( المواطنة = إزاحة المجرمين. ) ....
أورينت نت - د. يحيى العريضي
متوهماً أن " الدكتور " لا بد وان يكون راسخاً بالعلم عارفاً بكل شيْ؛ خاطبني محرّضا مستنكراً: " لماذا لا تكتب عن { المواطنة } التي نراها في مهب الريح في ظل ما تمر به سورية من اهتزازات؟ ". تحمست، واعتبرت ذلك مهمة مقدّسة، وتكليفاً من أخ لي يقصدني بأمر يحمل قيمة خاصة واضعاً بي ثقة معرفيّة- أشك بأنني أستحقها.
كان هاجسي ان أرتقي إلى توقعاته، وألّا أخيّب ظنّه؛ فقلت لنفسي لا بد من مقاربة المسألة بشكل بحثي علمي موضوعي معمّق. غُصْتُ حتى "شوشتي" في مراجع لغوية وفلسفية واجتماعية وسياسية، وذهبت بعيداً في الرؤى والتحليلات والنظريات واقعيّها ونظريّها ومثاليّها، وغرقت في التفاصيل حتى ماتبقى لي من شعر أشيب. تجاوزتْ الملحوظات والاقتباسات التي سجلتها العشرين صفحة. نظرت إليها بتمعّن و بكثير من الوجع والضياع. قررت ان لا حاجة لي ولمن سيقرأ ما اكتب لما جمعته من تلك المراجع. ركنتها جانباً وتذكرت لحظتها ذلك الرجل الذي قرر أن يصبح شاعراّ، فذهب لاستشارة حكيم؛ فقال له: إذهب واحفظ مليون بيت شعر وقابلني بعدها؛ عاد إليه الرجل بعد فترة منجزاً ما أشار عليه الحكيم به. سأل الرجل الحكيم أن يسبغ عليه صفة الشاعر؛ فقال الحكيم: بقيتْ أمامك مسألة بسيطة كي تصبح شاعراً. سأل الرجل عن طبيعتها؛ فقال له الحكيم: عليك أن تنسى ما حفظت. وهكذا أصابني. لقد قررت أن أنسى ما اطلعت عليه بحثياً عن {المواطنة} وأتحدث سليقياً بلا علمية أو موضوعية وأقدم ما يحضر إلى الذهن حول أمر تعرفه وتعيشه كل خليّة فينا سليقياً وعلى السجيّة.
بداية، هناك من أراد لأهل سورية- وعلى مدى نصف قرن- أن يرى ويفهم المواطنة ولاءً للسيّد القائد الملهم العبقري النادر الوحيد الفريد القوي الوطني الممانع المقاوم قاهر الأ عداء صاحب المكرمات المنون الذي تكاد "أسماؤه الحسنى" تتجاوز من حفظنا أسماءه الحسنى / أستغفر الله /. يكون السوري هكذا أو يفقد أو الأصح يُسلَب صفة المواطنة ويبقى زائدة خلّبية بنظر حماة هيكل القائد. المواطنة، كما أرادوها لأهل سورية معناها أن يصدّقوا ما لا تصدّقه إلا بعض القبائل التي لم تكتشفها البشرية بعد على كوكبنا.. كأن لا تشك بأن قيادتك ممانعة ومقاومة لإسرائيل وأمريكا وأن السيد حسن نصرالله يحارب إسرائيل في وطنك. أرادوا المواطنة أن لا تشك بأنك إرهابي مندس متطرف طائفي تكفيري من النصرة ومن داعش. أرادوها بأن تقتنع بأن هناك انتصاراً بتسليم سلاح سورية الاستراتيجي لأعدائها؛ ولتثبت مواطنيتك عليك أن تفرح وتتغنى بذلك؛ وتقر بأن حكمة القيادة وعبقريتها المظفرة اقتضت هكذا فعل وطني فوّت الفرصة على الأعداء. أرادوا إقناعك بأن زوال حمص وخالد ابن الوليد منها أمر طبيعي وضرورة مواطنية في وجه المؤامرة على الوطن. يريدون إقناعك بأن زوال عبق ياسمين دمشق وإحلال رائحة الكيماوي التي أتت على أرواح ألف وخمسمائة من غوطتها أيضاً ضرورة مواطنية. عليك لتكون مواطناً صالحاً أن تقتدي بشجاعة المواطنة الشريفة المستشارة السياسية والإعلامية الدكتورة شعبان عندما تحدثت عن تبديل أطفال الغوطة بأطفال الساحل.
المواطنة، كما أريد أن أفهمها، هي عنب دوما وقمح حوران وتفاح الجبل ونسيم الساحل وهواء الزبداني وخير الشهباء والفيحاء وعزة الدير والرقة وعبقرية كل ساكن بهذه الأمكنة أو تشرد منها. المواطنة هي نسف الولاء الزائف الذي جلب الويلات على الوطن والمواطنة؛ إنها الولاء للحق والخير والرحمة والانسانية؛ هي ألا تذبحني أو أذبحك باسم الدين؛ هي أن أراك تترك شعارك المجرم: "احكمك أو أقتلك". المواطنة هي ثقتك بي وبقدراتي وأهليتي كإنسان مثلي مثلك؛ إنها القانون الذي ينطبق عليّ وعليك بالدرجة والدقة ذاتها؛ هي أن نهجم معاً على الباطل دون خشية فلان أو واسطته أو بطشه أو ارتباطه بأعداء الوطن من أجل الاستقواء على مواطنيتك وسحقها. المواطنة هي أن يكون "ظفر" سوري أغلى من بوتين وأوباما ونتنياهو وخامنيئي مجتمعين.
المواطنة التي أفهم هي الانفتاح على العالم بعلم وانسانية وكبرياء؛ هي معرفة الحق والواجب والمسئوولية؛ إنها السوري الآخر قبل نفسي وقبل مصلحتي كي نعيد ما دمره أعداء سورية وأعداء المواطنة؛ إنها صبري عليك وصبرك عليّ كأبناء وطن واحد. المواطنة الآن خلاصي وخلاصك من القتلة؛ إنها ذلك العقد الإجتماعي السياسي الإنساني بين من وُلد على الأرض السورية أو لأبوين من أصل سوري هاجسهم بناء بلدهم من جانب؛ وسلطة تحكم بالعدل والقانون وحب الوطن وأهله وهاجسها خيرهم وكرامتهم وعزتهم وإنسانيتهم من جانب آخر. المواطنة التي أريد تمكنني من الإجابة عندما أُسأل عن هويتي أن أقول : // انا عربي آشوري كردي أرمني شركسي مسيحي مسلم.... سوري. كل هذا أنا..... أنا مواطن
تغّرد روح الأمريكي عندما ينطق عبارة: "I am American" /أنا أمريكي/ يقولها باعتزاز وفخار وكبرياء لأنه يحس بإنسانيته وحريته. يريد السوري أن يقول وبلغته العربية المقدسة: / أنا سوري/ دون أن يشعر أن الآخر يرثي لحاله أو يشفق عليه أو يحتقره. يريد أن يقول: "أنا السوري الذي قدّم للبشرية أبجديتها وزراعتها وأساس قانونها وتجارتها وعدالتها وإنسانيتها؛ أنا من قدّم لها العدد (صفر), وهناك من يريد أن يحكمني وينزع مواطنيتي ويحولني إلى صفر. أنا الذي أعطى من اسمه كلمة "sir" /السيد/ للإنكليزية ، فكيف يقبل هذا العالم الأشوه الأحول أن يستعبدني صغير!! وهل هناك تكليف رسمي من هذا العالم المجرم يبغي إلغائي وسحق مواطنيتي؟"
لقد اعتقد وشعر السوري باعتزاز بعبارة "أنا سوري آه يا نيالي" وإذ بذاك الذي يحكمه يوهمه بها فقط ويسعى إلى تدميرها، ولكن المواطن السوري مصمم أن يستعيدها؛ فهو سوري إبن سوري رغماً عن أنوفكم؛ وسيزيح المجرمين ليحقق مواطنيته، وقريباً.
20/11/2013
|