سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإعتراف بالخطأ
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الاعتراف بالخطأ

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]هو فضيلة يفتقر إليها الكثير من الناس ، بل إنه شجاعة يقدم عليها المنصف الجدير بالاحترام . فمن اعترف بخطئه أقرَّ بإنسانيته . فالإنسان خلق من عَجَل ، وفيه عنصر الخطأ ، ومن أقرَّ بخطئه قمين أن يصلح ما أفسده . أما الذي يخطىء ، ويدعي العصمة ، ولا يقرُّ بما اقترفَ ففيه لؤم ولا أمان له .

ـ فهذا أبونا آدم وأمنا حواء ، حين انجرّا وراء إبليس بعد أن أقسم لهما أنه صادق ، فأكلا من الشجرة ، وبدت لهما سوءاتهما اعترفا بالخطأ ، فأقرّا بذنبهما ،قال تعالى:
{ [COLOR="green"]قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [/COLOR](23)} (الأعراف) ،
وقد عفا الله تعالى عنه وزوجته حين أقرا بالخطأ ،قال سبحانه:
{ [COLOR="green"]فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[/COLOR] (121) [COLOR="green"]ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [/COLOR](122)}(طه) .

ـ وهذه امرأة العزيز حين أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا إذا بُرِّئَت ساحتُه ، يستدعيها ، وصاحباتها الملكُ ويسألهن ،قال تعالى :
{ [COLOR="green"]قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ
قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ
قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَـصَ الْحَـقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَـنْ نَفْـسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [/COLOR](51)
[COLOR="green"]ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [/COLOR](52) }(يوسف) .

ـ هذا سيدنا موسى عليه السلام يستنجده اليهودي في خصامه مع القبطي ،قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا
فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ[/COLOR]
[COLOR="green"]فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ[/COLOR] (15)
[COLOR="green"]قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[/COLOR] (16)
[COLOR="green"] قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ[/COLOR] (17) }(القصص) .
1ـ علم موسى أنه أخطأ ، ولم يكن يقصد قتل القبطي .
2ـ نسب هذا الفعل إلى الشيطان ، ووسوسته .
3ـ استغفر ربه وأناب إليه ، فتاب الله عليه .
4ـ عاهد ربّه أن لا يعود إلى مثل هذه الأمور .
وعلى هذا فإن موسى عليه السلام حين أتى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده استنكر فرعون أن يكون القاتل نبياً ، وذكَّره بقتله القبطي ، قال تعالى :{ [COLOR="green"]وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [/COLOR](19) }(الشعراء)، فما كان من موسى عليه السلام أن اعترف بذلك ، قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ[/COLOR] (20) [COLOR="green"]فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [/COLOR](21)}(الشعراء) .
ونسي فرعون ، أو تناسى أن موسى عليه السلام قتل المصري خطأ أمّا هو فطاغية مجرم قتل عشرات الآلاف من المصريين ، واستعبد بني إسرائيل ، وكان يقتل المواليد من الذكور لِحُلُم رآه ـ قتلهم عن قصد ـ لكنّ الإنسان لا يرى ذنبه مهما كبر ، ويرى ذنب غيره مهما صغر .

ـ وذهب موسى مع الرجل الصالح ليتعلم منه ( في قصة موسى مع الخضر في سورة الكهف ) فلما استعجل العلم مرتين ، مرّة في خرق السفينة ، ومرّة في قتل الغلام رأى في المرة الثالثة أنّه أخطأ ، قال تعالى : { [COLOR="green"]قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا [/COLOR](76) }(الكهف) .

ـ والله سبحانه وتعالى وعد المخطئين الذين فعلوا ما فعلوه عن جهل ، وسوء تقدير ، ثم استدركوا ، فتابوا ، بالمغفرة والرحمة ، { [COLOR="green"]ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [/COLOR](119) }(النحل) .

ـ وهؤلاء أصحاب الجنة لم يكونوا كأبيهم كرماً ، وفضلاً ، وإحساناً فبخلوا على الفقراء أن يعطوهم نصيبهم ، فاتفقوا على قطف ثمارها وبيعها قبل مجيئهم ، فأحرق الله زرعها نكاية بهم ، وجزاء لهم على شحهم ، وبخلهم ، قال تعالى:
{ [COLOR="green"]قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ [/COLOR](28) [COLOR="green"]قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [/COLOR](29) [COLOR="green"]فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ[/COLOR] (30) [COLOR="green"]قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ[/COLOR] (31) [COLOR="green"]عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ [/COLOR](32) }(القلم).
فاعترفوا بخطئهم ، وأنابوا إلى ربهم واستغفروه ، وأقروا بظلمهم المساكين ، وظلمهم أنفسَهم .

ـ هؤلاء أقروا بما فعلوا في الدنيا ، وما زال في الوقت متسع وإن أنابوا واستغفروا رضي الله عنهم ، ولكنْ في الآخرة لا ينفع الندم ، ولا يفيد الاستغفار ، ففي الدنيا عمل ، وفي الآخرة حساب ، قال تعالى : { [COLOR="green"]وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [/COLOR](12)}(السجدة) .
فبماذا يجيبهم الله سبحانه وتعالى ؟ إنه سبحانه يعاقبهم ويوبخهم : { [COLOR="green"]فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [/COLOR](14)}(السجدة) .
وهؤلاء المجرمون ، وهم في العذاب الشديد يدعون على أنفسهم ، فهم الذين أوقعوها في جهنّم ، فيخبرهم الله تعالى أنه يكرههم ، ويمقتهم أكثر مما يكرهون أنفسهم ويمقتونها :
{ [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [/COLOR](10) [COLOR="green"]قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ[/COLOR] (11) [COLOR="green"]ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [/COLOR](12)(غافر) .

ـ وتعالَ معي من قريب نلحظ هذه الصورة ، وهذا النقاش بين ملائكة العذاب ، والكفار الذين اعترفوا بما اقترفوا ، قال سبحانه :
{ [COLOR="Green"]وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [/COLOR](6) [COLOR="green"]
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ[/COLOR] (7)
[COLOR="green"]تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ
كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [/COLOR](8)
[COLOR="green"]قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ[/COLOR] (9)
[COLOR="green"]وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ[/COLOR] (10)
[COLOR="green"] فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ[/COLOR] (11)}(الملك) .

فالاعتراف إذاً بالخطأ وفي الوقت المناسب ينجي من اقترفه في الدنيا حين يسامحه من أساء إليهم أما الاعتراف في الآخرة ، فهو على نوعين :
الأول : الخطأ في العقيدة كالكفر بالله والشرك به ، فهذا لا غفران له .

الثاني : الخطأ في التصرف ، فالله غفور رحيم نسأله أن يغفر لنا خطايانا أَنْ كنا من المؤمنين .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التعريض والتلميح
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التعريض والتلميح

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]عرّضَ في حديثه : لم يبيّنْه ولم يصرّح به .
وعرّضَ له وبه : قال قولاً وهو يعنيه ، ويريده ، ولم يصرّح به .
ولمَّحَ إلى الشيء تلميحاً : أشار إليه ، وقديماً قالوا : ( [COLOR="Red"]ربّ تلميح أوقع من تصريح [/COLOR]) ، وقالوا كذلك : ( [COLOR="red"]إياكِ أعني واسمعي يا جارة [/COLOR]) .

وللتعريض فوائد عديدة ، منها :

1ـ التنبيهُ دون الاتهام والتجريح .
2ـ التراجع عن الشيء دون حرج " حفظ خط الرجعة " .
3ـ تقبّل النصيحة دون فضيحة .
4ـ إيصال الأمر مغلفاً باللطف والأدب .
5ـ التعميم في الحديث دون لفت النظر إلى المعنيّ به .
6ـ المديح والتعظيم للعمل الطيب وأصحابه .
7ـ الجهل بالفاعلين ، أو القائلين ، وإظهار الرضا ، أو الامتعاض .
8ـ الذمّ والتحقير . .

وقد حرص القرآن الكريم ـ وهو يعلمنا ـ على هذا الأسلوب ، لما فيه من تلك الفوائد وغيرها .

ـ فهو على سبيل الجهل بالقائلين وذمّ مقالهم يحدثنا عن الكثير من الناس الذين لا يصل تفكيرهم أبعدَ من أرنبة أنوفهم ، فيطلبون الخير الزائل ، والمكسب القليل النافد فقط ، وهم بذاك يقطعون على أنفسهم الفضل العميم الزائد المستمر ، وعلى نفسها جنت براقش ، قال تعالى: { .....[COLOR="Green"]فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[/COLOR] (200)}(البقرة) .

ويمدح مباشرةً أصحاب العقول الراجحة ، والنظرة الثاقبة الذين تتحرك قلوبهم ، وأفئدتهم نحو النعيم المقيم ، والخير الأبدي ، إلى رضى الله وجنته : { [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [/COLOR](201) [COLOR="green"]أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [/COLOR](202) {(البقرة).
لم يحدد الطرفين ، ولكنهم كثير { [COLOR="green"]الناس[/COLOR] } كمٌّ هائل ، ولفظ عام ينضوي فيه ابناء آدم إلى يوم القيامة .

ـ ومن الأمثلة على التعريض والتلميح في التوبيخ والذم قوله سبحانه : { [COLOR="green"]الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[/COLOR] (173) [COLOR="green"]فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ[/COLOR] (174) [COLOR="green"]إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [/COLOR](175)}(آل عمران) .
فقد أصاب المسلمين يوم أحد جراحات . . فما إن عادوا إلى المدينة حتى أرجف المنافقون فيها ـ وهم لفظ { [COLOR="green"]الناس[/COLOR] } الأول ،أما المشركون فلمّح إليهم لفظ { [COLOR="green"]الناس[/COLOR] } الثاتي ، وقد فكر المشركون أن يعودوا إلى المدينة ليستأصلوا المسلمين . . فماذا فعل المسلمون وماذا قالوا ؟ :

1ـ ازداد إيمانهم بالله لأنهم واثقون بنصره إياهم .
2ـ لجأوا إليه ، واعتمدوا عليه ، وتوكلوا عليه ، وهو سبحانه لا يخيِّبُهم .
3ـ ألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين ، فانكفأوا عن المدينة إلى مكة ، وعاد المسلمون
راضين مطمئنين . فالشيطان يخوّف أولياءه ، وليس له سلطان على أولياء الله تعالى .
لكنَّ المسلمين جميعاً عرفوا المقصود من كلمة { [COLOR="green"]الناس[/COLOR] } الأولى ، وكلمة { [COLOR="green"]الناس[/COLOR] } الثانية ، وكذلك عرف المنافقون أنهم قد عُرِّضَ بهم ، فخنسوا وذلّوا . . .

ـ ومن الأمثلة على التعريض دون التصريح في التحقير والذم قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [/COLOR](204)
[COLOR="green"]وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [/COLOR](205)
[COLOR="green"]وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [/COLOR](206) {(البقرة).
فبعض المنافقين يروق للناس كلامهم ، ويثير إعجابهم بخلابة ألسنتهم وبلاغة بيانهم ، لكنَّ الله تعالى لا تجوز عليه سبحانه مثل هذه الأمور لأنه علام الغيوب ، المطلع على السرائر ، هؤلاء المنافقون يُشهِدون الله ـ زوراً ـ على صلاحهم المزعوم وكلامهم المعسول ، فإذا انصرفوا عن المسلمين عاثوا في الأرض فساداً ، فأحرقوا الزرع ، وأهلكوا النسل .
وإذا وُعظ هؤلاء الفجرة الأفّاكون ، وقيل لهم : اتقوا الله ، وانزعوا عن أقوالكم وأفعالكم القبيحة حَمَلَتْهم الأنَفَةُ ، وحميّة الجاهلية على الإغراق في الفساد ، والإمعان في العناد ، فعقوبتهم النار ، أعاذنا الله من عذابها .

ـ أما المؤمنون الأتقياء ، فهم بريئون ممّا يفعل أولئك ، بل إنهم يبيعون نفوسهم لله سبحانه ، يرجون ثوابه ، ويبتغون مرضاته ، وهؤلاء هم الذين سيرحمهم الله ، ويغفر لهم ، فهو الرؤوف الرحيم بحالهم ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم ، { [COLOR="green"]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[/COLOR] (207) {(البقرة) .

ـ ومن الأمثلة على التعريض يالمفسدين علماً بما يفعلون ، وتحذيراً منهم قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [/COLOR](6) [COLOR="green"]وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [/COLOR](7)}(لقمان) .
فكل من يشتري ما يلهي عن طاعة الله ، ويصد عن سبيله ، مما لا خير فيه ، ولا فائدة نحو السمر بالأساطير ، والتحدث بما يضحك ، وما لا ينبغي ، ليضل الناس عن طريق الهدى ، ويبعدهم عن دينه القويم بغير حجة ولا برهان ، ويستهزىء بكتاب الله له عذاب شديد مع الذلة والهوان .
فإذا أفهمته ما يجب أن يفعل ليكون من عباد الله المتقين ، ونهيته عن مباذله ومفاسده صك أذنيه ، وأدبر متكبراً كأنه لم يسمعها ، ويتغافل عنها ، راغباً عنها ، فلهذا ولأمثاله عذاب أليم .
والآيات التي استشهدنا بها بدأت كلها بقوله : { [COLOR="green"]وَمِنَ النَّاسِ [/COLOR]} دون أن يحددهم للأسباب التي ذكرناها . وأصحابها يعرفون أنفسهم ، فيغتاظون ، والمسلمون يعرفونهم ، فيحذرونهم ، ويتجنبون الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء .

ـ ومن الأمثلة على التعريض توبيخاً ، وذمّاً ، وتقريعاً قوله تعالى في المنافقين :
{ [COLOR="green"]أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [/COLOR](29)
[COLOR="green"]وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [/COLOR](30)}(محمد) .
فهؤلاء المنافقون يعتقدون أن الله تعالى لن يكشف للمؤمنين شكهم ونفاقهم ، وأنّه لن يظهر بغضهم وحقدهم على المسلمين . . بل إنه ـ سبحانه ـ فاضحهم ، وكاشفُ أمرهم ، ولو أراد الله سبحانه لعرَّف لرسوله عليهم بأشخاصهم ، وعلاماتهم . . كما أنهم يكشفون أنفسهم في طريقة كلامهم وأسلوب عرضه وتعريضهم بما يسيء للإسلام والمسلمين .
والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوب عباده كلهم ، شاكرهم ، وعاصيهم ، مؤمنهم وفاجرهم ، وقوله : { [COLOR="green"]وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [/COLOR]} هو التعريض والتلميح نفسه ، فلحن القول عدم التصريح به .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/القصد والإعتدال
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

القصد والاعتدال

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] قالوا قديماً : ( [COLOR="Red"]خير الأمور أوسطها[/COLOR] ) والوسطُ : الاعتدالُ ، فهو يأخذ من الطرفين المختلفين أحسن ما فيهما ، ويترك سيئهما ، فيجمع الخير منهما ، ويُسقط ما عدا ذلك .
وقال رسول الله حاثّاً على التأنّي : ( ...[COLOR="Magenta"]فإن المنبَتّ لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقى [/COLOR]) (رواه جابر/الدرر السنية).
وحين كلفنا الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا سوى ما نستطيعه ، فقال سبحانه : { [COLOR="Green"]َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [/COLOR]...(16)}(التغابن) ، فلم يرهقنا ، ولم يأمرنا بما يقصم الظهر ، ويهدُّ الكاهل ، بل ما نقدر عليه لنقوم بفروض الطاعة وقد قيل : ( [COLOR="Red"]إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع [/COLOR]) .
وحين نزلت الآية :
{ [COLOR="green"]لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [/COLOR](284) }(البقرة)
جثا المسلمون على ركبهم ، وأكل الخوف قلوبهم ، فما من أحد إلا والأفكار تساوره من كل مكان ، ويخطر على بال أحدهم ما يُسْلِمُ عنقه للقطع ، ولا يبوح بما خطر على باله ، فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( [COLOR="Magenta"]أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ ، بل قولوا [/COLOR][COLOR="green"]سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير[/COLOR]) (أبو هريرة /صحيح مسلم)، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى قوله :
{ [COLOR="green"]آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [/COLOR](285)}(البقرة) .
فارتاحت قلوب المسلمين ، وهدأت نفوسهم ، ورجوا من ربهم التيسير ، فنزلت الآية الأخيرة من سورة البقرة :
{ [COLOR="Green"]لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [/COLOR](286)}(البقرة).

ـ والقصد في كلِّ شيء عنوان المسلم ، فلا يذهب يميناً ، ولا يذهب شمالاً ، بل يكون معتدلاً في كل تصرف من تصرّفاته . . قال تعالى على لسان لقمان يعظ ابنه :
{ [COLOR="green"]وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [/COLOR](18)
[COLOR="green"]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [/COLOR](19)}(لقمان) .

ـ وقال الله سبحانه في سورة الإسراء :
{ [COLOR="green"]وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [/COLOR](30)}(الإسراء ) .
{ [COLOR="green"]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [/COLOR](33)
[COLOR="green"] وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا[/COLOR] (34)}(الإسراء) .
{ [COLOR="green"]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [/COLOR](37)
[COLOR="green"]كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [/COLOR](38) }(الإسراء).

1ـ لا ينبغي للمسلم أن يكون بخيلاً شحيحاً ، ولا مبذراً مسرفاً :
{ [COLOR="green"]إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [/COLOR](27) }(الإسراء) ، والتبذير في معصية الله والباطل يجعل صاحبه مثل الشيطان .
2ـ فمن بخل ، أو أسرف صار مذموماً من الخالق والخلق ، منقطعاً من المال .
3ـ وأنّ القتل إجرامٌ حرّمه الله ، وعاقب عليه أشدَّ العقاب ، ولا يكون القتل إلا في ثلاثة مواضع معروفة ، أوجبها الله .
4ـ وأنّ من قُتل ظلماً بغير حق يوجب قتله ، فقد جعل الله لوارثه سلطة على القاتل بالقصاص منه ، أو أخذ الدية ، أو العفو ، فلا يتجاوز الحد المشروع بأن يقتل غير القاتل ، أو يمثل به ، أو يقتل اثنين بواحد فِعْلَ أهل الجاهليّة ، وحسبه أن الله نصره على خصمه ، فلا يتجاوز حدّ القصد ، والاعتدال .
5ـ وأن التصرف الحسن بمال اليتيم تثميره وحفظه ، أما أكله فهو ظلم كبير:
{... [COLOR="green"]وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [/COLOR](2)}(النساء) .
{ [COLOR="green"]وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ[/COLOR] . . .(6)}(النساء)،
فجاز الأكل من مال اليتيم بالقدر القليل ، فلا يفنيه أو يأكل منه كثيراً .
6ـ وأن السير الذي يرتضيه الله تعالى ما ليس فيه فخر ، ولا كبرياء ، ولا تعاظم ، ولا مباهاة .
ـ كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام رسول يبلغ رسالة ربّه ، ويدعو إلى الإيمان به والعمل بما يرضيه ، وهناك من يؤمن به ، فيفرح وترتاح نفسه ، وهناك مَنْ يكفر به ، ويأبى الإيمان ، فيحزن الرسول الكريم ، ويتألم لإعراضهم ، ويشتد حزنه ، فينبهه الله تعالى أن لا يشغل باله فيهم كثيراً ، ويهلك نفسه لإعراضهم :
{ [COLOR="green"]فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [/COLOR](6)}(الكهف) .
{ [COLOR="green"]لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [/COLOR](3)}(الشعراء) .
{... [COLOR="green"]فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ[/COLOR]....(8)}(فاطر) .
فالحزن إذاً من شيمة المسلم الحساس ، وهذا أمر إيجابي ولكنْ حين يزيد عن حده يصبح سلباً . . فالاعتدال مطلوب .

ـ وكل أمر يفعله الله تعالى حكمة واعتدال { [COLOR="green"]إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [/COLOR](49)}(القمر)،
حتى الرزق ينزله بقدر كي لا يطغى الناس ويفسدوا ، وهو – سبحانه - الذي يعرفهم لأنّه الذي خلقهم ، فلا يفتح عليهم ما يزيدهم طغياناً ،
{ [COLOR="green"]وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[/COLOR] (27)}(الشورى) .

ـ وهذا قارون ازداد ماله فبغى وطغى ، وهو مثال للإنسان الذي يكثر ماله ، فيرى نفسه فوق الجميع :
{ [COLOR="green"]إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [/COLOR](76)
[COLOR="green"]وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [/COLOR](77)
[COLOR="green"]قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي[/COLOR]…(78 )}(القصص) .
فقارون :
1ـ بغى على قومه ، وكان حريّاً به أن يكون عوناً لهم .
2ـ ونصحه قومه خمس نصائح :
أ ـ أن يتخلى عن الكبر والبطر ، وينقلب إلى شكر النعمة ، والاعتراف بفضل الله عز وجل .
ب ـ أن يوظف أمواله في خدمة دين الله وابتغاء الآخرة .
جـ ـ والإسلام - كما علِمْنا - دينُ الاعتدال ، فلا ينسَ نصيبه من الدنيا .
د ـ أن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه { ... [COLOR="green"]لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [/COLOR]. . . (7)}(إبراهيم) .
هـ ـ أن لا يتطاول على الناس بهذا المال ، ويفسد ضعفاءهم ، فيشتري ذممهم بالمال .
3ـ ادّعى قارون ـ وهو كاذب مدّع ـ أنّه كسب المال بذكائه ، ونبوغه ، وعبقريته .
ويرى مَن تدبّر هذه الآية أنَّ فيها دعوة إلى الحق ، والقصدَ في التصرف .
ـ وقد تكون النعمة نقمة حين يفرح الإنسان بها ، والفرح كما مرَّ معنا في الآية السابقة ، البطر والأشر والتعالي على الناس والتطاول ، والنعمُ قد تكون صحة وغنى وأمناً .

ـ وحين يقترف الناس الآثام يصيبهم جزاءَ ما اقترفوه جدبٌ ونقمةٌ وبلاء وشدة ، فيبالغون في الجحود والنكران والكفران . أما المؤمن فإنه إن أعطيَ شكر ، وإن مُنع صبر ، فكان له الخير في الأمرين {. . . [COLOR="green"]وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ [/COLOR](48)}(الشورى)} .

ـ ولماذا يقول الله سبحانه وتعالى مهدداً المطففين { [COLOR="green"]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [/COLOR](1) [COLOR="green"]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ[/COLOR] (2) [COLOR="green"]وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [/COLOR](3) [COLOR="green"]أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [/COLOR](4) [COLOR="green"]لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [/COLOR](5) [COLOR="green"]يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](6)}(المطففين).
التهديد سببه أنهم لا وسطيّة عندهم ، والوسطيّة إعطاء كل ذي حق حقّه ، والتصرف مع الناس بما يرتضونه لأنفسهم ، ولا يلتزمون الحد الشرعي ولا الحدَّ المنطقي ، فقدوا العدل والاعتدال والقصد وتاهوا في الضلال .

ـ وعاتب الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم في منع نفسه ما أحلَّ الله له من النساء لأن زوجتيه غاضبتاه :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[/COLOR] (1)}(التحريم) .
ولاحِظِ الخطاب المشعرَ بالتوقير والتعظيم ، والتنويه بمقامه الشريف حين خاطبه بلفظ النبوَّة لا باسمه كما خاطب بقيّة الأنبياء بأسمائهم . . . فقال له متلطفاً لماذا تمنع نفسك ما أحلَّ الله لك ، وتضيّق على نفسك في مرضاة أزواجك ، وهنّ أَحْرى أن يُتبعن أنفسهن في مرضاتك ، فأرحْ نفسك من هذا العناء .
وكان قد امتنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ماريّة ـ ولقاء المرأة أنس ومتعة ـ ليرضي خاطر بعض أزواجه ، وكان له أن لا يمتنع عنها . . .
وهذه اللفتة الإلهية الكريمة تدعو إلى الوسطيّة في التصرف ، والابتعاد عن الإعنات .

ـ وأخيراً ، يقول الله تعالى : { [COLOR="green"]أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [/COLOR]. . . .(6) }(الطلاق) ، فالله تعالى يأمر المسلمين الذين يطلقون زوجاتهم أن يسكنوهن في بعض مساكنهم التي يسكنونها ، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة . . فلا يكلفهم الله سبحانه وتعالى إلا ما يستطيعون . . .

فالقصدَ القصدَ في المعاملة ، والاعتدالَ الاعتدالَ .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

جزاك الله كل خير اخي الكريم

[FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=darkgreen]لاريب في نجاحها وروعتها فهي من كلام الله رب العزه والجلال[/COLOR][/SIZE][/FONT]
[FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=darkgreen][/COLOR][/SIZE][/FONT]
[FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=darkgreen]فسبحااااااااااااااااانه ربي لااله الا هو[/COLOR][/SIZE][/FONT]
[FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=darkgreen][/COLOR][/SIZE][/FONT]
[FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=darkgreen]بارك الله فيك اخي طرح موفق اسال الله ان يديم عليك نعمه[/COLOR][/SIZE][/FONT]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/أسلوب الحكيم
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

أسلوب الحكيم

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] قد يسأل أحدهم سؤالاً ، فتجيبه بغير ما يترقبه إما بترك سؤاله ، والإجابة عن سؤال لم يسأله ، وإما بحمل كلامه على غير ما كان يقصِده إشارةً إلى أنه كان ينبغي له أن يسأل هذا السؤال ، أو يقصد هذا المعنى .

ـ من ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [/COLOR]}(من الآية 189 البقرة) .
هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم يسألون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الأهلّة ، لِمَ تبدو صغيرةً ثم تزداد حتى يتكامل نورها ، ثم تتضاءل حتى لا ترى ، وهذه مسألة من مسائل علم الفلك ، يُحتاج في فهمها إلى دراسة دقيقة طويلة ، فصرفـَهم إلى بيان الحكمة من الأهلّة ، وكأنّه يقول : كان الأولى بكم أن تسألوا عن حكمة خلق الأهلّة ، لا عن سبب تزايدها في أول الشهر وتناقصها في آخره ، فهي وسائل للتوقيت في المعاملات ، والعبادات .

ـ ومن ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[/COLOR] }(من الآية 215 البقرة) .
سأل الصحابةُ عن بيان ما ينفقوه ـ ما الذي ينفقونه ـ فأجابهم ببيان المصارف ، تنبيهاً على أن المهم هو السؤال عنها ، لأن النفقة لا يُعتدُّ بها إلا أن تقع موقعها . وكل ما فيه خيرٌ فهو صالح للنفقة . . فالمال ينفق منه ، والطعام كذلك ينفق منه ، ومساعدتك الآخرين في أمورهم وتفريج كروبهم نفقة ، وتبسمك في وجه أخيك صدقة . . إذاً ليس المهم ماذا تنفق فهو كثير ، ومتنوّع ، وشامل إنما الأهم معرفة المواطن التي يجب أن يكون الإنفاق فيها .
ـ ومن ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [/COLOR]}(من الآية 217 البقرة)
فقد سأل الصحابة رضوان الله عليهم رسولهم الكريم : أيجوز القتال في الشهر الحرام ؟ وهل يحلُّ ذلك ؟ إننا نحسب ذلك حراماً ، ومَنْ فعله أخطأ خطأً ذريعاً . فنبّه القرآن إلى أن القتال فيه ، وإن كان خطأً جسيماً ووزراً عظيماً ، إلا أن هناك ما هو أعظم وأخطر ، إنه الصدُّ عن سبيل الله ، وكفرٌ بالله ، ومنع المؤمنين عن دين الله ، وإخراجهم من مكة . . كلُّ هذا أعظم وزراً ، وذنباً عند الله من قتل من قتلتُم من المشركين في هذا الشهر الحرام ، فإن استعظم المشركون قتالكم لهم في الشهر الحرام ، فليعلموا أن ما ارتكبوه في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين أعظم وأشنع .

ـ ومن أسلوب الحكيم كذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [/COLOR](222)}(البقرة) .
فالصحابة يسألونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبب حيضة المرأة، فينبههم الله تعالى إلى أمور عدةٍ غير ما سألوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه فأخبرهم أن الحيض :
أولاً : أذىً يصيب الزوجين لأنّه شيء مستقذر ، فاجتنبوا النساء فيه مدَّة حيضهِنَّ .
ثانياً : فإن طَهُر المكان ، وصار نظيفاً حقَّ للرجال معاشرة أزواجهنّ ، والتمتع بهنّ ، وقد كانت العادة عند اليهود أن المرأة إذا حاضت عندهم نبذوها ، فلم يجالسوها ولم يؤاكلوها فنبّههم القرآن أن الغرض عدم المعاشرة الزوجية فقط ، فالنساء شقائق الرجال .
ثالثاً : فإذا طهُرَتِ المرأة ، فأتوهنَّ في المكان الذي أحله الله لكم ، وهو مكان النسل والولدِ ، القُبُلُ لا الدُّبُرُ ، فالله يحب التوابين من الذنوب المنزهين عن الفواحش والأقذار .

ـ ومن ذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [/COLOR](61)}(التوبة) .

فالمنافقون يبسطون ألسنتهم في أذيّة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويقولون : إن عاتَبَنا حلفنا له أننا ما قلنا في حقّه ما يسيء ، فيقبله منا ، فإنّه أذنٌ سامعةٌ يصدق كلَّ ما يقال له !! وهذا سوء أدب منهم في حقّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ! ولكنَّ الرسول الذكي الأديب الأريب الذي رباه ربه ، فأحسن تربيته ، ووصفه بالخلق العظيم يستمع للصادق في صدقه ، حتى إذا فرغ شيّعه بالدعاء ، وبشَّ في وجهه ، ويستمع للكاذب في كذبه حتى إذا فرغ لم يجبه ، بل شيّعه بكلمات تعلمه الأدب دون أن يجرح نفسه لأنه المربي . . القدوة . . وأصحاب الأدب يحمدون له هذه الصفة ، فلا يُجلّ الكريم إلا الكريم . . أما اللئام فيحسبون ـ لخساسة نفوسهم وسوء طبعهم ـ أن الرسول الكريم سمّاع لكل قول . . يصدق كلَّ إنسان ، يجوز عليه الكذب والخداع ، لا يفطن إلى زور القول وغشّه ، من حلف له صدّقه ، ومن دسَّ عليه قولاً قبله .
فيردُّ القرآن معلماً ، ومنبهاً ، فيقول : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذنٌ . . نعم . . ولكنّه أذن خير للمسلمين يبلغهم رسالة ربهم التي فيها الخير والفلاح ، وأذن خير للمنافقين ، يستمع إليهم ، ويعلم أنهم كاذبون ، فلا يجْبَهُهم بخداعهم ونفاقهم ، ولا يصدقهم فيما يقولون فالله أرسله رحمةً للعالمين ، أما الذين يؤذون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فحسبهم الذلة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .

ـ ومن أسلوب الحكيم كذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [/COLOR](20)}(يونس) .
فهؤلاء الكفرة المعاندون يقولون معاجزين ـ وكأن الأمر بيد رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يفعل ما يشاء ـ هلّا أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزة من ربّه كما كان للأنبياء من قبلُ من الناقة ، والعصا ، واليد ، وما إلى ذلك من المعجزات . . . فينبّه القرآن هؤلاء المجرمين إلى أن أمر الغيب لله وحده ، ولا يأتي بالآيات إلا الله سبحانه . أما الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيبلّغ ما أمره الله تعالى به ، وينتظر قضاء الله ُ فيما يريد ، وما على الرسول إلى البلاغ المبين أفلا ترونه بشراً مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون ؟!! .

ـ ومن أسلوب الحكيم كذك قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](85)}(الإسراء) .
جاء الكفار يسألون رسول الله ـ صلى الله عيه وسلم ـ عن ماهية الروح ، وكيف تدخل الأجسام ، ولماذا تخرج منها . . . فنّبههم القرآن الكريم ، أنّه كان عليهم أن يعرفوا حدود علمهم ، وأن يسألوا عما يهمهم ويفيدهم في أمر أُخراهم ، لا أن يسألوا عن أمور لن يصلوا إلى فهمها بعلمهم القليل الضحل ، فالروح من أمر الله تعالى ، وأسراره ، وما أُوتي الإنسان من العلم إلا القليل . .

ـ ومن أسلوب الحكيم في القرآن الحكيم قول الله تبارك وتعالى :
{ [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ
فقل يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [/COLOR](105)
[COLOR="green"]فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا [/COLOR](106)
[COLOR="green"]لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [/COLOR](107)}(طه) .
هؤلاء الكفار يميّعون القضيّة ، فيسألون عن خلق الجبال ، وارتفاعها ، وعظمتها ، فينبّه القرآن في جوابه إلى أنّ عليهم أن يعلموا أمرين ، حدوثُهما خطير :
الأول : أن هذه الجبال الشاهقة المتسامقة علوّاً ، التي تناطح السحاب بكلكلها ، الضاربةِ في أعماق الأرض أوتادها . . إذا جاء يوم القيامة ينسفها الله تعالى نسفاً ، فيفتتها كالرمل ، فيتركها ملساء مستوية لا نبات فيها ، ولا بناء ، ولا انخفاض ، ولا ارتفاع . . إنه ليوم عظيم هائل لا بدَّ قادم .
الثاني : أن الناس في هذا اليوم ينطلقون سراعاً إلى أرض المحشر لا يزيغون ، ولا ينحرفون ، ذليلةً لِهيبة الله تعالى ساكنة أصواتُهم ، لا يتكلمون إلا من أذن له الله تعالى في القول . إنه لـَيوم رهيب . على العاقل أن يسأل عنه ويؤمن به ويعمل له ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ونيّة خالصة . . .

إن أسلوب الحكيم أَخْذٌ بيد السائل إلى الاهتمام بما ينفع ليصل به إلى بر الأمان وشاطىء السلامة . . وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعلم الرائع في أحاديثه الشريفة ، يسير على هدي القرآن وينير بهذا الأسلوب العظيم درب الإنسان . . . . فهلّا كنا تلاميذ له نُجباء ..؟!!.

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثملن قدري مكانسي/الحكمة
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الحكمة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]تعريفها :
1ـ الوصول إلى أفضل الأهداف ، بأفضل الطرق ، وأنسبها .
2ـ وهي ـ أيضاً ـ العلم والحِلْم ، وصواب الأمر وسدادُه ، والكلامُ الموافق للحق .
وبما أن السنّة النبوية المطهرة توافق التعريف الثاني ، فقد وردت الحكمة بهذا المعنى في قوله تعالى :
{ [COLOR="Green"]كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [/COLOR](151)}(البقرة) .
ووردت كذلك في قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[/COLOR] (164)}(آل عمران) .

وتأتي الحكمة في القرآن الكريم في معاني كثيرة منها :

1ـ العلم النافع المؤدي إلى العمل الصالح كقوله تعالى :
{ [COLOR="green"]يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[/COLOR] (269) }(البقرة) .

2ـ السداد في القول ، والعمل كما في قوله تعالى يمدح عيسى عليه السلام :
{ [COLOR="green"]وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ[/COLOR] (48)}(آل عمران) .

3ـ اللين والرفق ، والأسلوب الحكيم المؤثر كما في قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [/COLOR]}(من الآية 125 النحل).
وليس هناك أحسن من التلطف والهدوء ، والحجة ، والبرهان الواضح المقنع دون تشنّج ، وعصبيّة .

ـ ومن الأمثلة الموافقة للتعريف الأوّل في الدعوة إلى الله تعالى قوله سبحانه :
1ـ { [COLOR="green"]لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [/COLOR](28)}(آل عمران) .
أ ـ فالقاعدة أنه لا ينبغي موالاة الكافرين .
ب ـ ومن والاهم تعرّض للطرد من جماعة المسلمين ، فلا يلتقي كفر وإيمان .
جـ ـ وقد يكون هناك حكمة من ملاينة الكافرين ، ومتابعتهم أحياناً لسبب ما : تقاةً منهم ودرءاً للمخاطر ، وجلباً للمنافع ، فلا بأس إذ ذاك من إظهار غير ما نبطن ، والحذر مطلوب ، لكن دون المساس بالقواعد الإيمانية والأصول الإسلامية .
2ـ وقوله سبحانه على لسان أهل الكهف : { [COLOR="green"]فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [/COLOR](19) [COLOR="green"]إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [/COLOR](20)}(الكهف) .
أـ فقد شعروا بالجوع بعد أن استيقظوا من سباتهم الطويل ، وهم يحسبون أنهم ناموا يوماً ، أو بعض يوم .
ب ـ أرسلوا أحدهم ليأتيهم بطعام طيب ، وأمروه بالتستر والملاطفة كي لا يظنوا به الظنون ، فينكشف أمره ، ويدل على أصحابه ، فتكون العاقبة أليمة .
3ـ وقوله سبحانه في التزام مَنْ كان سباقاً إلى الإسلام :
{ [COLOR="green"]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [/COLOR](28)}(الكهف) .
فالكفار حين دعاهم الرسل صلوات الله عليهم إلى الإيمان تذرّعوا بأعذار كثيرة واهية ، منها : أنهم لن يؤمنوا بهم ، فلا يكونون وضعفاء المسلمين سواء بسواء فقالوا : { [COLOR="green"]قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [/COLOR](111)}(الشعراء) .
فكان جواب القرآن الكريم : { [COLOR="green"]إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ [/COLOR](113) [COLOR="green"]وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [/COLOR](114)}(الشعراء) .
وهؤلاء الكفار غير صادقين ، والمؤمنون الضعفاء سبّاقون إلى الإسلام ، باعوا أنفسهم لله ، واستبعادهم ولو قليلاً يؤدي إلى :
أ ـ إيذاء مشاعرهم ، وصدمهم صدمة عنيفة تفسد عليهم دينهم .
ب ـ طمس فضلهم في خدمة الإسلام ، وسبقِهم إلى الإيمان ، وهذا إجحاف بهم ، وظلمٌ نفَّرَ الإسلامُ منهم فكيف يؤصلّه ؟!! .
جـ ـ خسارة مزدوجة ـ لا سمح الله ـ فهؤلاء لن يؤمنوا ، أما الذي آمن ورأى الظلم ما زال واقعاً عليه ، فسيرتد ، أو يضعف إيمانه .
ولذلك أردف الله سبحانه تلك الآية بقوله مهدداً الكفار واعداً إياهم بالعذاب الشديد : { [COLOR="green"]وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ
بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ
مُرْتَفَقًا [/COLOR](29)}(الكهف) .
وأتبعها بما يثلج صدور المؤمنين السابقين إلى الإيمان فقال :
{ [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [/COLOR](30)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا [/COLOR](31)}(الكهف) .
وأكد هذا بقوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [/COLOR]. . (54 )}(الأنعام) .
فالحكمة من هذا التلطف الاعتراف إلى الإسلام ، وتثبيت الإيمان في نفوس السابقين إليه ، ورفع درجاتهم .
4ـ ومن الأمثلة على الوصول إلى أفضل الأهداف بأفضل الوسائل قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام مخاطباً أباه يدعوه إلى الإيمان :
{ [COLOR="green"]يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [/COLOR](42)
[COLOR="green"]يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا[/COLOR] (43)
[COLOR="green"]يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا[/COLOR] (44)
[COLOR="green"]يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا[/COLOR] (45)}(مريم).
فهو يحب أباه ويريد له الخير . . فكيف خاطبه ؟ :
أ ـ تلطف إليه بقوله : { [COLOR="green"]يا أبت[/COLOR] } ليدخل إلى قلبه المتحجر .
ب ـ نبهه إلى خطئه في عبادة الأصنام ، وهوّن من شانها .
جـ ـ أعلمه ان الله وهبه علماً نافعاً ، وهو يريد لوالده الهداية .
د ـ حذره من اتباع الشيطان المؤدي إلى المهالك .
هـ ـ خوّفه من عذاب الله .
و ـ كرّر كلمة { [COLOR="green"]يا أبت[/COLOR] } ليخفف عليه وطأة التغيير ، وليمتص غضبه .
فالحديث مع الأب والأم وذي المكانة في نفس المتكلم يستدعي التلطف ، واللين ، والرفق ، وهذا من الأسلوب الحكيم الذي يدخل فيه الإنسان إلى قلوب الناس ، أو يحيّدهم على الأقل ويستل الضغينة من نفوسهم .
5ـ ومن الأمثلة أيضاً : التعريض والتلميح في العتاب خاصة لمن تحبُّ ، مع إظهار الحب والودّ.
وألطف ما رأيت ذلك العتاب الرفيق ، والتحبب الرقيق من سيد الكائنات وخالقها لحبيبه سيد المخلوقات . . سبحان الله . . والصلاة على رسول الله . . .
وذلك في قوله سبحانه : { [COLOR="green"]طه[/COLOR] (1) [COLOR="green"]مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى [/COLOR](2) [COLOR="green"]إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى[/COLOR] (3)}(طه) .
وذلك حين قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الليالي مع أصحابه في مكة صلاةً وقراءةً ، وتدبراً ، فقال الكافرون : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى !!! وكأن لقاء الله ، ومناجاته عذاب وشقاء !! كبرت كلمة تخرج من أفواههم !! .
وفي قوله : { [COLOR="green"]عَبَسَ وَتَوَلَّى [/COLOR](1) [COLOR="green"]أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [/COLOR](2)}(عبس) ، فلم يقل الله تعالى لنبيه عبستَ ، وتوليتَ أن جاءك الأعمى . . بل جعله في صيغة الغائب ، وهذه حكمة الله في تعليم نبيّه
ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ففي الآيات الأولى من سورة طه كان الحديث مباشرةً لأن فيها دفعاً للأقاويل ، وتشجيعاً على المثابرة في قيام الليل .
وفي الآيتين الأوليين من سورة عبس عتاب رقيق استجوب التعريض ، والتلميح ، فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اجتهد حين جاء ابن ابن أم مكتوم يسأله ، وعنده رجالات من قريش يأمل أن يؤمنوا به وبرسالته ، فاستأخره حتى ينتهي من لقائهم .

ـ ومن الأمثلة أيضاً في الحكمة المُشاكلة والمُشاكهة :
فقوم فرعون كانوا ماهرين في أعمال السحر ، فكان من الحكمة ـ والله أعلم ـ أن تكون معجزات سيدنا موسى ، العصا التي صارت حيّة ، وإخراج اليد من الجيب ، فتلمع بيضاء من غير سوء ، وضمها إلى جنبه ، فيذهب عنه الخوف إن شاء الله ، ويثبت جنانه . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ
وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ [/COLOR](31) [COLOR="green"]اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ
إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا
فَاسِقِينَ[/COLOR] (32)}(القصص) .
فكانت معجزات موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لجو السحر الذي كان قومه يحسنونه .
والأمثلة على التصرف المناسب لكل موقف أياً كان ، والحكمة في معالجة الأمور كثيرة ، تدل على حكمة العليم القدير الذي علَّمنا ما لم نكن نعلم .
وأخيراً ، يقول الله تعالى : { [COLOR="green"]وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [/COLOR](34) [COLOR="green"]وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ[/COLOR] (35)}(فصلت) .
1ـ فقد يسيء أحدهم ، وينتظر منك أن ترد على إساءته بإساءة مثلها ، أو أشد منها ، فهو متوثب حذر .
2ـ فإذا بك تتغاضى عن إساءته ، أو تسامحه ، أو تتقدم إليه متحبباً ناصحاً متودداً .
3ـ يشعر أنّه أخطأ نحوك ، فتنقلب عداوته لك شعوراً بالذنب ، ورغبةً في تصحيح موقفه .
4ـ يتقرّب إليك ، ويحبّك بإخلاص وودٍّ .
فهل هناك أعظم انتصاراً مما فعلتَ .
أ ـ انتصرت على نفسك الأمارة بالسوء .
ب ـ انتصرت على الخلاف بينكما فمحوته .
جـ ـ انتصرت على كيد الشيطان .
د ـ اكتسبت أخاً محباً مخلصاً .
5ـ وكل ذلك بالصبر والمصابرة ، وما يستطيع كل إنسان ذلك ، إنما يفعل ذلك من كان ذا حظ عظيم ، وأخلاق رائعة .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التفكير المنطقي
 

[B][FONT="Arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التفكير المنطقي ( المحاكمة العقلية )

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center][/b]

[color="blue"][size="5"]
يدعونا القرآن الكريم دائماً إلى التفكير وإعمال الذهن للوصول إلى الحقيقة ، والآيات في هذا الصدد كثيرة تملأ الصفحات منبهة إلى أن " أولي الألباب " والذين يتفكرون ، والذين يعقلون ، ومن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . . . هم المؤمنون حقاً .
والإيمان التقليدي لا يجدي فتيلاً . أما ما قام على تفكير صحيح ، ومحاكمة عقلية سليمة فهو الإيمان الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى .
فهلمَّ نقتطف من رياض القرآن العظيم بعض هذه الأنوار التي تدفع المسلم أن يلاحظ ويفكر ، ليصل إلى القرار الصحيح .

ـ فاليهود يدّعون أن أخطاءهم قليلة ، يدخلون لأجلها النار أياماً معدودة ، ثم يخرجون منها إلى الجنّة ، ونرى القرآن الكريم يردُّ إفكهم : أهذا ما عاهدكم الله عليه ؟!! ـ والله لا يخلف الميعاد ـ أم إنّكم تفترون على الله ما لا تعلمون ؟ ثم يقرر بعد هذا التوبيخ أن من أصاب سيئة ، وأحدقت به هذه الخطيئة فهو خالد في النار جزاء كفره وعناده قال تعالى :
{ [color="green"]وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[/color] (80) [color="green"]بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[/color] (81)}(البقرة) .

ـ أما النصارى فيقولون زاعمين : إن عيسى ابن الله ، وإلا فأين أبوه ؟! ويعجبون أن يولد هذا النبي دون والد ، ونسوا أن أعجب منه آدم عليه السلام إذ خلقه الله تعالى دون أم أو أب ، فهو قادر على كل شيء سبحانه القائل : { [color="green"]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[/color] (59)}(آل عمران) .

ـ واليهود والنصارى كلٌّ يدعي أن إبراهيم منهم ، وهذا زعم عجيب فالمعروف أن التابع يأتي بعد المتبوع ، وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ، من نسله جاء اليهود والنصارى فأحرى أن يتبعوه في توحيد الله . . ويلفت القرآن الانتباه إلى أن رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم ومن آمن به جاءوا على دين التوحيد ، فهم أولى بإبراهيم عليه السلام ، قال تعالى:
{ [color="green"]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [/color](65)}(آل عمران) .
وفي قوله تعالى : { [color="green"]مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [/color](67) [color="green"]إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [/color](68)}(آل عمران).

ـ ولمن تكون التوبة ؟ ومتى يقبلها الله تعالى ؟ . . تكون لمن أخطأ عن جهالة ثم استغفر الله ، واستقام على الحقِّ سريعاً ، أمّا من سدر في غيّه ، وأصرَّ عليه إلى الغرغرة فهذا لا توبة له ، وكذلك لا يقبل الله التوبة من الكافر .
{ [color="green"]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [/color](17) [color="green"]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [/color](18)}(النساء) .

ـ والله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً ، فهو يرسل رسله إلى الناس يبشرون بالجنة من أطاعه ، وينذرون بالنار من عصاه ، فالمؤمن المصلح لا يخاف ولا يحزن ، والكافر المكذّب يعاقب جزاء وفاقاً .
قال تعالى : { [color="green"]وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [/color](48) [color="green"]وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [/color](49)}(الأنعام) . وبهذا نقول : ( [color="red"]قد أعذر من أنذر [/color]) .

ـ ونرى التفكير المنطقي عند مرافق زوج المرأة التي راودت سيدنا يوسف عن نفسه فلما فوجئت ـ وهي تشد النبي يوسف عليه السلام إليها ـ بزوجها ادّعت أنه تحرّش بها ، فنفى يوسف عن نفسه التهمة وألصقها بها وهذا حق فقال المرافق :
{ [color="green"]إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [/color](26)
[color="green"]وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [/color](27)}(يوسف) .
لأنه لو شدَّها فسوف تدافع عن نفسها وتشق قميصه من أمام ، لكنه هرب منها ، فشدته ،
فشقت قميصه من الخلف:قال تعالى:
{ [color="green"]فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ
عَظِيمٌ[/color] (28)}(يوسف)
وهكذا ثبتت براءة يوسف عليه السلام .

ـ ونرى المنطقيّة في ردّ القرآن الكريم على الكفار الذين تعجبوا من إرسال بشرٍ نبيّ ، واحتجوا بأن النبي إذا كان ملَـَكاً كان ذلك أدعى إلى التصديق ، فكان جواب القرآن أن الله يرسل إلى كلِّ جنس نبياً من جنسه كي لا يكون هناك انبهار وقهر ، قال تعالى:
{ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95){(الإسراء) .

ـ وترى القرآن يسأل في محاكمة عقليّة سليمة ، مَنْ خالق السموات والأرض وله التصرف والقوة ؟ ، فيجيبون : الله ، فيقول معقباً : ما دام هو الخالق فهل تستطيع الآلهة المزعومة أن تمنع نفعهه إن أراد نفعي ، أو تدفع ضره إن أراد ضرّي ؟ . . والجواب لا تستطيع . . فلمن نلتجىء إذاً ؟!! لا شك أن الالتجاء إلى الله ، . . . فهو حسبنا ، وعليه توكلنا .قال سبحانه:
{ [color="green"]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [/color](38)}(الزمر) .

ـ ويؤكد هذا حين يستنكر أن يتخذ الناس من هذه الآلهة المزعومة شفعاء يوم القيامة وهي من صنعهم ، لا تضر ولا تنفع ، بينما الشفاعة الحقّة لله تعالى الذي يملك السماوات والأرض ، وإليه نعود ، وعليه نعرض ،وهو القائل:
{ [color="green"]أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ[/color] (43) [color="green"]قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [/color](44)}(الزمر) .

