للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حكم التحاق المسلم بجيوش الدول غير المسلمة
الباحث /كمال مختار اسماعيل جامعة المدينة العالمية بماليزيا ققسم الفقه واصوله)
موضوع البحث : حكم التحاق المسلم بجيوش الدول غير المسلمة عناصر البحث العنصر الأول : تعريف: الجيوش،الدول غير المسلمة العنصر الثاني : حكم المشاركة في الأعمال العسكرية العنصر الثالث : حكم المشاركة في الأعمال الأخرى غير العسكرية العنصر الرابع : المشاركة في الأعمال العسكرية والإدارية للبلاد غير الإسلامية تعريف الجيوش: الجيوش جمع: "جيش"، وهو الجند وجماعة الناس في الحرب، من: جاش الماء يجيشُ جَيْشًا وجُيوشًا وجيشانًا، أي: تدفق وجرى، وجاش البحر أي: هاج فلم يُستطَع ركوبه لاضطراب أمواجه وعلوّها، ويُقال: جاشت الحرب بينهم، أي: هاجت ودارت، وجيّش الجيوش: جمع الجيوش، وهكذا، وهي من الجيشان وهو القوة والشباب. تعريف الدول غير المسلمة: كلمة الدول غير المسلمة معروفة، لكن هناك مصطلحات عند الفقهاء مثل: "دار حرب"، "دار إسلام"، وهكذا. وتأتي كلمة "دار" بمعانٍ كثيرة، منها: المحل، والموضع، والبلد، والمسكن، والمأوى. وقريب من هذا ما قاله الزبيدي في (تاج العروس)، فهذه المعاني اللغوية كلها تناولتها المعاجم اللغوية ومنها (تاج العروس). أما في الاصطلاح؛ فقد عرف ابن عابدين "الدار" بقوله: المراد بالدار: الإقليم المختص بقهر ملكٍ، إسلام أو كفر. فإذا كان القهر لملكٍ مُسلم فهي دار إسلام، وإذا كان القهر لملكٍ كافر فهي دار كفر. وعرّف السرخسي الدار بقوله: "ذلك الموضع الذي يكون تحت يد المسلمين" فهو يعرف دار الإسلام. ويلاحظ من التعريفين: أنه يشترط في الدار -سواء كانت دار إسلام أو دار حرب- ثلاثة شروط: الإقليم -الأرض- والسكان -الشعب والأفراد- والسلطة أو السيادة والاستعلاء والقهر. هذه الأمور الثلاثة بمثابة أركان للدار أو شروط لها، والدار هنا بمعنى الدولة. والدار في الاصطلاح القانوني: مؤسسة تتكون من أفراد يقيمون على إقليمٍ جغرافي في مكان معين، ويخضعون لسلطةٍ سياسية حاكمة، لها السيادة على الإقليم ومن فيه. فالتعريف القانوني ضم الشروط الثلاثة للدار أو الدولة؛ الإقليم والسكان والسلطة. إذًا: الدولة أو الدار: مؤسسة تتكون من أفراد يقيمون على إقليم جغرافي في مكان معين، ويخضعون لسلطةٍ سياسية حاكمة، لها السيادة على الإقليم ومن فيه. كان ذلك تعريفًا للدار مطلقًا؛ سواء كانت دار إسلام أو دار حرب، دار إقليم وسكان وسلطة. الآن في بيان "دار الإسلام"، و"دار الحرب": دار الإسلام عند جمهور الفقهاء هي: الإقليم الذي تظهر فيه أحكام الإسلام، سواء كان ظهور أحكام الإسلام وشعائره على يد السلطة، أو على يد الرعية. فالمسألة ليست مسألة قهر، ولكن للسكان أو للشعب دور في صفة الدولة، ما دامت أحكام الإسلام ظاهرة وسائدة، سواء كانت بالقيادة أو بالشعب؛ فهذا الظهور لأحكام الإسلام يجعل هذا الإقليم إقليمًا إسلاميًّا أو دولة إسلامية. "دار الحرب" أو "دار الشرك" هي: دار المخالفين للإسلام أو ما يغلب عليها حكم الكفر، فليستْ فيها إيمان بالله ولا برسوله ولا بالكتب السماوية ولا باليوم الآخر، فالحياة مادية كما نلاحظ في معظم الدول غير الإسلامية. أو هي ما كان الأمان والأمن فيها للكفرة -لغير المسلمين- على الإطلاق؛ لأنهم أكثرية، فهم أهل الإقليم