
2020-09-11, 08:44 AM
|
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
|
|
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
|
|
رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة كلمات في القرآن الكريم (10)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
{ يَسْأَلُونَكَ } / القسم الأول :
وصف أمير المؤمنين عمرُ بن الخطاب عبد َالله بن عباسٍ رضي الله عنهم جميعاً بكلمة ذهبت في الأجيال مثلاً ، قال : " إنه فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول " . ولم يبلغ ابن عباس مرتبة الصدارة في العلم لولا السؤال .
والسؤال له بالإضافة إلى الاستعلام والاستفهام فوائد كثيرة نذكر بعضها – من القرآن الكريم - على سبيل المثال لا الحصر
أ- التأكد من المعلومة :
فهذا يوسف عليه السلام حين أرسل إليه الملك ساقيه ليخرج من السجن وقد عفا الملك عنه ، رغب يوسف عليه السلام أن يخرج بريئاً من التهمة الشنيعة ، ليكون قدوة في الطهر والشرف ، أما العفو فللمذنبين ، ويوسف بريء مما اتهموه به ، فرد المراسل قائلاً له كما في سورة يوسف :
{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}.
حيث قبل أن تظهر براءته : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ }
وبعد البراءه ارتفعت مكانته وعظُم في عين الملك كما ورد في نفس السورة :
{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)} .
ب- طرح الشك :
لقد أذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الأنبياء قبله حين التقاهم في مسجد بيت المقدس وصلى بهم قبل أن يصعد للسماء ليطمئن قلبه – إن خالجه شك ، وحاشاه أن يشك ، فهو صاحب الدعوة – ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم المؤمنين وأكثرهم يقيناً بالله ، ولكن السؤال مشروع لكل من يشك في أمر ما قال تعالى في سورة يونس :
{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}
وفي تفسير قوله تعالى في سورة الزخرف :
{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} ؟ .
يقول القرطبي رحمه الله تعالى فيما يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسجِد الأقصى - وَهُوَ مَسْجِد بَيْت الْمَقْدِس - بَعَثَ اللَّه لَهُ آدَم والمرسلين جميعاً , وَجِبْرِيل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ;فأذّن جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقَامَ الصلاة , ثُمَّ قَالَ :
يَا مُحَمَّد تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ ;
فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ لَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
[ سَلْ يَا مُحَمَّد مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ ] . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ لا أَسْأَل قَدْ اِكْتَفَيْت ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانُوا سَبْعِينَ نَبِيًّا مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السلام ; فَلَمْ يَسْأَلهُمْ لأنه كَانَ أَعْلَم بِاَللَّهِ مِنْهُمْ .
ت- تقوية الموقف بالدليل :
كان يعقوب عليه السلام – لِما رأى من أبنائه الكذب – لا يصدقهم ، فلما حصل مع أخيهم بنيامين ما حصل من سرقة ، وهم لا يدرون أن أخاهم يوسف (عليه السلام) خطط للاحتفاظ بأخيه اعتذروا لعودتهم دون أخيهم – وقد وعدوا أباهم أن يعودوا به إلا أن يُحاط بهم ، فطلبوا إلى أبيهم أن يسأل المسافرين معهم الذين حضروا الواقعة ، قال سبحانه في سورة يوسف :
{ ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)} .
ث- التحدّي :
فهذا سيدنا إبراهيم يكسر الأصنام الصغيرة حين خرج قومه إلى احتفال كبير مبتعدين عن المعبد الوثني ، وترك كبير الأصنام فلم يكسره ، إنما علق عليه آلة الكسر ، ليبين لقومه سفاهة معتقدهم . فلما عادوا ، ورأوا أصنامهم مكسورة محطمة علموا أن الفتى إبراهيم هو وحده الذي يجرؤ على فعل ذلك . فلما سألوه أنكر ما فعل وأشار إلى كبير الآلهة المزعومة يتهمه على سبيل التحدى ، قال عز وجل في سورة الأنبياء :
{ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} .
ولن تنطق الأصنام ، ولو كانت تنطق ابتداءً لدافعت عن نفسها ! والقصة معروفة فقد تحرك باعث الخير في أنفسهم ثم نكسوا على رؤوسهم . فقد عشعش إبليس في عقولهم وأفئدتهم ، وسكن الضلال في صدورهم ، وثبت الفساد في كيانهم ... عرفوا الحق ، ورضوا بالانتكاس فحاولوا إحراقه لكن الله تعالى نجّاه . وحين تطاول الكفار على الداعية الأول صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا جنة ولا نار ، ولا حياة بعد الموت ، ولئن كانت حياة فنحن في الجنة لا النار !! جاء التحدي والتسفيه لأقوالهم في سورة القلم :
{ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ (40)}؟!
وليس هناك من ضامن ولا كفيل ، إن هم إلا يخرصون .
ج- التقريع والتوبيخ :
يريد بنو إسرائيل من النبي صلى الله عليه وسلم معجزات تدل على نبوّته وحركوا كفار مكة أن يطلبوا ذلك ، فجاء القرآن يوبخهم لأنهم أساءوا إلى نبيهم موسى عليه السلام وقد جاءهم بكثير من الآيات ، وما طلبهم هذا إلا التمادي في الكفر والضلال ، قال جل ثناؤه في سورة البقرة :
{ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)} .
لقد شاهد بنو إسرائيل مَعَ مُوسَى آيات بينات واضحات وحججاً قَاطِعَة بِصِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ من آيات كعَصَاهُ التي انقلبت حية ، وَفَلْقه الْبَحْر وَضَرْبه الْحَجَر وَمَا كَانَ مِنْ تَظلِيل الْغَمَام علَيهِم فِي شِدّة الْحَرّ وَمِنْ إِنزَال الْمَنّ وَالسَّلوَى وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الآيات الدالّة عَلَى وُجُود الْفَاعِل وَصِدْق مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِق عَلَى يَدَيْهِ ، ومع هَذا أَعْرَضَ كَثِير مِنهُم عَنهَا وبدَّلُوا نِعْمَة اللَّه كفرًا .
أما إن كان في الأسئلة – أياً كانت - إلحاف وخروج عن المألوف فإن الأمر ينقلب إلى ضده ، ويصبح عبئاً لا لزوم له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة :
( لا يحب الله إضاعة المال ولا كثرة السؤال ولا قيل وقال )
هذا إذا فهمنا أن السؤال غير طلب العطاء .
سئل النبي صلى الله عليه وسلم – كما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه - عن أشياء كرهها ، فلما أكثروا عليه غضب ، ثم قال للناس :
سلوني عما شئتم .
قال رجل : من أبي ؟
قال : أبوك حذافة .
فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال :
أبوك سالم مولى شيبة .
فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله ، إنا نتوب إلى الله عز وجل . ولعل هذا سبب نزول الآية الكريمة في سورة المائدة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} .
يتبع القسم الثاني والأخير
|