ـ أما مؤمن آل فرعون فإننا نرى في تحليله الأمورَ محاكمة عقلية راجحة ، قال تعالى:
{ [color="green"]وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [/color]
أ ـ [color="green"]وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ [/color]
ب ـ [color="green"]وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ [/color].
[color="green"]إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [/color](28)}(غافر) .حيث قرر في نهاية الآية قاعدة رائعة .

وينبه هذا الرجل المؤمن إلى أننا اليوم نملك القوة ، فماذا نفعل حين يأتي عذاب الله ؟!! قال عز وجل:
{ [color="green"]يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا[/color] ...(29)}(غافر) .

ـ وتتكرر المحاجة والمجادلة بين ملائكة العذاب والكفار :
{ [color="green"]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [/color](49)
[color="green"]قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
قَالُوا بَلَى
قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [/color](50)}(غافر) .
إنها محاكمة عقلية فقد جاءتهم الرسل بالبينات ، فكفروا ، فكان عقابهم حتماً لازماً .

ـ وتعال معي إلى الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان ـ مراحل الخلق والحياة ـ وبما أن الخالق هو الله ، فبيده كل شيء وهذا أمرٌ لا يختلف فيه اثنان من أهل العقول وهو القائل:
{ [color="green"]هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[/color] (67) [color="green"]هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [/color](68)}(غافر) .

ـ والكفار من المشركين وأهل الكتاب يجعلون الملائكة إناثاً ، فيوبخهم القرآن : هل شهدتم خلق الملائكة حتى حكمتم بأنوثتهم . والمشركون وهم مخلوقون يكرهون الإناث ، فكيف يرضون للخالق ما يكرهون ؟! أمر عجيب . . مع أن الذكور والإناث سواء ، قال عز وجل:
{ [color="green"]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [/color](17)}(الزخرف) .
{ [color="green"]وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ
وَيُسْأَلُونَ [/color](19)}(الزخرف) .

ـ ويدّعي النصارى واليهود أن لله ولداً ، وهذا أمر عجيب ، وبهتان كبير . . لماذا ؟! إن الولد يأتي عن شهوة الجماع ، والرغبة في دوام النسل ، فتقلبات الدهر حياة وموت واستبدال قوم
بقوم . . والله سبحانه حي لا يموت منزّه عن النقائص كاملٌ كمالاً مطلقاً ، فهو سبحانه لا يحتاج لولد فكل شيء عبيد له خاضعون لسلطانه . .
{ [color="green"]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا [/color](88)
[color="green"]لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا[/color] (89) [color="green"]تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا[/color] (90) [color="green"]أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [/color](91)
[color="green"]وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [/color](92) [color="green"]إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا[/color] (93)
[color="green"]لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [/color](94) [color="green"]وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [/color](95)}(مريم) .

ـ وترى القرآن يفتح عقول الناس بهذه الأسئلة الأربعة التي لا تحتاج جواباً باللسان إنما بالقلب والجنان ، والتدبر والتفكير والحسبان .

1ـ { [color="green"]أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [/color](58) [color="green"]أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [/color](59) [color="green"]نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ [/color](60) [color="green"]عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ [/color](61) [color="green"]وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ[/color] (62)}(الواقعة) .

2ـ { [color="green"]أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ [/color](63) [color="green"]أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [/color](64) [color="green"]لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [/color](65) [color="green"]إِنَّا لَمُغْرَمُونَ[/color] (66) [color="green"]بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [/color](67)}(الواقعة) .

3ـ { [color="green"]أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ[/color] (68) [color="green"]أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [/color](69) [color="green"]لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [/color](70)}(الواقعة) .

4ـ { [color="green"]أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [/color](71) [color="green"]أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [/color](72) [color="green"]نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ [/color](73)}(الواقعة) ،
{ [color="green"]فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [/color](74)}(الواقعة)

ولا نملك إلا أن نسبح باسم الله العظيم . . .[/size][/color] [/FONT] [/B] [SIZE="5"][COLOR="Blue"][B][FONT="Arial"]ـ وتابع معي هذه الاحتمالات التي تراود المشركين في الصدّ عن سبيل الله ومغالطة الحقيقة الساطعة التي لا تحتمل جدالاً إلا في أوهام المشركين ، وليس لها من الصدق شروى نقير إلا في خُزَعبلاتهم ... احتمالات يطرحها القرآن ، يلجم بها تخرصات المتخرصين وإفك الآفكين .
{ [color="green"]أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [/color](30)
[color="green"]قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [/color](31)
[color="green"]أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [/color](32)
[color="green"]أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ [/color](33)
[color="green"]فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ[/color] (34)
[color="green"]أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [/color](35)
[color="green"]أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ[/color] (36)
[color="green"]أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ[/color] (37)
[color="green"]أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ[/color] (38)
[color="green"]أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ[/color] (39) [color="green"]
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ[/color] (40)
[color="green"]أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ[/color] (41) [color="green"]
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ[/color] (42)
[color="green"]أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ[/color] (43)}(الطور) .

وأخيراً ، نجد في سورة القلم ، استفهاماً استنكارياً واحتمالات تدحض ـ حين يتمعن بها القارىء ـ أكاذيبَ المشركين .

{ [color="green"]أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ[/color] (35)
[color="green"]مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[/color] (36)
[color="green"]أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ[/color] (37)
[color="green"]إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ[/color] (38)
[color="green"] أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ[/color] (39)
[color="green"]سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ[/color] (40)
[color="green"]أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ[/color] (41)}(القلم) .
{ [color="green"]أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ[/color] (46) [color="green"]أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ[/color] (47) }(القلم) .

إنك ترى الدفع إلى التفكير المنطقي ، والمحاكمة العقليّة ، يوصل ـ إن كنت منصفاً ـ إلى الجواب الصحيح .
نسأل الله تعالى أن نكون من المنصفين

يتبع[/FONT][/B].[/COLOR][/SIZE]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ التسلسل المنطقي
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التسلسل المنطقي

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]سرد الأحداث أو الأفكار مسلسلة مرتّبة يقيّد المتلقي في أمور عدة منها :
1ـ استيعاب الأفكار أو الأحداث دون انقطاع.
2ـ حسن المتابعة لما يُلقى عليه وحسن التفاعل.
3ـ قدرة المتلقي على الحكم السليم على ما يسمع.
4ـ الاستجابة لعدد أكبر من الأفكار والمعلومات.
والقرآن الكريم يخاطب أولي الألباب ، والقومَ الذين يعقلون ، ويتفكرون وأولي الأبصار . . . ويسعى إلى إقناعهم بما يلقي عليهم واكتسابِهم وإنقاذهم من الضلال . . فلا غرو أن يخاطبهم بهذا الأسلوب المتميز الذي يسارع في الوصول إلى الهدف .

ـ فمن الأمثلة على التسلسل المنطقي قوله تعالى : { [COLOR="green"]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي
وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [/COLOR](195)}(آل عمران) .
إن التسلسل المنطقي في هذه الآية :
1ـ تقديم الذكر على الأنثى.
2ـ يشعر المسلم بالضيق فيهاجر.
3ـ ينصبُّ العذاب على من بقي فيضطر للخروج مكرهاً .
4ـ يُطاردون ويؤذَوْن في سبيل الله.
5ـ يقاتلون الأعداء الذين أساءوا إليهم.
6ـ يُقتلون في المعركة.
7ـ إن الصبر على الذى ثم الجهاد في سبيل الله والاستشهاد يكفّر عنهم سيئاتهم فيكونون أهلاً لدخول الجنة .
8ـ فيدخلونها . . .

ـ ومن الأمثلة عليه كذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [/COLOR](111)}(التوبة).
فكان التسلسل المنطقي كما يلي :
1ـ شراء النفس وهي أغلى.
2ـ شراء الأموال. . والبَدَلُ " الجنّةُ " .
3ـ بدء القتال في سبيل الله.
4ـ يَقتلون ويُقتلون .
5ـ الوعدُ في التوراة أولاً والإنجيل ثانياً والقرآن ثالثاً حسب التسلسل الزمني.
6ـ الذي وعد بذلك هو الله سبحانه وتعالى ، ووعدُهُ الصدق.
7ـ البيع ـ إذاً ـ صحيح وافر الربح كبير الفوز . . .

ـ ومن أمثلة التسلسل المنطقي كذلك قوله سبحانه جلّ شأنه :
{ [COLOR="green"]الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [/COLOR](1)
[COLOR="green"]أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [/COLOR](2)
[COLOR="green"]وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [/COLOR](3)
[COLOR="green"]إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [/COLOR](4)
[COLOR="green"]أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ
أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [/COLOR](5)}(هود) .
يظهر التسلسل المنطقي فيما يلي :
1ـ نُظِّم القرآن تنظيماً محكماً ليس فيه تناقض ولا خلل.
2ـ ثم فُصِّل تفصيلاً دقيقاً كاملاً موضحاً مراميه.
3ـ جاءت صفة حكيم تناسب الإحكام ، وصفة خبير تناسب التفصيل والشرح .
4ـ لِمَ أُحكم وفصِّل ؟ ليعبد الناسُ ربهم العبادة الصحيحة .
5ـ ما دور الرسول صلى الله عليه وسلم:
أ ـ إنذار الناس من عذاب ربهم إن خالفوه .
ب ـ بشارتهم بفضله وعفوه إن آمنوا به وأطاعوه .
6 ـ من علائم العبادة عند معرفة الله تعالى الاستغفار أولاً ، والتوبةُ إليه من الذنوب ثانياً .
7 ـ فإن حصل هذا نال كل محسن جزاءه.
8 ـ وإلا كان هناك عذاب كبير في يوم مخيف.
9 ـ ومتى هذا ؟ يوم القيامة حين ترجعون إلى الله تعالى .
10ـ وهل يستطيع ربنا إحياءنا بعد إماتتنا ؟ نعم إنه على كل شيء قدير .
11ـ يظهر بعض من يخالف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبه إياه ويضمر كرهه وعداوته .
12ـ فالله سبحانه يعلم ما يسرون وبدأ بالسر ليناسب الاختباء والتغطية بالثياب خوف الفضيحة ، ثم
جاءت كلمة يعلنون .
13ـ هل يعلم الله السر ؟ نعم . . إنه عليم بذات الصدور .
إنها متابعة دقيقة وتعليل متسلسل ، ينتقل من فكرة إلى فكرة انتقالاً واقعياً منطقياً ليس فيه انقطاع .

ـ ومن الأمثلة كذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]َمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ
أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [/COLOR](18) [COLOR="green"]الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا
وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [/COLOR](19)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ[/COLOR] (20)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ[/COLOR] (21) [COLOR="green"]لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ[/COLOR] (22)}(هود).
ويبدو التسلسل المنطقي في عرض الأفكار هنا فيما يلي :
1ـ يوم القيامة يعرض المكذبون على ربهم سبحانه.
2ـ يفضحهم الله تعالى حين يأمر الأشهاد من الخلائق أن يشيروا إليهم بالكفر، والفساد ، والكذب.
3ـ تنصبُّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لكفرهم ، وظلمهم.
4ـ هؤلاء كانوا يمنعون الناس من اتباع الحق ، ويريدون أن تكون السبيل معوجة ، وجحدوا
بالآخرة وكفروا بها .
5ـ فهل أفلتوا من عذاب الله ؟ هل هناك من نصير يدفع عنهم العذاب ؟ لا . . .
6ـ بل يضاعف لهم العذاب لأنَّ الله تعالى جعل لهم سمعاً وبصراً ، لكنهم كانوا صماً عن سماع الحق ، عُمياً عن اتّباعه ، فلم ينتفعوا بما حباهم الله من حواس .
7ـ قد يخسر الإنسان شيئاً مَهْما كان مُهِمَّاً فيعوضُه. لكنْ حين يخسر نفسه فهذه هي الخسارة التي لا تعوّض .
تسلسل رائع في عرض الأفكار وتحليلها ، والوصول إلى الهدف المنشود .

ـ ومن الأمثلة على التسلسل المنطقي قصة نوح عليه السلام لكننا نقتطع من المشهد كلِّه جانباً واحداً . .
قال تعالى : { [COLOR="green"]وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْمَاءُ ،
وَقُضِيَ الْأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ
وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [/COLOR](44)}(هود) .
ويبدو التسلسل فيما يلي :
1ـ الأمر للأرض أولاً أن تبتلع ماءها الذي نبع فيها ، ويرتفع إلى السماء الماءُ الذي نزل على الأرض. هذا في رواية ، وفي رواية أخرى أن تبتلع الأرض ماءها وماء السماء الذي نزل ، فمهمتُها أشقَّ ، ثم الأمر للسماء أن تحبس مطرها .
2ـ ذهب الماء في أغوار الأرض ، وتم بهذا إغراق مَنْ غرق ونجاةُ من نجا.
3ـ ثبات السفينة على الأرض فوق جبل الجودي ، فنزل الناس واطمأنوا .
4ـ لما انتهى كل هذا ، وتبيّن هلاك الكافرين كان الدعاء عليهم .

ـ ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا
فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ [/COLOR](47)
[COLOR="green"]ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ[/COLOR] (48)
[COLOR="green"]ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ[/COLOR] (49)}(يوسف) .
ويظهر التسلسل هنا فيما يلي :
1ـ زرع سنين سبعٍ بجهد ونشاط وهذه سنوات الرخاء.
2ـ تخزين مالا يحتاج إليه من القمح في سنبله كي لا يسوس ، وأكل ما يُحتاج إليه .
3ـ تأتي سنون سبعٌ جدباء لا زرع فيها ذات شدة وقحط على الناس ، تأكلون فيها ما ادخرتم أيام الرخاء .
4ـ اتركوا للسنة الثامنة بعض القمح الذي ستزرعونه فيها.
5ـ في السنة التي تخلُفُ سنيَّ الجدب العصيبة يعم الرخاء فيكثر المطر والزرع والأعناب .

ـ ومن الأمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [/COLOR](110)}(النحل) .
1ـ يعذب المشركون مَنْ آمن ويفتنونهم عن دينهم.
2ـ يضطر المسلمون إلى الهجرة للنجاة بدينهم وإنشاء مجتمع مسلم.
3ـ والمجتمع المسلم لا يحميه سوى الجهاد في سبيل الله.
4ـ للجهاد في سبيل الله مشاق ، على المسلم أن يتحمّلها ويصبر عليها.
5ـ بعد الهجرةِ والجهادِ والصبرِ يغفر الله تعالى ويرحم.
أفكار متسلسلة تأتي الواحدة إثر الأخرى بشكل طبيعي .

ـ ومن الأمثلة على التسلسل قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]وإذا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا
فَفَسَقُوا فِيهَا
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [/COLOR](16)}(الإسراء) .
لا بدّ لإهلاك أي قرية من سبب . . فما هو السبب . . ؟ :
1ـ يسلط الله الأشرار المتنعمين ، فيأمرهم أن يحكموا بشرعه ، ويسرعوا إلى مرضاته .
2ـ لكنّهم يعصون فهم مجبولون على الفساد والطغيان.
3ـ وجب ـ إذاً ـ عليهم العذاب بفسقهم وطغيانهم.
4ـ فيدمّرُون تدميراً مريعاً ويهلكون هلاكاً شديداً.

ـ ومن أمثلة التسلسل المنطقي قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ
حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا
حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [/COLOR](96)
[COLOR="green"]فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا[/COLOR] (97)}(الكهف) .
1ـ رَفَعَ سداً بين الجبلين من قطع الحديد بارتفاعهما.
2ـ أشعل النار في الحديد حتى احمرَّ ، وصار كالنار من شدة الإحماء.
3ـ صبَّ النحاس المذاب على الحديد ، فسدَّ ما بين الشقوق وملأ الفراغات .
4ـ صار السدُّ قطعة واحدة يستحيل تحريكها أو نقبها.
إنه عمل متقن مرتب ترتيباً محكماً .

ـ ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ
[/COLOR]1ـ [COLOR="green"]تَابَ
[/COLOR]2ـ [COLOR="green"]وَآَمَنَ
[/COLOR]3ـ [COLOR="green"]وَعَمِلَ صَالِحًا
[/COLOR]4ـ [COLOR="green"]ثُمَّ اهْتَدَى [/COLOR](82)}(طه).
إنّ هذه الآية مثال صارخ على التسلسل ، فأمعن النظر فيها وتدبّر .
ـ هناك آيات كثيرة تتحدث عن الخَلْقِ وترتيبه .
في سورة " المؤمنون " الآيات [ 12 ـ 16 ] ، وسورة " الروم " الآية [ 40] ، وسورة " السجدة " الآيات [ 7 ـ 9 ] ، وسورة " الحج " الآية [ 5 ] .

ـ وأخيراً يقول الله سبحانه وتعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ[/COLOR]
1ـ [COLOR="green"]مِنْ تُرَابٍ[/COLOR]
2ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ[/COLOR]
3ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ[/COLOR]
4ـ 5ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ[/COLOR]
6ـ [COLOR="green"]وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[/COLOR]
7ـ [COLOR="green"]ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا[/COLOR]
8ـ [COLOR="green"]ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ[/COLOR]
9ـ [COLOR="green"]وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا[/COLOR] . . .}(الحج).
(قدّ صم المخلقة على غير المخلقة للبناء اللفظي المحكم وهذا لا يخفى على القارىء اللبيب)

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التجريب
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][COLOR="green"][SIZE="6"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التجريب

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/SIZE][/COLOR][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]طريقة تربوية ، عمليّة ، تفيد في عدة أمور :

أولها : تثبيت الفكرة أو الأمر في النفس ، وتأكيدها .
ثانيها : اختبار المرء في أمرٍ ما ، للحكم على مقدرته .
ثالثها : تعويده على شيء يخافه ليطمئنَّ قلبه ، فلا يخاف استعداداً لما قد يستجد .
رابعا : كشف سريرة المدّعي ، وفضحه .
خامسها : تنقية الصف من شوائبه .
سادسها : التوصل لأمر جديد لم يكن موجوداً سابقاً .

ـ فمثال الأمر الأوّل : تثبيت الفكرة وتأكيدها :

أ ـ قصة عُزَير الذي أماته الله مئة عام ، وحفظ طعامه وشرابه ، فلم يفسُدا وجمعَ عظام حماره ثم كساه لحماً ، ونفخ فيه الروح فعاد كما كان . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ؟.
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ؟
قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ
فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [/COLOR](259)}(البقرة) .
ننشزها : نركب بعضها فوق بعض

ب ـ وقصة إبراهيم عليه السلام الذي أراد أن يزداد بصيرة في قلبه ، وعقله ، فسأل الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ، مع العلم أنه شديد الإيمان بربّه وقدرته
{ [COLOR="Green"]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [/COLOR](260)}(البقرة) .
صرهنّ : اقطعهنّ واخلطهن بعضهنّ ببعض
ولم يَشُكَّ إبراهيم عليه السلام في قدرة الله ، ولكنه سؤال عن كيفيّة الإحياء ، ويدلُّ عليه وروده بصيغة " كيف " وموضوعها السؤال عن الحال ، ويؤيد هذا المعنى قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( [COLOR="Magenta"]نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم [/COLOR])) ومعناه : نحن لم نشكَّ ، فلأنْ لا يَشُكَّ إبراهيم أولى .

ـ ومثال الأمر الثاني : اختبار المرء :
قوله تعالى : { يَا [COLOR="green"]أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [/COLOR](94) }(المائدة).
فاختبر الله تعالى المؤمنين في إحرامهم بالحج بشيء من الصيد يمكن إمساك صغاره باليد ، واقتناص كباره بالرمح . . ومع أن العرب تتلذَّذ بالصيد واقتناصه إلا أن المسلمين لم تمتدَّ أيديهم إليه . . وهكذا كان المؤمنون عند حسن ظنِّ ربهم بهم إذ امتنعوا عن الصيد وهم مُحرِمون وكانوا من الصادقين .
وقال سبحانه عزّ من قائل : {. . . [COLOR="green"]وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [/COLOR](35)}(لأنبياء) ، فهو سبحانه يختبرهم بالمصائب والنعم ليرى الشاكر من الكافر ، والصابر من القائط ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلال . . . يختبرهم بما يحبون ليرى كيف شكرهم ، وبما يكرهون ليرى صبرهم . فهم إليه راجعون فيجازيهم بأعمالهم .

ـ ومثال الأمر الثالث : التعوّد على الشيء والاطمئنان إليه :
قوله سبحانه وتعالى :
{ [COLOR="green"]وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [/COLOR](10) [COLOR="green"]إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ[/COLOR] (11)
[COLOR="green"]وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [/COLOR](12) }(النمل).
إن الله سبحانه وتعالى حين أراد لموسى أن يكون رسوله إلى فرعون ، وأمام فرعون سيلقي عصاه وتنقلب ثعباناً ، ويخاف موسى من الثعبان ويهرب وعندئذ يكون سخرية لفرعون وقومه حينما يهرب ، جرّب الأمر ، بعيداً عنهم ليعتاد عليه ، فحين ألقى العصا أمام فرعون كان هذا سهلاً عليه ولم يفاجأ ، وكذلك الأمر في إدخال يده إلى فتحة ثوبه ، وإخراجها مضيئة ساطعة تتلألأ كالبرق الخاطف دون مَرَشٍ أو بَرَص .

ـ ومثال الأمر الرابع : كشف سريرة المدعي وفضحه :

أـ قول الله سبحانه مخاطباً رسوله الكريم :
{ [COLOR="green"]عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [/COLOR](44) }(التوبة) .
فهذا عتاب لطيف للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أذن للمنافقين في التخلف عن الخروج بمجرّد الاعتذار . فهم سواءٌ أَذِنَ لهم أم لم يأذَنْ لهم فسيقعدون ويتخلفون عن غزوة تبوك ، فكان الاعتذار وقبُوله ساتراً لهم ، فلم يفضحهم أما المؤمنون فلا يعتذرون عن الجهاد لأنه سنام الأمر وذروة الإسلام .

ب ـ وقوله سبحانه وتعالى في المخلفين من الأعراب : { [COLOR="green"]قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [/COLOR](16) }(الفتح) .
لم يسمح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمخلّفين عن عمرة الحديبية أن يخرجوا معه إلى خيبر لفتحها وأخذ غنائمها مع المسلمين ، وهذا عقاب لهم لتخلفهم ذاك . فلما ادعوا أن المسلمين منعوهم الذهاب معهم لأنهم لا يودون مشاركتهم في الغنيمة قال لهم : ستدعون إلى حرب قوم أشداء هم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب أصحاب الردّة ، فإما أن يدخلوا في دينكم أو تقاتلوهم ، فإن تستجيبوا ولا تتخلفوا يعطكم الله الغنيمة والنصر في الدنيا ، والجنّة في الآخرة ، وإن تتخلفوا كما تخلفتم زمن الحديبية ، يعذبكم الله عذاباً أليماً في نار جهنّم ، فلا عذر أبداً عن تخلف المسلمين عن الجهاد .

ـ ومثال الأمر الخامس : تنقية الصف من الشوائب :
قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [/COLOR]. . . (249)}(البقرة) .
إن طالوت أراد أن يعرف جلد جنوده وصبرهم وثباتهم في القتال ، والقائد حين يعرف جنوده يقدِّر للمعركة ، مكانها ، وزمانها ، وحجم قواتها . . فمرَّ بهم على نهر ، وأمرهم أن لا يشربوا منه ، ومَنْ كان عطشان فليشرب قليلاً ، لكنَّ أكثر الجنود شربوا فصرفهم من جيشه ، فلا خير في
جنود لا يطيعون قائدهم قبل القتال لأنهم في القتال سينهزمون ، فلْيتخلص منهم ليكون على بينة من أمره وليكون جيشه من النوع الجيّد الذي لا شائبة فيه .

ـ مثال الأمر السادس : التوصل لاكتشاف جديد :
قوله تعالى على لسان الجن : { [COLOR="Green"]وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [/COLOR](8) [COLOR="green"]وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [/COLOR](9)}(الجن).
فمن عادة الجن أن يبلغوا السماء لاستماع كلام أهلها ، لكنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين ولد مُنِعت الجنُّ أن تسترق السمع من أهل السماء بله الاقتراب منها ، فقد ملئت بالملائكة الذين يحرسونها ، وبالشهب المحرقة التي تقذف من يحاول الاقتراب منها .
لقد كانوا يأخذون الأخبار ، ويلقونها إلى الكهّان مغلوطة مبتورة ، فيتلقفها هؤلاء يزيدون فيها ويسرفون ، فمن يحاول استراق السمع بعد الآن يجد شهاباً ينتظره راصداً إياه ، فيحرقه ويهلكه .
فعملية التجريب إذاً تجعل الإنسان يلمس بيديه ، ويرى بعينيه ، ويسمع بأذنيه ، فيثبت الأمر في نفسه ولا ينساه أبداً .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التخطيط
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التخطيط واتخاذ الأسباب

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]


[color="blue"][size="5"] العمل الارتجالي لا يؤتي أكله كما لو كان مُعَداً إعدادً جيداً ومدروساً دراسة وافية ، ومعروفة أبعاده وجدواه ، ومراحله .
وكل عمل أو فكرة تخطر على البال لا بدَّ أن تخطط له تخطيطاً ، جيداً تراعي فيه الهدف منه وبدايته وإتمامه وإيجابياته وسلبيّاته ، وإلا كان عملاً عشوائياً قد ينجح وقد يفشل ، واحتمالات فشله أكبر . وإن نَجَحَ فنجاحُه مرحليٌّ أو غير مكتمل .
والقرآن الكريم يضع بين أيدينا نماذج من التخطيط ، الذي يؤدي إلى الوصول إلى الهدف المنشود منها
ـ ولنقرأ في سورة يوسف ما فعله إخوته حين شعروا أن أباهم يحب يوسف أكثر منهم ، ويفضله عليهم ، فماذا يفعلون ؟ تدارسوا الأمر فيما بينهم ، قال تعالى : { [color="green"]اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [/color](9)} .
تفكير شيطاني سهَّلَ لهم القتل ، وبعد ذلك يعودون أتقياء أنقياء وكأن القتل لا يترك في القلب نكتة سوداء تؤرق صاحبها إلى أن يموت ، قال سبحانه: { [color="green"]قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ[/color] (10)} .
وقلبوا وجوه الأمر فرأوا أن إلقاءه في الجب أسلم لهم ، ولن يؤرقهم كما لو أنهم قتلوه . . ثم جاءوا أباهم يقنعونه أن يسمح لهم باصطحاب يوسف معهم ، في رحلة برية يتريضون ويصطادون ، وأكدوا لهم حرصهم على أخيهم ، فلما أظهر الأب تخوفه أن يتركوه وهو صغير فيعدو عليه ـ في غفلة منهم ـ الذئبُ فيأكله أقسموا أنهم لا يتركونه وإلا فهم خاسرون . وكأنه لقّنهم حجة هم بحاجة إليها يتعللون بها عند أبيهم . . وهكذا كان ، قال تعالى:
{ [color="green"]قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ[/color] (11) [color="green"]أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [/color](12) [color="green"]قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ [/color](13) [color="green"]قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ [/color](14)} .
وحبكوا قصّتهم ورتبوا مكرهم ونفذوا خطتهم ، قال عز وجل: { [color="green"]وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ [/color](16) [color="green"]قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [/color](17)} .
فقد :

1ـ جاءوا أباهم عشاءً فلا يرى الغدر في عيونهم.
2ـ بدأوا يبكون فشعر بالخطب الجسيم قبل أن يلقوه على سمعه .
3ـ هيّأه بكاؤهم على تقبّل المصيبة التي سيسمعها منهم.
4ـ تلطّفوا له بالقول: " [color="green"]يا أبانا [/color]" ولهذا فائدتان:
الفائدة الأولى : هي كلمة استعطاف ليرقّ قلبه لهم فلا يعاقبهم .
الفائدة الثانية : إيهامه صدقهم في حرصهم على أخيهم .
5ـ لقّنوه الحجة التي سمعوها منه في اعتذاره عن إرسال يوسف معهم " [color="green"]يأكله الذئب[/color] " .
6ـ أنت لا تصدقنا مع أننا صادقون.
لكنَّ هذا التخطيط المحكم نقض بخطأ كبير وقعوا فيه دون أن يشعروا ، قال جل شأنه : { [color="green"]وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ[/color] ...(18)} .
كان القميص ملوّثاً بدم لكنّه غير ممزّق ، فالذئب الذي أكله كان ذكياً!! لقد جعله يخلع قميصه قبل أن يأكله حتى يستفيد منه إخوته!! لذلك لم يكن التخطيط كاملاً ، فهذه الثغرة فضحتهم ، وعرف الأب ذلك فقال : هذا مكر دفعكم إليه نفوسكم الخبيثة .

ـ وهذه إمرأة العزيز تراود يوسف حين بلغ مبلغ الرجال وكان جميلاً ، وسيماً ، تتفجر الدماء من عروقه ويطفح وجهه إشراقاً فيأبى ذلك ، قال تعالى : { [color="green"]وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ[/color] (23) }، فزوجُها أكرمَ يوسفَ ، وتعهده بالرعاية . فكيف يسيء إليه في زوجته ؟! لا يفعل ذلك إلا الخائنون الذين يجازون الإحسان بالسوء ، ويوسف ليس منهم .
وانتشر الخبر بين نساء المدينة :
أـ امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه .
ب ـ امتنع عليها وأذلَّ كبرياءها .
والأمران وصمة عار عليها فأرادت أن تلجم أفواههن فماذا فعلتْ :
1ـ دعتهن إلى قصرها.
2ـ أكرمتهن بالطعام والفاكهة.
3ـ أمرت يوسف أن يخرج عليهن فخرج.
4ـ رأينه فائق الجمال ملكاً يمشي على الأرض ، فدهشن لهذا الجمال الأخاذ.
5ـ لم يشعرن إلا والدماء تسيل من أصابعهن فقد أخذ الإعجاب بجماله والدهشة له منهن كل مأخذ ، فجرحن أيديهن .
6ـ شعرت بالانتصار عليهن ، فعاتبتهن على ما قلن في حقها من تجريح .
7ـ حين رأت نفسها منتصرةً عليهن باحت بمكنون قلبها نحوه ، وأصرت على تعلقها به والرغبة في وصاله ، ولو أدى ذلك إلى سجنه إن أبى .
وهذه خطة جهنميّة لا يفعلها إلا صاحب الكيد الذكي ، قال سبحانه : { [color="green"]فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [/color](31) [color="green"]قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ [/color](32) }.
ثم تأمل معي كيف خطط عليه الصلاة والسلام للخروج من السجن بل كيف خطط الله تعالى له :
1ـ { [color="green"]وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ
[/color]2 ـ [color="green"]فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [/color](50)
3ـ [color="green"]قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ
[/color]4 ـ [color="green"]قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ
[/color]5ـ [color="green"]قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [/color](51) [color="green"]ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [/color](52) [color="green"]وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [/color](53)
6ـ [color="green"]وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي[/color]
7ـ [color="green"]فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ[/color] (54)
8ـ [color="green"]قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ[/color] (55) }.

وهكذا كان تخطيط الله تعالى له حيث أخرجه من السجن إلى الصدارة ومن كونه مرؤوساً إلى صيرورته رئيساً .

وكيف خطط يوسف عليه السلام لاستعجال أخيه بنيامين إلى مصر ؟ :
1ـ { [color="green"]وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [/color](58)
2ـ [color="green"]وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [/color](59)
3ـ [color="green"]فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ [/color](60)
4ـ [color="green"]قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ [/color](61)
5ـ [color="green"]قَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [/color](62)
6ـ [color="green"]فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [/color](63)} .
7ـ { [color="green"]وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ [/color](65) }
إضاءة : أراد أن يرى أخاه الشقيق ، فأظهر تعجبه من كثرتهم وهم عشرة رجال ، فقالوا هناك عند أبيهم رجل آخر . فقال عند ذلك جيئوا به لأراه ، فإن لم يجيء فلا كيل لكم عندي .
ولن يعودوا سريعاً ، إنما سيعودون حين ينفذ القمح ، لذلك جعل ثمن البضاعة فيها لعلمه أنهم حين يفتحون متاعهم ، سيجدون ثمنه ، وسيضطرون إلى العودة لدفع الثمن ، وفي الوقت نفسه يأخذون ميرة جديدة ، لكنه لم يعطيهم إذا لم يكن أخوه معهم . إذاً سيضغطون على أبيهم ليسمح باصطحابهم بنيامين وهكذا كان ، بعد أن استوثق منهم على الحفاظ عليه .
أما كيف خطط ليحتفظ بأخيه دون أن ينتبهوا إلى ذلك ؟ قال عز وجل :
1ـ { [color="green"]وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [/color](69)
2ـ [color="green"]فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ[/color]
3ـ [color="green"]ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [/color](70)
4ـ [color="green"]قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ[/color] (71) [color="green"]قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [/color](72) [color="green"]قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ [/color](73)
5ـ [color="green"]قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ [/color](74) [color="green"]قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [/color](75)
6ـ [color="green"]فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ[/color]
7ـ [color="green"]ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ[/color] . . (76) .
في شرع الملك كان السارق يضرب ، ويعنّف ، ويدفع ضعف ثمن ما سرقه . أما في شرع يعقوب وأبنائه فإن السارق يصبح عبداً لمن سرقه ، فعاملهم بشريعتهم لا شريعة الملك .

ـ أما قصة سيدنا موسى في سورة طه ، وتيسير الله وحفظه له في قصر فرعون فتراها في الآيات
[ 37 ـ 40].
1ـ أوحى الله إلى أمّه أن تضعه في صندوق خشبي بعد إرضاعه .
2ـ أمرها بإرضاعه كي يحبه موسى ، فلا يتقبّل موسى ما يُقدَّم له من حليب المرضعات غير حليب أمه الذي استساغه ولن يرضى بغيره .
3ـ دفعته الأمواج بإذن الله إلى قصر فرعون ، عدو الله ، وعدو موسى .
4ـ كتب الله له القبول عند آل فرعون ، ليبقى عندهم .
5ـ متابعةُ أخته له حتى تعرف إلى أين سينتهي.
6ـ أختُه تدلُّ الباحثين على أمه لترضعه.
7ـ عودة موسى إلى أمّه بعون الله ومساعدته.
إنه تخطيط رب العالمين ، يحفزنا على ترتيب ما نريده بخطة سليمة ، وتفكير سديد .

ـ ونلحظ التخطيط في كسر إبراهيم أصنام قومه ، حين أرادوا الخروج من المدينة في عيد لهم فأعتذر بأنه مريض فتركوه ، وخرجوا ، فاغتنم فرصة خلوّ المكان فانطلق إلى الأصنام فحطمها ، قال جل شأنه : { [color="green"]فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ [/color](88) [color="green"]فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ[/color] (89) [color="green"]فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ[/color] (90) [color="green"]فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [/color](91) [color="green"]مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ[/color] (92) [color="green"]فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ[/color] (93)}(الصافات) .

ـ أراد الله سبحانه وتعالى أن يعبده الناس متجهين إلى قبلة محددة ، فبيّن لإبراهيم مكان بناء البيت كي يقصده الناس حاجين وأمره بعد انتهاء البناء أن يؤذِّن فإذا أذَّن أسمع الله نداءه إلى المخلوقات جميعاً .
{ [color="green"]وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [/color](26)
[color="green"]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [/color](27) }(الحج) .
فالله سبحانه خطط منذ القدم أن يكون البيت الحرام في مكة قبلة لعباده ، يحجون إليه ويطوفون حوله ويعبدون ربّه .
وقام إبراهيم وابنه اسماعيل ببناء البيت وتجهيزه لحجاج بيت الله الحرام ، ثم أذّن فسمعت النُّطَفُ أذانه فرددت ما قال .

ـ وفي سورة النمل الآيات [ 27 ـ 44 ] :
1ـ عاد الهدهد إلى سليمان يحمل خبر مملكة اليمن التي يسجد أهلها للشمس ويعبدونها .
2ـ حَمَّلَ سليمانُ عليه السلام الهدهد كتاباً فيه دعوة إلى الإيمان بالله ، يلقيه بين يدي بلقيس ملكة سبأ ، ثم يبتعد فيراقب ردة الفعل .
3ـ أرسلت بلقيس هدية إلى سليمان علّه يتركها وبلادها.
4ـ لما أبى سليمان إلا إسلامها وقومها انطلقت إلى عاصمة ملكه زائرة .
5ـ أراد اختبار ذكائها فأمر بحمل عرشها إلى فلسطين.
6ـ حمله أحد العارفين بالله في لمحة البصر بإذن الله.
7ـ نكّر عرشها وعرضه عليها فلم تخطئه.
8ـ بنى قصراً من الزجاج الصافي ، فلما أرادت دخوله كشفت عن ساقيها ظانّة أنه ماء لشدة صفائه .
9ـ رأت عظمة ما لسليمان من ملك ونبوّةٍ فآمنت بدينه.
والملوك لتعاظمهم لا يسلّمون لأمر إلا إذا كان عظيماً ، فخطط سليمان لذلك بجلب عرشها وبناء القصر العظيم ليخلب لبَّها ابتداءً فتسلم له ، وكان تخطيطه موفقاً .
ـ وقبل ذلك نجد النملة تتخذ الأسباب ، ويساعدها على ذلك سليمان عليه السلام ، فنرى سليمان ينطلق وجنوده من الجن والإنس والطير ، فيصلون إلى وادي النمل ، وكان النمل خارجاً من أعشاشه يبحث عن رزقه ، فإذا ظلَّ منتشراً في الوادي فستطؤه أرجل الجنود ، وحوافير الخيل ، وقوائم السباع ، والجيش كبير العدد ، ولن تسلم نملة منهم ، فقالت نملة لبيبة رأت من بعيد جيش سليمان يهز الأرض تحته صارخة في قومها منبهة السامعين منهم ليحذروا ، قال سبحانه: { [color="green"]حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[/color] (18) }(النمل) .
فيسمع سليمان عليه السلام صوتها وتحذيرها ، فيوقف تقدم الجيش ، ويسألُ ربه أن يرزقه شكره على نعمه التي وهبه إياها ولوالديه ، ويسأله العمل الصالح الذي يرضيه ، وأن يرزقه جنته ورضوانه ، ودخلت النملة مسكنها وتبعها النمل فخلا الجوُّ منهم (عاملتُ النملَ معاملة المذكر لأن الله سبحانه وتعالى حين تحدث عنهم فقال { . . [color="green"]ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ [/color]. . } جعل الخطاب بواو الجمع وميم الجمع ، والله أعلم ) .
وفرغت الأرض ، فانطلق الملك سليمان عليه السلام إلى هدفه شاكراً حامداً . .
ويخاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتخذوا الأسباب الماديّة والمعنوية في لقاء العدو .

ـ أما المثال على اتخاذ الأسباب المعنوية فقوله سبحانه : { [color="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً[/color]
أ ـ [color="green"]فَاثْبُتُوا[/color]
ب ـ [color="green"]وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[/color] (45)
جـ ـ [color="green"]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ[/color]
د ـ [color="green"]وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[/color]
هـ ـ [color="green"]وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[/color] (46)}(الأنفال) .
ثم نهاهم أن يكونوا بطرين أشرين يراؤون الناس ولا يخلصون لله سبحانه :
{ [color="green"]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[/color] (47) {الأنفال).
فالثباتُ ، وذكرُ اللهِ ، وطاعتُه وطاعة رسوله ، والوحدةُ الإيمانية ، والصبرُ ، والبعد عن الرياء ، والإخلاصُ لله سبحانه أسباب معنوية ، إن اتخذها المسلمون نصرهم الله تعالى ، ولا أرانا في هذه الأيام الرديئة نتصف بواحدة منها . . . لذلك ترانا كالقصعة التي يتداعى الأَكَلَةُ الشرهون إلى التهامها .

ـ والمثال على اتخاذ الأسباب المادية قوله سبحانه : { [color="green"]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [/color](60)}(الأنفال) .
فالإعداد الماديّ يستدعي :
1ـ التربية البدنيّة واللياقة العالية.
2ـ التدريب على السلاح بكل أنواعه.
3ـ تأمين السلاح الثقيل ، والتدرب عليه.
4ـ إرهاب العدو بإظهار القوة قدر الإمكان.
5ـ القوة ترهب من يمدُّ العدوُّ ويساعده.
6ـ إنفاق المال في سبيل الله والعقيدة.

وهذا سيدنا موسى عليه السلام يرى ـ وهو عائد إلى أهله في مصر وزوجته معه ـ ناراً والدنيا باردة ، والمكان مظلم ، ولا بدَّ للدفء والأمان ، ورؤية من يقصدونه من الحصول على النار ، وها هو يراها من بعيد فيترك أهله قريباً من المكان ، ويسرع إلى الضوء ليقبس قبسة تفيده فيما يرمي إليه من أحد يدله على الطريق ، فقد ضلّ عنه وقد هبت ريح شديدة فرّقت ماشيته ، فهو يسعى لنار تريه إياها كما أن زوجته أخذها الطلق ، وهذا أخذ بالأسباب الموصلة إلى الراحة ، والأمان ، والدفء . . .
وهناك يكلمه الله سبحانه وتعالى ويعرفه بحقيقته ، ويأمره أن يذهب إلى فرعون يدعوه إلى الله سبحانه { [color="green"]فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [/color](29)}(القصص) .
ويعطيه الله سبحانه من الأسباب المساعدة على إبلاغ الدعوة سلاحين :
أ ـ العصا التي تنقلب ثعباناً يثير الرعب والهلع في نفوس الحاضرين .
ب ـ التوهج الشديد ليده حين يدخلها في جيب قميصه .
كما يؤيده بأخيه هارون فهو فصيح اللسان واضح الكلام .
وينفي عنه الخوف من فرعون أن يقتصَّ منه لأنه قتل قبطياً ، قال عز وجل:. .
{ [color="green"]وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ
يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ [/color](31)
[color="green"]اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [/color](32)
[color="green"]قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ[/color] (33) [color="green"]وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ[/color] (34)
[color="green"]قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا
بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [/color](35)}(القصص) .

ـ وتأمل معي أمر الله تعالى لموسى في النجاة من فرعون ، ثم إغراق فرعون :
{ [color="green"]وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [/color](77) [color="green"]فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ[/color] (78) }(طه).
{ [color="green"]فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ[/color] (57) [color="green"]وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ[/color] (58)
[color="green"]كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ[/color] (59)
[color="green"]فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ[/color] (60)
[color="green"]فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ[/color] (61)
[color="green"]قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[/color] (62)
[color="green"]فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ[/color] (63) [color="green"]وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ [/color](64)
[color="green"]وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ[/color] (65)
[color="green"]ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ[/color] (66)}(الشعراء) .
{ [color="green"]فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ[/color] (23) [color="green"]وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ[/color] (24)}(الدخان) .
والرهْوُ : ترك البحر منفرجاً مفتوحاً
تجد موسى عليه السلام اتخذ الأسباب التالية :
1ـ استنجد بربه حين دعاه أن ينقذه وقومه من فرعون وجنده .
2ـ أمره الله أن ينطلق بقوة اتجاه المشرق ، فسار بهم ليلاً كي يقطع مسافة طويلة قبل أن يشعر بهم فرعون .
3ـ وحين وصلوا إلى شاطىء البحر كان فرعون مسرعاً بجيشه يقترب منهم . فقد رأى كل من الطرفين الطرف الآخر ، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ففعل ، فانفلق البحر ، وانشق طريقٌ يابسٌ بين جبلين من الماء .
4ـ أسرع موسى بقومه إلى الطرف الآخر وهم مشفقون خائفون .
5ـ وصل موسى وقومه إلى الشاطىء الآخر ، وهمَّ أن يضرب الماء ليعود البحر كما كان حتى لا يستطيع فرعون العبور إليهم .
6ـ أمره الله سبحانه أن يترك البحر كما هو ليدخل فرعون الطريق وجنوده ، فلما صار الجيش كلّه في الطريق أمر الله تعالى الماء ، فعاد كما كان فأغرق الكافرين .

فالاستنجاد بالله ، والدعاء له ، والمسير في الليل ، وضرب الماء ، ثم الهمٌّ بضربه مرة أخرى ليعود كما كان . . اتخاذ للأسباب .
لكنَّ التخطيط واتخاذ الأسباب لا يوصلان إلى الهدف إلا إذا أراد الله سبحانه وتعالى ذلك ، فعلينا التفكير وعلى الله التدبير ،

وهذا هو التوكل على الله .

يتبع[/size][/font][/b][/color]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإشهاد والشهادة
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الإشهاد . . والشهادة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]لهاتين الكلمتين معانٍ عدة :
فـ (شهد) : أَخبر الخبر القاطع ، وأدّى ما عنده من علم بأمرٍ ما ، وأقرَّ بما علم ، وعاين الشيء ، وأكد ما سمع ، وأخبر بما رأى .
و (أشهد) على الأمر : جعله يشهد عليه ، وأشهد الشيء : أحضره .
فلا تكون الشهادة والإشهاد إلا على حقيقة ساطعة ، وأمْرٍ بيّن لا إبهام فيه ، وقد قيل :
( [COLOR="Red"]على مثل ضوء الشمس فاشهد[/COLOR]).

أولا ـ فرضية الشهادة : وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نشهد لإرضائه في إقرار الحق وإبطال الباطل ، فقال آمراً بالشهادة :
{ ...[COLOR="Green"]وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ[/COLOR]... (282)}(البقرة) .
وقال أيضاً : { ...[COLOR="green"]فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [/COLOR]...(6)} (النساء).
وقال أيضاً : {... [COLOR="green"]وأقيموا الشهادة لله[/COLOR]...(2) }(الطلاق).
ولذلك كان كتم الشهادة وإغفالها ظلماً وجوراً ، لا ينبغي للمسلم الوقوع في إثمها ، قال تعالى :
{ ...[COLOR="green"]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ[/COLOR]... (140)}(البقرة).
وقال تعالى : { . . . [COLOR="green"]وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ[/COLOR] (106)}(المائدة) .

ثانيا ـ مكانة الشهادة :
أ ـ الشهادة إقرار بالحق .
ب ـ دعوة إليه وإصرار عليه .
جـ ـ أصحابها بلغوا ذروة من الشرف والعلم .
قال تعالى : { [COLOR="green"]شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [/COLOR](18)} (آل عمران) .
ولأن الشهادة إقرار بالحق استنكر القرآن الكريم كفر أهل الكتاب على الرغم من أنهم يشهدون الحق ويعرفونه . . قال تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ[/COLOR] (70) [COLOR="green"]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[/COLOR] (71) }(آل عمران) .
ويقول الله تعالى موضحاً مكانة الشهادة كي لا يضيّعها أحد : { [COLOR="green"]قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً
قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى
قُلْ لَا أَشْهَدُ
قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ[/COLOR] (19)}(الأنعام) .
وقال سبحانه : { ... [COLOR="green"]أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [/COLOR](19)}(الزخرف) .

ثالثا ـ وجوب أداء الشهادة :
وحين تشهد على أمرٍ فلتـُلق ِ شهادتك كاملة ، ليس فيها نقص أو إبهام ، وإلا غاب الحق عن أهله ، وطمست معالمه .
قال تعالى : { [COLOR="green"]ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ [/COLOR]...(108)}(المائدة) .
وإذا طلب أحد لأداء الشهادة لبّى وأداها على أحسن وجه . قال تعالى {. . . [COLOR="green"]وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [/COLOR]. . . . . . . . [COLOR="green"]ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [/COLOR]}(من الآية 282 البقرة) .

رابعا ـ مَنْ يشهد ؟ :
ذلك القرآن أنواعاً من الشهداء وكلـُّهم شهادته مقبولة معتبرة .

1ـ طائفة من المؤمنين: { ....[COLOR="green"]وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [/COLOR](2)}(النور).
2ـ أهل الحق: { [COLOR="green"]وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [/COLOR](86)}(الزخرف) .
3ـ أهل العدل: { ...[COLOR="green"]وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ[/COLOR] . . .(2) } (الطلاق).
4ـ كل مؤمن بالله: { ...[COLOR="green"]وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ[/COLOR] ..(10)}(الأحقاف) . وابن سلام رضي الله عنه من اليهود الذين أسلموا وشهدوا بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان سيد بني إسرائيل ، فغاضبوه وخاصموه لإسلامه
5ـ مَـنْ لا تـردُ شهـادتـه لـقـربه مـن المـتـهـم وهـو أدعـى أن يـصـدَّق : { [COLOR="green"]وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [/COLOR]. . . (26)}(يوسف) .
6ـ الصالحون ، فهذا سيدنا عيسى شاهد على قومه ما دام حياً : { [COLOR="green"]وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ [/COLOR]...(117)}(المائدة).
7ـ مَنْ عنده علم من الله تعالى صادقٌ : { ... [COLOR="green"]قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ[/COLOR] (43)}(الرعد) .
8ـ وأولاً وأخيراً يشهد الله تعالى كما مرَّ معنا قبل قليل وكما في الآية التالية ومعه ملائكته الكرام :
{ [COLOR="green"]لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ
وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا[/COLOR] (166) })النساء) .

خامسا ـ مكانة الشهداء :
إنَّ للشهداء الذين يشهدون الحقَّ وبالحقِّ مكانة كبيرة ، فقد ذكرنا قبل قليل أنواعهم ، وكلهم عدول ، يتمنّى كل واحد منا أن يكون مشهوداً له بمثل ما شهد الله لهم ، وهنا نذكر أنَّ مكانتهم من الله تعالى قريبة .
ـ فمن قـُتل في سبيل الله وإعلاء كلمته كان شهيداً لله ، قال تعالى :{ ... [COLOR="green"]وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ[/COLOR]..(140) }(آل عمران) .
ـ وقد سمى الله سبحانه وتعالى الأنبياء شهداء ، فكل نبي شهيد على أمته ، والرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهيد على الجميع ، فقال سبحانه : { [COLOR="green"]فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [/COLOR](41) }(النساء) .
ـ ومن قام بالحقِّ وعمل في سبيل الله فقد شهد بالعدل ، قال تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ[/COLOR] ...(8)}(المائدة).
ـ والشهداء أهل النور ، وأصحاب الثواب العظيم : {. . . [COLOR="green"]وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ[/COLOR] ... (19)}(الحديد) .

سادسا ـ علام نشهد ؟ :
أ ـ الصادق لا يشهد إلا بما علم وتأكد ، وإلا كان كاذباً ، فإخوة يوسف نصح بعضهم بعضاً بالعودة إلى أبيهم لإخباره أن ابنه سرق ، قال عز وجل : { .... [COLOR="green"]وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ [/COLOR](81)}(يوسف) ، ولا يزيد ولا ينقص ولا يقـْلِب الأمور فيكون ـ والعياذ بالله ـ من أهل الزور قال تعالى : { [COLOR="green"]وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [/COLOR](72)}(الفرقان) .
ب ـ نشـهد بـالإيـمـان والإســلام: {...[COLOR="green"]واشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [/COLOR])52)}(آل عمران)
هـذا مـا قاله الحواريون ،وأطاعوا أمر ربهم حين أكدوا مكررين قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [/COLOR](111)}(المائدة) .
وشهد النبيون جميعاً على التبشير بالرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ، واتباعه ، ونصرته إنْ بُعث وهم أحياء ، فأقروا وشهدوا ، قال جل شأنه : {.... [COLOR="green"]قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [/COLOR](81)}(آل عمران)
جـ ـ ونشهد على وحدانية الله وربوبيته : { [COLOR="green"]وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [/COLOR](172) }(الأعراف) .
د ـ والشهادة على الأمن والأمان ، وعدم الإساءة إلى الآخرين ، فقال تعالى مخاطباً اليهود : { [COLOR="green"]وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [/COLOR](84) [COLOR="green"]ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [/COLOR]. . . (35)}(البقرة) .
هـ ـ وتكون الشهادة لنفي التهمة كذلك ـ فلما قالت ثمود لنبيهم هود عليه السلام ،قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [/COLOR](54)}(هود) .
ويوم القيامة يُسأل الله المشركين عن آلهتهم المزعومة (( …[COLOR="green"]وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [/COLOR](47)}(فصلت) .
و ـ ويشهد الكفار على أنفسهم وكفرهم ، قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [/COLOR](6) [COLOR="green"]وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [/COLOR](7) }(العاديات)،
وقال سبحانه : {... [COLOR="green"]حتّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ[/COLOR](37)}(الأعراف) .
ز ـ وقد يشهد الإنسان لدرء العذاب عنه - في قضيّة الملاعنة بين الزوجين ، قال سبحانه: { [COLOR="green"]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [/COLOR](6) [COLOR="green"]وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [/COLOR](7) [COLOR="green"]وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ[/COLOR] (8) [COLOR="green"]وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [/COLOR](9)}(النور) .

سابعا ـ عدد الشهداء :
وينبهنا القرآن الكريم أن أقلَّ الشهادة في المعاملات الدنيوية شاهدان من الرجال ، قال تعالى : {... [COLOR="green"]وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ[/COLOR] ....} ،
وقد يكون الشاهد رجلاً معه اثنتان من النساء : {... [COLOR="green"]فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى[/COLOR] ...}(282)(البقرة) .
وفي حوادث الزنا يشهد أربعة رجال : { [COLOR="green"]وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [/COLOR]....(15)}(النساء) .
{ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [/COLOR](4) }(النور) ، وقد جُعل للزنا أربعة شهداء من الذكور لمنع الفاسقين من ثلم أعراض المسلمين ونشر الفاحشة بينهم .

ثامنا ـ إقامة الحجة :
ـ وقد يُكثِر الكاذب ، وصاحب الهوى ، والمفسد ، وأقرانهم من أهل السوء ، الكذبَ فيكون الإشهاد للتكذيب وإقامة الحجة على المفسدين أيّاً كانوا ، قال عز وجل: { [COLOR="green"]وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[/COLOR] (107)}(التوبة)، فكانت شهادة الله فيهم أنهم أهل الكذب والفساد . . . وعرَّاهم فبانوا على حقيقتهم .
ـ وشهد سبحانه وتعالى في المنافقين { . . . [COLOR="green"]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[/COLOR])(1)}(المنافقون) حين ادّعَوا أنهم مؤمنون بالله ورسوله .
ـ وتعال معي إلى شهادة من نوع عجيب غريب ـ وما ذلك على الله بعزيز ـ فيوم القيامة ترى ، وتسمع شهادةً ما بعدها من إنكار ، قال عز وجل : { [COLOR="Green"]وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ[/COLOR] (19) [COLOR="green"]حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[/COLOR] (20) [COLOR="green"]وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[/COLOR] (21)}(فصلت) .
فيشهد الإنسان على نفسه ، ويشهد بعضُه على بعض ! نعوذ بالله من هكذا مصير .

تاسعا ـ بعض الشاهدين كاذبون :
أ ـ وفي الدنيا تجد كثيراً من الكفار والمنافقين وأهل الأهواء يشهدون كذباً ، ويحلفون كذباً ، وهذا ديدنهم ، وعليه جبلوا .
فمن أمثلة المنافقين قوله تعالى : { [COLOR="green"]إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [/COLOR](2)}(المنافقون) .
ومن أمثلة الكافرين المدعين أنهم يحبون الخير ، ويكرهون الفساد قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [/COLOR](204) [COLOR="green"]وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[/COLOR] (205) [COLOR="green"]وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[/COLOR] (206)} (البقرة)
. يدّعون الصلاح وهم فاسدون ، ويغضبون إذا جوبهوا بذلك وقيل لهم: أصلحوا.
وبعض المسلمين ذوي الإيمان الضعيف يرمون أزواجهم بالزنا ـ وعددهم هذه الأيام كثير فعقوبتهم اللعنة ـ والعياذ بالله ـ ومن النساء من يزنين ، وينكرن ذلك ، ويكذبن أزواجهم الذين رموهنّ ، فعقوبتهن الغضب من الله ـ والعياذ بالله ـ وقد ذكرت آيات من سورة النور تحت عنوان : " علامَ نشهد "؟ .
ـ وعلى هذا لا يؤذن يوم القيامة لهؤلاء الكاذبين الذين ذكرنا بعضهم بالحديث ، ولا يقدرون عليه قال تعالى : { [COLOR="green"]وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ [/COLOR](83) [COLOR="green"]حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [/COLOR](84) [COLOR="green"]وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ [/COLOR](85)}(النمل) .

عاشرا ـ الشاهد لا يؤذى :
وكثير من غلاظ الأفئدة مغلّفي القلوب يظلمون الناس ، ويسيئون إليهم ، وقد يضطرون لإشهاد بعض الناس في أمرٍ ، فإذا جاء وقت الشهادة لاستعادة الحقّ ، وشهد هؤلاء نالهم السوء من العتاة المجرمين ، فهددوهم وأرهبوهم كي يسكتوا . ولا يرضى اللهُ سبحانه وتعالى مثلَ هذا التصرف المشين ، فقال سبحانه : { [COLOR="green"]وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ[/COLOR]...(282)}(البقرة) .

نسأل الله أن يجعلنا من المتقين ، الذين يشهدون الحقَّ ، ولا يخافون الباطل .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التقعيد
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التقعيد

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]كل بناء له أساس يقوم عليه ، وقاعدة يرتكز عليها ، ولن تجد بناءً متيناً إذا لم يقم على أسس صُلبة وقواعد ثابتة .

ـ والدين بناءٌ قاعدته الأولى ( [COLOR="Red"]التوحيد[/COLOR] ). قال تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]اللَّهُ الصَّمَدُ[/COLOR] (2) [COLOR="green"]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [/COLOR](3) [COLOR="green"]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[/COLOR] (4) }(الإخلاص) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[/COLOR] (163)}(البقرة) .

ـ ومع القاعدة الأولى تتصل القاعدة الثانية ( [COLOR="Red"]الإيمان باليوم الآخر[/COLOR] ) ذلك اليوم الذي يحاسَبُ فيه الإنسان على ما قدّمت يداه خيراً أو شراً .
قال تعالى : { [COLOR="Green"]إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [/COLOR](22)} (النحل).
وقال تعالى : { [COLOR="green"]الم[/COLOR] (1) [COLOR="green"]ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [/COLOR](2)
[COLOR="green"]الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [/COLOR](3)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [/COLOR](4)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/COLOR](5)}) البقرة).
وقال تعالى يؤكد لقاءَه سبحانه يوم القيامة : { [COLOR="green"]لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا[/COLOR] (94) [COLOR="green"]وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [/COLOR](95)}(مريم) .

ـ والقاعدة الثالثة : ( [COLOR="Red"]الموت والبعث[/COLOR] ). . . والموت يؤمن به كل الناس مؤمنهم وكافرهم إلا أنّ مفهوم الموت يختلف عندهما ، فالمؤمن يوقن به وبالحساب والعقاب ، والكفار ينكرون البعث ، ولا يرون حياة بعد الموت ، قال تعالى على لسان الكفار : { . . . [COLOR="Green"]وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [/COLOR](24)}(الجاثية) ، وقال كذلك على لسانهم : { [COLOR="green"]أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [/COLOR](3) }(ق).
أما المؤمنون فيقول الله تعالى فيهم مادحاً : { [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [/COLOR](107) [COLOR="green"]خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [/COLOR](108)}(الكهف) .

ـ والقاعدة الرابعة : ( [COLOR="Red"]الحساب والعقاب[/COLOR] ) ، قال تعالى : { [COLOR="Green"]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا[/COLOR]....(30)}(آل عمران) ،
وقال تعالى : { [COLOR="green"]وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/COLOR](8) [COLOR="green"]وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ[/COLOR] (9)}(الأعراف) .
وقال كذلك : { [COLOR="green"]فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ[/COLOR] (6) [COLOR="green"]فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [/COLOR](7) [COLOR="green"]وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ[/COLOR] (8) [COLOR="green"]فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ[/COLOR] (9) [COLOR="green"]وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]نَارٌ حَامِيَةٌ[/COLOR] (11) } (القارعة)

ـ والقاعدة الخامسة : ( [COLOR="Red"]أن طريق الله تعالى واحد مستقيم[/COLOR] ) ، لا يضل من سلكه لأنه صادر عن الله تعالى أصل الأنوار : { [COLOR="Green"]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[/COLOR]...(35)}(النور).
وقال تعالى : { [COLOR="green"]وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا[/COLOR] ...(126)}(الأنعام) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[/COLOR] (6) [COLOR="green"]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[/COLOR] (7)} (الفاتحة) .

ـ القاعدة السادسة : ([COLOR="Red"]أن الإيمان بالله لا يُقْبَلُ إلا أن يؤمن الإنسانُ بنبوّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته ويتبعه[/COLOR]) ، قال تعالى :
{ [COLOR="Green"]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [/COLOR](65)} (النساء) .
قال تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [/COLOR](158) }) الأعراف) .

ـ القاعدة السابعة : ( [COLOR="Red"]مفاصلة المشركين لكفرهم وعداوتهم للمسلمين[/COLOR] )، قال تعالى :
{ [COLOR="Green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [/COLOR](51)} (المائدة).
قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [/COLOR](55)
[COLOR="green"]وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [/COLOR](56) }(المائدة) .
وأعداؤنا لا يحفظون ذمة ولا عهداً ، وإذا أحسّوا بالقوة قلبوا لنا ظهر المِجَنّ ، وسامونا العذاب ألواناً ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ [/COLOR](10)} (التوبة) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [/COLOR](20)}(الكهف) ،
وقال تعالى : { [COLOR="green"]إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً
وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ[/COLOR] (2)}(الممتحنة) .

ـ القاعدة الثامنة : ([COLOR="Red"]أن الله تعالى شديد العقاب لمن عصى ، وواسع المغفرة لمن آمن به[/COLOR])
قال تعالى : { [COLOR="Green"]نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [/COLOR](49)
[COLOR="green"]وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [/COLOR](50)}(الحجر) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [/COLOR](98)}(المائدة) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [/COLOR](7)}(إبراهيم) .

ـ القاعدة التاسعة : ( [COLOR="Red"]أن العاقبة لأهل الإيمان [/COLOR])،
قال تعالى : { [COLOR="Green"]كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[/COLOR] (21)}(المجادلة) .
وقال تعالى مخاطباً نبيّه الكريم : { ...[COLOR="green"]فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[/COLOR] (49)}(هود) .
وقال تعالى مؤكداً نجاة المؤمنين من جهنم على الصراط ، ووقوع الكاذبين في عذابها
: { [COLOR="green"]وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا[/COLOR] (71) [COLOR="green"]ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [/COLOR](72) }(مريم).

ـ القاعدة العاشرة : ( [COLOR="Red"]دمار الكافرين ، ولكنْ بعد أن يرسل الله إليهم الرسل فيكفرون بهم[/COLOR]) ، قال تعالى : { [COLOR="Green"]وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [/COLOR](58)}(الإسراء) .
وقال تعالى : { [COLOR="green"]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [/COLOR](117)}(هود) .
أما حين يقتلون الرسل فعقابهم شديد { [COLOR="green"]وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](76) [COLOR="green"]سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا [/COLOR](77)}(الإسراء) .
وقال تعالى : { [COLOR="green"]وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[/COLOR] (16)}(الإسراء) .

- القاعدة الحادية عشر : ( [COLOR="Red"]عداوة الشيطان للإنسان [/COLOR]) ، فهو ـ الشيطان ـ يعتقد أن الإنسان سبب شقائه ، فحين خلق الله تعالى آدم أمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا له تعظيماً ، ورأى إبليس نفسه أكرم من آدم ، فأبى أن يسجد له ، وعصى ربه ، فلعنه ، وطرده من رحمته ، فآلى هذا على نفسه أن يغوي الإنسان ، ويضلّه ليكون شريكاً له في النار قال سبحانه : { [COLOR="Green"]قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[/COLOR] (82) [COLOR="green"]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [/COLOR](83)}(ص) ،
فنبه الله تعالى آدم محذراً إياه من إبليس ، فقال : { [COLOR="green"]فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [/COLOR](117)}(طه) .
ومِن تحذيرات الله سبحانه وتعالى لعباده من الشيطان قوله سبحانه : { [COLOR="green"]يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [/COLOR]...(27)} (الأعراف) ، وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [/COLOR](200)}(الأعراف) ، وقوله سبحانه : { . . . [COLOR="green"]إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [/COLOR](53)}(الإسراء) .

ـ القاعدة الثانية عشرة : ( [COLOR="Red"]أن الإنسان يتحمل وحده نتائج ما آمن به وما عملته يداه [/COLOR]) ، قال تعالى : { [COLOR="Green"]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[/COLOR] (38)}(المدثر) .
وقال أيضاً : { ...[COLOR="green"]كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [/COLOR](21)}(الطور) ، وقال سبحانه :{ [COLOR="green"]وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[/COLOR] . . . (18)}(فاطر) .

وهناك قواعد عديدة وأسس واضحة تقوم عليها العلاقة :

1ـ [COLOR="Red"]بين الله سبحانه وعباده [/COLOR].
2ـ [COLOR="red"]بين الناس أنفسهم[/COLOR] .
نترك لك أيها القارئ استجلاءها وتوضيحها .

فلا بد ـ إذاً ـ أن تكون أعمالنا وتفكيرنا قائميْن على قواعد متينة ثابتة وراسخة كي لا نزل
ونخطئ ، أو نميل مع الهوى ، أو نتيه في دروب الضلال بعيدين عن الحقِّ . لا سمح الله

يتبع [/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/العظة والعِبرة
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][COLOR="green"][SIZE="6"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

العظة والعِبرة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/SIZE][/COLOR][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]توقَدُ النار في الليل ، فترى الفراشات تتسابق إليها وتحترق بها ، وتُنصب الشباك في مياه النهر والبحر فتعلق بها ملايين الأسماك يوميّاً ، ويحمل الصياد بارودته إلى النبع القريب ليصطاد العصافير ، فتأتي هذه لتشرب فتلقى حَتفها ، ولا تحجم العصافير الأخرى عن العودة إليها ، لتقع فيما وقعت فيه مثيلاتها .
فلا عقل لها ولا تدبير يعصمها ، ولا تفكير يقودها إلى النجاة . . فالإنسان وحده الذي يتعظ بغيره ويعتبر ، الإنسان الذي يفكر في عاقبة كل أمر . . .
ولكنْ مع الأسف تجد الكثرة الكاثرة من الناس لا تفكر ، ولا تريد أن تفكر ، وهبها الله صمام الأمان ( العقل ) فطرحته جانباً إلى الأمور المعيشية ، وتنسى البشرية أنها خلقت لتمر بمراحل الحياة ، ثم تطوي صفحة الملايين من الناس يومياً والعجلة تدور ، والناس غافلون ساهون عن الحقيقة التي خلقهم الله لأجلها ، ويأتي الأنبياء والرسل ويأتي الدعاة من بعدهم يهزُّون الناس ليستيقظوا من سباتهم ، لينتبهوا إلى حقيقتهم . . ويصحو أناس ويغرق أناس . .
والقرآن الكريم يهزّنا لنستفيق ، ويدعونا إلى العظة والعبرة ، فيطرق أفكارنا من جهات عدة :
أولا ـ الاتعاظ بمصير الأمم السابقة .
ثانيا ـ الاتعاظ بنا أنفسنا .
ثالثا ـ الاتعاظ بما حولنا من حياة طبيعيّة ، نراها يومياً .

أولا ـ الاتعاظ بمصير الأمم السابقة:
أرسل الله سبحانه وتعالى أنبياءه الكرام إلى الناس ، يهدونهم إلى صراطه المستقيم ، فلما أبَوْا عاقبهم سبحانه : { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ
1ـ [COLOR="green"]فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا[/COLOR]
2ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ[/COLOR]
3ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ[/COLOR]
4ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا[/COLOR] ....(40)}(العنكبوت) .
ـ أما قوم لوط فقد عوقبوا بأن اقتلع جبريلُ عليه السلامُ قراهم من قرار الأرض ، ثم رفعها إلى عنان السماء ، ثم قلبها عليهم ، وأرسل عليهم حاصباً ( حجارة من سجيل منضود ) ، وجعل اللهُ مكانها بحيرة خبيثة منتنة " البحر الميت " وجعلهم عبرة إلى يوم التناد ، وهم من أشد الناس عذاباً يوم المعاد ، وتَرَكَ من هذه القرية آثارَ منازلهم الخربة ، ليعتبر بها الناس ، قال تعالى: { .. [COLOR="green"]تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [/COLOR](35)}( العنكبوت) .

ـ وأما قوم شعيب ـ أهلَ مدين ـ فقد نصحهم أن يؤمنوا بالله وحده ، ويخافوا العذاب الشديد ، ولا يبخسوا الناس أشياءهم ، ولينصفوا فلا يطففوا المكيال والميزان ، فكذّبوه ، وهددوه والمؤمنين معه ، قال تعالى: { [COLOR="green"]فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [/COLOR](37)( العنكبوت).
هذه الرجفة دمّرَت منازلهم ، وزلزلت قراهم ، ثم جاءتهم صيحة هائلة أخرجت القلوب من حناجرها ، فأصبحوا هلكى على الرُّكبِ ميتين .

ـ وأما ثمود فقد قال سبحانه: { [COLOR="green"]فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ[/COLOR] (5)( الحاقة) فقد أرسل الله تعالى عليهم صيحة مدمّرة جاوزت الحدَّ في أحَدّه فخلعت قلوبهم ، وذلك أنهم لما عقروا الناقة أخبرهم نبيهم بوعد الله ،قال سبحانه : { [COLOR="green"]فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ[/COLOR] (65)}(هود) وهكذا كان ، ففي اليوم الرابع جاء الهلاك المحتوم ، قال عز وجل: { [COLOR="green"]وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [/COLOR](67)}(هود) .
ثم ينبهنا الله تعالى إلى الإيمان بالله وحده ، مخوّفاً إيانا من عذاب يشبه عذابهم { [COLOR="green"]كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ [/COLOR](68)} (هود) .

ـ أما عاد التي سبقت ثمود فقد سبقتها كذلك بالكفر والفساد ، وحذرهم نبيهم هود من مغبّة الكفر ، فلم يأبهوا فكانوا ملعونين في الدنيا والآخرة ، قال سبحانه : { [COLOR="green"]وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ [/COLOR](60)}(هود) .
ولكن كيف أهلكوا ؟
قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ[/COLOR] (19) [COLOR="green"]تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ[/COLOR](20)}(القمر) .
إنها ريح عاصفة باردة شديدةُ العبوب والصوتِ ، استمرَّت عليهم ، قال جل شأنه :
{ [COLOR="green"]سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ[/COLOR] (7)}(الحاقة) ، تقلعهم إلى الأعلى ، ثم ترميهم إلى الأرض على رؤوسهم ، فتدقُّ أعناقهم ، وتتركهم على الأرض ، كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية ، وشبههم بالنخل لطولهم ، وضخامة أجسامهم .
وينبهنا الله تعالى أن لا نكون مثلهم ، فيعاقبَنا كما عاقبهم { [COLOR="green"]فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ[/COLOR] (8) }(الحاقة) ، { [COLOR="green"]فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ[/COLOR] (21)}(القمر) ؟ .
نعوذ بالله تعالى من سوء المصير

ـ وهؤلاء قوم نوح عليه السلام مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده ، وترك الأصنام ، لكنهم أبَوا الإيمان ، قال تعالى: { [COLOR="green"]قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا[/COLOR] (21) [COLOR="green"]وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا[/COLOR] (22) [COLOR="green"]وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [/COLOR](23) [COLOR="green"]وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا [/COLOR](24)}(نوح) .
فكيف كان عقابهم ؟ يئس منهم نوح حين نعتوه بما لا يليق به ، قال سبحانه : { . . . [COLOR="green"]وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ[/COLOR] }(هود) ، وقال عز وجل:
{ [COLOR="green"]فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ[/COLOR] (10)}(القمر) ،
وسأل الله أن يهلكهم ، قال جل شانه : { [COLOR="green"]وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا[/COLOR] (26)}(نوح) ، فاستجاب له ربه مصوّراً هلاكهم الرهيب :
{ [COLOR="green"]فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [/COLOR](11)}
[COLOR="green"]وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ[/COLOR] (12)
[COLOR="green"]وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [/COLOR](13)
[COLOR="green"]تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ[/COLOR] (14)} (القمر) .
ولما انتهى كل شيئ ونصر الله تعالى نبيّه نوحاً والمؤمنين معه ، وغرق الكافرون توقفت السماء عن المطر ، والأرض عن إخراج الماء بأمر الله العظيم .
أ ـ { [COLOR="green"]وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَغِيضَ الْمَاءُ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَقُضِيَ الْأَمْرُ[/COLOR]
هـ ـ [COLOR="green"]وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ[/COLOR]
و ـ [COLOR="green"]وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[/COLOR] (44)}(هود) .
نعم بعداً للقوم الظالمين . . .

ـ وهذا فرعون المتجبر المتغطرس ، قال تعالى : { [COLOR="green"]مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[/COLOR]...(38)}(القصص) ، ثم تجاوز في طغياته ، قال سبحانه: { [COLOR="green"]فَحَشَرَ فَنَادَى[/COLOR] (23) [COLOR="green"]فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[/COLOR] (24) [COLOR="green"]فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى[/COLOR] (25) [COLOR="green"]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[/COLOR] (26)}(النازعات) .
فكيف أهلكه الله تعالى ؟ لقد سار موسى إلى البحر ، وتبعه فرعون ، فنجا موسى وأغرق الله فرعون وجنوده ، قال عز وجل: { [COLOR="green"]فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ[/COLOR] (40) [COLOR="green"]وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ [/COLOR](41) [COLOR="green"]وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [/COLOR](42)} (القصص) .
ونجى الله بدنَ فرعون ليكون عبرةً لمن يعتبر ، قال جل شأنه : { [COLOR="green"]فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً[/COLOR]...(92)}(يونس) وما يزال بدنه في متحف مصر عبرةً للمعتبرين .

وهذا قارون آتاه الله المال الكثير ، يعجز عن حمل مفاتيحه الرجال الأقوياء ، يتكبّر ، ويبطر ، ويدّعي أن المال أتاه بكده وفهمه وذكائه، فغضب الله عليه ، ولمّا خرج يزهو بنفسه ابتلعته الأرض جزاءً وفاقاً ، قال عز من قائل : { [COLOR="green"]فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ[/COLOR] (81)}(القصص) .
أما ضعفاء الإيمان الذين كانوا يرغبون أن يحوزوا مثل ما عند قارون فقد انتبهوا من غفلتهم ، وحمدوا الله على نعمة الإيمان ، واتعظوا . قال عز وجل: { [COLOR="green"]وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [/COLOR](82) }(القصص) .
ثانيا ـ الاتعاظ بنا أنفسنا :
يفرح الوالدان بولدهما الذي أنجباه ، ويكرسان حياتهما لخدمته ، فإذا شبَّ هيآ له ما استطاعا ، ويكبر فيموتان ، ويتزوَّج هو وينجب . . . وتدور العجلة من نطفة إلى علقة إلى مضغة غير مخلقة ثم إلى مضغة مخلقة ثم يكون جنيناً كاملاً ، ثم يخرج طفلاً ، ثم فتى يافعاً ، ثم شاباً نشيطاً ثم رجلاً قوياً ، ثم يشيب ثم يهرم ، وقد يردُّ إلى أرذل العمر ، ويموت . . . وقد ينتهي أجله شاباً( عُدْ إلى سورة الحج ، الآية : 5 ، وإلى سورة المؤمنون ، الآيات : 12 ـ 14) . والعاقل يفكر ، ويعي أن هذه الدنيا فانية ، لا دوام لها ، وأن الآخرة هي الباقية ، فليعمل لها .
والإنسان يرى العبر بعين البصيرة قبل عين البصر ، يرى تلك التحولات فيتساءل ما أعظم قدرة َ الله تعالى ، وما أجدرَه بالألوهية والربوبيّة !.
والقرآن ينبهنا إلى التفكير والتدبير { [COLOR="green"]وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون[/COLOR](21)}(الذاريات)، ألا تبصرون قدرة الله في مراحل الخلق وفي اختلاف العصور ، والألسنة ، والألوان والطبائع ، والسمع والبصر ، وما إلى ذلك ؟ .
يقول قتادة : مَنْ تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ، ولُيّنت مفاصله للعبادة .
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يُنوِّه إلى عظمة الله في خلق الإنسان :
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
لماذا جعل الله الإنسان خليفة في الأرض ؟ أليس لأنه حَمَلَ الأمانة التي أَبَتْها السموات والأرض ؟ خلقه فأحسن صورته { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}(التين) .
ثالثا ـ الاتعاظ بما حولنا من طبيعة ومخلوقات نراها دائماً :
فهذه الأنعام يخرج الله عزّ وجل منها شراباً لذيذاً { [COLOR="green"]وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ[/COLOR] (66)}(النحل) .
والعجب أن ما حوله دمٌ وكَرِشٌ مليئ بالثُفل . . يا سبحان الله .
وهذا العسل الحلو المذاق المفيد تصنعه لنا حشرات صغيرة دائبة العمل { [COLOR="green"]وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ[/COLOR] (68) [COLOR="green"]ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[/COLOR] (69) }(النحل) .
وإذا نظرت فيما حولك من الأرض وجدت واحدة خصبة ، والثانية صخرية ، والثالثة رملية . من الذي قسمها هكذا ؟ .
وإذا نظرت إلى المزارع والحقول ، وجدت الأنواع الكثيرة التي لا تحصى من أنواع الثمار ، كلها تشرب الماء ، ولكن طعومها مختلف من حلوٍ ، إلى مرٍّ ، إلى حامض إلى مالح ، " ونفضل بعضها على بعض في الأكل " . مَنْ خلقها ونوَّعها ؟ .
بل إن الشجرة الواحدة قد تكون لها فرعان لثمر واحد ، لكنهما يختلفان في الطعم .
بل انظر إلى الأرض الممتدة أمامك فيها الوديان والجبال والأنهار ومن كل الثمرات ، ثم تمعن في اختلاف الليل والنهار بشكل منتظم . . . أليس مَنْ خلق هذا ودبّره قمين أن يُعْبَدَ ـ سبحانه ـ ؟
{ [COLOR="Green"]وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا
وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [/COLOR](3)
[COLOR="green"]وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[/COLOR] (4)}(الرعد) .
وكل ما حولنا فيه تعظيم لخالقنا ، دال على قدرته ، سبحانه وتعالى من إله عظيم قدير .

اللهم ارزقنا البصر والبصيرة .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الدقّة في العلم والتصرف
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الدقّة في العلم والتصرف

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"] صفة في الإنسان تدلُّ على نباهة صاحبها وذكائه ، تصدر عنه الأمور بعد رويّة وتدقيق ، وحساب ومراجعة ، يتابع الأمور معتمداً على آليات ومعطيات موثوقة ، ويتحرى الأشياء قبل الحكم عليها ويحسب لكل شيء حساباً .
وهذا لا يعني أنه موفق دائماً فالأمر بيد الله لكنّه يتعاطى الأسباب ، وغالب أفعاله توصله إلى ما يرميه .
والقرآن الكريم يضع بين أيدينا كثيراً من الآيات التي تصف المولى عزَّ وجلَّ بالعلم المطلق ، والدقة الكاملة سبحانه وتعالى ، فلِمَ لا نسير على هداه ، ونقطف من جناه ، ونستقي من ضياه ، ونقبس من سناه ؟ .
فهو سبحانه وتعالى يحكي عن ذاته العظيمة فيقول : { .... [COLOR="green"]وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[/COLOR] (61)}(يونس) .
فهناك إذاً ما هو أصغر من الذرة ، وقد اكتشف العلم الحديث ذلك . . { [COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [/COLOR](3)}(سبأ) .

وكما أنه سبحانه يعلم كل شيء ، ولا يغيب عنه شيء : فهو سبحانه يحاسب على كل شيء ، مهما صغر أو كبر ، قال تعالى : { [COLOR="green"]فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [/COLOR](7) [COLOR="green"]وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [/COLOR](8)}(الزلزلة) .
وقال سبحانه كذلك : { [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [/COLOR](40) }(النساء) .

كما أن الذي يؤمن بالله ، ويقرن الإيمان بالعمل يكرمه الله تعالى فيدخله الجنة ، ولا يُنقِص من ثوابه شيئاً مهما كان صغيراً ، كيف لا والمجازي هو الرحمن الرحيم ؟
قال تعالى : { [COLOR="green"]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [/COLOR](124) }(النساء) ، والنقير : حفرة في ظهر النواة ، كرأس الدبوس ، لا تكاد تُرى .

والله سبحانه وتعالى المتصرف في كل شيئ . أما المعبودات الأخرى فلا تملك شيئاً
مهما حَقُر ، فضلاً عن أنها لا تملك نفسها ، فكيف يعبدها الضالون .
قال تعالى : { [COLOR="green"]ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[/COLOR](13)}(فاطر) ، والقطمير : تلك القشرة الرقيقة بين الثمرة والنواة .
أرأيت إلى هذه الدقة في التعبير ففي هذه الآية ذُكِرَ " القطمير " وفي الآية السابقة
ذُكر " النقير " .

فإذا وقفت في غابةكبيرة فيها مئات الآلاف المؤلفة من مليارات الأوراق ، وعشرات الآلاف من مليارات الحب والثمار ، قلتَ مَنْ يعلم عددها ونوعها ؟ .
والله سبحانه وتعالى يعلم عددها وعدد ما سقط على الأرض منها . . . دقة عجيبة ، وحساب متقن { . . . . [COLOR="green"]وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[/COLOR] (59)}(الأنعام) .

وكل ما يفعله الله بقدر ، وهو مكتوب عنده في لوحه المحفوظ .
قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[/COLOR] (49)}(القمر) ، { [COLOR="green"]وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [/COLOR](53)}(القمر) ، وقال أيضاً : { [COLOR="green"]إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [/COLOR](12)}(يس) .

والمشركون يأخذون كتبهم بشمالهم ، فيقرؤونها ، فلا يجدون إلا ما عملوه كاملاً لم ينقص شيئاً صغيراً كان أم كبيراً ، فيتملّك اليأس قلوبهم .
أ ـ { [COLOR="green"]وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [/COLOR](49)}(الكهف) .

وحين يرفع الله سبحانه وتعالى أولياءه الصالحين إلى الدرجات العلا ، يكرمهم ، فيرفع معهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإحسان ، إلى مراتبهم على الرغم من أن صلاح الذرية لم يبلغْ صلاح الآباء مَنّاً منه سبحانه وفضلاً ، دون أن ينقص من ثواب الآباء شيئاً ، قال تعالى : { [COLOR="green"]وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [/COLOR]. . .(21 }(الطور) .

ومن الدقة العجيبة كما مرَّ في "النقير" و "القطمير" ، "الفتيل" أيضاً وهو الخيط الذي في شق النواة . . لا يظلم الله المؤمنين في ثوابهم وأجورهم ، بل يكرمهم ويزيدهم ، فهو المنعم الوهاب .
قال تعالى : { [COLOR="green"]يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [/COLOR](71) }(الإسراء) .

وتعالَ إلى الحساب الدقيق في السنوات ، فهؤلاء أصحاب الكهف لبثوا فيه ثلاثة مئة سنة ميلادية ، وهي تساوي ثلاث مئة وتسع سنوات هجرية . وعلى هذا لاحظ الدقة في الحساب
{ [COLOR="green"]وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [/COLOR](25) }(الكهف) .

واقرأ معي هذه الآية وتمعن في بعض الأسباب تتابع الليل والنهار :
{ [COLOR="green"]وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [/COLOR]
[COLOR="green"]وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [/COLOR](12) }(الإسراء) .

[COLOR="Red"]فالدقة دليل على التمكن ، وطريق إلى التثبت [/COLOR].

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الوضوح في المعاملة
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الوضوح في المعاملة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]


[size="5"][color="blue"] ليس هناك أفضل من الوضوح في التعامل ، ففي الوضوح فوائد عديدة منها :

1 ـ أن يعرف كل من الفريقين حدوده ، فلا يتعدّاها .
2 ـ أنْ يلتزم المتعاملون بما اتفقوا عليه ، فترتاح النفوس .
3 ـ أنْ تنسدَّ أمام المتلاعبين طرق الاحتيال والفساد .

والقرآن الكريم علمنا أن نعمل في ضوء الشمس ، دون مواربة أو ختل ، فنحن ندعو إلى الله بطريق واضحة ، يراها من يريد أن يراها ، ويتبعها من يريد اتباعها من أهل الفطانة والعلم ، والطويّة النظيفة .

ـ والله سبحانه وتعالى علّمَ نبيّه الكريم أن يكون قدوة في الوضوح { [color="green"]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [/color](108)}(يوسف) .

ـ أما شعيب عليه السلام ، أو الرجل الصالح في مدين ، الذي سقى موسى عليه السلام لابنتيه غنمه ، فقد أراد أن يزوج موسى ابنته ، فكان شرطه واضحاً ، قَبِـِلَـَه موسى عليه السلام:
{ [color="green"]قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ[/color]
1 ـ [color="green"]عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ[/color]
2 ـ [color="green"]فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ[/color]
3 ـ [color="green"]وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ[/color]
4 ـ [color="green"]سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ[/color] (27)
5 ـ [color="green"]قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ[/color]
6 ـ [color="green"]أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ[/color]
7 ـ [color="green"]وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ[/color] (28) }(القصص) .
شروط واضحة ليس فيها لبس . . وعلى مثل عين الشمس فاشهد .

ـ وتزوَّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ومكثت عنده فترة ، ثم لم يتفقا ، فطلّقها وكان زيد مملوكاً للسيدة خديجة ، وهبته للرسول الكريم حين تزوجها ، فأعتقه وتبنّاه ، وكان رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر زيداً أن يمسكها ، فلا يطلِّقْها . وهو يعلم أن الله سيبطل التبنّي وأحكامَه بتطليق زينب من زيد ، وتزويجها للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وبما أن الدِّينَ لا يمكن أن يكون فيه غموض وإبهام نزلت الآيات ، موضحة الأحكام دون حرج ولا خجل ، فالحق أحقُّ أن يتبع ، ولا يصح إلا الصحيح:
{ [color="green"]وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا[/color] (37)}(الأحزاب) .

ـ وفتح الله سبحانه على نبيه وعلى المسلمين خيبر ، فملكوا الكثير الكثير ، ورأت نساء النبي صلى الله عليه وسلم كثرة المال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنه الزيادة في النفقة ، ليتمتعن بسعة الدنيا ونعيمها وبهرجها الزائل ، فتأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إلحافهن في السؤال ، وإلحاحهن فيه . فنزلت الآيات واضحة تبيّن ما على نساء النبي أن يكنّ:
أ ـ { [color="green"]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا[/color] (28)
ب ـ [color="green"]وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[/color] (29)
جـ ـ [color="green"]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [/color](30)
د ـ [color="green"]وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا[/color] (31)
هـ ـ [color="green"]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا[/color] (32)
و ـ [color="green"]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[/color] (33)
ز ـ [color="green"]وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا[/color] (34)}(الأحزاب)

فوضّح الله لهنّ مكانتهن العظيمة في بيوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأنهنّ قدوة لنساء المسلمين توضيحاً بيّناً . فرضين كلهن برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجاً وحبيباً ، وقلن كلهن : بل نريد الله ورسوله والدار الآخرة . . . رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ .

ـ وليس المسلمون والكفار سواء في المعاملة في المجتمع الإسلامي . . صحيح أن لغير المسلمين في مجتمعنا حقَّ المواطنة والعيش الكريم ، والأمان ، إلا أنهم لا ينبغي أن يكونوا على قدم وساق مع المسلمين ، لا في الدنيا ، ولا في الآخرة كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى . فقال في كتابه الكريم ، نافياً أن يعامل المجرمون في الآخرة بما يماثل معاملة المسلمين ، في كثير أو قليل :
{ [color="green"]أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ[/color] (35) [color="green"]مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[/color] (36)}(سورة القلم) .
وقال سبحانه : { [color="green"]أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [/color](28) }(سورة ص) .
ـ وما أشد وضوح معاملة المطلقات في هذه الآيات :
{ [color="green"]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ[/color]
أ ـ [color="green"]فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[/color]
ب ـ [color="green"]وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ[/color]
جـ ـ [color="green"]وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ[/color]
د ـ [color="green"]لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [/color]
هـ ـ [color="green"]وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ[/color] ....(1) }(سورة الطلاق) .
و ـ { [color="green"]فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ[/color]
ز ـ [color="green"]وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ[/color] ...(2) }(سورة الطلاق) .
ح ـ { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ
يَحِضْنَ ...*
ي ـ ... [color="green"]وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ
يُسْرًا [/color](4) }(سورة الطلاق) .
* (لم يحضن لصغرهن ، عدتهن ثلاثة أشهر )

ـ وكثيرٌ من النساء هربن من المجتمع المكي المشرك إلى المدينة المنوّرة ، بعد صلح الحديبية ، فجاء أزواجهن أو إخوتهن يستردونهن بموجب الاتفاق المبرم ، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، اعتبر المتفق عليه بحق الرجال لا النساء ، وجعل لهن امتحاناً يَعرِف به المسلمون إن كنَّ مؤمنات حقاً ، أو هربن لأمر ما .
{ [color="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا[/color]
1 ـ [color="green"]إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ[/color]
2 ـ [color="green"]فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ
[/color]3 ـ [color="green"]وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا[/color]
4 ـ [color="green"]وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ[/color]
5 ـ [color="green"]وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ[/color]
[color="green"]وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا[/color] . . .(10) }(سورة الممتحنة) .
6ـ { [color="green"]وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا
أَنْفَقُوا[/color] ..(11) }(سورة الممتحنة) .
فهذه الآيات كانت موضحة تمام التوضيح لمعاملة النساء المسلمات ، اللواتي هربن إلى المجتمع المسلم ، والنساء اللواتي ارتددن إلى الكفر ، وكيف يدفع للمسلمات الجديدات مهرهن ، وكيف ـ إن كان ممكناً ـ استرداد ما دفعه المسلمون من مهور النساء اللواتي عدن إلى مكة مرتدات . . . [color="red"]وضوح ، وتنظيم ، ودقة في المعاملة ، كي يبتعد المسلمون عن الحرج [/color]. . .

ـ ويجب البرّ بالوالدين ، ولو كانا مشركين ، ولا يكون الشكر لله إلا مقروناً مع الشكر لمن أحسن إليك ـ الوالدين ـ ولكنْ للبر حدودٌ لا يمكن تخطيها !! . خاصةً إذا كانت حدود الله تعالى .
أ ـ { [color="green"]وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [/color]
ب ـ [color="green"]أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ[/color]
جـ ـ [color="green"]إِلَيَّ الْمَصِيرُ[/color] (14)
د ـ [color="green"]وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا[/color]
هـ ـ [color="green"]وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[/color]
و ـ [color="green"]وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ[/color] . . . . (15) }(سورة لقمان) .

ـ ونرى الوضوح كذلك في التعامل مع من يرتكب فاحشة الزنا :
1ـ فإن كان الزاني والزانية غير محصنين فكيف يعاقبان ؟ : .
أ ـ { [color="green"]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ[/color]
ب ـ [color="green"]وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ[/color]
جـ ـ [color="green"]وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[/color] (2) }(سورة النور) .
2 ـ بمن يقترن الزاني والزانية ؟ :
أ ـ { [color="green"]الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً[/color]
ب ـ [color="green"]وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ[/color]
جـ ـ [color="green"]وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[/color] (3) }(سورة النور) .
3ـ ما عقوبة مَنْ يقذف المحصنات دون وجه حق ؟ :
{ [color="green"]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ[/color]
أ ـ [color="green"]فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[/color]
ب ـ [color="green"]وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [/color]
جـ ـ [color="green"]وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[/color] (4) }(سورة النور) .
4ـ فهل تبقى العقوبتان المعنوية في الدنيا والنار في الآخرة إن تاب القاذف ؟ { [color="green"]إِلَّا الَّذِينَ تَابُوامِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [/color](5) }(سورة النور) . لا ، إنما يعود الأمر إلى مجراه بعد التوبة ، فتنتفي عنه صفة الفسوق حين يعترف أنه أخطأ .
5ـ فإن كان القاذف الزوج نفسه فما يكون من الزوجين ؟ :
{ [color="green"]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [/color]
أ ـ [color="green"]فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ[/color] (6)
ب ـ [color="green"]وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ[/color] (7)
[color="green"]وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ[/color]
أ ـ [color="green"]أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ[/color] (8)
ب ـ [color="green"]وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [/color](9) }(سورة النور) .
وهكذا يفرَّق بين الزوجين المتلاعنين فراق بينونة كبرى ، ويكون أحدهما قد باء بالخسران الأبدي إلا إذا كانت المرأة زانية ، واعترفت ، فرجمت ، فقد طهرت ، وتابت توبة نصوحاً .

إن الغوص في أعماق القرآن والقراءة فيه بإمعان يجلي للقارىء كنوزاً من الأمثلة في كل اسلوب تعليمي من أساليب القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

يتبع[/color][/size][/font][/b]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/اغتنام الفرص
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

اغتنام الفرص

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]

[size="5"][color="blue"]كيف يغتنم المرء هبوب رياحه ؟ وهل تتاح الفرصُ كثيراً ؟ وماذا يسمى من أضاع شيئاً كان بين يديه ثم سعى وراء ما يهرب منه ويبتعد عنه ؟ .
إن الله سبحانه وتعالى ينبهنا في قرآنه العظيم إلى اغتنام ما بين أيدينا ، والحرص عليه في مرضاة الله ، قبل أن نلقاه مفلسين خاسرين نادمين على ما فرطّنا فيه ، وما دمنا في الدنيا لم نغرغر بعد فلنغترف من الخير قبل الممات ، ففي الدنيا عمل ولا حساب ، وفي الآخرة حساب ولا عمل .
قال تعالى يدعو إلى الإسراع إلى فعل الخير :
{ [color="green"]فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [/color]. . . (148)}(البقرة) .

ويمدح المؤمنين الفاعلين الخير المسرعين إليه قبل غيرهم :
{ [color="green"]أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ[/color] (61)}(المؤمنون) .

أما أهل الغرف من جنات النعيم فهم الذين شمروا عن ساعد الجد واغتنموا الفرص فكانوا أهل الحظوة والقرب ، قال سبحانه :
{ [color="green"]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [/color](10) [color="green"]أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ[/color] (11) [color="green"]فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [/color](12)}(الواقعة) .

والله سبحانه وتعالى ينادي عباده داعياً إلى التوبة واللجوء إليه :
{ [color="green"]قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [/color](53)
[color="green"]وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [/color](54)
[color="green"]وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [/color](55)
[color="green"]أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [/color](56)
[color="green"]أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [/color](57)
[color="green"]أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[/color] (58)}(الزمر) .

ويناديهم أيضاً منبهاً إلى حاجتهم إليه ، فليغتنموا الدنيا ولْيعملْ كل إنسان بما يفيده .
{ [color="green"]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[/color] (15)
[color="green"]إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ[/color] (16)
[color="green"]وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ[/color] (17)}(فاطر) .

[color="red"][u]وما دام الله سبحانه قادراً على أن يفعل ما يشاء ولا حول لنا ولا قوة فعلامَ نستكبر عن عبادته؟ ولماذا نكفر به ونعصيه ؟[/u][/color]

ـ ومن فضل الله سبحانه علينا أنه لا يعاقب إلا بعد أن ينذر ويوضح ، فيرسل رسله إلى
الناس ، ويفسح لهم الفرصة ليغتنموها فإن أضاعوا حلَّ بهم العذاب { [color="green"]وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [/color](15) [color="green"]وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [/color](16)}(الإسراء) .

وقد جرت العادة أن يرسل الله رسولاً إلى المدن الكبيرة ، يبلغ رسالة ربّه ، وينذر الكفار ، فيقطع الحجج والمعاذير . حتى إذا أهلكهم لإصرارهم على الكفر والإنكار ، لم يدَعْ لهم حجة يتمسكون بها ، وهذا قمة العدل ، ومَن أكثرُ عدلاً من الله سبحانه ؟:
{ [color="green"]وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا
ظَالِمُونَ[/color] (59)}(القصص) .
فالعاقل يغتنم الفرص التي يقدمها له الله سبحانه وتعالى ، ويؤمن به ، ويطيعه ، ويطيع رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ـ ومن الفرص التي يقدمها الله سبحانه وتعالى لعباده دائماً قوله سبحانه :
{ [color="green"]وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [/color](25)
[color="green"]وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ[/color] . . . (26)}(الشورى) .
فهو سبحانه :
1ـ يفتح أبواب التوبة مشرعات دائماً .
2ـ فإذا أخطأ الإنسان ـ وهو خطاء ـ ثم استغفر ، غفر الله له .
3ـ العاقل يستجيب لهذا العفو ، فيغتنم الفرصة ، ويتوب .
4ـ فإذا تاب وعمل صالحاً زاده من فضله وأكرمه .

ـ ومن الفرص التي يقدمها الله تعالى فيتلقفها المسلم المؤمن دون أن تفلت منه ..الدعوة ُ المتكررة للإيمان بالله ، فالله سبحانه لا يفتأ يرسل المرسلين ـ سابقاً ـ والدعاة المخلصين ـ لاحقاً ـ مذكرين ، منبهين ، منذرين ، معلمين . . . ليستفيد منهم الناس قبل أن يفقدوهم .
{ [color="green"]وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ
إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ[/color] (13)
[color="green"]إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا
فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [/color](14)
[color="green"]قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ [/color](15)
[color="green"]قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [/color](16) [color="green"]وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [/color](17)
[color="green"]قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ[/color] (18)
[color="green"]قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ[/color] (19)
[color="green"]وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ[/color] (20)
[color="green"]اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ[/color] (21)
[color="green"]وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[/color] (22)
[color="green"]أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً [/color]
[color="green"]إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ[/color] (23)
[color="green"]إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[/color] (24)
[color="green"]إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ[/color] (25)
[color="green"]قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ[/color]... (26)}(يس) .
فدخل الجنة ، وكسب رضوان الله لأنه رأى الفرصة مواتية فاغتنمها . . .
ويغتنم المسلم وجود الدعاة المصلحين بين يديه فيلتزمهم ويتعلم منهم ، ويسألهم عما يفيده في دنياه وآخرته ، ليكون على نور من ربه .

ـ ويدعونا الله تعالى إلى الإسراع إلى الفرص واكتسابها فيقول : { [color="green"]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[/color] (60) [color="green"]لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ[/color] (61)}(الصافات) .
فيسرع المؤمنون إلى اقتناص ما يجعلهم فائزين ، ويعملون جادين مجتهدين .
ويعرض الله سبحانه وتعالى السبيل الذي يصل فيه المسلمون إلى الفلاح ، وإرضاء الله ، ليهرع إليه أصحابه المريدون له :
{ [color="green"]فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/color](38)}(الروم) . . يهرعون ، فيدفعون زكاة أموالهم وصدقاتهم لمن ذكرهم اللهُ تعالى ، فينالون ما وعدهم من رضاه وفلاح .

ـ وهذا سيدنا موسى وأخوه هارون – صلوات الله عليهما - يقدمان على فرعون ، ويدعوانه إلى عبادة الله وحده ، وترك البطر وادعاء الألوهية الكاذبة ، فينكر عليهما ذلك ، فيفجؤه موسى بالآيتين اللتين تبهرانه وأتباعه ، فيدعي أن موسى ساحر ، وأنّ أخاه يؤيده ، وأنّه سيبطل هذا السحر ، فعنده من السحرة الكثير ، ويضرب لموسى موعداً في يوم عيد للمصريين ، فيمهله موسى إلى ذلك اليوم . . .فيغتنم فرعون المهلة ، ويجمع السحرة والأعوان .
{ [color="green"]فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى [/color](60) }(طه) .

