منتديات الجامع  

للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب
 Online quran classes for kids 
فور شباب ||| الحوار العربي ||| منتديات شباب الأمة ||| الأذكار ||| دليل السياح ||| تقنية تك ||| بروفيشنال برامج ||| موقع حياتها ||| طريق النجاح ||| شبكة زاد المتقين الإسلامية ||| موقع . كوم ||| مقالات ||| شو ون شو ||| طبيبة الأسرة |||

العودة   منتديات الجامع > القسم العام > الإعجاز فى القرآن والسنة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2018-06-30, 12:38 PM
حسين شوشة حسين شوشة غير متواجد حالياً
داعية إسلامى
 
تاريخ التسجيل: 2013-07-10
المشاركات: 282
افتراضي تفسير الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن

==.==
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد
الحقيقة أنه موضع زلق جدا هو الكلام في الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن.
ولقد همهم الكثيرون حوله وحاموا . وكثر الكلام فيه دون اعتماد على دليلٍ قاطع يحسم مادة الجدال والأخذ والرد حول هذا المبحث.
وقبل كل هذا نقف على بعض النقاط المتفق عليها في هذا المبحث:
1- الحروف المقطعة.. هى حروفٌ عربية افتتح الله بها سبحانه تسع وعشرين سورة من سور القرآن العظيم.. تُقرأ بأسمائها في التهجي على التقطيع والفصل، فمثلاً " ألم " تقرأ ( ألف لام ميم )؛ فهذه خصيصتها الأولى.
2- وهى أربعة عشر حرفاً بغير التكرار (أى = نصف الحروف الأبجدية العربية تقريبا)!!
3- وقد وردت كحرفٍ واحدٍ مثل ( ق، ن )، و حرفين مثل ( حم )، و ثلاثةٍ مثل( ألم، ألر، طسم)، وأربعةٍ مثل( ألمر)، وخمسة حروف مثل (كهيعص)..
4- وتكررت منها حروف في سورٍ مثل ("ألم" في ست سور، و"حم" في سبع سور)؛ ومنها ما لم يتكرر مثل ( ن، ق)..
5- وقد ورد بعدها في أكثر الأحيان ذكر القرآن إما على سبيل التحدي أو الوصف أو القسم به أو الإشارة لهداياته الكريمة.. كَقَوْلِهِ تعالى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ يس وَالْقُرْآنِ ص وَالْقُرْآنِ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ق وَالْقُرْآنِإِلَّا ثَلَاثَ سُوَرٍ: الْعَنْكَبُوتِ، وَالرُّومِ، و"ن" لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ..
6- جمع بعض العلماء هذه الحروف وحذف المكرر منها فوجدها ترتب جملة (نصٌ حكيمٌ قاطعٌ له سر)!!..
7- الأصح والأَوْلى في الكلام عن هذه الحروف أن يُقال: الله اعلم بمراده منها.. نؤمن بها وبمعانيه التي لا نعلمها وأن لها من العظمة القرآنية والإعجاز ما لها.. وفيه تفصيل بحثنا بتوفيق الله تعالى..
وقبل أن نبدأ النقاش حولها هناك عدة حقائق تتصل بها يجب أن توضع في الحسبان ابتداءاً:
1. هذه الحروف ليست عبثاً، وليست مما لا معنى له؛ بل لها في ذاتها معانٍ وحقائق..
والدليل على ذلك أن العرب الذين نزل فيهم القرآن وهم أفصح الخلق في لغة القرآن.. وعلى حرصهم على محاربة هذا القرآن ورميه بكل نقيصة، لم يساورهم قط ولم ينقل عنهم أنهم اعترضوا على القرآن العظيم وشغبوا عليه بأن فيه طلاسم وغمغمات من الحروف لا معنى لها في ذاتها.. بل إن سكوتهم عن هذا هو مما يدل على أنهم عرفوا أن لها معانٍ معجزةٍ في ذاتها وإن لم يعلموها.. وفي هذا ردٌّ على الملحدين والعلمانيين الذين يشغبون على القرآن ولا يحسن أحدهم معرفة اسمه من لغة العرب...
2. إن المتأمل المتدبر المدقِّق في خصائص وترتيب هذه الحروف ومواقعها وإحصائياتها العديدة ليواجه حقيقةً واحدةً أن هذه الحروف لها سرٌ عظيمٌ وإعجازٌ هائل علاوة على معانيها وإن خفيت علينا..
