عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2013-04-01, 08:02 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي سلسلة دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة/د. أبو بكر الشامي/ق4

سلسلة دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة

الدكتور أبو بكر الشامي

القسم الرابع

بناء الجيش العقائدي المجاهد



ما إن وصل النبي القائد صلى الله عليه وسلم أرض المدينة المنورة ، حتى بدأ يعد العدة للجهاد ، ويهيء الحشود للمعركة ، ونظراً لقلة عدد المسلمين يومها ، بالمقارنة مع كثرة أعدائهم ، لذلك فقد طبَّق ما بات يعرف اليوم بالحرب الشعبية ، أو الحرب الشاملة .
فاستنفر لمعركته مع قوى الشر كامل طاقات المسلمين ، وحشد للمواجهة كل قوى الأمة ، وألزم كافة المسلمين بالهجرة والالتحاق بالدولة الوليدة ، والجيش المجاهد. ولذلك فلم يكن مقبولاً من أي مسلم _يومها _ يدين بالولاء الكامل لهذا الدين ، أن يتخلف عن ركب الجهاد ، مهما تكن أعذاره .

ولقد أنزل الله على مدار المرحلة المدنيّة ، عشرات الآيات القرآنيّة ، التي يعيب فيها على المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحذر المسلمين أشد التحذير من مغبة الركون إلى الدنيا ، والتقصير في نصرة هذا الدين ...
ولقد كانت لهجة القرآن التحذيريّة تشتد وتتصاعد ، كلما ازدادت درجة التحدي التي كانت تواجهها الدولة المسلمة والجماعة المسلمة .

ففي الوقت الذي اكتفى القرآن العظيم في بدايات العهد المدني ، بإخراج المسلمين غير المهاجرين ، من دائرة الولاية للمؤمنين المهاجرين ، مع احتفاظه لهم بالهوية المسلمة ، وحق النصرة ، ما لم يتعارض ذلك مع عهود المسلمين المهاجرين وعقودهم ، كما جاء في سورة الأنفال ، التي نزلت في السنة الثانية للهجرة الشريفة : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿72﴾}( الأنفال).

إلا أنه سرعان ما صعّد من حملته العنيفة على المتخاذلين ، حتى قصفهم بما يشبه الحمم والبراكين ، من الآيات البيّنات ، كما ورد في سورة التوبة التي نزلت في أواخر العهد المدني ، في السنة التاسعة من الهجرة الشريفة ، قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿38﴾ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿39﴾ (التوبة).
{ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿41﴾ }(التوبة)
{ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿44﴾ }(التوبة).

ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الهجرة والالتحاق بركب الجهاد ، شرطاً أساسياً من شروط الولاية بين المؤمنين كذلك ، ونصَّ على ذلك في دستوره الخالد ، الذي وضعه للمسلمين في المدينة المنورة . فلقد جاء في إحدى مواد هذا الدستور : ( ذمة الله واحدة ، يجير على المسلمين أدناهم ، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس ، بشرط أن يهاجروا ويلتحقوا بهذا المجتمع ).

وكان إذا أمَّر أميراً على جيش أو سريَّة أوصاه فقال :
( إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال ، فأيتهنَّ أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم ، أدعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم ، ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ، فإن لهم ما للمهاجرين ، وعليهم ما عليهم ، فإن أبوا أن يتحوّلوا ، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ).صحيح مسلم 2 (46)

كما طبق النبي صلى الله عليه وسلم في حياته العملية ، مع المتخلفين عن ركب الجهاد ، من غير المنافقين التافهين ، أشد أنواع العقوبات النفسيّة والمادية ، كما فعل مع الذين تخلفوا عن غزوة تبوك .
حيث أمر المسلمين باعتزالهم ومقاطعتهم ، وأمرهم هم باعتزال نسائهم قرابة شهرين ، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، ثم تاب الله عليهم ليتوبوا ، ولا يعودوا لمثلها أبداً ، ولا يفكر أحد غيرهم بالإقدام على ما أقدموا عليه ، قال تعالى : { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿118﴾}(التوبة).
واعتماداً على هذا المنهج ، فقد كان بمقدور النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، أن يحشد الأمة كلها للمعركة عندما يشاء .
ولذلك فقد كان عدد أفراد الجيش المسلم يومها ، مطابقاً لعدد المسلمين أنفسهم . وبهذا نفسر التزايد المطرد في تعداد ذلك الجيش المبارك وتسليحه .

ففي الوقت الذي لم يتجاوز عدد المسلمين المقاتلين في معركة بدر ، في السنة الثانية للهجرة الشريفة ، الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، مع فَارسين فقط ، فقد بلغ عدد المقاتلين ، في معركة أحد ، التي جرت بعد أقل من عام ، حوالي ألف مقاتل ، سبعمائة بعد رجوع المنافقين ، فيهم خمسون فارساً .

ثم بلغ عدد المجاهدين في معركة الخندق ، التي جرت في العام الخامس للهجرة الشريفة ، حوالي ثلاثة آلاف مجاهد ، في حين وصل عددهم يوم فتح مكة ، في العام الثامن للهجرة ، إلي عشرة آلاف مجاهد .
ثم وصل عددههم في غزوة تبوك ، في السنة التاسعة للهجرة ، إلى ما يربو على ثلاثين ألفاً ، فيهم عشرة آلاف فارس ..
ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أكثر من مائة وعشرين ألفاً

من هنا نرى ضرورة أن يحشد الجيش السوريّ الحرّ لهذه المعركة المقدّسة التاريخيّة كل طاقات السوريين والأمة ، في داخل الوطن السوريّ وخارجه ، ويوظفها في مجهود التحرير العظيم ، كلّ بحسب قدراته وإمكاناته ، في خطة محكمة ، وستراتيجية مبدعة ، يتعاون على إعدادها ووضعها موضع التطبيق ، كل أهل الغيرة من العسكريين والستراتيجيين والمبدعين في الوطن السوري والأمة.

يتبع

عن موقع رابطة أدباء الشام
رد مع اقتباس