عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2015-12-09, 09:10 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي لمحات من تاريخ الدولة العثمانية/عن كتاب للدكتور عثمان قدري مكانسي

لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

الخلافة العثمانية :

اختلف عهد الخلافة العثمانية عن عهد السلطنة ، إذ بدأ الاهتمام بالأمة المسلمة والعمل على توحيدها ، ثم الوقوف أمام الصليبيين صفاً واحداً . وقد عمل الخلفاء على هذا حتى ضعف أمرهم وأصبح تفكيرهم ينحصر في المحافظة على ما تحت أيديهم ، فلما زاد الضعف بدأ النصارى يقتطعون من الدولة الجزء بعد الآخر حتى أتوا عليها ، وتشتت أمر المسلمين وانقسموا فرقاً وأحزاباً وشيعاً وعصبية. لذا فقد توالى على الخلافة العثمانية ثلاثة عصور :

أولها : عصر القوة :

وحكمها فيه خليفتان فقط هما (سليم الأول ، وابنه سليمان الأول)

سليم الأول : حين تنازل ( بيازيد ) لابنه( سليم ) عن الحكم بدعم من الانكشارية أرضاهم ، ثم تخلص من إخوته وأبنائهم الذين ينازعونه في السلطة فقتلهم ، وقد عرف عنه أنه كان شخصية عسكرية قوية ، جعل من دولته أقوى الدول آنذاك ورأى أنه لايمكن مواجهة أوروبا النصرانية إلا بالمسلمين كافة ، فقد كان البرتغاليون يعملون على احتلال المدينة المنورة وأخذ رفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليتخلى المسلمون عن القدس للنصارى وقد عجز المماليك عن مقاومتهم ، بل إن الصفويين شكلوا حلفاً مع البرتغاليين ضد العثمانيين وجعلوا عاصمتهم ( تبريز ) ليتوسعوا في دولتهم ومذهبهم ، ودعموا الأمير ( أحمد ) ضد والده ( بيازيد ) ثم ضد أخيه ( سليم الأول ) وتعاونوا مع المماليك ضد العثمانيين . فلم يكن أمام السلطان ( سليم ) بدٌّ من تأديبهم ، فاحتل عاصمتهم وأحصى الشيعة في ( ديار بكر ) وقتلهم ، وسار إلى بلاد الشام بدعوة من أهلها لتخليصهم من المماليك الظالمين الضعفاء أمام البرتغاليين .

وفي معركة ( مرج دابق ) في الشمال الغربي من ( حلب ) قتل السلطان المملوكي في تلك البلاد ( قانصوة الغوري ) ، وانتهت دولة المماليك سنة / 922 هـ / في بلاد الشام وفي السنة التالية دخل السلطان ( سليم الأول ) القاهرة وتخلَّى الخليفة العباسي الاسمي له عن الخلافة فكان أول خليفة للمسلمين من غير العرب ، ولما عاد إلى (استانبول) بدأ يستعد لحرب الصفويين ، غير أنه توفي سنة /926 هـ/ بعد حكم دام تسع سنوات وطَّد فيها أركان الدولة .

سليمان القانوني ( الأول ) : وقد بلغت الدولة في عهده أوج قوتها واتساعها :

1 ـ فقد قضى على ( جانبرد الغزالي ) حاكم الشام الذي تمرد عليه .

2 ـ واحتلَّ عاصمة المجر ( بلغراد ) ، وفتح جزيرة (رودوس) ســـنة /929هـ/

وضمَّ إليه ( شبه جزيرة القرم ) سنة / 939 هـ / ، واستولى على عاصمة الأفلاق( شمال بلغاريا ) فدفعت له الجزية ، وحالف ملك فرنسا في قتال المجر ، وفتح بعض المواقع في جزيرة ( مورة ) اليونانية .

3 ـ دخل ( تبريز ) ثانية سنة / 941 هـ / ، ومنها إلى (بغداد) ففتحها .

4 ـ أما في الشمال الأفريقي فإن ( عروج ) وأخاه ( خير الدين بربروس ) اللذين أســـلما حررا الجزائر من جيوش ( شارلكان ) ملك فرنسا ، وقُتـــل ( عروج ) في إحـــــــدى المعارك مع الإسبان ، وحرر أخوه ( خير الدين بربروس ) شواطئ ليبيـا مـن الإسبان ، والتقى بأسطول شارلكان سنة / 944 هـ / وانتصر عليه ، وغــزا جزيرة ( كــريت ) اليونانية وبعض موانئ جنوب إيطاليا ، وتوفي سنة / 953 هـ / .