{ [color="green"]قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ[/color] (36) [color="green"]يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ[/color] (37) [color="green"]فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ[/color] (38) }(الشعراء) .
فإذا كان الفاسدون يغتنمون الفرص فنحن أحق منهم بذلك ، إننا أصحاب الحق ، والعاملون له .
حتى إن السحرة اغتنموا حاجة فرعون لهم ، فطالبوه بمكاسب ووعدهم بتنفيذها ، بل وعدهم بأكثر مما طلبوا ، فال عز وجل:
{ [color="green"]فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [/color](41) [color="green"]قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [/color](42) }(الشعراء) .

ـ وهذا سيدنا يوسف عليه السلام في السجن ، يأتيه رجلان ، رأى كل منهما حلماً ، يستفتيانه ، فلم يجبهما ابتداءً ، بل اغتنم فرصة حاجتهما إليه وإصغائهما إليه ، ودعاهما إلى الله تعالى ، وعبادته وتوحيده بشكل مفصل ، فلم يترك لهما حجة ، ثم أفتاهما فيما عرضاه :
{ [color="green"]قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [/color](37)
[color="green"]وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [/color](38)
[color="green"] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[/color] (39)
[color="green"] مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [/color](40)}(يوسف) .

ـ وهذه ابنة الرجل الصالح ترى في موسى قوة وأمانة ، وقلّما تجتمع هاتان الصفتان في
رجل . وأبوها بحاجة إلى مثله ، يرعى مصالحهم ، ويرعى الغنم ، فطلبت إلى أبيها أن
يستأجره ، فهو مغنم يعز نظيره ،قال تعالى: { [color="green"]قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [/color](26)}(القصص) ففعل أبوها ذلك ، أليس هذا اعتناماً رائعاً في اختيار زوج صالح للبنت وعامل أمين جلد يرعى الأسرة ويخدمها؟ .

وفي سورة الكهف ، في قصة موسى والرجل الصالح نجد :
أ ـ موسى يغتنم صحبة الرجل الذي آتاه الله رحمةً من عنده ، وعلَّمه من لدنه علماً ، فهو لا يتركه إلا أن يستفيد منه ما شاء الله له الاستفادة ، فيصحبه في أعمال ثلاثة ، ولا يفارقه إلا
مضطراً .
ب ـ الرجل الصالح نفسه يحاول منذ البداية أن يعتذر عن صحبة موسى ، لأن موسى لن يصبر عليه دون ان يعلم الأسباب الدافعة له في ما يفعل من أمر الله ، وحين يجرّبه ثلاث مرّات لا
يصبر موسى فيها على قبول أفعالٍ لا يعرف لفعلها سبباً يعلن الرجل الصالح وجوب
الفراق ، مغتنماً فرصة إخفاق موسى في الصبر دون سؤال إلى ان يخبره الرجل حين
يريد . . فيفارقه . .(راجع سورة الكهف الآيات 66 ـ 82 ) .

ونظرة ممعنة في آيات القرآن الكريم تجعلك أيها الأخ العزيز قادراً على الوقوف أمام عديد منها ، توضح لك اغتنام الفرص ، واقتناصها لتكون من الناجحين الفائزين .

يتبع[/color][/size][/font][/b]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/إيصال الأمر إلى أهله
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

إيصال الأمر إلى أهله

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]


[size="5"][color="blue"] يقول الله تعالى : { [color="green"]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [/color](9) }(الحجر) .
هو أعلم بما جاء به ، فهو سبحانه صاحب القرآن ومنزله على رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهو الذي يحفظه من التحريف والتبديل والتلف ، والقادر على ذلك ، وهو الذي يأمرنا ـ سبحانه ـ إذا غاب عنا أمرٌ من الأمور أن نلجأ إلى من هو عالم به ، عارف بأحواله ، عنده الحل عن دراية وخبرة .
ففي حالة المرض نلجأ إلى الطبيب لا إلى بائع الحليب .
وفي الرغبة في بناء منزل جديد نلجأ إلى المهندس ومقاول البناء ، لا إلى المزارع وبائع الدبّاء .
وفي الأمور الشرعية ـ إن استغلق علينا فهم حكم شرعي ـ نستفتي العالم والفقيه ، لا الصانع والتاجر النبيه . . .
والقرآن كما علمنا ويعلمنا دائماً ينبه إلى إيصال الأمر إلى أهله فيقول : { ....[color="green"]فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [/color](42) }(النحل) وليس المقصود بالذكر فقط الفقه والتفسير ، والسنّة . . إنما يتجاوز إلى الأمور الحيويّة والحياة المعيشيّة . وإن كانت الآية هنا تخصص هذه المقاصد لأن الحديث في هذه الآية عن الأنبياء وما يوحى إليهم .
كما أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلّمه كي يعلِّم الناس ، ويوضح لهم هذا الدين ويشرحه ، ليكونوا عارفين به عالمين ، ويستطيعوا تطبيقه :
{... [color="green"]وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [/color](44) }(النحل) .
والقرآن الكريم يحضُّ المسلمين أن يسألوا العارفين بالبواطن والظواهر كي يعملوا على هدى وبصيرة . من أمثلة ذلك : { [color="green"]وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا[/color] . . (45)}(الزخرف) ،
{ ..... [color="green"]فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا [/color](59)}(الفرقان) .

كما أنّ الإيمان يعتبر ناقصاً بل مفقوداً إذا احتكم المسلمون إلى غير كتاب الله ، وغير رسول الله ، ولا يكون إيماننا مقبولاً إلا إذا تبعنا هذا الرسول الكريم الذي يبعثه الله معلماً ومرشداً ، قال سبحانه: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}(النساء) ، وكيف يكون الحرج وأنت تسلم أمرك إلى المختص النبيه ، صلةِ الوصل بيننا وبين صاحب التشريع جلَّ شأنه ؟!.

وإذا سألنا أنفسنا : لماذا يحتكم الناس إلى ربّهم ؟ فالجواب بديهي معروف ، إنه العالم بكل شيء ، والقادر على كل شيء .
أ ـ { [color="green"]إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [/color]
ب ـ [color="green"]وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ[/color]
جـ ـ [color="green"]وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [/color]
د ـ [color="green"]وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا[/color]
هـ ـ [color="green"]وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[/color]
و ـ [color="green"]إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[/color] (34) }(لقمان) .

وقد نعى القرآن الكريم على المدَّعين الإسلام إحجامهم عن طاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإيغالهم في الابتعاد عن الاحتكام إليه ، فهذا ليس من شأن المسلم الصادق الإيمان ، بل هو من شأن أهل الأفئدة الضعيفة والقلوب المريضة . فكيف نبتعد عن النطاسيّ البارع ، وبيده الدواء الشافي ، والعلاج الناجع ؟!! . قال عز وجل:
{ [color="green"]لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[/color] (46)
[color="green"]وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ [/color](47)
[color="green"]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [/color](48)
[color="green"]وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [/color](49)
[color="green"]أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ [/color](50)
[color="green"] إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/color](51)
[color="green"]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [/color](52)}(النور) .

ففي طاعة أهل الاختصاص وأولي الأمر ، والاحتكام إليهم ، والنزول على أحكامهم الصائبة ، وتسليم الأمور لهم فوز أيّما فوز ، وفلاح أيما فلاح .

ومن الآيات الواضحة جداً في هذا الباب قوله تعالى :
{ [color="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [/color](6)
[color="green"]وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ [/color]. . .(7)} (الحجرات) .
فالمسلم المؤمن يسمع الخبر فلا يعجبه ، لأنه مخالف للحقيقة ، مجاف لها ، هكذا يحسُّه بفطرته ، فيتحرّاه ، ويسأل عنه ، حتى يتبيّنه على حقيقته ، فلا يجوز اتخاذ القرار إلا بعد معرفة حيثيات الأمر ، وإلا ظـُلِم أقوام ، وأوذي آخرون ، وندم المسلم على عملٍ عمِله دون البحث عنه وتحريه ومعرفته المعرفة التامة .

ومن الآيات الواضحة وضوحاً بيناً كذلك قوله تعالى : { [color="green"]وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [/color](83)}(النساء) .
فالخبر يأتينا سواء كان مفرحاً أم محزناً ، مبشراً أم محذّراً فينشر خبره بين الناس انتشار النار في الهشيم ، ولا يصل إلى أهل العلم والدراية إلا متأخراً وقد لا يصل ، وكان أحرى بمن سمعه أول ما سمعه أن يحمله إليهم ليحللوه ، ويتأكدوا منه ، فإن كان إشاعة لبلبلة الصف طوَوْه ، ومنعوا وصوله إلى العامّة من سوئه وسمومه ، فضيعوا الفرصة على المغرضين ، المصطادين في الماء العكر ، وإن كان صحيحاً استعدوا له وحذّروا الناس منه .
وكذلك يفعلون بالخبر الحسن .
وإلا يفعل المسلمون ذلك ينزلقوا إلى المستنقع الآسن ، الذي أراده لهم أعداؤهم أن يقعوا فيه ، وأراده الشيطان لهم أن يسقطوا في أوساخه ، وتعلقَ بهم أوشابُه .

[color="red"]لكنَّ رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ، وفضله عليهم نبههم إلى ضرورة إيصال الأمر إلى أهله ، فهم أولى به ، وأقدر على التعامل معه [/color].

يتبع[/color][/size][/font][/b]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ التزام الوقت
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التزام الوقت

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]


[color="blue"][size="5"] التزام الوقت يدلُّ على أن صاحبه دقيق في عمله ، ملتزم بأدائه في وقته ، صادق في وعده ، حريص على كسب ثقة الآخرين ـ وأخيراً ـ يعرف قيمة الوقت واستغلاله فيما ينفع ، وضرره إن لم يستفد منه .
وقد قيل قديماً في التزام الوقت والاستفادة منه : ( [color="red"]الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك [/color]) .

والقرآن الكريم حافل بالآيات الشريفة التي تحضُّ على استغلال الزمن ، وسباقه في الوصول إلى الهدف الصحيح ، قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم .
فالله سبحانه وتعالى خلق الكون كله في أيام ستةٍ ، أرضَه وسماءَه ، وما بينهما فقال :
{ [color="green"]اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ[/color] }( الفرقان 59 ، والسجدة 4 ) وكرر هذه الآية لفظاً ومعنىً ، أو معنىً فقط سبع مرات في كتابه الكريم ، مع أنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الزمن في أفعاله ، قال عز من قائل : { [color="green"]إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[/color] (82)}(يس) .
فلماذا خلقهما في ستة أيام إذاً ، وألزم نفسه هذا الزمن ؟ أليس فَعَلَ هذا ليعلّم عباده التوقيتَ لكل أمرٍ ، والاستفادة منه وعدمَ تضييع الزمن الذي تمضي عقاربه إلى الأمام ، ولا تعود أبداً إلى الوراء ؟
بلى إنه سبحانه : { [color="green"]عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[/color] (5)}(العلق) .
وعلى الرغم من أن الله سبحانه خالق الزمن والمتصرف فيه ، قال عز وجل :
{... [color="green"]وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ[/color] (8)}(الرعد) ، فقد فرض على نفسه التزام الزمن كي لا يترك للكافرين والمشركين ثغرة للتخلص من عاقبة كفرهم وإشراكهم ـ فهو سبحانه ـ يوبخ الكافرن الضالين الذين لم يعرفوا قدر الله تعالى وعظمته إلى أن هذا الكون العظيم من صنعه . فإلى أين يتيهون ؟ وقد خلقه في أزمان حدّدها ورتّبها ترتيباً رائعاً ؟ قال سبحانه :
{ [color="green"]قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ[/color] (9)
[color="green"]وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ[/color] (10)
[color="green"]ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [/color](11)
[color="green"]فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[/color] (12)}(فصلت) .

وهؤلاء الكفار يكذبون أنبياءهم ، ويسخرون منهم ، ومن تهديدهم بالعذاب ، ويستعجلون العذاب الأبدي الذي واعدهم الأنبياء بهم ، فهل يأتيهم العذاب سريعاً ؟ لا ، فالله سبحانه وتعالى حدّد لهم يوماً لا مناص منه .
{ [color="green"]وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ [/color](104) }(هود) .
{ [color="green"]وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[/color] (53) }(العنكبوت) .

والبشر هم الذين يغضبون وينفعلون فيبطشون ، ولكنَّ الله الحليم ـ وإن غضب ـ يلتزم بالموعد الذي حدده لهم ، وأنذرهم إياه : { [color="green"]وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [/color](45) }(فاطر) .

والكفار يستفزّون الأنبياء ويصفونهم بالكذب ، وإلا ـ على زعمهم ـ فلماذا لا يأتيهم العذاب أين هو ومتى يكون ؟ فيجيبهم القرآن الإجابة نفسها :
{ [color="green"]وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/color](29)
[color="green"]قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ[/color] (30)}(سبأ) .

ولهم أجل محدد يرجئون إليه { [color="green"]فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [/color]} (النحل ، الآية 61 ، والأعراف الآية 34 ) .

وتتجلّى شدة الالتزام بالوقت في الآية الكريمة التالية : { [color="green"]ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [/color].....(14)}(الشورى) .
1ـ فالغضب الشديد على الكفار واضح في الشرط لولا ـ حرف امتناع لوجود .
2ـ والشرط الموجود كلمة الله سبحانه بتحديد الساعة محققة الوجود .
3ـ فامتنع الجواب { [color="green"]لقضي بينهم [/color]} في الساعة التي يريد الكفار مستهزئين أن تأتيهم .
4ـ ولا بدّ من الانتظار إلى الأجل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لمحاسبتهم وعقابهم .

والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه حذروا أقوامهم هذا اليوم الذي لا يمكن تأخيره أبداً ، وحثوهم على الإسراع بالإيمان بالله قبل حلول هذا اليوم الشديد الوطأة على الكافرين ، قال عز من قائل : { [color="green"]يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [/color]}(القمر) .
{ [color="green"]فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [/color](9) [color="green"]عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [/color](10) }المدثر) .

وهذا سيدنا نوح عليه السلام حين دعا قومه ، قال سبحانه :
{. . . [color="green"]يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [/color](2)
[color="green"]أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [/color](3)
[color="green"]يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [/color](4)}(نوح)

[color="red"]ولكن هل يعقلون ؟ هل يرعوون ؟ هل يستمعون النصح والإرشاد ؟[/color].

فلنقرأ شكوى نوح إلى الله كفرهم وعنادهم ، قال عز وجل :
{ [color="green"]قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [/color](5)
[color="green"]فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا [/color](6)
[color="green"]وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [/color](7) نوح) .

فإذا حلَّ ذلك اليوم الرهيب ـ نسأل الله العفوَ والعافية ـ ورأى هؤلاء المشركون مصيرهم المرعب نسوا أنهم أقسموا أنه ليس بعد الدنيا دار ، وأنكروا البعث والنشور ، فسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى الدنيا ، ويؤخر عنهم العذاب ، ولكنْ لا تغيير في الوعد ، ويوم الحساب له ميعاد لا يخلفه الله سبحانه ، إنما سينتقم فيه من المشركين الكافرين لا محالة .قال تعالى :
{ [color="green"]وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ
فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [/color](44)
[color="green"]وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [/color](45)
[color="green"]وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ[/color] (46)
[color="green"]فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ[/color] (47) }(إبراهيم) .
وقال سبحانه:
{ [color="green"]إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [/color](43) }(إبراهيم) .

إن الالتزام بالوقت ، والعمل الجاد المتوازن ، والإيمان الواعي المستنير يوصل إلى النجاة في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا هناء ، وسعادة وسمعة حسنة ، وفي الآخرة جنات النعيم ، ورضوان من الله أكبر .

يتبع[/size][/color][/font][/b]

[CENTER][COLOR=olive]بارك الله فيك ايها الفاضل [/COLOR]
[COLOR=olive]تقبل مروري[/COLOR][/CENTER]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإستبعاد
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الاستبعاد

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]استبعد الشيء : عدّه بعيداً ... لا يكون .
وهذا أسلوب يتكرر في القرآن الكريم ، فيه شيء من التحدي والتعجيز ، وشيء من الرفض والتأكيد ، وفيه تهديد ووعيد وفيه استنكار وإثبات .
فإذا جمعنا هذا إلى ذاك وجدنا تدافعاً بين فريقين ، كل منهما يحكم على شيء وينفي ضده . . . ولكنَّ الحقَّ يكون دائماً مع الله ، الحق الذي ينبّه إلى العاقبة ، ويخوّف من النكران ، ويحث على التزام الهدى والبعد عن الضلال . . أليس هو الله سبحانه مالك الملك وملك الملوك الذي شرَّع فأوفى وحكم فعدل . . ؟!
فقد سمح الله تعالى للرجال أن يتزوّجوا من أربعة نساء ، لكنّه نبّه إلى الطبيعة البشرية الضعيفة ، التي لا يمكنها العدل بين النساء فحذر إلى الميل الشديد إلى بعضهن ، وترك الأخريات معلقات ،
{ [COLOR="green"]وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا[/COLOR] (129)}(النساء) .
وقد حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إيمان الناس جميعاً وأتعب نفسه في ذلك ، وهنا ينبهه الله تعالى أن عليه البلاغ ، فلا يحزن لإعراضهم ، فلو بذل كل شيء وبخع نفسه فأكثرهم كافرون ، ولن يستجيب له إلا من كتب الله له الهداية . أما موتى القلوب فحسابهم عند الله تعالى .
{ [COLOR="green"]وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ[/COLOR] (35)
[COLOR="green"]إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ
وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ
ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [/COLOR](36)}(الأنعام).
واستبعد القرآن إيمان هؤلاء الذين يصمون آذانهم عن قول الحق ، ويغمضون أعينهم عن رؤيته ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [/COLOR](11) [COLOR="green"]كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [/COLOR](12) [COLOR="green"]لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ[/COLOR] (13)
[COLOR="green"]وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ[/COLOR] (14) [COLOR="green"]لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ[/COLOR] (15)}(الحجر) .
ويقول تعالى كذلك : { [COLOR="green"]إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [/COLOR](37)}(النحل) .
وهؤلاء المشركون لا يؤمنون بالنشور والبعث بعد الموت ، ويستبعدونه ، فال عز من فائل :
{ [COLOR="green"]وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا[/COLOR] (66)}(مريم) ،
وُيردّ عليه ، قال سبحانه : { [COLOR="green"]أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا[/COLOR] (67)}(مريم) ،
وإعادة الخلق أسهل من إيجاده من عدم ، وكل شيء على الله سبحانه وتعالى هيّن .
وحين أرسل الله تعالى سيدنا هوداً عليه السلام إلى قومه عادٍ كفروا به واستنكروا البعث بعد الموت فقالوا ساخرين :
{ [COLOR="green"]وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ[/COLOR] (34)
[COLOR="green"]أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ[/COLOR] (35)
[COLOR="green"]هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ[/COLOR] (36)
[COLOR="green"]إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ[/COLOR] (37)}(المؤمنون) ،
{ [COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ[/COLOR] (67)
[COLOR="green"]لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ[/COLOR] (68)}(النمل) .
{ [COLOR="green"]وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[/COLOR] (25)}(الملك) .
ومعلوم أن الساعة من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ،قال عز وجل : { [COLOR="green"]قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [/COLOR](26)}(الملك) .
وتأمل معي عناد الكافرين وشدة كفرهم حين يشتطّون ويسخرون ويعاجزون ، قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا[/COLOR] (90)
[COLOR="green"]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا[/COLOR] (91)
[COLOR="green"]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[/COLOR] (92)
[COLOR="green"]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا[/COLOR] (93)}(الإسراء) .
ومهما فعل الكافرون فمصيرهم النار بين يدي الله سبحانه لا فكاك لهم ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ[/COLOR] (59)}(الأنفال) .
ـ وتصوّر الكافر حين يأتيه ملك الموت وهو في الغرغرة ويرى حوله ما قيل له ، فيوقن أنه ذاهب إلى النار لا محالة ، فيطلب تأخير الموت ليصلح ما أفسَدَه ـ ولكن هيهات ـ فلكل أجل كتاب ، قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [/COLOR]}(الأعراف) .
بل إن المؤمن العاصي الذي يرى أجله قد حان ولما يفعل من الخير إلا القليل ، يرغب أن يؤخّر أجله ليعوّض ما فات . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [/COLOR](10)
[COLOR="green"]وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[/COLOR] (11)}(المنافقون) .
وهل يغفر الله للمنافقين إن استغفر لهم المسلمون ؟! أو استغفر لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اقرأ معي قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"][COLOR="green"]اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[/COLOR] [/COLOR](80)}(التوبة)
إنهم فسقوا وخرجوا من الإسلام ، فهم والكفار سواء . فلا فائدة ، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، والعياذ بالله من مصيرهم المشؤوم .

وقد أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يستغفر لرأس المنافقين ابن سلول فنهاه الله تعالى عن ذلك ، فقال سبحانه :
{ [COLOR="Green"]اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[/COLOR] (80)}(التوبة) .
فامتنع الرسول الكريم عن الاستغفار له وقال : ( [COLOR="Magenta"]لو أعلم أن الله يغفر له إن استغفرت له أكثر من سبعين مرة لفعلت[/COLOR] ) وليس المقصود من العدد السبعين هذا إلا لكثرة الدالة على عدم الغفران للمنافقين .
وهؤلاء الكفار لا غفران لهم كذلك ، لأنهو صدوا عن دين الله ، وأصروا على الكفر
{ [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ[/COLOR] (34)}(محمد) .
وهذا الكافر نفسه كأخيه المنافق يود العودة إلى الدنيا ليؤمن بالله ، ويعمل صالحاً ، فهل ينفعه ذلك ؟ قال تعالى :
{ [COLOR="green"]حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ[/COLOR] (99)
[COLOR="green"]لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[/COLOR] (100)}(المؤمنون) .
{ [COLOR="green"]فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ[/COLOR] (24)}(فصلت) .
والله إنها لنهاية مأساوية ما بعدها من أسى ، فالنار من نصيبهم صبروا أم لم يصبروا ، وإن طلبوا من الله تعالى الرضا والصفح والغفران فلن ينالوا شيئاً ، بل يقال لهم : { . . . . [COLOR="green"]اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ[/COLOR] (108)}(المؤمنون)
، اللهم نجنا من مصيرهم الأسود .
إن العذاب شديد ، شديد ، والمصيبة للكافرين والمنافقين والمشركين كبيرة ، كبيرة
{ [COLOR="green"]وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ
وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [/COLOR](54)}(يونس) .
وفي آية أخرى تزاد كلمة { [COLOR="green"]ومثله معه [/COLOR]} للدلالة على شدة العذاب الذي لا يوصف ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ
أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ
َمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [/COLOR](18)}(الرعد) .

وانظر معي إلى الظالمين قبل أن يدخلوا النار وهي أمامهم ـ والعياذ بالله منها ـ يريدون النجاة منها والعودة إلى الدنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملونه ، ثم بعد ذلك يعرضون عليها ، وهم خائفون ، أذلاء ، ينظرون إليها بأطراف عيونهم لأنها مرعبة ، ثم ينجو المؤمنون فرحين بنجاتهم.
إن الخسارة الحقيقية ليست خسارة الأموال والدور ، وما يملكه الإنسان ، إنما هي خسارة النفس ولا حول ولا قوة إلا بالله
{ [COLOR="green"]وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ
وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ[/COLOR] (44)
[COLOR="green"]وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ
وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ [/COLOR](45)}(الشورى) .
ولذلك نجد الكافر يتحسّر على ما فات ويودُّ لو يتخلّص من العذاب ، ولو كان يملك ملء الأرض ذهباً لدفعه راجياً خلاصه . . . ولكنْ ما مِن خلاص :
{ [COLOR="Green"]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ[/COLOR] (91)}(آل عمران) .

فإذا كان الأمر هكذا ، لا نجاة للكافر والمنافق من العذاب أفلا يعقل الإنسان ويرعوي ويصطلح مع الله . . . أم على قلوب أقفالها ؟!

أقول :

[CENTER]يــا إلـــه الــعــالــمــيــنـــا * يــا مــجــيــب الســائــلــيــنــا
هـــب لــنــا مــنــك نـجـاة * وثــــبــــاتــــاً ويــــقــــيـــنـــاً
ربَّ جــمَّــلــنــا بــفــضـل * واهـــدنـــا دنـــيــــا وديـــنـــا
رب وفــقــنـــا بـــخـــيـــر * واغــرس الإيــمــان فـــيــنــا
يـــــا إلــــــه الــعــــالـــــمــــيــــنــــا[/CENTER]

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/دحض الإقتراء
 

[B][FONT="Arial"][COLOR="green"][SIZE="6"][CENTER]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

دحض الافتراء

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/CENTER][/SIZE][/COLOR]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] العقل هبة من الله وتعالى لبني البشر لأنّه فضّلهم على كثير ممن خلق ، فلما كانوا من أصحاب العقول وجب عليهم أن يفكروا بها التفكير السليم ، ولا يتبعوا أهواءهم ، [COLOR="Red"]فالأهواء حجب تغطي العقل وتشده إلى البهيميّة [/COLOR].
والمشركون والكفار اتبعوا هذه الأهواء التي تنأى بصاحبها عن الحق ، وتزين له الباطل ، فيصدر أحكاماً ليس لها من الحقيقة نصيب ، ويدّعون ما ليس بصحيح ، ويزينون لأنفسهم ولمن تبعهم أنهم قد أصابوا كبد الحقيقة ، والحقيقة أمامهم ، لكنهم لا يرونها ، أو يتعامون عنها .
والقرآن الكريم يورد كثيراً من افتراءاتهم ويبين تفاهتها وسفاهتها بقول محكم تتجلى فيه الفكرة المقنعة ، والبرهانُ الساطع أو السخرية اللاذعة . . .
فهلمّ إلى آي القرآن نقف على بعض منها :

ـ فالكفار يرمون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالكذب والافتراء على الله حين يقرأ عليهم القرآن . فكيف كان ردّ القرآن الكريم على دعواهم الكاذبة هذه ؟ قال تعالى :
{ [COLOR="Green"]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[/COLOR] ( 8 )
ب ـ [COLOR="green"]قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [/COLOR](9)
جـ ـ [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ
فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [/COLOR](10)}(الأحقاف) .

. . . فالردٌّ كان على ثلاث مراحل :

الاولى : أن الله تعالى يعاقبه إن كان مفترياً عليه ، ولا تقدرون أنتم على ردّ عذابه ، فكيف أفتريه وأدّعيه لأجلكم وأتعرض لعقابه ؟ أنتم تقولون سحرٌ وشعر وغير ذلك من الطعن ، فالله شهيد على صدق دعوتي وحسن تبليغي ، ويشهد عليكم بالجحود والنكران ، فإن عدتم وآمنتم فهو يتوب عليكم ويرحمكم .
الثانية : لست أول رسول جاء الناس بما جئتُ به ، فلأي شئ تنكرون عليّ ؟ ولا أدري بما يقضي الله عليَّ وعليكم ، فأنا متبع لا مبتدع ، ونذير لكم من عذاب الله .
الثالثة : أخبروني يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن من عند الله حقاً وكذبتم به ، كيف يكون حالكم ؟ ، ولقد عرَف أحد علماء بني إسرائيل صدقي ، فآمن بالقرآن ، وكفرتم أنتم . ألستم أضلَّ الناس وأظلمهم ؟ .
إنّه ردٌّ رائع سدّ عليهم مسالك افترائهم .

ـ ويعود الكفار إلى التكذيب ورمي الصادق الأمين بالافتراء على الله ، مدّعين أن القرآن صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال سبحانه:
{ [COLOR="green"]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](13)
[COLOR="green"]فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [/COLOR] (14)}(هود) .

والجواب المفحم يتضمّن ما يلي :

1ـ أنتم عرب فصحاء مشهود لكم بالبلاغة فهاتوا عشر سور مفتريات كما فعل محمد ـ على زعمكم ـ .
2ـ استعينوا بكل إنسيٍّ وجنيٍّ إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند غير الله .
3ـ إذا لم تستطيعوا أن تفعلوا ذلك فاعلموا أن رسول الله بشر مثلكم ، لا يستطيع ذلك ، وما يقرؤه عليكم كلامُ الله سبحانه وتعالى .
4ـ والعاقل من يسْلِم حين يرى الحقَّ ساطعاً واضحاً .

ـ بل إنهم يدَّعون أن رومياً علمه القرآن الكريم ، قال عز وجل :
{ [COLOR="green"]وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ
لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [/COLOR](103)
[COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[/COLOR] (104)
[COLOR="green"]إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ[/COLOR] (105)}(النحل) .

روى ابن إسحاق أنه كان في مكة فتىً أعجميٌّ قرب الصفا يبيع بعض السلع البسيطة يمر عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يمرُّ عليه الناس ، ويكلمه كما يكلمه الآخرون ، ولم يكن هذا الأعجمي ليتكلم من العربية سوى كلمات وجمل لا يكاد يبينها ، ولا يحسن نطقها . . . ادَّعى كفار مكة أنه علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة !!.
وعلى الرغم من أن هذا الادعاء لا وزن له إلا أنّه ينبغي أن نشير إليه رادّين على تخرصات المشركين :

1ـ لو كان هذا الغلام ذا حكمة وفهم ما وضع نفسه في الموضوع الذي هو فيه ، يمر عليه الجميع من كبار وصغار ، وينظر الكثير منهم إليه نظرة ازدراء .
2ـ أنّى لهذا الفتى أن يعلِّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحكمة - على فرض وجودها عنده - وأداة التعليم واللغة وحسن البيان ليست فيه ! وفاقد الشيئ لا يعطيه ؟!...
3ـ كان أحرى بهذا الأعجمي الذي اتصف بالعلم والحكمة ـ على حد قول الكفار ـ أن ينسب القرآن إلى نفسه ، فيفخر بذلك على أهل مكة ومن حولها ويتبوأ فيهم مركز الصدارة ، لا خانة النسيان !!.
4ـ لمَ تكاسلَ هؤلاء جميعاً فلم يتعلموا منه ـ إن صح زعمهم ـ فأفادوا واستفادوا ، ونافسوا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعوته ؟!! .
5ـ وعلى فرض أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسب ادعائهم ـ تعلم من ذلك الفتى الأعجمي القرآن والحكمة ، ثم صاغ ذلك بأسلوب عربي مبين ـ أما كان أهل قريش ـ وهم أفصح العرب أن يصوغوا الأفكار بقالب سامٍ من البلاغة شأنهم شأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!!.
لقد تحداهم القرآن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فعجزوا . . . فأحرى بهم أن يصدقوا أنه كلام الله تعالى المنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ـ قال تعالى : { [COLOR="green"]وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [/COLOR](38) [COLOR="green"]لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ [/COLOR](39) }(النحل) .

1ـ يقسمون بالله والعجيب أن الذي يقسمون به يكذبهم سبحانه .
2ـ ويؤكدون أن الميت لا يبعث .
3ـ وسبحانه قد وعَد ـ ووعده حق ـ أنهم سيبعثون ، فمن أصدق قولاً ؟!! إنه الله جلَّ وعلا .
4ـ البعث لأمرين اثنين :
أ ـ ليوضح لهم ما اختلفوا فيه .
ب ـ ليدفعهم بكذبهم وافترائهم على الله ورسوله إلى جهنم ، وبئس المصير .

ـ وبعض الفاسقين الجلاوزة بل كلهم يأمرون الناس بالكفر ، ويدّعون أنهم يحملون عنهم العذاب في الآخرة ـ إن كان هناك يوم بعث ونشور ـ قال عز من قائل:
{ [COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ
وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [/COLOR](12)
[COLOR="green"]وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ
وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [/COLOR](13) }(العنكبوت) .
فمن سنَّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .

ـ ويقول تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [/COLOR](42)
[COLOR="green"]سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [/COLOR](43) }(الإسراء) .

[COLOR="red"]وكلنا يعلم ما يفعل الشركاء بعضهم ببعض من الدسائس والمكر وسعيهم إلى إقصاء من يستطيعون إقصاءه .[/COLOR]
ـ ويقول سبحانه أيضاً :
{ [COLOR="green"]إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [/COLOR](98)
[COLOR="green"]لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [/COLOR](99)
[COLOR="green"]لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ [/COLOR](100) }(الأنبياء) .

[COLOR="red"]فهل هذه الآلهة تدفع عنها هذه النار المحرِقة ؟!!.[/COLOR]

ويقول سبحانه مؤكداً الفكرة نفسها :
{ [COLOR="green"]وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً
لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا
وَهُمْ يُخْلَقُونَ
وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [/COLOR](3)}(الفرقان) .

[COLOR="red"]فلماذا هم إذاً آلهة إن كانوا ضعافاً محكومين ؟!! .[/COLOR]

ـ ويتعجب الكفار أن يكون الرسول بشراً ، قال سبحانه :
{ [COLOR="Green"]وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا[/COLOR] (7) [COLOR="green"]أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا [/COLOR]( 8 ) }(الفرقان) .
فيرد الله تعالى عليهم ببساطة متناهية :
{ [COLOR="green"]وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ[/COLOR] . . . (20) }(الفرقان) .
ـ ومن العجيب أن صفاقة الكفار لا تقف عند حد ، فهم يدّعون أن الملائكة إناث . وأن الله أمرهم بعبادتها ، ولو شاء ما استطاعوا عبادتها !! ، قال عز وجل:
{ [COLOR="green"]وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [/COLOR](19)
[COLOR="green"]وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ
مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [/COLOR](20)
[COLOR="green"]أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [/COLOR](21)
[COLOR="green"]بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [/COLOR](22)}(الزخرف) .
فيسخر الله تعالى منهم حين يسألهم هل حضرتم خلق الملائكة فرأيتموهم إناثاً ؟!! إن الملائكة ستكتب شهادتكم ، ويوم القيامة تحاسبون عليها . وهل أنزلنا عليهم كتاباً يقول مثل هذه التخرصات ؟!! لا ، بل إنهم رأوا آباءهم ضالين فسلكوا طريق الضلال هذا . .

ـ والعجيب أنهم ينسبون إلى الله الخالق ما لا يرضونه لأنفسهم ، فهم يكرهون الإناث ، ويحزنون إن رزقوا بهنّ ، وينكفئون إلى بيوتهم خجلاً أن يسمعوا أحداً أو يشير إليهم أحد أنهم رزقوا بنات ، وقد يسعون إلى دفنهنّ أحياء ، ويجعلون الملائكة إناثاً وينسبوهن إلى الله بناتٍ ، قال تعالى:
{ [COLOR="green"]وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [/COLOR](57)
[COLOR="green"]وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ[/COLOR] (58)
[COLOR="green"]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ
أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ
أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [/COLOR](59)}(النحل) .

وأخيراً وليس آخراً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أميٌ لا يقرأ ولا يكتب فمن أين له أن يتعلم . . إن القرآن من عند الله سبحانه ، لا شك ، قال عز وجل:
{ [COLOR="green"]وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ
وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ
إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [/COLOR](48)
[COLOR="green"]بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [/COLOR](49)}(العنكبوت) .

وقال سبحانه : { [COLOR="green"]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[/COLOR] (2)}(الجمعة) .

إذاً ، فالقرآن يعلمنا أن نكون واعين نردُّ على الافتراءات التي ينثرها الأعداء هنا وهناك ـ ابتغاء التشكيك والطعن ـ بطرقٍ واضحة ودليل بيّن .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الدعاء
 

[B][FONT="Arial"][COLOR="Green"][SIZE="6"][CENTER]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الدعاء

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/CENTER][/SIZE][/COLOR]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]قال الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}(غافر) .

[COLOR="Red"]فمن دعا الله تعالى فقد لجأ إليه ، ونزله ببابه ، واتكل عليه ، وأظهر عجزه بين يديه ، وتقبّلَهُ الله وقضى حوائجه ، وازال عنه همّه وغمّه ، وأبدله مكانهما فرحاً وسعادة ،
أما العتلُّ الجوّاظ المستكبر فليس له إلا النار يصلاها ، والجحيم يتسعّرها ، لأنه استعلى وتكبّر[/COLOR] .

والدعاء مخ العبادة ، بل هو العبادة نفسها ، فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( [COLOR="Magenta"]الدعاء هو العبادة[/COLOR] ) (رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ) .

وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يسأل الله أن يتقبل دعاءه :
{ [COLOR="Green"]رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [/COLOR](40) }(إبراهيم) .

كما أن الدعاء يُتقبل حين يكون صاحبه مخلصاً لله تعالى :
{ [COLOR="green"]فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [/COLOR](14)}(غافر).

ويوم القيامة يفرح المؤمنون حين يعلمون أن الله استجاب لدعائهم حين التجأوا إليه في
الدنيا . . يقولُ أهل الجنة معترفين بفضله سبحانه :
{ [COLOR="green"]إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [/COLOR](28) }(الطور) .

[COLOR="Red"]إنك حين تدعو لنفسك تشعر بالأمن والأمان ، والهدوء والاطمئنان .
وحين تدعو لذريتك وأهلك تنزل البركات عليهم ، ويحوطهم الله برعايته .
وحين تدعو للمسلمين تزداد أواصر الحب ، وتنمو الصلات ، وتنتشر المودة .
وحين تدعو على أعداء الله وأعدائك تتفتح السماء بنصرك عليهم ، وتتزلزل الأرض من تحت أقدامهم .[/COLOR]
ولنا في السلف الصالح خير قدوة وأفضل أسوة .

فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو للبلد الحرام وأهله ، قال تعالى : { [COLOR="Green"]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ[/COLOR] ...(126) }(البقرة) .

ثم تراه وابنه إسماعيل عليهما السلام ، وهما يرفعان قواعد البيت يدعوان لنفسيهما ولذريتهما ، يقول الله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [/COLOR](127) [COLOR="green"]رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [/COLOR](128) }(البقرة) .


كما أن عباد الرحمن يسألون الله تعالى أن يحفظهم في أزواجهم وذرياتهم ويجعلهم قدوة لعباده الصالحين ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [/COLOR](74)}(الفرقان)

ثم انظر إلى برد الراحة وسمو النفس حين يقف الإنسان في رحاب الله يسأله ما لا يُسأل غيره سبحانه ، قال تعالى يعلمنا كيف ندعوه سبحانه:
{ [COLOR="green"]رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [/COLOR](286) }(البقرة) .

ـ وهذا سيدنا زكريا عليه السلام يرى التقوى في مريم البتول ، فتتحرك نفسه شوقاً إلى ولد صالح يخلفه ، فيضرع إلى الله بالدعاء ، أن يرزقه الولد الذي تقرُّ به عينه فيأتيه الجواب
سريعاً . . سبحان الله ما أسرع فضله وأكرم عطاءه
{ [COLOR="green"]هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ
رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [/COLOR](38)
[COLOR="green"]فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ[/COLOR] (39)}(آل عمران) .
أما حواريو عيسى عليه السلام فيرفعون أياديهم إلى المولى يسألونه رفع درجاتهم :
{ [COLOR="green"]رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ[/COLOR] (53)}(آل عمران) .

[COLOR="red"]وأولو الألباب أصحاب القلوب الحيّة تسبح أفكارهم في ملكوت الله ، فيرون الجمال ، ويرون الحقّ في كل ما تقع عليه عيونهم ، وتصل إليه عقولهم ، وتشعر به قلوبهم فيسألون الله العفو والمغفرة والنجاة من النار ، والكرامة يوم القيامة [/COLOR]

قال عز وجل: { [COLOR="green"]رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[/COLOR] (191)
[COLOR="green"]رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[/COLOR] (192)
[COLOR="green"]رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [/COLOR](193)
[COLOR="green"]رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [/COLOR](194) }(آل عمران) .
فكان الجواب على الفور نازلاً من السماء بالإيجاب ، قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [/COLOR]. . .(195)}(آل عمران) .

ونبيُّ الله يوسف عليه السلام يرى النساء المترفات يدعونه إلى طاعة المرأة الماكرة في الفحشاء فيأوي إلى ركن الله المتين يسأله حفظه وصونه :
{. . . . [COLOR="green"]وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [/COLOR](33)}(يوسف) ،
فيستجيب الله فيصرف عنه كيدهنّ {. . . [COLOR="green"]إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [/COLOR](34)}(يوسف) .

والقرآن الكريم مليء بآيات الدعاء التي تربط الإنسان ومصيره بربّه سبحانه وتعالى ، وتدله على الطريق الصحيح الموصل إلى رضاه ومغفرته ، [COLOR="red"]وحين يتصل الإنسان بخالقه يدعو له كل مخلوق ، ويحبه ويعظم في عينه [/COLOR].

[COLOR="red"]هذه ملائكة الرحمن تدعو لك أيها المسلم [/COLOR]. . قال تعالى :

{ [COLOR="green"]الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَيُؤْمِنُونَ بِهِ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا[/COLOR]
[COLOR="green"]فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ[/COLOR] (7)
هـ ـ [COLOR="green"]رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [/COLOR]( 8 )
و ـ [COLOR="green"]وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [/COLOR](9) }(غافر).
أرأيت إلى هذا الدعاء المتكامل الشامل لصنوف الخيرات ؟!! .

فإذا التجأت إلى الله من ظلم الأعداء وبطشهم وفسادهم أجابك سريعاً لأنه يراك وجهادك في سبيله ، واستقامتك على شرعه ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [/COLOR](88) }(يونس) ،
فيقول الله تعالى : { [COLOR="green"]قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [/COLOR](89) }(يونس) .

ثم انظر معي إلى دعاء سيدنا نوح على الكافرين واستجابة الله سبحانه له :
{ [COLOR="green"]وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [/COLOR](26) [COLOR="green"]إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [/COLOR](27)}(نوح) .
{ [COLOR="green"]وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [/COLOR](76)
[COLOR="green"]وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [/COLOR](77)}(الأنبياء) .

[COLOR="Red"]إن الدعاءَ الحبلُ الواصلُ بين العبد وخالقه . فإن شئت فحافظ على هذه الصلة المتينة تجد الخير كله عاجله وآجله .[/COLOR]

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ أسلوب القص ـ القصة ـ
 

[FONT="Arial"][B][CENTER][SIZE="6"][COLOR="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

أسلوب القص - القصة -

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]للقصة تأثير كبير في نفس متلقيها ، لما فيها من تدرُّج في سرد الأخبار ، وتشويق في عرض الأفكار وطرحِها ممزوجة بعاطفة إنسانية .
وهي تعتمد على الحوار والنقاش الداخلي حيناً ، والخارجي حيناً آخرَ ، وتصدر مقترنة بالزمان والمكان اللذين يغلفان الأحداث ، بإطار يمنع الذهن من التشتت وراء الأحداث ، وتتدرج من موقف إلى آخر فتجذب السامع والقارئ إلى التفاعل معها ، والمتابعة بأحاسيسه وأفكاره ومشاعره ، ويندمج فيها فتصل به إلى نقطة التأزم " العقدة " ثم تنحل شيئاً فشيئاً . . وتكون " نقطة التنوير " في الأحداث الضوءَ الذي ينقذ الموقف القصصي ، وينقله إلى حالة الهدوء والانتظام أو اتخاذ الموقف الإنساني . . نتيجةً للتفاعل الفكري والنفسي مع الأحداث (من كتاب التربية النبوية ص14 ) .
والقرآن الكريم استخدم الأسلوب القصصي فهو من أبلغ الطرق المؤدية إلى توثيق الفكرة وإصابة الهدف .
فالقصة في القرآن الكريم :

1ـ [COLOR="green"]الله سبحانه وتعالى [/COLOR][ [COLOR="Magenta"]راويها[/COLOR] ] [ [COLOR="Red"]فهي حقيقة واقعة لا ريب فيها [/COLOR]] على عكس ما زعمه مَنْ يُدعى " عميد الأدب العربي " حيث زعم في قصة إبراهيم عليه السلام أنها رُوِيَتُ في القرآن على سبيل العبرة والعظة لا على سبيل الحقيقة في الوجود !! يقول الله تعالى : { [COLOR="Green"]إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [/COLOR](62)}(آل عمران) ، ويقول جلَّ وعلا في أهل الكهف : { [COLOR="green"]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى[/COLOR] (13) }(الكهف) ، ويقول سبحانه : { [COLOR="green"]إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [/COLOR](62)}(الأنعام) .
ففي الآيات الثلاث يؤكد صاحب العزّة والجبروت أن ما يقصُّه حقٌ ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال ؟!! وهل بعد الحقِّ إلا الضلالُ في أوهام المخرّصين ؟!!.

2ـ [COLOR="Green"]والله تعالى يقص[/COLOR] [ [COLOR="Purple"]أفضل القصص وأحسنها [/COLOR]] (([COLOR="Red"]للفائدة والعبرة[/COLOR])) لا ليتمتّع بها ((أهل الفنِّ للفنّ)) لإن القصة تأتي :
أ ـ لغرس مبدأ وفكرة .
ب ـ وتثبيت عمل صالح .
جـ ـ ونشر فضيلة .
د ـ ودعوة إلى حقٍّ وهدى .
قال تعالى : { [COLOR="green"]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ [/COLOR]...(3)}(يوسف) .
{ ...[COLOR="green"]فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [/COLOR](176)}(الأعراف) .
{ [COLOR="green"]وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [/COLOR](120)}(هود) .
{ [COLOR="green"]لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[/COLOR] (111)}(يوسف) .


3ـ وهي في مادتها تنحو تجاه وحدانية الله وطاعته والعمل بشريعته ، وقصد رضوان الله والفوز بالجنة ، والنجاة من النار . . قال تعالى :
{[COLOR="green"] يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [/COLOR](130) [COLOR="green"]ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ[/COLOR] (131)}(الأنعام) .
وقال سبحانه أيضاً : { [COLOR="green"]يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [/COLOR](35)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [/COLOR](36)}(الأعراف) .

4ـ وهي أنواع عدة في شخوصها . . فنحن نرى :

أ ـ [COLOR="purple"]قصص الأنبياء وأقوامهم[/COLOR] ـ قوم نوح ـ عاد قوم هود ـ ثمود قوم صالح ـ إسرائيل وموسى ـ اليهود وعيسى ـ داوود وجالوت .

وهذه ـ على سبيل المثال ـ قصة الرجل من بين إسرائيل الذي قتله ابن أخيه ليرثه ، فكشفه الله تعالى أمام قومه لينال جزاءه .
{ [COLOR="green"]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا
قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [/COLOR](67)
[COLOR="green"]قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [/COLOR](68)
[COLOR="green"]قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [/COLOR](69)
[COLOR="green"]قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [/COLOR](70)
[COLOR="green"]قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا [/COLOR]
[COLOR="green"]قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [/COLOR]
[COLOR="green"]فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [/COLOR](72) [COLOR="green"]فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [/COLOR](73)}(البقرة) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
أـ قوله عز وجل : { [COLOR="green"]أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [/COLOR]} تنبيه على أن الاستهزاء بأمر الدين جهل كبير .
ب ـ قوله جل وعلا : { [COLOR="green"]وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا [/COLOR]} خطاب موجه إلى اليهود المعاصرين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد جرى هذا الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام ، إذ ينسب إلى الخلف ما فعل السلف ، إذا كانوا سائرين على نهجهم ، راضين بفعلهم ، وفيه تقريع وتوبيخ للغابرين والحاضرين منهم .
جـ ـ واقعة قتل النفس هذه جرت قبل أمرهم بذبح البقرة وإن وردت في الذكر بعده ، والسرُّ في ذلك التشويق إلى معرفة السبب في ذبح البقرة .
د ـ التكرار في التقريع والتوبيخ لتكرار سوء أدبهم في عدّة أمور :
أولها : أنهم استهزأوا برسول الله موسى عليه السلام { [COLOR="green"]أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [/COLOR]} .
ثانيها : ما ضيّقوه على أنفسهم في اختيار البقرة ، فضيّق الله عليهم .
ثالثها : العودة إلى الهزء بالرسول الكريم موسى في قولهم : { [COLOR="green"]الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [/COLOR]} إذاً فهو على زعم المغضوب عليهم لم يكن يأتي سابقاً بالحق !! .
رابعها : عدم الكشف عن القاتل ، ومداراته ، ومحاولة إخفاء جريمته .
هـ ـ التأكيد على إحياء الموتى بطريقة حسية
{ [COLOR="green"]فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [/COLOR](73)} .
ولا بد في كل قصة كما أسلفنا من فوائد ، وعظات وعبرٍ ، جاءت السورة لأجلها .

