للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الحوار وأثره فى التربية [منقول]
الحوار وأثره في التربية .. المقدمة لأن الحوار أسلوب حضاري .. وضرورة إنسانية لا يتم العمران والتواصل بغير حوار تتوافر فيه شروط نجاحه. الحوار على كافة المستويات وبين جميع الأطراف الفاعلة وسيلة حضارية للالتقاء على كلمة سواء. فلا يصطدم طرف بآخر .. ولا تهدر الجهود هباء لأنها سارت في المسار غير الصحيح. من يحدد موضوع الحوار؟ في كل علاقة بين طرفين ينبغي أن يسعى كلا الطرفين للآخر قبل إقدامه على عمل في المنطقة المشتركة بينهما فإما أن يقبل الآخر ما يعرض عليه قبول اقتناع ورضا .. وإما أن يبدى الطرف الآخر رأيه فيما يعرض عليه ومن الأفضل وضع مشروع لجدول أعمال الحوار يحدد موضوعات النقاش وعناصر كل موضوع. فإذا لم يسع أحد الأطراف باقتراح لفتح باب الحوار وفوجئ الآخر بما يفرض عليه، إذا تناسى أحد الأطراف حق الآخر وأقدم على اتخاذ خطوات تتعلق بالآخر دون سابق اتفاق بينهما فان الآخر من حقه المراجعة .. بل له حق التوقف وعدم التفاعل مع تلك الإجراءات .. وإلا فأين حقوق الإنسان وحقوق المواطن وحقوق الجار وحقوق الصداقة وحقوق ذوى القربى وحقوق سائر الخلق بعضهم على بعض. والإيضاح فريضة من فرائض الحوار وركن من أركانه. هل الحوار نوع من الجدل؟ ليس ذلك تماما .. إنما الحوار مناقشة مفتوحة بين أطراف ترجو الوصول إلى قرار ما أو اتفاق ما فإذا استمر الحوار حراً يسير في قناة تحري الحق والوصول إلى الهدف فهو حوار وإن ذهب أحد الأطراف بعيداً يريد إطالة الحوار وإضاعة الفرصة فإنما يكون ذلك جدلا لذلك يطالبنا القرآن الكريم في ممارستنا للدعوة أن ندعو بالحكمة وهى وضع الأمور في نصابها والموعظة الحسنة وهى تلك التي لا تجرح المشاعر ولا ترهق كرامة فإن واجه الداعية جدلاً ولفاً ودوراناً فلابد من مجادلته ولكن بأسلوب أفضل وطريقة أقصر وخط أقوم. دلالة الحوار وفلسفته: للحوار في لغتنا وتراثنا معان رفيعة القدر سامية الدرجة تكسوها مسحة حضارية راقية ، فتكسبها دلالة عميقة تعبر عن روح الأمة. فالأصل في الحوار هو المراجعة في الكلام، بما يوحي إلى ما ينبغي من رحابة الصدر، وسماحة النفس، ورجاحة العقل، وبما يتطلبه من ثقة ويقين وثبات، وبما يرمز إليه من القدرة على التكييف، والتجاوب، والتفاعل، والتعامل المتحضر الراقي مع الأفكار والآراء جميعاً. وارتباط الحوار بمعنى الرجوع عن الشيء والى الشيء، يثبت في الضمير الإنساني فضيلة الاعتراف بالخطأ، ويركز على قيمة عظمى من قيم الحياة الإنسانية، وهي القبول بمبدأ المراجعة، بالمفهوم الحضاري الواسع الذي تجاوز الرجوع عن الخطأ، إلى مراجعة الموقف برمته، إذا اقتضت لوازم الحقيقة وشروطها هذه المراجعة، واستدعى الأمر إعادة النظر في المسألة المطروحة للحوار على أي نحو من الأنحاء، وصولاً إلى جلاء الحق. فالحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية، المستندة أساساً إلى مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه السمحة، وهو موقف فكري وحالة وجدانية وهو تعبير عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية، وهو سمة التسامح، لا بمعنى التخاذل والضعف بوازع من الهزيمة النفسية، ولكن بمعنى الترفع عن الصغائر، والتسامي عن الضغائن، والتجافي عن الهوى والباطل. وهذه بعض الأقوال .. الحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية ولا يعني التخاذل والضعف. العالم يحتاج إلى الحوار منهجاً ووسيلة وأداة لتفادي الصدام والحروب. هدفنا من إقامة الحوار التفاعل بين الثقافات وهو التعارف القرآني السامي. من شروط الحوار الجاد الهادف أن يتصف بالحكمة، والحكمة هي جماع العلم و المعرفة. الحوار الذي يجب أن ندعو إليه هو الذي يستمد من الإسلام روح الاعتدال. معنى الحوار قال العلامة ابن فارس رحمه الله تعالى: (حور) والواو والراء ثلاثة أصول: أحدها: لون، والآخر الرجوع، والثالث أن يدور الشيء دوراً إلى أن قال وأما الرجوع فيقال حار، إذا رجع. قال الله تعالى: "إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ".14 (الانشقاق) والعرب تقول: "الباطل في حور" أي رجع ونقص. (الحور) مصدر حار حوراً رجع، وتقول: كلمته فما رجع إليّ حواراً وحواراً ومحورة وحويراً. وقال العلامة الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى: الحوار: المرادة في الكلام، ومنه التحاور. قال الله تعالى: "وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا". 1(المجادلة) وقال الإمام الزمخشري: "وحاورته: راجعته الكلام ، وهو حسن الحوار". وقيل في المعجم الوجيز: حديث يجري بين شخصين أو أكثر. وتحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم، وتجادلوا.. وقال في لسان العرب: معنى الحوار، حاوره محاورة وحواراً : جاوبه. في كتاب الله: ﴿وقال له صاحبه وهو يحاوره ﴾ الكهف, الآية:37 . قال القرطبي: أي يراجعه في الكلام ويجاوبه، والمحاورة المجاوبة، والتحاور: التجاوب".ولقد وردت مادة الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع وكلها جاءت بمعنى مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين: ﴿فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً﴾.الكهف ، الآية :34 ﴿قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب﴾.الكهف ، الآية: 37 ﴿وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما﴾.المجادلة ،الآية :1 والحوار هو عملية محاورة, بين أفراد؛ اثنين أو أكثر, يتخللها موضوع يطرحه أحدهم ويجاب عنه, وقد ينتج عنه تفريعات أخرى. ومن أثر الحوار: أن يفكر المحاور في آرائه أو يتراجع عنها أو يزداد بها وثوقاً. ولفظ الحوار لم يكن مستعملاً في تاريخنا بشكل كبير وقلما كان يستعمله علماء الأصول أو علماء الكلام بخلاف لفظ الجدل والمناظرة. يتبع .. ============================================= حكمة : الأفكار الكبيرة تخاطب فقط العقول الكبيرة، بينما الأعمال الكبيرة تخاطب الجميع. جون ميلتون آخر تعديل بواسطة أبو جهاد الأنصاري ، 2018-02-12 الساعة 12:04 AM |
#2
|
|||
|
|||
مكانة وأهمية الحوار: يقرر الإسلام الاختلافَ كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس. من هذا المنطلق برزت أهمية الدعوة للحوار، واستشراف وجهات نظر الطرف الآخر.وانطلاقاً من أهمية الحوار، واعتباره إحدى ركائز التعايش، حرص الإسلام على إقرار مبادئه، حيث رتب الشرع أجراً لمن اجتهد وأخطأ، فنعرف جميعا أن من اجتهد وأصاب الحق، فقد نال أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة للحق. ومن اجتهد وأخطأ، فله أجر واحد، هو أجر الاجتهاد، ولم يؤثَم على الخطأ. وفي ثقافتنا الإسلامية كذلك أن الحوار يتطلب، أولاً وقبل كل شيء الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقه، ليس في تبني رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي أو الموقف أو الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسئولية ما هو مقتنع به. الطريقة الحوارية في القرآن الكريم: إن مفهوم الحوار يعتبر من المفاهيم الأكثر رقيا في التعامل بين البشر، فمنذ اللحظة الأولى للتكوين الإنساني، كان الله سبحانه وتعالى يكرّس هذه القيمة الجمالية التي يمكن أن يكون لها أثرا واضحا وجليا في تدعيم الحياة بين بني البشر، والحوار في حد ذاته ليس قصرا على الفرد بعينه، بل يمكن أن يتعدى ذلك، ليصبح حواراً بين الأمم، وقد ذهب القرءان الكريم في إعطاء الحوار معنى أوسع، يتعدى البشر، ويمكن أن يكون الحوار بين الإنسان من ناحية وبين مخلوقات أخرى من ناحية ثانية، سجّل القرءان الكريم بعضاً لهذه الحوارات مثل الحوار الذي دار بين سليمان عليه السلام والهدهد، والحوار الذي دار بين سليمان والنملة في سورة النمل في القرءان الكريم.ولأن الحوار على هذه الحالة من الشفافية، وبهذه القيمة الجمالية التي تلّفه، كان الخالق عز وجل يضع لنا فلسفة الحوار مع الآخر، حتى لو كان إبليس أو مع من ينوب عن إبليس، فالمولى عز وجل يمثل ذروة الخير المطلق، وإبليس عليه لعنة الله كان ومازال يمثل ذروة الشر المطلق، إلا أن الله سبحانه وتعالى سمح له بالحوار والسؤال والإجابة حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم، وإبليس رفض فكرة السجود أو تنفيذها. ويعتبر فهمنا للطريقة الحوارية كإحدى طرق التربية المهمة في الحياة، ولا سيما نحو بناء جيل أكثر وعياً وإشراقا، وأكثر مقدرة على استشراق المستقبل بما يرضي الله سبحانه وتعالى. الطريقة الحوارية والقرآن الكريم: من خلال فهمنا للقرآن الكريم كما قدمه العلماء في كتب التفسير المختلفة، يمكن أن نقول بأن هناك نماذجاً مهمة في الحوار جاءت في القرءان الكريم، وفي مناسبات عديدة ومتنوعة لكن يمكن القول أن الطريقة الحوارية كانت واضحة في عدة مواطن كطريقة للتعليم أكثر منها كحوار مجرد فقط.أشكال الحوار في القرءان الكريم: · حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة.· حوار الله سبحانه وتعالى مع الرسل والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه. · حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس عليه لعنة الله. · حوار الله مع الأقوام عن طريق الرسل. · حوار الله مع الإنسان كإنسان. · حوار الإنسان مع الإنسان. (حوار أهل الجنة والنار). · حوار الرسل مع أقوامهم. · حوار الإنسان مع المخلوقات الأخرى. (الهدهد والنمل). · حوار الأنبياء مع الطغاة والحكام والجبابرة. · حوار الإنسان مع الجماد، مثل حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة. نماذج للحوار في القرآن: النموذج الأول: حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة: هذا الحوار بدأ من اللحظة الأولى التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، ويقوم بدور الخلافة على الأرض، فأراد أن يخلق الإنسان لكي تناط به هذه المهمة الصعبة، فقال سبحانه: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون* وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" سورة البقرة { الآيات 30- 33 }. في هذا النموذج الحواري الذي يدور بين الله والملائكة، يتضح لنا أن الملائكة لديها معلومات عن هذا المخلوق الجديد الذي لم تعرفه من قبل، معلومات غير صحيحة، وكانت هذه المعلومات مبنية على حياة الجن الذي كان يسكن الأرض قبل الإنسان، فاعترضت الملائكة وهي معمّمة لخطأ الجن في القتل وسفك الدم والإفساد، فكان الحوار يتواصل من قبل الله، ويخلق آدم، ثم يعلمه الله أسماء الأشياء والتي قال فيه العلماء قد تكون بمعنى اللغات، وبمعنى آخر هي أسماء الأشياء وصفاتها ومسمياتها، وهنا..يتضح للملائكة أن هذا المخلوق الجديد الإنسان يختلف عن المخلوق السابق الذي كان يسكن الأرض، لذلك ردت الملائكة بعد تصحيح المعلومات لديها بالقول (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم). النموذج الثاني: حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء: ونقصد هنا في هذا العنوان، حوار الله مع الأنبياء والرسل الذين كان الله يرسلهم لأقوامهم ، سواء كان معهم كتاب سماوي، أو بعض الصحف والألواح، ولكن هنا في معرض النموذج الحواري بين الله وبين أحد الرسل سيكون هدفه إظهار مقدرة الله تعالى الفاعلة في كل شيء، وسيكون محط الدراسة هو "العزير عليه السلام "، وسنرى كيف هذا النبي بضعفه الإنساني يسأل عن بعض الأمور التي قد تكون غائبة أو غير حاضرة في تفكيره حينئذ...والقرءان سجل هذا الحوار فقال سبحانه وتعالى: "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي الأرض بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وأنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وأنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير" سورة البقرة { الآية 259 }. المعلومات التي لدى العزير، هو الاستغراب عن إحياء قرية بأكملها قد فنيت عن الأرض، ومات أهلها جميعاً وأصبحوا من سكان القبور، هنا كان العقل الإلهي، التعليم من خلال التجربة والممارسة .. أن أماته الله، ثم كان السؤال كم لبثت؟ فقال العزير: يوماً أو بعض يوم، والمعلومة هنا عند العزير عليه السلام هي معلومة خاطئة، فكان الرد الإلهي؛ بل لبثت مائة عام، ثم اتبع الشواهد التي تؤكد هذه الفترة من الموت. أيضاً عيسى عليه السلام: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَإِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِينَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116) النموذج الثالث: حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس: ويعتبر هذا النموذج من أخطر النماذج الحوارية في القرءان الكريم، وفي مفهوم ولغة الحوار بين الأضداد على إطلاقها، حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى رمز الحق المطلق والخير المطلق فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق؛ ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع فلسفة مهمة لبني الإنسان، تقضي إلى إمكانية الحوار والتفاهم بالطريقة الحوارية مع الآخر، أو إقامة الحجة عليه لو كان يمثل النقيض لفلسفة الخير التي يحملها الدعاة .. ولنترك للقرآن أن يضع بين أيدينا جو هذا الحوار: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين* قال أنظرني إلى يوم يبعثون* قال إنك من المنظرين* قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين* قال أخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين" سورة الأعراف { الآيات 11 - 18 }. ربما هذا الحوار الأطول بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس عليه لعنة الله، والحوار ذاته يتكرر في مواطن مختلفة في القرءان الكريم لكنه يكون بصورة اقل وأقصر مما هو في سورة الأعراف. والشاهد القوي في الحوار أن إبليس يدعي انه افضل من الإنسان، لذاك رفض أن يسجد لآدم عليه السلام، مع العلم أن السجود هنا هو سجود تحية وليس عبادة، ولكن روح المكابرة في القرءان الكريم التي كانت لدى إبليس جعلته يصّر على كبريائه في هذا النص، ولكن في نصوص السنة المختلفة والتي تفسر القرآن الكريم كثير من الأحيان، أنه جاء في معنى الحديث الشريف أن إبليس يقول: ( ويلي.!.أمر ابن آدم بالسجود فسجد، وأمرت بالسجود فعصيت..!) .. وهذا يعني إقرار بعدم صوابية رؤيته عن أفضليته على آدم. ولكن روح الكبرياء التي عنده هي التي جعلته لا يمتثل لأمر السجود. ومن هذا الحوار بين الخير والشر، يمكن أن يكون هناك لفته مهمة في حمل دعوة السماء إلى الناس حتى الزعماء منهم أو الطغاة، وهذه اللفتة تتمثل في انه يمكن للدعاة أن يحملوا هذا الدين مبشرين به وليس منفرين، ويطرقوا به أبواب الحكام الظلمة ويقيموا عليهم الحجة والبرهان كما فعل موسى عليه السلام وأخيه مع فرعون فقال سبحانه وتعالى في هذا السياق: "اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى* اذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولاً لينا* لعله يتذكر أو يخشى ...". سورة طه {الآيات 42 - 45}. وتنتهي رحلة الحوار مع الطغاة في نهاية النموذج مع فرعون بإيمان السحرة. يتبع ..
|
#3
|
|||
|
|||
النموذج الرابع: حوار النبي عليه السلام مع ابنه:
في هذا النموذج سنتعرض لمرحلتين في الطريقة الحوارية، في المرحلة الأولى سنتعرض للحوار بين نوح عليه السلام مع ابنه، وهو يصحح له المعلومات الخطأ التي بحوزته، حيث قال الله سبحانه: ".. وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ"سورة هود {الآيات 42 - 43}. نوح عليه السلام يوحي إليه من ربه أن هذه الأمة ستهلك ولن ينجو إلا الذي سيصعد في السفينة وسيكون هناك من الطوفان ما يكفي لابتلاع كل شيء على وجه الأرض، ولكن ابنه يستعصي عليه هذا الفهم والمعلومات الطبيعية المسبقة لديه، أن الجبل يمكن أن يكون ملاذاً من المياه والفيضانات ولم يكن في تصوره أن الفيضانات ستصل إلى حد الطوفان الذي سيدمر كل شيء، لذلك قال لأبيه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)، وهذا علم خطأ في مفهوم نوح عليه السلام، لذلك قال لأبنه: (لا عاصم اليوم من أمر الله)، لكن وما يقال "الكفر عناد". رفض الابن أن يركب في سفينة النجاة التي أعدها أبوه بأمر من الله، وانتهى المشهد الأول أو المرحلة الأولى من هذا النموذج، ولكن عندما تتدخل عاطفة الأبوّة لدى نوح عليه السلام وهو يرى ابنه يغرق في الطوفان، توجه إلى الله بأن ينجي له ابنه، وهو يعتقد انه من الدائرة الشخصية لنوح، أي الدائرة الأكثر قرباً له فقال نوح لربه سبحانه وتعالى: "وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ". سورة هود {الآيات 45 - 47}. كما ذكرنا أن المعلومات لدى نوح عليه السلام في معيار الله لم تكن صحيحة (انه ليس من أهلك) هذا رد واضح على نوح عليه السلام، ونوح يتعلم ذلك ويعترف بخطئه ويدرك معنى دائرة الأهل في الدعوة، والتي كما يقول العلماء: أن الأهل في حقل الدعوة هم أهل الدين والعقيدة، لذلك عندما عرف نوح عليه السلام عدم صوابية المعلومات التي عنده حول مفهوم الأهل قال عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ). وفي القرآن الكريم أشكال وأنماط متعددة ومختلفة من الحوارات بين كافة المستويات فمن ذلك: حوار أهل الجنة والنار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) (لأعراف:50) حوار الرسل مع أقوامهم: وهذا كثير جداً. حوار الإنسان مع غير الإنسان كالهدهد مع سليمان عليه السلام: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ) (النمل:22) حوار الأنبياء مع الملوك والحكام والجبابرة: وهذا أيضا في عشرات المواضع كما في قصة موسى عليه السلام مع فرعون. حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فصلت:21) |
#4
|
|||
|
|||
في حوار الله مع الشيطان: من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان، تبرز حقيقة الثواب والعقاب، الخير والشر، الإيمان والكفر. وما كان لصورة هذه الحقيقة أن تكتمل من دون هذا الحوار؛ وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر.
في حوار الله مع الأنبياء: تبرز حقيقة الإعجاز الإلهي: (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيِ الموتى قال أولم تؤمن قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي، قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم). سورة (البقرة)، الآية 260. في حوار الله مع عباده: تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: (قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرًا، قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). سورة (طه) ، الآيتان 125- 126. في حوار الأنبياء مع الناس: تبرز حقيقة التربية الإلهية، حيث ورد في الآية الأولى من سورة (المجادلة): (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)، كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: (ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت قال أنا أحيِ وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين). سورة (البقرة)، الآية 258. في حوار الناس مع الناس: تبرز حقيقة الجشع الإنساني: " فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفرًا" سورة (الكهف)، الآية 34. تبيِن الآيات الكريمة السابقة أن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع، وفي الفكر، وفي الاجتهاد، وفي الرؤى، وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حد ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق، ومظهرا من مظاهر عظمته وتجلياته. وفي القرآن الكريم نصوص كثيرة متشابهة كلفظ الجدال, والمخاصمة, والمحاجة. لكن لفظ الحوار له خصوصية ومزية, وقد ورد في القرآن في ثلاثة مواضع: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (الكهف:34) (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37) (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1) ولفظ الحوار في القرآن غير مقيّد, والله عز وجل سمى فعل المرأة (مجادلة) وهي تذكر زوجها, ولما اشترك معها النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفعل محاورة. ومن ألصق معاني الحوار أو الحور هو التردد والرجوع, وذلك يكون بالذات أو بالفكر ومنه «اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَور» أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو النقص في الحال بعد الزيادة. والمحاورة والحوار هي المراددة في الكلام ومنه التحاور. فالحوار فيه معنى ترداد الفكر في العقل, والأخذ والرد, وفيه معنى الاستعداد لدى الإنسان للرجوع إلى الحق إن استبان له. وهذا معنى شريف في لفظ الحوار، ولا يستلزم ذلك الرجوع من قول لآخر, لكن يحدث الإنسان نوعاً من التحوير أو التعديل أو ينظر في دقة وتحرير ما قاله. إذن الحوار فيه نوع من الرجوع, وعدم الاستئثار بالرأي دون الطرف الآخر, وفيه نوع من الملاينة في الكلام, والملاطفة, بخلاف المجادلة والمحاجة. وفيه نوع من رفع سقف المناقشة قدر الطاقة بين المتحاورين. فالحوار ليس جدالاً ولا مقارعة ولا منابذة في ميدان قتال تراق فيه دماء المتحاربين بسيوف الألفاظ النابية والفكر المعقد والمسلك المتشنج. فهناك تلازم بين الحوار والأدب, بين الحوار واللطف, بين الحوار واللغة الراقية! وهذا كله من شأنه أن يجعل الحوار يؤتي أكله, ويصل إلى أهدافه من بيان الحق, وإقناع الآخر به. يتبع ..
