عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 2010-09-23, 03:43 AM
زينب من المغرب زينب من المغرب غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-14
المكان: tangier morocco
المشاركات: 221
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نام الإبن في السيارة من شدة التعب والجري في حديقة الملاهي التي زاروها بعد الغداء.
حملته بكل هدوء إلى سريره بعد أن وصلوا إلى البيت، وبينما هي تنحني لتقبله فتح عينيه وقال لها: أمي هل أشبه القرد؟؟
ابتسمت لهوقالت في صوت خافت: طبعا لا, حبيبي أنت جميل جدا جدا. وكل الناس يقولون عنك أنك وسيم. ألا ترى أن الناس كلما رأوك قبلوك؟؟
فقال لها:لماذا لم نتطور عن حيوان آخر كالطيور الجميلة أو الأسماك أو الغزال حتى. لم نجد سوى ذلك القرد العفن لنتطور عنه؟؟
ضحكت له وقالت: لماذا تتقزز منه إلى هذه الدرجة؟؟
فقال لها: لأنه مقزز جدا كل شيء فيه يقرفني. لكن لماذا لم نتطور عن باقي الحيوانات؟؟
قالت في محاولة لإخفائها عجزها: لأن القرد هو الأقرب إلينا في بنيته.
واستطردت بسرعة: لقد كنت نائما في السيارة ما الذي أيقضك؟؟
قال لها: حسنا سأنام.
تركت غرفته وذهبت للنوم بدورها، تقلبت في الفراش مرات ومرات، هجر النوم جفنها تلك الليلة، لقد تلاشى ذلك التعب الذي كانت تحسه. هجمت عليها الأفكار وتراكمت الهواجس في عقلها.
أزالت الغطاء عنها وقامت إلى مكتبها في الغرفة المجاورة، بدأت تنتقي كتب سارتر وماكس وغيرهم من الملاحدة، ثم جلست على الكرسي وبدأت تتصفحها.
قالت في نفسها:هناك شيء مشترك بين كل هؤلاء، رغم إختلاف تخصصاتهم إلا أنهم اشتركوا في تحويل التطور من نظرية جوفاء إلى قوانين وممارسات تتجلى فيها الغابوية بشكل ساطع.
كانت تقلب الصفحات وكأنها تبحث عن شيء معين بذاته. لقد كانت عيناها تتنقل بين الفقرات ودماغها يسترجع عليها حديث زوجها.
ضحكت في قرارة نفسها وقالت: يبدو أنني أصبت بعدوى التحري التي أصابته.
أغلقت الكتب وقامت إلى نافذة الغرفة فتحتها وبدأت تطل، أحست بالبرد يلفح جسمها فلفت يديها حولها ونظرت إلى السماء التي كانت صافية وتبدو فيها النجوم جميلة وكان القمر في تمامه. تنقلت بنظرها في حديقة بيتها الصغيرة وكأنها تراها لأول مرة.تنفست وأحست وكأن ألما يقطع قلبها تذكرت نظرات ولدها حين كان يقف عند قفص القرد بينما هو مشمئز منه إذ أتى صبي في مثل سنه ورمى الفستق للقرد نظر ابنها إلى ذلك الصبي بحزن كسر قلبها آنذاك أحست لحظتها وكأن النظرية اغتصبت منه طفولته فمنعته الإستمتاع بالحيوانات كما باقي الأطفال.
أحست بحزن شديد نظرت مرة أخرى إلى السماء وتجولت بعينيها بين النجوم، أرادت أن تبكي وتصرخ وفجأة أحست براحة زوجها توضع بهدوء على كتفها. همس قائلا وهو يهم بالإطلال على وجهها: ما بك؟؟ لماذا أنت مستيقظة؟؟
وضعت رأسها بين راحتيها وبدأت في البكاء وكأنها طفل صغير. لم يحاول سؤالها مجددا ربت على كتفها وقال لها: سترتاحين بعد البكاء. و ظل واقفا بجانبها بينما استمرت في بكائها ونحيبها.
مسحت الدمع عن عينيها وقالت له: أحس بأنني أقف على هاوية والمخاوف تحيط بي من كل جانب.
نظر إليها وقال لها مشيرا إلى الكتب التي كانت تقرأ فيها: الغوص في نظريات هؤلاء تولد إحساسا غريبا في نفس الباحث بصدق فيها. أتعلمين عزيزتي, أنا أيضا كلما فكرت في إلحادنا تراكمت علي المخاوف. وكأن عقولنا كانت صفحة بيضاء بلا حدود فجاء الإلحاد وحدد فيها نقطة في الوسط هي حياتنا ثم لون البقية بالأسود فكل ما يحيطنا قبل الحياة سواد وبعدها سواد.
قالت له فجأة: لهجتك تكاد تصبح لا أدرية؟؟ ألا ترى ذلك؟؟
فقال لها متفاديا السؤال: بماذا تحسين وأنت تنظرين إلى السماء والنجوم وتشمين هذا الهواء بماذا تشعرين حين تلامس يدي جسدك. هل يسمح لك التطور بالتعبير عن هذه المشاعر؟؟
واستدار ليعود إلى غرفته وهو يقول: التطور ليس بندا في دستور الإلحاد. كوني ملحدا لا يعني أبدا أنني مضطر للتصديق بالتطور.
وأغلق باب الغرفة وتركها فريسة القلق.
....
وقفت عند باب المدرسة تنتظر إبنها فخرجت المدرسة ترافقه على غير عادتها وبعد التحية بادرتها بالسؤال: هل من خطب؟؟
فقالت المدرسة: لأول مرة يضرب رفيقا له في الصف ولا يريد أن يقول لم فعل ذلك؟؟
فقالت له الأم: لماذا ضربت رفيقك؟؟
فأشار عليها لتعطيه أذنه وهمس فيها: لأنه قال لي يا قرد.
ضحكت في قرارة نفسها ثم قطبت جبينها واعتذرت للمدرسة وحملته إلى السيارة.
كانت تنظر إليه عبر المرآة وتكاد تنفجر من الضحك لتلك النظرة الغاضبة التي ترتسم على وجهه حاولت كتم الضحك بصعوبة وقالت له: لم يكن عليك ضرب زميلك وكان يكفي أن تقول له أنا لست قردا بل أنا إنسان.
فقال لها في غضب طفولي: وحين يقول لي إننا والقردة من نفس الجد عندها لن أعرف كيف أجيبه، لقد ضربته حتى لا يفكر في قولها مرة أخرى.
صمتت عن الكلام، غاصت الضحكة في أعماقها وحل محلها سؤال عريض، هل أقول له إن التطور لا يعدو أن يكون مجرد تفسير لا صحة فيه وهناك تفسير آخر يقول بالخلق؟؟. لكن خافت أن تدخل في أسئلة لا نفاذ منها إلا بالإعتراف بوجود الأديان. وهذا ما تحاول مداراته بكل طاقتها.
وعدت نفسها أن تسرد الواقع كما هو لإبنها لكن في هذه المرة وقف العناد والمكابرة سدا منيعا بينها وبين الحقيقة.
قالت له: عدني ألا تضرب أحدا في المدرسة لأن هذا سلوك( أرادت أن تقول حيواني وأعرضت) ليس جيد. والضرب سيجعل الآخرين يكرهونك.
لم يجبها وانشعل بالنظر عبر نافذة السيارة فقالت له: هل سمعتني؟؟
فقال لها: أجل أجل أجل.
فابتسمت وهي تقول: أجل واحدة تكفي.
لم يجبها فصمتت وانشغلت بالقيادة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس