خواتيم سورة الجاثية ومفتتح سورة الأحقاف
قال سبحانه في خاتمة سورة الجاثية :
{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} .
وقال في أول سورة الأحقاف :
{ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4)} .
والمناسبة بين النصين ظاهرة في أكثر من موضع :
1 ـ فإن قوله سبحانه في أواخر سورة الجاثية :
{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } ، يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ } .
2 ـ وقوله تعالى في أواخر سورة الجاثية :
{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } ،
يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف :
{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} ،
وآيات الله إنما هي من الكتاب .
3 ـ قوله عزّ وجل في أواخر سورة الجاثية :
{ لَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)}
يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف :
{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } .
4 ـ قوله تقدست أسماؤه في خاتمة سورة الجاثية :
{ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ،
يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف :
{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } .
5 ـ ذكر جلّ شأنه اسميه الكريمين في سورتي الجاثية والأحقاف فقد ختم سورة الجاثية بقوله : {... وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ، وقال في أول سورة الأحقاف : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .
جاء في البحر المحيط (1) :
مناسبة أول سورة الأحقاف لآخر سورة الجاثية :
{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } ،
وقلتم إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها فقال تعالى :
{ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .
وهاتان الصفتان هما آخر سورة الجاثية وأول سورة الأحقاف ،
{ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى }
اي موعد لفساد هذه البنية .
وجاء في روح المعاني (2) :
وجه اتصالها أنه تعالى لما ختم سورة الجاثية بذكر التوحيد وذم أهل الشرك والوعيد افتتح سورة الأحقاف بالتوحيد ثم بالتوبيخ لأهل الكفر من العبيد.
(1) البحر المحيط 8/54
(2) روح المعاني 4/26