عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 2011-11-17, 04:46 AM
يعرب يعرب غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2010-04-12
المكان: دار الاسلام
المشاركات: 1,014
افتراضي رد: توحيد الأسماء والصفات

وقفة حول المجاز
المجاز مصطلح معروف عند أهل اللغة ، والبلاغة ، والتفسير ، والأصول وغيرهم .

الدرس الثامن والأخير في باب الأسماء والصفات..

كما أنه يَرِدُ كثيراً في كتب العقائد ، خصوصاً في باب الأسماء والصفات ؛ ذلك أن كثيراً من أهل التعطيل اتخذوه مطية لنفي الصفات الإلهية .
ولأجل أن تتضح صورة المجاز إليك هذا العرض المجمل الميسر الذي يبين معالمه ، وحقيقة الخلاف فيه وما جرى مجرى ذلك .
وقبل الدخول في ثنايا الحديث عن المجاز يحسن الوقوف عند مصطلح ( الحقيقة ) ؛ وذلك لأن المجاز ـ عند من يقول به ـ قسيم الحقيقة .
فالكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز ؛ فإلى تفصيل الحديث حتى يتبين الأمر .
أولاً : تعريف الحقيقة : هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع . أو هي : استعمال اللفظ فيما وضع له في الأصل .
مثل كلمة ( أسد ) : تدل على الحيوان المعروف ، وكلمة ( الشمس ) : تدل على الكوكب العظيم المعروف ، وكلمة ( البحر ) : تدل على الماء العظيم الملح . . وهكذا جميع ألفاظ اللغة .
ثانياً : تعريف المجاز : المجاز في اللغة : اسم مكان كالمطاف والمزاز . والألف فيه منقلبة عن واو ، وقيل : هو مصدر ميمي .
وفي الاصطلاح : هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل ؛ لعلاقة بين المعنيين ـ الحقيقي والمجازي ـ مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي .
ثالثاً : شرح مفردات تعريف المجاز : قوله : ( في غير ما وضع له ) : أي المعنى الوضعي للَّفظ ، ويسمى الحقيقي أو الأصلي الذي ذكرته معاجم اللغة ، كوضع كلمة الأسد للحيوان المعروف الكاسر ، وكذلك القمر .
- قوله : ( لِعِلاقة ) : العلاقة هي الشيء الذي يربط بين المعنى الأصلي للفظ ، والمعنى المجازي ، كالشجاعة في قولك : رأيت أسداً يكرُّ بسيفه ! فالأسد هنا لا يقصد به الحيوان ؛ وإنما يقصد به الرجل الشجاع ، إذاً فقد انتقل من معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي ، والعلاقة هي الشجاعة .
- قوله : ( القرينة ) ؛ القرينة : هي التي تمنع الذهن من أن ينصرف إلى المعنى الوضعي الأصلي للفظ ، مثل قولك ( يكر بسيفه ) في قولك : ( رأيت أسداً يكر بسيفه ) لأن الأسد لا يكر بالسيف ، فعلم أن المقصود باللفظ مجازه لا حقيقته ؛ لأن الأسد لا يحمل السيف .
وكذلك قولك في الرجل الكريم : جاء البحر ، ونحو ذلك من الأمثلة مما سيأتي ذكره .
رابعاً : " تطبيـق " : إليك هذا التطبيق الذي يبين لك ما ذكر بصورة أجلى : قال أهل المدينة في استقبالهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قدم من تبوك هو وأصحابه :


