منتديات الجامع

منتديات الجامع (https://www.aljame3.net/vb/index.php)
-   قسم المجتمع والعلاقات الإنسانية (https://www.aljame3.net/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   حقوق الأموات في الإسلام (https://www.aljame3.net/vb/showthread.php?t=114720)

معاوية فهمي إبراهيم مصطفى 2022-12-27 09:02 PM

حقوق الأموات في الإسلام
 
[CENTER][SIZE="5"][COLOR="Purple"] بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
[I][SIZE="7"][COLOR="Red"](( حقوق الأموات في الإسلام ))[/COLOR][/SIZE][/I]

فقد قضى الله جل وعلا على خلقه بالفناء، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم، وجعل الموت حقًّا على كل حيٍّ، لا محيدَ عنه، فهي لحظة حاسمة في مسيرة الإنسان إلى ربه تفارق فيها الروح جسدها؛ إيذانًا بانتقال صاحبها من دار الدنيا الفانية وتكاليفها، إلى دار الآخرة الباقية وجزائها؛ قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].

ويحتاج المحتضر في هذه الساعة الحرجة إلى رفيق صالح يؤنسه ويثبته، ويُلقِّنه "لا إله إلا الله"؛ طلبًا لحسن الخاتمة، ثم يغمض عينيه، ويغطيه صيانةً له، ثم تُنفَّذ وصيته، ويُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفَن، وتحد زوجته، ويُسدَّد دينه، وتُقسم تركته، ويُعزَّى أهله فيه، ويُنفق على تجهيز الميت من ماله، وإن تحمل ذلك قريبٌ أو غيره، فَحَسَنٌ.

وأما القبور، فهي برزخ بين الدارين، فظاهرها في الدنيا، وباطنها في الآخرة، وأما حقيقتها، فروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؛ لقول النبي صل الله عليه وآله وسلم: ((إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه، فما بعده أشد منه))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وغيرهما].

وقد أمر الشارع بتسنيم القبور[1]، أو تسطيحها[2]، وإبراز معالمها وشواهدها لتُعرف فتُتوقى وتُحترم، فلا تُمتهن، ولا يُعتدى عليها، ولا يُؤذى أهلها، بل تُصان حرمتهم وكرامتهم؛ إذ القبر وقفٌ على صاحبه، والميت يتأذى مما يتأذى منه الحي حسًّا ومعنًى؛ لقول النبي صل الله عليه وآله وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وغيرهم].

ولما شهِد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما جنازة أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها بسرف؛ قال: ((هذه زوجة النبي صل الله عليه وآله وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها، ولا تزلزلوها، وارفقوا))؛ [رواه البخاري].

ولما روى بشير بن الخصاصية، قال: ((بينا أنا أماشي رسول الله صل الله عليه وآله وسلم إذا رجل يمشي في القبور، عليه نعلان، فقال: يا صاحب السِّبتيَّتين، ألقِ سِبتيَّتَيْك، فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صل الله عليه وآله وسلم خَلَعَهما، فرمى بهما))؛ [رواه أبو داود]، فإذا كان الميت يتأذى من خفق النعال ووطئها، فأذيته من غيرها أولى.

ولا تنقطع حقوق المسلم بالموت، بل تبقى بعض حقوقه على الأحياء من أهله وغيرهم إلى يوم القيامة، وذلك لحكمة بالغة؛ حيث شُرعت زيارة القبور للموعظة والسلام على أصحابها، والترحم عليهم، والدعاء للنفس وللمؤمنين تبعًا لهم أيضًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة))؛ [رواه ابن ماجه والنسائي]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزيارة: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم السلف ونحن الخلف، يغفر الله للمستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية))؛ [رواه مسلم].

وقد سأل رجل من بني سلمة النبيَّ صل الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، هل بقِيَ من بِرِّ أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما))؛ [رواه أبو داود].

ولا يغير الموت صلاح صالح، ولا فجور فاجر، فلا يسلِب ولاية مؤمن ولا عداوة كافر، فمن كان وليًّا لله تعالى في الدنيا، فولايته ثابتة له في البرزخ ويوم القيامة، ومن كان عدوًّا لله تعالى، فلن يضر الله شيئًا، وعداوته باقية في البرزخ ويوم القيامة كذلك، ويُحاسَب كل واحد بحسـب حاله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].

ولا فرق بين الدنيا والآخرة عند الله تعالى، فكلاهما ملكٌ له عز وجل، وإنما الإنسان ينتقل من مرحلة لها أحكام خاصة بها إلى مرحلة أخرى لها أحكام مغايرة؛ كما هو مبين في الكتاب والسنة والفقه.

وقد جعل الله عز وجل دار الدنيا اختبارًا لعباده، وجعل دار الآخرة نعيمًا لأوليائه، وعذابًا لأعدائه؛ لقوله عز من قائل: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7].

