سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/التقعيد
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التقعيد
الدكتور عثمان قدري مكانسي
كل بناء له أساس يقوم عليه ، وقاعدة يرتكز عليها ، ولن تجد بناءً متيناً إذا لم يقم على أسس صُلبة وقواعد ثابتة .
ـ والدين بناءٌ قاعدته الأولى ( التوحيد ). قال تعالى :
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) }(الإخلاص) .
وقال سبحانه : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}(البقرة) .
ـ ومع القاعدة الأولى تتصل القاعدة الثانية ( الإيمان باليوم الآخر ) ذلك اليوم الذي يحاسَبُ فيه الإنسان على ما قدّمت يداه خيراً أو شراً .
قال تعالى : { إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)} (النحل).
وقال تعالى : { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}) البقرة).
وقال تعالى يؤكد لقاءَه سبحانه يوم القيامة : { لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}(مريم) .
ـ والقاعدة الثالثة : ( الموت والبعث ). . . والموت يؤمن به كل الناس مؤمنهم وكافرهم إلا أنّ مفهوم الموت يختلف عندهما ، فالمؤمن يوقن به وبالحساب والعقاب ، والكفار ينكرون البعث ، ولا يرون حياة بعد الموت ، قال تعالى على لسان الكفار : { . . . وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ (24)}(الجاثية) ، وقال كذلك على لسانهم : { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) }(ق).
أما المؤمنون فيقول الله تعالى فيهم مادحاً : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)}(الكهف) .
ـ والقاعدة الرابعة : ( الحساب والعقاب ) ، قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا....(30)}(آل عمران) ،
وقال تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}(الأعراف) .
وقال كذلك : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) } (القارعة)
ـ والقاعدة الخامسة : ( أن طريق الله تعالى واحد مستقيم ) ، لا يضل من سلكه لأنه صادر عن الله تعالى أصل الأنوار : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...(35)}(النور).
وقال تعالى : { وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ...(126)}(الأنعام) .
وقال سبحانه : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (الفاتحة) .
ـ القاعدة السادسة : (أن الإيمان بالله لا يُقْبَلُ إلا أن يؤمن الإنسانُ بنبوّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته ويتبعه) ، قال تعالى :
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (النساء) .
قال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) }) الأعراف) .
ـ القاعدة السابعة : ( مفاصلة المشركين لكفرهم وعداوتهم للمسلمين )، قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} (المائدة).
قال تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) }(المائدة) .
وأعداؤنا لا يحفظون ذمة ولا عهداً ، وإذا أحسّوا بالقوة قلبوا لنا ظهر المِجَنّ ، وسامونا العذاب ألواناً ، قال تعالى :
{ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} (التوبة) .
وقال سبحانه : { إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}(الكهف) ،
وقال تعالى : { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً
وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}(الممتحنة) .
ـ القاعدة الثامنة : (أن الله تعالى شديد العقاب لمن عصى ، وواسع المغفرة لمن آمن به)
قال تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}(الحجر) .
وقال سبحانه : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)}(المائدة) .
وقال سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}(إبراهيم) .
ـ القاعدة التاسعة : ( أن العاقبة لأهل الإيمان )،
قال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)}(المجادلة) .
وقال تعالى مخاطباً نبيّه الكريم : { ...فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}(هود) .
وقال تعالى مؤكداً نجاة المؤمنين من جهنم على الصراط ، ووقوع الكاذبين في عذابها
: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) }(مريم).
ـ القاعدة العاشرة : ( دمار الكافرين ، ولكنْ بعد أن يرسل الله إليهم الرسل فيكفرون بهم) ، قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}(الإسراء) .
وقال تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}(هود) .
أما حين يقتلون الرسل فعقابهم شديد { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}(الإسراء) .
وقال تعالى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}(الإسراء) .
- القاعدة الحادية عشر : ( عداوة الشيطان للإنسان ) ، فهو ـ الشيطان ـ يعتقد أن الإنسان سبب شقائه ، فحين خلق الله تعالى آدم أمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا له تعظيماً ، ورأى إبليس نفسه أكرم من آدم ، فأبى أن يسجد له ، وعصى ربه ، فلعنه ، وطرده من رحمته ، فآلى هذا على نفسه أن يغوي الإنسان ، ويضلّه ليكون شريكاً له في النار قال سبحانه : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}(ص) ،
فنبه الله تعالى آدم محذراً إياه من إبليس ، فقال : { فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}(طه) .
ومِن تحذيرات الله سبحانه وتعالى لعباده من الشيطان قوله سبحانه : { يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ...(27)} (الأعراف) ، وقوله سبحانه : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}(الأعراف) ، وقوله سبحانه : { . . . إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}(الإسراء) .
ـ القاعدة الثانية عشرة : ( أن الإنسان يتحمل وحده نتائج ما آمن به وما عملته يداه ) ، قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)}(المدثر) .
وقال أيضاً : { ...كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}(الطور) ، وقال سبحانه :{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . . . (18)}(فاطر) .
وهناك قواعد عديدة وأسس واضحة تقوم عليها العلاقة :
1ـ بين الله سبحانه وعباده .
2ـ بين الناس أنفسهم .
نترك لك أيها القارئ استجلاءها وتوضيحها .
فلا بد ـ إذاً ـ أن تكون أعمالنا وتفكيرنا قائميْن على قواعد متينة ثابتة وراسخة كي لا نزل
ونخطئ ، أو نميل مع الهوى ، أو نتيه في دروب الضلال بعيدين عن الحقِّ . لا سمح الله
يتبع
آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-02-20 الساعة 09:22 PM
|