهم فيثنيهم عن اتباع الهداية الربانية, ويمنيهم بالمغفرة مع الاغراق في معاصي الله, ومن ثم فلابد من مقابلة الشيطان بالعداوة التي يستحقها, لأنه من خبثه وعداوته للانسان يحرص علي تزيين سوء عمله له حتي يراه حسنا فيقوده بذلك إلي النار...!! وتؤكد السورة كذلك علي أن العزة لله, فمن أرادها فسوف يجدها في طاعة الله, وأن الذين كفروا سوف يلقون عذابا شديدا, وأن الذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم من الله مغفرة وأجر كبير, وأن الله ـ تعالي ـ يضل من يشاء ممن ارتضوا الضلال سبيلا, ويهدي من يشاء ممن اختاروا الهداية سبيلا, وتضرب السورة الامثال للناس من حياتهم, وتوصي الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ ألا يحزن علي مصير الضالين لأن الله ـ تعالي ـ عليم بما يصنعون. وتحذر سورة فاطر من الشرك بالله, وتؤكد عجز الشركاء المزعومين, وحاجتهم, بل وحاجة الخلق جميعا إلي الله ـ تعالي ـ, وأنه سبحانه غني عن العالمين, ومن قبيل التقريع تذكر المشركين بالله بأن شركاءهم لا يستطيعون خلق شيء في الأرض, وليست لهم أدني شراكة في السماوات, وأنهم لم يتلقوا تفويضا من الله ـ تعالي ـ بذلك, وعلي الرغم من ادعائهم, وقسمهم كذبا بالله أنهم اذا جاءهم نذير فسوف يكونون أهدي من غيرهم من الأمم, فإنهم لما جاءهم النذير ازدادوا نفورا من الحق, وأن هؤلاء الظالمين لا يعد بعضهم بعضا الا ظنا كاذبا, وقد استمرأوا الخروج علي منهج الله استكبارا في الأرض, ومكرا سيئا بأهلها, والمكر السيء لا يحيق الا بأهله, ولم يعتبروا بما حدث للأمم السابقة عليهم, والتي كانت قد سارعت بالكفر, وعاجلهم الله ـ تعالي ـ بالعقاب علي كفرهم وقد كانوا أكثر قوة منهم, وهي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها, ولا تغيير فيها. وتؤكد السورة الكريمة أن الله ـ تعالي ـ قادر علي استبدال الخلائق بغيرهم. وما أيسر ذلك عليه ـ سبحانه ـ, وأن كل نفس مسئولة عن عملها, وأنها لا تحمل وزر غيرها, وأن الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ مطالب بإنذار الذين يخشون ربهم بالغيب فيعبدوه بما أمر, وأن من يسعي إلي تزكية نفسه فإن فضل ذلك مردود عليه, وأن مصائر الخلق جميعا إلي الله ـ تعالي ـ فيجازي كلا بما هو أهل له, وأن الأضداد لا يستوون أبدا.., وأن هذا النبي والرسول الخاتم قد أرسل بالحق الذي أرسل به الأنبياء والمرسلون من قبل لأن عدل الله ـ تعالي ـ يقتضي ألا يحاسب الخلائق بغير إنذار مسبق. وتمتدح السورة الكريمة الذين يتلون كتاب الله, ويقيمون الصلاة, وينفقون مما رزقهم الله سرا وعلانية رجاء رحمة الله الذي يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وتؤكد السورة في ختامها أن خطايا الناس كثيرة, ولكن الله يؤخرهم إلي أجل مسمي. وهو ـ تعالي ـ البصير بهم. وبالاضافة إلي التأكيد في أكثر من موضع من سورة فاطر أن الله ـ تعالي ـ عليم بكل شيء, ومحيط بكل شيء فإن السورة تستشهد بعدد كبير من الآيات الكونية علي صدق القضايا التي أوردتها, ومن ذلك: تصريف الرياح, وإرسال السحاب, وإنزال المطر, وإحياء موات الأرض, وخلق البشر من تراب, ثم من نطفة, وجعل الزوجين منها, واختلاط البحرين دون امتزاج كامل, وإخراج بعض ما يؤكل وما يتزين به منهما, وجري السفن فيهما, وولوج كل من الليل والنهار في الآخر وتسخير كل من الشمس والقمر, واختلاف ألوان كل من الثمار, والجدد القاطعة لصخور الجبال, والناس, والدواب, والأنعام, والامساك بالسماوات والأرض أن تزولا, وبكل ما هو في ملك الله ـ تعالي ـ, وكل شيء ملكه فهو ـ تعالي ـ رب كل شيء ومليكه, وغيره لا يملك شيئا, وأن