سلسلة من لطائف القرآن الكريم
الشيخ صالح بن عبد الله التركي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :-
التواري
التواري : هو الاختفاء والاستتار ولكن حياء وخجلا من الآخرين ، هذا هو توظيف القرآن الكريم لهذه الكلمة ، وبالنظر والتأمل للسياق القرآني نجد هذا جليا واضحا ، ففي قوله تعالى في سورة النحل :
{ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ... (59)} ،
فاختفاؤه حياء و خجلا من قومه و عشيرته مما بشر به وخوفا من العار الذي يرى أنه لاحق به ، فلم يعبر القرآن الكريم بلفظ يستخفون أو غيرها لأن هذا لا يتلاءم مع السياق ولا ينسجم ، وفي قوله سبحانه في سورة الأعراف :
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ... (26)}
فقال سبحانه { يُوَارِي } في سياق السوءة التي يتفق أصحاب العقول و الفطر السليمة على الاستحياء في شأن هذا الأمر
كما قال عز وجلّ في سورة المائدة :
( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
وفي سورة ص ، لما ألهت الخيل النبي سليمان عليه السلام عن صلاة العصر فاتته الصلاة ضرب سوقها وأعناقها، قال تقدستْ أسماؤه عن حال الشمس :
{ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) ،
فالشمس توارت حياء وخجلا من نبي فاتته صلاة العصر، ولم يعبر القرآن الكريم بلفظ غابت أو غربت أو اختفت مثلاً أو نحوا من ذلك فهذا اللفظ أو ذاك لا يمكن أن يؤدي التعبير المناسب والغرض المطلوب في السياق فكل كلمة في القرآن الكريم لها دلالتها البيانية التي لا يمكن أن تؤديها أي كلمة أخرى ولا يمكن أن تقوم مقامها