طلــع البــدر عليـنا من ثنــيات الــوداع

فالمجازات في هذا البيت واقع في لفظ ( البدر ) حيث يريدون به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهذا استعمال مجازي ؛ ذلك لأن الاستعمال الحقيقي للبدر إنما هو الكوكب العظيم الذي يكون في السماء ليلاً .
والعلاقة بين المعنيين ـ الحقيقي والمجازي ـ هي الحسن والإشراق ؛ فالبدر حسن مشرق ، وكذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي الحقيقي هي : ( من ثنيات الوداع ) فهي التي أثبتت مجازية البدر ، والسبب أن البدر الحقيقي لا يظهر بين ثنيات الوداع ـ وهي الجبال الصغيرة ـ وإنما يظهر في السماء ـ كما هو معلوم ـ فعلم بذلك أن اللفظ أريد به مجازه لا حقيقته .
خامساً : " أمثلة لألفاظ يتبين فيها الحقيقة من المجاز " :
1 / الشمس لها دلالتان : إحداهما حقيقية وهي دلالة الكوكب العظيم المعروف .
والأخرى مجازية وهي : الوجه المليح .
2 / البحر له دلالتان : إحداهما حقيقته ، وهي دلالته على الماء العظيم الملح .
والأخرى مجازية وهي : دلالته على الرجل الجواد الكثير العطاء أو العالم العزير العلم .
3 / اليد لها دلالتان : إحداهما حقيقته ، وهي الجارحة المعروفة ، كما تقول : كتبت بيدي .
والأخرى مجازية بمعنى النعمة ، كما تقول لفلانٍ عليَّ يدٌ ، أي : نعمة .
سادساً : كيف يُفرَّق بين الحقيقة والمجاز ؟
يفرق بسياق الكلام ، وقرائن الأحوال . ولا يمكن أن يقال : إن كلا الدلالتين ـ الحقيقية والمجازية ـ سواء ؛ بحيث إذا أطلق اللفظ دل عليهما معاً ، كأن يقال : إن الشمس حقيقية في دلالتها على الكوكب والوجه المليح ، وأن البحر حقيقة في الماء العظيم الملح والرجل الجواد ؛ بل لابد من قرينة تخصص المعنى المراد .
سابعاً : لم سمي المجاز بهذا الاسم ؟
لأنه مأخوذ من قولهم : جاز هذا الموضع إلى هذا الموضع ، إذا تخطاه إليه .
فالمجاز ـ إذاً ـ اسم للمكان الذي يجاز فيه كالمزار ، والمعاج وأشباههما .
وحقيقته : الانتقال من مكان إلى مكان ؛ فجعل ذلك لنقل الألفاظ من محل إلى محل ، كقولنا : زيد أسد ؛ فإن زيداً إنسان والأسد هو ذاك الحيوان المعروف . وقد جُزْنا الإنسانية ـ أي : تخطيناها وانتقلنا منها وعبرناها إلى الأسدية ؛ لِوُصلة بينهما ـ أي علاقة ، وتلك الوصلة هي صفة الشجاعة ؛ فهذا هو سبب تسمية المجاز بهذا الاسم .
أما الحقيقة فهي : مأخوذة من كلمة حقَّ وهو الشيء الثابت ، ولعلك تشمُّ رائحة التضاد بين هاتين الكلميتين ؛ فالحقيقة ثبوت الشيء ، والمجاز تَعَدِّية .
ثامناً : هل كل مجاز له حقيقة ، وكل حقيقة لها مجاز ؟
والجواب : أن كل مجاز له حقيقة ؛ لأنه لم يطلق عليه لفظ مجاز إلا لنقله عن حقيقة موضوعة .
وليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز .
تاسعاً : هل الأصل في الكلام الحقيقة أو المجاز ؟
والجواب : أن الأصل فيه الحقيقة ، ولا ينصرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه إلا بقرينة ، كما مر في الأمثلة الماضية .
عاشراً : اختلاف العلماء في أصل وقوع المجاز :
اختلف العلماء في أصل وقوع المجاز وثبوته في اللغة والقرآن ، على ثلاثة أقوال :
1 / أن المجاز واقع في اللغة والقرآن : وهذا مذهب جماهير العلماء ، والمفسرين ، والأصوليين ، واللغويين ، والبلاغيين ، وغيرهم ؛ بل حكى الإجماع على ذلك يحيى بن حمزة العلوي في كتابه ( الطراز ) غير أن في تلك الدعوى توسعاً ؛ لوجود المخالف المعتبر .
2 / إنكار المجاز مطلقاً في اللغة والقرآن : وقد ذهب إلى ذلك أبو إسحاق الاسفراييني ، وتبعه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
3 / أن المجاز واقع في اللغة دون القرآن : وقد ذهب إلى ذلك وارد الظاهري ، وابنه محمد ، وابن القاصّ الشافعي وابن خويز منداد المالكي ، ومنذر بن سعيد البلوطي ، ومن المعاصرين الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي .
حادي عشر : حجة القائلين بمنعه :
القائلون بمنع المجاز في اللغة والقرآن ، أو في القرآن وحده يحتجون على ذلك بحجج منها :