فالواقع أنها ليست عشوائية أبداً.. وأضرب مثلاً واحداً فأقول: ( إنه ليس في سور القرآن سورة كثر فيها حرف القاف كما في سورة "ق".. حتى إن لفظ القرآن ليذكر في كل سوره " قوم لوط" إلا في سورة " ق" نجد اللفظ " إخوان لوط" عدولاً عن حرف القاف في وصفهم، وربما ذلك للحفاظ على تناسقٍ وإحصاءٍ معين لحرف القاف ليحافظ على سرٍ خاص لهذا الحرف في هذه السورة.. وهذا من أعجب الاعجاز لمن تأمله)..
ففي فصلٍ عجيبٍ جدا يتحدث السيوطي ناقلا عن الزركشي في مناسبة الحروف المقطعة في أوائل السور مع السور التي افتتحت بها يقول:
قَالَ الزركشي فِي الْبُرْهَانِ: وَمِنْ ذَلِكَ افْتِتَاحُ السُّوَرِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ، وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَا بُدِئَتْ بِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِتَرِدَ "الم" فِي مَوْضِعِ "الر"، وَلَا "حم" فِي مَوْضِعِ "طس"..
قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ بُدِئَتْ بِحَرْفٍ مِنْهَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِهَا وَحُرُوفِهَا مُمَاثِلٌ لَهُ..
فَحَقَّ لِكُلِّ سُورَةٍ منها ألا يُنَاسِبَهَا غَيْرُ الْوَارِدَةِ فِيهَا.. فَلَوْ وُضِعَ "ق" مَوْضِعَ "ن" لِعُدِمَ التَّنَاسُبُ الْوَاجِبُ مُرَاعَاتُهُ فِي كَلَامِ اللَّهِ.. وَسُورَةُ "ق" بُدِئَتْ بِهِ لَمَّا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ بِلَفْظِ الْقَافِ مِنْ ( ذِكْرِ الْقُرْآنِ، وَالْخَلْقِ، تَكْرِيرِ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتِهِ مِرَارًا، وَالْقُرْبِ مِنَ ابْنِ آدَمَ، وَتَلَقِّي الْمَلَكَيْنِ وَقَوْلِ الْعَتِيدِ وَالرَّقِيبِ وَالسَّائِقِ، وَالْإِلْقَاءِ فِي جَهَنَّمَ، وَالتَّقَدُّمِ بِالْوَعْدِ، وَذِكْرِ الْمُتَّقِينَ، وَالْقَلْبِ وَالْقُرُونِ، وَالتَّنْقِيبِ فِي الْبِلَادِ، وَتَشَقِّقِ الْأَرْضِ، وَحُقُوقِ الْوَعِيدِ..وَغَيْرِ ذَلِكَ).....
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي سُورَةِ يُونُسَ مِنَ الْكَلِمِ الْوَاقِعِ فِيهَا "الرَّاءُ" مِائَتَا كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرُ فَلِهَذَا افْتُتِحَتْ بِ "الر"..
وَاشْتَمَلَتْ سُورَةُ "ص" عَلَى خُصُومَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَأَوَّلُهَا خُصُومَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَوْلُهُمْ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً، ثُمَّ اخْتِصَامُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ دَاوُدَ، ثُمَّ تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ اخْتِصَامُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، ثُمَّ تُخَاصُمُ إِبْلِيسَ فِي شَأْنِ آدَمَ ثُمَّ فِي شَأْنِ بَنِيهِ وَإِغْوَائِهِمْ.. فلذلك كثر فيها حرف الصاد..
وَ "الم" جَمَعَتِ الْمَخَارِجَ الثَّلَاثَةَ الْحَلْقَ وَاللِّسَانَ وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهَا.. وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْخَلْقِ، وَالنِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْمِيعَادِ، وَالْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الْمَعَاشُ مِنَ التَّشْرِيعِ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.. وَكُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ..] ا.ه.
وهكذا يتبدى كل يوم الجديد للمتتبعين لبعض أسرار هذه الحروف )..
3. أنَّ عدم معرفة معاني هذه الحروف لا يقدح في بيان وفصاحة وبلاغة القرآن أبداً عند التحقيق..
 أولاً: ذلك أنَّ القرآن العظيم هو كلام الله..
وكل مدعٍ أنه أحاط بكل معانيه هو كذَّاب مفضوح لأن البشر لا يجرؤون أن يدعي أحدهم إحاطته بكل معاني خطاب مثيله من الخلق، لما في النفوس من تباين المعلومات والثقافات والعقول، ولكن ما نفهمه من بعضنا البعض هو ما يعيننا على المعاملة وقضاء حوائجنا والتعبير عن ذواتنا.. فكيف يدعي مدعٍ وجوب الإحاطة بكل معاني كلام الله العظيم العليم الحكيم القدير.. وقد قال ابن عباس رضى الله عنه – كما نقل ابن كثير -: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ، فَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ، وَتَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي العلم، وتفسير لا يعلمه إلا الله، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا تَشَابَهَ منه فآمنوا به»..