ب ـ [COLOR="purple"]قصص الصالحين[/COLOR] كقصة مريم عليها السلام وزوجة فرعون ، ورجل من آل فرعون ، والرجل الصالح في سورة يس .
أما قصة الرجل الصالح فتدل على عميق إيمانه ، فلم يخفف من قول الحق وعضّدَ رُسُلَ الله ، ودعا إلى اتباعهم ، وأعلن كلمة التوحيد ، فقتلوه فكانت الجنّة مثواه رضي الله عنه ، قال
تعالى :
{ [COLOR="green"]وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [/COLOR](20)
[COLOR="green"]اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ [/COLOR](21)
[COLOR="green"]وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [/COLOR](22)
[COLOR="green"]أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ [/COLOR] (23)
[COLOR="green"]إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [/COLOR](24)
[COLOR="green"]إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [/COLOR](25)
[COLOR="green"]قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [/COLOR](26)
[COLOR="green"]بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [/COLOR](27)}(يس) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ الإسراع إلى نصرة الحق { [COLOR="green"]وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [/COLOR]}.
2 ـ مهما قلّ العدد فإنّه يفيد في نصرة الحق . . رجلٌ [واحد] .
3 ـ إعلان كلمة الحق وذلك في اتباع المرسلين المهتدين الذين لا يريدون أجراً إنما عند الله
ثوابهم .
4 ـ لا تجوز عبادة أحدٍ سوى الله الذي خلقَ وأمات ، وإليه المعادُ .
5 ـ لا يُعبَدُ إلا مَنْ بيده الأمر ، فهو يعطي ويمنع ، ويضرّ وينفع .
6 ـ أيُّ إشراك بالله إجحاف بحقه في الألوهيّة ـ سبحانه ـ وظلم للنفس .
7 ـ المسلم داعية إلى الله ، يُسمِع الناس كلمة الحق { [COLOR="green"]فَاسْمَعُونِ[/COLOR] } .
8 ـ دخول الجنّة وغفران الله تعالى الربح العظيم والفوز الكبير .
9 ـ لا يحقد المسلم على أحد حتى على الذين قتلوه بل يطلب لهم الهداية كما اهتدى ، والنجاة كما نجا ، والفوز كما فاز : { [COLOR="green"]يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ[/COLOR] } .
10ـ التحبب إلى الناس { [COLOR="green"]يَا قَوْمِ [/COLOR]} لإشعارهم أنك منهم ، تريد لهم الخير .

جـ ـ [COLOR="purple"]قصص الأنبياء والصالحين[/COLOR] ، ومنها : قصة ـ موسى والخضر ـ وموسى والرجل الصالح في مدين الذي زوّجه ابنته (على قول أنّه ـ صاحب مدين ـ ليس نبياً ) وقصة ذي القرنين .
أما موسى عليه السلام فقد ظنّ أنه أعلم الناس في زمانه لأنّه النبي الوحيد ـ إذ ذاك ـ من أولي العزم ، فنبهه الله إلى ان هناك مَنْ هو أعلم منه ، فرغب عليه السلام ان يقابله ليتعلم منه ، فبدأت القصة : قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [/COLOR](60) [COLOR="green"]فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا [/COLOR](61) [COLOR="green"]فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [/COLOR](62)
[COLOR="green"]قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا[/COLOR] (63)
[COLOR="green"]قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا [/COLOR](64)
[COLOR="green"]فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [/COLOR](65)
[COLOR="green"]قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [/COLOR](68)
[COLOR="green"]قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [COLOR="Blue"](69)[/COLOR]
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا [/COLOR](70)
[COLOR="green"]فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا
قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا [/COLOR] (70) (القائل موسى)،(إِمْرًا ، الإمرُ من الشيئ : العجيب المنكَر ، العظيم)
[COLOR="Green"]قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [/COLOR] (71)
[COLOR="green"]قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا[/COLOR] (72)
[COLOR="green"]فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ [/COLOR](73)
((قتله الرجل الصالح ( الخضِرُ ))
[COLOR="green"]قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [/COLOR](74)
[COLOR="green"]قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[/COLOR] (75)
[COLOR="green"]قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا[/COLOR] (76)
[COLOR="green"]فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [/COLOR](77)
[COLOR="green"]قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا[/COLOR] (78)
أ ـ [COLOR="green"]أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [/COLOR](79)
ب ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا[/COLOR] (80) [COLOR="green"]فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [/COLOR](81)
جـ ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [/COLOR](82)}(الكهف) .
(فتى موسى هو سيدنا يوشع بن نون الذي استلم الراية بعده وقاتل الكفار ، وتوقفت الشمس عن الغياب حين دعا وهو يحاربهم حتى انتصر فغابت )

والفوائد في هذه القصة جمّة وفيرة نذكر منها :

1ـ أن يتلزم الإنسان حَدَّه مهما علا قدره وارتفع .
2ـ الإصرار على حيازة العلم ، { [COLOR="green"]لا أبرح [/COLOR]. . . [COLOR="green"]أو أمضي حقباً[/COLOR] } .
3ـ الترتيب الجيد للسفر ، من تهيئة الطعام ، ومعرفة الغاية من سفره ، ومكان الوصول ، ومَنْ تلتقي ، ومَنْ تصاحب في سفرك . . . .
4ـ قدرة الله تعالى أحيت الحوت المشويّ ، فانطلق في الماء مبتعداً .
5ـ الاعتراف بالنقص حين طلب الطعام ، وكأنّه شعر بالجوع بعد السفر وأن الله تعالى كان يعلّمه فآثر العودة .
6ـ الأدب في نسبة النسيان إلى الشيطان ، أما الله تعالى فهو يُذكَر بالخير .
7ـ سمات عباد الله ، آتيناه رحمة من عندنا ، وعلمناه من لدنا علماً .
8ـ إذا اتخذ الله ولياً لم يتركه جاهلاً ، إنما علمه (( العلم اللدُنّي )) .
9ـ الصبر على طلب العلم واحتمال المعلّم ، والتلطف به .
10ـ من شروط تحصيل العلم : الصبر ، وطاعة المعلّم .
11ـ كل أمر بمشيئة الله سبحانه { [COLOR="green"]إِنْ شَاءَ اللَّهُ[/COLOR] }.
12ـ توضيح الأمور للمتعلم قبل أن يفارق أستاذه .
13ـ أن تنسب العلم والأمر كلّه لله سبحانه { [COLOR="green"]وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[/COLOR] } .
14ـ التأدب مع الله حين جعل الخضر خرق السفينة من عمله وإن كان الله تعالى قد أمره ، وكذلك قتل الغلام . . أما بناء الجدار فقال فيه :
{ [COLOR="green"]فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا[/COLOR] } فكان ذلك من الله .

د ـ [COLOR="purple"]قصص التائبين[/COLOR] : ومنها قصص أصحاب الجنة ، وسحرة فرعون ، وأصحاب الأخدود .
ونقف عند سحرة فرعون الذين ظنوا سحرهم يقف أمام آيات الله الباهرات ، فلما عاينوا قدرة الله عرفوا أنفسهم ، فسجدوا لله ، وآمنوا بموسى عليه السلام ، فهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فكان صبرهم أوفى دليل على صدق إيمانهم . . . قال تعالى :

{ [COLOR="green"]وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ[/COLOR] (11)
[COLOR="green"]قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ[/COLOR] (12) [COLOR="green"]وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ [/COLOR](13) [COLOR="green"]وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ[/COLOR] (14)
[COLOR="green"]قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ[/COLOR] (15) [COLOR="green"]فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](16) [COLOR="green"]أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [/COLOR](17)
[COLOR="green"]قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ[/COLOR] (18) [COLOR="green"]وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ[/COLOR] (19)
[COLOR="green"]قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ[/COLOR] (20)
[COLOR="green"]قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ[/COLOR] (23) [COLOR="green"]
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ[/COLOR] (24)
[COLOR="green"]قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ[/COLOR] (25)
[COLOR="green"]قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ[/COLOR] (26)
[COLOR="green"]قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ[/COLOR] (27)
[COLOR="green"]قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[/COLOR] (28)
[COLOR="green"]قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ[/COLOR] (29)
[COLOR="green"]قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[/COLOR] (30)
[COLOR="green"] قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[/COLOR] (31)
[COLOR="green"]فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ[/COLOR] (32) [COLOR="green"]وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ[/COLOR] (33) [COLOR="green"]قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [/COLOR](34) [COLOR="green"]يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ[/COLOR] (35)
[COLOR="green"]قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ[/COLOR] (36) [COLOR="green"]يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ[/COLOR] (37) [COLOR="green"]فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [/COLOR](38) [COLOR="green"]وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ[/COLOR] (39) [COLOR="green"]لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ[/COLOR] (40) [COLOR="green"]فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ[/COLOR]
[COLOR="green"]قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ[/COLOR] (41)
[COLOR="green"]قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ[/COLOR] (42)
[COLOR="green"]قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ[/COLOR] (43) [COLOR="green"]فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ [/COLOR] [COLOR="green"]وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ[/COLOR] (44)
[COLOR="green"]فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ[/COLOR] (45) [COLOR="green"]فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ[/COLOR] (46)
[COLOR="green"]قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[/COLOR] (47) [COLOR="green"]رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [/COLOR](48)
[COLOR="green"]قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [/COLOR](49)
[COLOR="green"]قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ[/COLOR] (50) [COLOR="green"]إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ[/COLOR] (51)}(الشعراء) .

ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ أن الله رحيم بعباده يرسل إليهم الأنبياء يدلونهم إلى طؤيق الهدى والسداد .
2 ـ معيّة الله لأنبيائه والداعين إلى سبيله .
3 ـ استهزاء المشركين بالرسل والداعاة ، والمنُّ بما يكون ولا يكون .
4 ـ الاعتراف بالذنب ، والإقرار بالتوبة ، وجواز الفرار من الكفار في حالة الضعف .
5 ـ الإقرار بفضل الله ومنّه وكرمه . . { [COLOR="green"]فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [/COLOR]} .
6 ـ الرسالة فضل من الله تعالى ، وكذلك الإيمان يثبت الله به قلوب الدعاة .
7 ـ رفض الظلم والعبودية ، فالله تعالى خلق الناس أحراراً .
8 ـ على الداعاة أن يبلِّغوا رسالة ربّهم على الرغم من المعوّقات والإرجاف والتهديد .
9 ـ الاستعلاء على الدنيا واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في العسر واليسر .
10 ـ الاتهامات التي يطلقها أهل الكفر على الداعية واحدة يَسِمون بها كل الدعاة:[ سحر ، جنون ، كذب . . ] .
11 ـ البطالة الفاسدة المترفة عون للحاكم الفاسد على التمادي في الظلم .
12 ـ الحاكم الظالم يستهين بكل شيء ، ليثبت أركان ملكه . ويبذل المال وغيره في سبيل
ذلك .
13 ـ انتصار الحق على الباطل نهاية المطاف . والحقَّ منتصرٌ ولو بعد حين .
14 ـ يصل إلى الإيمان أصحاب العقول ، وذوو الفطن والنباهة .
15 ـ يجعل الإيمانُ الحقُّ أهلـًَه أقوياء ، لا يهابون الموت في سبيله ، ويتحملون المصائب
والمحن .

هـ ـ [COLOR="purple"]قصص الكفار والمفسدين[/COLOR] ، ومنها قصص ـ إبليس والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، قصص الكفار في النار وحوارهم . . .
و " بلعام بن باعوراء " رجل من اليهود أرسله موسى إلى " مدين " داعياً إلى الله ، وكان مع بلعام اسم الله الأعظم ، فرشاه الملك على أن يعطيه الملك ، فيترك دين موسى ، ففعل وضل ، واستحوذ عليه الشيطان حتى جعله في زمرة الكافرين الراسخين في الغواية بعد أن كان من المهتدين . . قال تعالى :

{ [COLOR="green"]وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ[/COLOR] (175) [COLOR="green"]وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا [/COLOR]
[COLOR="green"]فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[/COLOR] (176)
[COLOR="green"]سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ[/COLOR] (177)}(الأعراف) .
ومن الفوائد في هذه القصة :
1 ـ قد يضل المؤمن وإن بلغ من الهداية مبلغاً إن اتبع هواه ، نسأل الله الثبات على الإيمان .
2 ـ لا يرضى الشيطان من ابن آدم إلا الكفر ، فهو يسعى جاهداً إلى ذلك ، والمؤمن يستعيذ دائماً بالله من الشيطان الرجيم .
3 ـ التعبير بالانسلاخ دليل على الخروج من الإيمان كلّية بعد أن كان بينهما كمال الاتصال .
4 ـ فمثله كمثل الكلب ، دلالة على السوء الذي يعيشه من غوى على علم ، فهو ضالٌ سواء حمل علماً أم بقي جاهلاً . .
5 ـ هذه القصة دفعٌ للمؤمن أن يعزو فضل الإيمان لله تعالى لا لنفسه .
6 ـ مَنْ آمن فقد أسعد نفسه ، ومَنْ كفر فقد أساء إليها .

و ـ [COLOR="purple"]طريقة عرض القصة في القرآن الكريم[/COLOR] :

أ ـ قد تجيء القصة كاملة مفصلةً في الجزأين الثاني عشر والثالث عشر ، كقصة يوسف.
ب ـ وقد تأتي كاملة مختصرة في سورة صغيرة الحجم ، كقصة أصحاب الأخدود في سورة البروج .
جـ ـ وقد تأتي في سور عديدة موزّعة حسب الهدف الذي جاءت أجزاء القصة موضحةً له كقصص سائر الأنبياء الكرام : آدم ، نوح ، إبراهيم ، هود ، صالح ، موسى . . .

ز ـ [COLOR="purple"]بناء القصّة في القرآن[/COLOR] :

أ ـ بعض الصور جاءت بطريقة السرد ، ومثالها قصة نوح عليه السلام في الجزء التاسع والعشرين ، وقصة الذي انسلخ من اسم الله الأعظم ، وقصة آدم في سورة البقرة . . .
ب ـ وبعضها جاءت بطريقة الحوار ، ومثالها ما رأيناه في قصة موسى والخضر عليهما السلام ، وقصة إبراهيم عليه السلام وقومه ، والنمرود . . .
جـ ـ وبعضها جاءت تحمل في أسلوبها السرد والحوار معاً كقصة سيدنا يوسف عليه السلام ، ومَنْ سأل عن قرينه الذي كاد أن يغويه لولا رحمةُ ربّه به (سورة الصافات ، الآيات : 5 ـ 61 ) .
د ـ وبعضها جاءت مسرحيّة حوارية كقصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام في سورة الأعراف (الآيات : 59 ـ 93 ) وكقصة موسى عليه السلام في السورة نفسها(الآيات : 103 ـ 156) .

ح ـ [COLOR="purple"]زمان القصة في القرآن الكريم ومكانها[/COLOR] :

أ ـ قصص حدثت في الزمان الماضي على هذه الأرض كقصص الأنبياء الكرام وأقوامهم ، والصالحين ، والتائبين ، والمفسدين . . وقد مرَّت أمثلة عليها .

ب ـ قصص ستحدث في المستقبل ، يعلم الله سبحانه أنها ستكون ، فقصَّها علينا سبحانه ، وكأنها حصلت لتكون العبرة أبلغ والفكرة أوضح فمثالها هذه القصة الصغيرة :
{ [COLOR="green"]هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ[/COLOR] (55) [COLOR="green"]جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ[/COLOR] (56)
[COLOR="green"]هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ[/COLOR] (57) [COLOR="green"]وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ[/COLOR] (58) [COLOR="green"]هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواالنَّارِ [/COLOR](59)
[COLOR="green"]قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ[/COLOR] (60)
[COLOR="green"] قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ[/COLOR] (61)
[COLOR="green"]وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ [/COLOR](62) [COLOR="green"]أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ[/COLOR] (63) [COLOR="green"]إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [/COLOR](64)}(ص) .

وهذه القصة القصيرة أيضاً :
{ [COLOR="green"]فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ[/COLOR] (50)
[COLOR="green"]قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ[/COLOR] (51) [COLOR="green"]يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [/COLOR](52) [COLOR="green"]أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [/COLOR](53)
[COLOR="Green"]قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ[/COLOR] (54)
[COLOR="green"]فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [/COLOR](55)
[COLOR="green"]قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ[/COLOR] (56) [COLOR="green"]وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ[/COLOR] (57)
[COLOR="green"]أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ[/COLOR] (58) [COLOR="green"]إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [/COLOR](59)
[COLOR="green"]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[/COLOR] (60)}(الصافات) .
أراد الله تعالى له السعادة ، فلم يتبع صاحبه الكافر ، وانطلق في ركب المؤمنين الأطهار ، فكانت الجنة مثواه .

[COLOR="Red"]وهكذا كانت القصة في القرآن الكريم أسلوباً تربوياً رفيعاً أفادَتْ معلومات وأرشدت إلى خير ، وشوَّقت إلى عبرة وعظة ، ودفعت إلى التأسي بالصالحين والسير على منوالهم ، والتفكير السليم والتصرف الصحيح .[/COLOR]

يتبع[/SIZE][/COLOR][/B][/FONT]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الحوار
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الحوار

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]الحوار أسلوب راق في التربية له فوائد كثيرة منها :

1 ـ أنك تسمع حديثاً فيه آراء وحجج يدلي بها المتحاورون ، ليبرهن كل منهم على صواب ما يرتئيه .
2 ـ أن الحوار يثري السامع أو القارئ أو الرائي بأفكار تطرح أمامه بالحجة والبرهان ، فيعتاد التفكير السليم والأسلوب القويم .
3 ـ أن الحوار أثبتُ في النفس ، لأن السامع يُشغِل أكثر من حاسة في تفهم أبعاد الحوار ومراميه.
4 ـ وقد يكون الحوار بين أصلين مختلفين ، كالإيمان والكفر
5- وقد يكون في أمر واحد وفكر واحد فيه دقائق وتفاصيل تثري معلومات السامع ، وتعلمه الدقة في الاستنتاج والطرح .

والقرآن الكريم يستعمل أسلوب الحوار بكثرة ، فما تقرأ سورة إلا والحوار عمادٌ فيها ، وأساسٌ من أسسها .

فمن أمثلة الحوار تخاصمُ أهل النار . . يدخل فوج جديد من أهل النار في النار ، فيقول المجرمون الذين سبقوهم إليها بعضُهم لبعض :
{ [COLOR="green"]هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ [/COLOR](59)
[COLOR="green"]قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ
وقَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ [/COLOR](63)
[COLOR="green"]إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ[/COLOR] (64)}(ص) .

وما نزال نسمع حوار أهل النار بعضِهم مع بعض ،ودخول الملائكة الحوارَ بالحجة والبينة :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ
فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ[/COLOR](47)
[COLOR="green"]قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [/COLOR](48)
[COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [/COLOR](49)
[COLOR="green"]قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
قَالُوا بَلَى
قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [/COLOR](50)}(غافر) .
فالملائكة إذاً تنبههم أن لا فائدة من الدعاء ، فقد استنفد الظالمون فُرَصَهُمْ .

ـ وتأمل الحجة البينة التي يطرحها سيدنا إبراهيم على قومه في هذا الحوار :
{ [COLOR="green"]إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ [/COLOR](70)
[COLOR="green"]قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [/COLOR](73)
[COLOR="green"]قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [/COLOR](76)
[COLOR="green"]فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](77)
أ ـ [COLOR="green"]الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [/COLOR](78)
ب ـ [COLOR="green"]وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [/COLOR](79)
جـ ـ [COLOR="green"]وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [/COLOR](80)
د ـ [COLOR="green"]وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [/COLOR](81)
هـ ـ [COLOR="green"]وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [/COLOR](82)}(الشعراء). . . . .

فحجتهم تافهة . . لقد رأوا آباءَهم يعبدون الأصنام ، ففعلوا مثلهم دون تفكير ، أما سيدنا إبراهيم فهو يعبد ربّه لفضله العميم عليه . . وذَكَرَ بعض هذا الفضل .

ـ واسمع هذا الحوار بين الله تعالى وإبليس المطرود من رحمته لعصيانه :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [/COLOR](28) [COLOR="green"]فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [/COLOR](29) [COLOR="green"]فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [/COLOR](30) [COLOR="green"]إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [/COLOR](31)
[COLOR="green"]قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [/COLOR](32)
[COLOR="green"]قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ[/COLOR] (33)
[COLOR="green"]قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [/COLOR](34) [COLOR="green"]وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [/COLOR](35)
[COLOR="green"]قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [/COLOR](36)
[COLOR="green"]قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ[/COLOR] (37) [COLOR="green"]إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [/COLOR](38)
[COLOR="green"]قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[/COLOR] (39) [COLOR="green"]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [/COLOR](40)
[COLOR="green"]قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ[/COLOR] (41) [COLOR="green"]إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [/COLOR](42) [COLOR="green"]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [/COLOR](43)}(الحجر) .
فأنت ترى في هذا الحوار أمر الله سبحانه الذي يجب على المأمور به أن يقول سمعت وأطعت ، وبذلك تتحق العبودية لله ، أما المتمرّد فحجته داحضة عند ربه ، فلا يَشرُفُ المرء بالمادة التي خلق منها ، إنما يَشرُف بطاعة الله عزَّ وجلَّ ، وامتثال أمره .

ونجد هذه المحاورة تقريباً بألفاظها في سورة الأعراف الآيات [11] مع بعض التغييرات المناسبة للنص القرآني .

ـ أما اليهود والنصارى فيدّعون الزلفى إلى الله تعالى ، ومحبته عزّ وجل إياهم ، فيأمر الله تعالى نبيّه محمداً عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم ، إنّه سيعذبكم بفسادكم وهل يعذّب الحبيب حبيبه ؟!! { ...[COLOR="green"]وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [/COLOR]. . . .(18)}(المائدة) .
ولو قرأت بإمعان سورة هود لرأيت حواراً دائراً بين أنبياء الله وأقوامهم .
أ ـ الأنبياء يدعون إلى الله تعالى .
ب ـ وأقوامهم يكفرون ويشركون به .
فالحوار في هذه الآيات [25 ـ 34 ] بين نوح وقومه .
وفي الآيات [85 ـ 94] بين شعيب وقومه أهل مدين .
وفي الآيات [50 ـ 60] بين هود وقومه عاد .
وفي الآيات [61 ـ 65] بين صالح وقومه ثمود .
وفي الآيات [77 ـ 80] بين لوط وقومه .
والنتيجة واحدة . . يصمُّ الكفار آذانهم فينزل بهم العقاب الأليم . .

ـ بل إنك لتجد قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الشعراء ، تبدأ من نداء الله سبحانه وتعالى له في الآية العاشرة بشكل حواري منتظم ، فيأمره أن يذهب إلى فرعون ، فيدعوه إلى الإسلام ، فيعتذر أنه قتل من قوم رجلاً قد يقتلونه به ، كما أنّ لسانه ألثغ . فيطمئنه رب العزّة إلى أنه سبحانه معه ، فلا يخَفْ وسيكون هارون عليه السلام المتكلم معه ، ثم نرى موسى عليه السلام يجادل فرعون ويظهر له الآيتين :
أ ـ إلقاء العصا فتنقلب حية تسعى .
ب ـ إدخال يده في جيبه فتخرج بيضاء لامعة .
ثم يلتقي بالسحرة فيغلبهم ، فيؤمنون به غير هيّابين بطش فرعون وإيذاءه ، ثم يسري موسى بقومه نحو البحر الأحمر ، ويلحق بهم فرعون وجنوده ، لكنَّ الله يفتح لهم طريقاً في البحر فينجون ، ويغرق فرعون ومن معه . . وينتهي هذا الحوار القصصي في الآية الثامنة والستين .

إنه أسلوب يشد انتباه القارئ ، فيستغرق في المشهد ، ويندمج فيه ، فكأنه واحد منهم ، يرى ويسمع ، ويلمس ، ويندهش ، ويخاف ، ويفرح . . .

ـ كما أنك تجد الحوار بين جبريل عليه السلام وعدو الله فرعون في سورة الأعراف ، الآيات [103 ، 129] ، وفي سورة يونس ، الآيات [75 ـ 86] .
وتأمل هذا الحوار بين جبريل عليه السلام ومريم العذراء التي رأته داخلاً عليها ، فخافت واستعاذت بالله منه أن يمسها بسوء :
{ [COLOR="green"]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا [/COLOR](16) [COLOR="green"]فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [/COLOR](17)
[COLOR="green"]قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا[/COLOR] (18)
[COLOR="green"]قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا[/COLOR] (19)
[COLOR="green"]قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا[/COLOR] (20)
[COLOR="green"]قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا[/COLOR] (21)}(مريم) .
حوار (هادئ منفعل) فالهدوء من الملك الكريم جبريل ، القادم بأمر من الله تعالى إلى مريم ، والانفعال من السيدة العذراء ، وهي المرأة الشريفة التي استغربت أن تحمل المرأة دون زوج :
{ [COLOR="green"]فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا[/COLOR] (22) [COLOR="green"]فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [/COLOR](23)
[COLOR="green"]فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [/COLOR](24) [COLOR="green"]وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [/COLOR](25) [COLOR="green"]فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [/COLOR](26)
[COLOR="green"]فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ[/COLOR]
[COLOR="green"]قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا[/COLOR] (27) [COLOR="green"]يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [/COLOR](28)
[COLOR="green"]فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [/COLOR]
[COLOR="green"]قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا[/COLOR] (29)
[COLOR="green"]قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [/COLOR](30) [COLOR="green"]وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [/COLOR](31) [COLOR="green"]وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [/COLOR](32) [COLOR="green"]وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [/COLOR](33)}(مريم) .
حوارٌ قائم بين استغراب القوم ، ورجومهم وتعجبهم . . . هذا الحوار صادق ، لكنّه معبّرٌ عن المعجزة التي ألجمتهم ، فبهتوا ، وبيَّن ذلك الطفل النبي الذي أنطقه الله ، فدافع عن أمه ، وبرّأها ، وقطع ألسنة المفترين ، وأعلن نبوّته وكرامته على الله .
إنك لتقف معجباً بإيمان تلك المرأة بالله وثقتها به سبحانه ، والرضا بقضائه ، وتتأثر باتهامات الناس إياها ، وحاشاها أن تزلَّ فهي العذراء البتول الشريفة ، وتهتز سروراً بإجابة ذلك الطفل المبارك الذي كان عوناً لوالدته في محنتها ، مبرّئاً ساحتها ، معلناً أنه رسول الله القادم إليهم ، الرافع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .

ـ وتأمل هؤلاء المشركين في هذه اللقطة الحوارية الصغيرة التي تنبئ عن الموقف المهين لهم يوم الحشر
{ [COLOR="green"]وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [/COLOR](22)
[COLOR="green"]ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [/COLOR](23)
[COLOR="green"]انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ[/COLOR] (24)}(الأنعام) .
بل إن هول الموقف أنساهم ما كانوا غارقين فيه من الكذب والضلال .

ـ وانظر إلى الموقف المخيف ، والجواب المفزع ، الذي يقضّ الأركان ، ويكسر الظهور .
ـ { [COLOR="green"]وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [/COLOR]
ـ [COLOR="green"]قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ [/COLOR]
ـ [COLOR="green"]قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا [/COLOR]
ـ [COLOR="green"]قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [/COLOR](30)}(الأنعام) . . . .

فالحوار إذاً يوضح الصورة ، ويجلو الفكرة ، ويقرّب المعنى بأسلوب شائق .

ولا بأس أن تراجع الحوار بين يوسف وإخوته في سورة يوسف بعد الآية السبعين ، والحوار بين إبراهيم وقومه في سورة الأنبياء في الآيات [51 ـ 70] ، وحواره في سورة الشعراء في الآيات [69 ـ 77] .

وستجد في رياض القرآن الكريم كثيراً من الحوار ، رزقنا الله وإياك الفهم ، إنه سميع
مجيب .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التصوير
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التصوير

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"] التصوير من الأساليب الراقية في التربية ، [COLOR="Red"]فالإنسان روح وفكر وقلب . . . وهو كذلك عين وسمع وذوق ، ولمس وشم .[/COLOR]
فهو معنوي ومادي بآن واحد فإذا عجز أحياناً عن الوصول إلى الفكرة الشفّافة ذهناً وصل إليها مادةً وحساً ، والمهم أن يصل إلى المعلومة ، وتتركز في ذهنه ، ويتفاعل معها .
وهذا الأسلوب الرفيع يتخذه الأدباء للسمو ببيانهم ، ويحتاج إليه الرجل العامي البسيط ، كما يحتاج إليه الرجل المثقف العليم لأغراض عديدة منها :
1 ـ توضيح الفكرة والصورة ، فالتصوير يزيد المعنى وضوحاً ، ويكسبه تأكيداً .
2 ـ التأثير في النفس :
ـ (( فإن كان مدحاً كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظمَ وأهزَّ للعِطف (1) ، وأسرعَ للإلفِ ، وأجلبَ للفرح ، وأغلبَ على الممتدَح ، وأسْيَرَ على الألسن وأذكَرَ ، وأولى بأن تعلقَه القلوبُ وأجدرَ .
ـ وإن كان ذماً كان مسُّه أوجعَ ، ومِيسَمَه ألذَعَ(2) ووقعُه أشدَّ ، وحدُّه أحدَّ .
ـ وإن كان حِجاجاً كان برهانُه أنْوَر ، وسلطانُه أقهَر ، وبيانُه أبْهَرَ .
ـ وإن كان افتخاراً كان شأوُه(3) أبعدَ ، وشرفُه أجدَّ ، ولسانُه ألدَّ(4) .
ـ وإن كان اعتذاراً كان إلى القبول أقرَبَ ، وللقلوب أخْلَبَ(5) ، وللسخائم أسَلَّ(6) ، ولغرْبِ أفلَّ(7).
ـ وإن كان وعظاً كان أشفى للصدر ، وأدعى للفِكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر( 8 ) )) .

[COLOR="red"]وإني لاعجب ممن ادعى أن التصوير عند العرب لا يتجاوز أن يكون تصويراً جزئياً ، وحسبه أنه تشبيه شيء بشيء ، ليس في ذلك روح بل ترى فيه السطحيّة والصورة الجامدة . . ويدّعي أن الحياة في الصورة لم تظهر في الأدب العربي إلا في العصور الأدبيّة الحديثة ، التي اعتمدت على الألفاظ المتناسقة التي تحمل في طياتها الالوان المتعددة والحركة الدائبة ، والأصوات المتتابعة .[/COLOR]وشبهوا الصور عند العرب باللقطات الفوتوغرافية الجامدة ، والصور الحديثة التي التي استقاها الأدباء العرب من الأدب الغربي في العصر الحديث ، بالصورة التلفزيونية الدقيقة المتحركة الحيويّة !! .
[COLOR="Purple"]ولا أدري كيف يستسيغ من يسمّى نفسه أديباً ، أن يردد كالببغاوات دون تفكير ، ولا فهم مقولات لا تمت إلى الحقيقة بصلة[/COLOR] . .فها هو القرآن الكريم حافل ـ بشكل كثيف ملفت للنظر ـ بالصور الممتدة ذات الظلال والإيحاءات ، وقلَّ أن تمرّ سورة دون أن ترى فيها الكثير منها .
ولن نستعرض هذه الصور كلها ، فهي تقتضي الشهور والأيام الطوال . .
وحسبنا أن نلِمَّ بها لنوضح أثرها في الملتقي ، سواء كان قارئاً أو مستمعاً .

ـ فهؤلاء المنافقون دخل الإيمان إلى قلوبهم ، لكنهم استحبوا الكفر على الإيمان ، واشتروا الضلالة بالهدى ، فذهب الله بنور الإيمان الذي تركوه هم ورغبوا عنه ، فعاشوا في الظلام الدامس وحيرة الشك والكفر والنفاق لا يهتدون إلى سبيل خير ، ولا يعرفون طريق النجاة . قال تعالى : { [COLOR="Green"]مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ[/COLOR] (17)}(البقرة) .
صورة رائعة معبرة عن حياة المنافقين ، فهم : يزداد الظلام في قلوبهم وعقولهم أكثر من الكافرين أنفسهم ، وتصوَّرْ معي رجلاً يمشي في ظلام اعتاد عليه ، ورجلاً كان يمشي في نور ، فانطفأ هذا النور ، وحلَّ محلّه الظلام الدامس . . أيهما يكون الظلام أشدَّ على نفسه ؟ . . نسأل الله الثبات على الإيمان .

ـ وهاك مثالاً آخر يصف تردد المنافقين وشكهم وحيرتهم ، قال تعالى : { [COLOR="green"]أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [/COLOR](19) [COLOR="green"]يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [/COLOR](20)}(البقرة) .
فالمنافقون في حيرتهم وترددهم كمثل قوم أصابهم مطر شديد ، أظلمت له الأرض ، وأرعدت له السماء ، مصحوبٌ بالبرق والرعد والصواعق ، والظلمة الداجية ، فأصابتهم الدهشة والفزع ، فوضعوا أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا الرعد ولا صوت الصواعق ، يحسبون أنهم في فعلهم هذا ينجون من الموت والهلاك ، يلمع البرق حيناً لمعاناً شديداً يكاد يذهب بأبصارهم ، فهم يغتنمون هذا الضوء فيسيرون خطوات على هديه ، وإذا اختفى البرق وعادت الظلمة أشدَّ وقفوا عن مسيرهم ، وثبتوا في أماكنهم خشية التردّي في الحفر العميقة .
إنها صورة توضح الحالة المتردية للمنافقين المتخبطين في حياتهم لا يدرون ما يفعلون . . .

أما الذين يتصدّقون ويزكون ابتغاء رضوان الله تعالى ، فلهم ثواب من الله كبير ، وحسبهم أن الله تعالى يقبل منهم صدقاتهم ، وينمّيها لهم نماءً عجيباً تنمُّ عنه هذه الصورة الرائعة :
{ [COLOR="green"]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [/COLOR](261) }(البقرة) .
1 ـ حبّة قمح استقرت في أرض النماء فتفتقت منها سنابل سبع .
2 ـ حملت كل واحدة من هذه السنابل السبع مئة حبّة .
3 ـ الحبّة الوحيدة بِعْتَها لله سبحانه وتعالى ، فردّها إليك سبع مئة ضعف .
4 ـ كرم الله الواسع قد يجعلها أضعافاً مضاعفة ، إنّ جودَ الله لا يحده حدٌّ .
5 ـ لا تبخل أيها المسلم بالشيء القليل لأنّه يكون بإذن الله كثيراً . . .

ـ قال تعالى : { [COLOR="green"]قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [/COLOR](31)}(الأنعام) .
وتعال معي نستوضح هذه الصورة ، علّها تكون دافعاً إلى الإيمان بالله ، والإيمان بيوم القيامة :
1 ـ الكفار يسخرون من الرسل إذ أنذروهم يوم القيامة ، وحسابَهم فيه .
2 ـ وإذا بهذا اليوم الذي يكذبونه جاءهم فجأة فعلموا أنهم خاسرون .
3 ـ الحسرة والندامة والخوف تسيطر عليهم فقد آذنوا بالويل والثبور ، جزاءً وفاقاً فقد ضيّعوا
أعمالهم في الدنيا فخابوا وخسروا .
4 ـ يحملون آثامهم على ظهورهم على أقبح صورة .
5 ـ ما أسوأ أن تكون النهاية حملَ الذنوب ، ثم الوقوعَ في نار جهنّم .
إنها صورة واضحة جليّة ترتعد لها أفئدة ذوي الألباب أصحابِ الفهم .
ـ وهذه صورة أخرى توضح استحالة العفو عنهم يوم القيامة . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [/COLOR](40) [COLOR="green"]لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [/COLOR](41)}(الأعراف) .
1 ـ الكفار كذبوا بآيات الله تعالى على الرغم من وضوحها ، واستكبروا عن الإيمان بها والعمل بمقتضاها ، وهذا في الدنيا .
2 ـ فإذا كان هذا عملهم فلا عملَ صالحاً لهم يرتفع إلى السماء ، إنما يصعد إليه سبحانه الكلمُ الطيبُ ، وإذا قبضت أرواحهم لا تفتح لهم أبواب السماء .
3 ـ هل يدخل الجمل الضخم في ثقب الإبرة . . كلا وحاشا . . فهم كذلك في جهنّم ، هي مأواهم .
4 ـ وتصوّر أيها الأخ الأريب اللبيب أن الضيف يكرمه صاحب البيت ، إذ يقدّم له فراشاً وثيراً وغطاءً دافئاً ، لكنَّ هؤلاء المجرمين الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم واستكبارهم ، جُعلت النار فرشَهم وأغطيتَهم ، فأي هوان بعد هذا ؟!! . . نسأل المولى حسن الختام .
ـ وقال جلَّ شأنه :
{ [COLOR="green"]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [/COLOR](47)
[COLOR="green"]وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ
فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [/COLOR](48)}(الأنفال) .
صورة فيها حركة جيش قريش الذي خرج إلى بدر عاتياً متكبّراً ، طالباً للفخر والثناء ، حيث قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيمَ فيها ثلاثاً . . نشرب فيها الخمر ، وننحر الجزور (( الإبل )) وتعزف علينا القيانُ وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبداً . . ونقتل المسلمين فنستأصلُ شأفتهم ، وندفن هذا الدين في صحراء الموت والفناء . . .
وهذا إبليس اللعين يحسّن لهم الشرك ، والأعمال القبيحة ، ويحضُّهم على حرب الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأصحابه الكرام البررة ، ويعلن أنه سيساعدهم في قتالهم المسلمين ونبيَّهم . .
واحتدم القتال ونزلت الملائكة لنصرة المسلمين ، فولّى الشيطان هارباً ، فلما سأله المشركون إنفاذ عهده ، وتمسّكوا به ، تفلت منهم صغيراً مدحوراً مغتاظاً حقيراً ، وهرب وهو يقول : إني أرى ما لا ترون . . إني أخاف الله . . ولو كان يخافه ما عصاه ، لكنّه رأى الملائكة فخاف منهم ولاذ بالفرار . . .
فهذه الصورة وضَّحت أن النصر للحق وجنده ، وأن وسائل التشويش والإرجاف لا تثبت أمامه ، وأن العاقبة للمتقين .

ـ إذا عاش الإنسان في وَهْم وسراب ثم عرف أنه كان مخطئاً ، حاول تصحيح مساره ، فماذا يفعل إذا لم يحسَّ بخطئه إلا يوم الحساب ، حين تصفعه الحقيقة ، ولا يرى مناصاً من
العقاب . . العقاب الأليم . . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [/COLOR](28)
[COLOR="green"]فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [/COLOR](29)}(يونس) .
الصورة واضحة أمامنا ، ترينا :
1 ـ الناسَ بادئ الأمر محشورين مؤمنَهم وكافرَهم .
2 ـ يفرَّقُ بين المؤمنين والكافرين .
3 ـ يُحشر الكافرون مع آلهتهم المزعومة ، لتصفعهم الحقيقة المرة .
4 ـ يُنطق الله الأوثانَ فتقول للمشركين : ما شعرنا أنكم كنتم تعبدوننا وما أمرناكم بعبادتنا ، فنحن لا نسمع ولا نعقل ولا نبصر ، والله شهيد على ما نقول .
فما أضلَّ من ابتع هواه ، وأغلق عقله ، وغاص في وحل الشرك والكفر . . ! .
ـ وتصور الرعد بصوته الذي يملأ الدنيا ، ويجلجل في الآفاق ، ويلقي الخوف في نفوس الناس ، ما هو إلا تسبيحٌ لله ذي الجلال ، وحمدٌ له سبحانه ، وثناء عليه جلَّ جلاله ، هذه الأصوات التي لا نفهم حقيقتها دلَّ عليها القرآن ، [COLOR="Red"]ونبّهنا إلى أن التسبيح صادر مما لا يعقل ، أفليس الأحرى بمن يعقل أن يسبح بحمد الله ويثني عليه[/COLOR] ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ[/COLOR]...(13)}(الرعد) .

ـ ثم التفِتْ إلى أبواب الجنة . . إنها مُشرعة يدخل منها المؤمنون إلى مأواهُم ، الدائمِ نعيمُه المتنامي خيرُه ، معهم آباؤهم وزوجاتهم ، وأبناؤهم الذين اتبعوهم بإيمان . وها هم الملائكة يسلمون عليهم مهنئين بسلامة الوصول إليها ، وما أعظمها من فرحة بالوصول إلى دار الأمان والسعادة !، فالصبر على المكاره وعلى أداء الحقوق والعمل بما يرضي الله تعالى جعلهم
أهلاً لجنات الله والخلود فيها
{ [COLOR="green"]جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [/COLOR](23)
[COLOR="green"]سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ[/COLOR] (24)}(الرعد) .

ـ الجبابرة المتغطرسون لهم الدنيا يتفرعنون فيها ، بين أيديهم ما يريدون ، ولهم ما لذّ وطاب من شراب وطعام ولذّة حرام . . فماذا لهم في الآخرة ؟ يقول الله تعالى :
{ [COLOR="green"]واستفتحوا وخاب كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[/COLOR] (15)
[COLOR="green"]مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ[/COLOR] (16)
[COLOR="green"]يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ
وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [/COLOR](17)}(إبراهيم) .
إنهم خاسرون وهل ترى أشدَّ خسارة ممن خسر نفسه في جهنّم المحرقة ؟ شرابه قيحٌ ودم ، يبتلعه مرةً إثر مرة ، كارهاً إياه لمرارته ، لا يكاد يستسيغه لقبحه ، ولكنْ لا مفر ، فليس في جهنّم غيرُه ، تاتيه كل أسباب الموت وتحيط به كل الجهات ، ولكنّه لا يموت فليس هناك سوى العذاب الشديد . فهل يشتري الإنسان لذة عابرة في دنياه الفانية ، ويبيع سعادة غامرة في حياة دائمة في جنات الله ورضوانه ؟!!.

ـ هؤلاء الكفار فيهم صفات إنسانية تدعوهم إلى أعمال فيها خير ، يتمثل بالصدقة ، وصلة الرحم ، وغير ذلك . . يأخذون أجرها في الدنيا فقط أما في الآخرة فليس لهم إلا النار ، فلا ينال المُحسن أجره في الآخرة إلا إذا كان مؤمناً بالله ، موحّداً . . فإذا وقف الكافر أمام ربّه فقدَّم أعماله تلك لم يجدها شيئاً . . قال الله تعالى يصور الخيبة في نفوس هؤلاء :
{ [COLOR="green"]مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ[/COLOR] (18)}(إبراهيم).
[COLOR="red"]ضاع كل شيء ، لأن هذه الأعمال لم تكن قائمة على أساس متين من التقوى ، والإيمان بالله سبحانه[/COLOR] .

ـ وتابع معي هذه الصورة المخيفة الرهيبة ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ[/COLOR] (49)
[COLOR="green"]سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ
وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [/COLOR](50)}(إبراهيم) .
1 ـ فالكفار مجرمون أجرموا بحق نفسهم ، وأجرموا بحق الله تعالى ، فهم والشياطين سواء ، يقترن بعضهم إلى بعض بالقيود والأغلال ، أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم . . . منظر لا أذلَّ منه .
2 ـ ثيابهم التي يلبسونها من قَطِران ، وهي مادة يسرع فيها اشتعال النار ، تُطلى به الإبلُ الجربى فيحرقُ الجرَبَ بحرِّه وحدّته ، وهو أسودُ منتنُ الرائحة .
3 ـ وهذه النار تندفع إليهم ، فتعلو وجوههم ، وتحيط بهم ، وتحرقهم ثم ...تحرقهم . .
[COLOR="red"]اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل [/COLOR].

ـ أما يوم القيامة ، وشدته ، وهوله ، فحدّث ولا حرج ، إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتّقيَه حتى يرحمنا إذا جاء هذا اليوم المخيف ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَوْمَ تَرَوْنَهَا[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[/COLOR] ..(2)}(الحج) .
ما الذي جعل الأم تنسى وليدها على غير عادتها ، على الرغم من حبها الشديد إياه وتفضيلِه على نفسها ؟
ما الذي يَشْدَه المرأةَ فينزلق الجنين من أحشائها إلى الأرض ، لا تشعر به ؟
لماذا يترنح الناسُ غير قادرين على الوقوف والثبات ؟ أهم سكارى ؟
والجواب : لا ليس هذا وذاك ، إنّما أهوال الساعة وشدائدها أطارت هقولهم ، فذهلت المرأة عن رضيعها ، وأسقطت المرأة حملها ، وتمايل الناس مشدوهين . . [COLOR="red"]لمثل هذا فليحذر الحاذرون [/COLOR].
ـ هل رأيت أعضاء الإنسان تتكلم وتنبئ عما فعل صاحبها من المناكير التي يندى لها
الجبين ؟ . . طبعاً إنك ستقول لا . أما يوم القيامة ، يوم الحساب فسيتكرر هذا كثيراً حين يقف الفسقة الكفرة أمام الله سبحانه ، فيقررهم بذنوبهم فينكرون ، ولا يعترفون بشهادة الملكين ، ولا بما كتباه ولا بأقوال الآخرين ، فيقول الله تعالى لهم : ألا ترضون أن تشهد أعضاؤكم ؟ فيقولون ـ ظانين النجاة ـ بلى يا رب .

[COLOR="DarkOrange"]فيأمر الله تعالى الفم بالسكوت فيسكت ، والأعضاء بالكلام فتتكلم ،
وتقول العينان : بنا يارب كان ينظر إلى المحرمات .
وتقول اليدان : با يا رب كان يبطش بالضعفاء ، ويتناول ما حرَّمْتَهُ .
وتقول القدمان : بنا يا رب كان يسير إلى أماكن الفحشاء والفساد .
وتقول الأذنان : بنا يا رب كان يسمع كلمات الفجور و . . . .
وتشهد عليه أعضاءه فيقول لها الرب سبحانه أصمتن فيصمتن . . ويقول الله تعالى له [/COLOR]: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
(14)}(الإسراء).
كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً .

ويُلقى هذا المجرم في النار ، وهو يوبخ أعضاءه : [ [COLOR="Purple"]من أجلكن كنتُ أناضل[/COLOR] . . ] قال تعالى:
{ [COLOR="green"]يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [/COLOR](24)
[COLOR="green"]يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[/COLOR] (25)}(النور) .
إنها لوحة تصويرية واضحة المعالم فيها موقف تأباه النفس الكريمة ، يعافه المسلم .
[COLOR="Red"]إن الصدق مع الله والعمل بما يرضيه غاية ما يسعى إليه الذكي الألمعي .[/COLOR]

ـ أما هذه الصورة فإنها تشع بالضوء النور ، فقد سمى الله نفسه نوراً وجعل كتابه نوراً ، ورسوله نوراً ، واحتجب عن خلقه بالنور ، ومنه نورُ السموات والأرض ونورُ كل شيء . . ولكنْ كيف نقرّب إلى الأفهام حقيقة هذا النور ؟ إن المشبّه به أقوى من المشبّه ، يوضحه ويجلوه للأفهام ، ويقربه للعقول ، والمشبّه هنا أقوى من المشبّه به . . !! .
ولكنْ لا بأس ، فالنور المبهر لا يراه الأعشى ، فلنصِفْه له بما هو دونه كي يعرفه . . وهذا هو الإنسان ضعيف ، قاصر ، فليَدْنُ منه نورُ ربه ذي الجلال بما يوافقه :
{ [COLOR="green"]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ[/COLOR]
هـ ـ [COLOR="green"]نُورٌ عَلَى نُورٍ[/COLOR]
و ـ [COLOR="green"]يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ[/COLOR]
ز ـ [COLOR="green"]وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[/COLOR] (35)}(النور) .
فإذا كان هذا مثالَ نورهِ فكيف يكون نوره سبحانه ؟
[COLOR="Purple"]وإذا كان الله نورَ السموات والأرض أفلا نستنير بنوره ؟![/COLOR]
وإذا كنا نعيش في هذه الدنيا بنورٍ من نوره أفلا نسعى إلى رضاه والجنّة لنرى نوره هناك دون حجاب ؟!!.
اللهم أنت النور فهب لنا من لدنك النور . . آمين . . .

ـ وتعال نستعرض مراحل الخلق خطوة خطوة في هذه الآية المعجزة ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]مِنْ تُرَابٍ[/COLOR] [ خلق آدم أبينا ]
ب ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ[/COLOR] [ الماء القليل الذي ينطف من صلب الرجل ]
جـ ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ[/COLOR] [ الدم الجامد الذي يشبه العلقة التي تظهر حول الأحواض ]
د ـ [COLOR="green"]ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ[/COLOR] [ قطعة من اللحم بمقدار ما يمضغ ] [COLOR="green"]مُخَلَّقَةٍ[/COLOR] [ واضحة الخلقة فيها الرأس واليدان والرجلان . . . ] [COLOR="green"]وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ[/COLOR] [ ما تزال قطعة من اللحم لم يظهر منها شيء ]
هـ ـ [COLOR="green"]لِنُبَيِّنَ لَكُمْ[/COLOR] [ خلقناكم على هذا النموذج البديع لتظهر أسرار قدرتنا ]
و ـ [COLOR="green"]وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[/COLOR] [ الجنين الذي يبدأ بالتكامل ]
ز ـ [COLOR="green"]ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا[/COLOR] [ ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسّه ]
ح ـ [COLOR="green"]ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ[/COLOR] [ فتصبحون رجالاً أشداء في قواكم وعقولكم ]
ط ـ [COLOR="green"]وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى[/COLOR] [ في ريعان شبابه وعنفوان قوته ]
ي ـ [COLOR="green"]وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [/COLOR][ فيصل إلى الشيخوخة والضعف ]
ك ـ [COLOR="green"]لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا[/COLOR] ..(5)}(الحج) [ فيعود إلى ما كان عليه من ضعف ، وقلة فهم ، وسخافة عقل ، فينسى ما علمه ، وينكر ما علافه ].
إنها تدرّج في الخلق من التراب إلى النطفة . . فيعلو حتى يصير رجلاً مكتملاً ثم يبدأ الانحدار . . إلى النهاية . . إنها صورة متحركةٌ مرتّبةُ المرحل تترك أثراً في نفس المشاهد . . بل توضح له أن الحياة يحكمها منظّم قدير . . لا تخفى عليه خافية . .سبحانه .
ـ وإليك صورة الندم والحسرة لرجل كان يعيش جاراً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يؤمن به ، وناصبه العداء ، وتبع كافراً فضّله في الصحبة على الصادق الأمين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لقد فارقه في الدنيا ، فلما جاء يوم القيامة علم أنّه أخطأ ، ورأى إكرام الله تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين . أما الكفرة الفاسقون وهو وصديقه الذي اختاره فهم في نار جهنّم يصلونها وهنا يشعر الكافر بالإحباط الشديد والخسارة البيّنة ، فهو يعضُّ أصابعه ندماً حيث لا ينفع الندم وينادي متألماً :
{ [COLOR="green"]يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[/COLOR] (28)}(الفرقان) ،
لماذا ايها الرجل ؟ قال والحسرة تأكل قلبه :
{ [COLOR="green"]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي[/COLOR]
[COLOR="green"]وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا[/COLOR] (29) }(الفرقان) .
صورة اعتمدت على تعابير الوجه البائس ، والكلمة الحزينة ، وعض الأصابع .
ـ وصورى أخرى مثلها واضحة :
مكانها : أ ـ خارج النار ، ب ـ داخل النار .
حديثها : الملائكة تلوم المجرمين ، والمجرمون يلومون أنفسهم ، ويلومون آلهتهم المزعومة ، ويتمنّون العودة إلى الدنيا ليصلحوا ما أفسدوا ، ولكن هيهات .قال سبحانه:
{ [COLOR="green"]وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ[/COLOR] (91)
[COLOR="green"]وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ[/COLOR] (92) [مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟!]
[COLOR="green"]هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ[/COLOR] (93)؟!
[COLOR="green"]فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ[/COLOR] (94) [COLOR="green"]وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ[/COLOR] (95)
[COLOR="green"]قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ[/COLOR] (96) [COLOR="green"]تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[/COLOR] (97)
[COLOR="green"]إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[/COLOR] (98)
[COLOR="green"]وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ[/COLOR] (99)
[COLOR="green"]فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ[/COLOR] (100) [COLOR="green"]وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ[/COLOR] (101)
[COLOR="green"]فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[/COLOR] (102)
[COLOR="green"]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ[/COLOR] (103)}(الشعراء) .

