عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 2020-09-11, 11:30 AM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة كلمات في القرآن الكريم (10)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


{ يَسْأَلُونَكَ } / القسم الثاني والأخير :

ذُكِرتْ { يَسْأَلُونَكَ } في القرآن الكريم خمس عشرة مرة تدل على أن السؤال مفتاح العلم والسبيل إلى الوضوح والحياة الأمثل . فماذا نفهم من { يَسْأَلُونَكَ } ؟

1 - الفعل جاء في صيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار ، فلا بد من السؤال الموصل إلى الجواب ، وأعتقد أنه يستحسن طرح السؤال على العالم كي يتحدث في مواضيع يحتاجها الناس ، وهذا أفضل – في ظني - من موضوعات يختارها العلماء والمحاضرون قد تكون مفيدة ، وقد يكون غيرها أولى منها وأكثر فائدة . والسؤال دليل على أن صاحبه يود معرفة الحقيقة ليلتزمها ، ويعمل بها ، وهذه إيجابية لو كثرتً في الأمة فهي بخير .

2 - والمسؤول " ك ( الكاف ) تنبيه إلى أنّ على السائل أن يسأل العالم البصير ، لا الرجل الغرير ، فذلك البصير الحاذق يدله على الخير ، ويوضح له المسألة ويأخذ بيده إلى موطن النجاة ومسلك الصواب . كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد العلماء . وعليهم – من بعده – أن يسألوا من يسير على خطاه ، ويهتدي بهديه . أما الجاهل فيَضل ويُضِل .

3 - ولا بد من تحديد السؤال ليكون الجواب محدداً : يَسْأَلُونَكَ ... ( عن الشهر الحرام ، قتال فيه ، عن الخمر والميسر ، عن اليتامى ، عن المحيض ، عن الساعة ، عن الأنفال ، عن الروح ، عن ذي القرنين ، عن الجبال ، ماذا ينفقون ) ولو كان السؤال عاماً فلن يشبع المتلقي ، وستكون الفائدة أقل مما ينبغي وما يسأل الإنسان إلا عن شيء يشغل باله ، فإذا سمعه تلقفه فلم ينسَه .

4 - فإذا سئل العالم أمراً وهو يعرفه وقت السؤال أو بعد الدراسة والتمحيص فلا بد أن يجيب عنه ، إن ذلك أمانة في عنقه يحاسب عنها يوم القيامة ، ويشكر عليها في الدنيا والآخرة . لذا جاء الأمر الإلهي : { قُلْ } فالساكت عن الحق شيطان أخرس ضيع الأمانة وترك السائل في ضلال ، " والمسلم أخو المسلم " . والأمر بالإجابة { قُلْ } جاء في كل الآيات غير الغيبية المبذولة للتعلـّم أو التي لا تتحملها العقول ، كقوله تعالى في بعض الإجابات : { قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ ... (1)} ، وحين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر قيل له كما في سورة البقرة : { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ...(219)} ، وحين سئل على الحل أجاب كما في سورة المائدة { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ (4)} وحين سئل عن القتال في الشهر الحرام كان الجواب كما في سورة البقرة :
{ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّـهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ... (217)} ،
أما في السؤال عن الغيب { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } (الأعراف والنازعات) ، فمرة نجد الإجابة دون { قُلْ } كما في سورة النازعات :
{ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)} ، فكان الجواب من الله تعالى مباشرة ،
ومرة ذكر الفعل { قُلْ } كما في سورة الأعراف :
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) ،
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن علمها عند الله سبحانه .
وأما السؤال فيما لا تتحمله عقول الناس على عهده صلى الله عليه وسلم وتـُرك للزمن اكتشافه فكان الجواب بأسلوب الحكيم وهذا الغرض البلاغي في سورة البقرة يفيد أن عليكم أن تعرفوا الفائدة من الأهلـّة :
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ..(189)} ، وتصور معي أخي القارئ لو أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجيب العلم عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس، ودوران القمر حول الأرض ، وما ينتج من حجب الأرض لضوء الشمس عن القمر حين تتوسط بينهما ..لقد كان الجواب الحكيم ذكر الفائدة من القمر فقط . ولا ننسَ أن الأجوبة كانت شافية ودقيقة . تفي بالغرض من طرح الأسئلة ، ولا ننس كذلك أن الجواب حين يكون قاصراً يضطر السائل أن يعيد طرحه مرة أخرى على علماء آخرين حتى يجد بغيته ، فينبغي على العالم أن يكون جوابه شافياً مريحاً يفهمه المتلقي ويستوعبه .

5 - ثم نجد بعد الجواب الشافي تنبيهاً إلى التقوى والطاعة في قوله تعالى بعد الإجابة عن الأنفال :
{ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1)} ،
ونجد بعد السؤال عن الشهر الحرام في سورة البقرة التوضيح الهام الذي يؤكد أن أعداء الله لن يقر لهم قرار حتى يؤذوا المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً : { ... وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ..... (217)} ،
ونجد بعد السؤال عن المحيض والإجابة عنه في سورة البقرة أمراً بالتوبة والتطهّر لإرضاء الله تعالى ونيل حبه سبحانه :{ ... إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} .

ولو عدت أخي القارئ إلى أواخر هذه الآيات التي نتحدث عنها لوجدت التربية القرآنية تتجلى في تزكية النفس وبناء المجتمع المسلم الطاهر الذي يحبه الله تعالى ويرضاه ، فاحرص على العودة إليها والتخلق بأخلاقها .
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علـّمنا ، فهو ولينا ومولانا ، ونعم المولى ونعم النصير .

انتهى القسم الثاني والأخير
رد مع اقتباس