وإن للكاتبين والمتحدثين من البشر ما يستأثرون بسر معناه من جملة كلامهم؛ وإلا كان كلامهم ضعيفاً ركيكاً لا يدل على علو عقل المتكلم به.. ولله المثل العلى " ليس كمثله شئ " أختص ذاته بمعانٍ من كلامه لم يطلع عليها أحداَ من خلقه.. واختص صفوةً من خلقه بمعانٍ لم يطلع عليها غيرهم.. ولا يدل ذلك إلا على علو كلامه تعالى على كل كلام مع فصاحته وبيانه..
 ثانياً: أن القرآن كتاب الدين الإسلامي الحق، والدين في معناه ومغزاه يجب أن يشتمل على عنصرين رئيسين..
أحدهما: الغيب الذي يُبتلَى ( يُختبَر) فيه المدعي ديناً ليُعرَف حقيقة إيمانه.. فالإيمان في الحقيقة هو التصديق بالغيب وإلا فهو إدعاء كاذب، فما تراه وتعرفه وتدرك كل معانيه لا يقال له إيمان.. ولا ينعقد عليه صحة الدين..
ومن هذا العنصر الحروف المقطعة في أوائل السور، وغيرها من المتشابهات التي وردت في القرىن ولا يعلم حقيقة تأويلها إلا الله سبحانه فهى ابتلاء لمدعي الإيمان حتى يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) [آل عمران: 7] فيثبت إيمانهم.. وسيأتينا على هذا المعنى مزيد شرح وبيان في كلامنا على هذه الآية من سورة آل عمران بإذن الله تعالى.
ولذلك جاء في أول احتكاك مع هذه الحروف المقطعة الإشارة إلى هذا المعنى من الإيمان واليقين في الغيب الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) [البقرة: 1 - 3].. فجعل أكثر الهدى والاهتداء بالقرآن للمؤمنين بالغيب، فهم أكمل الناس انتفاعا به ومن عداهم فله نصيب بإذن الله وهدايته...
والعنصر الآخر من عناصر الدين: هو المنهج ودستور السير والعمل في الحياة.. وفي هذا العنصر يتحدث القرآن فيبين ويحكم آياته بلا لبس ولا غموض معنى.. ليستنبط أولى العلم الأحكام والهدايات الربانية في السر في الحياة مفصلة وواضحة.. وهذا القسم لا غبار عليه وهو الآيات المحكمات..
وإن المؤمنين وأولى العلم منهم خاصةً يردون المتشابه الذي لا يعلم حقيقة معناه إلا الله تعالى إلى المحكم الذي لا لبس في معانيه.. وبذلك لا يضر القليل من المتشابه كالحروف المقطعة وغيرها في بيان ووضوح وفصاحة وبلاغة القرآن العظيم...
يقول العلامة صبحي الصالح:
على أنّ في مستهلّ السورة حروفاً ثلاثة مقطعة ((ألفْ – لامْ – ميمْ))، فما هي حقيقتها. وإن تكُ سراً استأثر الله بعلمه فما حكمة تنزيلها وعدّها هي ونظائرها في بعض السور آيات تتلى وترتّلُ ترتيلاً؟
ولقد مضى السلف الصالح يعتقدون بأنّ هذه الفواتحُ نظِمت في القرآن على هذا النمط منذ الأزل لتعجز البشر عن الإِتيان بمثل هذا الكتاب المجيد لو كان بعضهم لبعض ظهيراً. وآثروا – رغم خوضهم في حكمة ورودها – أن يحيطوها بِجوّ من التورع عن تفسيرها، والتخوّف من إبداء رأي صريح فيها، فهي من المتشابه الذي لا يعلم تأويلَه إلا الله، وهي سرّ هذا القرآن.
والاعتقاد بأزلية هذه الحروف قد أحاطها بالسرّية، وسرّيّتها قد أحاطتها بالتفسيرات الباطنية، وتفسيراتها الباطنية خلعت عليها ثوباً من الغموض لا داعي إليه، ولا معوّل عليه.
وأدخَلُ تلك الآراء معنى الغموض قولُ مَنْ عدّ هذه الحروف على حساب ((الحُمّل)) ليستنبط منها مدة بقاء هذه الأمة، أو التنبيه على كرامة شخص أو شيعة معينة: زعم بعضهم مثلاً أن عدد هذه الحروف – مع حذف المكرّر – للإشارة إلى بقاء هذه الأمة، وزعم آخرون أن بعض الأئمة استخرج من قوله تعالى (الم. غُلبت الروم) أنّ بيت المقدس يفتحه المسلمون في سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة، وأن الأمر وقع كما قال!
