
2020-09-14, 07:39 PM
|
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
|
|
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
|
|
رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة كلمات في القرآن الكريم (13)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
العَرْض / القسم الثاني والأخير
- وانظر معي إلى الموقف الرهيب في ظهور النار لهم قبل أن يدخلوها ، وهم خائفون أن يُلقـَوا فيها – وسيُلقـَون فيها – فترتعد فرائصهم ويخافون النظر إليها ، وهم يعلمون أنهم وقودها – والعياذ بالله أن نكون من أهلها – وينظرون إليها بطرف أعينهم يستفظعون المصير الذي لا بد أن يصيروا إليه ، في سورة الشورى { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ... (45)} ، { فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14)} (الليل)، ترسل لهيبها نحوهم ، وتُسمعهم زفيرها ، وتتراءى لهم متشفـّية متوعّدة ، وهم لا يجرؤون على النظر إليها ، ويخافون أن يُلقوا فيها بين لحظة وأخرى .. لحظات عصيبة تقطع الأنفاس وتحرق المشاعر . واقرأ في سورة الكهف { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)} فجاء المصدر المؤكد يبرز جهنم رأي العين كما قال ابن كثير : لِيَرَوا مَا فِيهَا مِن العَذَاب وَالنَّكَال قَبل دخولها ليكون ذلك أبلغَ فِي تعجِيل الهَمّ وَالحَزَن لَهم . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ :
يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها ، ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ : { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنهمْ فِي غِطَاء عَنْ ذِكْرِي ...(101)} (الكهف) ، فتغافَلوا وَتعَامَوا وَتَصَامَمُوا عَنْ قَبُول الهدى واتباع الحق .
- وفي سورة الأحقاف الآيتان (20) و (34) تبدءان بداية واحدة بجملة واحدة : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ... } وكانت الثانية نتيجة وتتويجاً للأولى ففي الأولى يقول تعالى موبخاً الكافرين الذين رضوا بالحياة الدنيا على الآخرة ، واستكبروا على الإيمان وأهله ففجروا وفسقوا : { ... أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20)} ، فما عذاب الهون يا رب ؟ وإلى أين مصير هؤلاء المستكبرين الذي فضلوا الدنيا على الآخرة ؟ يأتي التوبيخ أولاً فقد كفروا بالحق الذي جاءهم به الأنبياء والدعاة . ويقرون بخطئهم ، ويندمون ، ولات ساعة مندم . ويقرون بالحقيقة التي كانت تنفعهم في الدنيا لو أقرّوها ، أما حين يعاينون الأمر ويرونه رأي العين وهم بين يدي الله تعالى فلا فائدة ، لقد أضاعوا الفرصة الذهبية التي لا يمكن أن تُعوّض . ثم يأتي العذاب الأليم جزاء وفاقاً بقوله سبحانه : { ... أَلَيْسَ هَـٰذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (34)} .
- أما قوله تعالى في سورة ( ص) : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)} ، في معرض قصة سيدنا سليمان فقد أفسدت الروايات الإسرائيلية معناها الجهادي الرائع ، وأساءوا إلى سليمان كما أساءوا إلى أبيه داوود عليهما السلام – وهما عند اليهود ملِكان وليسا نبيين – فتفسير القصة كما يلي :
إنه مجاهد في سبيل الله تعالى يحب كل ما يعينه على القتال في سبيله وإعلاء رايته . ومن ذلك أنه يحب الخيول الأصيلة – سلاح الفرسان ، وهي القوة الضاربة في قتال العدو ، فأمر أن تعرض عليه الخيول ليستمتع بها ويطمئن إليها ، فعرضت أمامه وهو يتابعها شغوفاً بها حتى غابت عنه { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} فلم يبرد شوقه لها ، فأمر أن يعيدوها إليه ، ثم نزل إلى ساحة العرض يتلمّس الخيول ويمسح أعناقها وسوقها ، ويتحبب إليها ، والمقصود بقوله تعالى : { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي .. (32)} أن حبه للخيل صادر عن أمر الله تعالى . وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الآية .أما الرواية الإسرائيلية فتدليس واستخفاف بعقول الناس لأسباب عدة هي :
أ - إن التأويل عادة يتبع الكلام الذي بين أيدينا ، فما التي توارت بالحجاب ؟ إنها الخيول التي غابت عن ناظريه إذ مرت أمامه وهو يستعرضها حتى غابت عن عينيه ، لا الشمس التي تعسفتها التأويلات الإسرائيلية ، إذ قالوا : أنه انشغل بالخيول حتى غابت الشمس ففاتته صلاة العصر .
ب – إن سليمان عليه السلام شعر أنه لم يفِ الخيول حقها بالاستعراض السريع ، فأمر أن يردوها إليه ليلمسها بيديه ويكرمها بالتربيت على أعناقها وسوقها ، لأنه لو جاز أن يكون الضمير في { تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } عائداً على الشمس لوجب أن يكون الضمير في { رُدُّوهَا عَلَيَّ ...(33)} عائداً على الشمس نفسها ، أما القفز هنا وهناك للوصول إلى الشمس فلا يليق بنص رزين ، ناهيك عن كتاب الله الكريم .
ج – وهل تتصور عاقلاً كان يَعُد ماله ، فانشغل به حتى ضيع صلاته ، فأحرق المال يعاقب بذلك نفسه؟! فإذا كان ما يفعله سفهاً وطيشاً فالنبي سليمان منزه عن قطع أعناق الخيول وسـُوقها لأنها – على زعم الإسرائيليات – شغلته عن الصلاة !! ما ذنب الخيول المسكينة لتذبح وتقتل ، والخطأ ليس خطأَها ؟!
- روت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بعض صلاته : اللهم حاسبني حسابا يسيرا ،
قلت : يا نبي الله ! ما الحساب اليسير ؟
قال : أن ينظر في كتابه ، فيتجاوز عنه ؛ إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك .
اللهم ؛ إن تَعرض علينا أعمالنا فارفق بنا وتجاوز عن سيئاتنا ، وارحمنا يوم العرض عليك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الكرماء .
انتهى القسم الثاني والأخير
|