سلسلة التحدي بالقرآن/محمد إبراهيم عبد الغني/الْأَمَانَة
بسم الله الرحمن الرحيم
التحدي بالقرآن ـ ليس بكلام بشر
تدبر/محمد إبراهيم عبد الغنى قطب
{ الْأَمَانَة }
الحمد لله رب العالمين ,الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان وسلم تسليما.
يقول الله عز وجل في الآية 72 من سورة الأحزاب:
بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }(72) الأحزاب صدق الله العظيم.
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : والأمانة:
( (1) تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال, وهو قول الجمهور
(2) هي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد.
(3) وفي حديث مرفوع (الأمانة الصلاة) إن شئت قلت قد صليت وإن شئت قلت لم أصل.
(4) وكذلك الصيام وغسل الجنابة.
(5) هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله, وخيانته إياه في قتل أخيه.
6) الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال, قالت: وما فيها؟ قيل لها: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت. فقالت لا
(7) هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السماوات والأرض والجبال والخلق, من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها, إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها
وقد قال فضيلة الشيخ الشعراوى أن الأمانة هي التكاليف (أفعل ولا تفعل).
وقد لخص الدكتور سيد طنطاوي أراء المفسرين فى كتابه الوسيط في تفسيرا لقرآن الكريم لهذه الآية الكريمة:
وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا: أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله - تعالى - بها عباده، من إخلاص في العبادة، ومن أداء للطاعات، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
والمراد بالإِنسان: آدم - عليه السلام - أو جنس الإِنسان.
والمراد بحمله إياها: تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.
وللعلماء فى تفسير هذه الآية اتجاهات، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته، وأن الله - تعالى - قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة، على السماوات والأرض والجبال { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } لثقلها وضخامتها {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي: وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.
ويرى بعضهم أن العرض في الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل، أو من قبيل المجاز.
قال الإِمام القرطبى ما ملخصه:
لما بين - تعالى - في هذه السورة من الأحكام ما بين أمر بالتزام أوامره، والأمانة تعم جميع وظائف الدين، على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور..
وقيل: { عَرَضْنَا } يعنى عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة. ورجحت الأمانة بثقلها عليها...
هذا رأى بعض المفسرين
ولكن لابد أن نبحث وندقق في الآية الكريمة { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْيَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا االاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }(72) الأحزاب صدق الله العظيم
يقول الله عز وجل انه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وتبع هذا بأن الإنسان هو الذي حملها وحده فقط ونعته الله عز وجل بأنه كان ظلوما وجهولا.
نلاحظ هنا أن الإنسان لم يذكر في الحصر بمعنى آخر لم يقل الله تبارك وتعالى أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال والإنسان ولو كان هذا لفهمنا أن الأمانة عرضت على الأربع مخلوقات التي ذكرت وهى (السماوات,والأرض.والجبال والإنسان) فقط ولكن هذا لم يحدث في سياق الآية ,ولوكان سياق الآية (السماوات,والأرض.والجبال ثم الإنسان )لفهمنا منها أن الأمانة عرضت على (السموات,والأرض.والجبال)وأبين أن يحملنها وأشفقن منها ثم بعد ذلك عرضت على الإنسان الذي حملها وحده فقط.
والآن ندقق في سياق الآية :
أولا:.
نجد أن الإنسان لم يِـُذَكر في الحصر عندما ذكر ألله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال ولكنه ذكر على انه (الإنسان) هو الذي تحمل الأمانة وحده ومن ذلك نفهم إن الله عز وجل عندما ذكر السماوات والأرض والجبال لم يكن على سبيل الحصر ولكن كان على سبيل المثال وان الأمانة عرضت على كافة المخلوقات التي خلقها الله جل شأنه إلى يوم القيامة (أي كل الخلائق) ومنها إنا وأنت وجمع البشر إلي يوم القيامة لأنه لو كان آدم فقط لقال وحملها آدم مثل قول الله تعالي في سورة الأعراف : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } (172) فجميعنا شهدنا لله بالوحدانية والربوبية
ثانيا : ماهى الأمانة؟
نعلق على ما ذكره المفسرين في هذه الآية.:
تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال.هذا رأى جمهور الفقهاء أوهي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد هذا راىآخر.
إذا ما اتفقنا على أن الامانة عرضت على كل خلق الله جميعا وان جميع وظائف الدين هي مجموع الفرائض من تكاليف العبادات وهى(افعل ولا تفعل)وهذا ليس شأن الإنسان وحده فقد اشترك الجن في هذا ففي سورة الذاريات قال تعالى :
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (56) وفى سورة الأنعام قال سبحانه :
{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَفِرِينَ } (130) . وفي سورة الأحقاف قال عز وجل :
{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ }(29){ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ }(30){ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }(31){ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }(32) .
