للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الطريق الرابع المناولة
وهي على نوعين:
الأول: مناولة مقرونة بالإجازة: وهي أعلى أنواع الإجازة مطلقًا، ومن صورها أن يناول الشيخ الطالب كتابه أو فرعًا مقابلًا عليه، ويقول له: هذا سماعي، أو روايتي عن فلان فارْوِهِ عني، ثم يبقيه معه ليملكه أو لينسخه ثم يرده أن يأتي الطالب إلى الشيخ بكتاب من حديث الشيخ أصلًا له أو مقابلًا به، فيتأمَّله الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول له: هو حديثي أو روايتي فاروِه عني، أو أجزت لك روايته، وهذا سماه غير واحد من الأئمة عرضًا، وقد سبق أن القراءة على الشيخ تُسمى عرضًا، فليسمى هذا عرض المناولة، وذلك عرض القراءة. وقد احتجَّ بعض أهل العلم بصحة المناولة لحديث أن النبي كتب لعبد الله بن جحش كتابًا وقال له: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على أصحابه في السريَّة، وأخبرهم بأمر رسول الله أن يتوجَّهوا إلى نخلة ليترصدوا بها عيرًا لقريش، وقال له: لا تُكره أحدًا ممن معك، فلما قرأ الكتاب عليهم قال: أما أنا فأسمع وأطيع لأمر رسول الله فقالوا جميعًا: ونحن كذلك. رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن، وقد أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا، واستدل به على صحة المناولة، واستدل الحاكم لها بما رواه ابن عباس: ((أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى)) رواه البخاري، وكلا الاستدلالين صحيح وفقه قويم. المناولة المقرونة بالإجازة، هي أعلى أنواع الإجازة، وأجمع العلماء على صحة الرواية بها، ولكنهم اختلفوا في رتبتها؛ فمنهم من جعلها كالسماع في القوة والرتبة كالزهري، وربيعة الرأي، ومجاهد، والشعبي، وإبراهيم النخعي، ومالك، وجماعات آخرين من كل قطر ومِصر، سردهم السيوطي في (التدريب). ومنهم من جعلها أرفع من السماع، لأن الثقة بكتاب الشيخ بإذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت، لما يدخل من الوهم على السامع والمُسمِع، والصحيح أنها منحطَّة عن السماع من الشيخ والقراءة عليه، وإليه ذهب الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وغيرهم، قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه نذهب، وهو الذي رجَّحه ابن الصلاح. ومن صورها: أن يُناول الشيخ الطالب سماعه ويُجيزه، ثم يُمسكه الشيخ ولا يبقيه عند الطالب، وهذا دون ما سبق مما يُناول الشيخ الطالب الكتاب ويُجيزه إيَّاه، ويجوز روايته إذا وُجد ذلك الكتاب المناول له، أو وجد فرعٌ مقابل به موثوق بموافقته لما تناولته الإجازة، ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزيَّة على الإجازة المجردة الواقعة في معين؛ لأنه في الإجازة ليس هناك شيء مكتوب مناول، وكذلك هذه المناولة التي ناولها الشيخ للطالب، ثم أخذ الكتاب كأنه لم يعطه شيئًا؛ فعلى هذا ليس لها كبير مزية على الإجازة المجردة، بل قال جماعة من أصحاب الفقه والأصول: لا تأثير لها ولا فائدة. ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب فيقول له: هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته؛ فيجيبه من غير نظر فيه، ولا تحقق لروايته له، فهذا النوع لا يجوز ولا يصح؛ لأن هذا الكتاب ربما لا يكون فيه روايات ذلك الشيخ، أو فيه ما زيد عليه أو نقص، أو فيه تحريف، فإن وثق الشيخ بخبر الطالب ومعرفته؛ اعتمده، وصحت الإجازة والمناولة، كما يُعتمد في القراءة على الشيخ من أصله إذا وثق بدينه، ومعرفته بالطالب. النوع الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة: بأن يناوله الكتاب مقتصرًا على قوله: هذا سماعي، أو هذا حديثي، ولا يقول له ارْوِه عني ولا أجزت لك روايته، ونحو ذلك. قال ابن الصلاح: هذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها، وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها، وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها، ثم قال: إن الرواية بها تترجَّح على الرواية بمجرَّد إعلام الشيخ للطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان؛ فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية. وقال النووي: لا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء والأصوليون، وعابوا المحدثين المجوِّزين لها. ومال العراقي إلى الجواز بشروط وقال: وعندي أن يقال: إن كانت المناولة جوابًا لسؤال كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك؛ فناوله ولم يصرح بالإذن؛ صحتْ، وجاز له أن يرويه كما تقدم في الإجازة بالخط، بل هذا أبلغ، وكذا إذا قال له: حدثني بما سمعت عن فلان، فقال له: هذا سماعي من فلان؛ فتصح هذه أيضًا، وما عدا ذلك فلا يصح، فإن ناوله الكتاب ولم يقل له: إنه سماعه؛ لم تجزْ الرواية به بالاتفاق. أما صيغ الأداء عن المناولة عمومًا فيقول: ناولني وأجازني فلان، أو ناولني مع الإجازة، أو ناولني فلان، عند من يُجيز المناولة المجردة من الإجازة، أو يقول: حدثني فلان بالمناولة والإجازة، وأخبرني فلان بالمناولة والإجازة، وأنبأني فلان بالإجازة والمناولة، أو إجازة ومناولة بالصيغ الثلاث. وأما بإطلاق حدثنا وأخبرنا؛ فيُجوّزه بعضهم وهو قول من جعلها سماعًا؛ لأننا سبق أن قلنا: إن بعضهم جعلها كالسماع؛ بل أعلى من السماع، والصحيح الذي عليه الجمهور المنع منه، ولا بد من التقييد بالإجازة والمناولة في قوله: أخبرني، أو حدثني، أو أنبأني. وأما إطلاق الإنباء، فذلك في الإجازة المجردة عن المناولة، يعني: قُيِّد الإنباء بالإجازة. |
أدوات الموضوع | |
|
|