|
#5
|
|||
|
|||
مشاهد من حوارات أبينا إبراهيم: وصف الله نبيه إبراهيم عليه السلام بأنه كان أمة، أمة وحده: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" النحل :120 "شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" النحل : 121 وإن المشاهد التي حكاها القرآن من سيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام تفيض بالعظمة. وهذا زاد للدعاة إلى الله، إلى جانب الاستمتاع بالقصة من خلال سرد المشهد: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" يوسف : 108 المشهد الأول: حواره مع أبيه "حوار خاص": ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام في مملكة بابل (جزء من العراق حالياً) فوجد أباه أو عمه حسب الروايات واسمه آزر يصنع الأصنام ليعبدها الناس. بين حجارة الحضارة، والقلوب المتحجرة نشأ رسولنا إبراهيم عليه السلام وبعد نظر طويل في عالم الأصنام وتفكير في صياغة الحوار مع الأب والصانع، دار هذا الحوار: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا* قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" 41 - 47 (مريم). من الحوار الذي سجله القرآن الكريم نلتقط هذه المعاني: لقد هيمن الأدب، وهيمنت العاطفة الفطرية، على لغة التخاطب بين إبراهيم عليه السلام وأبيه "يّا أّبّتٌ". إرجاع الكفر والشرك إلى مصدره الأصلي: الشيطان، وليس إلى النفس البشرية المفطورة على التوحيد. التعبير بـ "جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ " يفيد التواضع، وأن العلم يُكتسب، وبالمقارنة مع قول قارون: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ" علم عندي (القصص:78) فيتضح الفارق بين التواضع والغرور. إظهار الشفقة على مصير الأب الكافر، وأن الهدف من دعوته، إنقاذه من العذاب "إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن". قد يحتد الأب إذا كانت دعوة الهداية آتية إليه من الابن، على تصور من بعض الآباء أن الصغار مشكوك في صلاحيتهم لهداية الكبار!! وهنا يجب الفراق بهدوء "قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" ويتبع ذلك اعتزال أهل الملة الباطلة جميعهم "وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا" 48- 47 (مريم). المشهد الثاني: حوار مع أبيه وقومه "حوار عام": إذا كان أهل الضلال في اجتماع عام، هنا يغلب على الحوار طابع المناظرة، فتختلف هنا اللغة عن لغة الحوار الخاص، إذ يجب أن تحسم المسائل المطروحة للحوار لأن المواجهة هنا تكون مع الرأي العام، وليس مع شخص قد يكون للخصومة الشخصية تأثير فيها. لنتابع هذا الحوار: "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ* قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ* قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ* وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ* فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ* قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ* قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ* قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ* وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء من 51 - 71). من هذا المشهد نلتقط تلك المعاني: الرشد المبكر نعمة من الله، فإذا وظف الرشد في الخير كانت نعمتان. بدء الحوار بالسؤال يعطي المسؤول الفرصة حتى يعبر عما في نفسه .. ولا يبدأ الداعية بالهجوم قبل أن يعرف ما عند الطرف الآخر. في هذا المشهد يقف والد إبراهيم مع القوم فيكون حديث سيدنا إبراهيم عاماً، بخلاف الحديث الخاص بين سيدنا إبراهيم وأبيه .. كان الحديث الخاص يتميز بالعاطفة، أما الحديث هنا فيتميز بالمنطق، والمنطق جاف. في أثناء الحوار والمناظرة تتكشف للمحاور أمور تعينه على إدراك حقائق، وهذا الإدراك يعينه على توجيه الحوار وإصدار القرار.. مثل التبعية للآباء في الضلال، بل الزيادة على موروث الآباء: "مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ* قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ" لقد تحول الجيل اللاحق إلى عاكف، وقد كان الجيل السابق مجرد عابد. لابد من تسفيه الباطل في الخطاب الإعلامي الدعوي، إذا كان الموضوع متعلقاً بالحق وما يقابله: "قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" هكذا صراحة ودون مواربة، وقد نزل الوحي على سيدنا محمد بالأمر الإلهي: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون 1-6)، إنها مسألة لا فصال فيها ولا جدال. الاستدلال على عظمة الله سبحانه بملكية السموات والأرض، لأن أهل الباطل، خاصة الطواغيت قد يمتلكون أرضاً واسعة، أو ذهباً أو غير ذلك مما يفرضون به سلطانهم على الفقراء وأصحاب الحاجات .. أما ملكية السموات والأرض وما بينهما فليست إلا لله، وبإعلان هذه الملكية تنقطع المحاولات والمماحكات التي يلجأ إليها الطواغيت الكفار والمشركون لتعبيد الناس لهم!. أقسم سيدنا إبراهيم ليكيدن الأصنام! وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لم يتخذ القوم إجراءات أمنية لحماية الأصنام؟ والظن الراجح أن القوم كانوا يعتقدون في معبوداتهم أنها تحمي نفسها!! وأن هذا الفتى إبراهيم هو الخصم الوحيد لهم ولمعبوداتهم، فماذا عساه يصنع بمملكة الأصنام؟!. نفذ سيدنا إبراهيم عليه السلام خطته فحطم الأصنام، ووضع أداة التكسير على كتف الصنم الكبير.. ثم قال لهم حين استجوبوه "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ" فتحول القوم من محاورته إلى محاورة بعضهم لبعض، "فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ"، وبدأت حركة إفاقة ولكنها انقطعت فلم تمض في الطريق الموصلة إلى معرفة الحقيقة وهي التي وصفها القرآن بأنها انتكاسة " ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ"، تلك الانتكاسة فتحت الباب واسعاً أمام سيدنا إبراهيم ليرفع صوته عالياً: "أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ". إن منطق داعية الحق قوي، ولسانه فصيح، ورغم أنه الوحيد المؤمن ولا يستند إلا لقوة الغيب غير المشاهد للطاغوت وللمجتمع المنحرف، إلا أنه فصيح لا يتلجلج وهو يواجه ويتأفف من معبودات المملكة كلها. |
#6
|
|||
|
|||
الطريقة الحوارية في السنة النبوية
أن المتتبع للسيرة النبوة المطهرة، سيرى أمثلة رائعة في فن الحوار، والفنون الأخرى الضرورية لاكتساب محبة الناس. لذا نرى أن رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، استطاع أن يدخل قلوب البشر، من رآه وحتى من لم يره. وهذا موقف نرى فيه أسلوب رسولنا الكريم في الحوار، وكيف استطاع أن يبين للشاب خطأه، بأسلوب يختلف عما كان يريد الصحابة القيام به. عن أبي أمامة أن فتى شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا (مه، مه) فقال: ادن، فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك ؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أتحبه لأختك ؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: والناس لا يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله ، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه". فلم يكن من الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء. رواه أحمد ألم تلاحظوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يستخدم أسلوب اللوم أو العقاب، وإنما استخدم أسلوب الحوار والمناقشة، وطرح الأسئلة، ليدع المجال للأخر للتفكير في أمره. ولاحظوا معي هذه النقاط بالنسبة لهذا الموقف: المجالسة، الرفق، الاحتواء، الحوار، السؤال، الاستماع، الاختيار، الذات، القناعة، الحوافز، الدعاء، واللمسة الأبوية. أهمية الرجوع إلى ما يجب أن يكون عليه الحوار: من وضوح في الهدف على كافة المستويات, والهدف واضح, وهو: الحق, فيجب البحث عنه, والرجوع إليه متى استبان على لسان من جاء به أيا كان, بلا تسلط, أو إحراج, أو استعراض للقدرة العقلية, أو الذهنية!! ويدل أيضا على أن الحوار من أفضل وسائل الإقناع, وتغيير الفكر الذي يعدل سلوك المحاور إلى الأفضل،وفيه ترويض للنفوس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين. وتتجلى أهميته في دعم النمو النفسي, والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق، فأهميته تكمن في أنه وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل كثير من المشكلات. |
#7
|
|||
|
|||
أهداف الحوار:
