للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
المسلسل الرمضاني صور من حياة السلف - الحلقة السابعة عشرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى أصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حياكم الله إخوتي وأخواتي الكرام. نكمل معكم اليوم بإذن الله تعالى سلسلتنا الأدبية القصصية التاريخية، التي تعرض صوراً واقعية لأناس عاشوا وتربوا على أيدي خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أيدي أصحابه الأبرار رضوان الله عليهم، وعاشوا في خير القرون وأفضلها، وبذلوا لها كل نفيس، فصاروا أعلاماً يقتدى بهم، وكانوا المؤسسين إلى مدرستنا، مدرسة السلف الصالح. بطل قصتنا لهذا اليوم متميز في قراءته للقرآن الكريم، ولذلك إن كنت سأختار له لقباً فسيكون "الصحابي القارئ". عبد الله بن مسعود (من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما نزل ، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) [محمد رسول الله ()] كان يومئذ غلاماً يافعاً لم يجاوز الحلم ، وكان يسرح في شعاب (1) مكة بعيداً عن الناس ، ومعه غنم لسيد من سادات قريش هو عقبة بن معيط . كان الناس ينادونه : "ابن أم عبد" أما اسمه فعبد الله ، وأما اسم أبيه "فمسعود" . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif كان الغلام يسمع أخبار النبي الذي ظهر في قومه فلا يأبه لها (2) لصغر سنه من جهة ، ولبعده عن المجتمع المكي من جهة أخرى ، فقد دأب على أن يخرج بغنم عقبة منذ البكور ثم لا يعود بها إلا إذا أقبل الليل . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif وفي ذات يوم أبصر الغلام المكي عبد الله بن مسعود كهلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد ، وقد أخذ الجهد منهما كل مأخذ (3) ، واشتد عليهما الظمأ حتى جفت منهما الشفاه والحلوق . فلما وقفا عليه ، سلما وقالا : يا غلام ، احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمأنا ، ونبل عروقنا . فقال الغلام : لا أفعل ، فالغنم ليست لي ، وأنا عليها مؤتمن .... فلم ينكر الرجلان قوله ، وبدا على وجهيهما الرضا عنه . ثم قال أحدهما : دلني على شاة لم ينز عليها فحل ، فأشار الغلام إلى شاة صغيرة قريبة منه ، فتقدم منها الرجل واعتقلها ، وجعل يسمح على ضرعها (4) بيده وهو يذكر عليها اسم الله ، فنظر إليه الغلام في دهشة وقال في نفسه : ومتى كانت الشياه الصغيرة التي لم ينز عليها الفحول تدر لبناً ؟! لكن ضرع الشاة ما لبث أن انتفخ ، وطفق اللبن منه ثراً (5) غزيراً . فأخذ الرجل الآخر حجراً مجوفاً من الأرض ، وملأه باللبن ، وشرب منه هو وصاحبه ، ثم سقياني معهما ، وأنا لا أكاد أصدق ما أرى ... فلما ارتويا ، قال الرجل المبارك لضرع الشاة : انقبض . فما زال ينقبض حتى عاد إلى ما كان عليه . عند ذلك قلت للرجل المبارك : علمني من هذا القول الذي قلته . فقال لي : إنك غلام معلم . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif كانت هذه بداية قصة عبد الله بن مسعود مع الإسلام ... إذ لم يكن الرجل المبارك إلا رسول الله صلوات الله عليه ، ولم يكن صاحبه إلا الصديق رضي الله عنه . فقد نفرا (6) في ذلك اليوم إلى شعاب مكة ، لفرط ما أرهقتهما (7) قريش ولشدة ما أنزلت بهما من بلاء . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif وكما أحب الغلام الرسول الكريم () وصاحبه ، وتعلق بهما ، فقد أعجب الرسول وصاحبه بالغلام وأكبرا أمانته وحزمه وتوسما فيه الخير (8) . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif لم يمض غير قليل حتى أسلم عبد الله بن مسعود وعرض نفسه على رسول الله () ليخدمه ، فوضعه الرسول صلوات الله عليه في خدمته . ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبد الله بن مسعود من رعاية الغنم إلى خدمة سيد الخلق والأمم . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif لزم عبد الله بن مسعود رسول الله صلوات الله عليه ملازمة الظل لصاحبه ، فكان يرافقه في حله وترحاله ، ويصاحبه داخل بيته وخارجه ... إذ كان يوقظه إذا نام ، ويستره إذا اغتسل ويلبسه نعليه إذا أراد الخروج ، ويخلعهما من قدميه إذا هم بالدخول ، ويحمل له عصاه وسواكه ، ويلج الحجرة بين يديه إذا أوى إلى حجرته ... بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن له بالدخول عليه متى شاء ، والوقوف على سره من غير تحرج ولا تأثيم ، حتى دعي بصاحب سر رسول الله . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif ربي عبد الله بن مسعود في بيت رسول الله ، فاهتدى بهديه ، وتخلق بشمائله (9) ، وتابعه في كل خصلة من خصاله ، حتى قيل عنه : إنه أقرب الناس إلى رسول الله هدياً وسمتاً (10) . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif وتعلم ابن مسعود في مدرسة الرسول صلوات الله عليه فكان من أقرأ الصحابة للقرآن ، وأفقههم لمعانيه وأعلمهم بشرع الله . ولا أدل على ذلك من حكاية ذلك الرجل الذي أقبل على عمر بن الخطاب وهو واقف بعرفة ، فقال له : جئت -يا أمير المؤمنين- من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، فغضب عمر غضباً قلما غضب مثله ، وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي (11) الرحل وقال : من هو ويحك (12) ؟! قال : عبد الله بن مسعود . فما زال ينطفئ ويسرى عنه حتى عاد إلى حاله ، ثم قال : ويحك ، والله ما أعلم أنه بقي أحد من الناس أحق بهذا الأمر منه ، وسأحدثك عن ذلك . واستأنف عمر كلامه فقال : كان رسول الله يسمر ذات ليلة عند أبي بكر ، ويتفاوضان (13) في أمر المسلمين ، وكنت معهما ، ثم خرج رسول الله وخرجنا معه ، فإذا رجل قائم يصلي بالمسجد لم نتبينه (14) ، فوقف رسول الله يستمع إليه ، ثم التفت إلينا وقال : (من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ...) . ثم جلس عبد الله بن مسعود يدعو فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له : (سل تعطه .... سل تعطه ....) ثم أتبع عمر يقول : فقلت في نفسي : والله لأغدون على عبد الله بن مسعود ولأبشرنه بتأمين الرسول على دعائه ، فغدوت عليه فبشرته ، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه ، فبشره ... ولا والله سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif ولقد بلغ من علم عبد الله بن مسعود بكتاب الله أنه كان يقول : والله الذي لا إله غيره ، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وأعلم فيما نزلت ، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تناله المطي (15) لأتيته . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif لم يكن عبد الله بن مسعود مبالغاً فيما قاله عن نفسه ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلقى ركباً (16) في سفر من أسفاره ، والليل مخيم يحجب الركب بظلامه . وكان في الركب عبد الله بن مسعود ، فأمر عمر رجلاً أن يناديهم : من أين القوم ؟ فأجابه عبد الله : من الفج العميق (17) . فقال عمر : أين تريدون ؟ فقال عبد الله : البيت العتيق . فقال عمر : إن فيهم عالماً .... وأمر رجلاً فناداهم : أي القرآن أعظم ؟ فأجابه عبد الله : اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ قال : نادهم أي القرآن أحكم ؟ فقال عبد الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ فقال عمر : نادهم أي القرآن أجمع ؟ فقال عبد الله : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ * فقال عمر : نادهم أي القرآن أخوف ؟ فقال عبد الله : لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا فقال عمر : نادهم أي القرآن أرجى ؟ فقال عبد الله : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فقال عمر : نادهم ، أفيكم عبد الله بن مسعود ؟! قالوا : اللهم نعم . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif ولم يكن عبد الله بن مسعود قارئاً عالماً عابداً زاهداً فحسب وإنما كان -مع ذلك- قوياً مجاهداً مقداماً إذا جد الجد . فحسبه أنه أول مسلم على ظهر الأرض جهر بالقرآن بعد رسول الله . فقد اجتمع يوماً أصحاب رسول الله في مكة ، -وكانوا قلة مستضعفين- فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهم إياه ؟! فقال عبد الله بن مسعود : أنا أسمعهم إياه . فقالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلاً له عشيرة ، تحميه وتمنعه منهم إذا أرادوه بشر ، فقال دعوني فإن الله سيمنعني ويحميني ... ثم غدا إلى المسجد حتى أتى مقام إبراهيم في الضحى ، وقريش جلوس حول الكعبة ، فوقف عند المقام وقرأ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ -رافعاً بها صوته- الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * ... . ومضى يقرأها ، فتأملته قريش وقالت : ماذا قال ابن أم عبد ؟! تباً له (18) ... إنه يتلو بعض ما جاء به محمد ... وقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ، ثم انصرف إلى أصحابه والدم يسيل منه ، فقالوا له : هذا الذي خشينا عليك . فقال : والله ما كان أعداء الله أهون في عيني منهم الآن ، وإن شئتم لأغادينهم (19) ، بمثلها غداً ، قالوا : لا ، حسبك (20) ، لقد أسمعتهم ما يكرهون . http://www.quicklook4u.com/gallery/d...ails/22/28.gif عاش عبد الله بن مسعود إلى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه ، فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان عائداً ، فقال له : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : ألا آمر لك بعطائك الذي امتنعت عن أخذه منذ سنين ؟! قال : لا حاجة لي به . قال : يكون لبناتك من بعدك . قال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرتهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ... وإني سمعت رسول الله يقول : (من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة (21) أبداً) (22) . ولما أقبل الليل لحق عبد الله بن مسعود بالرفيق الأعلى ولسانه رطب بذكر الله ، ندي بآياته البينات (23) . http://files2.fatakat.com/2010/12/12927003501249.gif (1) شعاب مكة : جمع شعب وهو الطريق في الجبل . (2) لا يأبه لها : لا يهتم بها . (3) أخذ الجهد منما كل مأخذ : أصابهما التعب الشديد . (4) ضرعها : ثديها . (5) ثرا : كثيراً وفيراً . (6) نفراً : خرجاً . (7) أرهقتهما : آذتهما وأتعبتهما . (8) توسما فيه الخير : تفرسا فيه الخير وترقباه منه . (9) تخلق بشمائله : تخلق بأخلاقه واتصف بصفاته . (10) السمت : الهيئة والخلق . (11) شعبتا الرحل : مقدمته ومؤخرته . (12) ويحك : ويلك . (13) يتفاوضان : يتذاكران ويتحدثان . (14) لن نتبينه : لم نعرفه . (15) تناله المطي : أي يمكن الوصول إليه . (16) ركباً : قافلة . (17) الفج العميق : الوادي العميق . (18) تباً له : هلاكاً له . (19) لأغادينهم : لأخرجن لهم في صبح اليوم التالي . (20) حسبك : يكفيك . (21) الفاقة : الفقر والحاجة . (22) (غريب مسلم) حديث ضعيف . (23) للاستزادة من أخبار عبد الله بن مسعود انظر : 1- الإصابة (ط . السعادة) : 4 / 129 - 130 . 2- الاستيعاب (ط . حيدر آباد) : 1 / 359 - 362 . 3- أسد الغابة : 3 / 256 - 260 . 4- تذكرة الحفاظ : 1 / 12 - 15 . 5- البداية والنهاية : 7 / 162 - 163 . 6- طبقات الشعراني : 29 - 30 . 7- شذرات الذهب : 1 / 38 - 39 . 8- تاريخ الإسلام للذهبي : 2 / 100 - 104 . 9- سير أعلام النبلاء : 1 / 331 - 357 . 10- صفة الصفوة : 1 / 154 - 166 .
__________________
قال أبو قلابة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال. رواه ابن سعد في الطبقات.
|
#2
|
|||
|
|||
|
#3
|
|||
|
|||
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
أدوات الموضوع | |
|
|