وهذا الضرب من الاستخراج الحسابي يعرف باسم (عدّ أبي جاد)، وقد شدّد العلماء في إنكاره والزجر عنه، وأكدوا أنه من جملة السحر، وأنه لا أصل له في الشريعة، وللمتصوفة في هذا المجال آراء أبعد شطحاً، وأغرب لفظاً، وأغمض معنى، تستمدّ سرّيّتها من مصطلحاتهم وأسرارهم، وتنبئ عن مدى توغّلهم في الشطحات الغامضة البعيدة.
ورأى بعضهم أنّ هذه الفواتح حروف مقطّعة كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى، أو يكتفى به عن كلمة تؤلف مع سواها جُملاً يتصل معناها بما بعدها أو يشير إلى الغرض من السورة المفتتحة بها، كقولهم في (ألر): أنا الله أرى، وفي (طسم): طور سيناء وموسى، لأن السورتين اللتين تفتتحان بهذه الحروف تقصّان خبر صاحب التوراة في طور سيناء.
ولا يخفى على أحد ما في هذه الآراء كلها من التخرصات والظنون: فقد قيل في كل مما ذكرنا أقوال مختلفة يذهب فيها الباحثون مذاهب شتى. وأمثال هذه التأويلات لا تتناهى ولا تقف عند حدّ، وما هي إلا آراء شخصية مردّها هوى كل مفسّر وميله.
وآثر قوم أن يقولوا: إن الفواتح برمّتها، وعلى اختلاف صيغها، اسم الله الأعظم، عُبّر عنه تعبيرات مختلفة تباين ما عهدناه في تأليف كلامنا.
وشبيه بهذا رأي من قال: إن أوائل السور قَسَم أقسم الله فيه بنفسه، لأن كل فاتحة منها اسم من أسماء الله، ولا يبعد عن هذا التأويل اعتبار هذه الحروف أسماءً علَمية للقرآن بوجه عام، أو لبعض سور القرآن المفتتحة بها بوجه خاص.ا.ه.
ثم ننتقل إلى نقاش المفسرين حولها ولقد رأيت فيها بحثا ضافيا رائعا للعلامة ( محمد على الشوكاني) في تفسيره (فتح القدير) فقررت ألخصه لشموله وتحقيقه وسداد رأيه:
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ: هِيَ سِرُّ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ سِرٌّ، فَهِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي انْفَرَدَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهَا، وَتُمَدُّ كَمَا جَاءَتْ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا:
الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يُفَسَّرُ.
وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ: بَلْ نُحِبُّ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا وَنَلْتَمِسَ الْفَوَائِدَ الَّتِي تَحْتَهَا، وَالْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ عَدِيدَةٍ..
فَرُوِيَ عن ابن عباس وعليّ أيضا عن الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُ تَأْلِيفَهُ مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُبٌ وَالْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ أَعْلَمَ اللَّهُ بِهَا الْعَرَبَ حِينَ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِفٌ مِنْ حُرُوفٍ هِيَ الَّتِي بِنَاءُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهَا لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُجُ عَنْ كلامهم.
قال قطرب: كانوا يَنْفِرُونَ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا نَزَلَ الم والمص اسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظَ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِفِ لِيُثْبِتَهُ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَيُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ حُرُوفٌ دَالَّةٌ عَلَى أَسْمَاءٍ أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتُهَا، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: الْأَلِفُ مِنَ اللَّهِ وَاللَّامُ مِنْ جِبْرِيلَ وَالْمِيمُ مِنْ مُحَمَّدٍ.
وَذَهَبَ إِلَى مثل هَذَا الزَّجَّاجُ فَقَالَ: أَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى. وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الْعَرَبُ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ كَقَوْلِه شاعرهم:
فَقُلْتُ لَهَا قِفِي، فَقَالَتْ قَافِ.... أَيْ: وَقَفْتُ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ.
وَمِنْ أَدَقِّ مَا أَبْرَزَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ مَا أَوْرَدَهُ اللَّهُ عَزَّ سُلْطَانُهُ فِي الْفَوَاتِحِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَجَدْتَهَا نِصْفَ أَسَامِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَوَاءً: وَهِيَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالْعَيْنُ وَالطَّاءُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ وَالْقَافُ وَالنُّونُ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، ثُمَّ إِذَا نَظَرْتَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجَدْتَهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى أَنْصَافِ أَجْنَاسِ الْحُرُوفِ... ( ثم عدَّد الزمخشري أجناس وأصناف الحروف وقال بأن الحروف المقطعة اشتملت على الشطر من كل صنف )..
