السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الحلقة الأولى
لا يخفى على أحد ما ورد على لسان أحمد الكبيسي يوم الجمعة الموافق 30 مارس 2012 ضمن برنامج “وأخر متشابهات” على قناة دبي ، حيث شن الكبيسي هجوما على معاوية بن أبي سفيان رحمه الله رحمة واسعة وقال عنه أنه مصيبة هذه الأمة، وأن الأمة الإسلامية يجب أن تقف ضد من يقف في صف معاوية، فإما علي بن أبي طالب أو معاوية، وفي مداخلة هاتفية من امرأة طلبت الحديث فلم يتركها تكمل بداعي قصر الوقت ودعى لها أن تحشر مع معاوية. و إليكم الرابط فيه تفصيل ما قال :
http://www.youtube.com/watch?v=pi0mt...eature=related
و البحث ليس فقط ما قاله الكبيسي ، و إنما ما تعدى ذلك من نقاشات و تعليقات و ردود في المنتديات و مواقع التواصل الإجتماعي ما بين مؤيد و معارض ، مما يستدعي أيها الأخوة أن نبين الخطأ الفادح الذي وقع به الكبيسي ، فالحديث في مثل هذا الموضوع اليوم و خاصة في ظل هذه الأجواء التي تحمل ريح الطائفية في الخليج العربي بالذات ، لا بد أن يكون حديثا دقيقا متزنا مبينا العبر و الدروس التي نأخذها من أحداث الفتنة التي حصلة بين سيدنا و إمامنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و بين معاوية بن أبي سفيان ، فلا يصح سرد الوقائق هكذا في برنامج تلفزيوني على عجالة مما يثير البغضاء و الفتن بين المسلمين ، فإما أن نتحدث بكل دقة و بتفاصيل دقيقة لنبين الحق و الصواب و نعتذر للمخطأ و نستغفر له و نبذل كل الوسع للتحقق من الروايات الصحيحة و الضعيفة و المكذوبة فنتجنب الضعيف و المكذوب و نستدل بالصحيح و إن أخطأنا أو قصرنا فعلى الأقل يشفع لنا أننا بذلنا الوسع في ذلك ، و إما أن نصمت و ضيق وقت البرنامج ليس سببا كي نخلط الأمور و نسردها على عجالة مما قد يضر بأمتنا الحبيبة أكثر مما ينفعها .و نلتزم بذلك بما متفق عليه عن أبي هريرة وأبي شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " . و ما رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد حسن عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "رحم الله امرءا قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم " .أسأل الله أن أكون في مقالتي هذه ممن قال خيرا فغنم ، اللهم آمين .
أبدأ مقالتي هذه بوجوب رد الإساءة لأي مسلم معاوية بن أبي سفية أو غيره من المسلمين و عدم حمل الضغينة و الغل على إخواننا المسلمون و بالذات من سبقونا بالإسلام ، قال تعالى
" و َالَّذِينَ جَاءُو مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُو رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " سورة الحشر ، الطبري في تفسيره لهذه الآية يقول ( حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله" ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا" قال :
لا تورث قلوبنا غلا لأحد من أهل دينك ) و ينقل كذلك ( وقوله " للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " يقول - جل ثناؤه - مخبرا عن قيل الذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان أنهم قالوا : لا تجعل في قلوبنا غلا لأحد من أهل الإيمان بك يا ربنا . قوله : ( إنك رءوف رحيم ) يقول : إنك ذو رأفة بخلقك ، وذو رحمة بمن تاب واستغفر من ذنوبه . ) هكذا يتعامل المسلم الحق مع إخوانه المسلمون و بالذات بمن سبقه بالإيمان ، فلا يحقد و لا يحمل الغل في قلبه ضدهم ، و إنما يستغفر لهم كما يستغفر لنفسه ، و في تفسير هذه الآية ينقل لنا القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن (وقال العوام بن حوشب : أدركت صدر هذه الأمة يقولون :
اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب ، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم ) هذا هو أساس التعامل مع من سبقنا بالإسلام ، و هذا هو أساس تعامل المسلم مع أخيه سواء أكان حيا أو ميتا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم بينكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. فليبلغ الشاهد الغائب " وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته( الحديث رواه أبو داود وهو حسن ). و ها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يبين لنا من هو المسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ، على هذا الأساس و امتثالا لهذه الأحاديث ، يجب على من يريد أن يتحدث عن إخوانه المسلمين و خاصة من سبقوه بالإيمان و بالأخص صحابة رسولنا الكريم ( بغض النظر عن الإختلاف في تعريف الصحابة ) أن يلتزم بهذا المنهج في طرحه و هو عدم الإساءة و وجوب التماس العذر للمسلم ، امتثالا لما نقل بالأثر عن جعفر بن محمد : إذا بلغك عن أخيك الشيءَ تنكره ؛ فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذراً ، فإن أصبته وإلا قل لعل له عذراً لا أعرفه . ساقه البيهقي بسنده في الشعب ( 6 / 323) ، فهذه هي أخلاق المسلم هي رد الإساءة حسب الإستطاعة و التماس العذر و الإستغفار لمن سبقه بالإيمان . و ليعلم الواحد منا أنك إذا أسأت لمسلم حي ، فممكن أن تعتذر عنده و تطلب منه السماح و هو قادر على مسامحتك في هذه الدنيا ، ولكنك إذا أسأت لمسلم ميت ، فكيف ستعتذر منه ، سيكون بينك و بينه يوم القيامة حساب طويل .و الله أعلم
و على ما سبق فإن التطرق لمسألة الفتنة التي حصلت في عهد سيدنا علي كرم الله وجهه و هي لاشك تبعا لما حصل لسيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه يجب أن يكون على أساس التماس الأعذار لساداتنا الصحابة رضي الله عنهم جميعا و إخواننا في الله الذين سبقونا بالإسلام ، و على أساس قول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله و غفر له "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا " . و الله أعلم
و عليه فإن طرح الموضوع هكذا على عجالة في برنامج تلفزيوني و بشكل مثير للبغضاء و التشاحن أمر لا يصح البتة و أمر يجب التصدي له و هو يضر الأمة و لا ينفعها و يزيد الطين بلة و يكون عقدة عند أفراد الأمة تضاف إلى العقد التي لديها .
و للحديث بقية .... حيث سأتطرق لاحقا لبعض المغالطات التي ذكرها الكبيسي في برنامجه أعانني و أعانكم الله على التصدي في وجه هذه الفتن المقبلة على الأمة .
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته