سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم/د.عثمان قدري مكانسي/اساليب القتال
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
أساليب القتال
الدكتور عثمان قدري مكانسي
خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المدينة إلى معركة أحد بجيش قوامه ألف مقاتل . ولما تراءى الجمعان عاد عبد الله بن أبي سلول بثلاث مئة من المنافقين إلى المدينة غير راغبين في القتال . أما حجتهم فلأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُصغِ إلى قولهم أن يتحصنوا في المدينة ،إنما استمع لقول الشباب ، فخرج بهم إلى ظاهرها ، أما الحقيقة فهي أن المنافقين جبناء كما ذكرنا ذلك في أسلوب " تطهير الصف " . ولماذا يقاتلون ، وهم يرون أن المشركين أقرب إليهم من المسلمين ، ويتمنون من كل قلوبهم أن ينتصر المشركون على المسلمين ! .
1ـ انتظام الصفوف :
إذاً عاد ثلاث مئة ، وبقي المسلمون سبع مئة ، والمشركون ثلاثة آلاف مقاتل ، فهم إذن أكثر من المسلمين بما ينوف على أربعة أضعاف .
كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدد مكان المقاتلين ، ويصفُّهم لقتال عدوهم . وحين ساور الخوف قبيلتين مسلمتين هما : بنو سلمة وبنو الحارث ـ فقد أهموا أن يعودوا لاعتقادهم أن العدد غير المكافىء لا يبشر بنصر ـ جاءهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم يشجعهم ويثبتهم ، ويرفع من عزائمهم ، وهكذا كان .
قال تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}(آل عمران) .
فالقتال إذاً كان صفوفاً تثبتت في مكانها تصدُّ الهجوم ، ثم تنتقل إلى الهجوم .
وهناك أيضاً ترتيب الأصناف ، كل مع جنسه قال تعالى:
{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}(النمل) .
يوزعون : يوقف أوائلهم لتلحقهم أواخرهم .
فلم تكن هناك فرجات بين الأنواع ، وإن كانت منفصلة يتبع بعضها بعضاً ، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنه يجب أن يكون المقاتلون لُحمة واحدة ، وصفاً منضبطاً ، وحركة متتابعة { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}(الصف) .
والانتظام صفوفاً يورث الهيبة والجلال في نفس الناظر ، ففي يوم القيامة تنزل الملائكة من السماء صفوفاً متتابعة ، تبعث على الخوف ، والإجلال ، والرهبة ،قال تعالى:
{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)}(النبأ) .
{ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)}(الفجر) .
والصفُّ المتراص دلالة على الوحدة والقوة ، فهذا فرعون يأمر السحرة أن يأتوا صفاً واحداً ليرهبوا بمنظرهم وحركتهم موسى عليه السلام ، وليزرعوا الإعجاب والإكبار في نفوس عامة الشعب ، بل إن السحرة أنفسهم كانوا أصحاب هذا الأسلوب،قال تعالى :
{ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}(طه) .
2ـ القتال من وراء الحصون :
ويكشف الله سبحانه وتعالى جبن اليهود ، وهلعهم من لقاء المسلمين ، فهم لا يقاتلون وجهاً لوجه ، إنما يتتّرسون بالحصون العالية القوية ، والجُدُرِ السميكة المتينة ، يقول الله سبحانه وتعالى :
{ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14){(الحشر) .
وهم الآن على قوتهم ، وكثرة سلاحهم لا يقاتلون مشاة هاجمة ، أو محمولة ، وإنما يقاتلون وهم داخل الدبابات ، ومن وراء الخنادق ، وداخل الملاجىء السميكة ، والصواريخ العابرة والطائرات . . . صحيح أن هذا النوع من القتال الآن هو الأكثر فائدة ونجاة إلا أنهم لا يستطيعون مواجهة الجيش المعادي سفاحاً ، وأفضل سلاح لديهم وأفضل طريقة في القتال بث الفرقة بين المسلمين ، وجعلهم أعداءً بعضهم لبعض .
وحين يعرف المسلمون أنفسهم حق المعرفة ، ويتوحدون ، ويحكِّمون شرع الله فيما بينهم تسقط أسطورة اليهود ، ويذوبون كما يذوب الجليد في الظهيرة الحارة . . .
3ـ الحرب الصاعقة السريعة تشل الحركة :
وقد أكدت الآيات في القرآن الكريم على :
قطع الرقاب وأصابع الأيدي كي لا تستطيع حمل السلاح .
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
1ـ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
2ـ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}(الأنفال) .
وهي ، الحرب النفسية الإيجابية للمسلمين ، والسلبية للأعداء ، وتكون الضربة القاضية بقطع الأعناق ، وشلّ الحركة بقطع الأصابع (( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا }(من الآية 4 محمد(القتال)) .
4ـ الإثخان في القتل والاستئصال :
وهنا ينبهنا الله تعالى أن نشتد في قتل الأعداء ، حتى يعلموا أننا لا نرحمهم إن فكروا في الاعتداء علينا ، فإذا كثر فيهم القتل ، وبلغت قلوبهم الحناجر ، واستسلموا جاز لنا أن نأخذ منهم أسرى ، أما في بداية المعركة ووسطها فليس لنا إلا القتل والاستئصال لأعداء الله كي تخنس نفوسهم وتذل ، فلا يفكّروا مستقبلاً في إيذاء المسلمين والتصدي لهم، قال تعالى :
{ فإما تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }(الأنفال) .
ونجد الأمر بالإثخان ، وكثرة الإصابة في قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }(الأنفال) .
وذكر الله سبحانه وتعالى قُوّة موسى حين دخل المدينة على حين غفلة من أهلها :
{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ }(من الآية 15 القصص) .
والوكز : ضربة في الصدر بجمع الكف .
وفي السنَّة النبوية طرقٌ عديدة في القتال ، وليس في القرآن الكريم الكثير منها ، لأنه ـ كما نعلم ـ كتاب تشريع وكتاب حياة ـ التفصيل فيه في الحياة المعيشية غير وارد .
يتبع
آخر تعديل بواسطة Nabil ، 2015-02-14 الساعة 10:26 PM
|