(وبعد نقل تلك الآراء يأتي تحقيق الشيخ الشوكاني الرائع فيقول رادَّاً على فذلكة وتكلف الزمخشري:
[ هَذَا التَّدْقِيقُ لَا يَأْتِي بِفَائِدَةٍ يُعْتَدُّ بِهَا، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلْزَامَ الْحُجَّةِ وَالتَّبْكِيتِ كَمَا قَالَ، فَهَذَا مُتَيَسِّرٌ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَكَلَّمُونَ بِهَا لَيْسَ هُوَ مِنْ حُرُوفٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا، فَيَكُونُ هَذَا تَبْكِيتًا وَإِلْزَامًا يَفْهَمُهُ كُلُّ سَامِعٍ مِنْهُمْ مِنْ دُونِ إِلْغَازٍ وَتَعْمِيَةٍ وَتَفْرِيقٍ لِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي فَوَاتِحِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً..
فَإِنَّ هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ الَّذِي لَا يَسْتَوْفِيهِ سَامِعُهُ إِلَّا بِسَمَاعِ جَمِيعِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ، هُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ مِنَ السَّامِعِينَ وَلَا يَتَعَقَّلُ شَيْئًا مِنْهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ تَبْكِيتًا لَهُ وَإِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ أَيًّا كَانَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَمْرٌ وَرَاءَ الْفَهْمِ، مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْهَمِ السَّامِعُ هَذَا، وَلَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ فَرْدٍ مِنْ أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لَهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ بَلَغَ فَهْمُهُ إِلَى بَعْضِ هَذَا فَضْلًا عَنْ كُلِّهِ.
ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ الْحُرُوفِ مُشْتَمِلَةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ جَمِيعِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَرَكَّبَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ مِنْهَا، وَذَلِكَ النِّصْفُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْصَافِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ هُوَ أَمْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ لِجَاهِلِيٍّ وَلَا إِسْلَامِيٍّ، وَلَا مُقِرٍّ وَلَا مُنْكِرٍ، وَلَا مُسَلِّمٍ وَلَا مُعَارِضٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، الَّذِي أَنْزَلَ كِتَابَهُ لِلْإِرْشَادِ إِلَى شَرَائِعِهِ وَالْهِدَايَةِ بِهِ.
وَهَبْ أَنَّ هَذِهِ صِنَاعَةٌ عَجِيبَةٌ وَنُكْتَةٌ غَرِيبَةٌ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِفُ بِفَصَاحَةٍ وَلَا بَلَاغَةٍ حَتَّى يَكُونَ مُفِيدًا أَنَّهُ كَلَامٌ بَلِيغٌ أَوْ فَصِيحٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الْوَاقِعَةَ فِي الْفَوَاتِحِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْعَرَبِ حَتَّى يَتَّصِفَ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حُرُوفِ كَلَامِهِمْ وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ من بحث الزمخشري.
وأَيْضًا لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا كَلِمَاتٌ مُتَرَكِّبَةٌ بِتَقْدِيرِ شَيْءٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهَا بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَعْمِيَةٌ غَيْرُ مَفْهُومَةٍ لِلسَّامِعِ إِلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ مَنْ يُرِيدُ بَيَانَهَا بِمِثْلِ مَا يَأْتِي بِهِ مَنْ أَرَادَ بَيَانَ الْأَلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ فِي شئ، بَلْ مِنْ عَكْسِهِمَا ].
ويواصل العلامة الشوكاني – - تحقيقه الماتع فيقول:
[ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي بَيَانِ مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ جَازِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ غَلِطَ أَقْبَحَ الْغَلَطِ، وَرَكِبَ فِي فَهْمِهِ وَدَعْوَاهُ أَعْظَمَ الشَّطَطِ..
فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ لَهَا بِمَا فَسَّرَهَا بِهِ رَاجِعًا إِلَى لُغَةِ الْعَرَبِ وَعُلُومِهَا فَهُوَ كَذِبٌ بَحْتٌ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا سَمِعَهُ السَّامِعُ مِنْهُمْ كَانَ مَعْدُودًا عِنْدَهُ مِنَ الرَّطَانَةِ..
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى أَحْرُفٍ أَوْ حُرُوفٍ مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي يُرِيدُونَ النُّطْقَ بِهَا، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُفِيدُ مَعْنَاهُ، بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى سَامِعِهِ كَمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ( قلت لها قفي فقالت قاف.. فدل السياق قبلها على أن معنى (قاف ): وقفتُ ).
