عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 2020-09-25, 10:49 AM
Nabil Nabil غير متواجد حالياً
مشرف قسم التاريخ الإسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-07
المشاركات: 2,686
افتراضي رد: سلسلة كلمات في القرآن الكريم / د. عثمان قدري مكانسي

سلسلة كلمات في القرآن الكريم (24)

الدكتور عثمان قدري مكانسي


{ وَرَاء }

وردت كلمة { وَرَاَء } بمشتقاتها في القرآن الكريم أربعاً وعشرين مرة ، فما المقصود بكلمة وراء؟

قال ابن منظور في لسان العرب:
وراء : (خَلفَ). قاله لبيد وابن السكِّيت. ولكنْ إذا كان مما تَمُرُّ عليه فهو (قُدّام) كذلك. قال تعالى:
{ مِن وَرائِه جَهَنَّمُ ... (16)} (إبراهيم) أَي بين يديه.
وقال الزجاج: ورَاءُ يكونُ لخَلْفٍ ولقُدّامٍ ومعناها ما تَوارَى عنك فاسْتَتَر. قال: وليس من الاضداد كما زَعَم بعضُ أَهل اللغة، وأَمّا أَمام فلا يكون إِلاَّ قُدَّامَ أَبداً . وقال عز وجلّ :
{ ... وكان وَراءَهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينةٍ غَصْباً (79)} (الكهف) ،
قال ابن عبَّاس، رضي اللّه عنهما : كان أَمامهم . وقال لبيد بهذا المعنى:
أَلَيْسَ وَرائي، إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي * لُزُومُ العصَا تُحْنَى عليها الأَصابِعُ
وقال الفرَّاءُ: لا يجوزُ أَن يقال لرجل ورَاءَكَ: هو بين يَدَيْكَ، ولا لرجل بينَ يدَيْكَ: هو وَراءَكَ، إِنما يجوز ذلك في الـمَواقِيتِ من الليَّالي والأَيَّام والدَّهْرِ. تقول: وَراءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وبين يديك بَرْد شديد، لأَنك أَنـْتَ وَرَاءَه، فجاز لأَنه شيءٌ يأْتي، فكأَنه إِذا لَحِقَك صار مِن وَرائِكَ، وكأَنه إِذا بَلَغْتَه كان بين يديك، فلذلك جاز الوَجْهانِ. من ذلك قوله، عز وجل: { وكان وَرَاءَهُم مَلِكٌ }، أَي أَمامَهمْ.
ملاحظة :
قال أَبو الهيثم: الوَرَاءُ، مـمدود: الخَلْفُ، ويكون الأَمامَ. . وكذلك قوله سبحانه: { من وَرائِه جَهَنَّمْ } فهي بين يديه.قال اللحياني: وراءُ مُؤَنَّثة، وإِن ذُكِّرت جاز، قال سيبويه: وقالوا وَراءَكَ إِذا قلت انْظُرْ لِما خَلْفَكَ.
قال ساعِدةُ بن جُؤَيَّةَ:
حَتَّى يُقالَ وَراءَ الدَّارِ مُنْتَبِذاً * قُمْ، لا أَبا لَكَ، سارَ النَّاسُ، فاحْتَزِمِ
وقال الأَصمعي:
قال ورَاءَ الدَّارِ لأَنه مُلْقىً، لا يُحْتاجُ إِليه ، مُتَنَحٍّ مع النساءِ من الكِبَرِ والهَرَمِ

من معاني الفعل (ورأ) الذي اشتُقَّ منه الظرفُ { وَرَاء } :
الدفع: تقول : وَرَأْتُ الرَّجلَ: دَفَعْتُه.
وَرَأَ زيدٌ من الطَّعام : امْتَلأَ.
والوَراءُ : الضَّخْمُ الغَلِيظُ الأَلواحِ، قاله الفارسي.

من معاني { وَرَاء } في القرآن الكريم:

ـ الأمام : ولكنّ الأمامَ البعيد لا يُرى فكأنه وراءُ ، قال تعالى :
{ ... وكان وَراءَهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينةٍ غَصْباً (79)} (الكهف) ،
وأقول: إن الحاكم أو الملك حين يطغى فيظلم ويسلب وينهب ،وكان عليه أن يكون رحيماً بالرعية وأبا حنوناً وأخا شفيقاً ، هذا الحاكم لا يستحق أن يكون في الأمام، إنَّ ظُلمَه يجعله خلف الناس جميعاً .

ـ التخلي والاستبدال : قال سبحانه :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّـهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)} (البقرة) ،
تخلّوا عنه وتمسكوا بما تمليه الشياطين عليهم.ومثاله كذلك قوله عز وجل :
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ... (187)}(آل عمران)

ـ والوراءُ ولَدُ الوَلَدِ، وفي التنزيل العزيز :
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} (هود) .
قال الشعبي: الوَراءُ: ولَدُ الوَلَدِ.

ـ ما عدا ذلك : قال جل ثناؤه : { فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (الآية (7) في المؤمنون ، و الآية (31) في المعارج (31)) ،
قال ابن الأَعرابي في قوله، عز وجل :
{ وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ... (91)} (البقرة) أَي بما سِواه. وهو (الإسلام).

ـ أو تدل على الحل بعد التحريم : كقوله جلّ وعلا :
{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ... (24)} (النساء) ، وقوله تقدست أسماؤه :
{ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (7)} (المؤمنون) ،
فحرم الزنا والاتصال المحرم

ـ وقد تأتي بمعنى المكان نفسه ، وهذا أصل ما جاءت له : كقوله تعالى :
{ ... فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ ... (102)} (النساء) ،

ـ الموت : كقوله عز من قائل على لسان زكريا عليه السلام :
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ... (5)}(مريم) ،
خاف إن مات أن تنقطع الدعوة إلى الله بعده فهو يريد ذرية صالحة تحمل عبء الدعوة بعده.

ـ الإحاطة : قال تعالى :
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (20)} (البروج) ،
وهي القدرة والإحكام وبسط السيطرة.

ـ التهديد والتوبيخ والوعيد : كقوله سبحانه :
{ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا ... (10)} (الجاثية)،
وكذلك في قوله عز وجلّ :
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)} (الانشقاق) .

ـ وقد تأتي بمعنى الغيب : قال جل ثناؤه :
{ ... وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} (المؤمنون) ،وكقوله جل وعلا :
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ... (51)} (الشورى)

ـ وقد تأتي بمعنى التيئيس : كقوله تقدست أسماؤه عن المنافقين يوم القيامة :
{ ... قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ... (13)} (الحديد) .
وليس لهم يوم القيامة نور ،لقد طمسوه في الحياة الدنيا .

ـ وقد تأتي بمعنى الستر والحجاب : في قوله عز من قائل :
{ ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ... (53)} (الأحزاب) .
وهذه دعوة إلى الحياء والأدب وصون المرأة.

ـ الرعونة والاستعجال غير المبرر : قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} (الحجرات)،

ـ وقد تأتي بمعنى فجاءة الموت السريعة : قال سبحانه :
( ... وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ... (94)} (الأنعام).
رد مع اقتباس