وأهل البلد، والأقليات المسلمة عندهم دخيلةٌ عليهم، وكان الخوف فيها وفقد الأمن للمسلمين على الإطلاق. فإن كانت السيادة والأحكام والأمن والأمان لغير المسلمين، وكان الخوف وفقد الأمن فيها للمسلمين؛ فهي إذًا دولة غير إسلامية. إلّا أنّ الأمور تشابكت في ظِلّ العَوْلمة والعصر الحديث؛ ولذلك لا نستطيع في ظل الواقع المعاصر أن نقف عند هذا التقسيم الحاسم، دار إسلام ودار حرب؛ لأنّ الأمور اختلطت والعلاقات تشابكت، وكثير من الدول تتعاون مع دولة محاربة، ولكنها ليست محاربة للإسلام والمسلمين. وأيضًا بلاد المسلمين فيها الكثير من السلبيات، والتأثر بالحضارات المادية؛ فلم تعد مسلمةً مائةً في المائة، والدول غير المسلمة ليست خطيرة مائة في المائة، فهذا الحسم في تقسيم الدار إلى دار حرب ودار إسلام ينافي الواقع المعاصر؛ وذلك لتشعب العلاقات وتبادلها، فقد أصبح في البلاد غير المسلمة كثيرٌ من المسلمين بلا سيادة، لكنهم في أمن وأمان؛ يحافظون على إسلامهم ويُقيمون شعائر الإسلام في إقليم دولة قد تحارب بلادًا إسلامية، ولهم مراكز إسلامية، وبعضهم يحمل الجنسيات، وبعضهم أيضًا تزوج من تلك البلاد. فالمسائل أصبحت مختلطة؛ حيث يُقيمون شعائر الإسلام في إقليم دولة قد تحارب بلادًا إسلامية، وتعتدي عليها وتحتلُّ أرضها، وكثير من البلاد الإسلامية -الصورة الأخرى المقابلة- يقطنها ناسٌ غير مسلمين كما في بلادنا، فبلادنا إسلامية لكن فيها غير مسلمين، ورُبّما يكونون كثرة بسبب حاجتنا إليهم في الصناعة والنقل والهندسة، والطب والتعليم والتدريب والسلاح، وغير ذلك. إذًا: أصبحَ كثيرٌ من الدول غير المسلمة، يَسْكُنها أو يُقيم فيها أو يتجنس بجنسيتها مُسلمون كثيرون، وأصبح في بلاد المسلمين أقليات غير مسلمة؛ فالأمر قد اختلط، وأصبح المسلم يبحث عن لجوء إلى بلادٍ غير إسلامية، يجدُ فيها عدلًا أكبر وحريةً أكثر، والحرب ودار الحرب تنتقل من إقليم إلى آخر؛ بسبب الأمور السياسية والاقتصادية، بصرف النظر عن الأديان والعقائد والشعائر والسلطة، وهذه حقيقة. فبعض البلاد الغربية كانت تحارب البلاد الإسلامية في فترة من الفترات؛ في فترات سابقة أيام الاحتلال والانتداب ونحو ذلك، لكنها لا تفعل ذلك الآن، بل تتسع لملايين من المسلمين الذين يشعرون فيها بالأمن والأمان، ويُمارسون كل الحقوق بحرية، كذلك في الماضي لم يكن عندنا هذه الكثرة من غير المسلمين، فأصبح في بلاد المسلمين أعداد كثيرة من غير المسلمين، وينتقلون بعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، كما في العراق أو "أفغانستان". والحرب ودار الحرب تنتقل من إقليم إلى آخر؛ بسبب الأمور السياسية والاقتصادية، بصرف النظر عن الأديان والعقائد والشعائر والسلطة. هناك بين دار الإسلام ودار الحرب ما يسمى بـ"دار العهد"، وهي الدّول التي تتبادل معها البلاد الإسلامية التمثيل السياسي، فكُلّنا لنا دول مع سائر دول العالم، رغم أن بعض هذه الدول حربٌ على الإسلام والمسلمين، لكن هناك عهود ومواثيق؛ فالدول التي تتبادل معها البلاد الإسلامية التمثيل السياسي، تعقد معها المعاهدات المختلفة؛ معاهدات اقتصادية، وثقافية، وسياسية... إلى آخره. وقد يُعنى بها دار الهدنة أو الصلح، أو الموادعة، أو المهادنة؛ فهذه دار تختلف عن دار الإسلام ودار الحرب، وقد أصبحت جميع الدول المسلمة وغير المسلمة تتبادل