للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب |
|
|
|
أدوات الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
زيارة قصيرة لزهير بن أبي سُلمى/د.عثمان قدري مكانسي
زيارة قصيرة لزهير بن أبي سُلمى الدكتور عثمان قدري مكانسي أربأ بزهير بن أبي سلمى أن يكون من شعراء الجاهلية إلا في التصنيف الزمني الذي أطلقه الإسلام على ما قبل البعثة النبوية ، فمعلقته من عيون الشعر إن لم تكن العين الأولى في الشعر القديم لما فيها من تصوير للمجتمع وعاداته ونُظم حياته ،وأدبٍ أخلاقي ،وحكمةٍ تدل على بصيرة نافذة ، وفهمٍ للحياة قلّ أن تجده في عالم اليوم . فإذا عشت قصيدته أولها وآخرَها وجدتَ فيها علمَ الاجتماع ينبض بتجربة ناضجة في التعامل مع القريب والبعيد والصديق والشانئ، في السلم والحرب الذي صبغ مجتمع العرب بدْوَه وحضرَه بقواسم أخلاقية وعادات أصيلة كان لها أثرها الإيجابي في البعثة النبوية الشريفة. سأتحدث اليوم في جانب صغير من جوانب المعلقة التي تدل – إضافة إلى شاعرية زهير – على فهمه للحياة التي عركها وعركته فصنعت منه الحكيم في السلم والحرب ، وكثيراً ما ينبغ بعضهم في السلم أو الحرب ، أما زهير فقد جمعت حكمتُه الحالين معاً فاستفاد منه الطرفان على حد سواء، نجد من بعض ما قاله في حِكَم الحرب : وَمَا الـحَرْبُ إِلاَّ مَـا عَلِمْتمْ وَذُقْتُمُ * وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِـالحَدِيثِ المُرَجَّمِ 1- لقد ترك للسامع والقارئ تقديرَ أثر الحرب على أهلها الذين يكتوون بنارها ،فهو شديد الضراوة يَعلمُه من خاض فيه فذاقه . ولئن كان تذوق الطعام والشراب باللسان، إنّ تذوّقَ الحرب بالألم النفسي والجسدي ، وتشردِ المرء بعيداً عن مرابعه وأهله ،ولربما يفقد أهله وأحبابه، ولعله يصاب بإعاقة دائمة في نفسه وأهله ، (ومن ذاق عرف) .مَتَـى تَـبْعَثُوهَا تَـبْعَثُوهَا ذَمِـيمَةً * وتَضْـرَ إِذَا ضَـرَّيْتُمُوهَا فَـتَضْرَمِ 2- (وليس من رأى كمن سمع)،فالرائي عاش الحرب بتفاصيلها ودقائقها ساعة بساعة ويوماً بيوم، وقد نقرأ بعض معاناة الأسرى في سجون الظالمين أو نسمع منهم بعض شجونهم في الأذى الذي لقوه في سنوات الأسرِ والذل يتلَقّون أخسّ العذاب وأضراه من شياطين البشر الذين يتفننون في صبِّ الاذى والعذاب دون هوادة أو رحمة، فنتألم كثيراً ، وأنّى لألمنا ونحن نسمع ما جرى من ألمهم حين ذاقوا العذاب ألواناً أن نعيش معاناتهم كما عاشوها ! فليس من رأى وعاين كمن سمع وتصوّر. 3- ولن تكون الحرب – مهما صغرت وقصُرَتْ- إلا النارَ تحرق ، والراجماتِ تقصف ، والصواريخَ تُدَمّرُ، والقتلَ يستحِرّ، والموتَ يخطف ، وتزدادُ ضراوة الحرب كلما وقعت الضحايا بين الطرفين المتحاربين ، وتتأجج كلما طالت ، وتضرى كلما صٌبّ عليها الوقود السريعُ الاشتعال. وَمَنْ هَـابَ أَسْـبَابَ الـمَنَايَا يَنَلْنَهُ * وَإِنْ يَرْقَ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بِـسُلَّمِ وَمَنْ لَـمْ يَـذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ * يُـهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ الـنَّاسَ يُظْلَمِ 1- بَيْد أن الخنوع والذل بعيدان عن سمة الأحرار،لا يرضى بهما إلا الأذلّان ( العير والوتد) كما حفظناه من الشاعر القديم المجرِّب.وسيموت المرء بانتهاء أجله أكان الموت في ساحة المنايا أم في الفراش الدافئ، وما أصدَقَ قول طرفة بن العبد : لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطِّوَل المُرخى وثِنياه باليدِ متى ما يشأ يوماً يقُده لحتفه * ومن يك في حبل المنيّة ينقَدِ 2- وإذا كان الموتُ سبيلَ كل حيٍّ فلِمَ الخوف منه ولم الجزع من لقائه ؟ ولماذا يرضى المرءُ الهوانَ ليعيش حياة العبيد ؟! 3- لا بدّ إذاً من الوقوف أمام الطغيان ودفعه وطغامه ، ولا بد أن يحمل المرء سلاحه في وجه الظالمين يجتث شرورهم ويزيح كوابيسهم . وتستوقفني كلمة الشاعر( بسلاحه) فمن أراد الحرية والكرامة لم يستعِنْ بظالم على ظالم ولا بعدوّ على عدوّ فالجميع يسعون إلى مصالحهم الخاصة ، ولا نطمح أن نخرج من تحت الدلف لنقع تحت الميزاب. ! ولعل فيها معنى رائعاً آخر : أن تصنع الأمة سلاحها بنفسها كي لا تقع تحت رحمة غيرها كما نرى ضعفنا هذا في عالمنا العربي والإسلامي. 4- وقد يغيب معنى ( ومن لا يظلم الناس يُظلم) عن بعضهم فيحسب أنّ الشاعر يرى من تمام القوة أن يكون المرء ظالماً ، وهذا شطط في الفهم وبُعدٌ عن الحقيقة ، فالمقصود : أن يحوز شعبنا أسباب القوة من جيش قوي وتدريب متواصل وسلاح ثقيل يمنع العدوّ أن يفكر في الاعتداء علينا ، ولقد قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } ولا يرهبُنا العدوُّ إلا إذا علم أنه باعتدائه علينا يعود خاسراً مقهوراً . ومن حِكَم السلم عند زهير : قولُهُ وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ * يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الـشَّتْمَ يُشْتَمِ وَمَنْ يَـكُ ذَا فَـضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ * عَلَى قَـوْمِهِ يُسْـتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ 1- فزهير في هذين البيتين يقدم نصيحتين رائعتين ، تكَمّل ثانيهما أولاهما، إن الرجل بعيدَ النظر يشتري عرضه وشرفه أن يُمسّا، بالمالِ والكلمةِ الطيبة وخدمةِ الآخرين ، أما إنْ نأى عن ذلك وهو يستطيع عونَ الناس فقد سمح لهم أن يتناوشوه بألسنتهم فيذمّوه ويتندّروا به ، فيسقط في عيونهم ،ولعله يسيئ إلى نفسه قبل أن يسيء الآخرون إليه. 2- والثانية أن ذا الفضل القادر على عون الناس الباخل بما عنده لا خير فيه ولا مكانة له في قلوب الآخرين ، ولئن رضي بشتمهم له إذ تنكب عن تقديم ما يستطيع لهو مستحق الشتم عن جدارة، والذمّ عن أحقّيّة ، ولن يكون البخيل محترماً في قومه، ولا مُبجّلاً فيهم. ونرى زهيراً يتألق في هذين البيتين : وَمَنْ يُـوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ * إِلى مُـطْمَئِنِّ الْـبِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ 1- فمن صفات الرجل الكاملِ الوفاءُ بالعهد فإنْ فعل حمده الناس وشكروه ، وأثنَوا عليه. وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ * يَكُنْ حَـمْدُهُ ذَماً عَـلَيْهِ وَيَـنْدَمِ 2- وما يفعل ذلك إلا الذي هداه الله إلى حب الخير للناس ، فالناس عيال الله ، وأحبهم إلى الله انفعُهم لعياله . 3- ومن ذاق حلاوة المعروف ثابر عليه وأنِسَ إليه ، وصار عملُ الخير ديدنَه ، فلم يردّ أحداً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. 4- ولا ننسى قول الشاعر : إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَه * وإن أنت أكرمتَ اللئيم تمرّدَ فما كل الناس أهلٌ لتقديم المعروف إليهم ، أ- ـ فمنهم من يظن معروفك تزلفاً إليهم ، ب- ـ ومنهم من يراه خوفاً أو ضعفاً تستره عنهم، ت- ـ ومنهم من يراه لجلب منفعة ترغبها لكننا نجد في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كانه وليٌّ حميم * وما يُلقّاها إلا الذين صبروا وما يُلَقّاها إلا ذو حظ عظيم }. وما يتحمل أذى الناس بصدر حليم إلا الداعية الصبور لقوله تعالى { ادفع بالتي هي أحسن ....}. ولعل الشاعر زهيراً يدعونا إلى تحمل أذى الناس وممالأتهم بما لا يقدح في مروءة الرجل ولا يطعن في مبدئه ، إنه بمصانعتهم يأمن شرهم إن لم يكسب ودّهم ، وهذا ما يفعله الداعية الذي يرضى بأخف الضررين : وَمَنْ لَـمْ يُـصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ * يُـضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُـوْطَأْ بِمَنْسِمِ ألم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم لبعض القرشيين وغيرهم في فتح مكة بعضَ المال يرغّبهم في الإسلام "وهم المؤلفة قلوبهم"؟ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنا لنبش بوجوه أقوام وقلوبنا تلعنُهم" فالتصنّع أحياناً يمنع الأذى،وقد يجلب المنفعة ولعلنا في آخر هذا اللقاء القصير مع زهير نراه يقدم لنا نصيحة ثمينة حين يقول : وَمَنْ يَـغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُواً صَدِيقَهُ * وَمَنْ لا يُكَرِّمْ نَـفْسَهُ لا يُـكَرَّمِ 1- فالمرء في أهله معزز مكرم ، وإن لم يعرفوا قدرَه كما ينبغي. وقد أحسن الشاعر في قوله: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة * وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرامٌ 2- إن الإنسان حيوان اجتماعي ، قد تضطره الغربة إلى مصاحبة كثير من الناس ليسوا أهلاً للثقة وليسوا جديرين بالصداقة ، فينال منهم الضرَّ من حيث لا يدري. 3- وما كل من ابتسم لك صديق أو حبيب، ورائع قول الشاعرفي هذا المعنى: إذا رأيتَ نيوب الليث بارزة * فلا تظنّنّ أن الليث يبتسمُ 4- ويذيل الشاعر بيته بجوهرة تتألق " ومن لا يكرّم نفسه لا يُكَرّم" إن الحذر واجب في كل الأمور مع الصديق والعدو والمحب والمبغض ، ولعلنا نتذكر رائعة الشافعي رضي الله عنه " " أحبب حبيبَك هوناً ما عسى أن يكون بغيضَك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " |
#2
|
|||
|
|||
رد: زيارة قصيرة لزهير بن أبي سُلمى/د.عثمان قدري مكانسي
سلمت يمينك و جزاك الله خيراً.
|
أدوات الموضوع | |
|
|