ثالثًا: طريق آخر للقصة
والقصة جاءت من طريق ابن الكلبي أيضًا كما ذكر ذلك السهيلي في «الروض الأنف» (5/462).
وابن الكلبي: هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي توفي سنة (204هـ).
1- قال الإمام الحافظ ابن حبان في «المجروحين» (3/91):
«هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الكلبي من أهل الكوفة يروي عن العراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها وكان غاليًا في التشيع أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها». اهـ.
قلت: انظر إلى قول الإمام ابن حبان «وكان غاليًا في التشيع وكيف وصل به الغلو إلى أن يأتي بخبر لا أصل له يجعل الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه جبانًا يفر عند المبارزة بل يتقي خصمه بكشف عورته.
2- قال الإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/339/1945): «حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: هشام بن محمد بن السائب الكلبي من يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه». اهـ.
3- قال الإمام الحافظ ابن عدي في «الكامل» (7/110- 9/2026): سمعت ابن حماد يقول: حدثني عبد الله، سمعت أبي يقول: هشام بن الكلبي... فذكر ما أخرجه العقيلي.
4- أورده الدارقطني في كتابه «الضعفاء والمتروكين» برقم (563) مما يدل على أن هشام بن الكلبي اتفق الأئمة البرقاني، وابن حمكان والدارقطني على تركه.
5- أورده الذهبي في «الميزان» (4/304/9237).
ونقل عن ابن عساكر أنه قال: «هشام بن محمد بن السائب الكلبي: رافضي ليس بثقة». اهـ.
بهذا يتبين أسباب وضع هذه القصة من الكشف عن عللها التي جاءت من طريق نصر بن مزاحم، ومن طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أن كليهما كان رافضيًا غاليًا.
1- والإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/38) يبين دواعي الوضع وأصناف الوضاعين فيقول:
«القسم الثاني: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم». أهـ
2- وقد بَيَّن ذلك السخاوي في «فتح المغيث» (1/300) ثم ذكر الرافضة، ثم قال:
«الرافضة فرق متنوعة من الشيعة وانتسبوا كذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى، وقال: كانا وزيري جدي صلى الله عليه وسلم فتركوه ورفضوه». اهـ.
3- قلت: وهذا ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (13/35).
قال: «وأما لفظ الرافضة: فهذا اللفظ أول ما ظهر في الإسلام، لما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك واتبعه الشيعة فسئل عن أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما فرفضه قوم فقال: رفضتموني رفضتموني فسموا الرافضة، فالرافضة تتولى أخاه أبا جعفر محمد بن علي والزيدية يتولون زيدًا وينسبون إليه ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى: زيدية ورافضة إمامية». اهـ.
4- ثم بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (4/435) حيث قال:
أ- «فأبو بكر وعمر أبغضتهما الرافضة ولعنتهما دون غيرهم من الطوائف، ولهذا قيل للإمام أحمد: من الرافضي؟ قال: الذي يسب أبا بكر وعمر وبهذا سميت الرافضة، فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر لبغضهم لهما فالمبغض لهما هو الرافضي...».
ب- «وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليها وادعى العصمة له...» اهـ.
جـ- ثم ذكر الأثر السيئ لهم على الحديث في «الفتاوى» (6/289) فقال: «الرافضة كذبوا أحاديث كثيرة جدًا راج كثير منها على أهل السنة وروى خلق كثير منها أحاديث حتى عسر تمييز الصدق من الكذب على أكثر الناس، إلا على أئمة الحديث العارفين بعلله متنًا وسندًا». اهـ.
د- ثم بيَّن مكانهم من الطوائف فقال في «الفتاوى» (4/471): «وبهذا وأمثاله يتبين أن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، بل هم أعظم الطوائف كذبًا وجهلاً ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد، كما دخل فيهم النصيرية والإسماعيلية، وغيرهم فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال الشعبي - وكان من أعلم الناس بهم - لو كانوا من البهائم لكانوا حُمُرًا، ولو كانوا من الطير لكانوا رخَمًا». اهـ.
والحُمُر جمع حمار كما في قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ» [المدثر: 50].
والرخَم: جمع رخمة وهو طائر يأكل العذرة وهو من الخبائث وليس من الصيد. كذا في «المصباح المنير» (ص224).
هكذا افترى الرافضة هذه القصة المكذوبة على علم من أعلام الصحابة رضي الله عنهم دوَّخ أعداء الإسلام وفتح الله على يديه القرى والبلدان.
رابعًا: مكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص
رضي الله عنه
وإلى القارئ الكريم بيان مكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص كما تبينه السنة الصحيحة المطهرة التي تمحو بنورها ظلمات الرافضة وظلمهم:
1- فقد ثبت في مسند أحمد (2/354، 327، 353)، والحاكم (3/452) من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ابنا العاص مؤمنان».
2- وله شاهد بالإيمان أخرجه أحمد والروياني في مسنده والترمذي من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص».
3- وأورد هذا الشاهد الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (1/238) (ح155) وحسنه وأورد حديث أبي هريرة (ح156) وصححه.
ثم قال في «الصحيحة» (1/239): وفي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه إذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة». متفق عليه... وعلى هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين وغيرهم من المخالفين - بسبب ما وقع له من الخلاف... اهـ.
قلت: مما أوردناه آنفًا يتبين أن هذه القصة واهية تطعن في الصحابي المؤمن الشجاع الذي لم يجد شياطين الرفض شيئًا يصمونه به إلا هذه القصة المكذوبة لتنال من هذا الصحابي الجليل.والله من وراء القصد.
جلة التوحيد
<!-- / message --><!-- sig -->