للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الزواج عبر الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة
لباحث / الشيخ كمال مختار اسماعيل جامعة المدينة العالمية بماليزيا (قسم الفقه واصوله)
عقد النكاح عن طريق وسائل الاتصال الحديثة عناصر الدرس العنصر الأول : تعريف: العقد، النكاح، وسائل الاتصال الحديثة العنصر الثاني : التكييف الفقهي لهذا العقد العنصر الثالث : معرفة الحكم الشرعي لعقد النكاح بوسائل الاتصال الحديثة تعريف العقد: العقد لغة: الربط والشّدّ، والضمان، والعهد. قال في (القاموس): "عقد الحبل والبيع والعهد: شدُّه، ويطلق أيضًا على الجمع بين أطراف الشيء، يقال: عقد الحبل؛ إذا جمع أحد طرفيه على الآخر، وربط بينهما". وفي (المصباح المنير): قيل: عقدت البيع ونحوه، وعقَدت اليمين، وعقّدتها -بالتشديد للتوكيد- وعاقدته على كذا، وعقدته عليه بمعنى: عاهدته. ومعقد الشيء مثل مجلس، أي: محل العقد وموضع عقده. وعقدة النكاح وغيره: إحكامه وإبرامه، أي: يمكن أن نقول: عقدة البيع، عقدة النكاح، عقدة الطلاق؛ أي: النكاح والإبرام، والجمع: عقود. ومنه قوله تعالى: { ژ ژ ڑ ڑ ک ک } [المائدة: 1]، وقوله: { ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک } [البقرة: 235]، والمعنى: لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العِدّة. تلك كلها معانٍ لغوية. أما عن المعنى الشرعي أو المعنى الاصطلاحي؛ ففي الاصطلاح يطلق العقد على معنيين: أ- المعنى العام: وهو كل ما يعقده -يعزمه- الشخص أن يفعله هو. فكل ما يعزم الشخص على فعله هو يسمى عقدًا أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه، كما يقول الجصاص، وعلى ذلك يسمى البيع والنكاح وسائر عقود المعاوضات عقودًا؛ لأن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء بذلك كما ألزم غيره أيضًا، أو اتفق مع غيره على الالتزام بذلك. وسمي اليمين على المستقبل عقدًا؛ لأن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من الفعل أو الترك، وكذلك العهد والأمان؛ لأن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها، وكذا كل ما شرط الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد، وكذلك النذور وما جرى مجرى ذلك. ومن هذا الإطلاق العام قول الألوسي في تفسير قوله تعالى: { ڑ ک } حيث قال: المراد بها -أي بالعقود- يعم جميع ما ألزم الله عباده وعقد عليهم من التكاليف والأحكام الدينية، وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات، ونحوهما مما يجب الوفاء به. هذا عن المعنى العام للعقد. ب- المعنى الخاص: وبهذا المعنى الخاص يطلق العقد على ما ينشأ عن إرادتين؛ لظهور أثره الشرعي في المحل، قال الجرجاني: "العقد ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول" أي: أحد الطرفين أوجب، والطرف الآخر قبل، والمحل موجود، نجمع هذه الأطراف الثلاثة على بعضها فيكون ذلك هو العقد، فالعقد هو ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول. وبهذا المعنى عرفه الزركشي بقوله: "ارتباط الإيجاب بالقبول للالتزام، كعقد البيع والنكاح وغيرهما". تعريف النكاح: النكاح؛ والنكاح لغة: مصدر نكح، يقال: نكح ينكح للرجل أو المرأة نكاحًا، قال ابن فارس وغيره: يطلق -يعني لفظ النكاح أو المصدر- على الوطء والمعاشرة، وعلى العقد من غير وطء؛ أي: العقد يسمى نكاحًا، والوطء أيضًا يسمى نكاحًا، ويقال: نَكحت المرأة أو نُكحت المرأة أي: تزوجت، ونكح فلان امرأة أي: تزوجها، قال تعالى: { ژ ژ ڑ ڑ ک ک } [النساء: 3]، ويقال: نكح المرأة: باضعها والمقصود بذلك المعاشرة؛ لأن المعاشرة تطلق على البُضْع. ومعنى النكاح اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في تعريفه، فقال الحنفية: النكاح عقد يفيد ملك المتعة بالأنثى قصدًا، أي: يفيد حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي، كأن تكون زوجة للغير أو محرمًا من محارمه، هذا مانع شرعي، إنما المرأة التي ليست كذلك -ليست فيها عدة، ليست زوجة، ليست مشركة، ليست محرمًا- امرأة تصلح للزواج. وقال المالكية: "النكاح عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم، ومجوسية، وأمة كتابية، بصيغة" فعند المالكية هؤلاء من الممنوعات: المجوسية، والأمة الكتابية؛ لأن ربنا قال: { ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ } [النساء: 25] ويكون ذلك بصيغة، والمجوسية عند المالكية مثل المشركة لأنهم عبدة الكواكب والنار. وقال الشافعية: "النكاح: عقد يتضمن إباحة وطء المعاشرة بلفظ إنكاح أو تزويج، أو ترجمة ذلك بأي لغة". وقال الحنابلة: "النكاح عقد التزويج"؛ أي: عقد يعتبر فيه لفظ نكاح أو تزويج أو ترجمته. واختلف الفقهاء في حقيقة النكاح إلى ثلاثة آراء: الرأي الأول: النكاح حقيقة في الوطء، ومجاز في العقد؛ أي: حقيقة النكاح الوطء، أما إطلاق النكاح على العقد فهو مجازي؛ لأنه سبيل إليه. الرأي الثاني: أن كلمة النكاح حقيقة في العقد، مجاز في الوطء. الرأي الثالث: أنه حقيقة في كلٍّ منهما. تعريف وسائل الاتصال الحديثة: وسائل الاتصالات الحديثة معروفة للجميع، وهي الآلات الحديثة من: تليفون أرضي، أو محمول، أو فاكس، أو تلكس، أو حاسب آلي، أو إنترنت، ونحوها من الآلات التي قرّبت المسافات، وسهّلت التواصل بين الناس، حتى أصبح العالم كله قرية واحدة. وفي ذلك يقول الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور: "يمكن حصر الصور لاستخدام الآلات الحديثة للتعاقد، غير المراسلة والمكاتبة والمهاتفة، فيما يلي: 1- التليغراف، البرق السلكي واللاسلكي. 2- التلكس. 3- "الفاكس ملي" أو الفاكس. 4- الراديو. 5- التليفزيون. 6- القمر الصناعي. 7- "الإنترفون" أو ما يقوم مقامه. وأجمل الأستاذ محمود شمام -وهو عضو المجلس الإسلامي الأعلى في تونس- التعريف بإيجاز واختصار ببعض هذه الوسائل والطرق؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهي: الهاتف، التلغراف، التلكس، "التليفاكس"، العقل الإلكتروني، الاعتماد الموثق، وهكذا. وقد تظهر وسائل أخرى مثل هذه الوسائل أو أدق منها. من المعلوم أن العقد الصحيح له أركان لا بد من توافرها، وهي: العاقدان، والصيغة -أي: الإيجاب والقبول- والمحل التي ترد عليه الصيغة. وقد اتفق الفقهاء على أن العقد لا يوجد إلا إذا وجد: عاقد، وصيغة، ومحل يرد عليه الإيجاب والقبول ويسمى المعقود عليه، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذه الثلاثة كلها أركان العقد، أو نقول: عاقدان، وصيغة، ومحل. أربعة. وذهب الحنفية إلى أن ركن العقد هو الصيغة فقط؛ أي: الإيجاب والقبول؛ لأن ذلك لا يصدر إلا من اثنين عاقلين بالغين؛ فتتوافر فيهما الشروط. أما العاقدان والمحل فمما يستلزمه وجود الصيغة، ونحن نعلم أيضًا أن لكل ركن من هذه الأركان -سواء تعددت كما قال الجمهور، أو اتحدت كما قال الحنفية- شروطًا لا بد من وجودها، فإذا توافرت هذه الشروط كان العقد صحيحًا، وإذا لم تتوافر لم يكن العقد صحيحًا، فهل تتوافر هذه الأركان والشروط في العقد بوسائل الاتصال الحديثة السابقة أم لا؟ يقول الدكتور الفرفور تحت عنوان "التكييف الفقهي للموضوع وضوابطه": "كل الآلات الحديثة الموصلة للتعاقد لا تعدو أن تكون في حالتين اثنتين: الحالة الأولى: أن تكون مساوية للهاتف والبرق بالسرعة في الاتصال، وقوته ووضوحه. الحالة الثانية: أن تكون أشد من الهاتف والبرق في سرعة الاتصال وقوته ووضوحه -أي: إما أن تكون مساوية، وإما أن تكون أشد. يقول: وقد حكم الفقهاء المعاصرون كالشيخ محمد بخيت المطيعي -رحمه الله- في رسالته بالنسبة للبرق -أي: "التلغراف"- بصحة التعاقد والتصرفات المالية كلها، ومثل ذلك يقال في الهاتف أيضًا، وقد نص عليه غير واحد من المعاصرين. فإذا كانت هذه الآلات الجديدة مثل: البرق والهاتف -لأن البرق والهاتف أقدم من هذه الوسائل الحديثة، أقدم من الكمبيوتر والإنترنت، ومن التليفون الجوال أو المحمول، ومن الفاكس ونحو ذلك- مساوية للبرق والهاتف المعروفين قديمًا في سرعة الاتصال وقوته ووضوحه "كالإنترفون" وما شابه -جاز التعاقد، وكان ذلك قياسًا أو أخذًا بمبدأ دلالة النص المساوي الذي يسمى معنى الخطاب عند أصوليي الحنفية، أو ما يسميه الجمهور من أصوليي المتكلمين المساوي. وإذا كانت هذه الآلات الجديدة أكثر من البرق والهاتف سرعة ووضوحًا وقوة -حكمنا بجواز التعاقد، وسائر التصرفات المالية بها أخذًا بمبدأ دلالة النص الأولوي عند الجمهور من المتكلمين؛ أي: صح ذلك من باب أولى، وذلك: "كالتلكس"، و"الفاكس ملي"، والأقمار الصناعية، وما شابه ذلك". كما قال الدكتور الفرفور: "تحدث بعض الفقهاء المعاصرين عن الاتصال بالبرق، وأحكام التعاقد به، وهو التلغراف، وتوصلوا إلى أنه كالمكاتبة تمامًا، لكنه أسرع، لكن لا يمتنع الخطأ؛ لذا وجب التثبت بوسائل التثبت الموجودة حاليًا، كالهاتف وما شابه ذلك، ومثله البرق والتلكس؛ لأنه برق خاص بصاحبه من كلا الطرفين. وأما "الفاكس ملي" فهو أسرع من التلكس، ويأخذ حكمهما أيضًا. وأما الراديو، والتليفاز، والقمر الصناعي، فهذه وسائل كلها -فيما يبدو لي- لها حكم البرق، مع وجوب التثبت من شخصية المتكلم؛ حتى لا يحدث تزييف أو جهالة". هذا عن مستوى الاتصال بهذه الآلات، فكما رأينا قسمها قسمين، وفي كلتا الحالتين يكون التعاقد بهذه الوسائل الحديثة جائزًا؛ لأن للعلماء فيما سبق من التليفون والتلغراف حكمًا في جواز هذا الاتصال. أما عن الضوابط المطلوبة في وسائل الاتصال الحديثة، فقال فضيلته: "يضبط الحكم بالجواز في هذه المسألة ضوابط ثلاثة، استخلصتها بالاستقراء من مدونات الفقهاء: الضابط الأول: اشتراط وجوب التثبت من كلٍّ من المتعاقدين بشخصية صاحبه المتعاقد الثاني؛ أي: كل واحد يسمع الثاني ويعرفه، وصحة ما تنسبه إليه الآلة الحديثة من أقوال وتصرفات، سواء كانت الأقوال عبر الهاتف أو عبر الفاكس أو التلغراف، بكل أنواع التثبت. الضابط الثاني: في حالة وصول الإيجاب من الموجب، ومضيّ فترة زمنية عادة قبل وصول القبول في بعض الآلات الحديثة، يشترط ألا يرجع الموجب عن إيجابه؛ يبقى على الإيجاب بعد هذه المدة، أمام شهود هناك وهنا؛ أي: عند المرسل وعند المستقبل، وإلا بطل الإيجاب، وصار القبول الآتي بعد ذلك إيجابًا جديدًا يحتاج إلى قبول، وذلك على قول جمهور الفقهاء، ومجلس العقد بين الغائبين هو محل وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة أو المحادثة الهاتفية، أو ما قام مقامها من الأدوات الحديثة للاتصال. الضابط الثالث: ألَّا يفهم من الإيجاب -وهو الكلام المرسل الأول من المتعاقد الأول- معنى السوم -أي: يستفهم عن المبلغ وعن الثمن، بمائة ألا يقبل بثمانين، ثمانين ألفًا أو ثمانين