الذين يعلمون شيئا من ذلك من عباد الله هم الذين يخشون ربهم بالغيب...!!! وهذه الآيات الكونية تحتاج إلي مجلدات في دراستها, وإظهار جوانب الاعجاز العلمي فيها, إلي جانب ما تحمله من الدلالات المنطقية المقنعة علي طلاقة القدرة إلالهية في إبداع الخلق, ولذلك سوف أقتصر هنا علي آية واحدة فقط منها وهي آية اختلاف ألوان الجدد القاطعة لصخور الجبال, وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض الدلالات اللغوية لألفاظ الآية الكريمة ولأقوال المفسرين فيها ألا وهي قول الحق ـ تبارك وتعالي ـ:... ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود الدلالة اللغوية (1)( الجبل) في اللغة العربية ما ارتفع من الأرض إذا عظم وطال, والجبل: هو الغليظ من كل شيء, جمعه( جبال) و( أجبال) و( أجبل) ويقال:( أجبل) المسافر, و(تجبل) و( جابل) أي صار إلي( الجبل), بمعني وصل اليه أو دخله وسكن فيه.
ويقال لكل من الحية والداهية( ابنة الجبل) لأن( الجبل) مأواها في الأولي, ولأن الداهية تثقل كما يثقل الجبل في الثانية, كما يقال لصدي الصوت( ابن الجبل), ويقال للقوة أو الصلابة في الأرض:( الجبلة) و( الجبلة) و(الجبلة) و(الجبلة). كذلك يقال للأبدان:( جبال), ففلان( مجبول) أو( خطير الجبال) أي عظيم البدن تشبيها( بالجبال) و(الجبل): ساحة البيت, أو الكثير من أي شيء يقال:( تجبل) ما عنده أي استنظفه, ويقال: حي( جبل) أي كثير الناس: والجبل و(الجبلة) الجماعة من الناس, أو الكثير من كل شيء, أو السنة المجدبة. و(الجبلة): المادة السائلة بداخل الخلية الحية( البروتوبلازم أو السيتوبلازم). ويقال:( جبله) الله( جبلا) أي خلقه وفطره علي صفة من الصفات, من مثل قولك:( جبله) الله علي الكرم أي فطره عليه, و( الجبلة) و( الجبلة) الخلقة والطبيعة, و(الجبلي) هو الفطري من كل شيء, و(الجبلة): الأصل, وأصله الوجه وما استقبلك منه. ويقال:( جبل) التراب( جبلا) أي صب عليه الماء ودعكه حتي صار طينا. و( جبله) أي قطعه قطعا شتي, و(أجبله) أي وجده بخيلا, و(الجبل) هو الممسك البخيل,و( أجبل) أي فشل وأخفق. (2)( جدد):( الجدة) في اللغة( بالضم) هي الطريقة أو العلامة الظاهرة والجمع( جدد). والصفة( مجدود), والجدد هي الطرائق المختلفة الألوان, قال الجوهري: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. قال( تعالي): ومن الجبال جدد بيض وحمر, قيل في تفسيرها هي ـ طرائق تخالف لون الجبل,( والجادة) معظم الطريق, والجمع( جواد) بتشديد الدال, و(جد) الشيء( يجد)( جدة) بكسر الجيم فيهما أي صار جديدا و(الجديد) جمعه( جدد), و(الجد) هو الاجتهاد في الأمر, تقول منه( جد)( يجد) و(يجد) و(أجد) في الأمر أي اجتهد فيه. و(الجد) بالكسر ضد الهزل تقول منه:( جد)( يجد) و(يجد) في الأمر أي أخذه علي محمل( الجد), و(أجد) تأتي بمعني عظم, وقوله( تعالي): وأنه تعالي جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا( الجن:3) أي عظمة ربنا. و(الجد): الحظ والبخت والثراء والجمع( الجدود), والصفة( المجدود) أي المحظوظ أو الثري, و(الجد) أيضا هو أبو الأب, وأبو الأم, وهو كذلك قطع الأرض المستوية. و(الجديد) هو كل ما أحدث إنشاؤه, و(الجديدان) و(الأجدان) هما الليل والنهار, ولذلك قيل: و(جد) الشيء أي قطعه (3)( غرابيب): هي جمع( غربيب) ومعناه شديد السواد أو المشبه بالغراب في السواد, وفي قول الحق( تبارك وتعالي): غرابيب سود نجد أن لفظة( سود) بدل من( غرابيب) لأن توكيد الألوان لايتقدم, فيقال: أحمر قاني ولايقال قاني أحمر, وكلمة( غربيب) قد تكون مستمدة من اسم( الغراب) لسواده, كما قد تكون مستمدة من( الغربة) و(الاغتراب), أو من( التغريب), أو من( الغرب) و(المغرب) لغيبة كل من ضوء الشمس ونور النهار فيه, ويعبر عن شدة السواد إذا قيل أسود غربيب. وهو السائد, كما قد يقال: غربيب أسود وهو قليل. أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي): ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشي الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور (فاطر:28,27) ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يقول تعالي منبها علي كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد, وهو الماء الذي ينزله من السماء, يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها.... كما هو الشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها, كما قال تعالي في الآية الأخري:( يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون), وقوله تبارك وتعالي:( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها) أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر, وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جدة مختلفة الألوان أيضا, قال ابن عباس: الجدد الطرائق, ومنها غرابيب سود, قال عكرمة: الغرابيب الجبال الطوال السود, وقال ابن جرير: والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد, قالوا: أسود غربيب, ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية: هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالي:( وغرابيب سود) أي سود غرابيب, وفيما قاله نظر.. فتبارك الله أحسن الخالقين..., ولهذا قال تعالي بعد هذا( إنما يخشي الله من عباده العلماء) أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به, لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم والعلم به أكمل, كانت الخشية له أعظم وأكثر..... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( جزاهما الله خيرا) مانصه:...( ومن الجبال جدد) جمع جدة, أي طريق في الجبل وغيره...( مختلف ألوانها) بالشدة والضعف,( وغرابيب سود) عطف علي جدد أي صخور شديدة السواد, يقال كثيرا: أسود غربيب, وقليلا: غربيب أسود وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:... وينتقل من ألوان الثمار إلي ألوان الجبال نقلة عجيبة في ظاهرها, ولكنها من ناحية دراسة الألوان تبدو طبيعية. ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها, بل إن فيها أحيانا مايكون علي شكل بعض الثمار وحجمها كذلك حتي لاتكاد تفرق من الثمار صغيرها وكبيرها! (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) والجدد الطرائق والشعاب. وهنا لفتة في النص صادقة, فالجدد البيض مختلف ألوانها فيما بينها. والجدد الحمر مختلف ألوانها فيما بينها. مختلف في درجة اللون والتظليل والألوان الأخري المتداخلة فيه, وهناك جدد غرابيب سود, حالكة شديدة السواد. واللفتة إلي ألوان الصخور وتعددها وتنوعها داخل اللون الواحد, بعد ذكرها إلي جانب ألوان الثمار تهز القلب هزا, وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي العالي... هذا الكتاب الكوني الجميل الصفحات العجيب التكوين والتلوين, يفتحه القرآن ويقلب صفحاته ويقول: إن العلماء الذين يتلونه ويدركونه ويتدبرونه هم الذين يخشون الله...... وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه رحمة واسعة) مانصه:( ومن الجبال جدد...) أي ذوو طرائق وخطوط تخالف لون الجبل: بيض وحمر وسود. جمع جدة, وهي الطريقة في السماء والجبل, وأصلها الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه( مختلف الوانها) أي أصنافها بالشدة والضعف.( وغرابيب سود) جمع غربيب, وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه. وسود بدل من غرابيب وهي معطوفة علي( بيض), وقيل: معطوفة علي( جدد). أي ومن الجبال مخطط ذو جدد, ومنها ماهو علي لون واحد وهو السواد الشديد, والمراد: أنها مختلفة الألوان كثيرا... وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه:... ومن الجبال جبال ذوو طرائق وخطوط بيض وحمر مختلفة بالشدة والضعف... وجاء في صفوة التفاسير مانصه:( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها) أي وخلق الجبال كذلك فيها الطرائق المختلفة الألوان ـ وإن كان الجميع حجرا أو ترابا ـ فمن الجبال جدد ـ أي طرائق ـ مختلفة الألوان, بيض مختلفة البياض, وحمر مختلفة في حمرتها( وغرابيب سود) أي وجبال سود غرابيب أي شديدة السواد, قال ابن جزي: قدم الوصف الأبلغ وكان حقه أن يتأخر, وذلك لقصر التأكيد وكثيرا ما يأتي مثل هذا في كلام العرب, والغرض بيان قدرته تعالي, فليس اختلاف الألوان قاصرا علي الفواكة والثمار بل إن في طبقات الأرض وفي الجبال الصلبة ماهو أيضا مختلف الألوان, حتي لتجد الجبل الواحد ذا الوان عجيبة.... الجبال في القرآن الكريم وردت اللفظة( جبل) بصيغة المفرد والجمع في القرآن الكريم39 مرة,منها6 مرات بصيغة المفرد,33 مرة بصيغة الجمع), وجاءت الإشارة إلي الجبال بتعبير( الرواسي) في تسع آيات أخري, ويمكن تصنيف هذه الإشارات القرآنية( الثماني والأربعين) للجبال إلي المجموعات التالي: (1) آيات تشير إلي شكل أرضي مرتفع ارتفاعا ملحوظا[ البقرة:260],[ هود:43]. (2) آيات تشير بطريقة رمزية الي ضخامة الكتلة الجبلية أو تدل علي ارتفاعها, وطبيعتها الصلبة الهائلة: [ الرعد:31],( ابراهيم:46),( الإسراء:37),( مريم:90),( الأحزاب:72),( الحشر:21). (3) آيات تذكر كلمة جبال في مقام التشبيه (هود:42),( النور:43). (4) آيات تشير إلي جبال ذات أهمية تاريخية كجبال ثمود( الأعراف:74),( الحجر:82),( الشعراء:149). (5) آيات تشير إلي الجبال التي شهدت بعض المعجزات كجبال نبي الله ابراهيم, ونبي الله موسي عليهما السلام( البقرة:260),( الأعراف:171,143) (6) آيات تشير إلي استخدام كل من الإنسان والحيوان للجبال كملجأ( النحل:81,68) وكمصادر للمياه الجارية( الرعد:3),( النحل15),( النمل:61),( المرسلات:27). (7) مجموعة من الآيات تدور حول المفهوم العلمي للجبال في القرآن الكريم منها آية واحدة تصف الجبال بأنها أوتاد إشارة إلي أن أغلبها مدفون في الأرض, وأن أقلها ظاهر فوق سطح الأرض, وأن وظيفها التثبيت( النبأ:7), وآيات أخري تشير الي دور الجبال في تثبيت الأرض[ الرعد:3],( الحجر:19),( النحل:15),( الأنبياء:31),( النمل:61),( لقمان:10),( فصلت:10),( ق:7),( المرسلات:27),( النازعات:32), و(الغاشية:19). وهناك فئة أخري من الآيات الكريمة في هذه المجموعة تشير الي وجود جدد مختلفة الألوان بالجبال( فاطر:27), أو إلي أن الجبال تتبع حركة الأرض في دورانها حول محورها( النمل:88). (8) ايات تشير الي الجبال بوصفها من الخلق المسبح لله( الأنبياء:79),( الحج:18),( ص:18). (9) آيات تصف مصير الجبال في الآخرة( الكهف:47),( طه:105),( الطور:10),( الواقعة:5),( الحاقة:14),( المعارج:9),( المزمل:14),( المرسلات:10),( النبأ:20),( التكوير:3),( القارعة:5). الجبال في علوم الأرض يعرف الجبل بأنه كتلة من الأرض ترتفع بارزة فوق ما يحيطها من اليابسة بشكل واضح, وتحيط بها حواف شديدة الانحدار. ويطلق مصطلح الجبل عادة علي الارتفاعات التي تزيد عن ستمائة متر فوق مستوي سطح البحر, وإن كان هذا الارتفاع ليس محددا