إذن الجن هو الآخر مكلف بالعبادة ومن ثم عليه كل تكاليف العبادات من (افعل ولا تفعل) .وعلى هذا يكون الجن هو الآخر حمل الأمانة مع الإنسان وهذا لم يذكره الله في هذه الآية الكريمة بل اختص بها الإنسان وحده وبذلك يكون هذا الرأي غير صحيح.
أما من قال أن الأمانة هي الصلاة أو الصوم والذي قال هي أمانة المال أو الودائع نجد أن كل هذا يدخل في نطاق العبادات وقد قلنا أن الجن اشترك مع الإنسان في العبادات ومنها الصلاة والصوم وغيره من التكاليف المختلفة .
إذا كان الإنسان هو وحده الذي حمل الأمانة فلن يشاركه فيها احد وان الله سبحانه وتعالى خصه بها وحده لرغبته في إن يحملها عند العرض وإذا كان ما قاله علماؤنا الأفاضل فكل ما جاءوا به للتعريف بالأمانة يشترك مع الإنسان فيه مخلوق آخر مثل الجن
ومنهم من قال إنها العقل : ولكن العقل لم يميز الإنسان وحده فالجن تفهم ما جاء به موسى ومحمد ويعظون بعضهم بعض كما جاء ى الآيات السابقة كذلك الهدهد الذي قال لسليمان انه أحاط بقوم تتملك عليه امرأة ويعبدون الشمس من دون الله كما جاء في سورة النمل:
{ إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }(23) { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ }(24).
أليس هذا دليلا على إن الهدهد له عقل يفهم به ما يهم سليمان إن يعلمه. كذلك النمل كما جاء في سورة النمل:
{ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } (18)
وكل الحيوانات والجن لهم عقول يدبرون بها شؤونهم. فالعقل ليس هو الامانة لان كثير من خلق الله جعل له عقل يدبر له حياته .
إذن ما هي الأمانة؟:
نعود إلى القرآن الكريم:
يقول الله جل شأنه في سورة الجاثية : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (13).
وفي سورة ابراهيم: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ }(33){ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } (34) { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }(35).
ما معنى كلمة( سخر ) في القواميس ؟:
جاء في القاموس المحيط : وسَخَّرَهُ تَسْخِيراً: ذَلَّلَهُ، وكَلَّفَهُ عَمَلاً بلا أجْرَةٍ.
وجاء في قاموس النهاية في غريب الحديث للإمام ابن الأثير: والتَّسخِير، بمعنى التكليف والحْمل على الفعل بغير أُجْره.
الله جل شأنه سخر كل ما في السماوات والأرض للإنسان وهذا لم يكن لأي مخلوق آخر بنص الآية الكريمة13 من سورة الجاثية.
وجاء في مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني:" التسخير: سياقه إلى الغرض المختص قهر"
وجاء في القرآن الكريم أمثلة لبعض من خلقه والذي سخرهم للإنسان مثل ما جاء فى:
سورة لقمان: { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ...}(20)
سورة الجاثية { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(12)
سورة إبراهيم : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } }(33){ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ }(34){ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }(35)
وكثير من الآيات التي تشير إلى خلق الله الذي سخره للإنسان وكما قلنا إن سخر تعنى حسب ما جاء في القواميس هي:تعنى التكليف والحْمل على الفعل بغير أُجْره أو التسخير: سياقه إلى الغرض المختص قهر"أو ذَلَّلَهُ، وكَلَّفَهُ عَمَلاً بلا أجْرَةٍ.الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الأرض وما عليها جميعا,منهم من تركه للإنسان يكتشف علمه وبيانه كما جاء فى أول سورة الرحمن : { ٱلرَّحْمَـٰنُ } * { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } * { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ }
ولو أن الله لم يعلٌمه -[الإنسان]- البيان ما استطاع إن يستخرج هذه القوانين من الأشياء التي حوله فالله جعل لكل شئ علمه وقوانينه التي تحكم علاقته بنفسه وعلاقته بغيره وقد قال الله جل شانه في سورة الطلاق الآية 12{ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }....الآية فالغازات لها قوانينها التي تحكمها وكل غاز من الغازات له قوانينه التي تميزه عن غيره وهكذا مع السوائل والمواد الصلبة حتى الطاقة من ضوء وحرارة وكهرباء وميكانيكا ومغناطيسية وغيرها فكل شئ له علمه الذي يميزه عن غيره حتى النجوم والكواكب التي في السماء لها علمها التي استطاع الإنسان بقدرة الله الذي علمه البيان وإظهارها ليستفيد منها ويفيد غيره من البشر وغيره ممن سخرهم له كما جاء سورة إبراهيم : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار }(35).
