عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2011-05-29, 12:00 AM
غرباء غرباء غير متواجد حالياً
عضو نشط بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-18
المشاركات: 383
افتراضي

الطابع الحزين للنفسية العراقية

نعم..! هذا هو دين إيران، وهذا هو تاريخها معنا! تاريخ مكتوب بالدم، ومعبأ بالحقد، وعقدة الثأر، وشهوة الانتقام. لقد غزتنا شعوب الهضبة الإيرانية مئات المرات، وخلفت وراءها مئات مئات الألوف من الضحايا، وألواناً لا تحصى من الدمار والتخريب. حتى اصطبغت نفوس العراقيين بالحزن، وحناجرهم بالشجن. وأصبح العراقي حزيناً بالطبع. هذا الحزن الموجود في أعماق العراقيين ليس وليد اليوم. لا..! إنه تراكمات الماضي على امتداد القرون والعصور. لذا تجد الإنسان العراقي ميالاً بطبعه إلى دواعي الحزن. يتأثر بالنغمة الحزينة، ويتفاعل مع الكلام الحزين. حتى عرف منه ذلك الطبع أساطين التآمر والسياسة الفارسية، فصاروا يقتلونه من جهة، وينوحون له - وليس عليه - ويبكون له، ويعزفون على وتر الحزن من جهة أخرى. حتى يقودوه بسلاسة إلى ما يريدون. وما القراءات الفلكلورية المسماة بـ(الحسينية)، ومظاهر الحزن والعزاء إلا وسيلة ماكرة لإدامة مشاعر جماهير هذا الشعب المنكوب الحزين، من أجل توجيهها إلى الهدف المقصود.

موجز تاريخ الصراع القديم

هذه جولة قصيرة سريعة أحاول أن ألخص فيها أبعاد هذا التاريخ الدامي؛ لنعرف أن إيران لم يتغير منها بعد الإسلام إلا القشور والشكليات. ولنمسك بالخيط - كما يقال – من أوله. لكن هذا التاريخ طويل، فليس من اليسير أن نلخصه في ساعة من الزمن أو ساعتين. غير أني أحاول ذلك قدر الإمكان.

يمكن أن نقسم هذا التاريخ إلى ثلاث مراحل:

1. مرحلة التاريخ القديم. وهي المرحلة التي سبقت احتلال بابل سنة (539) ق.م. وكانت تحكم العراق فيها حكومات وطنية. يتخللها غزو إيراني، لا يطول كما طال في المرحلة الثانية. يهجمون فيه على العراق، يخربون ما يخربون، ويبقون مدة ربما امتدت إلى عشرات السنين، حتى يأتي ملك قوي فيطردهم. وهكذا في حركة مد وجزر. على معادلة: حاكم ضعيف، فتفرق وانقسام؛ يدخل الإيرانيون مخربين. حاكم قوي يوحد العراقيين؛ يخرج الإيرانيون مطرودين. هذه قاعدة مطردة لا تقبل الاستثناء على مدى التاريخ.
2. مرحلة الاحتلال الطويل من سنة (539) ق.م. إلى سنة (636) ب.م. عند هزيمة الفرس على يد العرب المسلمين.
3. مرحلة ما بعد الإسلام.

1. مرحلة التاريخ القديم حتى سنة (539) ق.م
• سرجون الأكدي وأول دولة عراقية موحدة عام (2370) ق.م
في الماضي القديم كان العراق تحكمه ما يسمى بـ"دويلات المدن". دويلات كثيرة عبارة عن مدن صغيرة. كل مدينة لها سور ونظام وتقويم وجيش. حتى جاء من وسط العراق من المحمودية - وتحديداً من منطقة (سبار) في اليوسفية - قائد كبير يدعى (سرجون الأكدي). هدم الأسوار، ودمج المدن، ووحد التقاويم. وأنشأ جيشاً قوياً موحداً على أساس الخدمة العسكرية الإلزامية، وأسس أول دولة وطنية موحدة في تاريخ العراق، سماها دولة (أكد وسومر). فتوحد العراق شمالاً وجنوباً. وسمى سرجون نفسه باسم، له معنى عميق، هو (ملك كيش وقاهر عيلام). كان هذا عام 2370 ق.م . أي إن عيلام كانت تعتدي على العراق قبل ذلك التاريخ! وإلا لما سمى نفسه (قاهر عيلام). وتأملوا العنجهية في هذا الاسم (عيلام)، ولفظه باللغة الإيرانية القديمة (هال تام تي) ومعناها بلغتهم (بلد السيد). فهم وحدهم السادة. أما البقية فكلهم عبيد! هذا جذر كلمة (السيد) في التراث الشيعي. وهي تختلف في مدلولها عن كلمة (السيد) في اللغة والموروث العربي.
بعد سرجون الأكدي عاود العيلاميون الاعتداء على العراق. حتى جاء حفيده (نرام سين)، الذي سمى نفسه (ملك العالم) أو (ملك الجهات الأربع)، في دولة كبيرة موحدة امتدت حتى بلغت البحر الأبيض المتوسط. فقاتل العيلاميين وانتصر عليهم. ليكتب مع ملوك عيلام معاهدة صلح وسلام.