لأنه أمر نسبي يعتمد علي تضاريس الأرض المحيطة, ففي منطقة سهلة التضاريس قد يكون نصف هذا الارتفاع مناسبا للوصف بالجبل, وتوجد الجبال عادة متصلة في أطواف, أو منظومات, أو سلاسل جبلية طويلة, ولكنها قد تكون أحيانا علي هيئة مرتفعات فردية معزولة. وتتوزع الجبال عادة علي سطح الأرض في أحزمة طولية موازية لحواف القارات إما في الاتجاه شمال ـ جنوب أو في الاتجاه شرق ـ غرب, أو بانحرافات قليلة عن هذين الاتجاهين, ومن ذلك تم الاستنتاج الصحيح بأن تكون هذه الأحزمة الجبلية مرتبط بتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض وبخطوط التصادم بين تلك الألواح خاصة عندما يهبط اللوح الصخري المكون لقاع المحيط تحت اللوح الصخري الحامل للقارة المقابلة, فتتغضن وتتجعد الرسوبيات المتجمعة في الحوض العميق الناتج عن تحرك قاع المحيط تحت اللوح الصخري الحامل للقارة, وتكشط بالتدريج لتضاف إلي حواف تلك القارة, كما تضاف اليها كل الصخور النارية والمتحولة الناتجة عن الانصهار الجزئي للوح الصخري الهابط تحت القارة, وعن إزاحة كتل من الصهارة من نطاق الضعف الأرضي عند هبوط قاع المحيط فيه, وتشمل طفوحا بركانية وهيئات كثيرة للمتداخلات النارية, وللصخور المتحولة. ومن هذا الخليط من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة تتكون الأطواف والمنظومات والسلاسل الجبلية, علي هيئة أجزاء سميكة جدا من الغلاف الصخري للأرض, تنتصب شامخة فوق مستوي سطح البحر, وتمتد بأضعاف ارتفاعها إلي داخل الأرض لتطفو في نطاق الضعف الأرضي( وهو نطاق لدن, شبه منصهر, عالي الكثافة واللزوجة) تحكمها في ذلك قوانين الطفو كما تحكم جبال الجليد الطافية فوق مياه المحيطات, وعملية الطفو هذه هي التي تساعد الجبال ـ بتقدير من الله تعالي ـ علي أن تبقي منتصبة فوق سطح الأرض, وفي حالة من التوازن التضاغطي المعجز مع محيطها, وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ: أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت, وإلي السماء كيف رفعت, وإلي الجبال كيف نصبت, وإلي الأرض كيف سطحت [الغاشية:17 ـ20] وتصل حركة ألواح الغلاف الصخري إلي نهايتها عندما يتحرك أحد هذه الألواح الحامل لقارة من القارات في اتجاه اللوح الصخري الحامل لقارة مقابلة, دافعا أمامه قاع المحيط الفاصل بين القارتين حتي يدفنه بالكامل تحت القارة المقابلة, بعد سحب كل الرسوبيات المتجمعة فوق هذا القاع وتكديسها مع ما يصاحبها من صخور نارية ومتحولة فوق حافة القارة الراكبة, وتصطدم القارتان اصطداما عنيفا يؤدي الي تكون أعلي السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا. وتتكون الجبال من خليط من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة شديدة الطي والتكسر. الجدد الصخرية في علوم الأرض بدأت قشرة الأرض بتبلور الصهير الصخري الذي نتج عن أرتطام أعداد كبيرة من النيازك الحديدية والحديدية الصخرية والصخرية بمادتها الأولية, وبتبلور هذا الصهير الصخري نشأت الصخور النارية الصخور الأولية التي تشكل اليوم حوالي95% من مجموع صخور قشرة الأرض. وبتعرض الصخور النارية لعوامل التعرية المختلفة من التجوية, والنقل, والتحات( التآكل) بعواملها المتعددة0( من الرياح, والمياه الجارية, والمجالد, والكائنات الحية, وفعل الجاذبية الأرضية) تفتتت تلك الصخور الأولية وتحللت كيميائيا, ونقل هذا الفتات الصخري ليرسب في كل من منخفضات اليابسة والبحار والمحيطات لينكبس ويتماسك ويتصلب علي هيئة الصخور الرسوبية والتي تكون اليوم غطاء رقيقا ينتشر فوق مساحات شاسعة من الأرض علي هيئة الصخور الرسوبية التي تشكل