عرض مشاركة واحدة
  #92  
قديم 2013-11-24, 11:21 PM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 692
افتراضي

في ظلال القرآن الكريم

عودة للآيات

التوبة


من الاية 17 الى الاية 22


مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)


يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة , والله خبير بما تعملون).


لقد كان في المجتمع المسلم - كما هو الحال عادة - فئة تجيد المداورة , وتنفذ من الأسوار . وتتقن استخدام الأعذار . وتدور من خلف الجماعة , وتتصل بخصومها استجلابا للمصلحة ولو على حساب الجماعة , مرتكنة إلى ميوعة العلاقات ووجود ثغرات في المفاصلة بين المعسكرات . فإذا وضحت المفاصلة وأعلنت قطعت الطريق على تلك الفئة , وكشفت المداخل والمسارب للأنظار .


وإنه لمن مصلحة الجماعة , ومن مصلحة العقيدة , أن تهتك الأستار وتكشف الولائج , وتعرف المداخل , فيمتاز المكافحون المخلصون , ويكشف المداورون الملتوون , ويعرف الناس كلا الفريقين على حقيقته , وإن كان الله يعلمهم من قبل:


(والله خبير بما تعملون). .


ولكنه سبحانه يحاسب الناس على ما يتكشف من حقيقتهم بفعلهم وسلوكهم . وكذلك جرت سنته بالابتلاء لينكشف الخبيء وتتميز الصفوف , وتتمحص القلوب . ولا يكون ذلك كما يكون بالشدائد والتكاليف والمحن والابتلاءات .


الدرس الرابع:17 - 22 نزع يد المشركين عن البيت الحرام وبيان صفات من يعمرونه


(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ; أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر , وأقام الصلاة وآتى الزكاة , ولم يخش إلا الله , فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين . أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر , وجاهد في سبيل الله ? لا يستوون عند الله , والله لا يهدي القوم الظالمين . الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله , وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان , وجنات لهم فيها نعيم مقيم , خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم).


وبعد البراءة والإعلان لم يبق عذر ولا حجة لمن لا يقاتل المشركين ; ولم يعد هنالك تردد في حرمانهم زيارة البيت أو عمارته , وقد كانوا يقومون بهما في الجاهلية , وهنا ينكر السياق على المشركين أن يكون لهم الحق في أن يعمروا بيوت الله , فهو حق خالص للمؤمنين بالله , القائمين بفرائضه ; وما كانت عمارة البيت في الجاهلية وسقاية الحاج لتغير من هذه القاعدة . . وهذه الآيات كانت تواجه ما يحيك في نفوس بعض المسلمين الذين لم تتضح لهم قاعدة هذا الدين .


(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر). .


فهو أمر مستنكر منذ الابتداء , ليس له مبرر لأنه مخالف لطبائع الأشياء . إن بيوت الله خالصة لله , لا يذكر فيها إلا اسمه , ولا يدعى معه فيها أحد غيره , فكيف يعمرها من لا يعمر التوحيد قلوبهم , ومن يدعون مع الله شركاء , ومن يشهدون على أنفسهم بالكفر شهادة الواقع الذي لا يملكون إنكاره , ولا يسعهم إلا إقراره ? إقراره ?


(أولئك حبطت أعمالهم). .



فهي باطلة أصلا , ومنها عمارة بيت الله التي لا تقوم إلا على قاعدة من توحيد الله .


(وفي النار هم خالدون). .


بما قدموا من الكفر الواضح الصريح .


إن العبادة تعبير عن العقيدة ; فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة ; وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح , وبالعمل الواقع الصريح , وبالتجرد لله في العمل والعبادة على السواء:


(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله). .


والنص على خشية الله وحده دون سواه بعد شرطي الإيمان الباطن والعمل الظاهر , لا يجيء نافلة . فلا بد من التجرد لله ; ولابد من التخلص من كل ظل للشرك في الشعور أو السلوك ; وخشية أحد غير الله لون من الشرك الخفي ينبه إليه النص قصدا في هذا الموضع ليتمحض الاعتقاد والعمل كله لله . وعندئذ يستحق المؤمنون أن يعمروا مساجد الله , ويستحقون أن يرجوا الهداية من الله:


(فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين). .


فإنما يتوجه القلب وتعمل الجوارح , ثم يكافئ الله على التوجه والعمل بالهداية والوصول والنجاح .


هذه هي القاعدة في استحقاق عمارة بيوت الله ; وفي تقويم العبادات والشعائر على السواء يبينها الله للمسلمين والمشركين , فما يجوز أن يسوى الذين كانوا يعمرون الكعبة ويسقون الحجيج في الجاهلية , وعقيدتهم ليست خالصة لله , ولا نصيب لهم من عمل أو جهاد , لا يجوز أن يسوى هؤلاء - لمجرد عمارتهم للبيت وخدمتهم للحجيج - بالذين آمنوا إيمانا صحيحا وجاهدوا في سبيل الله وإعلاء كلمته:


(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ?). .


(لا يستوون عند الله).


وميزان الله هو الميزان وتقديره هو التقدير .


(والله لا يهدي القوم الظالمين).


المشركين الذين لا يدينون دين الحق , ولا يخلصون عقيدتهم من الشرك , ولو كانوا يعمرون البيت ويسقون الحجيج .


وينتهي هذا المعنى بتقرير فضل المؤمنين المهاجرين المجاهدين , وما ينتظرهم من رحمة ورضوان , ومن نعيم مقيم وأجر عظيم:


(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله , وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم , خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم). .


وأفعل التفضيل هنا في قوله: (أعظم درجة عند الله)ليس على وجهه , فهو لا يعني أن للآخرين درجة أقل , إنما هو التفضيل المطلق . فالآخرون (حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون)فلا مفاضلة بينهم وبين المؤمنين المهاجرين المجاهدين في درجة ولا في نعيم .
رد مع اقتباس