
2020-09-13, 12:32 PM
|
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
|
|
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
|
|
رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة كلمات في القرآن الكريم (12)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
{ أُمـّة } / القسم الثاني والأخير
7 - وتأتي الأمة بمعنى الشبيه والمثيل في الصفات والعاقبة :
كقوله تعالى في الآية 38 من سورة الأعراف :
{ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ } .
فالله تعالى يَقول لهؤلاء الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمُفتَرِينَ عَلَيْهِ المكذبين بِآيَاتِهِ : { اُدْخُلُوا فِي أُمَم } مِنْ أمثالكم وَعَلَى صفاتكم { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم } مِنْ الأمم السالفة الْكَافِرَة { مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ } إنهم يلتقون مغضبين سابين شاتمين من كان سبب دخولهم في النار واجتماعهِم فيها { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } ، وقد قال الله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام : { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا (25)} (العنكبوت) ، ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال جل ثناؤه في الآية 166 من سورة البقرة : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا } ، فإذا التقى هؤلاء في النار جميعاً واجتمع بعضهم إلى بعض شكا الآخرون الأولين إلى الله لأنهم كانوا سبب ضلالهم فيقولون { رَبّنَا هؤلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار } فيجيبهم بأنه جازاهم جميعاً بما يستحقون من عذاب شديد : { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ } .
نسأل الله العافية وحسن الختام .
8 - وتأتي بمعنى الأجل المعدود والأمد المحصور والمدة المضروبة :
مثال ذلك قوله تعالى في الآية الثامنة من سورة هود :
{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ... } ؟ " فالكفار يستعجلون العذاب كما قال سبحانه في سورة الأنفال : { وَإِذْ قَالُوا اللَّـهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} ، وفي قوله سبحانه يسخر من الكفار : { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) } (العنكبوت) ، كما أننا نجد معنى الزمن في كلمة { أُمَّة } في قوله تعالى في الآية 45 من سورة يوسف : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } ، وما تذكر إلا بعد بضع سنين قضاها يوسف في السجن .
9 - وتأتي بمعنى الإمام الذي يُقتدى به :
مثاله قوله عز وجل يمدح إبراهيم عليه السلام :
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)} (النحل) ،
فَهُوَ الإمام الَّذِي يُقتدى بِهِ وَالْقَانِت هُوَ الْخَاشِع الْمُطِيع وَالْحَنِيف المتجه قَصْدًا عَنْ الشِّرْك إِلَى التوحيد ، وهو معلم الخير والجامع له ، الذي يعلم الناس دينهم ويدلهم على ربهم . وقد كان إبراهيم وحده مؤمناً والناس كلهم كفار ، فكان أمة وحده .
10 - معنى جماعة من الجماعات :
أ - قد تكون الجماعة صغيرة قليلة، فهذا موسى عليه السلام يصل إلى مدين فيمر على جماعة من الرعاة قد لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين يسقون أنعامهم وشاءَهم :
{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ... (23)} (القصص) .
ب - وقد تكون الأمة ضخمة كثيرة العدد تعيش الحواضر والبوادي . يُرسل إليها الرسول ليهديهم طريق الرشاد ، ونجد ذلك في قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ... (36)} (النحل) ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) }(يونس) ، فالرسول يُبْعث في جماعة أو جماعات ويدعوهم إلى الله تعالى ، ويقيم عليهم الحجة كما قال سبحانه في الآية 75 من سورة القصص : { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } ، نبياً يشهد على العباد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وشهيد كل أمة رسولها كما قال جل ثناؤه :
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} (النساء) .
جـ - وقد تكون الأمة بمعنى الناس جميعاً لقوله عز وجل :
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ (110)} (آل عمران) بمعنى خير الأمم . وكقوله صلى الله عليه وسلم:
(وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الأمة يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لا يُؤْمِن بِي إلا دَخَلَ النَّار) .
11 - وقد تأتي بمعنى الدين والملة لقوله تعالى في الآية 23 من سورة الزخرف :
{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } ، أي على طريقة ودين ، وهم يريدون أن لا يخالفوهم
12 - وقد تأتي كلمة أمة بمعنى التساوي والتشابه في الحياة والعطاء ، مثاله قوله تعالى في الاية 33 من سورة الزخرف : { وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } خوفاً على المؤمنين من الفساد والفتنة حين يرون الكفار يعيشون في الدنيا حياة الرفاهية والرغد ، وهم – على الرغم من إيمانهم – أقل منهم مستوى في الراحة والهناء والرفاهية وقد أعطى الله تعالى الكفار في هذه الدنيا الكثير من المتع العظيمة ، فهم على كفرهم وسوئهم وضلالهم - كونهم بشراً - يفعلون مع بعضهم الخير ويساعد بعضهم بعضاً فلا بد للعدل الإلهي أن يثيبهم بما فعلوه من خير في دنياهم فقط ،فليس لهم في الآخرة نصيب .
انتهى القسم الثاني والأخير
|