حوالي5% فقط من مجموع صخور القشرة الأرضية. وبتعرض كل من الصخور النارية والرسوبية لعوامل التحول من الضغط, أو الحرارة, أو لكليهما معا, تحولت تلك الصخور إلي ما يعرف باسم الصخور المتحولة التي تكون اليوم نسبة ضئيلة جدا من مجموع صخور القشرة الأرضية. وبتعرض الصخور المتحولة لمزيد من الحرارة تنصهر متحولة الي صهارة صخرية تعاود دورتها المعروفة باسم دورة الصخور. وقد تنقطع هذه الدورة عند أية مرحلة من مراحلها, أو تتجاوزها إلي المرحلة التالية من مثل تحول الصخور النارية مباشرة الي الصهير الصخري عبر الصخور المتحولة أو متجاوزة لمرحلتها, أو دخول أي من الصخور الرسوبية والمتحولة في دورة تعرية جديدة دون الوصول إلي مرحلة الصخور النارية. وعندما تندفع الصهارة الصخرية في القشرة الأرضية من نطاق الضعف الأرضي, فإنها إما أن تندفع إلي سطح الأرض علي هيئة الثورات البركانية, مكونة الطفوح البركانية, وإما أن تتداخل في أعماق القشرة الأرضية حتي تتبلور وتجمد علي هيئة المتداخلات النارية التي قد ترفعها الحركات الأرضية إلي سطح الأرض ومنها الحركات البانية للجبال, فتعريها عوامل التعرية وتكشفها للناظرين بعد ملايين السنين. والمتداخلات النارية تأخذ أشكالا وأحجاما متعددة منها المتداخلات المستوية( اللوحية الشكل) ومنها الكتلية, ومنها المتوافق مع الصخور المتداخل فيها, ومنها غير المتوافق, والأول يتداخل متوازيا مع بنيات الصخور المضيفة من مثل مستويات التطبق في الصخور الرسوبية, والثاني يتداخل في الصخور قاطعا لبنياتها. ومن المتداخلات المستوية الجدد وتتكون باندفاع الصهارة إلي داخل الشقوق والفواصل ومستويات التطبق وغيرها, ومنها الجدد القاطعة إذا كانت رأسية أو مائلة, والجدد الموازية( المتوافقة) وهي أفقية أو مائلة وموازية لمستويات التطبق, وغير ذلك من البنيات الأساسية للصخر المضيف. ومن المتداخلات النارية غير المتوافقة بقايا غرف الصهير العملاقة( الباثوليثات) والتي تعتبر أضخم المتداخلات النارية حجما إذ تمتد لآلاف الكيلو مترات وتكون قلوب الجبال, وتتكون غالبا من الصخور الجرانيتية الدايوريتية. ومن المتداخلات النارية الكتلية المتوافقة أجسام عدسية الشكل تعرف باسم اللاكوليثات سطحها العلوي محدب إلي أعلي, وسطحها السفلي أفقي تقريبا مما يعكس اتجاه اندفاع الصهير من أسفل إلي أعلي. المعجزة العلمية في سبق القرآن الكريم بالاشارة إلي ألوان الجدد باللون الأبيض والأحمر والأسود يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه: ... ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود[ فاطر:27] والآية الكريمة تشير إلي أن الجدد هي الخطط أو الطرائق المختلفة الألوان في الجبال والتي تخالف ألوانها ألوان الجبال, وعلي ذلك فهي ليست الجبال, والعلوم المكتسبة تؤكد علي أن المتداخلات النارية في صخور الجبال تتكون بعد الصخور المضيفة لها بفترات متطاولة قد تقدر أحيانا بملايين السنين. كذلك أثبتت دراسات علم الصخور أن العامل الرئيسي في تصنيف الصخور النارية هو تركيبها الكيميائي والمعدني والذي ينعكس انعكاسا واضحا علي ألوانها, وتقسم الصخور النارية علي أساس من تركيبها الكيميائي والمعدني الي المجموعات الرئيسية الثلاث التالية: (1) صخور حامضية وفوق حامضية وتشمل عائلة الجرانيت التي تتكون أساسا من معادن المرو( الأبيض) والفلسبار البوتاسي( المقارب إلي الحمرة) والبايوتايت( الذي يتراوح بين اللونين الأصفر والبني المائل إلي الحمرة أو العسلي) (2) صخور متوسطة وتشمل عائلة الدايورايت التي تتكون أساسا من قليل من المرو ومعادن البلاجيوكليز الكلسي والصودي والأمفيبول والتي