1 / أن كل مجاز كذب يجوز نفيه : فيلزم على القول بأن في القرآن مجازاً أن في القرآن ما يجوز نفيه ، قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ : " وأوضح دليل على منعه في القرآن إجماع القائلين بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه ، ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر ؛ فتقول لمن يقول : رأيت أسداً يرمي : ليس هو بأسد وإنما هو رجل شجاع ؛ فيلزم على القول بأن في القرآن مجازاً أن في القرآن ما يجوز نفيه ، ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن " .
2 / أن القول بالمجاز ذريعة إلي نفي الصفحات الإلهية وتأويلها ، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ : " وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض الصفات قد شوهدت في الخارج صحته ، وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم .
وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك ، فقالوا : لا يد ، ولا استواء ، ولا نزول ، ونحو ذلك في كثير من آيات الصفات لأن هذه الصفات لم تُرَدْ حقائقها ؛ بل هي عندهم مجازات ؛ فاليد سمتعملة عندهم في النعمة ، أو القدرة ، والاستواء في الاستيلاء ، والنزول نزول أمره ونحو ذلك ؛ فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول المجاز .
مع أن الحق الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة إثبات هذه الصفات التي أثبتها ـ تعالى ـ لنفسه ، والإيمان بها من غير تكييف ولا تشبيه ، ولا تعطيل ولا تمثيل " .
فهذا السبب ـ أعني نفي الصفات عن طريق القول بالمجاز ـ هو من أعظم الأسباب التي دعت القائلين بإنكار المجاز إلى ذلك .
3 / ادعاء أن الألفاظ كلها حقيقة : والجزم بأن تقسيمها إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث لم تعرفه العرب : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المجاز : " إنه غير معروف عن العرف ، ولم تقل الأمة في أول عصورها : هذا اللفظ حقيقة وذاك مجاز .
وإنما هو اصطلاح طارئ على الأمة بعد انقضاء القرون الثلاثة " .
وقد كرر ـ رحمه الله ـ ذلك في مواضع من كتبه ، خصوصاً في كتابه الإيمان ، وفي الأسماء والصفات من مجموع الفتاوى .
4 / أن إطلاق المجاز في القرآن يفضي ويؤدي إلى وصف الله بالمُتَجَوِّز : وذلك مما لم يرد الإذن به ؛ ذلك أن أسماء الله وصفاته توقيفية كما هو معلوم .
ثاني عشر : مناقشة مثبتي المجاز لمنكريه
1 / أن القول بأن كل مجاز كذب يجوز نفيه ليس صحيحاً : وإنما يكون المجاز كذباً لو أثبت المعنى على التحقيق لا على المجاز ، أي أنه إذا أطلق القمر ـ مثلاً ـ على إنسان بهي الطلعة يكون كذباً لو ادُّعي أنه القمر الذي في السماء حقاً .
ولا ريب أن هذا ليس بمرادٍ في المجاز ، وإنما المراد تشبيهه به في البهاء والحسن ، فأين الكذب ؟ !
وكذلك قولنا للبليد ( حمار ) ليس المقصود بأنه حمار في الشكل والخلقة وإلا لصح أن ينفى ويقال : ليس هو بحمار بل هو إنسان ؛ فالنفي هنا مُنصب على إرادة الحقيقة لا على المعنى المجازي ، وهذا لا يسمى كذباً ؛ لأن المتكلم جاء بقرينة تبين مراده ، وترفع اللبس ، ثم أن البلاغيين حرصوا في مصنفاتهم على أن يبينوا الفرق بين المجاز والكذب ؛ فهم متفقون على أن المجاز ليس كذباً ؛ لأن التجوُّز يضع بين يدي المجاز قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي للفظ .
أما الكذب فإن الكاذب يحرص فيه على إخفاء حاله ؛ ترويجاً للكذب الذي يريده .
ولقد عني البلاغيون بالقرائن عناية بالغة ، واستنبطوها من كلام العرب ، وفصلوا فيها القول تفصيلاً ؛ فإذا خلا المجاز من القرائن كان الكلام فاسداً لعدم دلالته .
2 / أن القول : بأن المجاز ذريعة إلى نفي الصفات الإلهية ، وتأويلها ليس مسوغاً لنفي المجاز ؛ ذلك أنه لا حجة لهؤلاء النفاة المعطلة فيما ذهبوا إليه .