لكل حوار هدف وهو الوصول إلى نتيجة مرضية للطرفين، وتحديد الهدف يخضع لطبيعة المتحاورين إذ أن حوار الأطفال غير حوار المراهقين أو الراشدين، وبذلك فقد يكون الحوار لتصحيح بعض المفاهيم وتثبيت العقيدة في نفوس الناشئين، وقد يكون لتهذيب سلوك معين أو رفع مؤشر التحصيل الدراسي، أو بناء الأسرة، وقد يكون الحوار من قبل الأب مثلاً من أجل تمثّل القدرة في تطبيق الحوار فيكون محاوراً جيداً ليقتدي به أبناؤه ويتشرّبوا سلوكه. وقد يستخدم المرشد الطلابي، في المدرسة، أو والد الطفل الحوارَ من أجل التفريغ الانفعالي ليشعر المحاور الصغير بالراحة في ثنايا الحوار. إذن فالأهداف متعددة للعلاج والبناء. كيف يمكن أن يكون الحوار مفيداً: تحديد الهدف من الحوار وفهم موضوعه، والمحافظة عليه أثناء الحوار إذ أنّ من شأن ذلك حفظ الوقت والجهد وتعزيز احترام الطرف الآخر. التهيؤ النفسي والعقلي والاستعداد لحسن العرض وضبط النفس، والاستماع والإصغاء والتواضع، وتقبّل الآخر، وعدم إفحامه أو تحقيره، والتهيؤ لخدمة الهدف المنشود بانتهاج الحوار الإيجابي البعيد عن الجدل وتحري العدل والصدق والأمانة والموضوعية في الطرح مع إظهار اللباقة والهدوء، وحضور البديهة، ودماثة الأخلاق، والمبادرة إلى قبول الحق عند قيام الدليل من المحاور الآخر. عدم إصدار أحكام على المتحاور أثناء الحوار حتى وإن كان على خطأ لكي لا يتحول الموقف إلى جدال عقيم لا فائدة منه. محاورة شخص واحد في كل مرّة ما أمكن ذلك دون الانشغال بغيره أثناء الحوار حتى يلمس الاهتمام به فيغدو الحوار مثمراً ومحققاً لأهدافه. اختيار الظرف الزماني والمكاني ومراعاة الحال: على المحاور أن يختار الوقت والمكان المناسبين له ولمحاوره على حدٍّ سواء وبرضى تام. وعلى المحاور أن يراعي حالة محاوره أيضا؛ فيراعي الإرهاق والجوع ودرجة الحرارة، وضيق المكان والإضاءة والتهوية بحيث لا يكون الحوار سابقاً لطعام والمحاور جائع، أو أن يكون الحوار سابقاً لموعد الراحة والمحاور يفضّل النوم، أو يكون الحوار في وقت ضيق كدقائق ما قبل السفر، أو وقت عملٍ آخر، أو أثناء انشغال الطالب المحاور بشيء يحبّه أو في وقت راحته أو في زمن مرهق له كزمن انصراف الطلاب إلى منازلهم نهاية اليوم الدراسي أو أثناء تمتّعهم بوقت فسحتهم المدرسية. إن الحوار يجب أن يراعي مقتضى حال المحاورين من جميع الجوانب النفسية والاقتصادية والصحية والعمرية والعلمية ومراعاة الفروق الفردية والفئة العمرية مع الإيمان بأن الاختلاف في الطبيعة الإنسانية أمر وارد. آداب الحوار: يعتبر الحوار من وسائل الاتصال الفعّالة، وتزداد أهميته في الجانب التربوي في البيت والمدرسة. ولأنّ الخلاف صبغة بشرية فإن الحوار من شأنه تقريب النفوس وترويضها، وكبح جماحها بإخضاعها لأهداف الجماعة ومعاييرها، ويتطلب الحوار مهارات معينة، قواعد له إجرائية وآداب تحكم سيره، وترسم له الأطر التربوية التي من شأنها تحقيق الأهداف المرجوّة، إنّ في ثنايا الحوار فوائد جمّة نفسية وتربوية ودينية واجتماعية وتحصيلية تعود على المحاور بالنفع كونها تسعى إلى نمو شامل وتنهج نهجا دينيا حضاريا ينشده كثير من الناس. و القرآن الكريم أولى الحوار أهمية بالغة في مواقف الدعوة والتربية، وجعله الإطار الفني لتوجيه الناس وإرشادهم إذ فيه جذب لعقول الناس، وراحة لنفوسهم. إن الأسلوب الحواري في القرآن الكريم يبتعد عن الفلسفات المعقّدة، ويمتاز بالسهولة، فالقصة الحوارية تطفح بألوان من الأساليب حسب عقول ومقتضيات أحوال المخاطبين الفطرية والاجتماعية، وغلّف تلك الأساليب بلين الجانب وإحالة الجدل إلى حوار إيجابي يسعى إلى تحقيق الهدف بأحسن الألفاظ، وألطف الطرق، (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه "43،44" وللحوار قواعده وآدابه، ولعل من أبرز هذه القواعد والآداب، ما ورد في سورة (سبأ)، كان الرسول محمد يحاور غير المؤمنين شارحاً ومبيِناً ومبلغاً، ولكنهم كان يصرون على أن الحق إلى جانبهم، فحسم الحوار معهم على قاعدة النص: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) سورة (سبأ)، الآية 24. لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور، تاركا الحكم لله، وهو أسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره، حتى ولو كان على خطأ، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم في الآية التالية مباشرة: (قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ).سورة (سبأ)، الآية 25. فكان من آداب الحوار، أن وصف اختياره للحق وهو على حق بأنه إجرام (في نظرهم)، ووصف اختيارهم للباطل وهم على باطل بأنه مجرد (عمل)، ثم ترك الحكم لله: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).سورة (سبأ)، الآية 26. إن احترام حرية الاختيار هنا ليس احتراماً للخطأ، فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة إسقاطها ليس الهدف الذي لا يكون الحوار مجدياً إلا إذا تحقَق. أن يكون الكلام هادفاً إلى الخير: قال تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا". النساء، الآية: 114 وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". البعد عن الخوض في الباطل: والمراد بالباطل كل معصية. البعد عن المماراة والجدل. أن يحاور كل إنسان بما يناسبه شرعاً وعرفاً. البعد عن عبارات المدح للنفس أو للغير إلا لمصلحة وبالضوابط الشرعية. النية، ينبغي أن لا يدخل المحاور في حوار ما إذا لم يكن متأكداً أن نيته للـه عز وجل، فليس المقصود أن يُظهر من خلال الحوار براعته، وثقافته وأن يتفوق على الآخرين، وأن ينزع الإعجاب والثناء فذلك كله أمرٌ يحبط عمله عند اللـه عز وجل. ينبغي للمحاور أن ينظر في الظروف التي تحيط به قبل أي حوار، هل هي مناسبة للحوار والمناقشة أم لا؟ والظروف المحيطة ثلاثة: ظروف المكان، وظروف الزمان، وظروف الإنسان. لا تناقش في موضوع لا تعرفه جيداً، ولا تدافع عن فكرة إذا لم تكن على اقتناع تام بها. يجب على المحاور أن يعرف مستوى الطرف الذي يحاوره في العلم والفهم، فإن الطالب لا يخاطب كما يخاطب العالم، والكبير لا يخاطب كما يخاطب الصغير، لأن الناس ليسوا طرازاً واحداً. يجب على المحاور ألا يستأثر بالكلام لنفسه، ويحرم الطرف الآخر (أو الحاضرين) من الكلام بالإطالة به عن حدود الذوق واللياقة. لا تُقاطع مَنْ تحاور بل استمع إليه كما تحب أنْ يستمع إليك؛ فكن مستمعاً بارعاً كما تحب أنْ تكون متحدثاً بارعاً. راقب نفسك وأنت تحاور أو تناقش، انتبه إلى حركاتك، ولهجة كلامك، ولا تستسلم لعاطفتك، فتتحول من مُناقشٍ إلى خطيب.. لا تكرر نفسك أو غيرك، فإن الناس قد سئموا من التكرار. ينبغي للمحاور الجيد أن يضبط كلامه ويتقن لغته ما أمكن. المتحدثُ الناجح والمحاور الذكي هو الذي يُحْسِنُ ضربَ الأمثلة، ويتخذها إمّا وسيلة لتقريب وجهة نظره من السامع وشرحها، وإمّا لإقناعه بفكرته. لا تهمل النقاط المشتركة بينك وبين من تحاور، فعليك عند البدء بالمناقشة أنْ تبدأ بنقاط الاتفاق، وذلك لأجل كسب ثقة الطرف الآخر. قد تحصل مناقشة جانبية بعيدة عن الموضوع الأصلي، فمن الأفضل عند ذلك إقفال المناقشة،أو التحاور بالموضوع الأصلي. ينصح بإقفال المناقشة إذا لم يكن الشخص الآخر جادّاً، باحثاً عن الحقيقة، أو كان دون المستوى المطلوب؛ للخوض في الموضوع محل النقاش. إذا واجهك مناقشك بشيء لا تعرفه فلا تخجل من السؤال والاستفسار، واعلم أنّ هناك من الأئمة الكبار من كان لا يخجل أن يقول لا ادري، ويتحرج من الفتوى بغير علم. ينبغي على المتحاور أو المناقش أنْ لا يتعصب لرأي معين أو شخص معين أو فئة معينة، ينبغي أنْ يدور مع الحق حيث دار. يُحسن بالمناقش أنْ يترك النقول الضعيفة والحجج الواهية، فدليلان قويان لا يمكن الرد عليهما أفضل من سوقهما مع ثلاثة أدلة أخرى يمكن الأخذ والرد فيها. احترم الحقيقة؛ وكن أميناً في العرض، ولا تقطع عبارة عن سياقها، أو تعزلها عن مناسبتها، لتفسرها على خدمة رأيك. لا تستشهد بأراء وأقوال من لا يطمئن إلى علمه وأمانته. على المحاور أنْ يحترم الأطراف الأخرى التي يُحاورها. من الإنصاف أنْ يُبدي المحاور إعجابَهُ بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التي يوردها الطرف الآخر ويسلم بها. اقتبس مِنْ كلام مَنْ تُحَاوِر العباراتِ الجيدة التي تَفَوّهَ بها في وقت سابق، وهذا يُضفي على المحاور صفة الموضوعية. من المفروض أنْ تكونَ الثقة متوفرة بين الجانبين عند إرادة الحوار، فلا يؤول الكلام إلا بخير ما دام هناك مجال للتأويل الحسن. ينبغي أنْ لا يُذكر الإنسان بما يَكره، وتنقيصه وإظهار جهله وقصوره في العلم إذا كان المقصود منه مجرد الذم والعيب والنقص وخاصة إذا كان من العلماء المُقتدَى بهم في الدين. عدم الطعن في الفكرة وصاحب الفكرة، أو تجريح الهيئات والأشخاص. لا تدع مَنْ تحاور باسم أو صفةٍ يَكْرَهُها. الفكرة التي تحاورها تكون أكثر قبولاً؛ إذا كنت مقتنعاً بها؛ حريصاً على نشرها. حادِثِ المستمعين كأنّك واحد منهم، وعَبّرْ عن آرائك بإخلاصٍ وتجرد. إنّ المحاور الناجح أو المحاور المُنصف يناقش بالتلطف والأناة والهدوء، ويهتم بالأشياء التي تفتح مغاليق النفوس، وتفعل فيها فِعْلَ السِحْر. من الحق أنْ لا تُسَفّهَ آراء صاحبك، وأن تظهر له الاحترام، ولو كان على غير رأيك. إنّ أسلوب التحدي في المناقشة، ولو كان بالحجة الدامغة والدليل المبين، يبغض صاحبه للآخرين، فلا تلجأ إليه لأن كسبَ القلوب أولى من كسب المواقف. عليك أنْ تتحاشى إفحام الآخرين وإسكاتهم، لأنّ ذلك قد يُسكِت الخصم أو الطرف الآخر، ولكنه لَنْ يقودَهُ إلى الهداية، بَلْ يترك في نفسه الحقد والغيظ، وخاصة إذا كان أمام الآخرين. إنّ المناظرة والمناقشة والحوار في غالب الأحيان تؤثّر في القلوب وتكدر الخواطر، فَتَذكّرْ ذلك جيداً وأنت تتحدث، فلا تخرج ما أمكنك مُعْلِناً الخصومةَ على أحد. عُدْ إلى المناقشة إذا رأيت المناقشة قد انحرفت عن مسارها، وحاول أنْ تقطف ثمرة المناقشة. يجب التركيز في الحديث والنجاة من الاستطراد والشتات، وأنْ يَصِل الحديث إلى نتيجة واضحة محددة. إذا لم يوافِقْكَ صاحبك على رأيك فلا تغضب، ولا تحاول أنْ تحمل الناس على ما تراه حقاً وصواباً، فمن باب أولى أنْ لا يكون إكراه في وجهات النظر. لا تتوقع أنْ يوافقك الناس على رأيك، إذا كنت مُصيباً وأقمت عليه الدليل واقتنعوا هم به، فالنفس الإنسانية مزيجٌ عجيب من عوامل شتى، منها عامل الهوى، فإذا سيطر الهوى على المرء فلا حجة ولا منطق ولا دليل تؤثر فيه. استخدام أسلوب التودد والإحسان، حيث لا يُجدي أسلوب المنطق والبرهان. الابتعاد والكف عن سرد الكلام سرداً، بل تجزئته وترتيبه والتمهل أثناء الكلام ليفكر فيه السامع. تجنب قدر الإمكان مِنْ استعمال ضمير المتكلم (أنا) في الحديث، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى الوقوع في أخطاء، وقد يترك انطباعاً سَلبياً لدى السامع يجعله ينفر منه. يُحسن بالمحاور أنْ لا يرفع الصوتَ أكثر مِمّا يحتاج إليه السامع، فذلك رعونة وايذاء، فالمحاور غير الخطيب. يُحسِنُ بالمُحاور في نهاية الكلمة أنْ يجمع شتات الموضوع في نقاط مُحَدّدة يُوردها في آخر الحديث، تلخصه في عناصر محددة، لأنّ كثرةَ الكلام يُنسي بعضَهُ بعضاً، ورُبّمَا لا يُبْقِي في آذان السامع إلا هذه العناصر المُحَدّدَة. الحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية ولا يعني التخاذل والضعف. يتبع ..
|
#8
|
|||
|
|||
الحوار .. فنونه وآدابه:
ابدأ الحوار بإلقاء التحية فإنها تبعث نوع كبير من الارتياح ، حتى وإن كنت مشدوداً وبذلك تظهر حسن الأدب بإتباع الآداب الإسلامية الكريمة. توضيح نقاط الاختلاف والاتفاق حتى وإن كانت واضحة فقد يكون المتحاورين متفقين على مسألة ما ولكن يختلفون في أغلب أو بعض التفاصيل الدقيقة لها، وكذلك معرفة حجم الخطأ والذي قد يزول بالتفهم الصحيح لوجهات نظر الجميع. حاول وبقدر الممكن عدم الاشتراك في محاورات يكون ضررها عليك أكبر من نفعها أو لا جدوى من النقاش فيها. لا تتمسك بنقطة واحدة في الموضوع وتترك غيرها فقد تكون لها أهمية أكثر. حاول الاستشهاد بآيات من القران الكريم أو السنة النبوية الشريفة في كلامك حتى تكون حجتك واضحة وغير قابلة للجدل الكثير. لا تتعالى على مُحاوريك ولا تبين لهم أي نوع من الاستحقار أو السخرية أو الاستهتار. بعد تناول النقاط الرئيسية للموضوع والتدرج إلى تفاصيله حافظ على هدوء أعصابك ولا تحاول استفزاز غيرك من المحاورين حتى لا يستفزونك. البعد كل البعد عن الخروج من صلب الموضوع والتطرق للموضوع من النواحي الشخصية أو العاطفية (عن طريق الاستثارة). تحلى بحسن الظن دائماً وتقبل النقد بصدر رحب وساهم في إنجاح الحوار والوصول به إلى نتيجة مناسبة للجميع. تحلى بالألفاظ الحسنة التي تزيد من في وقارك وتعمل على إجبار الجميع على احترامك واحترام رأيك. حاذر من الرد على من يتعالى عليك سواء بالألفاظ البذيئة أو بسوء النية بالمثل لأن في ذلك إنقاص لحقك بل عامله بالحسنى ولا تتعرض له بما يثيره أكثر. انتبه من الرد على كل خطأ بدون أن تتأمل هذا الخطأ ورتب أفكارك بالنظر لهذا الخطأ هل يستحق الرد عليه أم لا؟ أم يمكن إصلاحه بغير الرد وهكذا. إذا كان الحوار مشدوداً اعمل على خلق روح السكينة والهدوء ولو بالقليل للتخفيف من حدة التوتر وذلك بالحلم وكظم الغيض فهي من أفضل الأخلاق. التحلي باللين والرفق فهي تغير مجرى الأمور تماماً. لا تندفع وتتكلم بكل ما لديك جملة واحدة فليس كل ما تعرفه يجب أن يقال. حسن المقصد, وليس العلو في الأرض ولا الفساد. التواضع في القول والعمل, وتجنب ما يدل على العجب والغرور والكبرياء. حسن الاستماع والإصغاء. الإنصاف. البدء بمواضع الاتفاق والإجماع والمسلمات والبديهيات إذا ليس من المصلحة أن نهجم على مسائل مختلف فيها. ترك التعصب لغير الحق. احترام الطرف الآخر. الموضوعية وهي رعاية الموضوع وعدم الخروج منه إلى بنيات الطريق ومن الموضوعية التوثيق العلمي أيضا. عدم الإلزام بما لا يلزم, أو المؤاخذة بالإلزام. الاعتدال في كل شيء؛ في الصوت وفي الجلسة, وفي الحركات وفي سياق الحجج وفي الوقت من أول المحاورة إلى آخرها. منهجية الحوار الاستماع الإيجابي: وهي طريقة فعّالة في التشجيع على استمرارية الحوار بالإيجابية وهي تنمّي العلاقة بين المتحاورين، والاستماع الإيجابي أثناء محاورة الطفل أمر هام حيث يعني أن يكون المحاور بكل عواطفه نحو ما يقوله ذلك الطفل (قبول المشاعر مهما كانت) بل والتجاوب مع حركاته وتعبيراته غير اللفظية، وهذا من شأنه الوصول إلى حلول مٌرْضية لمشكلات الطفل، وسيصبح الاستماع الإيجابي سلوكا مكتسبا بالقدوة. ويحتاج الاستماع الإيجابي إلى رغبة حقيقية في الاستماع تخدم الحوار، وفي ذلك تعلّم الصبر وضبط النفس، وعلاج الاندفاعية و تنقية القلب من الأنانية الفردية، وفي ذلك تربية للأولاد على الجرأة وغرس الثقة في نفوسهم بإعطائهم الفرص للتعبير عن مشاعرهم، وتنمية قدراتهم وتحقيق ذواتهم، والاستماع الإيجابي يؤدّي إلى فهم وجهة نظر الآخرين وتقديرها ويعني مساحة أكبر في فهم المشاعر. حسن البيان: يحتاج المحاور إلى فصاحة غير معقّدة الألفاظ، وإلى بيان دون إطالة أو تكرار فتكون العبارات واضحة، ومدعومة بما يؤكّدها من الكلام الطيب والشواهد والأدلة والأرقام وضرب الأمثلة. ومن البيان تبسيط الفكرة (إنْ كان المحاور طفلاً) وإيراد الحكايات الداعمة لاستثارة الاهتمام واستنطاق المشاعر مع تقديرها، ومواصلة الحوار حتّى يتحقق الهدف. ومن البيان أيضاً عدم السرعة في عرض الأفكار لأن ذلك يُعجِز الطفل فلا يستطيع الملاحقة، وكذلك عدم البطء كي لا يمل. ومن البيان ترتيب الأفكار بحيث لا تزحمْ الأفكار في ذهن المحاور، خاصة الصغير، فيضطرب إدراكه. وعلى المحاور ألا ينشغل بالفكرة اللاحقة حتّى ينهي الفكرة الأولى، وعليه ألا يظن أن أفكاره واضحة في ذهن محاوره كما هي واضحة في عقله هو. وعلى المحاور أن يعرف متى يتكلم ومتى ينصت ومتى يجيب بالإشارة، وعليه استخدام نبرة صوتٍ مرحة وهادئة، وعليه أن يتحكم في انفعالاته حتى لا تسقط على الصوت أثناء الحوار، وعليه أن يغضض من صوته وأن يتذكر دائمأً أن الحجة الواهية لا يدعمها أيُّ صوتٍ مهما علا؛ فالحجة القوية غنية بذاتها عن كل صوت. ولا بأس بشيءٍ من الطرفة والدعابة الكلامية والرواية النادرة التي تجذب المحاور، مع وزن الكلمة قبل النطق، وكذا الحذر من الاستطراد. ومن البيان ألا يتعجل المحاور الردّ قبل الفهم لما يقول محاوره تماماً. يحتاج المحاور إلى الجاذبية، وتقديم التحية في بدء الحوار، وأن يبدأ بنقاط الاتفاق كالمسلمات والبديهيات، وليجعل البداية هادئة حنونة، تقدر المشاعر عند الأطفال، وليبدأ مع المحاور الطفل بمواضيع شيّقة يحبّها، أمّا مع الراشدين فلتكن البداية منطقية عقلانية، وإذا لم ٌيْجدِ المنطق والبرِّهان فليعمدْ إلى التودد والإحسان مع المراهقين والراشدين. وعلى المحاور أن يمازح الشخص الذي يحاوره مهما كان فضاً، وأن يظهر احترامه وأن يضع نفسه مكانه وأن يعامله على هذا الأساس. إنّ من شأن البدء بنقاط الاتفاق والبدء بالثناء على المحاور الآخر امتلاكَ قلبه وتقليص الفجوة وكسب الثقة بين الطرفين، وتبني جسراً من التفاهم يجعل الحوار إيجابيا متّصلاً. أمّا البدء بنقاط الخلاف فستنسف الحوار نسفا مبكّراً. يحتاج المحاور إلى جعل فقرة الافتتاح مسترعية انتباه محاوره، وعليه أن يحاول أن يكون الحديث طبيعيا مبنيا على الفهم، وأن يعي الهدف المراد الوصول إليه من حوارهما. على المحاور ألا يستخدم كلمة "لا" خاصة في بداية الحوار، ولا يستعمل ضمير المتكلم أنا، ولا عبارة "يجب عليك القيام بكذا" … "ولا عبارة" أنت مخطئ، و سأثبت ذلك" على المحاور أن يستخدم الوسائل المعينة والأساليب الحسية والمعنوية التي تساعده على توصيل ما يريد كالشعر وضرب الأمثال والأرقام والأدلة والبراهين وخاصّة للراشدين مع تلخيص الأفكار والتركيز على الأكثر أهمية. ضبط الانفعالات ("لا تغضب"، توجيه نبوي) فعلى المحاور أن يكون حكيما يراقب نفسه بنفس الدرجة من اليقظة والانتباه التي يراقب فيها محاوره، وعليه إعادة صياغة أفكار محاوره وتصوراته وقسمات وجهه ورسائل عينيه، وعليه ألا يغضب إذا لم يوافقه محاوره الرأي. عدم إعلان الخصومة على المحاور كي لا يحال الحوار إلى جدل وعداء. مخاطبة المحاور باسمه أو لقبه أو كنيته التي يحبّها، مع عدم المبالغة في ذلك. الإجابة بـ "لا أدري" أو "لا أعلم" إذا سئل المحاور عن مسألة لا يعرفها، وفي ذلك قدوة صالحة للأولاد. وفيه شجاعة نفسية بعدم التستر على الجهل الشخصي. الاعتراف بالخطأ وشكر المحاور الآخر على تنبيهه للمحاور الأول حتى وإن كان المحاور صغيراً، وقد يبدو ذلك صعباً في نظر البعض أمام الأولاد ولكن التعلم بالقدوة من أكبر الفوائد التربوية. على المحاور التذكر في كل لحظة أنه يحاور وليس يجادل خصماً، وأن يتذكر عند محاورة الأولاد أن ذلك الحوار أشد من موج البحر في يوم عاصف، فإن لم يكن ربّاناً ماهراً للحوار يمنع الاستطراد ويتجنب تداخل الأفكار؛ غرقت سفينة الحوار في بحر النقاش والجدل العقيم. على المحاور ألا يضخّم جانبا واحدا من الحوار على حساب جوانب أخرى. على المحاور ألا يتعالى بكلمة أو بإشارة أو بنظرة. على المرشدين أن يفرقوا بين الحوار وبين الجلسة الإرشادية وفنياتها، مع توظيف الحوار لخدمة الأهداف الإرشادية. على المحاور أن يتذكر دائماً أن الحوار المحمود هو الذي يحق الحق، ويبطل الباطل. يتبع ..
