عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 2013-04-29, 06:03 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي سلسلة دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة/د. أبو بكر الشامي/ق12

سلسلة دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة

الدكتور أبو بكر الشامي

القسم الثاني عشر

حرب القلّة ضدّ الكثرة



إن واحدة من أهم خصائص ديننا الإسلامي الحنيف هي الواقعية الحركية ، فهو حركة تغيير شاملة ذات مراحل مختلفة ، ولكل مرحلة أولويّاتها وخصائصها التي تتناسب مع طبيعة الظرف والواقع الذي يعيشه المسلمون ، ففي المرحلة المكيّة مثلاً لم يكن مسموحاً للمسلمين بالجهاد في سبيل الله واستخدام العنف الثوري في التغيير، لا لزهد في عملية الجهاد ، بل لأن فقه المرحلة ، وفهم الواقع ، كان يقتضي استخدام وسائل أخرى أنفع للدعوة والدعاة ، مثل : الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، والصبر واحتمال الأذى ، وكفّ الأيدي وعدم المواجهة المسلّحة . قال تعالى في تلك المرحلة : بسم الله الرحمن الرحيم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚوَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗقُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿77﴾}(االنساء).

ولكن ، ما إن وطئت أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض المدينة المنوّرة ، وتغير الظرف وتغيّرت المرحلة ، حتى أذن الله له بالجهاد ، فقال تعالى عن تلك المرحلة : بسم الله الرحمن الرحيم
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿39﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿40﴾(الحج).

ونظراً لقلة أعداد المسلمين يومها بالمقارنة مع كثرة أعدائهم كما ذكرنا مراراً ، لذلك فقد لجأ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ستراتيجة مبدعة هي : حرب القلّة المؤمنة ضد الكثرة الكافرة ، والتي تعرف اليوم كما ذكرنا ب( حرب العصابات ) والتي من روحها وجوهرها :

المعنويات العالية التي تستند إلى قضية عادلة مقدّسة ، والكفاءة الفردية التي تعوّض القلّة العددية ، وخصوبة الذهن العسكري ، وسرعة الحركة ، ومرونة الخطّة ، وابتكار تكتيكات عسكرية مبدعة ، والمفاجأة ، والمبادأة ، والتركيز على تحطيم العدو وإرهاقه ، وتوجيه ضربات سريعة ومتلاحقة له ثم التواري ، بدلاً من التشبث في الأرض والدفاع عنها ... وهكذا ...

ولقد اقتدى بهذا الرسول العظيم ( ص ) خلفاؤه من بعده ، فها هو الخليفة ( الصدّيق ) رضوان الله عليه ، يطبّق نفس المباديء التي تعلّمها من حبيبه وقائده ، وذلك عندما يجد نفسه أمام نفس التحدّي الذي واجه صاحبه من قبل إبّان ارتداد المرتدّين ، فيستنفر الأمة للجهاد ، ويحشدها للمعركة ، ويشكّل الفيالق ، ويحرّك الكتائب ، ويضرب بمنتهى الرشاقة والقوّة في أكثر من اتجاه ، حتى يدوّخ الأعداء ويشلّ تفكيرهم ، ويربك خططهم ، ويقول قولته الخالدة التي لا تزال تجلجل في أذن التاريخ : ( والله لو منعوني عَقالاً كانوا يؤدّونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لجالدتهم بسيفي هذا حتى تنفرد سالفتي ) .
ويكفي لكي ندلّل على مدى جدّية الصدّيق (رض ) وحزمه وبراعته ، أن نذكّر بأنه كان قد جهّز أحد عشر جيشاً ، عقد لكلّ منها لواءً ، وجعل على كلّ منها قائداً ..
ونذكّر أيضاً بأن واحداً فقط من هذه الجيوش ، وهو جيش خالد بن الوليد ( رض ) ، كان تعداده عشرة آلاف مجاهد ، وهو الذي كان فيما بعد النواة الأولى لفتح العراق كلّه .!!!

يتبع

عن موقع رابطة أدباء الشام
رد مع اقتباس