العلاقات فيما بينها، حتى وإن كانت محاربة -كما هو الشأن في "إسرائيل". وبذلك لا نستطيع إطلاق مصطلح دار إسلام ودار حرب، وإنّما نقول: دارٌ يغلب فيها الإسلام، ودارٌ يغلب فيها الكُفر، وتُسَمّى أيضًا بلادًا إسلامية للتي يغلب فيها الإسلام وأحكامه، وبلاد غير إسلامية للبلاد التي يغلب فيها الكفر. سبق أن ذكرنا في بيان حكم التجنس والإقامة بجنسية بلاد غير إسلامية: أن ذلك يحرم، ولا يجوز حين يتعرض المتجنس إلى الفتنة في دينه وفي نفسه أو في أبنائه وعلاقاته، ومعلوم أن المتجنس قد يتعرض للتجنيد الإجباريّ، والإكراه على الخدمة العسكرية في هذه الدول، وقد ترسله هذه الدول لقتال المسلمين كما هو واقع الآن في بلادٍ عديدة، فيكون حربًا على دينه وأمته. أو ترسله لقتال غير المسلمين؛ فيكون أيضًا مقاتلًا في سبيل الطاغوت وتحت راية جاهلية، وأساس ذلك كله أن الجنسية عَقْدٌ بين الدولة وبين المتجنس، يُصبح بمقتضاه المتجنس أحد رعايا هذه الدولة، المخاطبين بشرائعها ونظمها، الملتزمين بمواقفها في الحرب والسلم؛ فهو سلم لأوليائها وحرب على أعدائها، ولهذا فهي تمثل في الأصل نوعًا من الانفصال عن جماعة المسلمين، وضعف الولاء والبراء -الولاء للمسلمين والبراء من غير المسلمين- واللحوق بدار الحرب، وفيها ما فيها، وكذلك جماعة الكافرين. وقد خَفّف البعض من مسألة التجنس والولاء والتعهد الذي يكتبه المتجنس؛ بأن الولاء محله القلب، وليس بينه وبين التجنس ارتباطٌ حتميّ، أما التعهد الذي يُقدمه المتجنس لاستعداده للخدمة العسكرية في جيش هذه الدولة؛ فهو كذلك يمكن أن يكون مقيدًا بما لا يتعارض مع ديانة طالب التجنس -وهذا كلام غير عملي؛ لأن الواقع لا يؤيد ذلك- فيستطيع المتجنس أن يمتنع من تلبية الأمر بالجندية أو القتال في حينه؛ إذا تعارض ذلك مع عقيدته الدينية، وفي قوانين هذه البلاد ما يتيح ذلك للمواطنين، متجنسين كانوا أم مواطنين أصليين، وإن أصابه في ذلك شيء من البلاء وطن نفسه على الصبر عليه. لكن هذا كلام نظري لا يمكن التعويل عليه، والواقع يكذبه؛ ولذلك قال المانعون للتجنس: إن الاستقراء العمليّ لواقع المتجنسين يَدُلّ على غلبة المفسدة في هذا الأمر، وأن الارتباط بين التجنس وبين هذه المفاسد هو الأعم الأغلب، فهو ارتباط قائم، فكيف نستبعده وهو قائمٌ وواقع؟ فالتّجنس في هذه البلاد يُعتبر بدايةً راجحةً للانفصال التدريجي عن جماعة المسلمين، بكل ما تعنيه هذه الكلمة "الجنسية"، ولا سيما للجيل القادم من الأبناء الذين ينشئون في محاضن هذه المجتمعات، ومشاربها العلمانية الجامحة؛ فيرتدّ في الأعم الغالب عن الإسلام. والقول بأنّ التّعهد الذي يبذله المتجنس مُقيد بكونه فيما لا يتعارض مع حريته في التدين -كلام غير صحيح؛ وينبغي أن يستصحب ذلك عند القسم، فهو موضع نظر؛ لأنه عهد وميثاق، والمواثيق والعهود في الإسلام لا يجوز فيها التوريات، أي: لا يصح أن يقسم لفظًا على رعاية الوطن، وعلى تطبيق شرائعه ونظمه، وهو ينوي في قلبه ألا يفعل ذلك، هو عند منح الجنسية يقسم هذا القسم، والمواثيق والعهود في الإسلام لا يجوز فيها التورية؛ لأن القسم على نية من يُحلف، وليس على نية الحالف. كما لا تجوز المعاريض فضلًا عن الكذب، واليمين على ما استحلفك عليه صاحبك، ولا سيما أنه ليس فيه إكراه ولا شبهة إكراه، ولا سيما أنه ليس في الأمر إكراه، فلِمَ التجنس وهو ليس بحاجةٍ إليه، ولا هو مكره عليه؟ وهو ملزم بتطبيق القواعد والقوانين المحلية، فما دام ليس في الأمر إكراه؛ كيف يفعل ذلك أو يقبله؟ ولا توجد أيضًا شبهة إكراه. ومن هذا نعلم أنّ التجنيد قد يكون إجباريًّا، وأن الحرب على الإسلام والمسلمين هي الأقوى، وأن الانضمام إلى الجندية؛ إما سبيل إلى حرب المسلمين وهذا لا يجوز، أو هو بالفعل حرب غير المسلمين وهذا أيضًا غير جائز. كذلك لو كان التجنيد إجباريًّا؛ فإنه لا يجوز لمسلم أن يحمل السلاح على مسلم، حتى ولو تعرض المُجند لحُكم الإعدام، فعليه ألا يقبل؛ لأن روحه ليست أولى بالبقاء من روح غيره، ففرق بين الإكراه على الكفر الذي يعفى عن قائله، ولا إثم عليه؛ لأنه مكره، وبين الإكراه على الزنا أو القتل، فلا يعفى عنه؛ لأن المكره حينئذ يستطيع أن يرفض ذلك، ولو بإيذائه. والخلاصة: أنّ التجنيد إجباريّ، وهذا التجنيد الإجباري سيوجه إما إلى بلاد إسلامية، أو إلى بلاد غير إسلامية. فإن توجه المسلم مع الجيش إلى بلاد إسلامية فقد وقع في المحظور؛ لأنه يُحارب أخاه المسلم، وعليه ألا يقبل ذلك حتى لو حُكم عليه من قِبَلِ الدول غير المسلمة بالإعدام؛ لأن روحه ليست أولى بالبقاء من روح المسلم الذي ذهب لقتاله؛ فلذلك هذا الإكراه لا يُعتد به شرعًا، فهناك إكراه على الكفر؛ لأن هذا كلمة مضطر إليها، وهو الذي نزل فيه قول الله تعالى: { ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ } [النحل: 106]. ومن المعلوم أن المُتجنس هو الذي يَسعى إلى الحصول على الجنسية، بل ويبذل أموالًا في سبيل الحصول على هذه الجنسية، ويُصبح بعد عقد الجنسية والحصول عليها ملزمًا بقوانين تلك البلد، وبالتجنيد، وبأن يذهب مع الجيش إلى حرب بلدٍ إسلامية أو بلد غير إسلامية؛ فإن كانت البلد إسلامية فالحرمة واضحة ومعروفة، وإن كانت البلد غير إسلامية فهي حربٌ في سبيل الشيطان وفي سبيل الطاغوت. إذًا: كلا الأمرين -تجنيد المسلم في جيش غير مسلم في الأعمال العسكرية، وهذا فرعٌ عن التجنس- لا يجوز بحالٍ من الأحوال، وأي كلام قيل عن حرية التدين، وحرية الاعتراض على التجنيد، وحرية إبداء عدم السفر إلى بلدٍ إسلامية أو غير إسلامية، كل ذلك لم يعد ممكنًا، هذا كلام نظريّ. أما الواقع العملي فيشهد بأن التجنيد إجباري، وأن من يحمل الجنسية سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، عليه أن يلتزم بالقوانين، وأن يذهب إلى الحرب مع الجيش؛ وإلا تعرض لمؤاخذات قانونية شديدة. ونحن نقول: الجيش أو التجنيد بهذا الشكل فرع عن الجنسية؛ فهو غير مناسب، وعليه أيضًا فالحرب غير مناسبة، حتى لو حكم عليه بحكمٍ فيه أذى له، أو فيه ضرر عليه؛ لأنه ليس بأولى من غيره في ذلك. من المعروف أن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ فما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب، والوسيلة إلى الحرام حرام، وبِما أنّ اشتراك المُسلم في جيش بلدٍ غير مسلم غير جائز؛ فإنّ جميع الوسائل الإدارية والمساعدة لهذا الجيش؛ سواء في حربه على المسلمين أو غير المسلمين؛ لأنه في حربه على المسلمين يتنافي مع الولاء للإسلام والمسلمين والبراء من أعداء الإسلام والمسلمين، أو كان في حربه مع غير المسلمين؛ لأنه يُحارب تحت رايةٍ جاهلية، يحارب في سبيل الطاغوت. ومعلومٌ أن الجيش في معسكراته أو تنقلاته، أو