|
#9
|
|||
|
|||
الطريقة الحوارية كما تناولها علماء التربية:
الطريقة الحوارية: أول من استخدم هذه الطريقة هو الفيلسوف اليوناني القديم سقراط، وتقوم على الحوار الذي يتم بين المعلم وتلاميذه، ويعتمد هذا الحوار على إلقاء مجموعة من الأسئلة المتسلسلة المترابطة على الطلاب بحيث تصل عقولهم إلى المعلومات الجديدة بعد أن يكتشفوا نقصهم أو خطأهم بأنفسهم .. وتقوم هذه الطريقة من خلال مرحلتين: المرحلة الأولى: مرحلة الاستكشاف: يتم في هذه المرحلة إلقاء مجموعة من الأسئلة من المعلم، هدفها معرفة ما بذهن الطالب من معلومات عن الدرس الجديد، واكتشاف النقص والخطأ في هذه المعلومات. ولكن في هذه المرحلة يصل المدرس إلى حقيقة ثابتة هي أن هذه المعلومات التي عند الطالب هي خاطئة وغير صحيحة، ولكن لا يتم في هذه المرحلة تصحيح الأخطاء، ويتم إثبات عجز الطالب عن كشف الحقيقة وحثه على طلب المعرفة الصحيحة. المرحلة الثانية: مرحلة الاسترشاد: بعد أن يعرف الطلبة من خلال المدرس أن ما في حوزتهم من معلومات انه خطأ، تزداد رغبتهم في معرفة المعلومات الصحيحة، وهنا يستدرجهم المعلم حتى يصل بهم من خلال الحوار إلى المعلومات الصحيحة والصواب والمعرفة السليمة، ومهم في هذه المرحلة أن لا يلقي المعلم المعلومات الصحيحة على التلاميذ، بل يجعلهم بالسؤال والجواب يتوصلون إلى الحقيقة اعتمادا على أنفسهم. الكلمة الطيبة وعلاقتها بالحوار الله سبحانه وتعالى خلقنا، وخلق لنا السمع والبصر والفؤاد، والأيدي، والأرجل والعقل والقلب. وهذه كلها نعم عظيمة أنعم بها علينا، وقد منحنا الله هذه النعم من أجل أن نستعملها فيما يرضي الله تعالى. وأخطر هذه النعم وأهمها فيما يؤاخذ الله به، وفيما يتعامل الناس به، هو اللسان. فاللسان هو المعبر عما في القلب، فمكنون نفسك، يعبر عنه لسانك. والكلمة التي ينطق بها اللسان، لها خطرها، ولها شأنها في الدنيا والآخرة. والإنسان يمتاز عن غيره بالكلمة، والمسلم يعصم ماله، ويعصم نفسه، ويعصم عرضه ولا يجوز لأحد أن يناله بسوء في شيء من ذلك كله، وكتاب الله تعالى أفضل كلام ينطق به اللسان، هو أعظم الكلام على الإطلاق، فإذا نطقت بالكلمة من كتاب الله كان لك بكل حرف عشر حسنات. وأحاديث رسول الله كلها كلمات يستنير بها القلب، وتنشرح لها النفس وفيها منهجنا في الحياة وكيف نسير على ما يرضي الله سبحانه وتعالى. وقد حث ربنا سبحانه وتعالى عن قول الكلمة الطيبة بأنواعها في آيات كثيرة قال تعالى: "وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 104]. والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكلام الطيب وقال سبحانه أيضاً مؤكداً على ذلك "ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هي أَحْسَنُ" [النحل: 125]. بل إن الله دعا إلى الكلام الطيب حتى مع المخالفين في الدين والاعتقاد "وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ" [العنكبوت: 46]. إذن الكلمة الطيبة لها أهميتها وقيمتها. صفات المحاور: سلاسة العبارة وجودة الإلقاء وحسن العرض. حسن التصور عند المحاور؛ فلا تكون الأفكار متضاربة أو مشوشة. القدرة على ترتيب الأفكار وعدم التداخل. العلم؛ فالبعض قد يخذل الحق في شخصه؛ لضعف علمه, وهذا يحدث كثيراً خاصة في وسائل الإعلام عندما يتحدث باسم الإسلام شخص ضعيف العلم والفهم. الفهم مع العلم. الإخلاص والتجرد في طلب الحق. الحوار.. مجادلة لا مداهنة: في العالم اليوم دعوات كثيرة إلى الحوار: حوار بين الأديان ولا سيما النصرانية والإسلام، أو النصرانية واليهودية، وحوار بين أهل الديانات والمنكرين لها، وحوار بين الفرق الدينية داخل الدين الواحد، وحوار خاصٌّ بين المنتمين إلى الوطن الواحد من كل تلك الأنواع. الحوارات تتعدد بتعدد أغراضها: فمنها ما يكون هدف المحاور إقناع الآخر بأن اعتقاده أو رأيه أو موقفه هو الأحق بأن يتبع، ومنها ما يكون هدفه مجرد معرفة ما عنده؛ كي لا يكون هنالك سوء تفاهم بأن يَنسب إليه ما لا يرى أو يعتقد، ومنها ما يكون الغرض منه إمكانية الوصول إلى آراء أو أهداف مشتركة تساعد على التعايش والتعاون، وهكذا. والمسلم يرى كل هذه أهدافاً مشروعة، ولا يتردد في المشاركة فيها، ما لم يتّصل بها ما يجعل ضررها أكبر من نفعها. لكن الحوار لا يكون ناجحاً ولا يحقق شيئاً من تلك الأهداف التي وصفناها بالمشروعة إلا إذا توفرت فيه بعض الشروط، وإلا إذا خلا من بعض المفسدات. الشرط الأول: أن يكون المتحاورون صادقين مخلصين في الوصول إلى ما أعلنوا من أهداف، لا أن يكون الحوار مجرد وسيلة إلى أغراض أخرى يُضمرها أحد المتحاورَيْن أو كلاهما. الشرط الثاني: أن يستند إلى معايير يؤمن بها الطرفان؛ فإذا كان حواراً بين مؤمنين وملحدين كان المعيار هو العقل والحقائق العلمية المتفق على التسليم بها, وإذا كان بين مؤمنين بوجود الخالق أضيف هذا إلى تلك المعايير, وأضيف إليه أيضاً المحاكمة إلى حقائق دينية يؤمن بها كل من الفريقين. وإذا كان بين منتسبين إلى دين واحد كالإسلام مثلاً كانت المعايير مراجع دينهم الذي يؤمنون به. هذا هو الحوار كما يعرفه ويدعو إليه كل العقلاء من المفكرين من أهل الأديان وغير الأديان. ومن أعجب الكلمات التي ينبغي أن نقف عندها؛ كلمة الإمام الفذ الشافعي رحمه الله, وهو من كبار أساتذة التاريخ الإسلامي, في فنون الجدل, والمناظرة, وتأصيلها فقد كان يقول (ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه). هل لنا نصيب من هذه العبارة الحكيمة, وهل يوجد اليوم أحد من الناس يقول مقالة الإمام الشافعي رحمه الله قولاً وفعلاً؟ الإمام رحمه الله قال هذه الكلمة؛ لأنه واثق أنه سيقبل الحق إن ظهر له سواء عند نفسه أو الآخر, والمشكلة هي في الطرف الآخر الذي لا يقبل الحق إلا إذا قاله هو, ولن يقبله إذا خرج من الشافعي؛ لذا تمنى أن يظهر الله الحق على لسان محاوره حتى يقبله الجميع. هنا نلاحظ: صفاء نفس الإمام الشافعي. محبته لظهور الحق على لسان أي طرف خاصة لو كان المحاور. محبته لقبول هذا الحق الذي ينبغي أن يكون هدفاً. عدم قصد الإمام الشافعي لإحراج من أمامه؛ سواء بإظهار تناقضه أو ادعاء ما ليس له أو غير ذلك. فكرة العلو في الأرض أو التسلط على عباده غير واردة في جدول أعمال الإمام. كان من أقواله أيضاً (والله لقد تمنيت أن الخلق كلهم تعلموا هذا, وأنه لم ينسب إلي منه حرف واحد). يتبع ..
|
#10
|
|||
|
|||
أثر الحوار في التربية
أن من أهم الطرق لإعداد الأمة هو البناء التربوي التراكمي المؤصل، أن البناء التربوي التراكمي المؤصل يندرج تحته عدة معان: فهو أولا من البناء، والبناء يخالف الهدم فهو عمل إيجابي. ثم هو عمل تربوي، أي: يتعلق بتربية الأمة رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، شباباً وكهولاً، بنين وبنات، فهو بناء تربوي يدل اسمه على الفئة المستهدفة، والبرنامج المتخذ لتحقيق هذا الغرض. ثم هو أيضا تراكمي، أي أنه لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، وإنما يبنى بعضه على بعض حيث إن اللاحق يستند على السابق، والمتقدم يكون لما بعده ارتباط به. بمعنى آخر: عندما نضع نوعاً أو منهجاً من هذه المناهج يجب أن لا نجعل المناهج منفصلة أي ينفصل بعضها عن بعض بل ينبغي أن تكون مترابطة متماسكة، كترابط الجسم فكل عضو في الجسم له ارتباط بالعضو الآخر كما بين النبي صلى الله عليه وسلم فمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فهو يدل على الترابط الوثيق بين جميع أجزاء البدن، فكذلك البناء التربوي التراكمي هناك ترابط بين جميع أجزائه، وهو أيضاً يتصف بالمرحلية، ففي الوقت الذي هو مجموعة من الأجزاء في الوقت الواحد، فكذلك لا يمكن أن يكون في مدة معينة واحدة، وإنما في أوقات زمنية قد تستغرق سنوات عدة، بل قد يستغرق البناء التربوي التراكمي أحياناً عشرات السنين. بل إن المؤمن ما دام حياً فإنه يتلقى التربية حتى آخر لحظة من حياته. أما كلمة المؤصل، إنه بناء يعتمد على أصول عريقة، يعتمد على الأصلين الشريفين الكتاب والسنة وما استمد منهما من منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، فهو بناء مؤصل قاعدته ضاربة في الجذور عميقة في دلالتها ومنطلقاتها لا تهزها رياح؛ لأن هناك بناء تربوي تراكمي لكنه ليس مؤصلاً، مثلاً: كالبناء المبني على العرف أو العادة هذا يتغير بسرعة عندما ينتقل الإنسان من مجتمع إلى مجتمع، فإنه يتأقلم مع المجتمع الجديد وينسى ما كان عليه وربي عليه في المجتمع السابق؛ لأنه لم يرب تربية مؤصلة، أما المسلم الذي يربى تربية تراكمية مؤصلة فإنه في أي أرض كان، وفي أي زمن كان لا تتغير سيرته ولا منهجه ولا قناعاته، مادام قد ربي على منهج أصيل على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح. لا توجد أمة من الأمم يتم بناؤها إلا بالتربية الجادة بالتربية المؤصلة، فالتربية هي الأساس الذي تبنى عليه الأمم، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث أول ما بدأ عندما بلغ ودعا للتوحيد سراً كانت الوسيلة لتبليغ رسالة ربه وللقيام بالمهمة العظمى التي بعث بها هي التربية، فبقي ثلاث سنوات صلى الله عليه وسلم وهو يربي الأمة في دار الأرقم سراً، وعندما كون جيلاً صلباً وإن كان عدده قليلاً، ولكن التربية التي تلقاها كانت ضخمة ومؤصلة وقوية هنالك أعلن دعوته، حيث وجدت الأركان والدعائم التي تبنى عليها الأمة، وتكون منطلقاً للرسالة والدعوة. تقدّموا إلى الحوار، الرأس مرفوع والوجه مكشوف، فحرية الرأي تعني مسؤولية الرأي. والمسؤولية لا تكون من وراء قناع موضوع على اللثام. تقدّموا إلى الحوار بلغة الحوار. تقدموا إلى الحوار بعقلية من يذهب لمأدبة لا لمعركة. تقدموا إلى الحوار والفكر مفتوح مثلما القلب، لا عقدة نقص ولا عقدة تفوّق، لا بحث عن نصر اللهم إلا إذا كان النصر على الذات. تقدّموا للحوار بعقلية التبادل وليس بعقلية الفرض والإكراه والغلبة، بروح الرياضي الذي يحترم الآخر ويفرض عليه الاحترام. تقدّموا للحوار بأفكار تعتبرونها مجرّد أدوات لفهم عالم بالغ التعقيد متواصل التغيير والتعامل معه بأقصى قدر ممكن من الفعالية. تقدّموا للحوار بمنهجية مبنية على دقّة المعلومة ومتانة الحجة وخاصة بوعي حادّ لتعقيد كل المواضيع وقابليتها لقراءات مختلفة. تقدموا