ه ـ وفي جزيرة العرب جهز ( سليمان باشا ) والي مصر أسطولاً بحرياً فتح به (عـــدن ومسقط ) وحاصر جزيرة ( هرمز ) سنة/944 هـ/، وحارب البرتغاليين في الهند وفتح ( كوجارت ) ثم خسر أمامهم في معركة ( ديو ) البحرية ، وعاد إلى مصر .

6 ـ وفي أذربيجان لجأ أخو إسماعيل الصفوي إلى الخليفة يشكو ظلم أخيه الشاه ، وطلب مساعدته ، فسار الخليفة إلى ( تبريز ) ودخلها للمرة الثالثة سنة / 954 هـ / .

7 ـ وعاد جنود الخلافة إلى ( ترانسلفانيا ) في المجر سنة /957 هـ/ وانتصروا علـــى النمساويين سنة / 958 هـ / ، وجددوا المعاهدة مع الفرنسيين سنة / 959 هـ / وحاصر العثمانيون جزيرة ( مالطة ) سنة / 971 هـ / ولم يتمكنوا من فتحها ، وعاد الخليفة بنفسه إلى المجر سنة / 973 هـ / نتيجة خلاف بين ملكها التابع للعثمانيين وبين ملك النمسا ثم توفي الخليفة المجاهد على صهوة فرسه أثناء حصاره قلعة ( سكتوار) في المجر(1) .

ثانيها :عصر الضعف :

لم يطل عصر القوة في الخلافة العثمانية ، إذ لم يزد عن نصف القرن كثيراً ، ولم يشمل سوى الخليفتين سليم الأول الذي حكم تسع سنوات ، وابنه سليمان الذي حكم ثمانية وأربعين عاماً ، وجاء عصر الضعف بعدهما مباشرة ، وبدأ الخط البياني للدولة يهبط باستمرار ، وإن كان يتوقف عن الهبوط أحياناً ، ويسير مستوياً في بعض الأحيان، وذلك لقوة بعض الخلفاء النسبية ، أو لهمة بعض حاشيتهم وخاصة الصدر الأعظم .

وقد كان لهذا الضعف عوامل عدة ، نلمسها فيما يلي :

1ـ سيطرة العقلية العسكرية :

وكانت تنزع إلى حلِّ الأمور بالسيف دون العـــودة إلى العقــــل ومناقشة الأمور ، فقد ربَّى الخلفاء عسكرهم تربية الجندية التي ترى القوة فقط سبيلاً إلى تجاوز العقبات وحلِّ الأمور ، صغيرها وكبيرها، فحين يكون الإسلام والتربية الخلقيـــة يُحَدُّ من طغيانها وجبروتها ، أما إن كان غائباً فالحياة إذن أقـــرب ما تكـــون إلى حيـــاة الجزار ، هذا ما رأيناه واضحاً للعيان في قتل الأخ إخوته وأقرباءه وحتى أبناءه ليصفو له جو الحكم ، فلا ينازعه أحد سلطانه . وغالبية الأبناء من أمهات مختلفات في الجنس والدين ومشارب مختلفة لا يجمع بينهم جامع قوي وأعمارهم متقاربة ، ولذلك كان كل واحد منهم يعمل على ما يوصله إلى السلطة ولو بقي وحده دون إخوته على قيد الحياة ، مما يكثر المنازعات فتضعف الخلافة .

لقد كان الإنكشاريون { وهم طائفة عسكرية يشكلون تنظيماً خاصاً ، لهم ثكناتهم وشاراتهم ، وقد كانوا أعز فرق الجيش نفر اً وأقواها جنداً وأكثرها نفوذ اً ، تقلدوا أخطر المناصب العسكرية والمدنية ، استفادت الدولة منهم في عصرها الذهبي ، وأضيرت منهم في = العصور التالية ، جمعهم العثمانيون من أسرى الحرب وضريبة الغلمان من النصارى . الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج/1 ، ص /476 وما بعدها ) في بداية أمرهم قوة ضخمة ، ولديهم روح معنوية عالية نتيجة التربية الإسلامية ، فأحرز العثمانيون بهم انتصارات عظيمة ، وأسدوا إليها خدمات جلَّى ، فلما أعطتهم الإقطاعات والامتيازات وكثرت بأيديهم الأموال أخلدوا إلى الأرض ومالوا عن القتال ، ثم تدخلوا في شؤون الدولة ودعموا أحد أبناء السلاطين ضدَّ الآخر ، فلما أوصلوه إلى الحكم بذل لهم يرضيهم فازداد غرورهم وكثر صلفهم ، وتحكموا في مصير الدولة ، فكان هذا عاملاً من عوامل ضعفها .

