أرى أن الطرفين متفقين في أصل الحدث، وإن ظهر اختلاف في السطح.
ذكر الشيخ محمود حفظه الله حرمة المظاهرات والاعتصامات وتعطيل أمور الناس، وهذا لا يخفى على أحد ولا أحد ينكر مقاله حتى فيمن خالفه في هذا الموضوع، وكوني أعرف حجة الطرف الآخر فأقول نيابة عنهم أنهم لم يخالفوك في هذا الأمر، لكنهم ينظرون إلى الموضوع من زاوية أخرى، فهم على الرغم من أنهم يرون أن المظاهرات والاعتصامات مفسدة إلا أنها أقل مفسدة من أن يتولى السيسي مقاليد الحكم، وقد رأينا بوادر عمله في منعه لغير الأزهريين من اعتلاء منابر المساجد، فقدم هذا الطرف دفع المفسدة الأكبر، وهذا من باب الاجتهاد، وقد يكون اجتهادهم هذا صواباً وقد يكون خطأ، ولا يضرهم هذا طالماً أنهم بقوا على أصل حرمة المظاهرات وأن استخدامها لم يكن استحلالاً وإنما لدفع مفسدة أكبر.
الأمر الآخر من الخوارج ومن المخروج عليهم؟ الخارجي من خرج على حاكم متمكن، وكلا طرفي الحوار متفقان على هذا التعريف، لكنهما اختلفا في تطبيقه على الواقع، فأحد الطرفين يرى أن الدكتور مرسي كان ممكناً والسيسي خرج عليه، والطرف الآخر يرى أن الدكتور مرسي لم يكن ممكناً أصلاً، بل يرى أن السيسي اليوم أكثر تمكيناً من الدكتور مرسي في فترة حكمه، وكلا الطرفين له أدلته على ذلك، وكلاهما أهل للاجتهاد كونهما من شيوخ مصر الحبيبة.
وعليه أرى أن الأمر لا يطعن في عقيدة أحد من الطرفين، بل الأمر كله يقع تحت باب الاجتهاد وتحليل الواقع، فكل له أدلته، تماماً كما كان لعلي ومعاوية رضي الله عنهما أدلتهما، لكنها الفتنة هي التي وسعت الخلاف بينهما حتى حدث القتال، فإن كان هذا حصل مع صفوة الخلق بعد الأنبياء، فهل يظن أحد أننا سالمون من احتمال وقوع هذا الخلاف بيننا نحن المتأخرين؟ لذلك إن كان لي كلمة في الموضوع فأقول أنها فتنة بينة، فابحثوا عن نقاط الالتقاء ولا تبحثوا عن نقاط الخلاف، ثم افهموا وجهة نظر الطرف الآخر قبل أن تحكموا عليه، وتذكروا أن رسول الله

قال عن فئة علي

أنهم أدنى الطائفتين إلى الحق، لكن المسلمين ما عرفوا هذه الحقيقة إلا بعد أن انجلت الفتنة، وهنا قد نرى الأمر ذاته، فقد يكون كلام الشيخ محمود أدنى إلى الحق، وقد يكون كلام الشيخ أبي جهاد أدنى إلى الحق، ولن نعرف هذا إلا بعد أن تنجلي الفتنة، لكن المهم الآن ألا ننغمس في الفتنة أكثر، ونلقي كلاماً لا نلقي له بالاً يزيد من الهوة بين الطرفين.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.