عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2015-06-09, 10:57 AM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي كتاب صور من تأذي النبي في القرآن/د.عثمان قدري مكانسي

كتاب صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم
(من المنافقين والكفار وأهل الكتاب وضعاف الإيمان من المسلمين)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

سورة آل عمران (1) / [الآيات 23 - 25]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}.

قال ابن عباس: نزلت الآية الأولى بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتاً فيه جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، وهكذا يفعل الدعاة في كل مكان ينزلونه لأنهم هداة إلى الله يدفعون الناس إلى طاعته في الدنيا، وجنته في الآخرة،
فقال له أحدهم: على أي دين أنت يا محمد؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّي على ملة إبراهيم "
فقال اليهودي مجادلاً: إن إبراهيم كان يهودياً..
ونسي أو تناسى أن دين اليهود على ملة موسى وشرع موسى، وبينه وبين إبراهيم عليهما السلام مئات القرون؟! إن هذا افتئات وادعاءٌ لا لبس فيه، علمه رسول الله فرمى الكرة في هدفهم إذ قال عليه الصلاة والسلام: " فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم
لكنهم لجهالتهم وسوء طويتهم- وأقصد الجالسين جميعاً- أبَوا أن يعودوا إلى التوراة.. ألا ترون الأمر عجيباً أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يدْعُهم إلى القرآن ابتداءً، فهم كافرون به لا يحتكمون إليه، فاختصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الموقف ودعاهم إلى توراتهم، ففيها أن إبراهيم لم يكن يهودياً، وأنهم يرون في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد جادلوا حُبَّاً في الجدال، وأنكروا رغبة في الإِنكار، لم يكن البحث عن الحقيقة رائدَهم ولا التماسُ الحق هدفَهم، فهم يعرفون الحق ولا يريدونه.

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ.. }
سؤال التعجيب والتشهير من الموقف المتناقض الغريب، موقفِ الذين أُوتوا الكتاب الذي أُنْزِلَ على موسى، وهو نصيب من الكتاب، باعتبار كتاب الله هو كلَّ ما أنزَلَ على رُسُله، وقرَّر فيه وحدة ألوهيته وربوبيته، فهو كتابٌ واحد في حقيقته، أُوتِيَ اليهود نصيباً منه والنصارى نصيباً منه، وأوتي المسلمون الكتاب كله باعتبار القرآن جامعاً لأصول دين الله الواحد.
تعجبٌ من الذين لا يحتكمون إلى شريعتهم ويدّعون أنهم ينتمون إليها!! يُعرضون عنها بأفعالهم على الرغم من تخرصاتهم بأنهم يؤمنون بها.
وهنا لا بد لنا أن نتعجب أكثر من الذين يدَّعون الإسلام ثم يُخْرِجونَ شريعة الله من حياتهم ويَظلون يزعمون أنهم مسلمون.
فهذا المثل الذي ضربه الله في اليهود وتعجب منهم ووبخهم فيه، ينطبق تمام الانطباق على مسلمي القول، كافري الفعل، فالنورُ بل الضياء في كتابهم، وقرآنهم مَلَكَ القلوب وملأ الآفاق، فالعجبُ منهم أشدُّ من العجب من اليهود.

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ }.
ويزداد العجب من يهود، أنهم يُصرُّون على عدم الاحتكام إلى شريعة موسى، وأن الله حين يعذبهم يكتفي أن يدخلهم النارَ أياماً معدودات ثم يعفو عنهم ويدخلهم جنته ونتساءل هنا:
1 - هل أخذوا عهداً من الله أن لا يعذبهم إلَّا أياماً قليلة أم إنه افتراء !!؟
2- وهل يصبر هؤلاء على عذاب هذه المدة، بل على ساعةٍ من عذابٍ بلهَ على لحظةٍ من عذاب النار؟! بلهَ على الاقتراب منها وهي تغلي وتفور، وتأكل مَن فيها وتقول: هل من مزيد؟ بل على النظر إليها دون أن يذوبوا كمداً وحسرةً ويحترقوا بشواظها قبل الوصول إليها؟!! كفرعجيب.
3- ولماذا لا يحتكمون إلى الله إن كانوا موقنين بعدله حقاً؟!!
4 - ولماذا ينحرفون أصلاً عن حقيقة الدين؟ وما يفعل ذلك إلا الذين ملكَتْهم شهواتُهم وأضاعوا عقلهم وعاشوا كالأنعام، بل كانوا أضل سبيلاً..
إنهم ما يقولون هذا إلا افتراءً وضلالاً، فهم غير جادين في إيمانهم، يدَّعونه.
والقولُ نفسه نقوله للمسلمين الذين يدَّعون الإسلام ويزعمون أنهم مسلمون.

{ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
قاعدة عظيمة يسوقها القرآن الكريم: لا يجتمع في قلب واحد[ الخوفُ من الآخرة والحياءُ من الله] ، و [ الإعراضُ عن شرع الله والتبجحُ والوقاحة]،

{ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }
وأعتقد أن هذا التهديد وإن كان يُقصد به هؤلاء المفترون الجاحدون إلا أنه تقريرٌ لحالهم وبيانٌ لنهايتهم، فهو سواء هُددوا أم لم يُهدّدوا لن يؤثر في مجرى حياتهم، فقد طُبِع على قلوبهم فهم لا يعقلون ولا يشعرون. وهو تهديد وتنبيه للعاقلين أن لا يزلوا في مستنقع تحكيم الشهوات وإيثار الهوى.

يتبع

آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-08-15 الساعة 11:07 AM
رد مع اقتباس