<TABLE class=tborder id=post304884 cellSpacing=0 cellPadding=6 width="100%" align=center border=0><TBODY><TR vAlign=top><TD class=alt1 id=td_post_304884 style="BORDER-LEFT: #0099ff 1px solid">
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثلاثون من القرآن العظيم ومبدأ التوحيد
( 12 )
سورة الفجر
وَٱلْفَجْرِ -1 وَلَيالٍ عَشْرٍ -2 وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ -3 وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ -4 هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ -5
والفجر .. ساعة تنفس الحياة في يوم جديد , والوجود الغافي يستيقظ رويداً رويداً، وكأن أنفاسه مناجاة، وكأن تفتحه ابتهال . أصبحنا وأصبح الملك لله , الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
ولو أدركت الشعوب الإسلامية قيمة الفجر وتم ضبط مواعيد عملها بعد الفجر , لتغير حالنا ولاصبحنا أرقي دول العالم حيث النشاط , وتحصيل الأرزاق من البكور , بعد الصلة المباشرة بالله تعالى في صلاة الفجر , إن قرآن الفجر كان مشهودا .
وليال عشر أطلقها النص القرآني ووردت فيها روايات شتى.. قيل هي العشر من ذي الحجة، وقيل هي العشر من المحرم. وقيل هي العشر من رمضان.. فهي ليال عشر يعلمها الله. ولها عنده شأن .
ومن ثم يعقب عليه في النهاية , هل في ذلك قسم لذي حجر ؟ وهو سؤال للتقرير. إن في ذلك قسماً لذي لب وعقل. إن في ذلك مقنعاً لمن له إدراك وفكر.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ -6 إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ -7 ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ -8 وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ -9 وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ -10 ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ -11 فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ -12 فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ - 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ -14
وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم.. وقد كذبوا بعقيدة التوحيد وإنكار الأخرة .
مصرع : " عاد إرم " وهي عاد الأولى. وقيل: إنها من العرب العاربة أو البادية. وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال. في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن. وكانوا بدواً ذوي خيام تقوم على عماد. وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها: التي لم يخلق مثلها في البلاد , في ذلك الأوان..
وثمود الذين جابوا الصخر بالواد .. وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام. وقد قطعت الصخر وشيدته قصوراً؛ كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات..
وفرعون ذي الأوتاد.. وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان. وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار.
فلما أكثروا في الأرض الفساد، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد: فصب عليهم ربك سوط عذاب.
إن ربك لبالمرصاد , أي أن العقاب الذي شمل الأمم السابقة ليس ببعيد عن السالكين مسلكهم .
هل أدركنا قيمة عقيدة التوحيد في النجاة , سواء في الدنيا أو الأخرة .
*******
فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ -15 وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ -16 كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ -17 وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ -18 وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً -19 وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً -20 كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً -21 وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً -22 وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ -23 يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي -24 فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ -25 وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ -26 يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ -27 ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً -28 فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي -29 وَٱدْخُلِي جَنَّتِي -30
فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه، فيقول: ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول: ربي أهانن..
فهذا هو تصور الإنسان لما يبتليه الله به من أحوال، ومن بسط وقبض، ومن توسعة وتقدير.. يبتليه بالنعمة والإكرام. بالمال أو المقام. فلا يدرك أنه الابتلاء، تمهيداً للجزاء. إنما يحسب هذا الرزق وهذه المكانة دليلاً على استحقاقه عند الله للأكرام، وعلامة على اصطفاء الله له واختياره.
فيعتبر البلاء جزاء والامتحان نتيجة . ويقيس الكرامة عند الله بعرض هذه الحياة .
ويبتليه بالتضييق عليه في الرزق، فيحسب الابتلاء جزاء كذلك، ويحسب الاختبار عقوبة، ويرى في ضيق الرزق مهانة عند الله ،
وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصور ومخطئ في التقدير.
فبسط الرزق أو قبضه ابتلاء من الله لعبده. ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر. ويظهر منه الصبر على المحنة او الضجر. والجزاء على ما يظهر منه بعد. وليس ما أعطي من عرض الدنيا أو منع هو الجزاء..