على الجبهة، أو في الحصول على السلاح وصيانته، وتطويره؛ يعتمد كل الاعتماد على الشئون الإدارية، والأجهزة المساعدة من المدنيين والعسكريين، ولولا هذه الشئون الإدارية، ولولا قيام هذه الأجهزة المساعدة كالطب والتمريض والصيدلة، والنقل والمحاسبة وأجهزة الاتصالات والهندسة المدنية، وغير ذلك من الأجهزة الإدارية للطعام والسكن والخدمة، والملابس والعلاج، لولا قيام الأجهزة الإدارية أو الأجهزة المساعدة لتوفير ذلك كله ما استطاع الجيش العسكري أن يحقق نجاحًا أو تقدمًا على أي صعيد، وانشغل بالشئون الإدارية والمدنية عن شئون القتال والحرب، وإذا انشغل عن شئون القتال والحرب وقعت له الهزيمة. وإذا تفرغ لشئون القتال والحرب، وقامت الأجهزة الإدارية والمساعدة لشئون الخدمة تحقق له النصر والتقدم. ومن هذا يتبين أن الشئون الإدارية، والأجهزة المساعدة لا تقل أهمية في تحقيق النصر عن شئون القتال والحرب؛ ولذا فإن الشئون الإدارية والأجهزة المساعدة تأخذ حكم المشاركة في الأعمال العسكرية؛ لأن لها دخلًا في تحقيق النصر أو عدمه، وبهذا تتحقق القاعدة الفقهية المعروفة: أن" الوسائل تأخذ أحكام المقاصد"، وأن "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وأن "الوسيلة إلى الحرام حرام" كما أن "الوسيلة إلى الحلال حلال". ومن هذا نعلم أن الأجهزة الإدارية الملحقة بالجيش، أو الأجهزة المساعدة من نقل واتصالات وطب وتمريض وغير ذلك، تلحق بالأعمال العسكرية وتأخذ حكمها، وهناك مجالات أخرى سنتبين الحكم فيها. نتبين هنا الحكم النهائي للمشاركة في الأعمال العسكرية، والإدارية للبلاد غير الإسلامية، وكذلك سنتعرض للعمل في الشئون الإدارية أو الأجهزة المساعدة لأجهزة أخرى في المجال المدني، أو بعيدًا عن الأعمال العسكرية وشئون القتال. تعرضنا للحكم فيما مضى من عرض كل عنصر، وبيّنّا أنه يجوز في بعض الأحيان، ويكره في بعض الأحيان، ويستحب في بعض الأحيان، ويحرم في بعض الأحيان؛ فكلٌّ حسب الاطمئنان على عدم الفتنة في الدين، وعدم التفريط في أي أمر من أمور المسلمين، وعدم الشعور في وقت من الأوقات بأن الولاء للإسلام وللمسلمين قد اختل، وهكذا. تعرضنا للحكم فيما مضى في العناصر السابقة من عرض كل عنصر، لكننا الآن نجمل ذلك ونبين تلك الأحكام فيما يلي؛ سواء منها ما يخص العمليات العسكرية، أو ما يخص الشئون الإدارية الملحقة بالعمليات العسكرية، أو ما يخص الشئون الإدارية المدنية البعيدة عن الجيش والأعمال العسكرية: أولًا: إن مشاركة المسلم في جيش بلد غير مسلم، في القيام بأعمال عسكرية ضد المسلمين حرام؛ لأنه يتنافى مع الولاء والبراء، وهما من مسائل العقيدة ومقتضيات التوحيد. ثانيًا: إنّ مشاركة المسلم في جيش بلد غير مسلم، في القيام بأعمال عسكرية ضد بلد غير مسلم حرام أيضًا؛ لأنه قتال في سبيل الطاغوت وتحت راية جاهلية، وقد قال الله تعالى: { گ گ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ } [الإسراء: 33]، أي: المسلم الذي يعمل في جيش غير مسلم، مطالب بينه وبين الله ما دام مسلمًا ألّا يريق دم غير مسلم، وألا يعتدي على أي إنسان مهما كان، { گ گ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ } أي: مطلق النفس حتى الحيوانات. لذلك فإن اشتراك المسلم في جيش بلد غير مسلم، سواء كان في حرب على الإسلام أو في حرب لبلد غير مسلم؛ فكلا الأمرين حرام؛ لأنه قتل، ولأنه يتنافي مع الولاء، ولأنه طاعة لغير المسلمين فأين البراء من ذلك؟ وأين الولاء للإسلام والمسلمين في الحرب عليهم؟ وأين حماية الأنفس التي حرم الله -تبارك وتعالى- قتلها؟ ثالثًا: إنّ مُشاركة المسلم في الأعمال الإدارية، أو الأجهزة المساعدة للجيش، وللأعمال العسكرية أيضًا حرام؛ لأن من قواعد الفقهاء، وقواعد الشريعة أن الوسائل إلى الحرام حرام، وأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ فإذا كانت مُشاركة المسلم في الأعمال العسكرية حرامًا في حرب المسلمين، وحرب غير المسلمين؛ فإن الحكم أيضًا في الأعمال الإدارية أو الأجهزة المساعدة لهذه العمليات العسكرية يأخذ نفس الحكم، وهو التحريم. رابعًا: مشاركة المسلم في الأعمال الإدارية ونحوها في بلد غير مسلم، ولا يضر بالإسلام والمسلمين -جائزة بلا حرج؛ لما فيها من تحقيق الخير للمسلم. إذًا: الجاليات الإسلامية التي تقيم في بلاد غير إسلامية، يمكنها أن تمارس جميع الأعمال غير العسكرية، وغير الإدارية المتصلة بالعسكرية، أي: سائر الأعمال الإدارية؛ المدارس، التعليم، الطب، المستشفيات، التمريض، الهندسة، الطرق، الزراعة، التجارة، فكل الأعمال المكتبية أو العملية أو المهنية، في غير الجيش أو في غير خدمة الجيش؛ فكل ذلك جائز بلا حرج، ولكنه يحتاج إلى شرطين: الشرط الأول: ألّا يكون في هذا العمل ضرر؛ لأنه يمكن أن يكتب وثائق تدين الإسلام والمسلمين، أو يحضر اجتماعات فيها تخطيط لإلحاق الضرر الاقتصادي أو الاجتماعي، أو نشر كتب وثقافة تقضي على مبادئ الإسلام وقيم الإسلام. وهكذا يبقى الشرط للاشتراك في الأعمال الإدارية لتلك البلاد غير الإسلامية: ألا يضر بالإسلام والمسلمين، هذا شرط. الشرط الآخر: أن يكون ذلك المسلم الذي يشترك في هذه الأعمال الإدارية مطمئنًّا إلى الأمن على دينه، وعلى أولاده، وعلى التربية، وعلى إقامة الشعائر الإسلامية. من هذا المنطلق نقول: لا يجوز للمسلم في تلك البلاد غير الإسلامية أن يعمل في مجال الخمور؛ لأنّ الخمر حرّمها رسول الله وكل ما يتصل بها: بائعها، وشاريها، وحاملها، والمحمولة إليه، أيضًا معتصرها. فهناك عشرة أساليب جعلها رسول الله في تحريم الخمر. وكذلك: أكل الخنزير أو تقديمه لغير المسلمين أو للمسلمين، والعمل في البنوك الربوية، فهذه كلها أمور إدارية لكن تحتاج إلى ضوابط. خامسًا: إن مشاركة المسلم في بلد غير مسلم، في أي عمل يضر الإسلام والمسلمين حرام، وتتفاوت درجة التحريم إلى الكراهة؛ فكُلّما كان التأثير قويًّا كانت المشاركة حرامًا، وكلما ضعف الأثر كانت المشاركة مكروهة، وإذا تلاشى التأثير وتحقق الأمن والأمان كانت المشاركة مباحة، وهكذا. فنحن أمام خمسة أحكام واضحة لمشاركة المسلم في بلاد غير إسلامية في الأعمال العسكرية، أو الأعمال الإدارية المتصلة بالأعمال العسكرية، أو الأعمال الأخرى غير المتصلة بالأعمال العسكرية، وفي كل الأحوال كل ما يضرّ الإسلام والمسلمين فالمشاركة فيه حرام، وكل ما يؤدي إلى الفتنة في الدين وفي المبادئ الإسلامية أيضًا يكون التجنس معه حرامًا. أما الأعمال التي لا تضر الإسلام والمسلمين، أو لا تؤدي إلى ضرر شخصي؛ من حيث الدين والفتنة فيه، فهي أعمال مدنية وهي أعمال جائزة بلا حرج، وفيها مصلحة لذلك الشخص، وتحقيق لمنافع أخرى. |
أدوات الموضوع | |
|
|