وَأَيْنَ هَذِهِ الْفَوَاتِحُ الْوَاقِعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنْ هَذَا؟
وَإِذَا تَقَرَّرَ لَكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِفَادَةُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَعُلُومِهَا لَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: التَّفْسِيرُ بِمَحْضِ الرَّأْيِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحَقُّ النَّاسِ بِتَجَنُّبِهِ وَالصَّدِّ عَنْهُ وَالابتعاد عَنْ طَرِيقِهِ، وَهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلُوا كِتَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِلْعَبَةً لَهُمْ يَتَلَاعَبُونَ بِهِ وَيَضَعُونَ حَمَاقَاتِ أَنْظَارِهِمْ وَخُزَعْبَلَاتِ أَفْكَارِهِمْ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: التَّفْسِيرُ بِتَوْقِيفٍ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ ، وَهَذَا هُوَ الْطريق الْوَاضِحُ وَ الْقَوِيمُ، بَلِ الْجَادَّةُ وَالطَّرِيقَةُ الْعَامِرَةُ، فَمَنْ وَجَدَ شيئا من هذا فغير ملوم أَنْ يَقُولَ بِمِلْءِ فِمِه وَيَتَكَلَّمَ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ لَا أَدْرِي، أَوِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ..
فَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِ فَهْمِ الْمُتَشَابِهِ، وَمُحَاوَلَةِ الْوُقُوفِ عَلَى عِلْمِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَلْفَاظًا عَرَبِيَّةً وَتَرَاكِيبَ مَفْهُومَةً، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَتَبُّعَ ذَلِكَ صَنِيعَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، فَكَيْفَ بِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ؟
فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ إِنَّهُ مُتَشَابِهُ الْمُتَشَابِهِ عَلَى فَرْضِ أَنَّ لِلْفَهْمِ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَلِكَلَامِ الْعَرَبِ فِيهِ مَدْخَلًا، فَكَيْفَ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْفَوَاتِحِ شَيْءٌ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ؟
قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهَا، بَلْ غَايَةُ مَا ثَبَتَ عَنْهُ هُوَ مُجَرَّدُ عَدَدِ حُرُوفِهَا، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ».
فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ قَوْلًا صَحَّ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ؟
قُلْتُ: لَا، لِمَا قَدَّمْنَا، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ أَخَذَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلُغَةِ الْعَرَبِ، فَلِمَ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؟
قُلْتُ: تَنْزِيلُ هَذَا مَنْزِلَةَ الْمَرْفُوعِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ مِمَّا يَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُ الْمُنْصِفِينَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ التَّفْسِيرُ لِكَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ دُخُولٌ فِي أَعْظَمِ الْخَطَرِ بِمَا لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ إِلَّا مُجَرَّدَ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ يَبْعُدُ مِنَ الصَّحَابِيِّ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقُولَ بِمَحْضِ رَأْيِهِ فِيمَا لَا مَجَالَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ مُسَوِّغًا لِلْوُقُوعِ فِي خَطَرِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ إِلَى تَفْسِيرِ بَعْضِ الْمُتَشَابِهِ كَمَا تَجِدُهُ كَثِيرًا فِي تَفَاسِيرِهِمُ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ، وَيَجْعَلَ هَذِهِ الْفَوَاتِحَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَشَابِهِ..
ثُمَّ هَاهُنَا مَانِعٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا مُخْتَلِفٌ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنْ عَمِلْنَا بِمَا قَالَهُ أَحَدُهُمْ دُونَ الْآخَرِ كَانَ تَحَكُّمًا لَا وَجْهَ لَهُ، وَإِنْ عَمِلْنَا بِالْجَمِيعِ كَانَ عَمَلًا بِمَا هُوَ مُخْتَلِفٌ مُتَنَاقِضٌ وَلَا يَجُوزُ..
ثُمَّ هَاهُنَا مَانِعٌ غَيْرُ هَذَا المانع، وهو: أنه لو كان شيء مما قَالُوهُ مَأْخُوذًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا كَسَائِرِ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ثُمَّ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا لَمَا تَرَكُوا حِكَايَتَهُ عَنْهُ وَرَفْعَهُ إِلَيْهِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ وَاضْطِرَابِ أَقْوَالِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلُغَةِ الْعَرَبِ فِيهِ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا].
وأزيد على هذه النقطة الأخيرة ما حققه العلامة الفاضل بن عاشور في كتابه ( التفسير ورجاله ).. يقول ما مختصره:
[وقد اتصل تفسير القرآن، عند ابن عباس، بعناصر زائدة على العنصرين اللذين قدمناهما في الحديث الماضي: وهما عنصر أسباب النزول، وعنصر مبهم القرآن.