2 ــ الاتفاقيات مع الدول الأجنبية :

حين اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح تحولت التجارة إلى آسيا وأفريقيا الشرقية عن ذلك الطريق ، ففقد تجار البلاد العربية الأرباح التي كانت في متناول أيديهم وفقدت الموانئ قيمتها ، وارتفعت أسعار الحاجيات، وانعكس هذا كله على الدولة ، فشجع (سليمان القانوني) التجار الأوروبيين ، وعقد معهم

اتفاقيات فيها كثير من التنازلات ، كان يظن أنها مؤقتة يمكن إلغاؤها متى أراد خلفاؤه ، لكن ضعف من جاء بعده جعل هذه الاتفاقيات غِلاً ، إذ إنها جعلت للأوروبيين دولة داخل الدولة العثمانية ، وكان ولاء النصارى لها لأنها تحميهم من المساءلة مهما فعلوا . ومن بين بنود هذه الاتفاقيات : أن الدعاوى يبتُّ فيها القنصل العام والباب العالي فقط ، وأنه إذا خرج الفرنسي ــ مثلاً ــ وعليه دين فلا يُسأل عنه ولا تُطالَب بلاده بذلك .

ومن هذا الباب بدأت الدول الأجنبية تتدخل في شؤون الدولة العثمانية وتحرِّض على التمرد وتؤسس الجمعيات المناهضة .

3 ــ الترف :

نتيجة للفتوحات الكثيرة حصلت الدولة العثمانية على الغنائم الوافرة ، وأفسح المجال أمام الخلفاء وكبار المسؤولين في الدولة أن ينصرفوا إلى اللهو ، وكان الخليفة قبل ( سليمان القانوني ) يقود الجيوش بنفسه ، فترك ذلك لكبار الضباط ، وجعل المسؤول عن الدولة مجلساً يحكمه الصدر الأعظم ، وأخلد السلاطين بعد ذلك إلى الراحة والتلذذ بمباهج الحياة . وبذلك أصبح الحكم بيد غير أولي الأمر، يتلاعبون به حسب أهوائهم .

4 ــ الزواج من الأجنبيات :

يصح الزواج من الأجنبيات غير المسلمات إذا اقتضت المصلحة السياسية ذلك ، أو كانت المسلمات قليلات ، لكن الخلفاء درجوا على الزواج من الكتابيات لجمالهن ، وكثيرات منهن بقين على دينهن ، فنشأ أولادهن على حب النصارى ، أو -على الأقل - على عدم الرغبة في معاداتهم.

ولما كانت النساء يوالين أبناء ملتهن ، فقد سعين إلى تشجيع أزواجهن ــ الخلفاء ــ أو أبنائهن على التجاوز عن خيانة النصارى ، وكثيراً ما كن يتآمرن لإيصال أبنائهن إلى سدة الحكم لمصلحة أهليهن، وقد رأينا ما فعلت زوجة سليمان القانوني ( روكسلان ) بابن زوجها حيث قتلته لتفسح المجال أمام ابنها ( سليم الثاني ) ليكون خليفة للمسلمين ، كما أن أم السلطان محمد الفاتح بقيت على عقيدتها .

5 ــ اتساع رقعة الدولة :

بلغت مساحة الدولة العثمانية /ستة عشر مليون كيلو متر مربع / ممتدة في القارات الثلاث من المغرب على المحيط الأطلسي غرباً ، إلى غرب إيران شرقاً ، ومن البحر الأسود شمالاً إلى السودان واليمن جنوباً ، كما امتدت إلى شرق أوروبا. وهذا الاتساع يحتاج خليفة قوياً يختاره مجلس الشورى ، لاخليفة ضعيفاً ، بل إن هؤلاء الخلفاء تركوا لغيرهم من الوزراء والولاة أمر الحكم ، وتراخت قبضتهم عن أملاكهم، فضعفت الدولة ، كما كان لاتساع الرقعة وصعوبة المواصلات دور في تشجيع الطامعين وأصحاب المصالح على إثارة الشغب والفوضى والعبث بالأمن واقتطاع أجزاء من جسم هذه الدولة المترامية الأطراف .

