عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2023-01-30, 02:06 PM
معاوية فهمي إبراهيم مصطفى معاوية فهمي إبراهيم مصطفى غير متواجد حالياً
مشرف قسمي العيادة الصحية والمجتمع المسلم
 
تاريخ التسجيل: 2018-02-05
المشاركات: 2,188
افتراضي بناء النشيء(الجِيل) الجديد


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
[ بناء النشيء(الجِيل) الجديد ]
إن الاهتمام بتربية ذرية صالحة، يعد من أفضل و أضمن صور الاستثمار، لو أراد الانسان أن يفكر بمنطق إستثماري! .. فإن من أبهج عناصر الدنيا أن يرى الانسان ثمرة وجوده وأثر تربيته، يمشي أمامه على وجه الارض، عامراً للبلاد و! مصلحاً للعباد. وخاصة عندما يقترب من نهايته، فيرى أن دورهُ على وشك الانتهاء فى الحياة الدنيا، لتبدأ ذريتُه بدور جديد من الحركة التكاملية، والتى تعود أثارها اليه وهو فى القبر، حيث يتنظر أدنى رصيد يرجح كفة حسناته، حيث انقطع العمل وبدأ الحساب.

القرآن الكريم عندما يعبر عن طلب الأنبياء وغيرهم للذرية الصالحة فإنه يعبر بلفظ (الهبة)، ومعنى ذلك أن الانسان لا يطلب من الله تعالى هذه العطية الكبرى بإستحقاقه، وإنما يريد من الله تعالى أن يتفضل عليه بذلك. فانه مهما بالغ في التربية فإنه لا يحقق أمانيه بسعيه، فإن خيوط الامر كثيرا ما تخرج عن يده!! .. وياترى كم من الفضل العظيم توجه إلى إبراهيم بمثل إسماعيل، وإلى زكريا بمثل يحيى، وإلى مريم بمثل المسيح عليهم السلام .. وكم من المناسب ان يدعو أحدنا بإلحاح ان يمن عليه بمن يصلح به المسلمون فى مستقبل هذا الزمان، حيث عز النصير لهذا الدين الذي عاد غريبا كما بدأ غريبا.

إن ولي الامر فى الاسرة شاء أم أبى يعد رأس الهرم التربوي، الذى بفساده تفسد القاعدة .. فان الولد لا يرى في سنوات تربيته الأولى مربيا سوى والديه. وعليه فليس من الرياء أبداً ان يظهر الأبوان شيئا من طاعاتهما تشجيعا له، وأن يخفيا معاصيهما و مشكلهما لئلا يسقطا من عينه، وخاصة اذا لم يكن يتوقع منهما الولد ذلك .. و من المؤسف حقا أن الولد عندما يكبر ويعود إلى رشده، فإنه يحس في أعماق وجوده حالة من الكره لهما، بحيث يجره إلى العقوق جرا، لما يعيشه فى باطنه من الاحتقار لهما، و ذلك اذا كانا سببا في افساده.

إن من الاخطاء التربوية الشائعة هو إكثار الوالدين من! لنهى والزجر إلى درجة تبرم الولد، وبالتالي الميل إلى التمرد على الاوامر، والحال إنه لا بد من تقديم البديل الصالح عند كل نهي .. فالشاب الذي يعيش الفراغ الروحي والفكري، فانه يتوجه إلى كل ما يملأ ذلك الفراغ، فلا بد من إشباع وقته بما يصلح به أمره .. والشاب الذي يأنس مع رفقه السوء، لابد من إقتراح من يسد أنسه من الصالحين .. والبالغ الرشيد الذي تدفعه الغريزة إلى إرتكاب السوء، لا بد من السعي لتحصين نصف دينه، وإلا اشترك الابوان في وزره كما يفهم من بعض الروايات.

إن من موجبات إفساد الاولاد: اختلاف الابوين فى نمط التربية، اذ إن من الخطأ الفادح ان يتقمص احد الابوين دور الشفيق المدلل، والاخر دور الحازم القاطع. فان الولد يميل بطبعه إلى الاول، وبالتالي تتحقق فى صغرهِ حالة من الجفوة تجاه الثاني .. ولا بد من الالتفات هنا الى ضرورة التوسط بين حالتى: الدلال والحزم، فلكل من الاسلوبين حسناته وسلبياته، ولكل عمر طبيعته الخاصة به، ولا بد من التفريق بين الخطأ الذي لا يصل إلى حد الحرام فيكفي فيه الارشاد، وبين الخطأ الذي يساوي المنكر فلا بد فيه من الوقوف بحزم وقوة، وإلا ذابت هيبة الحرام في نفس الناشىء، ليتدرج من صغيرة إلى كبيرة، ومن كبيرة الى موبقة.

إذاً أردنا ان نفترض ضرة للابوين، فان من يمكن ان يكون كذلك هم أصدقاء الولد، فان تقارب السن، واشتراك الاهتمامات، وإتحاد الدوافع الغريزية، وتهييج وسائل الاعلام المفسدة: كل ذلك من العوامل التي تسوق! لولد سوقا الى إتخاذ بطانة سوء، بهم تذهب أتعاب سنوات من التربية أدراج الرياح .. ومن الغريب حقا أن يجنب الابوان كل ما فيه إضرار بصحته الظاهرية، بل البعض يبالغ في الاهتمام ببشرة الولد مثلا، والحال أنهما يتركانه لينقش صديق السوء، ومظاهر الإفساد في الشارع: كل مفردات الافساد في نفسه .. ولو كشف الغطاء للعبد لتمنى حرمانه من ذرية، تكون سببا للتعاسة في الدنيا، والشقاء في الآخرة.

إن من المناسب أن يذكر رب الاسرة نفسه، بأن ماله و ثمره كده وجهده في سنوات طويلة، سَيُصبُ أخيراً في حساب ولدهِ، وخاصة إذا كان هذا المال نتيجة صرف سنوات من ريعانِ شبابه في أشق المهن كالغوص في البحار، بحثا عن لقمة العيش!! .. أو ليس من المنطق أن يفكر الانسان تفكيراً منطقياً فيمن سيستلم ثمار سنوات الكدح! .. وذلك في ليلة واحدة: أي ليلة موته لينتقل إلى عالم مجهول موحش. والحال أن الولد قد يعيش بتلك الثروة نفسها منتقلا من لذة إلى أخرى، ناسياً أن أباه المسكين، يستصرخه في إهدائه حسنة واحدة من عرق جبينهِ، لينقذه من عذابٍ أليم.

إن من الملفتِ حقاً أن يكون إنبات بذرة الى مرحلة الاثمار، محتاجا إلى علم وتخصص في سنوات بما يعرف بالهندسة الزراعية، ليتم التعرف على شيء من أسرار عالم النبات، والذي لا يعد شيئاً أمام تعقيدات النفس الانسانية .. أفلا تستحق تربية من هو بمثابة الجزء الذي لا ينفك من الإنسان، إلى دراسة وبحث ولو على مستوى العموميات؟!.. ولماذا لا نحاول وخاصة الطبقة المثقفة أن يكون لنا رصيد يعتد بهِ في هذا المجال، إذاً كيف يمكن تحقيق التربية النموذجية، من دون علم بأدنى قواعد هذا العلم، الذي يتناول أعز شيء في عالم الوجود، ألا وهي النفس التي بين الجنبات.
§§§§§§§§§§§§§
رد مع اقتباس