السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلست في قاعة الإنتظار، تستمع إلى دقات قلبها وهي تخفق بشدة، وابنها في الداخل يخضع لعملية جراحية على جهازه التنفسي.
التفتت إلى زوجها وهو يجلس على كرسي في القاعة وقد إصفر وجهه وملأ عينيه الدمع. فاقتربت منه في هدوء وجلست بجانبه وقالت:
حين تشترك الإنسانية في هذه المشاعر، يهرع المتدينين إلى آلهتهم ليعلقوا عليها الأماني والآمال بإنقاذ مرضاهم.
فالمسلمون يلجؤون إلى السجود طالبين الشفاء من ربهم الذي يلتقيهم في صلواتهم. والنصارى يحملون أنفسهم إلى الكنائس ليسترسلوا في جلسة الإعترافات والرجاء وكأنهم بين يدي طبيب نفسي. والبوذيون يحملون القربات إلى الثماتيل لتشفي مرضاهم.
ايه كل يهرب إلى إلهه ليلقي عليه جزء من الهم الذي يحمله. وهذا يشكل عائقا كبيرا لنا نحن الملحدين.
فحتى لو استطعنا زحزحة الإيمان بالإله داخل الإنسان, فإنه عند هذه المحطات سيعود مهرولا إليه، ليقايضه بالعودة إلى أحضان الدين مقابل الشفاء، وبعدها إما ملحدا حاقدا على الآلهة ( إن مات المريض) أو مؤمنا متوجسا خائفا ( إن عاش المريض).
سنخوض معركة ضارية لإنتزاع بقايا الأديان من العقول.
دار صمت بينهما ثم أردف زوجها قائلا: هل أنت متعبة؟؟
قالت له: لن أذهب للنوم وكف عن الإلحاح في ذلك، ففي الداخل يرقد جزء مني تحت رحمة الأطباء
فرد عليها في برود أعصاب: لا تستعجلي الفهم عني؛ فأنا أسألك لأقول لك ماذا لو أزلت الكرسي من تحتك وتركتك معلقة في الهواء، كيف ستشعرين؟؟
ستحسين ثقلا إضافيا على ثقل الخوف من نتيجة العملية.
هذا ما يفعله الإله بالنسبة للمتدينين إنه يعطيهم قوة لتحمل المشاق التي تفرضها الطبيعة علينا.
في هذه اللحظة بالذات أحس أنهم يكونون أحسن حالا منا، لأن آمالهم معلقة على شيء يعتقدونه قويا وآمالنا معلقة على رجل يرتدي بذله بيضاء درس بضع سنين في مدرسة يعرف فيها جزء بسيطا جدا من كلٍ خارق جيدا الذي هو جسم الإنسان.
رمقته بنظرة حادة وقالت: هل أفترض أنك من الذين تحدثت عنهم بأنهم يفرون إلى الأديان بسرعة؟؟
لا يا عزيزي ليسوا أحسن حالا منا لأننا نشترك معهم في كل شيء في الإحساس بالخوف وفي النتيجة التي سيصل إليها المريض.
ليست هناك معجزات تنقذ المرضى هناك مهارة الطبيب المعالج ومدى علمه بالحالة التي بين يديه.
سيحتاج الطب لأن يتطور أكثر من هذا حتى يكسب ثقة الناس به لدرجة تساعدهم على تقبل فكرة أن من يملك الدواء هو ذلك الذي طوره في مختبرات مجهزة بأحدث التقنيات وليس في كتب الأديان المشبعة بالأساطير والخرافات.
إن أي إحساس إضافي الآن لن يزيح عني هذا الخوف. أفترض أن الفكرة واضحة بالنسبة لك؟؟
قال لها في ألم: ما يشغلني الآن هو حال إبني ولا أهتم بالحوارات حول المشاعر فهي لم تكن في عالمك حاضرة يوما وكنت دائما ترددين أنها تنتج عن تفاعلات كيميائية ولا أذكر ماذا أيضا.
تمتمت قائلة: حين يكبر إبني ستقتنع أن كل ما أقول هو الصواب. وعندها فقط ستعرف أن الأديان ليست سوى أفيون يستعمله كل حسب حالاته.
التفت إليها زوجها وقال: ثلاث ساعات ونحن نجلس هنا في ترقب وانتظار تلعب بنا الأفكار السيئة وتميل بنا في مختلف الإتجاهات، بقدر ما هو العمر صغير جدا بقدر ما تضيع أجزاء منه في لحظات دون هدف.
نتهم الآخرين بأن الدين مجرد أفيون ونحن نتمنى في هذه اللحظة أي أفيون لنهرب من هذه الأزمة التي تكسرنا.
والتفت إليها وقال لم أقل كلامي لتردي عليه فأنا أتحدث لألهي نفسي فقط.
وضعت يدها على فمها في إيحاءة بالصمت وقامت إلى نافذة الغرفة لتطل على الحديقة.
وما هي إلى دقائق حتى خرج الطبيب وأخبرها بنجاح العملية وأن ابنها بخير فالتفتت إلى زوجها وقالت له مبتسمة: هل ربحنا ملحدا أم مؤمنا؟؟
ابتسم ورد عليها في عفوية : بل أبا مسرورا.
وانطلقا إلى الغرفة يتسابقان الخطى للإطمئنان على ابنيهما.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
|