وقيمة العبد عند الله لا تتعلق بما عنده من عرض الدنيا. ورضى الله أو سخطه لا يستدل عليه بالمنح والمنع في هذه الأرض.
فهو يعطي الصالح والطالح، ويمنع الصالح والطالح. ولكن ما وراء هذا وذلك هو الذي عليه المعول. إنه يعطي ليبتلي ويمنع ليبتلي. والمعول عليه هو نتيجة الابتلاء .
غير أن الإنسان ـ حين يخلو قلبه من الإيمان ـ لا يدرك حكمة المنع والعطاء. ولا حقيقة القيم في ميزان الله..
فإذا عمر قلبه بالإيمان اتصل وعرف ما هنالك. واطمأن إلى قدر الله به في الحالين؛ وعرف قدره في ميزان الله بغير هذه القيم الظاهرة الجوفاء .
كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان. ليس بسط الرزق دليلاً على الكرامة عند الله. وليس تضييق الرزق دليلاً على المهانة والإهمال. إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء، ولا توفون بحق المال. فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه، ولا تتحاضون فيما بينكم على إطعام المسكين .
كما يوحي بضرورة التكافل في المجتمع الإسلامي و التوجه إلى الواجب وإلى الخير العام. وهذه سمة الإسلام.
.. إنكم لا تدركون معنى الابتلاء. فلا تحاولون النجاح فيه، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين، بل أنتم ـ على العكس ـ تأكلون الميراث أكلاً شرهاً جشعاً , وتحبون المال حباً كثيراً طاغياً ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام.
ثم يجيء التهديد بيوم الجزاء وحقيقته، بعد الابتلاء ونتيجته ,
كلا. إذا دكت الأرض دكاً دكا. وجآء ربك والملك صفاً صفا. وجيء يومئذ بجهنم . يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى؟
يقول : يا ليتني قدمت لحياتي. فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد..
يومئذ يتذكر الإنسان .. الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والعطاء. والذي أكل التراث أكلاً لما، وأحب المال حباً جما. والذي لم يكرم اليتيم ولم يحض على طعام المسكين. والذي طغى وأفسد وتولى.. يومئذ يتذكر. يتذكر الحق ويتعظ بما يرى.. ولكن لقد فات الأوان - وأنَّى له الذكرى؟ .. ولقد مضى عهد الذكرى، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحداً , وإن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا .
وحين تتجلى له هذه الحقيقة : يقول: يا ليتني قدمت لحياتي .. يا ليتني قدمت شيئاً لحياتي هنا. فهي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم الحياة. وهي التي تستأهل الاستعداد والتقدمة والادخار لها. يا ليتني.. أمنية فيها الحسرة الظاهرة، وهي أقسى ما يملكه الإنسان في الآخرة .
وفي وسط هذا الهول المروع، وهذا العذاب والوثاق، الذي يتجاوز كل تصور تنادى - النفس - المؤمنة من الملأ الأعلى:
يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي..
هكذا في عطف وقرب: يا أيتها وفي روحانية وتكريم: يا أيتها النفس.. وفي ثناء وتطمين.. يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك .. ارجعي إلى مصدرك بعد غربة الأرض وفرقة المهد.
ارجعي إلى ربك بما بينك وبينه من صلة ومعرفة , راضية مرضية .. فادخلي في عبادي .. المقربين المختارين لينالوا هذه القربى.. وادخلي جنتي ... في كنفي ورحمتي..
*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
<!-- / message -->
<!-- show awards --><!-- /show awards --></TD></TR><TR><TD class=alt2 style="BORDER-RIGHT: #0099ff 1px solid; BORDER-TOP: #0099ff 0px solid; BORDER-LEFT: #0099ff 1px solid; BORDER-BOTTOM: #0099ff 1px solid">

</TD><TD class=alt1 style="BORDER-RIGHT: #0099ff 0px solid; BORDER-TOP: #0099ff 0px solid; BORDER-LEFT: #0099ff 1px solid; BORDER-BOTTOM: #0099ff 1px solid" align=left><!-- controls --></TD></TR></TBODY></TABLE>