النموذج الرابع: حوار النبي عليه السلام مع ابنه:
في هذا النموذج سنتعرض لمرحلتين في الطريقة الحوارية، في المرحلة الأولى سنتعرض للحوار بين نوح عليه السلام مع ابنه، وهو يصحح له المعلومات الخطأ التي بحوزته، حيث قال الله سبحانه: ".. وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ"سورة هود {الآيات 42 - 43}.
نوح عليه السلام يوحي إليه من ربه أن هذه الأمة ستهلك ولن ينجو إلا الذي سيصعد في السفينة وسيكون هناك من الطوفان ما يكفي لابتلاع كل شيء على وجه الأرض، ولكن ابنه يستعصي عليه هذا الفهم والمعلومات الطبيعية المسبقة لديه، أن الجبل يمكن أن يكون ملاذاً من المياه والفيضانات ولم يكن في تصوره أن الفيضانات ستصل إلى حد الطوفان الذي سيدمر كل شيء، لذلك قال لأبيه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)، وهذا علم خطأ في مفهوم نوح عليه السلام، لذلك قال لأبنه: (لا عاصم اليوم من أمر الله)، لكن وما يقال "الكفر عناد".
رفض الابن أن يركب في سفينة النجاة التي أعدها أبوه بأمر من الله، وانتهى المشهد الأول أو المرحلة الأولى من هذا النموذج، ولكن عندما تتدخل عاطفة الأبوّة لدى نوح عليه السلام وهو يرى ابنه يغرق في الطوفان، توجه إلى الله بأن ينجي له ابنه، وهو يعتقد انه من الدائرة الشخصية لنوح، أي الدائرة الأكثر قرباً له فقال نوح لربه سبحانه وتعالى: "وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ". سورة هود {الآيات 45 - 47}.
كما ذكرنا أن المعلومات لدى نوح عليه السلام في معيار الله لم تكن صحيحة (انه ليس من أهلك) هذا رد واضح على نوح عليه السلام، ونوح يتعلم ذلك ويعترف بخطئه ويدرك معنى دائرة الأهل في الدعوة، والتي كما يقول العلماء: أن الأهل في حقل الدعوة هم أهل الدين والعقيدة، لذلك عندما عرف نوح عليه السلام عدم صوابية المعلومات التي عنده حول مفهوم الأهل قال عليه السلام:
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ).
وفي القرآن الكريم أشكال وأنماط متعددة ومختلفة من الحوارات بين كافة المستويات فمن ذلك:
حوار أهل الجنة والنار:
(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) (لأعراف:50)
حوار الرسل مع أقوامهم: وهذا كثير جداً.
حوار الإنسان مع غير الإنسان كالهدهد مع سليمان عليه السلام:
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ) (النمل:22)
حوار الأنبياء مع الملوك والحكام والجبابرة: وهذا أيضا في عشرات المواضع كما في قصة موسى عليه السلام مع فرعون.
حوار الإنسان مع أعضائه التي تشهد عليه وتنطق يوم القيامة:
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فصلت:21)
|