فكان ابن عباس يضيف إليهما عنصراً لغوياً: في فهم معنى المفرد، أو فهم سر التركيب، ويتخذ مادة لذلك من الشعر الجاهلي. فكان كثيراً ما يقول عندما يُسأل عن معنى من تراكيب القرآن فيقرره: أما سمعتم الشاعر يقول كذا، وينشد البيت كما أثبت ذلك ابن سعد في"الطبقات"...
وعنصر آخر أضافه ابن عباس، على ما نُقل عنه في المصادر المعتمدة، إلى تفسير القرآن: هو عنصر الأخبار التي لم تجئ في حديث النبي ـــ ــ مما يرجع إلى بيان مبهمات القرآن: وذلك ما كان يرجع فيه إلى مصادر المعرفة المتوفرة لديهم يومئذ من التاريخ العام وأخبار الأمم، لا سيما الأمتين الكتابيتين: اليهود، والنصارى.
ومن الظاهر أن هذين العنصرين، وإن وجدا في بعض كلام ابن عباس، لا يصح اعتبارهما من التفسير بالمأثور، لأن مرجعهما إلى الفهم وإلى المعرفة العامة مما يجوز أن يكون محل خلاف مقبول من طرف من يفهم فهماً غير الفهم الذي ارتضاه ابن عباس، اعتماداً على شاهد غير الذي اعتمد عليه، أو جنوحاً إلى تخريج للتركيب على غير ما خرجه عليه؛ أو يكون محل خلاف معتبر أيضاً من طرف من عنده معرفة أمر من التواريخ أو أخبار الكتب السماوية القديمة يختلف عما عند ابن عباس، ويمكن توسيع المفاد القرآني به على خلاف ما رأى ابن عباس في توسيع المفاد القرآني بما لديه من المعرفة، ومن هنالك بدأ التفسير بالمأثور، يختلف بلون آخر من التفسير: يقبل اختلاف الأفهام، واختلاف التقادير، واختلاف الاجتهاد في استنباط المعنى، تبعاً لاختلاف ما يرجع إليه الاستنباط: من فهم لغوي، أو معرفة تاريخية لم تؤثر في السنة النبوية.
وكما كان التفسير بالمأثور يرد هذا المورد الممزوج بغير المأثور عند ابن عباس، كان يرد كذلك عند غيره من الصحابة المختصين بالتفسير...] انتهى..
وبعد هذه المناقشة الرائعة والتحقيق الموفق يخلص الشوكاني لنتيجةٍ جيدة فيقول:
[ وَالَّذِي أَرَاهُ لِنَفْسِي، وَلِكُلِّ مَنْ أَحَبَّ السَّلَامَةَ، وَاقْتَدَى بِسَلَفِ الْأُمَّةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ..
مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ فِي إِنْزَالِهَا حكمة لله عزّ وجلّ لا تَبْلُغُهَا عُقُولُنَا وَلَا تَهْتَدِي إِلَيْهَا أَفْهَامُنَا.. وَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى السَّلَامَةِ فِي مَدَاكَ فَلَا تُجَاوِزْهُ.. ].. انتهى..
ولقد آثرت ان استفيض في هذا المبحث لما في ذلك من فوائد منهجية هامة في التعامل مع كتاب الله ومحاولات التدبر والفهم لكلام الله تعالى.. وليتأمل القارئ مشكورا ما رميت إليه بقراءةٍ متأنيةٍ لهذا المبحث...
راجع من مصادر هذا المبحث:
فتح القدير للشوكاني (1/ 34-38).
ومقال بعنوان: أضواء على تفسير سورة البقرة للدكتور صبحي الصالح ، المصدر: مجلة الفكر الإسلامي-العدد2....