مليونًا أو ثمانين دولارًا- لأن السوم استفسار ومساءلة، وليس إيجابًا. أو الترسمل، أي: الحصول على مبلغ من رأس المال، أو ما شابه ذلك من المعاني التي يرفضها مقتضى العقد، ويحصل كثيرًا بين التجار دهاء منهم". وفي هذا المعنى أيضًا قال الدكتور عبد الله محمد عبد الله، وهو مستشار محكمة الاستئناف العليا بالكويت: "لا نخالف الحقيقة إن قلنا: إن الشيخ أحمد إبراهيم -رحمه الله- هو أول من تصدّى لبحث حكم التعاقد بالتليفون وبواسطة الراديو، وكان بحثه المنشور في "مجلة القانون والاقتصاد" المرجع الوحيد عند وضع القانون المدني المصري الجديد، كما يبين من الأعمال التحضيرية لهذا القانون، وقد جاء في المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، المادة رقم مائة وأربعين نصها: "يعتبر التعاقد بالتليفون، أو بأية طريقة مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان، وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان". وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي: "لا يثير التعاقد بالتليفون أو بأية وسيلة مماثلة صعوبة، إلا فيما يتعلق بتعيين مكان الانعقاد" أي: مكان لانعقاد العقد، فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شُقّة المكان؛ ولذلك تسري عليهم أحكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين. ويعتبر التعاقد بالتليفون قد تم في مكان الموجب؛ إذ فيه يحصل العلم بالقبول، فالموجب أرسل الإيجاب وينتظر القبول، والقابل رد عليه بالقبول؛ فتحقق العلم عند الموجب بذلك. إذًا: يعتبر التعاقد بالتليفون قد تم في مكان الموجب؛ إذ فيه يحصل العلم بالقبول ما لم يتفق على خلاف ذلك، ويترتب على إعطاء التعاقد بالتليفون حكم التعاقد على ما بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد؛ أن الإيجاب إذا وجّه دون تحديد ميعاد لقبوله، ولم يصدر القبول فور الوقت -تحلل الموجب من إيجابه. وقد قال الشيخ -رحمه الله- في بحثه بعنوان "العقود والشروط والخيارات": "وأما العقد بالتليفون، فالذي يظهر أنه كالعقد مشافهة، مهما طالت الشقة بينهما. ويعتبر العاقدان كأنهما في مجلس واحد؛ إذ المعنى المفهوم من اتحاد المجلس أن يسمع أحدهما كلام الآخر ويتبينه، وهذا حاصل في الكلام بالتليفون -كما هو مشاهد الآن. غاية الأمر أنه يحتمل الكذب، وتصنع صوت الغير، لكن هذا قد يحصل في الرسالة والكتابة أيضًا، وقد يحصل العقد بواسطة الراديو، كما نقلت الصحف في هذه الأيام نبأ عقد زواج بين فتاة في بلاد "السويد" وفتى في "أمريكا"، والمسافة بينهما أربعة آلاف ومائتا كيلو متر، وكان ذلك بواسطة الراديو". يقول الشيخ أحمد: "وأقول: إن القول فيه كالقول في التليفون -أي: صحيح- وبمثل ذلك -أي الحكم بالصحة- قال معظم الباحثين". وبهذا ننتهي إلى أن العقد بوسائل الاتصال الحديثة يُكيَّف على أنه يأخذ حكم العقد المباشر، ما دامت أركان العقد قائمة، والشروط متوافرة. يقول الدكتور عبد الله محمد عبد الله: "انتهى النظر في كل ما تقدم إلى تطابق ما أخذت به القوانين مع النظر الفقهي، وهو جواز التعاقد بهذه الآلات، وترتب الآثار الشرعية التي تترتب على التعاقد بين المتعاقدين الحاضرين". كما يقول الدكتور إبراهيم الدبو الأستاذ بكلية الشريعة جامعة بغداد، أيضًا في هذا الإطار: "من هذا كله نستخلص أن التعاقد بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، يتماشى مع ما قرره الفقهاء من قبل؛ بل إن في نصوص الفقهاء ما يمكن أن نعتبره أساسًا لفكرة التعاقد بالهاتف". إذًا: التكييف الفقهي للتعاقد بوسائل الاتصال الحديثة، يكيف على أنه تعاقد بالتليفون، وهو معروف من القرن الماضي، وعليه يكون جائزًا لأن الفقهاء قالوا كلمتهم في التعاقد بالتليفون، أو يكيف على أنه تعاقد مشافهة بين حاضرين، وتترتب عليه جميع الآثار الشرعية ما دام كلٌّ منهما متحققًا من الآخر، والشهود يشهدون بذلك ويتبينون ما تم الإيجاب والقبول عليه، وتم ذلك في مجلس العقد. جرت أقوال الفقهاء على اعتبار عقد النكاح من عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة، هذا في الماضي؛ لأن فيه -أي: عقد النكاح- تبادل المنافع وملكية الأبضاع، أي: الرجل الذي يتزوج امرأة، بمجرد العقد عليها يصير بضعها ملكًا له؛ ولذلك يسمى العقد في بلاد الخليج الملكة أو التمليك؛ لأن فيه ملكية الأبضاع، وما دام الأمر كذلك، فإذا توافرت أركان عقد النكاح في وسائل الاتصال الحديثة فإن العقد يكون صحيحًا، وتترتب عليه جميع الآثار الشرعية، مثله في ذلك مثل عقود البيع والمعاوضات. وإن كان العلماء المعاصرون ترفعوا بالنكاح عن هذا المعنى، وقالوا: إنه نكاح يبيح استمتاع كل من الطرفين للآخر؛ لأن المرأة أيضًا تستمتع بالرجل كما يستمتع الرجل بالمرأة، فليس العقد قاصرًا على أحدهما، ويقيم حياة من المودة والرحمة، ويرتب على ذلك آثارًا شرعية تجعلهما سعيدين في الدنيا والآخرة. هذه معانٍ حديثة، وهي وإن كانت موجودة في الماضي إلا أن العلماء غلبوا عليه جانب الملكية وجانب المعاوضة، وألحقوه بالمعاملات. ومعنى ذلك: أنه لا بد لصحة العقد -عقد النكاح- بهذه الوسائل الحديثة من: حضور الولي، وحضور الشهود، وحضور العروس، والتأكد من صحة اتصال العريس وصوته، والاستماع إليه، ومعرفة كل التفاصيل فيما يقول بوضوح، وفيما يتعلق بتعيين العروس ومهرها، والمقدم والمؤخر، وأن يستمع الشهود إلى هذا الإيجاب، وإلى القبول من الأنثى أو وكالتها لوليها في ذلك، وسواء كان ذلك بالتليفون أو بالفاكس أو بالتكلس أو بالإنترنت. ولتأكيد ذلك ولتعزيزه نقول: إن مجمع الفقه الإسلامي بحث هذه القضية ضمن عموم العقد بوسائل الاتصال الحديثة، وأشار بعض الباحثين في بحوثهم إلى عقد النكاح وجوازه كسائر العقود، ومنهم من لم يوافق على ذلك، فمن هذا اعتبار بعضهم أن جواز عقد النكاح هو الأصل؛ حيث لم تقع الموالاة بين الإيجاب والقبول في المرأة التي زوجها النبي للرجل الذي لا يمتلك شيئًا إلا ببعض سور القرآن، فزوّجه النبي بما معه من القرآن، بعد أن تكرر العرض من المرأة، وتكرر العرض من النبي : ((اذهب فالتمس شيئًا))، ((التمس ولو خاتمًا من حديد))، ((زوجتكها بما معك من القرآن)). وإذا استقر هذا الرأي على حاله لم نلق أي صعوبة في تصحيح العقود -ومنها عقد النكاح- بالوسائل الحديثة على اختلاف أنواعها، أما إذا أصررنا على الموالاة ولزومها بين الإيجاب والقبول أمكننا الرجوع إلى العرف المحقق لمصداقية العقد، والعرف مرن في هذه الحالة. هذا ما قاله بعض الفقهاء. يقول الدكتور إبراهيم الدبو أيضًا: "إتمامًا لفائدة البحث أودّ أن أذكر بشيء من الإيجاز ما قاله فقهاؤنا -رحمهم الله تعالى- بخصوص إجراء عقد النكاح بواسطة المراسلة والمكاتبة، فأقول: صرح فقهاء الحنفية بجواز ذلك، بشرط الإشهاد عند القبول؛ لأنه لا نكاح إلا بشهود"، وهذا رأي الجمهور كما نعلم. ومن ذلك ما حكاه ابن عابدين عن السرخسي في (مبسوطه) قال: "كما ينعقد النكاح بالكتابة، ينعقد البيع وسائر التصرفات أيضًا". وقال "خواهر زاده": "لو كان حاضرًا فخاطبها بالنكاح، فلم تجب في مجلس الخطاب ثم أجابت في مجلس آخر، فإن النكاح لا يصح؛ لأن هناك فارقًا بين الإيجاب والقبول، كان يمكنها أن تجيبه فورًا، فهذا الفارق بين الإيجاب والقبول يفسد العقد، فإن النكاح لا يصح". وفي الكتاب إذا بلغها، وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه، ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود، وقد سمعوا كلامها، وما في الكتاب -يصح؛ لأنها في المرة الأولى لم يكن لديها شهود، أما عند حضور الشهود صح العقد، ومثل ذلك حكى الكاساني عن أئمة الحنفية أيضًا. ويعتبر من قبيل المراسلة والمكاتبة في عصرنا الحاضر التلغراف؛ لأنه مكاتبة، كالبرقية، والتلكس، والفاكس، ويشترط لصحة عقد النكاح بهاتين الوسيلتين ما يشترط في التعاقد بالمراسلة والمكاتبة من الإشهاد على العقد، والإشهاد هنا على القبول، وحبذا أيضًا لو كان على الإيجاب. أما إجراء عقد النكاح بواسطة الهاتف، فتتوقف صحته على إحضار الشهود عند المخاطبة، وسماعهم كلام العاقدين، فإذا تحقق ذلك جاز القبول والإيجاب أمام الشهود، وبحضور الولي، وتسمية المهر، والإشهار، فإذا تحقق ذلك جاز بهذه الوسائل، وإلا فلا. وقال: "لقد ظهر لنا خلال البحث أن الفقه الإسلامي يعتبر الرضا هو الأساس في إبرام العقود؛ لهذا أجاز التعاقد بالرسالة والكتابة والإشارة والتعاطي، بل ذهب إلى أبعد من هذا عندما اعتبر التعاقد جائزًا باتخاذ أي مسلك آخر، لا تدع الظروف شكًّا في دلالته على التراضي". يقول الدكتور إبراهيم الدبو: "من هذا كله نستخلص أن التعاقد بواسطة وسائل الاتصال الحديثة يتماشى مع ما قرره الفقهاء من قبل، والتعاقد عبر هذه الوسائل ليس تعاقدًا بين حاضرين من كل وجه، ولا بين غائبين من كل وجه، فالمتعاقدان لا يضمهما مجلس واحد، وليس ثمة فاصل زمني بين القبول والعلم به؛ لذا ساد القول بأنه -أي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة- سواء في البيوع أو في النكاح بأنه تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان لعدم الفاصل الزمني، وبين غائبين من حيث المكان؛ نظرًا لبعد الشقة بينهما، لكننا أشرنا إلى أنه إذا توافر وجود الشهود في كلا المجلسين فلا إشكال". أيضًا يقول الدكتور وهبة الزحيلي: أجمع الفقهاء على أن العقد ينعقد بين الغائبين، كما في آلات الاتصال الحديثة بمجرد إعلان القبول، ولا يشترط العلم بالقبول بالنسبة للطرف الموجب الذي وجه الإيجاب، فلو كان المتعاقدان يتحدثان بالهاتف أو باللاسلكي، وقال أحدهما للآخر: بعتك الدار أو السيارة الفلانية، وقال الآخر: قبلت -انعقد العقد بمجرد إعلان القبول، ولو لم يعلم الموجب القبول بأن انقطع الاتصال بينهما؛ لكن هذا أيضًا غير مناسب؛ بل لا بد من علمه، ويستطيع الطرفان إعادة الاتصال. ولو وجّه أحد العاقدين خطابًا أو برقية إلى آخر أو تلكسًا أو فاكسًا، وفيها إيجاب بيع شيء أو إبرام عقد زواج -انعقد العقد بعد وصول البرقية أو الخطاب ونحوهما، وإعلان الآخر قبوله، دون حاجة إلى علم الموجب أو سماعه بالقبول، ومما لا شك فيه أن علمه أيضًا مطلوب، ويستحسن وجود شهود عنده يشهدون على ذلك. ومن العلماء من تساهل في مجلس قبول النكاح، جعله أوسع من قبول البيع؛ لأن البيع لا يشترط في القبول فيه شهود، مع أن الله تعالى قال: { ﯨ ﯩ ﯪ } [البقرة: 282] وحمله جمهور الفقهاء على السنة أو الاستحباب. وهكذا أيضًا تساهل العلماء في مجلس قبول النكاح، لحاجته إلى شهود. فالمسألة كأن اتصل أحد الأقارب أو الجيران من مكان بعيد في "لندن" أو "نيويورك" أو غيرهما، من "اليابان" أو "الصين" بخاله أو بعمه يريد الزواج من ابنته فقال له عمه أو خاله: كلمني بعد ساعة. وقام ولي أمر الفتاة، هذا العم أو الخال بإحضار الشهود وأقارب هذا المبتعث، واتصل ذلك المبتعث، وقال لخاله أو لعمه مرة ثانية بعد الساعة: أريد الزواج من ابنتك فلانة. فقال له: عندي فلان وفلان وفلان من الشهود يشهدون على ذلك، هل عندك شهود؟ فقال: نعم، عندي فلان وفلان، وسمعوا وتبادلوا الأصوات، فجعل الولي هذا المجلس بمن فيه من الشهود، واتفقوا على كل شيء، ما المانع إذًا؟ لذلك من العلماء من تساهل في مجلس قبول النكاح لحاجته إلى الشهود، فجعل مجلس القبول ممتدًّا، كما فعل النبي مع ذلك الرجل الذي يحفظ شيئًا من القرآن حتى يجد المتعاقدان الشهود، ولم يجز ذلك في عقد البيع، فإذا كان الشهود حاضرين مع الولي، وتم الإيجاب والقبول، واستمع الشهود إلى كل منهما فقد تم العقد باتفاق الجميع. وقد عرض تفاصيل ذلك الدكتور علي محيي الدين القرداتي في بحثه، في مجمع الفقه الإسلامي في هذا الموضوع. وقد أشارت، بل نصت مجلة "الأحكام العدلية" في مادة مطورة من موادها، على صحة التعاقد بواسطة التلغراف والتليفون. وقد فصّل القول في جواز ذلك الدكتور إبراهيم كافي دونمز، الأستاذ بكلية الإلهيات جامعة مرمرة بـ "إسطنبول". وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 54، 3، 6 بشأن حكم العقود بآلات الاتصال الحديثة ما يلي: أولًا: إذا تم التعاقد بين غائبين، لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة -أي: الرسول- وينطبق ذلك على البرق، والتلكس، والفاكس، وشاشات الحاسب الآلي "الكمبيوتر"؛ ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجَّه إليه وقبوله. ثانيًا: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء. ثالثًا: إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة؛ يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عن هذا الإيجاب. رابعًا: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح؛ لأنه يحتاج إلى شهود، فما بالنا إذا أحضر الولي الشهود، وتم الاتصال في حضرة الشهود والولي؛ لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف في اشتراط التقابل، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال. خامسًا: ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط، يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات والتثبت. يلاحظ أن سائر العقود جائزة بوسائل الاتصال الحديثة، واستثناء النكاح ليس إلغاء لعقده، وإنما احتياطًا لعدم وجود الشهود، فإذا تم ترتيب الشهود، وترتيب جلسة كان الشهود حاضرين وقت الاتصال، وتم الاستماع والفهم، فلا استثناء لعقد النكاح؛ وبهذا يكون عقد النكاح جائزًا بوسائل الاتصال الحديثة إذا توفرت فيه الأركان من: ولي، وشهود، واتفاق، واستماع على كل التفاصيل والأمور. |
#2
|
|||
|
|||
بحث نفيس ومهم ومطلوب فى عصرنا .
__________________
قـلــت : [LIST][*]من كفر بالسـّنـّة فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )). [*]ومن كذّب رسولَ الله ، فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ،لأن القرآن يقول : (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). [*]ومن كذّب أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو كافر بالسنة وكافر بالقرآن ، لأن الله سبحانه يقول فيهم : (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )). [*]ومن كذّب المسلمين فهو على شفا هلكة ، لأن القرآن يقول : (( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ). [/LIST]
|
أدوات الموضوع | |
|
|