السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحب الساعات إلى قلبها حين ترقد إلى جانبه في فراشه لتروي له عن بعض القصص التي تذكرها عن طفولتها بعد أن تقوم بإزالة الآثار الدينية منها.
نامت إلى جانبه في ليلة وقالت له: حبيبي سنروي اليوم قصة الجدة المريضة وحفيدتها التي تحمل الطعام إليها في خوف من الذئب الذي يطاردها.
نظر إليها مدة ثم قال: ما معنى جدة؟؟
فقالت له: هي أمي أنا أو أم أبوك فهما بالنسبة لنا أما وكلاهما تكون جدتك
فقال لها: وأين جدتي أنا؟؟
أحست غصة في حلقها وأتبعتها بسرعة: لقد ماتت.
فقال لها: وأين هي الآن؟؟
فأجابته: ميتة لقد دفناها تحت التراب.
فصمت لحظة طويلة، فلم ترد أن تقض عليه صمته وكأنها تستغل هذه الفرصة لتفكر في ما سترد به إن سألها ما تتوقعه.
وكان ما توقعت، رفع عينيه المثقلتين بالنوم وقال لها: كيف يموت الناس؟؟
فنظرت في عينيه وقالت له: ألا تريد أن تنام على قصة جميلة؟؟
رد عليها: هل الموت شيء قبيح؟؟
أحست وكأنها وقعت في مصيدة، فكرت في داخلها:
<< صعب هو الموت يا عزيزي، إنه يعني نهاية كل شيء، إنه يكسر كل الأفكار والأحلام، يعني نقطة لا سطر بعدها.آه كم يكدر هذا الموت علينا من فرحة.
بقدر ما يبدو الموت محفزا في دين أمي بقدر ما يبدو في إلحادي ظلاما مخيفا وعدما ينتظر الإنقضاض عليك في أية لحظة. >>
وضع راحته على جبينها وقال لها: ألا تعرفين الموت أنت أيضا يا أمي؟؟
فقالت له: ومن الآخر لا يعرف الموت؟
قال لها: المدرسة سألتها ماذا يعني الموت فبكت ولم تجبني.
فقبلته وقالت له: بالعكس يا ماما فأمك تعرف أجوبة كل الأسئلة التي في ذهنك.
إذا سألتك"أين كنت قبل أن تولد؟؟" أكيد لا أنت ولا أحد غيرنا يعرف. كذلك الموت إنه نهاية لا نعرف ماذا بعدها.
فقال لها: لكنك في المرة السابقة حين تفرجنا في الحاسوب شرحت لي أن الإنسان كان مقسما بين الأب والأم التقيا وأعطيا إنسانا جديدا.
فكيف سيعود هذا الجسم الكبير صغيرا جدا من جديد وينقسم مجددا بين الأب والأم؟؟ حتى في قصة الطائر الأبيض فإنه لن يستطيع حملنا ونحن كبار ليعيدنا إلى الجزيرة.
أحستها فرصة لتبطل حكاية الطائر من رأسه. فقالت في سرعة: أرأيت ألم أقل لك إن حكاية الطائر مجرد كذب؟؟
فرد عليها: ولكن حتى حكايتك لم أفهم منها معنى الموت؟؟
فقالت له: اسمع عزيزي حين يقف الإنسان عن الحركة ويصبح جامدا لا يتحرك كالطاولة؛ نعرف أنه مات ولم يعد فيه روح.فنحمله في صندوق إلى حفرة كبيرة ونضعه فيها حتى لا يأكل لحمه الوحوش.
فرد عليها: وإن عاد للحركة كيف سيخرج وهو في ذلك الصندوق؟؟
فقالت له : لا لن يعود إلى الحركة أبدا.
فألح قائلا: من قال لك ذلك ؟؟
فأتبعت وهي في غاية الإنزعاج من هذا الموضوع الذي تكره الخوض فيه: عزيزي, الإنسان حين يموت يبدأ جسمه في الذوبان كالثلج وينتهي شيئا فشيئا حتى لا يبقى منه شيء. فلا يعود موجودا أبدا ولا يرجع يوما إلينا.
فرد عليها: هل سأموت أنا أيضا؟؟
فضمته وقد أحست الرعب في عينيه: عزيزي لا تفكر في الموت الآن فأنت لا زلت صغيرا ولا زالت أمامك الحياة لتعيش فيها وتنموا ويصبح جسدك كبيرا وقويا. فكر في اليوم كيف كان جميلا ورائعا.فكر في الغد ما هي اللعبة التي ستلعبها مع صديقك.
وقبل أن يسألها مجددا أتبعت بسرعة: ألا تريد سماع قصة الجدة والحفيدة إنها جميلة جدا؟
فرد عليها: أجل.
استمرت تزيد في القصة وتؤلف من عندها حتى ينام, وكلها توجس من أن ينبش موضوع الموت من جديد خاصة وأنه كان يسهو بعيدا عنها خلال سرد القصة.
بعد أن أغلقت باب غرفته وجدت زوجها يقف خلفها، ارتعدت من وقفته وقالت له: ما بك؟؟
فرد عليها: هل من مشكل مع الولد؟؟
فقالت له: ذبحني بأسئلته، كان يسألني عن الموت.
فرد عليها: والأكيد أنك بدل طمأنته زدت الطين بلة.
نظرت إليه في سخرية وقالت له وهي تخطوا بعيدا عنه: يمكنك تأجيل هذا المزاح إلى الصباح فلست في مزاج للرد عليك الآن.
..........في منتصف الليل.
استيقضت على صراخ إبنها، فقامت هي وزوجها في نفس الوقت وذهبا يجريان إلى غرفته.
بمجرد أن فتحا الباب وجداه يجلس في فراشه ويضع يديه على عينيه وهو يصرخ.
ضمه والده وقال له: ما بك حبيبي؟؟
فقال له: أخاف من الموت. إنه يريد أن يأخذني .
نظر إليها بسرعة وقال: شكرا على دروسك الوردية.
أشاحت بوجهها بعيدا عنه بينما حمله هو إلى غرفته وهو يقول له: لا يا عزيزي لا تخف فالموت لا يستطيع أن يدخل البيت إلا بعد أن أسمح له أنا.
فقال له: صحيح يا بابا.
فرد عليه: أجل وماذا تعتقد؟؟ إنه لا يدخل البيوت حتى يطلب الإذن من صاحبها.
فضمه الولد وهو يقول: ولكنك لن تسمح له بالدخول.
فرد عليه: لا طبعا وهل أسمح للموت أن يأخذ مني ولدي الجميل.
ظل ساعتين يغني له لينام. ثم نام بجانبه.
بينما ظلت الأم ساهرة طيلة تلك الليلة تفكر في نفسها وقد وقعت في حيرة من أمرها: هل يرفض عقل الإنسان الحقيقة ابتداء, أم أنها عاجزة عن إختيار الوسيلة الجيدة لإيصال هذه الحقيقة إلى فكر إبنها.
أينجح المتدينون -بخرافاتهم- في صنع نفسية قوية لأطفالهم وتخسر هي-بقول الحقيقة الواقعية- إبنها شيئا فشيئا ؟؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
|