((منقول))
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2019-03-07, 11:31 AM
memain memain غير متواجد حالياً
عضو فعال بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-10-07
المشاركات: 120
حوار رد: تفسير الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن

يقينا ان لهذه الحروف التى تقرأ باسمائها الموجوده فى بداية تسع وعشرون سوره
حكم وحكمه هكذا قال اغلب علماء الامه
من سيدرك هذه الحكمه او الحكم
ما نوع هذه الحكمه او الحكم
من يفسر هذه الحكمه او الحكم
متى تدرك هذه الحكمه او الحكم
من المسستفيد من هذه الحكمه او الحكم
تسائلات من يجيب عليها ؟؟؟

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع الأقسام الرئيسية مشاركات المشاركة الاخيرة
تناسب فواتح سور القرآن الكريم مع خواتيمها / د. فاضل السامرائي Nabil الإعجاز فى القرآن والسنة 86 2019-10-20 09:28 PM

*** مواقع صديقة ***
للإعلان هنا تواصل معنا > واتساب


 سطحة شمال الرياض   سطحة بين المدن   سطحه شرق الرياض   شحن السيارات   سطحة هيدروليك   شركة نقل السيارات بين المدن   أرخص شركة شحن سيارات   شركة شحن سيارات   شراء سيارات تشليح   بيع سيارة تشليح 
 شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   شركة عزل شينكو بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة كشف تسربات المياه 
 yalla shoot   يلا شوت   yalla shoot   سوريا لايف 
 kooralive   اشتراك hulk   يلا شوت   اهم مباريات اليوم   يلا شوت   يلا كورة 
 تطبيقات تسويقية   شركة صيانة افران بالرياض   شركة مكافحة الحشرات   شركة سياحة في روسيا   بنشر متنقل   شركة تصميم مواقع   Online Quran Classes 

 صيانة غسالات خميس مشيط   صيانة غسالات المدينة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة ثلاجات المدينة   صيانة غسالات الطائف   صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات مكة المكرمة   صيانة ثلاجات مكة المكرمة   صيانة مكيفات مكة   صيانة مكيفات جدة   صيانة مكيفات المدينة   صيانة مكيفات تبوك   صيانة مكيفات بريدة   سباك المدينة المنورة 
 ساندوتش بانل   دعاء القنوت   شركة تنظيف بجدة   شركة تنظيف فلل بجدة   شركة مكافحة حشرات بجدة   شركة تنظيف المنازل بجدة 
 شركة مقاولات   اقرب شركة تنسيق حدائق   شركة تنظيف اثاث بالرياض   كشف تسربات المياه مجانا   لحام خزانات فيبر جلاس بالرياض   شركة تخزين عفش بالرياض   برنامج ارسال رسائل الواتساب   شركة تسليك مجاري بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   اشتراك hulk iptv   اشتراك كاسبر   أكثر مشاهير السناب في السعودية   مشاهير السناب شات   سنابات نجوم السعودية   شنطة مكياج كاملة   تنظيف خزانات بمكة   شركة تنظيف خزانات بجدة   شركة تنظيف منازل بالرياض   خدمة مكافحة الصراصير بالرياض   شدات ببجي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي اقساط   شدات ببجي   شدات ببجي تابي   مجوهرات يلا لودو   شحن يلا لودو   ايتونز امريكي   بطاقات ايتونز امريكي   شدات ببجي تمارا   شدات ببجي اقساط 
 شركة تنظيف بخميس مشيط   تشليح الرياض   شركة تنظيف افران   صيانة غسالات الدمام   صيانة غسالات ال جي   صيانة غسالات بمكة   شركة صيانة غسالات الرياض   صيانة غسالات سامسونج   تصليح غسالات اتوماتيك   شركة مكافحة حشرات   شركة عزل خزانات بجدة   دكتور جراحة مخ وأعصاب في القاهرة 
 شركة نقل عفش بالرياض   شركة نقل عفش بالرياض   اشتراك كاسبر   مكسرات لوز فستق   مظلات وسواتر   تركيب مظلات سيارات في الرياض   تركيب مظلات في الرياض   مظلات وسواتر 
 موسوعة   kora live   social media free online tools   تطبيق الكابتن تمارين كمال اجسام و فيتنس   كشف تسربات المياه بالرياض و شركة عزل خزانات المياه بالرياض  شركة صيانة افران بالرياض
 كشف تسربات المياه    شركة تنظيف منازل   نقل اثاث بالرياض   شراء اثاث مستعمل بالرياض   نقل اثاث   كشف تسربات المياه   شركة تنظيف بالرياض   شركة عزل اسطح   عزل اسطح بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   كشف تسربات المياه بالخرج   تنظيف خزانات بالرياض   شركة مكافحة حشرات بالرياض   شركة عزل اسطح بالرياض   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   كشف تسربات المياه   عزل خزانات بالاحساء   شركة نقل اثاث بالرياض   نقل عفش بالرياض   عزل اسطح   شركة تنظيف بالرياض   شركات نقل الاثاث   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل فوم بالرياض   شركة عزل خزانات بالرياض   شركة تنظيف خزانات بالرياض   شركة تخزين اثاث بالرياض   شركة تسليك مجاري بالرياض   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح   كشف تسربات المياه بالرياض   شركة كشف تسربات المياه   شركة نقل اثاث بالرياض   شركة عزل اسطح بجدة   شركة عزل اسطح   عزل خزانات   شركات عزل اسطح بالرياض   شركة عزل خزانات المياه   شركة تنظيف فلل بالرياض   كشف تسربات المياه بالدمام   شركة عزل اسطح بجدة   عزل خزانات بالاحساء   عزل فوم بالرياض   عزل اسطح بجدة   عزل اسطح بالطائف 


Powered by vBulletin Copyright ©2000 - 2024 Jelsoft Enterprises Ltd