اختى فى الله حبيبى رسول الله
تحية طيبة
وبعد اختى فى الله
-هناك أمور لا دخل للإنسان فيها، فهو مسير فيها رغما عنه كلون بشرته، ونوعه ذكرا أو أنثى، وكجنسيته، وكمولده في التاريخ الذي ولد فيه، فهذه أمور لا دخل للإنسان فيها، ولذلك لا يحاسب عليها .
- وماعدا هذه الأمور، وهي المساحة الواسعة في حياة الإنسان داخلة في اختيار الإنسان وحريته، فالإنسان هو الذي يقرر هل سيلتزم بمنهج الله، أم يتمرد عليه؟ ويقرر: هل يسكن هنا أم هناك؟
-لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون ، فالإنسان لا يعلم سيتزوج من في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم من قبل أن يخلق الإنسان من ستكون زوجته، فعلم الله يحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كل أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك ، وليس معنى هذا أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه علم بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تقع. يقول تعالى : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد : 22 .
الزواج قسمة ونصيب ، وهو مما قَدَّره الله على الإنسان – ذكرا كان أو أنثى – إلا أن الإنسان له فيه اختيار ومشيئة ، وهذه المشيئة للإنسان داخلة تحت مشيئة الله ، كما قال تعالى : (وَمَاتَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
وهذا يعني أن الإنسان مأمور بِفعل الأسباب المشروعة ، ومن الأسباب المشروعة :
1-الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى .قالت عائشة رضي الله عنها : سلوا الله التيسير في كل شيء ، حتى الشسعفي النعل ، فإنه إن لم يُيسره الله لم يتيسر .
قال ابن القيم رحمه الله : فإذا كان كلُّ خيرٍ أصله التوفيق ، وهو بيـد الله لا بِيَـدِ العبـد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصِدقِ اللجأ والرغبة والرهبة إليه ، فمتى أَعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح لـه
وما أُتي من أُتي ، إلا من قِبل إضاعةِ الشكر وإهمالِ الافتقار والدعاء ، ولا ظَفِرَ من ظَفِر – بمشيئة الله وعونه إلاَّ بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء . اهـ .
2) الصلاة والصدقة بِنيّة تيسير الأمور ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمْر وأهمّه أمْر فَزِع إلى الصلاة .
3) خِطبة الرجل لِمَوْلِـيَّتِه ، وليس في هذا عيب ولا حَرَج ، فقدخَطب عمر لابنته حفصة حينما مات زوجها ، كما في صحيح البخاري .
4) عَرْض المرأة نفسها على الرجل الصالح .
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصِفاته العُلى ووحدانيته أن يُيسِّر لك أمرك عاجلا غير آجل ، وأن يرزقك زوجًا صالحًا تقرّ به عينك . وأن ييسِّر أمر كل مسلمة عفيفة . وأن يستر عورات نساء المسلمين.
-فهذا هو معنى أن الزواج نصيب ومقدور: معناه أن الله يعلم ذلك، وقد كتبه قبل وقوعه، ولم يجبر الناس على اختياره، والناس لا يعلمون شيئا عن هذا المكتوب إلا بعد وقوعه، ولم يخبر ربنا الناس بهذه الأمور، وترك لهم الحرية الكاملة فيما يختارون .
-ولو أن الله أطلع عبدا على ما كتبه الله عنه، فإن العبد لن يملك أن يفعل إلا ما هو مكتوب، مع أنه يفعله باختياره وإرادته، وقد حدث أن أظهر الله تعالى للناس بعضا من هذه الأمور فلم يملك أصحابها أن يغيروها .
-والسبب في أن العبد لا يستطيع تغيير ما هو مسطور حتى لو أظهره الله عليه أن العبد يحب أن يصنع هذا الذي يصنعه، ويختاره ويريده، ولو أن أهل الخبرة جميعا حاولوا أن يردوه فلن يستجيب .
ولنفترض أنك اطلعت على اللوح المحفوظ فرأيت أنك ستتزوجين فلانا، وستعيشين معه حياة منغصة، وسيريك الويلات، وسيذيقك المر والعلقم فقد تقولين : لو اطلعت على ذلك فلن أتزوجه. ولكن الحقيقة أنك برغم اطلاعك هذا ستتزوجينه للأسباب التالية:-
قد تكونين محبة له ، والمحب لا يرى في حبيبه عيبا، ولا يبصر منه سوءا، لكنه يرى منه ما يحب أن يراه فقط. وقد تكونين تكرهينه لكن تضطرك أسباب من صنع البشر- لم يجبر الله أحدا عليها- على الزواج به، فقد يضطرك أبوك، أو تضرك عادات أو تقاليد، أو بعض المصالح، وهذه كلها أمور لم يجبر الله الناس عليها، ولكنهم إما أنهم وضعوها بأنفسهم، أو استسلموا فيها لغيرهم .