للحوار ورائدكم النزاهة عبر الاعتراف للآخر بحق الاختلاف وإمكانية أن يكون هو المصيب. تقدموا للحوار بنية استغلال ذكاء الآخر وخبرته إلى أقصى درجة لا بنية التفوق والانتصار عليه. في البدء كان الحوار: في البدء كان الحوار .. إذ وجد الحوار حتى قبل أن يوجد الإنسان. فحاور اللهُ جلّ وعلا ملائكته الكرام, ثم حاور من بعد ذلك آدمَ عليه الصلاة والسلام. والقرآن الكريم هو كتابُ الحوار، فالحوارُ هو المنهج القرآني المفضل لنقل المبادئ والأفكار. والحوار هو "الموعظة الواحدة" قال الله تعالى:"قل إنما أعظكم بواحدة ، أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكّروا" (سورة سبأ، الآية: 46). التفكر الثنائي هو حوار هادئ هادف، والتفكر الفردي هو حوار داخلي عميق مع النفس أمام مرآة الفطرة. المربي الناجح يحاور طفله في كل همومه، وفي جميع اهتماماته، بلغة محببة يفهمها الطفل. المربي الناجح لا يستهين بإمكانات طفله الفكرية، وبقدرته على الاستيعاب, فكل ما يتصل بالطفل لن يكون بسيطا على الإطلاق. إنّ روح الطفل متوثّبة تَوّاقة لاكتشاف جديد العوالم, والأب الحكيم والأم الحكيمة لا يضيقان ذرعاً بأسئلة طفلهما المتلاحقة, بل يجيبان عنها بعناية وبرحابة صدر، حتى لا يقتلا فيه روح الدهشة والتساؤل. بالحوار المنطقي السليم يستطيع الأبوان أن يثيرا اهتمام طفلهما, وأن يغرسا فيه القيم والأفكار. بالحوار يقدر الأبوان أن يُعلماه التفكير العميق والمنطق الحسن, وأن ينفيا عنه عقليّة البُعد الواحد. بالحوار تنغرس في نفس المربي الثقة بأن طفله يصاحبه متنقلاً في درجات سلّم الأفكار. يتبع .. [/font]
|
#11
|
|||
|
|||
الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة:
تُخاطب الحكمة عقل الطفل فتُقنعه, والموعظةُ الحسنة لا الخَشِنة تخاطب وجدانه فتُمتعه. فالأسلوبُ جزءٌ من الفكرة, والأسلوبُ الحسن يزيد الفكرة حُسناً, أما الأسلوب الخشن فيُضيع المضمون الحسن. وما أجملَ أن يُمهّدَ المربّي لموعظته بكلماتِ الحب, فيخاطبُ القلب بالمحبة, قبل أن يخاطب العقل بالمعرفة, مقتدياً بمنهج المربّي الأعظم صلى الله عليه وسلم حين وعظ معاذ بن جبل يوماً, فأخذ بيده وقال: ((يا معاذ, والله إنّي لأُحبُّك, أوصيك يا معاذ لا تَدعَنَّ في دُبُر كلّ صلاةٍ تقول: اللّهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أبو داود بسند صحيح. فقد مهدّ النبي صلى الله عليه وسلم لموعظته بإثارة اهتمام معاذ, وبتأكيده لمحبّته, باللمس إذ أخذ بيده و مستخدماً أداة النداء يا, ومنادياً له باسمه (معاذ), ومن منّا لا يتنبه وعيهُ عند ذِكر اسمه؟!. ثم أكد الحبّ مُقسماً بالله سبحانه (والله), وأكدّ ثانيةً بقوله (إني) وثالثةً بلام التوكيد (لَأحبُّك) ورابعة بذكر كلمة الحب التي يتفتّح لها كلُّ قلب! فما الذي بوسع معاذ أن يَصنع أمام هذا العطاء النبوي إلا أن يقول: لبيّك يا رسول الله؟.. نسأل الله تعالى الذي قدّر لنا محبته, ولم يقدّر لنا رؤيته, ألا يحرمنا منها يوم النعيم.. وليس للمربي أن يَمَلّ من تكرارِ الموعظة, ففي الوصيّة النبوية: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر)) رواه أبو داود. قد يتكرر الأمر بالصلاة في ثلاثِ سنواتٍ لأكثر من خمسة آلاف مرة. ومما يضاعفُ من أثر الحوار والموعظة, أن يأتيا في سياق سرد القصص، حيث تطلق هذه القصص العنان لخيال الطفل, وتنمّي لديه القدرة على التصوّر،وتغرس فيه العِبَر, وخيرُ من يقوم بهذا الدور هو الأم, وخاصة قبل النوم.. الحوارات الأسرية: الحوار من الأساليب التربوية المهمة؛ ذلك لأن الكلمات المؤمنة والأحاديث الطيبة لها أثر في النفوس، وتترك بصماتها في الأفئدة والعقول؛ ولهذا أمر الله تعالى نبيه بالحوار فقال: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ النحل، الآية: 125. فحاور عليه أفضل الصلاة و السلام وجادل بالحكمة والموعظة الحسنة؛ بل جعل الكلمة الطيبة التي هي وحدة بناء الحوار نوعاً من الصالحات، وضرباً من ضروب الطاعات والقربات، فقال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة" رواه مسلم. وقد عُني القرآن الكريم بالحوار عناية بالغة، حيث بلغ عدد المرات التي كررت فيها "قال" أكثر من خمسمائة مرة، وهذا أمر لا غرابة فيه؛ إذ إن الحوار هو الطريق الأمثل للإقناع، والإقناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يفرض فرضاً، وإنما ينبع من داخل الإنسان؛ ومشكاة النبوة قد تضمنت أيضاً الكثير من الحوارات التي حاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بكلمات نورانية تأسر القلوب وتقنع العقول وتعظ النفوس. والأسرة المسلمة أولى المحاضن التربوية في الإفادة من أسلوب الحوار في غرس المفاهيم التربوية وتثبيت وتقوية الأسس العقدية وبناء الشخصية الإسلامية، والوقاية من نزغات الشيطان التي تطرأ على اللسان لا سيما وقد كثرت المشكلات الأسرية التي قد يكون من أسبابها في أحيان كثيرة، كلمة طائشة وعبارة نابية وحوار غاضب ولغ فيه الشيطان فكان بعد ذلك النزاع والخلاف والشقاق الذي انتهى بدوره إلى هجر وفراق؛بل ربما تحول إلى طلاق! والذي ينظر إلى حوارات السلف الصالح التي كانت تدور في بيوتهم يجد فيها نفائس إيمانية ولطائف تربوية ينبغي أن تكون منهجاً لنا في حواراتنا مع أهلينا، نقتبس من مشكاتها ونسير على ضوئها أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. أخطاء يكثر وقوعها في الحوارات الأسرية: الحوار في ظروف غير مناسبة. الاستئثار بالكلام. عدم ضبط النفس عند الحوار. عدم الاعتراف بالخطأ. الحوار التربوي في البيت والمدرسة: لعل ما يدعو إلى الحوار مع الأولاد (بنين وبنات) داخل المدرسة والبيت هو الإيمان بهدف نبيل وهو تحقيق التقبل عن طريق التواصل اللفظي وغير اللفظي مع الأولاد، وهذا يتحقق عن طريق الحوار الإيجابي الذي يتيح فرصة لنمو الأولاد وبناء شخصياتهم بعيداً عن اللوم والحكم المتسرع والتوجيه الجاف وغرس الكبت والعداء في نفوس الأولاد. إنّ الاختلاف بين البشر أمر وارد والحوار المحمود من شأنه تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل وسط يرضى به المحاورون. فوائد الحوار التربوي: يعزّز استراتيجيات بناء العلاقات الإيجابية بين الوالدين والأولاد من جهة وبين الأولاد ومنسوبي المدرسة من جهة أخرى حيث يؤكّد الاحترام المتبادل والتقبل ونبذ الصراع. يبني ويعزز ثقة الأولاد بأنفسهم ويؤكد ذواتهم وينمّي استقلاليتهم، ويشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم وهذا من أهم أهداف التوجيه والإرشاد الطلابي. يدرب الأولاد على تقبل الاختلاف مع الآخرين وأن ذلك لا يُعدّ تهديداً لهم. يدرّب الأولاد على تحقيق وتقرير مبدأ القيم المقبولة فهو مناخ ممتاز لتعديل السلوك. ينمّي المبادرة والمنافسة، وحب الاكتشاف فهو تنمية للروح الاجتماعية حيث يساعد في التغلب على الخوف الاجتماعي والخجل، ويعطي مناعة ضد ذلك مستقبلاً. يظهِر الحوار، للآباء والمعلمين والمرشدين بشكل صريح أو بشكل إسقاطي، ما يعانيه الأولاد من مشاعر عدائية أو قلق أو خوف أو صراعات نفسية وإحباطات وكبت، وهذه فرصة يجب أن تنتهز لعلاج تلك المشكلات ودعم النمو الانفعالي واستنطاق المشاعر والتنفيس ومن ثمّ العلاج. وهذا من صلب العملية الإرشادية. يساعد الأولاد على تصحيح أخطائهم بأنفسهم بالاقتناع نتيجة التعلم. يساعد على رفع مؤشّر التحصيل الدراسي حيث يفرغ كثيرا من المكبوتات كما أن ما يسقطه من فلتات اللسان قد يوظف إرشادياً مما يدعّم التحصيل الدراسي إيجابيا. يساعد الطالب على اكتساب أصدقاء جدد قد يهدونه إلى ما فيه الخير. الحوار يدعّم فعالية التوجيه والإرشاد إذْ أن المقابلات الإرشادية تستهل بالحوار كما أن المقابلة تستخدم فنيات (مهارات) أساسية كالإصغاء والاستماع والنظر والصوت والأسئلة…الخ وهذا يتم في الحوار الإيجابي أيضاً. تعليم المحاورين الشجاعة النفسية في القبول عند ظهور الدليل من المحاور الآخر. توظيف الحوار تربوياً: على المربين من الآباء والأمهات والمرشدين والمعلمين أنْ يراعوا النقاط الآتية: أن يكونوا قدوة صالحة يحتذى بها في الحوار وتطبيق أصوله. اتخاذ الوسائل المعينة في تعديل السلوك، وعدم التركيز على جوانب القصور لدى الأولاد وعدم نقدهم وتحقيرهم. إعطاء الفرصة بشكل أكبر للأولاد للمحاورة والتشجيع على ذلك لأن كثرة كلام الأب تقلل فرص استماع الولد إلى الكلام. على المربين تحرّي الصدق في طرحهم أثناء الحوار وفي سلوكهم دائما وعدم التناقض الانفعالي. على المربين انتهاج النهج العلمي التربوي السليم في التعامل مع الأولاد. على المربين أن يجعلوا الجو المحيط بالأولاد جواً ودياً دافئاً بعيداً عن التسلط أو التسيّب؛ جوّاً يسوده فهم المشاعر وتقديرها وتنميتها، وتوظيف التفاعلات المنطقية المقبولة، ومن شأن ذلك تحقيق النمو الشامل والتركيز على التواصل الإيجابي المبني على التقبل بصفته أهم قاعدة لإنشاء علاقة إيجابية في ضوء التواصل اللفظي وغير اللفظي البنّاء. على الوالدين التخلّص من الشعور بالدونيّة عندما يتحاوران مع أولادهما. المحاولة الجادة من قبل المربين للتعرف عن طريق الحوار على الدوافع الداخلية لسلوك الأولاد في البيت والمدرسة، ومن ثمّ إشباع حاجاتهم وعلاج مشكلاتهم. على المربين تقديم الثواب الفوري ، والاستمرار في التعزيز عندما يمارس الأولاد الحوار. على المربين التنبّه لطبيعة الحوار إذ أن حوار الصغار يتطلّب الدخول في علاقة تفاعلية تشاركهم نفس المشاعر وفق الإصغاء والتقبّل والتشجيع على التعبير عن المشاعر ليستمر المحاور الصغير في قول المزيد دون توجيه أو دون اللجوء إلى المنطق العقلي. أمّا حوار المراهقين فهو مزيج ممّا ذُكر، وتوظيف المنطق العقلي معاً، مع التذكر أن الهدف بنائي. على المربين أن يوجّهوا الأولاد إلى انتهاج الأسلوب القرآني في الحوار. على المربين أن يتذكروا أن الحوار وسيلة تربوية فعّالة في الإقناع، وبالتالي تغيير الاتجاه نحو الأمور ومن ثمّ تعديل السلوك وفقَ النسق المراد. تعليم الأولاد بالقدوة أن يقول أحدهم (لا أدري) عندما لا يعرف الإجابة. وذلك في ثنايا الحوار معهم. لإنهاء الحوار بطريقه تربوية مثمرة يجب ألا يٌنظر على انه هناك خاسر ورابح أو فرض سلطه وأوامر فقط. يتبع ..