• الكوتيون وأول فترة مظلمة في تاريخ العراق
جاء بعد نرام سين ملوك ضعفاء، فاستغل الإيرانيون ضعفهم، ليدخلوا العراق من الشمال. دخلته قبائل هوجاء تدعى بـ(الكوتيين). واستمروا في احتلاله (125) سنة. ومر العراق في أول فترة مظلمة مسجلة في تأريخه.

• أوتوحيكال يقود أول حرب تحرير وطنية في التاريخ
حتى جاء زعيم سومري كبير، هو (أوتوحيكال)، ليقود أول حرب تحرير شاملة في تاريخ العراق. فكان سرجون الأكدي مؤسس أول وحدة وطنية في تاريخ العراق. وأوتوحيكال السومري أول محرر، يقود حرب تحرير وطنية في تاريخه. بينما كانت أول فترة مظلمة مرت في تاريخ العراق من صنع إيران.
أقبل هذا القائد السومري من الوركاء في الناصرية، وحرر العراق من أولئك الغزاة المتخلفين. كان ذلك عام (2100) ق.م . وكتب في مسلته يصف الإنسان الكوتي يقول: (ملأ بلاد سومر بالعداوة، وأبعد الزوج عن زوجته، وأبعد الطفل عن أبيه. وأقام في البلاد العداوة والعصيان). أليست هذه هي الصفات نفسها التي يتمتع بها الإيراني اليوم، وسليله المتشيع بدينه؟ والأفعال المجرمة نفسها التي تمارسها الأحزاب والمليشيات والمعممون والجمهور المغفل التابع لعملاء إيران؟!
أجل..! التاريخ يعيد نفسه؛ لأننا لا نقرأه، ولا نعتبر بما نقرأ، إن قرأنا. لو قرأنا التاريخ جيداً مرة، لما أحوجناه إلى أن يقرأنا في كل مرة.

• أورنمو وتجارب الإحسان الفاشلة
بعد ذلك جاءت سلالة سومرية بدأها ملك معروف اسمه (أورنمو). حاولت هذه السلالة أن تبدأ مع العيلاميين صفحة جديدة. جربوا معهم لغة الود والإحسان أملاً بأن تنطفىء في نفوسهم جذوة الحقد والعداوة. رغم أنهم هزموا عيلام، ودخلوا عاصمتها سوسة. فماذا فعلوا؟ فعلوا كل ما بوسعهم أن يفعلوه من بوادر التقرب، والتودد، حتى إنهم زوجوا الأميرات السومريات لملوك عيلام!!!

فماذا كان الرد جزاء هذا الإحسان ؟ بعد أقل من
قرن دخل العيلاميون أور عاصمة سومر! وذلك سنة (2006) ق.م. ودمروها وأحرقوها وأسكتوها، وإلى الأبد. لم يكتفوا بهذا بل أخذوا الملك السومري (آبي سين) - وهو صهرهم - أسيراً إلى إيران، وبقي في زنازين القهر هناك حتى مات. أما سكان أور فقد عاثوا فيهم تقتيلاً وتمثيلاً، رجالاً ونساء وأطفالاً. كانوا يقتلونهم ويلقون بجثثهم في النهر. حتى صارت جثثهم تطفو على سطح النهر كما تطفو الأسماك وتغطي سطح الماء من كثرتها! ولم تسلم حتى
المعابد من التخريب والحرق والتهديم!
وهكذا يعيد التاريخ نفسه! السومريون كانوا إذا دخلوا عيلام بنوا معابدها، وأقاموا علاقات طيبة مع كهنتها وسدنتها. فقبل (70) سنة من تدمير أور، دخل الملك السومري شولكي (ابن أورمنو) بلاد عيلام فاتحاً، فماذا فعل؟ بنى لهم المعابد، وكرم الكهنة، وأقام معهم علاقات طيبة. لكنهم حينما يدخلون بابل أو أور يهدمون المعابد، ويحرقونها. وهكذا فعل الصفويون في المرتين اللتين احتلوا فيهما بغداد. وهكذا هم يفعلون اليوم بمساجدنا.
وكانت الكارثة التي تعرضت لها أور مروعة بحيث كان العراقيون لهولها وشدتها وكارثيتها يقيمون لها مناحات كل عام، استمرت مئات السنين. يذكرون بها قتلاهم، ويبكون على الملك السومري (آبي سين). الذي يصفونه في إحدى المناحات المسجلة على الرقوم الأثرية بـ(أنه كالطير الذي هجر عشه، وكالغريب الذي لا عودة له إلى أهله).
بعد (13) سنة بدأت حرب تحرير استمرت (8) سنوات تمكن العراقيون خلالها من دحر العيلاميين، ودخلوا عاصمتهم (سوسة)، أي بعد (21) سنةمن الاحتلال. فماذا فعل القائد العراقي المنتصر؟ زوج ابنته من أحد ملوكها!! (ترضوي للعظم!!!).
فهل أجدت هذه الأفعال شيئاً؟
أبداً ! لقد استمر الإيرانيون بالتنكر لها، ولم يتركوا فرصة لغزو العراق إلا واغتنموها. وعملوا على تجزئته وإثارة الحرب الطائفية بين أبناء البلد الواحد.

