شرح الشيخ ابن عثيمين
الشَّهَادَةُ بالجنَّةِ أوْ بالنَّارِ
الشَّهَادَةُ بالجنَّةِ أوْ بالنَّارِ ليْسَ لِلْعَقْلِ فيها مَدْخَلٌ؛ فهيَ مَوقُوفَةٌ على الشَّرْعِ، فَمَنْ شَهِدَ لهُ الشارِعُ بذلكَ شَهِدْنَا لهُ، ومَنْ لا فَلاَ، لكِنَّنَا نَرْجُو للمُحْسِنِ، ونَخَافُ على المُسِيءِ.
وتَنْقَسِمُ الشَّهَادَةُ بالجنَّةِ أوْ بالنَّارِ إلى قسمَيْنِ:
عَامَّةٌ وخَاصَّةٌ.
فالعامَّةُ:
هيَ المُعَلَّقَةُ بالوَصْفِ، مِثْلُ أنْ نَشْهَدَ لكلِّ مُؤْمِنٍ بأنَّهُ في الجنَّةِ، أوْ لكلِّ كافِرٍ بأنَّهُ في النارِ، أوْ نحوُ ذلكَ مِن الأوْصَافِ التي جَعَلَهَا الشارِعُ سَبَبًا لدُخُولِ الجنَّةِ أو النارِ.
والخَاصَّةُ:
هيَ المُعَلَّقَةُ بشَخْصٍ، مِثْلُ أنْ نَشْهَدَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بذاتِهِ بأنَّهُ في الجنَّةِ، أوْ لشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بأنَّهُ في النارِ، فلا نُعَيِّنُ إلاَّ مَا عَيَّنَهُ اللهُ أوْ رَسُولُهُ.
المُعَيَّنُونَ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ
المُعَيَّنُونَ مِنْ أهْلِ الجنَّةِ كثيرونَ، ومنهم: العَشَرَةُ المُبَشَّرُونَ بالجنَّةِ، وخُصُّوا بهذا الوَصْفِ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ جَمَعَهُم في حديثٍ واحِدٍ فقالَ: ((أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ))، رواهُ التِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
وقدْ سَبَقَ الكلامُ على الخُلَفَاءِ الأرْبَعَةِ، وأمَّا الباقُونَ فَجُمِعُوا في هذا البيتِ:
سَعِيدٌ وَسَعْدٌ وابنُ عَوْفٍ وطَلْحَةُ وعَامِرُ فِهْرٍ والزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ
فطَلْحَةُ: هوَ ابنُ عُبَيْدِ اللهِ، مِنْ بَنِي تَيْمِ بنِ مُرَّةَ، أَحَدُ الثمانِيَةِ السَّابِقِينَ إلى الإسلامِ، قُتِلَ يَوْمَ الجَمَلِ في جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ 36هـ عنْ 64 سَنَةً.
والزُّبَيْرُ: هوَ ابنُ العَوَّامِ، مِنْ بَنِي قُصَيِّ بنِ كِلابٍ، ابنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، انْصَرَفَ يَوْمَ الجَمَلِ عنْ قِتالِ عَلِيٍّ، فَلَقِيَهُ ابنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ في جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ 36 عنْ 67 سَنَةً.
وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: مِنْ بَنِي زُهْرَةَ بنِ كِلاَبٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 32هـ عنْ 72 سَنَةً، ودُفِنَ بالبَقِيعِ.
وسَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ: هوَ ابنُ مَالِكٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بنِ زُهْرَةٍ، أوَّلُ مِنْ رَمَى بِسَهْمٍ في سبيلِ اللهِ، مَاتَ في قَصْرِهِ بالعَقِيقِ على عَشَرَةِ أَمْيالٍ مِن المدينةِ، ودُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ 55هـ عنْ 82 سَنَةً.
وسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ: هوَ ابنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ، كانَ مِن السَّابِقِينَ إلى الإسلامِ، تُوُفِّيَ بالعَقِيقِ، ودُفِنَ بالمدينَةِ سَنَةَ 51هـ عنْ بِضْعٍ وسَبْعِينَ سَنَةً.
أبو عُبَيْدَةَ: هوَ عَامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ، مِنْ بَنِي فِهْرٍ، مِن السابِقِينَ إلى الإسلامِ، تُوُفِّيَ في الأُرْدُنِّ في طَاعُونِ عَمْوَاسَ سَنَةَ 18هـ عنْ 58 سَنَةً.
ومِمَّنْ شَهِدَ لَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالْجَنَّةِ: الحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وثَابِتُ بنُ قَيْسٍ.
قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِالْجَنَّةِ))، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في ثَابِتِ بنِ قَيْسٍ: ((إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ،وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.