6 ــ فقد الأمل والتخطيط للمستقبل :

فمنذ أن قامت الدولة العثمانية كان لها منافسوها من الإمارات الأخرى في الأناضول وآسيا الوسطى ، وكل إمارة تحاول القضاء على غيرها ، حتى استطاع السلطان سليم الأول القضاء على آخرها ، فلم يعد هناك مجال للمنافسة ، كما أن فتح القسطنطينية ألغى الهدف الديني من التوسع ، حيث قضي على البيزنطيين فيها سنة /857 هـ/، كما انتهى أمر التفكير في إضعاف الدويلات الصغيرة المجاورة بعد إضعاف الصفويين والقضاء على المماليك ، وتم إجلاء البرتغاليين عن كثير من أماكنهم ، كل ذلك جعل العثمانيين يشعرون أنهم في أمان لايعكر صفوهم أحد ، ففترت هممهم وقصروا في تأمين حدودهم، فبدأ الضعف يسري إلى جسم الدولة .

7 ــ التعصب الصليبي :

على الرغم من أن الدول الأوروبية لها مصالح تتضارب مع بعضها ، وعلى الرغم من وجود خلافات وحروب بينها ، إلا أنها تلتقي معاً في حربها للإسلام والمسلمين ، { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .... (120)}(البقرة) ، وقد حاول السلاطين التقرب إلى بعض هذه الدول لتكون حليفة لهم ضد الدول الأخرى ، وعقدوا معهم اتفاقيات إلا أن البابا الصليبي والمتعصبين كانوا يؤججون نار الصليبية الحاقدة ، فلم يستفد العثمانيون من الامتيازات التي قدموها للنصارى وإن أظهر هؤلاء أحياناً موافقتهم للعثمانيين ، كما أن إذكاء روح الصليبية الحاقدة أثارت النصارى الذين يعيشون على أرض الإسلام ، فكانوا يقومون بالحركات والثورات ضد الخلافة ، تدعمهم الدول النصرانية مما يؤدي إلى إنهاك الدولة العثمانية( التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص /120 /).

8 ــ عدم مسايرة ركب العلم :

انصرف العثمانيون في هذا العصر عن العلم ، واهتموا بالتدريب العسكري وتعبئة الجيوش وبناء الأساطيل ، ولعل حياتهم البدوية كانت سبباً في ذلك ، وكان حظهم من الثقافة أقل من حظ أوروبة التي سارت سيراً حثيثاً في مجال العلوم والحضارة ، فصار البون بين العثمانيين والأوروبيين شاسعاً ، وبرزت قكرة تقليد أوروبا والسير على خطاها ، وكفى بهذا انهزاماً نفسياً يتبعه الانهزام المادي ، وهذا هو الضعف بعينه ، وعقدة الصغار ، وأنى لنفوس ضعيفة أن يتم لها النصر ؟!

9 ــ وفوق كل هذا : مخالفة منهج الله :

فحين قامت الدولة العثمانية كان شعارها نصرة الإسلام ، ونشره في أرض الله ، واتسعت الدولة وكانت محط أنظار المسلمين ، وحين فترت حرارة التربية الإسلامية وضعف أثرها في نفوس الناس ، انحرفت عن منهج الله ، فظهر السلب والنهب في المدن الإسلامية نفسها والمدن المفتوحة ، وعمت الفوضى وتعاطي المنكرات وشرب الخمر وتجبُّر الجنود الانكشاريين .
أما السلاطين فقد تركوا أمور الدولة وسلموها لمن لاهمَّ له سوى جمع المال وفرض الهيمنة وأُعْطِيَ المتمردون والمشاغبون من الجند إقطاعات وامتيازات خوفاً منهم ، فزاد الانحراف وعمَّ الاضطراب فوصل هؤلاء إلى أن قتلوا عديداً من السلاطين ووزرائهم ، وخلعوا العديد منهم ، وفرضوا ما يريدون عليهم .

مرحلة الضعف هذه تولى الحكم فيها خمسة عشر خليفة ، واستمرت زهاء قرنين من الزمان ، بدأت سنة / 974 هـ / وانتهت سنة/1171 هـ/.

يتبع
رد مع اقتباس