الله سخر ما في الأرض وما في السماء للإنسان فبعض من هذه المخلوقات التي سخرها للإنسان[مثل الأنعام] هي ملك طوعه يفعل بها ما يشاء كما هي اغلب المخلوقات التي على الأرض وهناك مخلوقات سخرت لخدمة الإنسان لكن ليست في متناول يده مثل الشمس والقمر والنجوم والملائكة وكل المخلوقات التي في السماء فهي تخدم الإنسان دون أن يتدخل في عملها .
السؤال هل هذه الأنعام والمخلوقات التي في الأرض وتكون في متناول يد الإنسان ليفعل بها ما يشاء. هل هذه هي الأمانة؟
نعم . فالله تبارك وتعالى خلق له هذه الأنعام لتكون عنده أمانة يستفيد منها هو وغيره ويسلمها إلي من بعده كما خلقها الله دون ان يفسد فيها ويتوارثها الإنسان لينعم بها ويحمد الله عليها ولا يضيعها ويفسدها لتكون غير صالحة له ولمن يعيش معه ولمن بعده .ولكنه أفسدها وتدخل فى عملها وتركيبها ويكون قد ظلم هذه النعم التي سخرها له الله ونتيجة عبثه المتواصل في إفساد البيئة المحيط به (وهى النعم التي سخرها له الله تبارك وتعالى ) فعادت عليه بالضرر بجهله وغبائه وتناولت من يؤتى بعده من بني جنسه ومن الأنعام التي يستخدمها كما حاصل الآن فالاحتباس الحراري وتلوث الأنهار والبحار بالنفايات التي يرمي بها في كل منهم بجهل واستخدام الطاقة الذرية التي مكنه الله منها لتعود عليه وعلى من بعده بالفائدة استخدمها لتكون له ضرر كبير عليه وعلي من بعده ومن كثير من خلقه أليس هذا الإنسان ظلوما وجهولا كما وصفه الله جل جلاله .
إن الإنسان الذي لا يتعامل مع ما سخره الله له بإحسان وحسنى قد ظلمه وتجاهل فضل الله عليه الذي أنعمها له ليستفيد بها وينعم بهذه النعم هو ومن يعيش معه على الأرض ومن بعده من الخلائق يكون ظلوما جهولا.
ودليل آخر على أن الأمانة هي كل ماسخره الله للإنسان ما جاء في سورة إبراهيم:
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ } (33){ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } (34) { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ (كَفَّار)ٌ }(35).
ونري أن الله نعت الإنسان في هذه السورة بانه { لَظَلُومٌ كَفَّار } وهو نفس الوصف فى الآية فى الأحزاب 72 للإنسان { ظلوما جهولا }،
( والكفار) هو الجهول الذي يجهل ان الله وحده هو الذي سخر له كل هذه النعم فالله ينعم ويعبد غيره.
الخلاصة:/
مما سبق تكون الأمانة- {الله أعلى واعلم}- هي كل ما سخره له الله في الأرض وما في السماء للأسباب الآتية:
اولا : لم يسخر الله كل ما في السماوات والأرض لأي مخلوق غير الإنسان وتفرد بها دون غيره.
ثانيا : استأمنه الله عليها لينعم بها دون أن يفسدها لتكون له ولمن يعيش معه بعده نعمة .
ثالثا : لم يتعامل الإنسان بالحسنى مع النعم التي جعلها الله له مثل الأنعام ليركبها وتحمل أثقاله أو التي أحلها له لمطعمه وكان هذا ظلما لها لأنها مخلوقات لله مثله شاء لها الله أن تكون في خدمته بلا مقابل منه ويكون لها ظلوما وجهولا ايضا !.
رابعا . لما افسد الإنسان هذه النعم التي بين يده أضرته ومن يعيش معه من مخلوقات ضررا بالغا كما أضر تلويث البحار والأنهار والاحتباس الحراري الذي حدث نتيجة إسرافه في استخدام الطاقة الغير نظيفة وإلقاء النفايات في البحار والأنهار وكذلك سبب فسادا في الأرض له ولمن بعده من الأجيال التالية وكان بذلك ظلوما جهولا وصدق الله العظيم إذ قال :
{ ....وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (72)الأحزاب
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } (205) البقرة .الإنسان كان ظلوما جهولا.
{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(41)الروم. الإنسان كان ظلوما جهولا لأن هذا الفساد سيعود عليه وعلى من بعده بالضرر.
{ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ } (12) الفجر .كان ظلوما لهذه النعم
وأسألكم الدعاء.
يتبع
|