سابعا: المرجعية في الحكم إلى الشريعة الإسلامية:
وجاء في هذا الأصل:
"وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله –عز وجل- وإلى محمد...
"وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله، وإلى محمد رسول الله، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره"[15].
ثامنا: حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر مكفولة لكل فصائل الشعب:
وجاء في هذا الأصل:
"وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأَثِم فإنه لا يوتغ[16] إلا نفسه وأهل بيته" [17].
تاسعا: الدعم المالي للدفاع عن الدولة مسؤلية الجميع:
وجاء في هذا الأصل:
"وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين"[18].
فعلى كل الفصائل بما فيها اليهود أن يدعموا الجيش ماليًا وبالعدة والعتاد من أجل الدفاع عن الدولة، فكما أن المدينة وطن لكل الفصائل، كان على هذه الفصائل أن تشترك جميعها في تحمل جميع الأعباء المالية للحرب.
عاشرا: الاستقلال المالي لكل طائفة:
وجاء في هذا الأصل:
"وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم"[19].
فمع وجوب التعاون المالي بين جميع طوائف الدولة لرد أي عدوان خارجي، فإن لكل طائفة استقلالها المالي عن غيرها من الطوائف.
الحادي عشر: وجوب الدفاع المشترك ضد أي عدوان :
وجاء في هذا الأصل :
"وإن بينهم النصر على من دهم يثرب "[20].
"وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة"[21].
وفي هذا النص دليل صريح على وجوب الدفاع المشترك، ضد أي عدوان على مبادئ هذه الوثيقة.
الثاني عشر: النصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب:
وجاء في هذا الأصل:
"وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم"[22].
فالأصل في العلاقة بين جميع طوائف الدولة –مهما اختلفت معتقداتهم– هو النصح المتبادل، والنصيحة التي تنفع البلاد والعباد، والبر والخير والصلة بين هذه الطوائف.
وقد اشتملت الدستور على قيم حضارية أخرى منها:
الثالث عشر: حرية كل فصيل في عقد الأحلاف التي لا تضر الدولة:
وجاء في هذا الأصل:
"وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه"[23].
الرابع عشر: ووجوب نصرة المظلوم:
وجاء في هذا الأصل :
"وإن النصر للمظلوم."[24]
الخامس عشر: وحق الأمن لكل مواطن:
"إنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول"[25].
هذه بعض معالم الحضارة الإسلامية في دستور المدينة، تبين لك – كما رأيت – كيف سبق النظامُ الإسلامي جميع الأنظمة في إعلاء قيم التسامح والتكافل والحرية ونصرة المظلوم .. وغيرها من القيم الحضارية التي يتغنى بها العالم في الوقت الراهن دون تفعيل جاد أو تطبيق فاعل.
--------------------------------
[1] سماها ابن إسحاق وكتاب السير القدماء : الموادعة، وسماها الصلابي : الوثيقة أو الصحيفة، وسمها صفي الرحمن المباركفوري ميثاق التحالف الإسلامي، وسماها الحميدي :صحيفة المعاهدة بين أهل المدينة، وسماها البوطي وثيقة بين المسلمين وغيرهم ، واخترنا تسميتها بالدستور، فهو الاسم الحالي الرسمي للوثيقة التي تنظم الشأن للدولة . فالمعاهدة تنظم العلاقات الخارجية بين دولة ودولة، أما الدستور فيطلق على الوثيقة التي تنظيم الشأن العام الداخلي للدولة .
[2] ك. جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 192.
[3] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 321
[4] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 321
[5] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260
[6] ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 501
[7] أي: طلب دفعًا على سبيل الظلم، ويجوز أن يراد بها العطية.
[8] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 321، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 501
[9] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 321، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 502
[10] ابن القيم : زاد المعاد 3/ 108
[11] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 321، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 502
[12] أي قتله دون جناية أو سبب يوجب قتله.
[13] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/260، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 502
[14] عبد العزيز بن عبد الله الحميدي : التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، 3/49
[15] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261، وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[16] يعني : يُهلك .
[17] ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[18] ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[19] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[20] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[21] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[22] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503
[23] ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، وابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503، والسهيلي : الروض الأنف 2/345
[24] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 323، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503، والسهيلي : الروض الأنف 2/345
[25] ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 323 وابن سيد الناس : عيون الأثر 1/262 ، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503، والسهيلي : الروض الأنف 2/345
المصادر والمراجع
* ابن سيد الناس (أبي الفتح محمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن يحيى))ت 734هـ(: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، بيروت : دار الآفاق، 1977م.
* ابن القيم (محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي) : زاد المعاد في هدي خير العباد ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط، بيروت – الكويت: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية -الطبعة الرابعة عشر ، 1407 هـ- 1986م
* ابن كثير(إسماعيل بن عمر): السيرة النبوية، بيروت: مكتبة المعارف،د. ت.
* ابن هشام (، أبو محمد بن عبد الملك ) : السيرة النبوية ، دمشق : دار الفكر، د. ت.
* السهيلي ( أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله) ت 581 هـ: الروض الأنف، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل ،القاهرة: 1967 م
* عبد العزيز بن عبد الله الحميدي : التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، الإسكندرية : دار الدعوة، الطبعة الأولى، 1418هـ - 1997م .
* كونستانس جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله، تعريب : محمد التونجي، د. م : الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 1983م.
دستور المدينة.. مفخرة الحضارة الإسلامية
محمد مسعد ياقوت**
http://www.saaid.net/mohamed/234.htm
نقلا عن عمرو على
http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?t=5517
يتبع