وإنما هم أصحاب هوى وضلال ، ومن كانت هذه حاله ركبه كل صعب وذلول في سبيل هواه ، فاستدلالهم بالمجاز على نفي الصفات استدلال فاسد ، فنحن نجعله حجة عليهم لا لهم ؛ فيقال لهؤلاء النفاة المعطلة : إن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته وظاهره المتبادر ما لم تقم قرينة توجب صرفه عن هذه الحقيقة ، وذلك الظاهر لنا .
ثم إن الناس متعبدون باعتقاد الظاهر من أدلة الكتاب والسنة ما لم يمنع مانع .
وبناء على ذلك يقال لهؤلاء النفاة : إن النصوص الصحيحة القطعية أثبتت صفات الكمال لله تعالى كصفة الكلام ، واليد ، والاستواء ، والنزول ، والعلو ، والساق ، والقَدم ، والضحك ، والأصابع .
والنصوص الواردة في ذلك لا تظفـر فيها بأي قرينة تنقلها عن معانيها الحقيقية التي دلت عليها ؛ فهي صفات حقيقية ثابتة للرب ـ سبحانه ـ على ما يلين به .
وادعاء هؤلاء المعطلة أن إثبات الصفات يلزم منه التمثيل ، وأن القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي تنزيه الله سبحانه عن مماثلة المخلوقين ادعاء باطل متهافت ، ظاهر السقوط ؛ إذ لا يلـزم من إثبات الصـفات لله تمثيلـه وتشبيهه بخلقـه ؛ فللخالـق ـ سبحانه ـ صفات تليق به ، وللمخلوق صفات تليق به .
ثم إن مجيء نصوص الصفات متكاثرة يقطع بأن المراد منها معانيها الحقيقية ويدرأ عن تلك النصوص أن تكون مجازية أنها لا تقبل دعوى المجاز من جهة اللغة نفسها ، وتراكيب الكلم فيها ؛ فهي تأبى أن تبارح المعنى الحقيقي .
ونمثل بهذا المثال وهو قوله سبحانه : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ) [النساء : 164] .
فلا يجوز أبداً أن يقال : إن الكلام في هذه الآية مجازي ، لأن الفعل ( كلَّم ) أُكِّد بالمصدر ( التكليم ) الدال على النوع .
وقد نقل أبو جعفر النحاس ( ت 338 ) إجماع النحاة على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازاً ، بل هو حقيقة قطعاً .
وكيف وقد قال ـ تعالى ـ : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) [الأعراف : 143] ؟ !
ومما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) [ص : 75] أنه قال : " لا يجوز أن تفسر بالقدرة ؛ لأن القدرة صفة واحدة ، ولا يُعَبَّر بالاثنين عن الواحد ، ولا يجوز أن يراد به النعمة ؛ لأن نعم الله ـ تعالى ـ لا تحصى .
وإذا أضيف الفعل إلى الفاعل ، وعُدِّي الفعل إلي اليد بحرف الباء كقوله ـ تعالى ـ : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) [ص : 75] فإنه نصٌّ على أنه فعل الفعل بيديه .
فإذا قال القائل : بنيت الحجرة بيدي فلابد أن يكون باشر البناء بنفسه . إذا قال : هذا البيت بَنَتْه يداي يفهم منه أنه بناه بماله ، وفرق بين التركيبين " ا . هـ .
وبالجملة ، فالأمثلة على هذا النحو كثيرة جداً أو من خلالها يظهر أن نصوص الصفات لا تقبل المجاز من جهة نظمها ، وتركيبها ، وإضافتها إلى الله ـ عز وجل ـ .
كيف وأهل السنة مجمعون على الإقرار بأسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته وحملها على الحقيقة لا المجاز ؟ !
3 / أما القول بأن الألفاظ كلها حقيقة أو أن تقسيمها إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث لم تعرفه العرب ـ فذلك يحتاج إلي نظر .
فإن أريد بذلك أن العرب لم يضعوا هذا المصطلح فنعم .
وإن أريد نه لا يوجد في كلامهم مجاز فهذا غير صحيح ، بل الشواهد من كلامهم على استعمال المجاز أكثر من أن تحصر ، وذلك مما استفاض به النقل عن علماء اللغة .
ثم إن القول إن هذا الاصطلاح لم يعرف إلا بعد القرون الثلاثة المفضلة ـ غير مُسَلَّم به ؟ فقد تلكم بالمجاز غير واحد من علماء اللغة في أوقات القرون المفضلة ؟ ومن هؤلاء أبو زيد القرشي المتوفي سنة 170هـ .
ومن أهل اللغة من يعبر عن المجاز بـ : ( التوسع والسعة في الكلام ) .
4 / وأما القول بأن إطلاق المجاز يفضي إلى وصف الله بالمتجوز وذلك لا يصح ـ فيجاب عنه : بأنه لا يلزم ذلك لأن هذا الإطلاق لا يكون إلا بدليل .
ثم إن إطلاق المجاز على اللفظ في بعض استعمالاته اصطلاح ، ولا يلزم إضافة المعاني الاصطلاحية إلى الله ـ تعالى ـ وإلا ففي القرآن سجع ، وأمثال ، فهل يقال في حق الله ـ تعالى ـ : الساجع ، والممثل ؟
هذه بعض حجج القائلين بمنعه ورد القائلين به على سبيل الإيجاز .
ثالث عشر : خاتمة الحديث عن المجاز : وبعد أن وقفت عن شيء من أمر المجاز وما جاء في الخلاف حول إثباته أو نفيه يتبين لك أن أعظم الأسباب التي دعت إلى نفيه وإنكاره ـ أن أهل التعطيل اتخذوه مطية لتحريف بعض نصوص الشرع لاسيما في باب الصفات .
فهذا هو الذي دعا بعض العلماء أن يشدد في النكير على القائلين بالمجاز .
وإلا لو كان الأمر مجرد اصطلاح لغوي لا يترتب عليه خوض في مسائل الشريعة لهان الخطب ، ولا حصل فيه كبير خلاف ولكن لما أدرك بعض العلماء خطورة ذلك وكثرة المبتدعين به سارعوا إلى إنكاره ؛ سداً للذريعة ، وعلى رأس هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مواطن كثيرة من كتبه ، وإن كان قد قال بالمجاز في إحدى مراحل عمره .
يقول الشيخ عبدالمحسن العسكر ـ حفظه الله ـ في مقدمة مخطوطة له عن المجاز : " وأحسب أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد قال بالمجاز في إحدى مراحل عمره ، فقد رأيت في ( محاسن التأويل ) لجمال الدين القاسمي ( ت 1332هـ ) ما هذا نصه :
" قال ابن تيمية في بعض فتاواه : نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله ، وبالتأويل الجاري على نهج السبيه ، ولم يوجد في شيء من كلامنا وكلام أحد منا أنا لا نقول بالمجاز والتأويل ، والله عند لسان كل قائل ، ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب ، وما فتح به الباب إلى هدم السنة والكتاب ، واللحاق بمُحرِّفة أهل الكتاب .
والمنصوص عن الإمام أحمد وجمهور أصحابه أن القرآن مشتمل على المجاز ، ولم يعرف عن غيره من الأئمة نص في هذه المسألة .
وقد ذهب طائفة من العلماء من أصحابه وغيرهم ، كأبي بكر بن أبي داود ، وأبي الحسن الخرزي ، وأبي الفضل التميمي ، وابن حامد وغيرهم إلى إنكار أن يكون في القرآن مجاز .
وإنما دعاهم إلى ذلك ما رأوه من تحريف المحرفين للقرآن بدعوى المجاز ، قابلوا الضلال بحسم المواد ، وخيار الأمور التوسط ، والاقتصاد .
وبعد أن نقل الشيخ العسكر هذه الفتوى قال : " ومع أنني لم أهتد إلى هذه الفتوى في حظانها من المطبوع من مؤلفات شيخ الإسلام وفتاواه ـ فإن عدم اهتدائي هذا لا ينفي وجودها في كتابات الشيخ مطلقاً .
بَيْدَ أني مطمئن غير مرتاب في نسبة هذا الكلام إلى شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وذلك لما يلي :
1 / أن المطبوع من أعمال شيخ الإسلام لا يمثل إلا القليل مما كتب في حياته كلها .
وأنت خبير أنه صاحب قلم سيال ، ومكثر من الكتابة جداً ، حتى قال الذهبي : " جاوزت فتاوى ابن تيمية ثلاثمائة مجلد " .
2 / أن من له أدنى صلة بتراث شيخ الإسلام لا ينازع في أن هذا النَّفَسَ نَفَسُه ، والأسلوب أسلوبه ، وقد وقف على هذه الفتوى بعض العلماء فأجابوا بذلك منهـم فضيلة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ وشيخنا عبدالرحمن البراك أحسن الله إليه .
3 / أن الذي نقل هذه الفتوى من أعظم الناس اطلاعاً في هذا العصر على كتابات الشيخ وتلميذه ابن القيم ، وكان يعيش في بلاد الشام بلاد الشيخين ، ومؤلفات القاسمي وخاصة تفسيره طافحة بالنقولات الكثيرة عنهما .
ثم إنه أحد القلة في عصره الذين نهضوا بالمنهج السلفي ، ومناصرته ، وأوذي في ذلك أذىً كثيراً .
وما كان الشيخ ليلصق بشيخ الإسلام قولاً يتطرق الشك في نسبته إليه " .


_______________

وأخيرا هذاكتاب الأسماء والصفات من كتاب التوحيد للشيخ (محمدبن إبراهيم الحمد)







وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .




__________________
قال أيوب السختياني رحمه الله:
من أحب أبابكر فقد أقام الدين،
ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل،
ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله،
ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى،

ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.

[align=center]
[/align]

رد مع اقتباس