حركتها : طرحهم في النار منكبين على وجوههم ، لا ناصر لهم ولا معين .
خاتمتها : اتخاذ العبرة والعظة ، وطاعة الله تعالى للنجاة من النار وعذابها .

ـ أما قارون فقد آتاه الله المال الكثير فلم يعمل به في مرضاة الله إنما أنكر أن هذا الرزق من عند الله ، ونسب إلى نفسه الرزق وكفر بأنعم الله . .
ثم خرج في موكب استعراضي يشمخ بأنفه متكبّراً متغطرساً ، وحوله أتباعه ، والناس قسمان :
الأول : يتمنى أن يكون له مثل ما لقارون ـ يا لهول ما عنده . . . ـ كان هؤلاء ضعاف الإيمان ، خدعتهم الدنيا ببريقها .
الثاني : العقلاء من أهل العلم والفهم والاستقامة لم يأبهوا لمتاع الدنيا الزائف ، وقاموا ينبهون القسم الأوّل إلى حقارة الدنيا وتفاهتها . .
وفجأة غارت الأرض بقارون ومن معه في داره الواسعة الفخمة ، كأنهم لم يكونوا . .
وانتبه القسم الأول إلى هذه النهاية المفجعة ، فتابوا إلى الله وأنابوا ، وعلموا أن الدنيا زائلة ، وأن الكافرين لا ينجحون في الدنيا ولا في الآخرة . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [/COLOR](79)
[COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [/COLOR](80)
[COLOR="green"]فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [/COLOR](81)
[COLOR="green"]وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ
لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا
وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [/COLOR](82)}(القصص) .
فهل يرعوي المتجبرون ، ويعرفون مقدارهم ، ويشكرون الله على نعمائه ؟ وهل يعلم ضعفاء الإيمان أن العيش عيش الآخرة ، وأن الدنيا متاع ؟ .

ـ ويصور الله تعالى غزوة الخندق تصويراً دقيقاً يجعلنا نعيش مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه الشدّة التي عانَوْها والابتلاء الذي وقعوا فيه ، والحالة النفسيّة للمنافقين الذين بدأو يهربون إلى بيوتهم ، ويتمنّون لو كانوا بعيدين عن المدينة ، يسمعون من المسافرين أخبارها ، ولو طلب إليهم أن ينضموا إلى الكفار ويقاتلوا المسلمين لفعلوا ذلك مسرعين ناسين أن الموت لا يوفّر أحداً ، سواء كان في القتال ، أم كان في بيته مع أهله وخاصته . . وتبدأ الصورة من نهايتها . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [/COLOR](9)
[COLOR="green"]إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [/COLOR](10)
[COLOR="green"]هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [/COLOR](11)
[COLOR="green"]وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [/COLOR](12)
[COLOR="green"]وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ
وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [/COLOR](13)
[COLOR="green"]وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا [/COLOR](14)
[COLOR="green"]وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا [/COLOR](15)
[COLOR="green"]قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](16)}( الأحزاب) .
جُنُودٌ : (كفار قريش)
وَجُنُودًا: (الملائكة)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: (أحاطوا بكم من كل الجهات)
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ: (هولاً ورعباً)
فَارْجِعُوا : (إلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه)
فَرِيقٌ مِنْهُمُ :(المنافقون)
دُخِلَتْ : (المدينة المنورة)

ـ خلق الله النجوم لثلاث : رجوماً للشياطين ، ونوراً يُهتدى بها ، وزينةً للسماء الدنيا ، فإذا دنا شيطان مارد يتسقّط الأخبار من السماء ليفتن بها أهل الأرض ، رُجم بالشهب تقصده من كل مكان لتعيده فلا ينال بغيته ، فإذا ما اختلس شيئاً واسترق السمع لحقه شهاب مضيء ، يلاحقه فيصيبه ويحرقه . . إنها صورة ، كثيراً ما نرى الشهب في أمثالها تنطلق في السماء . . قال
تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ[/COLOR] (6)
[COLOR="green"]وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ[/COLOR] (7) [COLOR="green"]لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ [/COLOR]( 8 ) [COLOR="green"]دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [/COLOR](9)
[COLOR="green"]إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ[/COLOR] (10)} (الصافات) .
إنها صورة يختلط فيها الضياء البعيد ـ من النجوم ـ بالشهب التي تقترب من الأرض ، تلك الشهب الموجهة توجيهاً دقيقاً نحو هدف مرسوم يدنو من أسوار السماء ، فلا تمهله ، بل تتبعه ، وتقضي عليه . . دون أن تخطئه .

ـ ولكنْ ما شجرة الزقّوم أين مكانها ؟ ما صفتها ؟ لِمَ تَهدّد اللهُ تعالى المجرمين بها ؟ ، قال تعالى في وصفها :
{ [COLOR="green"]أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ[/COLOR] (62) [COLOR="green"]إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ[/COLOR] (63) [COLOR="green"]إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ[/COLOR] (64) [COLOR="green"]طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ[/COLOR] (65) [COLOR="green"]فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ[/COLOR] (66) [COLOR="green"]ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [/COLOR](67)}( الصافات) .

{ [COLOR="green"]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ[/COLOR] (43) [COLOR="green"]طَعَامُ الْأَثِيمِ [/COLOR](44) [COLOR="green"]كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [/COLOR](45) [COLOR="green"]كَغَلْيِ الْحَمِيمِ[/COLOR] (46) [COLOR="green"]خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ[/COLOR] (47) [COLOR="green"]ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [/COLOR](48)}(الدخان) .
تصورِ النارَ التي تحرق كل شيء ، تنبتُ فيها شجرة ملعونة اسمها الزقّوم ، أصلها في قعر جهنّم ثم تتفرّعُ فيها لتكون طعاماً لكل فاجر كافر .
أما ثمارها وحَملها فهي لبشاعتها تشبه رؤوس الشياطين . . ولكن هل يعرف الناسُ الشياطينَ
أو رأوهم ؟! لا ولكنّ رؤوس الشياطين ـ في أذهان الناس قبيحة جداً ، ولشدة جوع أهل النار لا يجدون طعاماً سواها ، فإذا ملأوا بطونهم منها ـ وفي الحديث الشريف : (( [COLOR="Magenta"]لو أن قطرة من الزقوم قُطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ، فكيف بمن تكون طعامَه [/COLOR]؟! )) ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ شبعوا ، فإذا بها حارّة شديدة الغليان كالنحاس المُذاب ، يقطّع أمعاءَهم ، فيلجأون إلى الماء يسكّن ألمهم ، ويفثأ حُمَيّاً ما أكلوه ، فإذا بشرابهم ماء صديد ، اشتدَّ غليانه كذلك ، يذيب أمعاءهم . . .
اللهم يا رب باعد بيننا وبين النار ، واجعلنا من أهل الجنة ، إنك على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .
إنه لتصوير يأخذ بالألباب ويحرّك النفوس ، فإن كنا من أهل الله تعالى رَزَقَنا حُسْنَ التدبر والتفكر ، وأخذ بأيدينا إلى طريق الإيمان والاستقامة ، فكنا من أهل السعادة في الدارين . . .

الهوامش:
(1) العطف : الجانب
(2) المِيسم : الآلة التي يُكوَى بها . ولذع : نفخ وأخرق .
(3) شأوه : أمَدُه وعاتبُه .
(4) ألدّ : أشدّ .
(5) خلبه : فتنَهُ .
(6) أسلَّ : أكثر نزعاً واستحراجاً . والسّخيمة : الضغينة .
(7) غرب السيف : حدُّه . فلَّ حدَّ السيف : ثلمه ، فالاعتذار يضعف من حدّة الغضب .
( 8 ) أسرار البلاغة للجرجاني ص 92 ـ 96 عن كتاب البلاغة العربية ـ علم البيان ـ للدكتور بكري شيخ أمين .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ضرب المثل
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

ضرب المثل

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] يقول الله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [/COLOR](27)}(الزمر) .
ويقول سبحانه : {.. [COLOR="green"]وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ[/COLOR]... (39)}(الفرقان) ،
ويقول سبحانه : { ...[COLOR="green"]كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ[/COLOR] (17)}(الرعد) .
فلماذا هذه الأمثال المضروبة في القرآن وما فائدتها ؟
إنها تُضرَب :
1ـ لتقريب الفكرة إلى الأفهام .
2ـ وتوضيح مقاصدها .
3ـ ولاتخاذ العظة والعبرة .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجلّ قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [/COLOR](24)
[COLOR="green"]تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ[/COLOR] (25)
[COLOR="green"]وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ[/COLOR] (26)
[COLOR="green"]يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[/COLOR] (27) }(إبراهيم) .

فكيف قرّب الله الفكرة إلى الأفهام ؟
الكلمة الطيبة (( لا إله إلا الله )) ، والشجرة الطيبة (( المؤمن )) ، وكلمة الإيمان في قلب المؤمن ، وعمله يصعد إلى السماء وينال بركته وثوابه في كل وقت .
والكلمة الخبيثة (( الكفر )) ، كشجرة (( الحنظل )) الخبيثة استؤصلت من جذورها ، واقتلعت من الأرض لعدم ثبات أصلها ، وكذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة ، والكافر لا يصعد عمله إلى السماء ولا يُقبل .
فالله تعالى يثبت المؤمن في الدنيا وفي حساب القبر عند سؤال الملكين ، ويضل الكافر في الحياة الدنيا وعند سؤال الملكين في القبر .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجلّ قوله جل شأنه :
{ [COLOR="green"]وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [/COLOR](112)
[COLOR="green"]وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ[/COLOR] (113) }(النحل) .

فكيف نتخذ العظة والعبرة ؟
هناك قرية كان أهلها في أمن واستقرار وسعادة ونعيم ، تأتيها الخيرات من كل جهة ، فلم يشكر أهلها ربهم على ما آتاهم من خير ورزق ، فسلبهم الله نعمة الأمان والاطمئنان وأذاقهم آلام الخوف والجوع والحرمان ، بسبب كفرهم ومعاصيهم .
وهذا مثل أهل مكة الذين آمنهم الله بالبيت العتيق ، يقصده الناس جميعاً ، ولهم تجارتان في الصيف للشام والشتاء لليمن ، فلما جاءهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوهم إلى الإيمان بالله كفروا به وعصَوه . . فإن لم يتوبوا إلى الله ، فجزاؤهم سيكون كجزاء أهل القرية المضروب بها المثل .

ـ ومن هذه الأمثلة التي ضربها الله عزّ وجل قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [/COLOR](41)
[COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[/COLOR] (42)
[COLOR="green"]وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [/COLOR](43)}(العنكبوت) .

فكيف وضح الله الصورة وبيّن مقاصدَها ؟ .
إنّ الذين اتخذوا آلهة من دون الله يعتمدون عليها ويرجون نفعها كمثل العنكبوت ، بيتها لا يغني عنها في حرٍّ ولا بردٍ ولا مطرٍ ولا أذى . ولو علم هؤلاء الكفار تفاهة ما يعبدونه ما تخذوها آلهة ، وسيجازيهم الله تعالى على كفرهم .
وهذه الأمثال يضربها الله تعالى ليقربها إلى أفهام الناس ، ولا يعقلها إلا أصحاب العقول والأفئدة السليمة .

ـ ومن هذه الأمثلة قوله سبحانه وتعالى :
{ [COLOR="green"]وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ
قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [/COLOR](78)
[COLOR="green"]قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[/COLOR] (79)
[COLOR="green"]الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ[/COLOR] (80) }(يس)

فكيف نتخذ العبرة والعظة ؟ .
استبعد الكافرُ عودته بعد الموت إلى الحياة والبعث ، حين أمسك بالعظم الرميم وفتته ، ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتةٍ وركبنا فيها الحياة ، ونسي خلقه العجيب وبدأَه الغريب ، وقاسَ قدرة الله تعالى على قدرتنا الضعيفة .
فقل يا رسول الله إن الذي أنشأها أوّل مرة ، لا يصعب عليه إعادة خلقها ثانيةً ، فالذي يقدر على البداءة قادر على الإعادة ، يعلم كيف يخلق ويبدع ، فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد الفناء.
ألا ترى أن بعض الأشجار الخضراء كالمرخ والعفار ، تقدح الشرر الذي يحرقها . وصدق الشاعر حين قال :
[CENTER]جمْعُ النقيضين من أسرار قدرته * هذا السحاب به نارٌ به ماءٌ[/CENTER]

ـ ومن الأمثلة التي ضربها القرآن قوله عزّ وجل :
{ [COLOR="green"]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [/COLOR](10)
[COLOR="green"]وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [/COLOR](11)}(التحريم) .

فكيف نتخذ العبرة والعظة ؟
إذا فرّق الدين بين اثنين ، فدخل المسلم الجنّة ، لم يدخلها الثاني ، ولو كان قريبه وصاحبه وزوجته ، بل دخل النار . فلا يغني في الآخرة أحدٌ عن قريب ولا نسيب ، فزوجتا النبيين الكريمين نوح ولوط لما عصتا كان نصيبهما النار يوم القيامة ، ولا ينفعهما زوجاهما من عذاب الله شيئاً .
وهذه (( آسيا بنت مزاحم )) زوجة فرعون كفرت به ، وهي أقرب الناس إليه ، وآمنت بموسى فلما علم فرعون أمر بقتلها ، فنجاها الله منه فهي في الجنّة تتنعّمُ . فهل ضرَّها أنها زوجة أكفر الكفار ، مَن ادّعى الألوهيّة ، وعصى الله ؟ لا ، فلكلٍ عملُه . وهذه (( مريم )) الطاهرة البتول أم عيسى عليهما السلام شريفة عفيفة ، لا كما زعم اليهود زناها ، فقد نفخ جبريل بفتحة ثوبها ، فوصلت النفخة إلى مكان عفافها ، فحملت بعيسى عليه السلام ، وكانت مؤمنة بكتب ربها ورسله ، وكانت من القانتين ، فما ضرَّها أقاويل اليهود وادعاءاتهم . . .

ـ ومن الأمثلة القرآنية كذلك قول الله تعالى :
{ [COLOR="green"]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [/COLOR](29)}(الزمر)

فكيف نقرّب الفكرة إلى الأفهام ؟ .
هذا عبدٌ مملوك لرجال سيئي الأخلاق بينهم اختلاف وتنازع ، وكل واحد منهم يأمره بأمر يخالف أمر الآخر ، فكيف تكون حاله معهم ؟!.
وهذا عبد مملوك لرجل واحد حسن الأخلاق ، يخدمه بإخلاص وتفانٍ ولا يلقى من سيده إلا الإحسان .
هل يستوي هذان المملوكان في حسن الحال ؟ بكل تأكيد لا . . فكذلك الذي يعبد الله الواحد الأحد ولا يشرك معه أحداً في أحسن حالٍ ، أما الذي يعبد آلهة شتى ، فهو موزّع بين الأهواء والمفاسد والمفاتن .

ـ ومن الأمثلة القرآنية التي ضربها الله عزّ وجل قوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا
وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ[/COLOR] (17)}(الرعد) .

فكيف وضح لنا سبحانه أن النافع يبقى ، وما لا ينتفع به يزول ؟.
هنا مثلان للحقِّ والباطل ، للدعوة الباقية المفيدة ، والدعوة الذاهبة مع الريح :
أـ إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الاودية ، وهو يلمُّ في طريقه غثاء يطفو على وجهه في صورة الزبد ، وهو نافش منتفخ ، ولكنه بعدُ غثاء ، والماء من تحته سارب ساكن هادئ ، ولكنّه الماء الذي يحمل الخير والحياة .
ب ـ كذلك يقع الخبَثُ في المعادن التي تُذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة ، أو آنية كالحديد والرصاص ، فإنّ الخبث يطفو ، ولكنّه بعدُ خبثٌ يذهب ، ويبقى المعدن في نقاء .
ذلك مثل الحق والباطل ، فالباطل يطفو ، ويعلو ، ويبدو رابياً منتفخاً ، ولا يلبث أن يذهب جُفاء مطروحاً ، لا حقيقة له ولا تماسك ، والحق يظل هادئاً ساكناً ، ولكنه الباقي في الأرض كالماء المحيي ، والمعدن الصريح (عن ظلال القرآن لسيد قطب) .

. . فضربُ المثل ، وضَّح فكرة ، وأزال إبهاماً ، وقربَّ بعيداً ، وجلّى غموضاً ، فللّه الحمدُ هو العليم العلاّم .[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/استعمال المثل والحكمة
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="DarkGreen"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

استعمال المثل والحكمة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]يمتاز المثل بالإيجاز وسرعة دورانه على الألسنة ، فهو يلخص موقفاً أو قصّة ، فإذا مرَّ الإنسان بموقف مشابه أو قصة أو حادثة متشابهتين ، ضرب المثل نفسه للعظة والعبرة .
أما الحكمة فهي عصارة الذهن في حكم صائب ، أو نصيحة صادقة ، دون أن تكون تلخيصاً لموقف أو حادثة . .
وبهذا يختلط مفهوما المثل والحكمة عند العرب ، في استثمارهما واستعمالهما ليؤدّيا هدفاً واحداً ، يتجلى في الحكم والنصيحة والعبرة .
والقرآن الكريم حفل بهما جميعاً ، فكانا أسلوباً راقياً من الأساليب التربوية ، التي استعملها القرآن في الدعوة إلى التقليد وتهذيب النفس ، والاتعاظ وتوضيح المقصد ، وأنواع شتى من الأغراض الإنسانية .
فمن الأمثلة على ذلك ، قوله تعالى :

1ـ { [COLOR="Green"]وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا[/COLOR] ..(148)}(البقرة) ، يُضرب لمن عرف ما يريد فخطط له ، واتجه لتحقيقه لا يحيد عنه .
2ـ { [COLOR="green"]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [/COLOR]..(179)}(البقرة) ، يضرب لمن كانت عقوبته سبباً في تحقيق المصلحة العامة .
3ـ { [COLOR="green"]كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [/COLOR]..(249)}(البقرة) ، يضرب للدلالة على أن النفع قد يكون من القلّة ، لا من الكثرة .
4ـ { [COLOR="green"]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [/COLOR](261)}(البقرة) ، يضرب للحضّ على الخير .
5ـ { ...[COLOR="green"]فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ[/COLOR] ..(176)}(الأعراف) ، يضرب للخسيس لا فائدة منه .
6ـ { . . [COLOR="green"]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[/COLOR] (30)}(الأنفال) ، يضرب للتهوين من مكر الخبثاء ، وأن مكرهم مردود عليهم .
7ـ { [COLOR="green"]قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[/COLOR] ..(51)}(التوبة) ، يضرب للتسليم بقضاء الله .
8ـ { [COLOR="green"]إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [/COLOR]..( 8 )}(يونس) ، يضرب لمن يقع في شر أعماله .
9ـ { [COLOR="green"]وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [/COLOR]..(53)}(يوسف) ، يضرب للمقرِّ بذنبه المعترف بخطئه .
10ـ { [COLOR="green"]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [/COLOR]. . .(108)}(يوسف) ، يَضرب للدلالة على الوضوح والجلاء .
11ـ { . . . [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [/COLOR]..(11)}(الرعد) ، يضرب لحضّ المتراخين على المبادرة ، وعدم الاعتماد على الآخرين في إنجاز أمورهم .
12ـ { . . . [COLOR="green"]وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [/COLOR](118)}(النحل) ، يُضرب لمن أوقع نفسه في شرِّ أعماله .
13ـ {[COLOR="green"]قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ [/COLOR]. . .(84) }(الإسراء) ، يضرب لمن يشي عملُه بحاله .
14ـ {.. [COLOR="green"]وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](85) }(الإسراء) ، يضرب للدلالة على تفاهة علم الإنسان ، وضآلته كلما رأى جديداً من العلوم الدالة على علم الله الواسع .
15ـ { ..[COLOR="green"]وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [/COLOR]. . . (28)}(النساء) ، يضرب للاعتذار عن خطأ ارتُكِبَ ، أو رغبة لم يستطع صاحبها تنفيذها لضعفه .
16ـ { ..[COLOR="green"]وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[/COLOR] (114)}(طه) ، يضرب لذي الفهم والإدراك يتفقت ذهنه دائماً عن فوائد فيعزو ذلك إلى الله تعالى .
17ـ { [COLOR="green"]إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[/COLOR] . . . (56)}(القصص) ، يضرب للسيء تحاول تقويمه فلا تفلح .
18ـ { . . . [COLOR="green"]وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ[/COLOR] . . .(41)}(العنكبوت) ، يضرب لبيان الضعف الشديد .
19ـ { . . . [COLOR="green"]وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ[/COLOR] . . .(25)}(الأحزاب) ، يضرب لمن وصل إلى هدفه دون عناء .
20ـ { . . . [COLOR="green"]وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [/COLOR](14) }(فاطر) ، يضرب للدلالة على صدق الخبر وصحته ، ودقته .
21ـ { [COLOR="green"]وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[/COLOR] . . .(18) }(فاطر) ، يضرب لحصر المسؤولية بمن فعل .
22ـ { . . . [COLOR="green"]وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ[/COLOR] . . (18) }(فاطر) ، يضرب لمن يهتم بصلاح نفسه فينال الخير.
23ـ { [COLOR="green"]وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ[/COLOR] (19) [COLOR="green"]وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ [/COLOR](20) [COLOR="green"]وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [/COLOR](21) [COLOR="green"]وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ [/COLOR].. (22)}(فاطر) ، يضرب هذا المثل لانتفاء تساوي
المتناقضات .
24ـ { . . . [COLOR="green"]وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ[/COLOR] (22) }(فاطر) ، يضرب لليأس ممن لا يعي ولا يعقل .
25ـ { [COLOR="green"]لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ[/COLOR] (61)}(الصافات) ، يضرب للحث على الوصول إلى المرتبة العالية ، والسعي لها بهمة وجلد .
26ـ { [COLOR="green"]فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ[/COLOR] (177) }(الصافات) ، يضرب للتهديد والوعيد .
27ـ { ...[COLOR="green"]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[/COLOR]..(9)...}(الزمر) ، يضرب لبيان الفرق بين الشيئين المتناقضين .
28ـ { [COLOR="green"]فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ[/COLOR] (29)}(الدخان) يضرب لمن يفقد ، فلا يتأثر لفقده أحد .
29ـ { . . . . [COLOR="green"]وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [/COLOR]...(40)}(الأعراف) ، يضرب للتيئيس ، والاستحالة .

وهكذا فالمثل والحكمة يؤديان دوراً مهماً في التعليق على الحدث وإصدار الحكم ، وإلقاء الضوء عليه ، مما يوضح الفكرة ، ولا يترك مجالاً للإبهام أو الوهم ، ويتركان القارئ على المحجة البيضاء فيرى ما يناسبه للوصول به إلى جنة المأوى ورضوان الله تعالى ، والسعيد من كتب الله تعالى له السعادة فبصّرَه وهداه إلى سبيله . .
اللهم اجعلنا من هؤلاء .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التعليل
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][COLOR="Green"][SIZE="6"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التعليل

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/SIZE][/COLOR][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"] إنك قد تأمر أحدهم بفعل شيئ ما سهلٍ وبسيط ، والمأمور ينفذ الأمر دون أن يسألك السبب .
أ ـ لأنه يثق بك وبحكمتك .
ب ـ أو لأن الأمر نفسه لا يحتاج إلى إبداء الأسباب .
جـ ـ أو لأنّه يهاب أن يسألك ، خوفاً او احتراماً . .
د ـ أو أنّه لا يعنيه معرفة السبب من قريب ولا من بعيد .
وقد تُصدر حكماً ، فإما أن يكون الحكم عن هوى أو عن معرفة ، وأحكام الهوى غالباً ما تكون خاطئة إن لم نقل دائماً . . أما الأحكام القائمة على الدليل والبرهان ، فالصواب فيها كبير والخطأ فيها قليل .
والذي نريده هنا أن القرآن الكريم حين يأمر ، أو يحضُّ ، أو ينهى ، أو يعظ ، أو يخبر ، فإنّه يعلل ويبسط السبب ، فلماذا ؟
هناك دواعٍ عديدة منها :
1 ـ أن يكون المعنيُّ على بيّنة ووضوح .
2 ـ البراءة والإعذار .
3 ـ أن يتحمل المعنيُّ مسؤوليّة ما يفعل أو يقول .
4 ـ أن يكون الممعنيُّ صاحبَ القرار الأخير في ذلك .
والقرآن الكريم حرص على تعليل كل أمر ونهي ، فنبّه إلى النتيجة في كل منهما ، ووضّح العاقبة ، وترك بعد ذلك الخيار لهؤلاء وأولئك ، فكلٌّ يعمل على شاكلته .

فمن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="Green"]يَا أَيُّهَا النَّاسُ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[/COLOR] (168)
د ـ [COLOR="green"]إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[/COLOR] (169) }(البقرة) .
فالشيطان عدو مبين ، ويريد لنا المساءة بكل أنواعها

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [/COLOR].. (194) }(البقرة) .
فما الذي سمح لنا أن نعتدي على العدو؟ إنه اعتدى علينا، فوجب رد اعتدائه كي يرتدع.

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ[/COLOR]
[COLOR="green"]وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ[/COLOR]
[COLOR="green"] وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا[/COLOR]
[COLOR="green"]وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ[/COLOR]
[COLOR="green"]أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [/COLOR]. . . (221)) }(البقرة) .
والمفهوم هنا أن الطيور على أشكالها تقع ، فلا نتزاوج إلا مع أمثالنا في العقيدة .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[/COLOR] . . . (110) }(آل عمران) . وكنا خير أمة لفعلنا هذا الثالوث الرائع الذي ذكرته الآية الكريمة .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [/COLOR](181) [COLOR="green"]ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[/COLOR] (182)}(آل عمران) .
فلماذا العذاب إذاً ؟ إنهم قالوا بحق الله تعالى ملا ينبغي ، وقتلوا خير الناس ( الأنبياء ) .

وقوله سبحانه: { [COLOR="green"]وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [/COLOR](2) }(النساء) .
فأكل أموال اليتامى خطأ جسيم ينبغي تحاشيه .

وقوله تعالى :{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[/COLOR]. . .(43) }(النساء) .
سبب ترك الخمر أنه يسبب الوقوع في المحظور ...

ولنقرأ بإمعان الآيات التالية وغيرها في القرآن لنعلم تعليل كل أمر وكل محظور

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [/COLOR](116) }(النساء) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ[/COLOR] . . .(3) }(المائدة) .

وفي حديثه عن اليهود وفسادهم قال الله معلّلاً غضبه عليهم : { [COLOR="green"]فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً[/COLOR] . . .(13) }(المائدة) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ
النَّادِمِينَ [/COLOR](31)[COLOR="green"]مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [/COLOR]. . . (32) }(المائدة) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [/COLOR](58) }(المائدة) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [/COLOR](72)[COLOR="green"]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [/COLOR](73)[COLOR="green"]أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [/COLOR](74)}(المائدة) .

وقال سبحانه مربياً معلماً : { [COLOR="green"]وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [/COLOR]. . . (108)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [/COLOR](116)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [/COLOR](153)}(الأنعام) .

وقوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[/COLOR] (164) }(الأعراف) .
كما نلاحظ سبب العظة والعبرة في هذه الآية فنجده التنبيه إلى وجوب التقوى والإعذار إلى الله تعالى ..

وانظر إلى رعاية الله سبحانه وتعالى للمسلمين إذ قال جلَّ شأنه في غزوة بدر :
{ [COLOR="green"]إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ[/COLOR] (11)}(الأنفال) .

وقوله محذراً : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [/COLOR](15)[COLOR="green"]وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [/COLOR](16) }(الأنفال) .
إن الهروب من الجهاد في أرض المعركة يؤدي إلى غضب الله تعالى .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [/COLOR](67) }(الأنفال) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ [/COLOR](6) }(التوبة) .

وقوله سبحانه محرضاً على القتال ومبيناً نتائجه :
{ [COLOR="green"]قَاتِلُوهُمْ[/COLOR]
1 ـ [COLOR="green"]يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ[/COLOR]
2 ـ [COLOR="green"]وَيُخْزِهِمْ[/COLOR]
3 ـ [COLOR="green"]وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ[/COLOR]
4 ـ [COLOR="green"]وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ[/COLOR] (14)
5 ـ [COLOR="green"]وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ[/COLOR] . . . (15) }(التوبة) .

وقوله سبحانه نافياً العفو عن المنافقين : { [COLOR="green"]اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ [/COLOR](80) }(التوبة) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [/COLOR](105) }(التوبة) .

وحين نادى نوح ربّه أن ابنه كنعان من أهله وسأله أن ينجّيه من النار، قال الله تعالى :
{ [COLOR="green"]قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [/COLOR]..(46) }(هود) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ[/COLOR] . . . (52) }(هود) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [/COLOR](113) }(هود) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[/COLOR] (2)}(يوسف) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ[/COLOR] (5) }(يوسف) .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[/COLOR] (64) }(النحل) .

وقال تعالى عن الإيمان :
{ [COLOR="green"]وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[/COLOR] (94) }(النحل) .

أما الوصايا التي نجدها في سورة الإسراء فتعليل كل آية في خاتمتها تدل على رفق الله سبحانه بعباده ورحمته بهم فهو الذي خلقهم وهو الذي يدفعهم إلى سبيل الحق ودروب الهداية والمغفرة (انظر : سورة الإسراء ، الآيات : 22 ـ 39 ) .

واقرأ قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [/COLOR](19) [COLOR="green"]إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا[/COLOR] (20)}(الكهف) .
تعلمْ سبب الحذر وتلك الوصية من الفتيان لمن ذهب يشتري طعاماً .

وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[/COLOR] (124)
[COLOR="green"]قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا[/COLOR] (125)
[COLOR="green"]قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى[/COLOR] (126)}(طه) .

وتمعن في قوله قوله تعالى : { [COLOR="green"]قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ[/COLOR] (108)
[COLOR="green"]إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ[/COLOR] (109)
[COLOR="green"]فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ[/COLOR] (110)
[COLOR="green"]إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ[/COLOR] (111)}(المؤمنون) .
تعلم سبب غضب الله على الكافرين .

واتلُ قوله سبحانه معللاً سبب نزول القرآن منجماً : { [COLOR="green"]وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا[/COLOR] (32)}(الفرقان) .

واقرأ قوله سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم في سبب نبذ الآلهة المزعومة :
{ [COLOR="green"]قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ[/COLOR] (75) [COLOR="green"]أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [/COLOR](76) [COLOR="green"]فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](77)
أ ـ [COLOR="green"]الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ[/COLOR] (78)
ب ـ [COLOR="green"]وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ[/COLOR] (79)
جـ ـ [COLOR="green"]وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[/COLOR] (80)
د ـ [COLOR="green"]وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ[/COLOR] (81) [COLOR="green"]وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ[/COLOR] (82)}(الشعراء) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ[/COLOR] (6) [COLOR="green"]وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ[/COLOR] (7)}(الصافات) .

واتلُ قوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [/COLOR](26)}(الأحقاف) .
تلقَ سبب غضب الله على الكافرين .

واقرأ قوله تعالى يمدح المؤمنين وافهم تعليل مدحه إياهم :
{ [COLOR="green"]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [/COLOR](15) [COLOR="green"]آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ[/COLOR] (16)
ب ـ [COLOR="green"]كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[/COLOR] (17)
جـ ـ [COLOR="green"]وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[/COLOR] (18)
د ـ [COLOR="green"]وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[/COLOR] (19)}(الذاريات) .

واتلُ قوله تعالى تعلمْ سبب فسقهم : { [COLOR="green"]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[/COLOR] (19) }(الحشر) .

واتل قوله قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ [/COLOR](25)
[COLOR="green"]وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [/COLOR](26)
[COLOR="green"]يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ[/COLOR] (27)
[COLOR="green"]مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ[/COLOR] (28)
[COLOR="green"]هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ[/COLOR] (29)
[COLOR="green"]خُذُوهُ فَغُلُّوهُ[/COLOR] (30)
[COLOR="green"]ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ[/COLOR] (31)
[COLOR="green"]ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ[/COLOR] (32)
[COLOR="green"]إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ[/COLOR] (33)
[COLOR="green"]وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ[/COLOR] (34)}(الحاقة) .
تعلم سبب عذاب الله تعالى للكافرين .

وقوله تعالى : {[COLOR="green"] مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا[/COLOR] (25)}(نوح) .

وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [/COLOR](1) [COLOR="green"]قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](2)[COLOR="green"]نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [/COLOR](3) [COLOR="green"]أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا [/COLOR](4)
[COLOR="green"]إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[/COLOR] (5) [COLOR="green"]إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [/COLOR](6) }(المزمل) .

وهكذا فلا بد لكل شيء من تعليل كي نكون على دراية تامة في الأعمال ونتائجها .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الأمر والنهي
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الأمر والنهي

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]أمره بشيء : كلّفه به وحثـّه عليه .
ونهاه عن الشيء : حرّمه عليه ، ومنعه أن يعمل به .
قال تعالى : { [COLOR="green"]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/COLOR](104)}(آل عمران) .
وقال أيضاً : { [COLOR="green"]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ [/COLOR]. . . (71)}(التوبة) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [/COLOR](90) }(النحل) .
هذه الآيات الثلاث مفتاح هذا الباب ، ونظرة متفحصة لها تجد أن الأمر جاء أولاً والنهي ثانياً وهذا يعني :

أ ـ أن الأمر هو الأصل لأنَّ فيه دفعاً إلى العمل ، ولا حياة بلا عمل ، هذا العمل الذي ينشئ حياة تسعد الإنسان .

ب ـ أن النهيَ ينقي الخير من شوائب الحياة التي تعترض سبيله .
فإذا الأمر والنهي طريق معبَّدٌ لمن يبغي الوصول بسلامة إلى حياة طيّبة في الدارين .
وسنلقي الضوء إن شاء الله في هذا الأسلوب على :

أ ـ الأمر والنهي معاً ، فقد جاءا في القرآن على الغالب متلازمين .
ب ـ الأمر حين جاء وحده وهو وافر .
جـ ـ النهي حين جاء وحده ، وهو قليل .
د ـ الامر بـ (( [COLOR="green"]قل[/COLOR] )) .

أ ـ الأمر والنهي معاً :
ففي سورة المدثر نجد الأمر بالدعوة ، وتوحيد الله وتعظيمه ، وتطهير الثوب، فلا صلاة بغير طهارة ، والابتعاد عن المنكرات ففي ذلك تهذيب النفس وتطهير لها ، وإعطاء الناس من خير ما أعطاك الله دون منٍّ ، والصبر على طاعة الله فهي زاد في هذه الحياة ، والصبر على أذى المعاندين المستكبرين ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]قُمْ فَأَنْذِرْ[/COLOR] (2) [COLOR="green"]وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ[/COLOR] (3) [COLOR="green"]وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ[/COLOR] (4) [COLOR="green"]وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[/COLOR] (5) [COLOR="green"]وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ[/COLOR] (6) [COLOR="green"]وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ[/COLOR] (7) }(المدثر) .
وفي سورة الإسراء نجد وصاية رائعة يتشابك الأمر والنهي فيها ، فإذا هما لحمة متماسكة ذات بناء عقدي إيماني موحد ، يجمع إليه الإحسان إلى الوالدين ، والأهل وذوي الرحم ، والمساكين ، دون تبذير ولا إسفاف ، ولا تقتير ولا إجحاف ، وينهى عن قتل الأولاد خوف الفقر ، فالله هو الرزاق ، وعن الزنا فهو مدمر للمجتمع والأسرة ، وعن قتل النفس التي حرّم الله قتلها ، وعن أكل مال اليتيم ، وعن التدخل فيما لا يعني ، وعن التكبّر ، ويأمر بالعدل في إيفاء الكيل والوزن الصحيح ، ليصل الناس إلى حقوقهم . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [/COLOR](22)
[COLOR="green"]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [/COLOR](23)
[COLOR="green"] وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [/COLOR](24)
[COLOR="green"]رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [/COLOR](25)
[COLOR="green"]وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا[/COLOR] (26)
[COLOR="green"]إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا[/COLOR] (27)
[COLOR="green"]وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا[/COLOR] (28)
[COLOR="green"]وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[/COLOR] (29)
[COLOR="green"]إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا[/COLOR] (30)
[COLOR="green"]وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا[/COLOR] (31)
[COLOR="green"]وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا[/COLOR] (32)
[COLOR="green"]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا[/COLOR] (33)
[COLOR="green"]وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا[/COLOR] (34)
[COLOR="green"]وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[/COLOR] (35)
[COLOR="green"]وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[/COLOR] (36)
[COLOR="green"]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا[/COLOR] (37)
[COLOR="green"]كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا[/COLOR] (38)
[COLOR="green"]ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا[/COLOR] (39) }(الإسراء) .
ففي هذه الآيات الثماني عشرة نجد أحد عشر أمراً ، وثمانية عشر نهياً ، تشكل لنا تلك المجموعة الرائعة من التشريعات التي تنشئ مجتمعاً إسلامياً متماسكاً .

ـ وهذه لقمان عليه السلام يوصي ابنه وصايا سامية ، ترفع من مستوى الإنسان وتجعله مثالاً يُحتذى فيقول :
{ [COLOR="green"]يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ و
َانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [/COLOR](17)
[COLOR="green"]وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [/COLOR](18)
[COLOR="green"]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ
وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [/COLOR](19) }(لقمان) .
أ ـ أمره بالصلاة لتكون صلته مع الله تعالى قوية تساعده على التصدي للدعوة .
ب ـ ثم أمره بجماع الخير ، وهو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
جـ ـ ولكي يكون قدوة للناس نهاه عن التكبر والتجبر ، وأمره بالاعتدال في سيره وغضّ صوته .

ـ ولكي يكون المسلم من أهل الإحسان ـ وهي درجة عظيمة ـ قريباً إلى الله تعالى فلْيَنْتَهِ عن الفساد وليدعُ الله خائفاً طامعاً في رحمته ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]َلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا
إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [/COLOR](56) }(الأعراف).

ـ وينهى الله تعالى نبيّه أن ينظر إلى ما متّع به بعض الكفار ، فإنه أعطاه أعظم منها وأشرف وأكرم ـ وإنزال القرآن عليه أعظم منة وكرماً ـ ينهاه أن يحزن لعدم إيمان الناس به ويأمره أن يتواضع للمؤمنين وضعفائهم . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [/COLOR](88)}(الحجر) .
وحين جاء الأمر بإغراق الكافرين من قوم نوح قال تعالى له :
{ [COLOR="green"]وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [/COLOR](37)}(هود) .
ولكنَّ نوحاً حسب أن ابنه من أهله فصحح الله تعالى له الانتماء قائلاً :
{ [COLOR="green"]يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ
فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [/COLOR](46)}(هود) .

ـ والمسلمون أهل عهد وذمّة يلتزمون بعهودهم ولا ينقضونها . .
{ [COLOR="green"]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [/COLOR]. . .(91) }(النحل) .
ـ والله يعلمنا أن نكون دعاةً نستعمل الحكمة في دعوتنا ، فإن من الحكمة اللطف واللين في المحاجّة ، فإذا كان المجادل من أهل الكتاب غليظاً ظالماً فالتعامل معه بطريقته نفسها من الحكمة كذلك ، قال سبحانه: { [COLOR="green"]وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[/COLOR] (46) }(العنكبوت) .
فإذا نبهناهم إلى أننا نؤمن بما أنزل إلى موسى وعيسى ـ وكانوا منصفين ـ آمنوا بمحمّد
ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولاً ، خاصة أن الإله الذي ندعو إلى توحيده هو إلههم ، سبحانه أن يكون هناك إله غيره .

ب ـ الأمر وحده :
ونجده في هذه الآية يأمرنا بأمرين بالغَيْ الخطورة ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [/COLOR](278) }(البقرة) .

ـ والجهاد ذروة سنام الإسلام ، فالالتزام به فرض يبدأ به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه أولاً ، ويدفع إليه المسلمين ثانياً ، وعلى كلّ قائد أياً كان حين يَسُنّ تشريعاً أن يطبقه على نفسه ، فتعرف الرعية أنّه صادق فينفذوه مرتاحين مطيعين ، وبالجهاد يصل المسلمون إلى العزّة ، ودفع الأذى ليس هناك سواه طريق . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ
وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا [/COLOR](84)}(النساء).

ـ ويؤكد هذه الفكرة في الآية الكريمة التالية :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [/COLOR](123) }(التوبة) .
إذاً لا بدَّ من قتال الكفار دون هوادة ، فهم لا يكفّون أذاهم عنّا إلا إذا وجدوا فينا شدةً . . لكنَّ النصر منعقد لواؤه بالتقوى فهل نحن متقون ؟! .

ـ وإذا لم يستجب أهل الفساد والعناد للدعوة إلى الله ، ونأوا بأنفسهم عنها فما على الرسول وتلاميذه من أهل الدعوة إلا البلاغ ، فلا إكراه في الدين ، ولا حاجة إلى أن يبخع نفسه ألا يكونوا مؤمنين ، قال جل شأنه : { [COLOR="green"]فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [/COLOR](54)
[COLOR="green"]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[/COLOR] (55) }(الذاريات) .

ـ وانظر معي إلى هذا النداء الحبيب من الله تعالى ، فيه من الدرر والجواهر أوامر خمسٌ هنُّ ركيزة التعامل مع الله ورسوله الكريم والحياة من حولنا قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[/COLOR]
2 ـ [COLOR="green"]وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [/COLOR](24)
3 ـ [COLOR="green"]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[/COLOR] (25)
5 ـ [COLOR="green"]وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [/COLOR](26)}(الأنفال) .

ـ والمسلم يصدعُ بالحق فإن قُبِلَ منه الحقُّ كان له خيراً من حمر النعم ، وإن جُوبِهَ بالرفض والإنكار ، فله من الله الثواب في رفضهم لما دعاهم إليه وتحمُّل أذاهم ، أما الرسول
عليه الصلاة والسلام ، فقد عصمه الله منهم { [COLOR="green"]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ[/COLOR] (94) }(الحجر) .
فإذا شعر بالضيق مما يحوكه المشركون ، والحزن مما يقولون ، فليلجأ إلى الله تعالى فهو نعم الملاذ ، فسبحان الله تملأ الميزان، وفي السجود يكون العبد قريباً إلى ربه ، والعبادة والدعاء سلاح المؤمن إلى أن يلقى ربه القائل: { [COLOR="green"]وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [/COLOR](97)
أ ـ [COLOR="green"]فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ[/COLOR] (98)
جـ ـ [COLOR="green"]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[/COLOR] (99) }(الحجر) .

وأخيراً يقول الله تعالى :
أ ـ { [COLOR="green"]فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ[/COLOR] . . . (19)}(محمد) .
وكيف يعلم أنه لا إله إلا الله ؟ . . . إنّه يعرف ذلك بالتفكير والتدبّر واتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام ، والعمل بما أمر الله ، والانتهاء عما نهى عنه .
كما أن الاستغفار اعتراف بالتقصير والعجز ، وإقرار بالضعف ولجوءٌ إلى الله تعالى الذي يغفر الذنوب ، ولو كانت كموج البحر تدافعاً وتلاطماً .

جـ ـ النهي وحده :
يركز القرآن الكريم على علاقة المسلم بأهل الكتاب ، من يهود ونصارى ، فهم وإن كانوا يعيشون في كوكبنا هذا وبين ظهرانينا ، فليسوا منا ولسنا منهم .
نحن موحدون لله تعالى ـ وهم مشركون .
نحن نحتكم إلى شريعته ـ وهم يتبعون أهواءهم .
ولا بدَّ من العلاقة الماديّة ، أما أن نحبّهم ونسكن إليهم ونتخذهم أولياء أوفياء ، فهذا من الوهم والخيال . . تاريخهم القديم الأسود ، والجديد القاتم أكبر دليل على كرههم وكيدهم
للمؤمنين. والقرآن الكريم فضحهم فقال : { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة) .
وقال : { [COLOR="green"]إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [/COLOR](2)}(الممتحنة) .
وفي هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها نجد النهيَ الواضح أن نتخذهم أهل ودِّ ومحبّة ، وإلا كنا مثلهم ـ فالطيور على أشكالها تقع ـ وظلمنا أنفسنا !! قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [/COLOR](51)}(المائدة) .
وهؤلاء ـ أهل الكتاب النصارى ـ غَلَوا في نبيهم عيسى ، فجعلوه ابن الإله وبعضهم جعله الإله نفسه ، وغلا اليهود في أمر عيسى فجعلوه ابن ضلال وغي !! وكلا الفريقين يتبع في عقائده أسلافه الذين ضلوا فأضلوا من بعدهم ، وابتعدوا عن الطريق المستقيم :
{ [COLOR="green"]قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ[/COLOR](77) }(المائدة) .

ـ وهذه صيحة مدويّة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، تنبّه الناس أن عدوهم الأول الشيطان الذي أخرج آدم وحواء من الجنة
{ [COLOR="green"]يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [/COLOR](27)}(الأعراف) .

ـ وانظر معي إلى هذا التحذير المتناهي : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[/COLOR] (23)}(التوبة) .
فالبراءة َ البراءة َ من الأهل مهما كانوا قريبين إن لم يكونوا مؤمنين ، وأين الجامع إذا كان فريق في الجنة وفريق في السعير ؟! وهل يكون محبباً إلينا مَنْ فضّل الكفر على الإيمان ؟ لا والله فمن فعل ذلك فقد ظلم نفسه ، والظلم ظلمات يوم القيامة .

ـ وينهى القرآن عن تصرفات لئيمة تهدم المجتمع وتنقضه من أساسه ، والإسلام دين البناء والأخلاق الحميدة ، قال تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ
وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ
وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[/COLOR] (11)}(الحجرات) .

ـ هل يكذب إلا مفسد أفّاك ؟ وهل يسيء إلا كل مداهن كثير الحلف ذو نفس وضيعة ؟ وهل يسعى بالنميمة إلا كل معتد عتلّ متكبّر . . ؟ فابتعد أيها المسلم عنهم ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ[/COLOR] (8) [COLOR="green"]وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ[/COLOR] (9)
[COLOR="green"]وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ[/COLOR] (11) [COLOR="green"]مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ[/COLOR] (12)}(القلم) .

د ـ الأمر بـ (([COLOR="green"]قل[/COLOR])) :
جاء في القرآن الكريم وافراً مطرداً لأغراض بلاغية كثيرة منها :

1 ـ التحدي : كقوله تعالى { [COLOR="green"]قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](94)
[COLOR="green"]وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [/COLOR](95)}(البقرة) .
وقوله تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [/COLOR](12) }(آل عمران) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [/COLOR](52)}(التوبة) .

2 ـ التوبيخ والسخرية : كقوله تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ [/COLOR](53)}(التوبة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [/COLOR](65) }(التوبة) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ
وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [/COLOR](63) }(النساء) .

3 ـ التقبيح والتبكيت : كقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [/COLOR](97)}(البقرة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](111)}(البقرة) .
وقال عزّ من قائل : { [COLOR="green"]قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [/COLOR](32) }(الأعراف) .

4 ـ توحيد الله : كقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [/COLOR](1) [COLOR="green"]اللَّهُ الصَّمَدُ [/COLOR](2) [COLOR="green"]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [/COLOR](3) [COLOR="green"]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [/COLOR](4)}(الإخلاص) .
وكقوله تعالى : { . . . [COLOR="green"]وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى
قُلْ لَا أَشْهَدُ
قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [/COLOR](19)}(الأنعام) .

5 ـ اللجوء إلى الله تعالى : كقوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [/COLOR](1) [COLOR="green"]مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [/COLOR](2) [COLOR="green"]وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [/COLOR](3) [COLOR="green"]وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ[/COLOR] (4) [COLOR="green"]وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ[/COLOR] (5) }(الفلق) .
وقوله عزّ وجلّ : { [COLOR="green"]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]مَلِكِ النَّاسِ [/COLOR](2) [COLOR="green"]إِلَهِ النَّاسِ [/COLOR](3) [COLOR="green"]مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [/COLOR](4) [COLOR="green"]الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [/COLOR](5) [COLOR="green"]مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [/COLOR](6) }(الناس) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](40) [COLOR="green"]بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا
تُشْرِكُونَ [/COLOR](41) }(الأنعام) .