ولا ينقطع فضل الله عن المؤمن بعد الموت، بل يحفظ له كرامته ومنزلته عنده تعالى، وتظل نعمه تترى عليه إلى يوم البعث والنشور.

وقد حفِظ الله الغلامين لصلاح أبيهم؛ فقال جل وعلا: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].

وكم أشاد الله تعالى في القرآن الكريم باصطفائه لعباده الأخيار من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين! وكم أثنى عليهم ومدحهم! وكم نوَّه بشرف قدرهم عنده تعالى، وبعظيم فضلهم لديه سبحانه!

فهم خاصته من عباده، وهم الرفيق الأعلى في دار كرامته لمن آمن واتقى؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

وقد بيَّن ربنا تبارك وتعالى أنه قد زكَّاهم، وجعلهم قدواتٍ في الدين والدنيا، وهداة إلى الحق والخير، فهم مرضيون عنده في إيمانهم وأقوالهم، وأعمالهم وسلوكهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، وكان الأنبياء عليهم السلام يسألون الله تعالى أن يلحقهم بعباده الصالحين؛ فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 83]، وهذا سيدنا سليمان عليه السلام يقول: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وكذلك المسلمون يطلبون الله تعالى في صلواتهم أن يهديهم إلى طريقه المستقيم، واتباع هَدْيِ هؤلاء الصالحين، والثبات عليه؛ لقوله سبحانه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7].

وخير الناس من لقِيَ ربَّه طاهرًا من دماء المسلمين وأعراضهم، وأموالهم، وحاسب نفسه قبل لُقياه، واستثمر في دنياه لأُخراه، وقدم ذخيرةً لعقباه.

وإن مما عمَّت به البلوى في زماننا تصوير المرضى ومعاناتهم بكل صفاقة وتجرد من الإنسانية، وتصويرهم حال احتضارهم، وهم يقاسون سكرات الموت وكربها.

وقد بيَّن الفقهاء حرمة تصوير المريض والميت لغير ضرورة راجحة، سواء كانت الصورة للموعظة أو للذكريات، وإنما حق المريض الدعاء له بالشفاء، وحق الميت الدعاء له بالصالحات، والتصدق عنه بالطيبات الجاريات، وطلب ذلك له من أهل الفضل والطاعات.

وأما الموعظة، فلها أسلوبها الحكيم وطريقتها المثلى، وليست بالتشهير بالمرضى والتعريض بهم، وكشف أحوالهم أثناء غمرات الموت وبعدها.

وأما الأموات، فحقهم علينا سترهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم، وليس من حبهم الإساءة إليهم بتصويرهم وكشف أسرارهم، بل إن ذلك انتهاكٌ لخصوصياتهم، وظلم لهم، رحمهم الله تعالى.

فقد أوجب الإسلام حفظ أعراض المسلمين أحياءً وأمواتًا، وحرَّم إيذاءهم بالقول؛ بالسب والشتم، أو بالفعل؛ بالنبش والتمثيل؛ لقول النبي صل الله عليه وآله وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعِرضه))؛ [رواه البخاري ومسلم].

ولقوله صل الله عليه وآله وسلم: ((لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا))؛ [رواه البخاري ومسلم].

ذلك لأن الأموات قد وصلوا إلى ما عملوا، وحسابهم على الله، وأذيتهم تؤذي الأحياء، وتثير الشحناء والبغضاء، وتتضاعف عقوبة المسيء بحسب قدر من أساء إليه.

وقد أمر الله تعالى بحب المسلمين أحياءً وأمواتًا، وحسن الظن بهم، واتخاذ أحسن المخارج لهم عند الاقتضاء؛ ذلك لأن الأصل في المسلمين العدالة والاستقامة، ومن ثبتت ثقته بيقين، فإنها لا تزول إلا بيقين كما هو معلوم.

وقال تعالى عن توقير الخلف للسلف ودعائهم لهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


وقد نصت المادة الرابعة من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام عام 1990م على ما يلي: "لكل إنسان حرمته، والحفاظ على سمعته في حياته وبعد موته، وعلى الدول والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه".


وقد تمت إجازته من قِبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي بتاريخ 14 محرم 1411هـ، الموافق 5 أغسطس 1990م.


هذا ما تيسر بيانه، والله تعالى أعلم.

[1] اختار تسنيم القبر أبو حنيفة ومالك وأحمد؛ [انظر حاشية ابن عابدين 251/ 2، وحاشية الدسوقي 418/ 1، وكشف القناع 209/ 4].

[2] اختار الشافعي تسطيح القبر [انظر: تحفة المحتاج 173/ 3].
§§§§§§§§§§§[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


الساعة الآن »09:11 AM.

Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة - فقط - لأهل السنة والجماعة