تعقيب على آية الجلباب:
من كتاب "مصطلحات قرآنية حول لباس المرأة المسلمة" / الشيخ الحبيب بن طاهر
صورة إدناء الجلباب
اختلفت النقول في صورة إدناء الجلباب, وقد ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وقسمها إلى قسمين, فقال بعضهم:هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين إلا عينا واحدة,وهو مروي عن ابن عباس
, وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن.
ولم يلتزم جمهور المفسرين ما أورده الطبري, وإنما اقتصروا على ذكر الرأي الأول. والملاحظ ما يلي:
أ ـ أن الإمام الطبري لم يرجح أحد التأويلين على الآخر, كما فعل في آية الخمار من سورة النور.
ب ـ أن غيره من المفسرين بسكوتهم عن وجهة النظر الثانية يكونون قد رجحوا وجهة النظر الأولى عليها. لكنهم توقفوا عند ذلك الحد, ولم يبينوا كيف الخروج من التعارض الذي وقعوا فيه, بين ما ذهبوا إليه في هذه الآية من كون الوجه مطلوب ستره فلا تظهر منه إلا عين واحدة, وبين ما قرروه في آية النور من كون الوجه ليس يطلب ستره شرعا, وأنه من الزينة الظاهرة المستثناة.
وعلى ضعف هذا التفسير, فإنّه يمكن حمله على أنه خاصا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاّتي نهين عن إظهار شخوصهن إلا لضرورة, فيكون لازم عليهن تغطية وجوههن ووضع الجلباب بهذه الطريقة إذا خرجن لضرورة من الضرورات. وإنما حين نقل الناقلون والمفسرون هذه الطريقة عمموها على جميع النساء دون تحقيق.وعليه فتكون الآية مفسرة بوجهين: وجه يخص نساء النبي صلى الله عليه وسلم, ووجه يخص جميع المؤمنات سواهن.
وقد ردّ الإمام الألوسي هذا التفسير فقال:«وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر ـ أي تغطية الوجه بالجلباب ـ فلعلّها محمولة على طلب تستّر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهنّ, فتأمّل» .
فالألوسي يقر بوجوب التزام الجلباب, لكنه يرى أن طريقة وضعه يجب أن تقتصر فقط على ما يتحقق معها علة تشريعه, لا أكثر, وهي تمييز الحرائر عن الإماء, كما ذكر في الآية, دون أن يطالب المرأة بتغطية وجهها, لما تقرر عنده في سورة النور أنّ وجه المرأة ليس بعورة.
وكذلك فعل الإمام ابن عاشور, حين اعتبر هيئة لبس الجلباب متروك إلى ما يعتاده الناس في أقوامهم, وليس في الآية ما يشير إلى شكل معيّن في وضعه, قال:« وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء, تبينها العادات. والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى"ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". والإدناء التقريب وهو كناية عن اللبس والوضع, أي يضعن عليهن جلابيبهن»
وهذا الكلام الصادر عن هذين الفقيهين يدلّ على أنّهما كانا يكتبان بفهم دقيق, ماسكين بأطراف الآيات المتعلّقة بالموضوع الذي يتحدّثان فيه, وهما بذلك يربآن بكلام الله تعالى أن يتحوّل بتفسيريهما يضرب بعضه بعضا, ويتناقض ولا يتوافق.
__________________
الشريعة الإسلامية في تقريرها لمعالم لباس المرأة وزينتها
إنما تبتغي تكريم المرأة المسلمة وصيانتها
|