عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2020-09-07, 12:56 PM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة كلمات في القرآن الكريم (1)

الدكتور عثمان قدري مكانسي



كثيراً ما أقف معجباً ومتذوقاً – والتذوق نتيجة الإعجاب – كلمات في القرآن الكريم ، لها وقع معنوي ولفظي يأسر الألباب ويتملك العقول . إن شئت قلتَ : هي عطر يتعشق الحواس ، أو قلت : روض يأخذ بالأبصار ، أو قلتَ: موسيقا تحرك العواطف ، أو قلت : هي هذه وتلكُما وأولئك . وحق لها أن تشمل كل ما ذكرت ، فهي كلمات المليك العليم العلاّم سبحانه

ونقف في هذه السويعة في حضرة كلمات قوية الجرس سريعة الحركة :

{ اثَّاقَلْتُمْ } :
في قوله تعالى في سورة التوبة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)}
وأصلها " تثاقل " على وزن " تفاعل " , أُدْغِمَتْ التاء فِي الثاء لِقربِهَا مِنهَا , وَاحتَاجَتْ إِلَى أَلف الْوَصْل لِتَصِل إِلَى النّطق بالسّاكِنِ .

إن الوزن " تفاعل " في الفعل " تثاقل " يفيد المشاركة والتتابع وتوسّط الحركة ، أما " اثاقل" فيفيد سرعة الهبوط إلى الأرض الدالة َعلى شدّة الخوف من الموت والرغبة في الركون إلى الدنيا، وكأن جاذبية الآرض تشدهم أن يلتصقوا بها ، وكأننا نسمع صوت ارتطام الأَعجاز بالأرض . إنه تعبير تصويري جليّ للنفوس الهالعة الخائفة من القتال ، المتمسكة بحطام الدنيا !! فكانت صورة الفعل هكذا أقوى في تصوير التصاقهم بالحياة الفانية من الفعل " تثاقل "

وَكَانَتْ تَبُوك - وَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاس إِلَيهَا لحرب الروم - فِي حَرَارَة الْقَيْظ وَطِيب الثمَار وَبَرْد الظلال ، فَاسْتَوْلَى عَلَى النَّاس الْكَسَل ،فَتقَاعَدُوا وَتَثاقَلوا ، فَوَبَّخَهُم اللَّه بِقَوله هذا ، وَعَابَ عَلَيهِمْ الإيثار لِلدّنْيَا عَلَى الآخِرَة . مع أنه لاتُنال راحة اللآخرة إلا بنصَب الدنيا ، وما عِظَم الآخرة على الدنيا إلا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " مَا الدُّنيا فِي الآخِرَة إِلآ كَمَا يَجْعَل أَحَدكُمْ أُصْبُعه هَذِهِ فِي الْيَمّ فَلِيَنْظُر بِمَا تَرْجِع ؟ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ " .

وعَن أَبِي عثْمَان قَالَ : قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَة سَمِعْت مِنْ إِخوَانِي بِالْبَصْرَةِ أنك تَقُول : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقول إِنَّ اللَّه يَجْزي بِالْحَسَنَةِ أَلفَ أَلف ِحَسَنَة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : بَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقول :
" إِنَّ اللَّه يَجْزِي بِالْحَسَنَة أَلْفَيْ أَلْف ِحَسَنَة " ثُمَّ تلا هَذِهِ الآية :
{ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } فَالدنيا مَا مَضَى مِنهَا وَمَا بَقِيَ مِنْهَا عِند اللَّه قَلِيل . وَقَالَ الثوريّ عَنْ الأعمش فِي الآية : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } هي كَزَادِ الرَّاكِب .

وَقَالَ عَبْد العَزِيز بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حَضَرَتْ عبدَ الْعَزِيز بْن مروَان الْوَفَاة قَالَ : ائتوني بِكَفنِي الَّذِي أُكفن فِيهِ أَنْظر إِلَيْهِ ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْن يَدَيهِ نَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَمَا لِي مِنْ كَبِير مَا أُخَلِّف مِنْ الدُّنْيَا إلا هذا ؟ ثم ولّى ظَهْره فَبَكَى وهو يَقول أُفّ لَك مِنْ دَار إِنْ كَانَ كَثِيرك لَقَلِيل ، وَإِنْ كَانَ طويلُك لَقَصِير وَإِنْ كنا منكِ لفي غرور .

رد مع اقتباس