تتراوح ألوانها بين الأبيض والأحمر والرمادي. (3) صخور قاعدية وفوق قاعدية وتشمل عائلتي الجابرو والبريدوتايت وتتميز بالألوان الداكنة التي تميل إلي السواد لوفرة معادن كل من الحديد والمغنيسيوم فيها من مثل معادن البيروكسين والأوليفين والبلاجيوكليز الكلسي. ومن ذلك يتضح بجلاء أن الجدد التي تتداخل في صخور الجبال هي في الأصل من الصخور النارية, وأن أفضل تصنيف لتلك الصخور هو التصنيف القائم علي أساس من تركيبها الكيميائي والمعدني والذي ينعكس علي ألوانها علي النحو التالي: (1) صخور تتراوح ألوانها بين اللونين الأبيض والأحمر وهي الصخور الحامضية وفوق الحامضية وتشمل عائلة الصخور الجرانيتية( الرايولايت ـ الجرانيت). (2) صخور تتراوح ألوانها بين اللونين الأبيض والأحمر من جهة والألوان الداكنة من جهة أخري, ولذا يغلب عليها الألوان الرمادية, وهي الصخور الموصوفة بالوسطية( بين الصخور الحامضية وفوق الحامضية من جهة, والصخور القاعدية وفوق القاعدية من جهة أخري) وتضم عائلة الصخور الدايورايتية( الانديزايت ـ ديورايت), وتقع تحت الوصف القرآني: مختلف ألوانها.. (3) صخور تميل ألوانها إلي الدكنة حتي السواد وهي الصخور القاعدية وفوق القاعدية, وتشمل عائلتي الجابرو( البازلت ـ الجابرو) والبريدوتايت. وهذا التصنيف لم يصل إليه العلماء إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين بعد مجاهدة استغرقت آلاف العلماء, وآلاف الساعات من البحث المضني, وسبق القرآن الكريم بالإشارة إليه في هذه الأية الكريمة بهذه الدقة البالغة التي تجمع الجدد البيضاء والحمراء في جهة, تعبيرا عن الصنف الاول من الصخور النارية( عائلة الجرانيت), ثم تضيف هذه الإضافة المعجزة مختلف ألوانها لتعبر عن كل مراحل الانتقال في هذه المجموعة الحامضية وفوق الحامضية, ومنها إلي الصخور ذات التركيب الوسطي( مجموعة الصخور الدايوريتية), وتخص المجموعة القاعدية وفوق القاعدية بهذا الوصف المبهر وغرابيب سود( مجموعة صخور الجابرو والبريدوتايت). والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لو لم يكن هذا القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, ولو لم يكن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم موصولا بوحي السماء فمن أين له بهذه المعلومات العلمية الدقيقة التي لم يكن لأحد في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده أدني علم بها؟ وهنا أيضا يتضح جانب من الجوانب العديدة لحكمة الإشارة في كتاب الله الخاتم إلي عدد من حقائق الكون وظواهره, لتكون هذه الإشارات شاهدة لله الخالق بطلاقة القدرة فيما أبدع, وبطلاقتها علي ما سوف يقوم به من إفناء ما قد أبدع, وإعادة خلقه من جديد, ولتكون دعوة للمسلمين خاصة, وللناس كافة, إلي دراسة كون الله, للتعرف علي شيء من صفات هذا الخالق العظيم الجدير بالخضوع له وحده بالطاعة والعبادة, والتقديس, والحمد, والتسبيح بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, وتكون دعوة للكفار والمشركين في هذا العصر ـ عصر العلوم والتقنيات الذي نعيشه ـ وحجة بالغة عليهم أن يسلموا بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, ويشهدوا بنبوة هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ الذي وصفه ربه ـ تبارك وتعالي ـ بقوله ـ عز من قائل ـ وما ينطق عن الهوي* إن هو إلا وحي يوحي* علمه شديد القوي*[ النجم:3 ـ5] فالحمد لله أولا وآخرا, وأفضل الصلاة وأزكي التسليم علي خاتم أنبياء الله ورسله, وعلي جميع آله وصحبه, ومن تبع ملته, وأحيا سنته, ودعا بدعوته إلي يوم الدين. |
أدوات الموضوع | |
|
|