• حمورابي يوحد العراق ويحرره من الاحتلال
حتى جاء الملك حمورابي، فوجد العراق على هذه الحال. فلم يكن أمامه إلا أن يعقد العزم على العمل في سبيل توحيده. في الوقت الذي عقد الإيرانيون حلفاً مع ملكة كردستان ومع الملك آشور وشمال سوريا، ومع ملك ديالى، ودفعوهم لقتال حمورابي في بابل. لكن حمورابي تمكن من دحرهم جميعا وانتصر عليهم. وألجأ العيلاميين إلى هضبة بلادهم. كان هذا عام (1774) ق.م.

• ويضعف الحاكم في العراق فتعود إيران من جديد
ولكن - وكالعادة - يرجع العيلاميون في اللحظة السانحة – أي عندما يضعف العراق - ليحتلوه، ويعيثوا في ربوعه خراباً وتدميراً. كما حصل في عهد حفيد حمورابي. حين احتلوا العراق وضربوا مدنه، ونهبوا كنوزه ومسلاته وآثاره. وهتكوا أعراض النساء في جميع المدن التي احتلوها. وكان الخراب مروعا.ً كان ذلك بعد (250) سنة من تخريب أور. كان خراباً يشابه ذلك الخراب! بحيث ظلت ذكراه عالقة في أذهان العراقيين أكثر من (1000) سنة! تصوروا كيف أن ملك آشور (آشور بانيبال) الذي جاء بعد (1000) عام قاتل الإيرانيين وانتصر عليهم ليكتب في مسلةالنصر أنه ثأر وانتقم للعراقيين الذين قتلوا وانتهكت أعراضهم في عهد حفيد حمورابي.

حوادث كثيرة مثل هذه، وكوارث مروعة أصابت العراق على يد إيران!
يذكر التاريخ أنه سنة (1230) ق.م – وهذه أختزل بها تاريخ 500 سنة من علاقات الصراع - هجم العيلاميون على مدينة (نُفَّر) في الجنوب وقتلوا جميع رجالها! ثم توجهوا إلى مدينة (الدير) في البصرة ليقتلوا الشيوخ وينتهكوا الأعراض ويأسروا النساء ويهدموا الدور ويخربوا المعابد.

ويلملم العراقيون جراحهم – كالعادة – فبعد أربع سنوات استطاع ملك عراقي كبير هو (توكالتي) الأول أن يطرد العيلاميين ويدخل عاصمتهم سوسة. واستطاع أن يسكتها مدة (60) سنة. لكنها بعد هذه المدة عادت لتغزو العراق بقيادة ملكها (شوترك نوخانتي)، الذي دخل بابل فدمرها تدميراً بحيث ساوى بناياتها ودورها ومعابدها جميعا بالأرض! هكذا..! خراب شامل كامل! ما هذا الحقد؟! وسرق مسلة حمورابي، ونهب كنوز العراق. كما سرق مسلة الملك (نرام سين) في منطقة سبار أبو حبة في اليوسفية ومعها (3,5) طن من الذهب. ثم صعد شمالاً إلى عكركوف ونهب منها (14,5) طن من الفضة. ثم جاء من بعده ابنه (كوتر نوخانتي). وهذا ارتكب من الجرائم ما فاقت جرائم أبيه، كما ورد في كتابات (نبو خذ نصر الأول).

• نبو خذ نصّر الأول (1150) ق.م
جاء الملك نبو خذ نصر الأول سنة (1115) ق.م – أي بعد حمورابي بـ650 سنة - ليجد الإيرانيين يسرحون ويمرحون يعيثون فساداً في العراق. فقاد حرب تحرير ضدهم في حملتين عسكريتين. الحملة الأولى سنة (1115) فشلت رغم أنه قادها بنفسه. لكنه أعاد الكرة بعد (5) سنوات في حملة مباغتة فاجأهم بها في شهر الحر تموز، واستطاع أن يهزمهم ويلاحقهم إلى عاصمتهم فيدخلها، ويعيد ما سلبوه ونهبوه من كنوز العراق. وكان هذا النصر حاسما كما يذكر في التاريخ حتى إن عيلام قد سكتت من بعدها زمناً طويلاً. ولكن ريثما تحين الفرصة! فإن أنظارهم دائماً مشدودة إلى الغرب، إلى العراق. وهكذا تكرر الغزو، وتكرر الدمار، طبقاً للمعادلة التي ذكرتها في بداية المقالة، والتي لم تقبل الاستثناء يوماً قط .

يتبع
__________________
رد مع اقتباس