|
#12
|
|||
|
|||
مكانة العلماء
أولاً: القرآن الكريم: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) 9 (الزمر) (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) 11 (المجادلة) (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر .ذلك خير واحسن تأويلا) 59 (النساء) قال ابن عباس وغيره من المفسرين والإمام احمد بن حنبل أولوا الأمر هم العلماء. ثانيا: السنة النبوية: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن اخذ به أخذ بقسط وافر) رواه الترمذي ثالثا: مواصفات وشروط العالم: يقول ابن قيم الجوزيه في أعلام الموقعين عن رب العالمين: (لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالماً بما يبلغ وصادقاً فيه ويكون حسن الطريقة مرضي السيرة عدلاً في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله) ويروي صالح ابن الإمام احمد عن أبيه فيقول: (ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على أن يكون عالماً بوجوه القران عالماً بالأسانيد الصحيحة عالماً بالسنن وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها) ويقول الإمام الشافعي فيما رواه الخطيب: (لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وتنزيله ومكيه ومدنيه وما أريد به, ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن, ويكون بصيراً باللغة العربية, ويكون بعد ذلك عارفاً بما اختلف فيه أهل الأمصار, وتكون له قريحة بعد هذا, فإذا كان كذلك فله أن يتكلم ويفتي, وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي) رابعا: مصير من يتكلم في العلماء: كل إنسان يتكلم في العلماء بطريقة شخصية وغير علمية بقصد الطعن والتشكيك إنما يريد بطريقة غير مباشرة أن ينسب لنفسه أو لشيخه الكمال فيجهل وينسى أن الكمال لله وحده وانه لا عصمة لبشر إلا الرسول صلى الله عليه وسلم, والذي ينقص هؤلاء كثير من العلم وكثير من الأدب وفقدهما فقد كل شيء. نقل عن السلف انهم قالوا: (كل علم لا أدب فيه لا منفعة فيه) قال الإمام مالك لأحد طلاب العلم: (يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم) |
#13
|
|||
|
|||
في حوار الله مع الشيطان: من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان، تبرز حقيقة الثواب والعقاب، الخير والشر، الإيمان والكفر. وما كان لصورة هذه الحقيقة أن تكتمل من دون هذا الحوار؛ وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر.
في حوار الله مع الأنبياء: تبرز حقيقة الإعجاز الإلهي: (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيِ الموتى قال أولم تؤمن قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي، قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم). سورة (البقرة)، الآية 260. في حوار الله مع عباده: تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: (قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرًا، قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). سورة (طه) ، الآيتان 125- 126. في حوار الأنبياء مع الناس: تبرز حقيقة التربية الإلهية، حيث ورد في الآية الأولى من سورة (المجادلة): (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)، كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: (ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت قال أنا أحيِ وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين). سورة (البقرة)، الآية 258. في حوار الناس مع الناس: تبرز حقيقة الجشع الإنساني: " فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفرًا" سورة (الكهف)، الآية 34. تبيِن الآيات الكريمة السابقة أن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع، وفي الفكر، وفي الاجتهاد، وفي الرؤى، وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حد ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق، ومظهرا من مظاهر عظمته وتجلياته. وفي القرآن الكريم نصوص كثيرة متشابهة كلفظ الجدال, والمخاصمة, والمحاجة. لكن لفظ الحوار له خصوصية ومزية, وقد ورد في القرآن في ثلاثة مواضع: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (الكهف:34) (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37) (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1) ولفظ الحوار في القرآن غير مقيّد, والله عز وجل سمى فعل المرأة (مجادلة) وهي تذكر زوجها, ولما اشترك معها النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفعل محاورة. ومن ألصق معاني الحوار أو الحور هو التردد والرجوع, وذلك يكون بالذات أو بالفكر ومنه «اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَور» أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو النقص في الحال بعد الزيادة. والمحاورة والحوار هي المراددة في الكلام ومنه التحاور. فالحوار فيه معنى ترداد الفكر في العقل, والأخذ والرد, وفيه معنى الاستعداد لدى الإنسان للرجوع إلى الحق إن استبان له. وهذا معنى شريف في لفظ الحوار، ولا يستلزم ذلك الرجوع من قول لآخر, لكن يحدث الإنسان نوعاً من التحوير أو التعديل أو ينظر في دقة وتحرير ما قاله. إذن الحوار فيه نوع من الرجوع, وعدم الاستئثار بالرأي دون الطرف الآخر, وفيه نوع من الملاينة في الكلام, والملاطفة, بخلاف المجادلة والمحاجة. وفيه نوع من رفع سقف المناقشة قدر الطاقة بين المتحاورين. فالحوار ليس جدالاً ولا مقارعة ولا منابذة في ميدان قتال تراق فيه دماء المتحاربين بسيوف الألفاظ النابية والفكر المعقد والمسلك المتشنج. فهناك تلازم بين الحوار والأدب, بين الحوار واللطف, بين الحوار واللغة الراقية! وهذا كله من شأنه أن يجعل الحوار يؤتي أكله, ويصل إلى أهدافه من بيان الحق, وإقناع الآخر به. يتبع ..
|
#14
|
|||
|
|||
الخاتمة
يقول الدكتور القرضاوي: قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) 125 (النحل) فالجدال بالتي هي أحسن هو الحوار، ولكن الإسلام لم يكتفِ بالأمر بالحوار، ولكن أراده أن يكون حواراً بالطريقة التي هي أحسن، بمعنى أنه لو كانت هناك طريقتان إحداهما حسنة جيدة في الحوار والأخرى أحسن منها وأجود، فالمسلم مأمور أن يحاور بالطريقة التي هي أحسن وأجود، يختار أفضل الطرق وأرقى الأساليب للحوار مع الآخرين، في حين أن القرآن قال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) في حال الموعظة اكتفى بأن تكون حسنة، وفي حال الجدال لم يرض إلا بأن يكون بالتي هي أحسن، لماذا؟ لأن الموعظة تكون مع الموافق والجدال أو الحوار يكون مع المخالف ففي الموافق يكفي أن تكون الموعظة حسنة، لكن إذا أردت أن يعني تحاور المخالفين فينبغي أن تحاورهم بالتي هي أحسن، وهذا ما قاله القرآن في حوار أهل الكتاب، قال: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) 46 (العنكبوت)، أشار القرآن هنا إلى عملية مهمة جداً ومن أهم الأشياء في الحوار والجدال، وهي التركيز على القواسم المشتركة. لاشك أنك مع المخالفين هناك نقاط تميز ونقاط اختلاف، فلا تركز في الحوار على هذه النقاط التي تميز بينك وبين غيرك، لأن هذا يبعد ولا يقرب، إذا أردت أن تُقرب الآخرين منك فركز على نقاط الاتفاق. إن الأسرة المسلمة يمكن أن تجني من الحوار منافع عظيمة وفوائد عديدة: بالحوار يمكن أن نغرس الإيمان بالله عز وجل. بالحوار يمكن أن نحل خلافاتنا ونتغلب على مشكلاتنا. بالحوار يمكن أن نعلم أولادنا الصدق في القول والأمانة في العمل. بالحوار يمكن أن نقوم الأخطاء ونصحح المسار. بالحوار يمكن أن ندعو لكل خير وننهى عن كل شر. أدعو الله، جلت قدرته، أن أكون قد وفقت في معالجة موضوع هذا البحث، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .. وإن كنت أخفقت فحسبي أني اجتهدت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. =========== [ منقـــول ] =========== إعداد : الأخت / قرآن الفجر منتدى التوحيد |
#15
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً على هذا النقل الطيب الذي نحتاج ان نستفيد منه٠
|
#16
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احسنت احسن الله اليك |
#17
|
|||
|
|||
فتح الله عليكم
|
#18
|
|||
|
|||
جزاك الله خير وشكرا الك على هذا الموضوع الجميل |
#19
|
|||
|
|||
مشكوووووووووووووووور
مشكووووووووووووووووووور
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووور |
#20
|
|||
|
|||
شكرا اخواني علي الموضوع الرائع
ننتظر منكم المزيد |
أدوات الموضوع | |
|
|