6 ـ دحض الافتراء : كقوله تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](94) [COLOR="green"]وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [/COLOR](95) }(البقرة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ
قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ
قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [/COLOR](91)}(الأنعام) .
وقوله عزّ وجل : { [COLOR="green"]كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ
قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](93) [COLOR="green"]فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [/COLOR](94) }(آل عمران) .

7 ـ جواب سؤال : كقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ
وَالْحَجِّ[/COLOR] ...(89) }(البقرة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]قُلِ الْعَفْوَ[/COLOR] . . . (219) }(البقرة) .
وقوله عزّ وجل : { [COLOR="green"]وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ[/COLOR] . . (127) }(النساء) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ[/COLOR] . . .(176) }(النساء) .

8 ـ ردّ الأمر إلى الله تعالى : ومثاله قول الله سبحانه : { [COLOR="green"]قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [/COLOR]...(50)}(الأنعام) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ[/COLOR] (51)}(التوبة) .
وقوله عزّ وجل : { [COLOR="green"]وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [/COLOR](25)
[COLOR="green"]قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [/COLOR](26)}(الملك) .

وهناك أغراض كثيرة فتدبّر كتاب الله فيها ، إن كنوزه غالية تتبدّى لمن يخلص له سبحانه جعلنا الله منهم .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/السؤال
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

السؤال

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]هو من الطرق الأصيلة في تحصيل العلم ، فقد تجد معلماً ينصحك ، ويفيدك علماً ، ويوضح لك أموراً ، وقد يشكل عليك أمر فتسأله ، وتستفسره ، فيجيبك ، ويزيل الإبهام من نفسك ، وللسؤال فوائد مهمة منها :

1 ـ اكتساب معرفة ، وازدياد علم ، قال تعالى : { [COLOR="green"]فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [/COLOR]} ( النحل 43 و الأنبياء 7 ) .

2 ـ إزالة شك ، ودفع ريبة ، قال تعالى : { [COLOR="green"]فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [/COLOR](94)}(يونس).

3 ـ استشهاد على موقف وتعزيزٌ له ، قال تعالى : { [COLOR="green"]وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا [/COLOR](101)}(الإسراء) .
وسؤال الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ليهود المدينة ، لعلمهم بالحادثة مما لديهم في التوراة ، ليَظهَر لعامة اليهود وعلمائهم صدقُ ما ذكره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

4 ـ التعظيم والإجلال ، قال تعالى : { [COLOR="green"]الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا[/COLOR] (59)}(الفرقان) .
وهل يُسألُ عن عظمة الله سوى الله سبحانه ؟!!.

5 ـ التبكيت والتوبيخ ، فقد أنسى العذابُ الشديدُ في جهنّم الكفارَ والمشركين المدة التي لبثوها في الدنيا { [COLOR="green"]قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [/COLOR](112) [COLOR="green"]قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ[/COLOR] (113)}(المؤمنون) .

6 ـ التذكير والاعتبار ، قال تعالى : { [COLOR="green"]وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [/COLOR](163)}(الأعراف) .

7 ـ التحدي . ومثاله ما حدث لإبراهيم عليه السلام ، من تحدٍّ لقومه حين كسَّر أصنامهم ، فسألوه عن الفاعل ، فنببهم إلى أن هذه الآلهة المزعومة لا تستطيع دفع مضرة عن نفسها .
فكيف تنفع الآخرين . . إنها لا تتكلم ولا تسمع . . قال تعالى : { [COLOR="green"]فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [/COLOR](63)}(الأنبياء). .

8 ـ تنبيه الغافل كي لا يقع في الخطأ ، فقد نبه الله سبحانه المؤمنين أن لا يكونوا كاليهود
الذين سألوا موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة فضلّوا ، قال تعالى : { [COLOR="green"]أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[/COLOR] (108)}(البقرة) .

9 ـ السخرية والتهكم . ومثاله قول الله تعالى : { [COLOR="green"]سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ [/COLOR](40)}(القلم) ، يسخر من الذين يسوّون المطيع بالعاصي ، والمؤمن بالكافر ، ويتقوَّلون على الله تعالى ما لا يعلمون ، فيطلب الله تعالى إلى رسوله الكريم ، أن يسأل هؤلاء المكابرين : أيهم كفيل وضامن بهذا الذي يزعمون .
والذي نريده في هذا العنوان " السؤال " الفائدة الأولى اكتساب معرفة وازدياد علم .

ـ فمن أمثلة ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [/COLOR]..(215) }(البقرة) فنبهمم بأسلوبه الحكيم ، إلى صلة الأرحام ، وعلى رأسهم الوالدان ، ثم مساعدة الآخرين المستحقين .

ـ وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [/COLOR]. . .(217) }(البقرة) ، وصحيح أن القتال في الأشهر الحرام كبيرةٌ لا يرضاها الله تعالى ، لكنَّ هناك ما هو أشدُّ وأنكى ، منها :
أ ـ اتخاذ كل الأساليب الخبيثة لصد الناس عن دين الله .
ب ـ وما تبعه من فتنة المسلم ليرتدَّ عن دين الله إلى الكفر .
جـ ـ وصدُّ من آمن من العرب عن بيت الله .
د ـ وإخراج المسلمين من أهل مكة عنها . . كلُّ هذا أشدُّ وأعظم وزراً من القتال في الأشهر الحرم . .

ـ وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[/COLOR] . . . (219)}(البقرة) إن في الخمر والميسر منافعَ ماديّة ضئيلة ، ولكنَّ ضياع العقل ، وذهاب المال ، وتعريض البدن للمرض في الخمر ، وما يجره القمار من خراب البيوت ، ودمار الأسر ، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، . . كل ذلك محسوس مشاهد إذا قيس الضرر الفادح بالنفع التافه لهذين المنكرين الخبيثين .

ـ وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ[/COLOR] . . . . (220)}(البقرة) ، ماذا يفعلون بأموال اليتامى ؟ فكان الأمر أن يخلطوا أموالهم بأموال السائلين ، وينمّوها بالتجارة ، لأنهم إخوانهم في الدين ، وهذه الإخوَّة أقوى من رابطة النسب وحذّرهم الله تعالى من الخيانة وإفساد أموال اليتامى ، أوأكلها ، فهو مطّلِعٌ يعلم المفسد من المصلح .

ـ وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
قُلْ هُوَ أَذًى[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[/COLOR] (222)}(البقرة) ،
فبيّن الله تعالى حقيقة المحيض ، وأمَرَ المسلمين اعتزال نسائهم في حيضهنّ ، والمقصود عدم المعاشرة الجنسية ، لا عدم التقرب منهنّ ومؤاكلتهن ومجالستهن ، كما يفعل اليهود إذا حاضت نساؤهم ، فإذا تطهّرْن فالمعاشرة في المكان الذي أحلّه الله ، وهو القُبُل مكان الولد والنسل ، فالله يحب التائبين المتنزهين عن الفواحش والأقذار . .

ـ وقوله عزّ وجلّ : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [/COLOR](4)}(المائدة) فالله تعالى أحلَّ المستلذّات وما ليس منها بخبيث ، وحرَّم كلَّ مستقذر ، وأحلَّ لنا ما تصطاده الجوارح من كلاب وطيور نُعَلِّمها كيف تصطاد . فإن أكلتْ منها فلا نأكل منها ، وإذا اصطادت هذه الجوارح كما علَّمناها ذكرنا اسم الله تعالى عليها وأكلناها. . .

ـ وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [/COLOR]..(187)}(الأعراف) فلا يعلم أحدٌ متى تكون الساعة إلا خالقها ، وهو سبحانه الذي يأمر بها في الوقت الذي حدده لها ، إنها الغيب الذي استأثر به سبحانه نفسه .
ـ ويقول سبحانه وتعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ[/COLOR]
[COLOR="green"]قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَاتَّقُوا اللَّهَ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[/COLOR] (1)}(الأنفال) حين اختلف المسلمون في غزوة بدر على الأنفال ، فجمع بعضهم الغنائم من أرض المعركة ، وتابع بعضهم فلول المنهزمين من المشركين ، وكانت العادة أن مَنْ جمع الغنائم فهي له ، فاختصم المسلمون فيها ، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلّمهم أن همّهم يجب أن يكون منحصراً في الجهاد فقط ، فجعل الأنفال كلها لله ورسوله ، وليس للمسلمين شيء ، فلما أذعنوا لأمر الله ورسوله قسّمها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين المسلمين على السواء ، فكان في ذلك تقوى الله ، وطاعة رسوله ، وإصلاح ذات البين .

ـ وقوله عزّ وجل : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](85)}(الإسراء) سأل المشركون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أهل الكهف وذي القرنين ، فأجاب عنهم حين نزل جبريل بآيات توضح حالهم ، وسألوه عن ماهية الروح وحقيقتها ، فكان الجواب أنها من الأسرار الخفيّة التي لا يعلمها إلا رب البريّة سبحانه وتعالى ، وما عِلْمُ الناس إلا ذلك العلم الضئيل الذي يناسب عقولهم وقدراتهم .

ـ وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [/COLOR](83)}(الكهف) ، فوضح لهم في الآيات 84 ـ 98 من سورة الكهف أنّه رجل صالح ملك المشرق والمغرب فسمّيَ ذا القرنين . وقد وضّحتْ كتب التفسير قصّته وأظهرت العبرة فيها .

ـ ومنها قوله تعالى : { [COLOR="green"]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [/COLOR](105) [COLOR="green"]فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا [/COLOR](106) [COLOR="green"]لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [/COLOR](107)}(طه) فالجبال يوم القيامة غير الجبال في الحياة الدنيا ، فهي الآن شاهقة ، ذراها تناطح السحاب ، وصخورها صماء ، وجذورها ذاهبة في الأرض . أما يوم القيامة فإن الله تعالى يفتتها كالرمل ، ثم يرسل عليها الرياح فيطيّرها فيذرها أرضاً ملساء مستوية لا نبات فيها ولا بناء ، ولا انخفاضاً ولا ارتفاعاً . . سبحان الله ما أعظمه . . قادر على كل شيء .

وفي القرآن الكريم أربعة عشر موضعاً يبدأ بقوله تعالى " [COLOR="green"]يسألونك[/COLOR]" وأرى فيها بعض الأمور التربوية أجملها بما يلي :

1- لا بد من السؤال ، فالسؤال باب العلم . ويجب السؤال عمّا ينفع . وترك ما لا يُفيد.
2- ومجيء الفعل بصيغة المضارع تنبيه إلى أن على المسلم أن يسأل ويتحرّى ، ويستفهم عما يفيده ، ولا يكِلّ عن السؤال .
3- والكاف في قوله " [COLOR="green"]يسألونك[/COLOR]" تنبيه إلى أنه علينا أن نسأل العالم فقط ، فهو الذي يدلنا على الجواب الصحيح ، أما الجاهل فيَضِل ويُضِلّ .
4- لا بد من توضيح السؤال ليتضح الجواب " [COLOR="green"]يسألونك ماذا ينفقون [/COLOR]" [COLOR="green"]يسألونك عن الأنفال [/COLOR]" [COLOR="green"]يسألونك عن المحيض [/COLOR]".. فالسؤال محدد وواضح ليعرف المسؤول ماهيته، فيجيب عنه لا عن غيره .
5- ويجب على المسؤول أن يجيب بوضوح يؤدي إلى تشبع السائل فلا يحتاج أن يسأله عن الأمر نفسه مرة ثانية ، أو أن يسأل غيره لأن المسؤول الأول لم يُفهمْه ، أو لم يشفِه الجواب .
6- أن ينبه العالم المسؤول بعد الجواب إلى المغزى من الفهم والعمل كقوله تعالى في سورة الأنفال : { [COLOR="Green"]فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون[/COLOR] } فالمرادُ التقوى والإصلاح والطاعة . .. وهذا مثال ينطبق على جميع ما أردناه من السؤال " [COLOR="green"]يسألونك[/COLOR] " فلتعُد إلى أسئلة القرآن التي ذكرناها .. والله ولي التوفيق .
7- وأنبه إلى أن سؤالاً واحداً من أربعة عشر سؤالاً لم تجئ الإجابة عنه لأنه عن موعد الساعة
( يوم القيامة ) وهو قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[/COLOR] (187)} (الأعراف ) ، فهو من علم الغيب الذي لم يطلع الله تعالى أحداً عليه .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

[SIZE="7"]:سل:[/SIZE]
[SIZE="5"][FONT="Andalus"][COLOR="Red"]جزاك الله خيرا اخى الكريم ونفع بك الاسلام [/COLOR][/FONT][/SIZE]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ التعجب
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التعجب

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] روعة تأخذ الإنسان عند استعظام الشيء . . . وقد يكون إنكارَ الأمر لقلّة اعتياده إياه .
وهو ردة فعل محمودة العواقب إن كانت إيجابية عن تفكير وتدبر .
ومذمومة العواقب إن كانت سلبية عن رفض للحقيقة ناتجة عن المعاندة والاستكبار . . .
وفي القرآن الكريم أنواع من التعجب تدلُّ على كلتا الحالتين .

ـ فمن أمثلة الحالة الأولى :

ما صوّره القرآن الكريم لحالة التعجب عند السيدة سارة ، زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام ، حين بشرتها الملائكة بولدها إسحاق ، وهي امرأة عجوز عقيم
، قال جل شأنه: { [COLOR="green"]فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [/COLOR](29)}(الذاريات)
فأجابتها الملائكة أنه لا رادَّ لقضاء الله وكرمه :
{ [COLOR="green"]كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [/COLOR](30)}(الذاريات) .
وتتوضح الصورة أكثر في الآية التالية :
{ [COLOR="green"]وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ[/COLOR] (71)
[COLOR="green"]قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ[/COLOR] (72)
[COLOR="green"]قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ[/COLOR] (73)}(هود) .

ـ ومن أمثلته قوله تعالى على لسان فتى موسى عليهما السلام فقد انطلق الحوت المشوي سابحاً في الماء بعد أن رد الله تعالى له الحياة :
{ [COLOR="green"]قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا [/COLOR](63) }(الكهف) .
ولكن موسى لم يتعجب ، لأنه يعلم ان الرجل الصالح سيلاقيه في المكان الذي يختفي فيه الحوت ، فعادَ وفتاه ادراجهما إلى الصخرة فلقياه .
قال سبحانه: { [COLOR="green"]ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا [/COLOR](64)
[COLOR="green"]فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [/COLOR](65)}(الكهف) .

- ومن أمثلته ما قال زكريا عليه السلام حين بشره جبريل بيحيى عليه السلام ، قال عز وجل
{ [COLOR="green"]قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا[/COLOR] (8)
[COLOR="green"]قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [/COLOR](9)}(مريم) .
وما قالته مريم عليها السلام حين فوجئت بالملك ، فتعوذت بالله أن يضرّها، قال سبحانه :ـ
{ [COLOR="green"]قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا[/COLOR] (19)
[COLOR="green"]قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا[/COLOR] (20)
[COLOR="green"]قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا[/COLOR] (21)}(مريم) .

ـ ومن أمثلته قصة قارون الذي رزقه الله أموالاً طائلة ، فكفر بأنعم الله وادعى أن ذكاءه وعبقريته كانا السبب في هذا الثراء الفاحش ، وأنكر فضل الله عليه ، وكان ضعفاء الإيمان يتمنّون أن يكون لهم مثل ماله ، والعلماء الواعون منهم ينبهونهم إلى أن ثواب الله وفضله ورضاه خير لهم .
وحين خسف الله به الأرض على حين غَرّةٍ من صلفه وتكبّره انتبه أولئك متعجبين من قدرة الله العجيبة التي ذهبت بالمتكبر المغرور ، ومتعجبين كذلك من هوان قارون على الله ، ومتعجبين ثالثاً من غفلتهم عن الحقيقة التي كان عليهم أن يدركوها سابقاً ، وهي فضل الله عليهم أنْ حفظ لهم إيمانهم وحسن عاقبتهم .قال جل شأنه:
{ [COLOR="green"]وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [/COLOR](82)}(القصص) .

ـ ومن أمثلته تعجب الناس من مريم وهي تحمل طفلها ، ولمّا تتزوّج ، وحسبوا أنها زنت قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا[/COLOR] (28)}(مريم) ،
وحُقَّ لهم أن يقولوا ذلك لما يعلمونه من عبادتها وتقواها
{ [COLOR="green"]فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [/COLOR](29)}(مريم) .
فتكلم الرضيع الكريم بلسان مبين يسمعه الجميع ، وهو يدافع عن أمه التهمة الباطلة ، ويبرئها مما ظنوه بها ، قال سبحانه:
{ [COLOR="green"]قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [/COLOR](30)
[COLOR="green"]وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [/COLOR](31)
[COLOR="green"]وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [/COLOR](32)
[COLOR="green"]وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [/COLOR](33) }(مريم) .

ـ ومن أمثلته أسلوب التعجب في مدح ذاته سبحانه " أفعِلْ به " في قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [/COLOR](26)}(الكهف) .
وقوله سبحانه يصوّر كآبة منظر الكفار يوم القيامة .
{ [COLOR="green"]أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا [/COLOR]. . .(38)}(مريم) .

ـ ومن أمثلة الحالة الثانية : تعجب الكافرين من أمرين اثنين :

الأول : أن يكون النذير رجلاً منهم وهم يظنون أنّه ينبغي إن جاءهم أن يكون ملكاً ، أو يأتي بملك معه ، قال عز وجل: { [COLOR="green"]بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ [/COLOR](2)}(ق) .
وقال عز من قائل : { [COLOR="green"]وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [/COLOR](4)}(ص) .
{ [COLOR="green"]أكان لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [/COLOR]. . . (2)}(يونس) .
{ [COLOR="green"]وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [/COLOR](7)
[COLOR="green"]أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا
وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا [/COLOR](8)}(الفرقان) .

الثاني :

أ ـ يتعجبون من الإيمان بالنشور ويوم البعث :
قال تعالى : { [COLOR="green"]وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [/COLOR](78) [COLOR="green"]قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [/COLOR](79)}(يس) .
وقال سبحانه : {[COLOR="green"]أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [/COLOR](3)}(ق) .
وقال سبحانه : { [COLOR="green"]وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [/COLOR](5)}(الرعد). فهم يسخرون من الحياة بعد الموت ، ويظهرون التعجب ، والأَوْلى أن نتعجب نحن من تعجبهم ، فلو أنهم فكروا قليلاً لسألوا أنفسهم مَنْ خلقنا ؟ من جعلنا على هذه الصورة ؟ أوُجـِدْنا عبثاً ؟
وإذا عرفوا أن هناك مَنْ أوجدهم من عدم أيقنوا أنه سبحانه قادر على أن يبعثهم من وجود ، وهذا أسهل عليه وكلُّ شيء عليه سهل ـ سبحانه ـ وأن الناس خلق بسيط إذا ما قورنوا بخلق السموات والأرض ، قال عز وجل:
{ [COLOR="green"]لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[/COLOR] (57)}(غافر) .

ب ـ يتعجبون من توحيد الله سبحانه :
فهم يعتقدون أن مع الله آلهة أخرى فهم يستنكرون وحدانيته ، وعقولُهم القاصرة ترى أن الكون الضخم يحتاج إلى آلهة كثيرة تديره وتدبر أمره . . !!
{ [COLOR="green"]أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[/COLOR] (5) }(ص) .
وفي سورة النجم من الآية الثالثة والثلاثين ، حتى الآية الثامنة والخمسين ، يؤكد القرآن الكريم على وحدانيّة الله .
أ ـ فهو القادر على كل شيء .
ب ـ وإليه المنتهى .
جـ ـ وكل شيء من صنع يديه .
د ـ وأن الآلهة التي يعبدونها من مخلوقاته .
هـ ـ وقد أهلك الله الكفار لكفرهم وأن يوم القيامة قادم لا محالة .
ومع ذلك فهم يتعجبون من هذا الكلام ، ويسخرون ، والله يعنفهم ويوبخهم بقوله سبحانه :
{ [COLOR="green"]أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ [/COLOR](59)
[COLOR="green"]وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ [/COLOR](60)
[COLOR="green"]وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [/COLOR](61)}(النجم).
ومن العجب أن تتقبّل العقول عبادة ما صنعوه بأيديهم ، وينسوا عبادة من صنعهم بيديه !!
{ [COLOR="green"]قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ [/COLOR](95) [COLOR="green"]وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [/COLOR](96)}(الصافات) .
{ [COLOR="green"]أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ [/COLOR](125) [COLOR="green"]اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [/COLOR](126) }(الصافات) .

والإنسان العاقل يعبد ما ينفعه ليكسب منه ، ومَنْ يخافه ليحذر عقابه ، ومَنْ بيده مقاليد الأمور . .
أما عبادة ما لا ينفع ، ولا يضر ، ولا يعي ، ولا يعقل ، فانحطاط ، ما بعده انحطاط . .
قال تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [/COLOR](76)}(المائدة) .
والله سبحانه وتعالى ينبه الإنسان إلى خطئه بلطف مشوب بالتحذير
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [/COLOR](6)
[COLOR="green"]الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [/COLOR](7)
[COLOR="green"]فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [/COLOR](8)}(الإنفطار) .
ويُعلِمُه أنه قادر ليس على إعادة خلقه فقط ، بل إنه سبحانه قادر على أن يعيد خطوط بصماته التي لا يشابهه فيها بصمات الناس الآخرين ، وهذه قمّة في الدقة والعظمة :
{ [COLOR="green"]أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ [/COLOR](3) [COLOR="green"]بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [/COLOR](4)}(القيامة) .
أما الكافر المشرك فقد حجب عن قلبه نور الإيمان ، ورضي بقلب الحقائق ليرضي نزواته ، ويرضي مَنْ حوله ليبقى مهيباً في أعينهم . لكنَّ الله سبحانه له بالمرصاد . . ولئن تركه في الدنيا لَـَعذاب الآخرة أشدُّ وأبقى . ومِنْ أمثلة هؤلاء الوليد بن المغيرة ، الذي رزقه الله مالاً وبنين فلم يعرف نعمة الله عليه ، واختلق الأكاذيب ليشوّه مقام النبوّة ، ويصمه بالسحر والكذب ، ويدّعي أنه أولى من الرسول الكريم بالرسالة . . إنَّ أمره عجيب ، وتفكيره غريب . . فالله أعلم حيث يجعل رسالته :
{ [COLOR="green"]ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [/COLOR](11)
[COLOR="green"]وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا [/COLOR](12)
[COLOR="green"]وَبَنِينَ شُهُودًا [/COLOR](13)
[COLOR="green"]وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا [/COLOR](14)
[COLOR="green"]ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ [/COLOR](15)
[COLOR="green"]كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا[/COLOR] (16)
[COLOR="green"]سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا[/COLOR] (17)
[COLOR="green"]إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ[/COLOR] (18)
[COLOR="green"]فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ[/COLOR] (19)
[COLOR="green"]ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ[/COLOR] (20)
[COLOR="green"]ثُمَّ نَظَرَ[/COLOR] (21)
[COLOR="green"]ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ[/COLOR] (22)
[COLOR="green"]ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ[/COLOR] (23)
[COLOR="green"]فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ[/COLOR] (24)
[COLOR="green"]إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ[/COLOR] (25)
[COLOR="green"]سَأُصْلِيهِ سَقَرَ[/COLOR] (26)}(المدثر) .

وهكذا كان التعجب أسلوباً يحث السامع أو المخاطب ليعيد التفكير ، ويمحص القول ، ويروزُ الأمر ليصل إلى الحقيقة ، وما أقل من يفعل ذلك .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التنبيه
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التنبيه

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"]يكون التنبيه إلى أمر ما لأسباب عدّة منها :

أ ـ جذب الاهتمام به لشرفه ورفعة شأنه وتعظيمه .
ب ـ الاستعداد لفهمه ومعرفته ، والتأهب له ومقارنته بضده .
جـ ـ أن لا يضيع شيء مما يكون منه ، فلا يُضطر قائله إلى الإعادة .
د ـ تفطين الغافلين للشيء ، ووقفهم عليه ، والتفكير فيه .

والقرآن الكريم أنزله الله تعالى على نبيّه الكريم ليقرأه على الناس ، مبشراً ونذيراً فهو
ـ القرآن الكريم ـ رسالة إلى الخلق من ربهم ليتفكروا فيه ، ويعملوا به ، فلا بدَّ أن يكون التنبيه متواتراً متلاحقاً بأساليب وطرق متعددة ، منها :

1 ـ الاستفهام بـ { [COLOR="Green"]هل أتاك [/COLOR]} :

كقوله تعالى : { [COLOR="green"]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [/COLOR](1)}(الغاشية) وليس الرسول الكريم عارفاً بهذا الحديث ، ولا السامعون ، فلِمَ كان هذا الاستفهام ؟! إنه لتعظيم خطره والتنويه إلى أهميته ، فيُصاخ السمعُ ، وتتأهبُ النفسُ مستعدّة لتلقّيه .
ومثاله كذلك : { [COLOR="green"]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [/COLOR](24)}(الذاريات) والرسول الكريم لا يعرف قصّة الملائكة الثلاثة الكرام : جبريل وميكال وإسرافيل مع سيدنا ابراهيم عليه السلام ، فهذا الاستفهام ليس للتذكير إنما لجلب الانتباه والتركيز فيما يأتي من خبر .
وعلى هذا المنوال نفهم قوله تعالى :
أ ـ { [COLOR="green"]هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [/COLOR](15)(النازعات) .
ب ـ وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ [/COLOR](21)}(ص) ،
جـ ـ وقوله عز وجل : { [COLOR="green"]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ [/COLOR](17) [COLOR="green"]فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ [/COLOR](18)}(البروج) .

2 ـ الاستفهام بـ { [COLOR="green"]أرأيتَ[/COLOR] ، [COLOR="green"]أرأيتم [/COLOR]} :

وذلك للتفكير والتدبر والمقارنة دون الحاجة إلى الإجابة اللفظيّة ،
كقوله تعالى : { [COLOR="green"]أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً [/COLOR](3)}(الفرقان) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]أفرأيت الذي تولّى [/COLOR](33) [COLOR="green"]وأعطى قليلاً وأكدى [/COLOR](34)}(النجم) .
وكقوله تعالى { [COLOR="green"]أرأيت الذي يكذّب بالدين[/COLOR] (1) [COLOR="green"]فذلك الذي يدع اليتيم [/COLOR](2)} (الماعون) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ[/COLOR] . . .(46) }(الأنعام) .
وكقوله جل وشأنه : { [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [/COLOR](47) }(الأنعام) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [/COLOR](58) [COLOR="green"]أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [/COLOR](59) }(الواقعة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ [/COLOR](63) [COLOR="green"]أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [/COLOR](64) }(الواقعة) .
وقوله جل شأنه : { [COLOR="green"]أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ [/COLOR](68) [COLOR="green"]أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [/COLOR](69)}(الواقعة) .
وقوله جل شأنه : { [COLOR="green"]أفرأيتم النَّارَ الَّتِي تُورُونَ[/COLOR] (71) [COLOR="green"]أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [/COLOR](72)}(الواقعة) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [/COLOR](19) [COLOR="green"]وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [/COLOR](20)}(النجم) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا [/COLOR]. . .(28)}(الملك) .
والأمثلة كثيرة في هذا الباب .

3 ـ [COLOR="green"]اذكر[/COLOR] :

فعل الأمر الذي خرج عما وضع له إلى التنبيه ، لأمر نبيهٍ شريف يستحق أن يُقلَّدَ أو يُتخذَ مثالاً يحتذى .
كقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [/COLOR](45)}(ص) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [/COLOR](41)}(ص) .
وكقوله جل شأنه : { [COLOR="green"]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [/COLOR](56) [COLOR="green"]وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [/COLOR](57)}(طه) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ[/COLOR]..(21)}(الأحقاف) ،
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ[/COLOR] ...(86)}(الأعراف) .
والأمثلة في هذا الباب كثيرة .

4 ـ التكرار :

وهو سمة ظاهرة في القرآن الكريم ، أفردنا له عنواناً خاصاً . ولأنَّ مِنْ أغراضه التنبيه ننوّه إليه ـ هنا ـ باختصار :

أ ـ تكرار جملة بعينها من أول السورة إلى آخرها :

كقوله تعالى في سورة الرحمن : { [COLOR="green"]فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [/COLOR](13)}(الرحمن) . (تكررت إحدى وثلاثون مرة في السورة)
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [/COLOR](5) [COLOR="green"]إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [/COLOR](6)}(الشرح) .
وكقوله تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ[/COLOR] (67) [COLOR="green"]وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [/COLOR](68) }(الشعراء) وذكرت سبع مرّات في سورة الشعراء بعد كلِّ قصة للأنبياء الكرام ، عليهم صلوات الله وسلامه ، مع أقوامهم .

ب ـ تكرار تعبير بعينه للتنبيه إلى خطره :

كقوله تعالى : { [COLOR="green"]سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [/COLOR](26) [COLOR="green"]وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [/COLOR](27)}(المدثر) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]الْحَاقَّةُ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]مَا الْحَاقَّةُ [/COLOR](2) [COLOR="green"]وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [/COLOR](3)}(الحاقة) .
وقوله سبحانه : { [COLOR="green"]الْقَارِعَةُ [/COLOR](1) [COLOR="green"]مَا الْقَارِعَةُ[/COLOR] (2) [COLOR="green"]وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ[/COLOR] (3)}(القارعة) .

جـ ـ تكرار ألفاظ بعينها :
مثال ذلك : " [COLOR="green"]كلّا[/COLOR] " في سورتي المدثر والمطففين ، و " [COLOR="green"]يوم الفصل [/COLOR]" في سورة المرسلات ، و " [COLOR="green"]ليلة القدر [/COLOR]" في سورة القدر .

5 ـ النداء :

وهو من أهم الأساليب في التنبيه الوارد كثيراً في القرآن الكريم ،من أمثلة ذلك:
قوله تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [/COLOR]..(21)}(البقرة).
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا [/COLOR]. . .(15)}(الأنفال) .
وقوله تعالى : { [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [/COLOR]..(28)}(التوبة) .
ولا بدّ من جواب للنداء نلحظه من الأمثلة السابقة : { [COLOR="green"]اعبدوا ربكم [/COLOR]} ، { [COLOR="green"]إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار[/COLOR] } ، { [COLOR="green"]إنما المشركون نجس [/COLOR]} .

6 ـ حروف القرآن الكريم :

والمقصود بها الحروف التي تصدَّرت كثيراً من سور القرآن الكريم ليتُنَبِّه إلى أمور منها :
أ ـ أن القرآن كلام الله المعجز ، وهو مؤلف من هذه الحروف التي تقرأونها في أول السور ، فمَنْ شك أنه من عند الله فليأت بمثله ! . .
ب ـ أن هذه الحروف فواتح السور ، لها أسرارها العظيمة الجليلة .
ـ وقد تبدأ بعض هذه السور بحرف تسمى به ، كسورة " ق " وسورة " ص " .
ـ وقد تبدأ بحرفين وتسمى بهما كسورتي " [COLOR="green"]يس[/COLOR] " و " [COLOR="green"]طه[/COLOR] " وقد لا تسمّى بهما ، كسورة النمل فقد بدأت بالحرفين { [COLOR="green"]طس[/COLOR] } وسورتي غافر وفصّلت ، وأخواتهما الشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف فقد بدأت بالحرفين { [COLOR="green"]حم[/COLOR] } .
ـ قد تبدأ بثلاثة أحرف ، كسورة البقرة وأخواتها آل عمران والعنكبوت ، والروم ، ولقمان والسجدة ، فقد بدأت بـ { [COLOR="green"]ألم[/COLOR] } .
وسورتي الشعراء والقصص اللتين بدأتا بـ { [COLOR="green"]طسم[/COLOR] } .
وسورة هود وأخواتها يوسف ، ويونس ، وإبراهيم ، والحجر ، التي بدأتا بالحروف { [COLOR="green"]آلر[/COLOR]}.
ـ وقد تبدأ السورة بأربعة أحرف ، كسورة الرعد التي بدأت بـ { [COLOR="green"]آلمر[/COLOR]} .
ـ وقد تبدأ السورة بخمسة أحرف كسورة مريم التي بدأت بـ { [COLOR="green"]كهيعص[/COLOR] } .

ولعلَّ المتفحص لآيات القرآن الكريم يجد كثيراً من أدوات التنبيه التي تحرك الوجدان والمشاعر ، وتشحذ القلب والعقل ، وتدفع إلى التفكر والتدبّر ، وترقق الأحاسيس ، وتذكر بالله ـ سبحانه ـ وعظمته .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإصرار
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الإصرار

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[COLOR="Blue"][SIZE="5"]أسلوب شديد في التأكيد يدل على :

1 ـ ثبات في التصور ، وقوة التوجّه .
2 ـ إصرار على الاستمرار في تحقيق الهدف .
3 ـ التحدي في إنقاذ ما يراد . . .

وإذا وجد مؤمنون بقضية ما فيهم هذه الصفات فهذه قضيّة نافذة بإذن الله ، وأصحابها واصلون إلى ما يصبون إليه ، [COLOR="Red"]فما بعد العزيمة والإصرار من تراجع أو انحسار[/COLOR] ، وهكذا أصحاب المبادئ ، وهكذا يجب أن يكونوا .
والأمثلة في القرآن الكريم على هذا الأسلوب وافرة جداً ، نقتطف من رياضه طاقة وافية إن شاء الله :

ـ فالكفار يوم القيامة حين يرون العذاب يتمنّون الخلاص منه ـ وأنّى لهم ذلك ـ وعلى الرغم من أنهم بخلاء ، كانوا يسلبون الناس أموالهم وأراضيهم ، ويقتلون من يقف أمام رغباتهم المتوحشة في امتلاك كل شيء ، . . ولو أنهم امتلكوا المال الكثير ، والذهب الوفير ، لقدموهما وأضعافَ ذلك بكثير كي ينجوا من النار ، لكنّ إرادة الله تعالى كتبت على هؤلاء الشقاء ، ولا بدّ من العقاب الدائم الأبدي ، لكل من طغى وتجبّر واستكبر ، قال تعالى:
{ [COLOR="Green"]فَأَمَّا مَنْ طَغَى [/COLOR](37) [COLOR="green"]وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [/COLOR](38) [COLOR="green"]فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [/COLOR](39)}(النازعات).

ـ وتأمل الإصرار في إظهار دين الإسلام ، دين الحق على كل الأديان المحرّفة ، والشرائع الممسوخة ، على الرغم من تآمر المتآمرين ، ومكر الماكرين :
{ [COLOR="green"]يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [/COLOR](8)
[COLOR="green"]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [/COLOR](9)}(الصف)
وليس بعد هذا الإصرار من إصرار ، والنصر حليف المسلمين إن شاء الله.

ـ وحين أصرّ الكفار من قوم نوح على الإشراك بالله ، وعبادة الأصنام ، وكان أحدهم يمسك بيد ابنه ، ويأخذه إلى نوح فيقول له : يا بني ! إن جدك أخذ بيدي إلى هذا الرجل الكاذب !! وحذرني منه ، والآن انا أحذرك منه فلا تؤمن به ، وحين أصرّوا على اتخاذ الأوثان آلهة ،قال سبحانه :
{ [COLOR="green"]وقالوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [/COLOR](23) [COLOR="green"]وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا[/COLOR] (24)}(نوح).
أمر الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام أن يصنع سفينة ، ليحمل فيها أهله المؤمنين ومن آمن معه ، فقد كتب الله على الكافرين الغرق . . ونهاه أن يحدثه في نجاة الذين ظلموا . .
{ [COLOR="green"]وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ[/COLOR] (37)}(هود) .

ـ إن ديننا دين البرّ ، ودين الاعتراف بأولي الفضل والإحسان إليهم ، والوالدان صاحبا المنّة والفضل على أبنائهما بعد الله سبحانه وتعالى ، وقد أمرنا الله عزّ وجلّ في أماكن عدة في كتابه الكريم ، بعد الأمر بتوحيده وعبادته ، أن نحسن إلى آبائنا ولو كانوا كافرين ، وأن نطيعهم فيما يأمروننا به ، ونرفق بهم مع الإصرار على الإيمان بالله ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، قال سبحانه:
{ [COLOR="green"]وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[/COLOR] ( 8 )
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ [/COLOR](9)}(العنكبوت) .
وقال عز وجل:
{ [COLOR="green"]وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[/COLOR] (14) [COLOR="green"]وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[/COLOR] ..(15)}(لقمان) .
فالإحسان إلى الوالدين أمر مشروع ، لكنّ الطاعةَ في العقيدة لله فقط سبحانه .

ـ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقسم أنْ يحطم الأصنام ، في أول فرصة تسنح له ، قال تعالى:
{ [COLOR="green"]وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ[/COLOR] (57)}(الأنبياء) .
وأصرَّ قبل إلقائه في النار ، وبعد إنقاذه منها أن يلجأ إلى الله ، فهو غوث المستغيثين
{ [COLOR="green"]فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ[/COLOR] (91) [COLOR="green"]مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ [/COLOR](92)
[COLOR="green"]فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ[/COLOR] (93) [COLOR="green"]فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [/COLOR](94) [COLOR="green"]قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ[/COLOR] (95) [COLOR="green"]وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [/COLOR](96) [COLOR="green"]قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ[/COLOR] (97) [COLOR="green"]فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ[/COLOR] (98) [COLOR="green"]وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ[/COLOR] (99)}(الصافات) .
وباهتمامه عليه الصلاة والسلام وإصراره على نشر الحق كان أمةً وحده وصار خليل الله وصاحب الملّة السمحاء . . .

ـ وهذا سيدنا موسى عليه السلام ، أحد الانبياء الخمسة أولي العزم ، يصرّ على مرافقة الرجل الصالح ليتعلم منه ، فهو ينطلق مسرعاً إلى مكان اللقاء مزمعاً على ذلك ، ولو سار الدهر كله ، قال عز وجل: { [COLOR="green"]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [/COLOR](60) }(الكهف) .
ولما لقيه عرّفه بنفسه ، وسأله أن يسمح له بمرافقته للتعلم منه فاعتذر الرجل الصالح ، فلن يستطيع أحد أن يرضى بما لا يعرف لحدوثه سبباً ، ولا يسأل عن السبب ، فأصرّ موسى على التعلم منه ، ووعده أن يصبر فلا يسأل ، ثم لا يعصي له أمراً يريده ، فنزل الرجل الصالح على إصراره على أن يختبره في الأمور الثلاث الأولى :
{ [COLOR="green"]قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[/COLOR] (66) [COLOR="green"]قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[/COLOR] (67) [COLOR="green"]وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [/COLOR](68) [COLOR="green"]قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [/COLOR](69)}(الكهف) .

ـ ثم إننا نرى الإصرار الذي ينبع من الإيمان العظيم لسيدنا موسى ، بدينه وقضيته حتى يقف أمام فرعون ذلك الجبار المتكبر غير هيّاب ولا وجل ، يجادله ويحاجّه فكرةً بفكرة .
{ [COLOR="green"]فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](16) [COLOR="green"]أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [/COLOR](17) [COLOR="green"]قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [/COLOR](18) [COLOR="green"]وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ[/COLOR] (19) [COLOR="green"]قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [/COLOR](20) [COLOR="green"]فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ [/COLOR](21) [COLOR="green"]وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ[/COLOR] (22) [COLOR="green"]قال فرعون وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ[/COLOR] (23) [COLOR="green"]قال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [/COLOR](24) [COLOR="green"]قال لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ [/COLOR](25) [COLOR="green"]قال رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [/COLOR](26) [COLOR="green"]قال إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [/COLOR](27) [COLOR="green"]قال رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[/COLOR] (28) [COLOR="green"]قال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [/COLOR](29) [COLOR="green"]قال أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ [/COLOR](30) [COLOR="green"]قال فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[/COLOR] (31) [COLOR="green"]فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [/COLOR](32) [COLOR="green"]وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [/COLOR](33) [COLOR="green"]قال للملأ حوله إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [/COLOR](34)}(الشعراء) .
فالقارئ يرى ويسمع ذلك الحوار الساخن بين نبي الله المؤمن بدعوته المتحمس لها ، المعتمد على الله سبحانه وتعالى ، وبين ذلك المتأله المتغطرس الذي يأنف أن تنزع الألوهية منه وتعود إلى صاحبها ـ الله سبحانه ـ إنّه إصرار رائع على وضع الحق في نصابه .

ـ ونرى أحد إخوة يوسف يقف محتاراً ، فقد وعدوا أباهم أن يعودوا بأخيهم بنيامين إلى فلسطين ، وها هو يَسرِقُ ويُستَعبَدُ حين انكشف ، ولن يصدق أبوهم هذه القصة فهو ـ الأب ـ يعرف أنّ ابنه رجل صالح لا يسرق . . .
فكيف يعود هذا الأخ دون أخيه ، فيصرّ على أن يبقى في مصر ، ولا يخلف وعده ، إلا إذا سمح له أبوه بالعودة ،قال جل شأنه:
{ [COLOR="green"]فَلنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ[/COLOR] (80)}(يوسف).

ـ أما مؤمن ( يس ) ، فقد علم بتكذيب أهل المدينة الأنبياءَ الثلاثة ، فانطلق من مسكنه البعيد في الطرف الآخر من المدينة يسعى لنصرة أنبياء الله ، ويعلن إيمانه على الرغم من هياج الكفار وتهديدهم الرسلَ وغضبهم منهم ، ويصل الرجل المؤمن ، ويصدح بكلمة الحق ، ويصرّ عليها ، فيقتلونه في سورة هياجهم ، ويدخل الجنّة ، وهذا ما كان يصبو إليه ، قال عز من قائل:
{ [COLOR="green"]وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [/COLOR](20) [COLOR="green"]اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ[/COLOR] (21) [COLOR="green"]وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [/COLOR](22) [COLOR="green"]أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ [/COLOR](23) [COLOR="green"]إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [/COLOR](24) [COLOR="green"]إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [/COLOR](25) [COLOR="green"]قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [/COLOR](26) [COLOR="green"]بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ[/COLOR] (27)}(يس) .

ـ وهؤلاء المسلمون في المدينة ، تحيط بهم الأحزاب من كل جهة . . . أخافوا واستسلموا أم ازداد إيمانهم وثبتوا ؟.
قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله من المحنة والابتلاء ، ثم النصر على الأعداء ، والله صادق الوعد ، ورسوله صادق البشرى . . وأصروا على الجهاد والثبات فنالوا ثمرة ذلك الصبر والإصرار والنصر ، ولله المنّة والفضل ، قال تعالى:
{ [COLOR="green"]وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [/COLOR](22) [COLOR="green"]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [/COLOR](23)}(الأحزاب) .

فبالثبات والإصرار يبلغ المجتهد مأربه وينال رغبته .

يتبع[/SIZE][/COLOR][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ التفصيل
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

التفصيل

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[RIGHT][SIZE="5"][COLOR="Blue"] أهناك فائدة من الحديث إن كان مبهماً ، أو ملخَّصاً لا يفي بالغرض ؟
وهل ينفَّذ الأمر إن لم يكن واضحاً مفهوماً ؟
وإن نفّذ دون توضيح وتفصيل أيصلُ إلى الغاية المنشودة والهدف المقصود؟ .
كلما كان الأمر واضحاً مفصّلاً ، دقيقاً منظَّماً ، كان التعامل معه مريحاً بيّناً . ومثاله في القرآن الكريم كثير كثير ، بل إن القرآن الكريم يقوم عليه ويدعو إليه فهو يقول : { [COLOR="Green"]وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [/COLOR](12)}(الإسراء) ، { [COLOR="green"]كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[/COLOR] (24)}(يونس) ،
{ [COLOR="green"]يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ[/COLOR] ( 8 )}(الرعد) .
وهذا يدعونا إلى السير على هداه لنبلّغ الرسالة للناس كما يريد ربنا سبحانه .

فمن هذه الأمثلة قوله تعالى في آية الدَّين :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا
[/COLOR]6 ـ [COLOR="green"]وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا
[/COLOR]7 ـ [COLOR="green"]إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا
[/COLOR] 8 ـ [COLOR="green"]وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ
[/COLOR]9 ـ [COLOR="green"]وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [/COLOR](282)
10 ـ [COLOR="green"]وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ
[/COLOR]11 ـ [COLOR="green"]فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ
[/COLOR]12 ـ [COLOR="green"]وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [/COLOR](283)}(البقرة) .
أرأيت إلى هذا التفصيل الذي لم يترك شاردة ولا واردة ؟ ، هكذا يكون التعامل شاملاً ، دقيقاً ، واضحاً لا لبس فيه ولا ثغرة ، فتحفظ الحقوق ، وترتاح النفوس، ويَسْلم الدين .

ـ ومثاله كذلك هذا الشمول في تفصيل الشهوات ، والإشارة إليها :
{ [COLOR="green"]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
[/COLOR]أ ـ [COLOR="green"]مِنَ النِّسَاءِ
[/COLOR]ب ـ [COLOR="green"]وَالْبَنِينَ
[/COLOR]جـ ـ [COLOR="green"]وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
[/COLOR]د ـ [COLOR="green"]وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
[/COLOR]هـ ـ [COLOR="green"]وَالْأَنْعَامِ[/COLOR]
و ـ [COLOR="green"]وَالْحَرْثِ [/COLOR]..(14)}(آل عمران) .

ـ ومثاله قول الله سبحانه في وصف المنافقين المفسدين ، وفضحهم الساخر :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [/COLOR](118)
5 ـ [COLOR="green"]هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ
[/COLOR]6 ـ [COLOR="green"]وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [/COLOR](119)
7 ـ [COLOR="green"]إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
[/COLOR]8 ـ [COLOR="green"]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [/COLOR](120)}(آل عمران).

ـ ومثاله في التعامل مع اليتامى وأموالهم ، والسفهاء ، والتعامل مع النساء قوله تعالى :
1 ـ {. . . [COLOR="green"]وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [/COLOR](1)
2 ـ [COLOR="green"]وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [/COLOR](2)
4 ـ [COLOR="green"]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [/COLOR](3)
6 ـ [COLOR="green"]وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [/COLOR](4)
7 ـ [COLOR="green"]وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [/COLOR](5)
8 ـ [COLOR="green"]وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا[/COLOR]
9 ـ [COLOR="green"]وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [/COLOR](6)}(النساء).

ـ ومن الأمثلة الدقيقة الشاملة المفصّلة في سورة النساء :
1 ـ آيات المواريث من الآية السابعة وحتى الآية الرابعة عشرة .
2 ـ آيات التوبة [ 16 ـ 18 ] في أن المشركين لا يعمرون مساجد الله ، إنما المؤمنون فقط مع ذكر سمات المؤمنين .
3 ـ أصناف النساء المحرّمات الآيتان [ 23 ـ 24 ] .
4 ـ صنفا المنافقين الآيات [ 88 ـ 91 ] .

ـ ومن الأمثلة في السورة نفسها قوله تعالى في القتل الخطأ :
1 ـ { [COLOR="green"]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً
[/COLOR] أ ـ [COLOR="green"]فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا
[/COLOR] ب ـ [COLOR="green"]فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
[/COLOR] جـ ـ [COLOR="green"]وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [/COLOR](92)
4 ـ [COLOR="green"]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [/COLOR](93)}(النساء) .

ـ ومثاله كذلك قوله سبحانه يبين فضله وكرمه ، ويوضح سمات دينه العظيم ، وألوهيته ، وربوبيته :
1 ـ { [COLOR="green"]مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [/COLOR](160)
3 ـ [COLOR="green"]قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [/COLOR](161)
4 ـ [COLOR="green"]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [/COLOR](162)
5 ـ [COLOR="green"]لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [/COLOR](163)}(الأنعام) .

ـ ومن الأمثلة البيّنة توضيحُ ما حرّمه الله تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [/COLOR](33)}(الأعراف) .

ـ ومن أمثلة التفصيل قولهُ تعالى يصف رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
{ . . . [COLOR="green"]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [/COLOR](156)
3 ـ [COLOR="green"]الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
[/COLOR] أ ـ [COLOR="green"]يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
[/COLOR] ب ـ [COLOR="green"]وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
[/COLOR] جـ ـ [COLOR="green"]وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
[/COLOR] د ـ [COLOR="green"]وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
[/COLOR] هـ ـ [COLOR="green"]وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]فَالَّذِينَ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]آَمَنُوا بِهِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَعَزَّرُوهُ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَنَصَرُوهُ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ
[/COLOR] [COLOR="green"]أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/COLOR](157){(الأعراف) .
إنه تفصيل ما بعده تفصيل.

ـ وانظر إلى صفات المؤمنين وجزائهم ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [/COLOR](2)
4 ـ [COLOR="green"]الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [/COLOR](3)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَمَغْفِرَةٌ
[/COLOR]3 ـ [COLOR="green"]وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [/COLOR](4){(الأنفال).

ـ وتعرَّف إلى عوامل النصر التي فرضها الله ، هل هي محققة فينا جميعها أو بعضها ، أو هي بعيدة عنا بعد السماء عن الأرض ؟. قال تعالى :

{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]فَاثْبُتُوا[/COLOR]
2 ـ [COLOR="green"]وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [/COLOR](45)
3 ـ [COLOR="green"]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [/COLOR](46)
6 ـ [COLOR="green"]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [/COLOR](47)}(الأنفال) .

ـ وتابع تصوير المنافقين في سورة التوبة ، بدءاً من الآية الشامنة والثلاثين إلى آخر
السورة ، لتكتشف فساد عقيدتهم ، سوء تصرفهم ، وكرههم للمسلمين ، وحبهم للمشركين ، وأثرهم الهدّام في المجتمع الإسلامي ، وضعة نفوسهم بشكل مفصل واضح شامل دقيق . .
ـ وكذلك نجد التفصيل في سورة الكهف حين قتل الرجل الصالح الغلام ، وخرق السفينة ، وأقام الجدار ، وعلل بعد ذلك ما فعله مفصّلاً ، شارحاً ، معتذراً عن متابعة صحبته لموسى عليه السلام .

ـ وفي سورة الحج لم يقل الله تعالى للرسول الكريم : إن تكن قد كُذِّبْتَ فقد كُذِّب الأنبياء من قبلك بل فصل القرآن ذاكراً المكذّبين حين أضافهم إلى أسماء أنبيائهم ليُعرَفوا قائلاً :

{ [COLOR="green"]وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ [/COLOR](42) [COLOR="green"]وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ [/COLOR](43) [COLOR="green"]وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [/COLOR](44)}(الحج) .

ـ ومن الأمثلة على التفصيل وصف المؤمنين في سورة (المؤمنون) ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [/COLOR](1)
1 ـ [COLOR="green"]الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [/COLOR](2)
2 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ[/COLOR] (3)
3 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ[/COLOR] (4)
4 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ[/COLOR] (5) [COLOR="green"]إِلَّا عَلَى
[/COLOR]أ ـ [COLOR="green"]أَزْوَاجِهِمْ
[/COLOR]ب ـ [COLOR="green"]أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [/COLOR](6)
[COLOR="green"]فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [/COLOR](7)
5 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [/COLOR]( 8 )
6 ـ [COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [/COLOR](9)
7 ـ [COLOR="green"]أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [/COLOR](10) [COLOR="green"]الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [/COLOR](11)}(المؤمنون) .

ـ وتعال معي كذلك نقف على صورة من صور المنافقين البائسين . . قال تعالى :
{ [COLOR="green"]أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
[/COLOR]1 ـ [COLOR="green"]لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [/COLOR](11)
3 ـ [COLOR="green"]لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ[/COLOR] (12)
6 ـ [COLOR="green"]لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ[/COLOR] (13)}(الحشر) .

ـ وحين يوبخ الله تعالى المطففين يوضح السبب فيقول :
{ [COLOR="green"]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
[/COLOR] (1) [COLOR="green"]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
[/COLOR] (2) [COLOR="green"]وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
[/COLOR] (3) [COLOR="green"]أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ
[/COLOR] (4) [COLOR="green"]لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
[/COLOR] (5) [COLOR="green"]يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[/COLOR] (6)}(المطففين) .

ـ نَقَضَ اليهودُ الميثاق ، وظلموا وكفروا وكذبوا . . . فكان عذابهم أليماً قال تعالى :
1 ـ { [COLOR="green"]يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا
مُبِينًا [/COLOR](153)
3 ـ [COLOR="green"]وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
[/COLOR]5 ـ [COLOR="green"]وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [/COLOR](154)
6 ـ [COLOR="green"]فَبِمَا[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ
[/COLOR] ب ـ [COLOR="green"]وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ
[/COLOR] جـ ـ [COLOR="green"]وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
[/COLOR] د ـ [COLOR="green"]وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [/COLOR](155)
و ـ [COLOR="green"]وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [/COLOR](156) [COLOR="green"]وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [/COLOR](157) [COLOR="green"]بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [/COLOR](158) [COLOR="green"]وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [/COLOR](159)
ز ـ [COLOR="green"]فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ
[/COLOR] ح ـ [COLOR="green"]وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا [/COLOR](160)
ط ـ [COLOR="green"]وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ
[/COLOR] ي ـ [COLOR="green"]وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [/COLOR]. .(161)}(النساء) .

ـ إن عودةَ إلى القرآن الكريم بنباهة ويقظة توقفك على تفاصيل تدلُّ على عظمة قائله سبحانه وتعالى وعزّ من قائل .

وأن على الإنسان أن يفصّل ويوضِّح ويزيل اللبس والغموض .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/RIGHT][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإستقصاء
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الاستقصاء

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"][RIGHT] استقصى فلانَ المسألة : بلغ الغاية في البحث عنها .
وأقصدُ كذلك بالاستقصاء : ذكرَ الاحتمالات وما قد يخطر على البال منها ، وإيرادَها لمعرفتها أولاً ، وللردِّ عليها ، أو إلقاء الضوء عليها ثانياً .
وعلى هذا فالاستقصاء غير التفصيل (راجع أسلوب التفصيل) وإن كان يلتقي معه في سدّ الثغرات والإحاطة بالمسألة (الأمر) ، وبينهما خيط دقيق ، يتوضح إن شاء الله من سرد الأمثلة المناسبة .

ـ قال الله سبحانه وتعالى مستقصياً ما يجري حين تقوم الساعة ، فيعرف الإنسان حينئذ ما قدَّم من خير أو شرٍّ كانا غائبين عن فكره وعينه :
{ [COLOR="green"]إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ[/COLOR] (1) [COLOR="green"]وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [/COLOR](2)
[COLOR="green"]وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ[/COLOR] (3) [COLOR="green"]وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ[/COLOR] (4)
[COLOR="green"]وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ[/COLOR] (5) [COLOR="green"]وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ[/COLOR] (6)
[COLOR="green"]وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ[/COLOR] (7) [COLOR="green"]وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ[/COLOR] ( 8 ) [COLOR="green"]بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[/COLOR] (9) [COLOR="green"]وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ[/COLOR] (11) [COLOR="green"]وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ[/COLOR] (12) [COLOR="green"]وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ[/COLOR] (13) [COLOR="green"]عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ[/COLOR] (14)}(التكوير) .
فهلّا فكّر الإنسان ، وتدبّر وعمل لذلك اليوم ، فقدم على ربه كما يقدم الضيفُ الكريم ، راجياً كريم المثوى ، وسعادة المأوى .

ـ وانظر إلى الاستقصاء الدقيق الذي لم يترك شاردة ولا واردة ، في الدفاع عن سيّد المرسلين ، ونفيِ التهم الباطلة التي أرادها له الكافرون ، المبطلون ، ودحض افتراءاتهم ، في التقوّل على الله ورسوله ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ[/COLOR] (29)
[COLOR="green"]أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ[/COLOR] (30) [COLOR="green"]قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [/COLOR](31)
[COLOR="green"]أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا[/COLOR]
[COLOR="green"] أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ[/COLOR] (32)
[COLOR="green"]أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ[/COLOR] (33) [COLOR="green"]فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [/COLOR](34)
[COLOR="green"]أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [/COLOR]
[COLOR="green"]أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [/COLOR](35)
[COLOR="green"]أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ[/COLOR] (36)
[COLOR="green"]أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ[/COLOR]
[COLOR="green"]أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ[/COLOR] (37)
[COLOR="green"]أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ[/COLOR] (38)
[COLOR="green"] أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ[/COLOR] (39)
[COLOR="green"]أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ[/COLOR] (40)
[COLOR="green"]أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ[/COLOR] (41)
[COLOR="green"]أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ[/COLOR] (42)
[COLOR="green"]أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ[/COLOR] (43)}(الطور) .
أرأيت معي إلى "أمْ" المعادلة ، هذه التي تكررت تستقصي ما قد يجول في نفوس المشركين من كذب وادعاء ، فتسخر منهم وتردُّ بهتانهم ، وتفضح أسرارهم . . هل تركَتْ شاردة أو واردة من احتملات إلا أوردتها ؟ . . .

ـ والقرآن جاء واضعاً النقاط على الحروف ، موضحاً للمؤمنين ما يجب أن يفعلوه ، منبهاً إلى تكذيب الكفار واستكبارهم ، لكنَّ عاقبتهم خزي وندامة ، لأنهم سيعرفون ـ في وقت لا تنفع فيه المعرفة ـ أن كلَّ ما جاء به حقٌّ لا تشوبه شائبة .
قال تعالى : { [COLOR="green"]وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [/COLOR](48)
[COLOR="green"]وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ[/COLOR] (49)
[COLOR="green"]وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ [/COLOR](50)
[COLOR="green"]وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [/COLOR](51)}(الحاقة).

ـ والقرآن حين ذكر السابقين إلى الخيرات استقصاهم عدداً ومكانةً وهيئة وتكريماً فقال :
{ [COLOR="green"]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ[/COLOR] (10) [COLOR="green"]أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [/COLOR](11) [COLOR="green"]فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[/COLOR] (12)
[COLOR="green"]ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ[/COLOR] (13) [COLOR="green"]وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ[/COLOR] (14)
[COLOR="green"]عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ[/COLOR] (15) [COLOR="green"]مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ[/COLOR] (16)
[COLOR="green"]يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ[/COLOR] (17) [COLOR="green"]بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ[/COLOR] (18) [COLOR="green"]لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ[/COLOR] (19)
[COLOR="green"]وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ[/COLOR] (20) [COLOR="green"]وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ[/COLOR] (21)
[COLOR="green"]وَحُورٌ عِينٌ[/COLOR] (22) [COLOR="green"]كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ[/COLOR] (23) [COLOR="green"]جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[/COLOR] (24)
[COLOR="green"]لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا[/COLOR] (25) [COLOR="green"]إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا[/COLOR] (26)}(الواقعة) .
واستقصى أصحاب اليمين كذلك ، هيئة ومكانة وتكريماً ، فقال :
{ [COLOR="green"]وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ[/COLOR] (27)
[COLOR="green"]فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ[/COLOR] (28) [COLOR="green"]وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ[/COLOR] (29) [COLOR="green"]وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [/COLOR](30) [COLOR="green"]وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [/COLOR](31) [COLOR="green"]وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [/COLOR](32) [COLOR="green"]لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ [/COLOR](33) [COLOR="green"]وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ[/COLOR] (34)
[COLOR="green"]إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً[/COLOR] (35) [COLOR="green"]فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا[/COLOR] (36) [COLOR="green"]عُرُبًا أَتْرَابًا[/COLOR] (37)
[COLOR="green"]لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ[/COLOR] (38) [COLOR="green"]ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [/COLOR](39) [COLOR="green"]وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ [/COLOR](40)}(الواقعة) .

ـ والإنسان بطبعه ناقص ضعيف ، يظهر نقصه وضعفه في شدة حرصه ، وواسع طمعه ، يخاف خوفاً شديداً إن مسّه الشرُّ ، يمنع رفده إن اغتنى وكثر ماله .
ولكنَّ هذا لا ينطبق على المؤمن الذي استقصى الله تعالى صفاته فقال فيه :
{ [COLOR="green"]إِلَّا الْمُصَلِّينَ [/COLOR](22) [COLOR="green"]الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [/COLOR](23)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [/COLOR](24) [COLOR="green"]لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [/COLOR](25)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ[/COLOR] (26)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ[/COLOR] (27) [COLOR="green"]إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [/COLOR](28)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ[/COLOR] (29) [COLOR="green"]إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [/COLOR](30) [COLOR="green"]فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [/COLOR](31)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[/COLOR] (32)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ[/COLOR] (33)
[COLOR="green"]وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ[/COLOR] (34)
[COLOR="green"]أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ[/COLOR] (35)}(المعارج) .
فما مكاننا من هؤلاء الذين مدحهم الله تعالى ؟ وأين أعمالنا من أعمالهم ؟ فإن قارنّا حالنا بحالهم فوجدنا خيراً فلنحمد الله ، وإلا فلا نلومنّ إلا أنفسنا .

ـ وتأمل معي هذه :

[أ] الاحتمالات في قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [/COLOR](46)
[COLOR="green"]قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [/COLOR](47)}(الأنعام) .
ثم تأمل :
[ب] النفي المتبوع بأسلوب الاستثناء المؤكد والنفيَ بالاستفهام والدعوة للتفكر
{ [COLOR="green"]قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ
وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ،
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ،
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [/COLOR](50)}(الأنعام) .
ثم تأمل معي :
[جـ] الإصرار على عبادة الله وحده ، والتبرؤ من الكافرين ، والإصرار على متابعة الحق ، وما على الرسول إلا البلاغ .
{ [COLOR="green"]قل إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
قل لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [/COLOR](56)
[COLOR="green"]قل إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [/COLOR](57)
[COLOR="green"]قل لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ [/COLOR](58) }(الأنعام).
وإسناد كل شيء إلى الله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [/COLOR](59) }(الأنعام) .
نعم ؛ تأمل ذلك تجدْ دقة في عرض الاحتمالات والإجابات والمناقشات والإقرار بربوبيّة الله وحده . . أليس هذا استقصاءً رائعاً للأفكار ، وشفاءً للنفس الطيبة في الاستقرار إلى كنف الله سبحانه وتعالى ؟!!.

ـ والمشركون لا يفتأون يعاجزون ويعاندون ويستكبرون عن الإيمان بالله ، ذلك الإيمان النقيّ من كل شائبة وضلال فهم ، يريدون معجزات كثيرة ، ليفكروا بعد ذلك أيؤمنون أم لا ؟! وفي الآيات التالية فضح لموقفهم المتعنت :
{ [COLOR="green"]وَقَالُوا[/COLOR]
1 ـ [COLOR="green"]لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا [/COLOR](90)
2 ـ [COLOR="green"]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا [/COLOR](91)
3 ـ [COLOR="green"]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا
[/COLOR]4 ـ [COLOR="green"]أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا [/COLOR](92)
5 ـ [COLOR="green"]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
[/COLOR]6 ـ [COLOR="green"]أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا[/COLOR] (93) }(الإسراء) .
فاستقصى القرآن ستاً من أحابيل المشركين ثم دحض افتراءاتهم كلها حين أمر رسوله الكريم أن يعلن رسالته وبشريته ، فمن أبصر فلنفسه ومن عميَ فعليها .

ـ ثم انظر إلى أنواع العذاب الذي أصاب الله به من كفر
{ [COLOR="green"]فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ[/COLOR]
1 ـ [COLOR="green"]فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا
[/COLOR]2 ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ[/COLOR]
3 ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ[/COLOR]
4 ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا[/COLOR]
[COLOR="green"]وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[/COLOR] (40) }(العنكبوت) .

ـ ولما جاءت وافدة النساء إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسأله حقَّ النساء وواجبهن نزل القرآن يجعلهن والرجال في الطاعات والعبادات والمسؤوليات سواء بسواء ، فقال :
{ [COLOR="green"]إِنَّ
[/COLOR]1- [COLOR="green"]الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
[/COLOR] 2- [COLOR="green"]وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
[/COLOR] 3- [COLOR="green"]وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ
[/COLOR] 4- [COLOR="green"]وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
[/COLOR] 5- [COLOR="green"]وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ
[/COLOR] 6- [COLOR="green"]وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
[/COLOR] 7- [COLOR="green"]وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
[/COLOR] 8- [COLOR="green"]وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
[/COLOR] 9- [COLOR="green"]وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ
[/COLOR] 10- [COLOR="green"]وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [/COLOR](35)}(الأحزاب) .
فكانت هذه الصفات العشر للرجال والنساء مجتمعين .

ـ وأخيراً ، اقرأ معي دعاء سيدنا نوح في سورته :
{ [COLOR="green"]رَبِّ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]اغْفِرْ لِي
[/COLOR]ب ـ [COLOR="green"]وَلِوَالِدَيَّ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا
[/COLOR]د ـ [COLOR="green"]وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [/COLOR]. . . }(نوح).
فقد استفاد نوح عليه السلام لنفسه في هذه الدعاء ثلاث مرات :
1 ـ اغفر لي .
2 ـ ولمن دخل بيتي مؤمناً فهو مؤمن .
3 ـ وللمؤمنين وهو منهم .
واستفاد والداه ثلاث مرات كذلك :
1 ـ لوالديَّ .
2 ـ ولمن دخل بيتي مؤمناً ووالداه مؤمنان .
3 ـ وللمؤمنين فوالده منهم ، والمؤمنات فأمه منهنّ .

استقصاء رائع . . . والأمثلة في القرآن كثيرة محكمة رائعة .

يتبع[/RIGHT][/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/الإيجاز بالحذف
 

[b][font="arial"][center][size="6"][color="green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

الإيجاز بالحذف

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/color][/size][/center]

[right]
[size="5"][color="blue"] لغتنا العربية ـ لغة القرآن ـ تمتاز بالبلاغة والبيان ولن تجد لغة تضاهيها فصاحة وجمالاً . . فالله سبحانه وتعالى وفّاها حقها حينما أنزل القرآن الكريم بها { [color="green"]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا[/color]..(2)}(يوسف) وحين وصفها : { [color="green"]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [/color](195)}(الشعراء ) .
ومن عوامل بيانها وجمالها ذلك الإيجازُ بالحذف ، الدالُّ على الإيحاءات البلاغيّة التي تعطيك زخماً من المعاني الكثيرة بالجمل القليلة ، فلا تحتاج إلى الإسهاب والإطناب في صياغة الفكرة والمعنى ، وإن كانا من عوامل جمالها أيضاً .
والإيجاز بالحذف متعدد ، فقد نُسقط كلمة ، أو جملة ، أو جُملاً دون الإخلال بالمعنى بل يزيد هذا الحذفُ المعنى وضوحاً .

ومن فوائد الإيجاز هذا :

1 ـ إيراد المعنى الواسع بلفظ قليل .
2 ـ التنسيق الموسيقي .
3 ـ التخلّص من التكرار المملّ .
4 ـ تعويد العقل على استجلاء المعنى ، واستنباطه ، والتمتع فيه .

أ ـ حذف الكلمة أو الكلمتين
ومثال ذلك قوله تعالى : { [color="green"]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [/color](6) [color="green"]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ[/color]..(7)}(الفاتحة) فحذف كلمة صراط قبل { [color="green"]غير[/color] } للعلم به وكأنه يقول غير صراط المغضوب عليهم .
وقوله تعالى : { [color="green"]وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا[/color]..(135)}(البقرة) وكأنه يقول : وقال اليهود كونوا هوداً تهتدوا ، وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا .
أرأيت إلى هذا الإيجاز بالحذف الذي زاد المعنى روعة ؟.
وقوله تعالى : { [color="green"]فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ[/color](137)}(البقرة) أي يكفيك شرّهم .
وقوله سبحانه : { [color="green"]فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[/color].. (184)}(البقرة) والمحذوف " فأفطر" كأنه يقول : فمن كان مريضاً فأفطر أو على سفر فأفطر . . فهل ترى خللاً في المعنى أم قوّةً وحَسْن سَبْك ؟ . .
ومثال ذلك أيضاً قوله تعالى : { [color="green"]الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ[/color]..(194)}(البقرة) .
والمعنى : هتك الشهر الحرام تُقابل بهتك الشهر الحرام فأنت تجزم أن الجملة في الآية الكريمة أكثر وضوحاً وأكثر متانةً وإيحاءً .
وقوله سبحانه : { [color="green"]كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ[/color]..(213)}(البقرة) والمقصود : كان الناس أمةً واحدة على الإيمان متمسكين بالحقِّ فاختلفوا فبعث الله . . .
ومثاله قوله تعالى : {[color="green"] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ[/color]..(219) }(البقرة) فهم يسألونك عن شرب الخمر وتعاطي الميسر .
وقوله تعالى : { [color="green"]لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ[/color]..(75)}(آل عمران) والمعنى : ليس علينا في أكل أموال الأميين سبيل . .
وقوله تعالى : { [color="green"]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[/color] (201)}(الأعراف) والمعنى : تذكروا ثواب الله وعقابه . .
وقوله سبحانه مخاطباً فرعون الغريق الذي قال وهو يلفظ أنفاسه : { [color="green"]آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[/color] (91)}(يونس) والمقصود : آلآن تقرُّ بوحدانيّة الله وقد عصيت . . .
والأمثلة على هذا كثير ، وأنت ترى معي أن المعنى مفهوم من السياق وأن الحذف لم يضيّعه بل زاده إشراقاً ، وترك الفكر يحدده ويلتذّه .

ب ـ حذف كلمات عدة أو جملة
مثاله قول تعالى : { [color="green"]فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ[/color] (102) }(يونس) والمعنى : فانتظروا عاقبة البغي والتكذيب وإنا من المنتظرين هلاككم ودماركم . .
وقوله سبحانه : { [color="green"]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/color]..(228)}(البقرة) والمعنى : ولهن من الحقوق على الرجال مثل الذي للرجال عليهن من الحقوق .
ومثاله أيضاً قول الله تعالى : { [color="green"]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[/color] (1)}(الأنفال) والمقصود : يسألونك عن الأنفال التي غنمتها في غزوة بدر لمن هي ؟ قل . . .
وقوله تعالى : { [color="green"]رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[/color] (75) }(هود) والمعنى : أن ابني من أهلي وأنت وعدتني بنجاحهم ، وإن وعدك الحق . . .
وقوله تعالى : { [color="green"]وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا[/color]...(50)}(هود) والمعنى : وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً وأوحينا إليه .
وقوله تعالى : { [color="green"]وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ[/color]..(23)}(الروم) والمقصود : ومن آياته منامكم بالليل وقيلولة النهار وابتغاؤكم في النهار من فضله .
وقوله سبحانه : { . . . [color="green"]وَالَّذِينَ ءاَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[/color]..(72)}(الأنفال) والمعنى : والذين أوَوْا رسول الله والمهاجرين إليهم ونصروهم أولئك . . .
والأمثلة كثيرة جداً ، إن عدتَ إليها في القرآن الكريم وجدت من الكنوز ما تقرُّ بها عينك .

جـ ـ حذف جمل عدة
كقوله تعالى : { [color="green"]فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [/color](15)}(يوسف) حذفت هنا عدة جمل ، والمعنى : وحين ألقوه في الجب ، واصابه الهمّ والحزن ، وتملكه الخوف أوحينا إليه . . .
وقوله تعالى : { [color="green"]أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ
بَقَرَاتٍ[/color]..(45)}(يوسف) والمحذوف : فأرسلوني إلى السجن لآتيكم بالتأويل الصحيح ، فأرسلوه ، فدخل على يوسف وقال له : يوسف أيها الصديق .
وقوله تعالى : { [color="green"]وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ[/color] . . . (50)}(يوسف) والمقصود : وقال الملك : ائتوني به فانطلق الرسول إلى السجن ليخرجه منه ويحمله إلى الملك ، فأبى أن يخرج إلا بريئاً فقال للرسول : ارجع إلى ربك فاسأله . . .
إنها معانٍ يستشفّها القارئ من خلال السطور ، فيعجب لوضوح المعنى دون أن يشعر أن هناك شيئاً محذوفاً . .
وهذه الجمل المحذوفة ليست من أركان الجمل الأصلية ، بل هي إطناب يمكن الاستغناء عنه وتبقى الجمل مكتملة المعنى .

د ـ حذف أصل من الجملة يفهم من السياق
وقد يكون خبراً أو جواب شرط ، وما شابه ذلك ، كقوله تعالى : { [color="green"]وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا[/color] . . (31) }(الرعد) والمحذوف هنا جواب الشرط ((لو)) ولو أن قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى (لكان هذا القرآن) بل لله الأمر جميعاً .
وكقوله سبحانه : { [color="green"]أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [/color]. .(33)}(الرعد) والمحذوف : الخبر ( كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام التي لا تنفع ولا تملك من الأمر شيئاً ) . . .
وقوله سبحانه : { [color="green"]أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ [/color]. .( 8 )}(فاطر) والمحذوف : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً (كمن استقبحه وتجنّبه واختار طريق الإيمان) .
وقوله سبحانه : { [color="green"]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [/color](45)}(يس) والمحذوف : (أعرضوا واستكبروا) .
وقوله سبحانه : { [color="green"]أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ[/color]..(19)}(الزمر) والمحذوف : (هل تقدر على هدايته لا) .
وقوله سبحانه: { [color="green"]أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [/color](22)}(الزمر)
والمحذوف : (كمن هو أعمى القلب معرض عن الإسلام ؟).
وقوله سبحانه : { [color="green"]أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[/color]...(24)}(الزمر) والمحذوف : (كمن هو آمِنٌ من العذاب؟).
وقوله جلّ شأنه : { [color="green"]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ[/color]...(41)}(فصلت) والمحذوف : (سيجازون بكفرهم جزاءً لا يوصف) .
وقوله سبحانه: { [color="green"]أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [/color](19) [color="green"]وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى[/color] (20)}(النجم)
والمحذوف: (هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزّة شيء حتى زعمتم أنها آلهة؟!!).
والأمثلة على الإيجاز بالحذف إشراق في التعبير ، يدلُّ على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد سبحانه وتعالى .
كما أنه يحرّك العقول فتقتنص فرائد المعنى ، وتستمتع بجمال العبارة ، وتذكرنا بالقاعدة الذهبية (([color="red"]خير الكلام ما قلَّ ودلَّ[/color])) .

يتبع[/color][/size][/right][/font][/b]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/المقارنة والاختيار
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

المقارنة والاختيار

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[RIGHT][SIZE="5"][COLOR="Blue"]خلق اللهُ سبحانه الإنسانَ ، وكرّمه على بقيّة المخلوقات بما حباه من عقل يفكر به ، فينقد ما يراه ويسمعه ، ويصل إلى الاختيار الصحيح والقرار الصائب .
وفي القرآن الكريم عشرات الآيات ، تضع بين يدي الإنسان طرقاً مختلفة ، ونتائج كلٍّ منها ليختار ما يريد بعد المقارنة بينها ودراستها ـ على بيّنة وليتحمل نتائج هذا الاختيار ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ .
ولعلنا في هذا العرض نقف على عوامل عدة لهذا الأسلوب منها :

1 ـ التنبيه إلى العمل الصحيح :

فقد ظنّ المشركون في مكة أنهم حين يسقون الحجيج ويضيفونهم ويخدمونهم فقد أدّوا حق الله تعالى . فينبههم القرآن الكريم إلى خطأ هذا الاعتقاد وأن العمل الصحيح الذي يرضاه الله منهم الإيمانُ الحقُّ به ، وتوحيدُه ، والإيمانُ باليوم الآخر ، ونشرُ الدين بالجهاد في سبيل الله . وشتّان بين قوم يعملون دون أساس العقيدة وقوم وضعوا نصب أعينهم الإيمان بالله وحده ، قال تعالى :
{ [COLOR="Green"]أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[/COLOR] (19)}(التوبة) .

ـ ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر ، فالكافر كالأعمى الماشي على غير هدى وبصيرة منكساً رأسه لا يرى طريقه ، يخبط خبط عشواء يتعثر كل ساعة فيخر على وجهه .
-والمؤمن سويٌّ صحيح البعد يمشي منتصب القامة ، يرى طريقه ولا يتعثر في خطواته .
والكافر يحشر ماشياً على وجهه إلى دركات الجحيم .
-والمؤمن يمشي إلى الجنّة سوياً على الصراط المستقيم ،قال سبحانه: { [COLOR="green"]أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[/COLOR] (22)}(الملك) حقاً إن الإيمان نور وثقة يوصل إلى الهدف المنشود ، ويرشد إلى الطريق السوي والسبيل الرشيد .

2 ـ التحفيز إلى اختيار الكمال :

قال تعالى : { [COLOR="green"]فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[/COLOR] (200) [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[/COLOR] (201)}(البقرة).
فمن كانت الدنيا همّه رغب أن تكون منحته في الدنيا خاصة ، وليس له في الآخرة نصيب ومن طلب خيرَي الدنيا والآخرة ـ وهو المؤمن العاقل ـ فقد فاز بسعادة الدارين ، وله حظ وافر مما عمل من الخيرات .
ومثلها قوله سبحانه وتعالى :
أ ـ { [COLOR="green"]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [/COLOR](18)
جـ ـ [COLOR="green"]وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ[/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا[/COLOR] (19)}(الإسراء) .
فالذي يريد بعمله الدنيا فقط ، ولها يسعى ويعمل ،ليس له همٌّ سواها أعطيناه ما نريد ، لا ما يريد ، وليس له في الآخرة سوى جهنّم يدخلها حقيراً مطروداً من رحمة الله .
أما الذي يسعى إلى النعيم المقيم ، وعمل له بما يليق من الطاعات ، وهو مؤمن صادق الإيمان فقد جمع الخصال الحميدة من الإخلاص ، والعمل الصالح ، والإيمان فكان عند الله تعالى مقبولاً .

3 ـ التحذير والترغيب :

تعال معي أيها الأخ الحبيب نلقي نظرة على مشهد من مشاهد يوم القيامة ، فترى المؤمنين يأخذون كتب أعمالهم بأيمانهم ، فإذا هم من السعداء . وترى المجرمين يأخذون كتب أعمالهم بشمالهم فإذا هم من الأشقياء ، واسمع ما يقوله المؤمن السعيد ، وما يقوله الكافر الشقي واختر ما تراه مناسباً للإنسان العاقل :
أ ـ { [COLOR="green"]فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ [/COLOR]
ـ [COLOR="green"]هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ[/COLOR] (19)
ـ [COLOR="green"]إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ[/COLOR] (20)
ـ [COLOR="green"]فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ[/COLOR] (21)
ـ [COLOR="green"]فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ[/COLOR] (22)
ـ [COLOR="green"]قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ[/COLOR] (23)
ـ [COLOR="green"]كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[/COLOR] (24)
ب ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [/COLOR]
ـ [COLOR="green"]فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ[/COLOR] (25)
ـ [COLOR="green"]وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ[/COLOR] (26)
ـ [COLOR="green"] يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ[/COLOR] (27)
ـ [COLOR="green"]مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ[/COLOR] (28)
ـ [COLOR="green"]هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ[/COLOR] (29)
ـ [COLOR="green"]خُذُوهُ فَغُلُّوهُ[/COLOR] (30) [COLOR="green"]ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ[/COLOR] (31)}(الحاقة) .

ـ وهذا مشهد آخر شبيه بما سبقه ، فالأشقياء في جهنّم مستقرون هناك لهم من شدة كربهم زفير وشهيق يترددان بشدّة ، أصواتهم في النار كصوت الحمار ، أوَّله زفير وآخره شهيق ، ماكثون فيها على الدوام .
أما السعداء ففي الجنّة مستقرون فيها لا يخرجون منها أبداً تنهال عليهم الخيرات والعطاء دون انقطاع ، قال تعالى : { [COLOR="green"]يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ[/COLOR] (105)
[COLOR="green"]فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ[/COLOR] (106)
[COLOR="green"]خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [/COLOR](107)
[COLOR="green"]وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[/COLOR] (108)}(هود) .

4 ـ تحديد العاقبة :

قال تعالى : { [COLOR="green"]إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [/COLOR]..(40)}(فصلت) بل يا رب من يأتي آمناً يوم القيامة ، ونعوذ بك أن نكون وقودَ النار.
ـ وانظر معي إلى المصير الرائع للسابقين إلى الإيمان ، الراغبين رضا الرحمن .
فأولهم السابقون :
{ [COLOR="green"]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [/COLOR](10) [COLOR="green"]أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [/COLOR](11) [COLOR="green"]فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[/COLOR] (12)}(الواقعة) .
وثانيهم في الفضل أصحاب اليمين
{ [COLOR="green"]وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ[/COLOR] (27) [COLOR="green"]فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [/COLOR](28) [COLOR="green"]وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [/COLOR](29) [COLOR="green"]وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [/COLOR](30) [COLOR="green"]وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [/COLOR](31) [COLOR="green"]وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [/COLOR](32) [COLOR="green"]لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ [/COLOR](33)}(الواقعة) .
أما الكفار فانظر إلى نهايتهم المأساوية :
{ [COLOR="green"]وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ[/COLOR] (41) [COLOR="green"]فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ [/COLOR](42) [COLOR="green"]وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [/COLOR](43) [COLOR="green"]لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ [/COLOR](44)}(الواقعة) .
وفي آخر هذه السورة ((الواقعة)) يجمل القرآن الكريم عاقبة أمر هذه الفئات الثلاثة :
أ ـ { [COLOR="green"]فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ [/COLOR](88) [COLOR="green"]فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [/COLOR](89)
ب ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [/COLOR](90) [COLOR="green"]فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [/COLOR](91)
جـ ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ [/COLOR](92) [COLOR="green"]فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ [/COLOR](93) [COLOR="green"]وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [/COLOR](94) }(الواقعة).
فمع مَنْ تريد أن تكون . . . يا أخي العزيز ؟

5 ـ تقسيم الناس :

ـ مرَّ قبل قليل في سورة الواقعة أنَّ الناس ثلاثة أقسام :
السابقون : هم المقرَّبون من الله في أرفع منازل الجنّة .
أصحاب اليمين : أهل الجنة في مقام أقلّ من السابقين .
أصحاب الشمال : أهل النار المشركون والكفار والمنافقون .
ـ وفي سورة فاطر نجد تصنيفاً لأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام :
{ [COLOR="green"]ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [/COLOR]
[COLOR="green"]ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [/COLOR](32)}(فاطر) .

الظالم لنفسه : العاصي من رجحت سيئاته على حسناته .
المقتصد : من استوت سيئاته وحسناته .
السابق : من رجحت حسناته على سيئاته .
ـ ولا شك أنك تريد أن تكون من السابقين .
ـ وفي سورة الجنّ نجد نوعين من الناس ، قال تعالى :
أ ـ { [COLOR="green"]وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ[/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [/COLOR](14)
ب ـ [COLOR="green"]وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [/COLOR](15)}(الجن) .
القاسطون : الكافرون الجائرون عن الحق

6 ـ المشاكلة :

يقول سبحانه وتعالى في سورة النور مؤكداً أن الكلمة الخبيثة تخرج من النفس الخبيثة ، وأن الكلمة الطيبة تخرج من النفس الطيبة ، وأن الرجل الصالح يرزقه الله الزوجة الصالحة ، وأن الخبيث منهم له الخبيثات منهنّ :
{ [COLOR="green"]الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [/COLOR]..(26)}(النور).
والله سبحانه وتعالى يجعل نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل النساء وأمهات المؤمنين لأنهن في كنف المصطفى عليه الصلاة والسلام أفضل الرجال ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [/COLOR]..(32)}(الأحزاب) .

7 ـ حصر العلاقات :

فقد حدد الله سبحانه وتعالى التعامل بين الزوجين في قضية الطلاق ، فقد كان للرجل أن يطلق ما شاء دون أن تبين زوجته منه ، وهذا طلم لها ، فقال موضحاً :
{ [COLOR="green"]الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [/COLOR]..(229)}(البقرة) .
أما مصارف الزكاة فهي طرق لا يمكن تجاوزها وهي ثمانية ، قال تعالى :
{ [COLOR="green"]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ[/COLOR]..(60)}(التوبة) .

8 ـ العطف إلى قدرة الله تعالى :

من قدرنه سبحانه وتعالى أن يجعل البحار متلاصقة ، متجاورة بحيث لا يتمازجان على الرغم من تلاقيهما ، فلكل بحر ماء تختلف خصائصه عن ماء البحر الآخر . وكذلك فهو يخرج المياه العذبة في المياه المالحة ، فلا يغلب أحدهما على الآخر:
{ [COLOR="green"]وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا [/COLOR](53)}(الفرقان) .
والله تعالى المالك لكل شيئ لا رادَّ لقضائه ، ولا معقب لحكمه :
{ [COLOR="green"]لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [/COLOR](49)
ب ـ [COLOR="green"]أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا [/COLOR]
ج ـ [COLOR="green"]وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [/COLOR](50)}(الشورى) .

وفي غزوة بدر أغرى المشركين بالمسلمين حين صوّرهم أكَلَةَ جزور والجمل يكفي مئة نفر فقط ، فكأنما استقل المشركون المسلمين فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم .
وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم .
وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين كي لا يهابوا كثرتهم ، فيصمدوا أمامهم ثم تنقلب الدائرة على المشركين قال تعالى : { [COLOR="green"]وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [/COLOR](44)}(الأنفال) .

9 ـ ضرب المثل :
كلمة الإيمان ((لا إله إلا الله)) كالشجرة الطيبة أصلها راسخ في الأرض ، وأغصانها ممتدة نحو السماء ، تعطي ثمارها بإذن الله وتيسيره دائماً ، وهذه الثمار العملُ الصالح يصعد إلى السماء ، فينال بركته وثوابه في كل وقت . وكلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحنظل الخبيثة الخبيثة ، اسؤصلت من جذورها واقتلعت من الأرض لعدم ثبات أصلها ، لا خير فيها ، فلا يقبل عمل الكافر مهما عمل ، لأن عمله ليس له أساس ، قال تعالى:
{ [COLOR="green"]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [/COLOR](24) [COLOR="green"]تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [/COLOR](25) [COLOR="green"]وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ[/COLOR] (26){(إبراهيم) .
والمسلم مع هذا يفكّر ويتدبّر ويحسب لكل أمرٍ حسابه ، ولا يعمل إلا ما يدخله الجنّة ويبعده عن النار . . ويختار آخرته لأن فيها رضى الله تعالى .

نسأل الله حسن الختام والبعد عن الزلل . . إنه سميع مجيب الدعاء .

يتبع[/COLOR][/SIZE][/RIGHT][/FONT][/B]

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/ذكر الأهم فالأقل أهميّة
 

[B][FONT="Arial"][CENTER][SIZE="6"][COLOR="Green"]سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

ذكر الأهم فالأقل أهميّة

الدكتور عثمان قدري مكانسي[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[SIZE="5"][COLOR="Blue"] [RIGHT]يبدأ الدين في العقيدة والعبادات بالأهم ثم الأقلّ أهميّة ، وكلها مهمّة . فينطق بالشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ثم يبدأ الصلاة ، والصلاة صلة بين العبد وربّه وأكبر دليل على تعلقه به سبحانه .
ثم يؤدي الزكاة العبادة المالية ، وقد قرنت بالصلاة كثيراً سواء في النص القرآني أم في السنة النبوية . . .
ثم يأتي الصوم .
وأخيراً يحج من استطاع إلى الحج سبيلاً .

ـ ذلك أن الإنسان حين يبدأ بالأهمِّ الأوجب يسهل عليه ما بعده ، فيفعله دون حرج ، بل يستسيغه ويلتذ به لأنه ترجمة لما هو أعظم منه . ولا يُقبل في غالب الأمور فعلُ ما هو أقل أهميّة لأنه بناء قائم على ذلك الأساس فإن لم يكن الأساس موجوداً فعلامَ يقوم البناء .
أما في الأمور المعيشية كتعلم الحرفة ، أو الكتابة أو التربية البدنية فالارتفاع فيها درجة إثر أخرى يوصل إلى الإتقان والإبداع .

ـ ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قوله تعالى : { [COLOR="Green"]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ [/COLOR](14)}(آل عمران)
أ ـ بدأ النساء بالنسبة لأن الفتنة بهنّ أشد ، والالتذاذ بهنّ أكثر ، وفي الحديث : (([COLOR="Magenta"]ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء[/COLOR])) (أخرجه البخاري) .
ب ـ ثم ذكر ما يتولد منهنّ فقال { [COLOR="Green"]والبنين[/COLOR] } وإنما ثنّى بالبنين لأنهم ثمرات القلوب وقرّة الأعين ، كما قال الشاعر حطان بن المعلّلا :
وإنــمــا أولادنــا بــيــنــنـــا * أكبـادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم * لامتنعت عيني عن الغمض
وقُدِّموا على الأموال لأن حب الإنسان لولده أكثر من حبه لماله ، والمال في خدمة المرأة والولد.
جـ ـ ثم بدأ بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة ، وإنما كان المال محبوباً لحصول غالب الشهوات به ، { [COLOR="green"]وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [/COLOR](20)}(الفجر) .
ثم قدّم الذهب على الفضة لأنه أهم منها ، والاثنان أصل التعامل .
د ـ ثم قدّم الخيل الأصيلة الحسان ، ففي ركوبها الزُهوُّ وقتال العدو وسرعة الجري .
هـ ـ ثم جاءت الأنعام من إبل وبقر وغنم فمنها المركب والمطعم والزينة .
و ـ ثم جاء الزرع والغراس لأن فيهما تحصيل الأقوات .
لكنَّ هذه الشهوات متاع الحياة الزائل ، وما عند الله خير وأبقى ، فليكن هم الإنسان كسب ما عند الله سبحانه .

ـ ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى :
أ ـ { [COLOR="green"]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [/COLOR](23)
د ـ [COLOR="green"]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [/COLOR]..(24)}(النساء) .
1 ـ هناك حرمة بالنسب وهي الأقوى .
2 ـ وهناك حرمة بالرضاع ثانية .
3 ـ وهناك حرمة المصاهرة ثالثاً .
4 ـ وهناك حرمة المتزوجات رابعاً .
أما حرمة النسب فقد بدأ بالأصل ، ومَن الجنةُ تحت قدميها ، الأمُّ ثم البنت ، فأنت أصلها وهي فرعك ، ثم الأخوات المساويات لك عند والديك ، ثم العمات ونسبهن أقرب من نسب الخالات ، ثم تأتي بنات الأخ وهنَّ أقرب من بنات الأخت ، أما الجدة فكالأم والحفيدة مثل البنت ، ولذلك لم تذكرا .
وأما حرمة الرضاع فبدأ بالأمهات المرضعات ولم تذكر البنت في الرضاع ، وهي بعد الأم من الرضاعة تجنباً للتكرار ، وذكر الأخت من الرضاعة ولم يذكر العمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت من الرضاعة تجنباً للتكرار كذلك ، وقد ذكرت السنة النبوية أنه (([COLOR="Magenta"]يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب[/COLOR]))( متفق عليه) .
وأما حرمة المصاهرة فتحرِّم أم الزوجة حرمة أبديّة لأن مجرّد العقد على البنت يحرِّم الأم ، ولا تحرم البنت إلا بالدخول على الأم ، وكذلك تَحرُم ابنةُ الزوجة الربيبةُ بعد الفراق ، أما أخوات الزوجة فتحرمن حرمة مؤقتة ، وكذلك عماتها وخالاتها وبنات إخوتها وبنات أخواتها .
ويحرم من المصاهرة زوجة الأب وزوجة الابن .
كذلك يحرم أن يتزوج الإنسان امرأة متزوجة ، فلا يجوز إلا عقد واحد ، وهؤلاء يسمين المحصنات ، إلا ما ملكت من النساء بالسبي فيحل وطؤهن بعد الاستبراء لانقطاع عصمة الكافر، أما غير ذلك من النساء فيجوز للمسلم أن يعقد على أربع نساء إن أراد .
وهكذا نجد القرآن يشرّع حرمة النساء الأهم فالأقلّ أهمية ، وكلهن مهمات .
ـ ويقول الله تعالى : { [COLOR="Green"]وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [/COLOR]..(38)}(المائدة) .
ويقول سبحانه : { [COLOR="green"]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [/COLOR](2)}(النور) .
فلماذا قدّم السارق على السارقة في الآية الأولى ، وقدم الزانية على الزاني في الآية الثانية؟
الجواب : أن الرجل على السرقة أجرأ ، لأنه يرى نفسه مكلفاً بالإنفاق فَقُدِّم في الآية الأولى.
والمرأة هي الشهوة ، ومنها الإغراء ، فهي السبب الأول الداعي إلى الزنى ، فقدِّمت في الآية الثانية .
ـ وقال الله تعالى في توزيع الزكاة : { [COLOR="green"]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [/COLOR]..(60)}(التوبة) فحصر الله تعالى الصدقات في ثمانية أصناف .
وقدَّمت الأصناف الأربعة الأولى للتمليك ، فكل منهم يأخذ نصيبه بيده ، وأخَّرت الأصناف الأربعة الثانية لأن الدفع يكون عنهم لغيرهم .
أما الأصناف الأربعة الأولى فأولهم الفقير الذي لا شيء له ، وثانيهم المسكين الذي له بُلغةٌ من العيش قليلة ، أما الموظف الذي يجبي الزكاة فله منها أجر ، والقسم الرابع لا يعمل في الزكاة، ولا يحتاج إليها ، لكنَّ الحاكم يعطيه منها لأنه شريف في قومه ، يتألف قلبه للإسلام ، فيؤمن ويؤمن مَنْ معه وراءه كما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صفوان بن أمية وغيره .
أما الأصناف الأربعة الثانية فهم : العبيد تدفع لأسيادهم فيعتقونهم ، والغارمون الذين ثقل عليهم الدين ،وفي تجهيز المجاهدين والمرابطين في سبيل الله ، وتجهيز المنقطع بدابة تحمله ، وزاد يتبلغ فيه في سفره وعدّة السفر .

ـ ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قول الله تعالى : { [COLOR="green"]وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [/COLOR](26) [COLOR="green"]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [/COLOR](27)}(الحج) .
والترتيب كما يلي :
أ ـ أن لا تشرك بي شيئاً : واجعل بيتي العتيق خالصاً لوجهي .
ب ـ طهَّره من الأوثان والأقذار لمن يتعبد فيه بالصلاة .
جـ ـ ذكرَ من أركان الصلاة أهمها : الركوع والسجود ، والركوع يكون قبل السجود .
وحين يصبح البيت الحرام جاهزاً للعبادة :
أ ـ يؤذن إبراهيم عليه السلام ، ويبلّغ الله تعالى صوت نبيه إلى أصلاب الرجال ، وأرحام النساء فيجيبون : لبيك اللهم لبّيك .
ب ـ يأتي الرجال على أقدامهم وراكبين على نوقهم ، ولأن الحاجِّين على أقدامهم أكثر قدّموا على الراكبين .

ـ ومن الأمثلة على ذلك قول الله تعالى : { [COLOR="green"]وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[/COLOR] . . . (31)}(النور).
فالزوج يرى كل ما يريده من امرأته لأنها حلال له .
والأب : يصون عرض ابنته ، فهي شرفه وعفّته .
والعم أبو الزوج ، يحفظ على ابنه ما يسوءه ، ويحرص على حفظ شرفه .
والأبناء يعتزون بشرف أمهاتهم ، فهم من لحمهن ودمائهن .
وأبناء الأزواج يعتبرون زوجات آبائهم كأمهاتهم ، ويحفظون آباءهم في زوجاتهم .
والإخوان هم الذين كانوا يحرصون على أخواتهم قبل زواجهن وما يزالون كذلك .
وأبناء الأخوة لا يرون في العمات إلا صنو الأمهات وأخوات الآباء .
وأبناء الأخوات لا يرون في خالاتهم إلا شرف أمهاتهم .
ثم تأتي نساء المسلمات الشريفات العفيفات اللواتي يحفظن شرفهن ، وشرف أخواتهن المسلمات أين كنّ وأيان كَنَّ .
أما الإماء المشركات فيجوز لسيدتهن أن تظهر زينتها أمامهنّ لأنهن ملك اليمين . وكذلك العبيد فمكانتهم الدونية تمنعهم من التطاول إلى التفكير في المرأة الحرّة التي تملكهم وتتصرف فيهم كما تشاء .
أما نساء غير المسلمين فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر زينتها أمامهنّ لفسادهن ، ولأنهن يصفن المسلمات لأزواجهن غير مباليات بدين ، ولا حرمة ولا شرف .
ثم يأتي الجواز للنساء أن يظهرن أمام العنّين ، الذي لا يشتهي النساء أو الأبله والمغفل الذي لا يهمه إلا بطنه .
وأخيراً يجوز للمرأة أن تظهر زينتها أمام الطفل الغريب الذي لا يميّز ولا يعرف حاجة الرجال إلى النساء .
كما أن على المرأة أن تمشي بأدب ، دون أن تتلوى أو تظهر زينتها بشكل عفوي مقصود ..!! .

ـ ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية الآية الحادية والستون من سورة النور ، التي تبيح الدخول إلى بيوت الأقارب دون حرج .

ـ ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهميّة قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]اعْبُدُوا اللَّهَ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [/COLOR](36)}(العنكبوت) .
فإذا عرف العبد ربه عبده ، وخاف الحساب يوم القيامة أحسَنَ وعاف الفساد . . .

ـ ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]وَمِنْ آَيَاتِهِ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"] وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ [/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [/COLOR]
هـ ـ [COLOR="green"]وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [/COLOR](46)}(الروم) .
ويتضح الترتيب :
أ ـ يرسل الرياح فتسوق السحاب مبشرة بنزول المطر والإنبات والرزق .
ب ـ ثم ينزل الغيث الذي يحيي البلاد والعباد .
جـ ـ وتحرك الرياح السفن فتسير إلى المكان الذي يريده المسافرون .
د ـ ويتاجر التجار طالبين الرزق من الله تعالى .
هـ ـ فيرزقهم فيشكرون الله تعالى على فضله ومنّه وكرمه .
ـ ومن الامثلة على ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا[/COLOR] (27)}(الفتح) .
ذكر سبحانه التحليق قبل التقصير لأنه أفضل ثواباً .

ـ ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { [COLOR="green"]إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [/COLOR](2)}(الممتحنة) .
يوضح الله تعالى خبيئة أعدائنا فهم حين يضعفون يتظاهرون بالودِّ والصداقة ، وإن يظفروا بنا ويتمكنوا منا .
أ ـ يظهروا عداوتهم لنا .
ب ـ يقتلوا ويدمروا ويسبوا ويشتموا .
جـ ـ ويتمنّوا من كل قلوبهم أن يؤدي بنا فعلهم هذا وبطشهم إلى أن نرتدَّ عن ديننا .

ـ ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [/COLOR](10)
أ ـ [COLOR="green"]تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ[/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"] يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[/COLOR]
هـ ـ [COLOR="green"]وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[/COLOR] (13)}(الصف) .
عُدْ إلى الآيات مرة أخرى لترى الترتيب كما ذكرناه مسلسلاً ، وتدبّر ذلك .

ـ والمثال الأخير في هذا العرض ، قوله تعالى :
{ [COLOR="green"]إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ [/COLOR]
أ ـ [COLOR="green"]فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ [/COLOR]
ب ـ [COLOR="green"]وَجِبْرِيلُ[/COLOR]
جـ ـ [COLOR="green"]وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [/COLOR]
د ـ [COLOR="green"]وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [/COLOR](4)}(التحريم) .
تدبّر هذه الآية مرة أخرى لترى ذلك الترتيب اللطيف.

يتبع[/RIGHT][/COLOR][/SIZE][/FONT][/B]